مركز بيان للهندسة المالية اإلسالمية ملتقى الخرطوم للصناعة المالية النسخةالسادسة بحث بعنوان : مخاطر عقد السلم وكيفية معالجتها الدكتور /موس ى آدم عيس ى رئيس الاستشارات الشرعية والحوكمة البنك ألاهلي التجاري 1 بسم اهلل الرمحن الرحيم مقدمة الحمد هلل رب العاملين ،والصالة والسالم على أشرف املرسلين ،سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين، وبعد.. فإن الصناعة املصرفية إلاسالمية قد خطت خطوات جادة نحو التطوير والتنويع في املنتجات ،وألادوات ،فقد بدأت َّ َ والسلم لتصل إلى الصكوك بأنواعها ،ولكن أثناء التطبيق تظهر مشكالت البنوك إلاسالمية باملرابحات ،فاالستصناع ومخاطر ،فتعقد الندوات واملؤتمرات لدراسة تلك املشكالت والبحث عن حلول شرعية لها ،ومن ذلك ملتقى الخرطوم السادس لتطوير املنتجات إلاسالمية وشعاره "السلم وتطبيقاته املعاصرة" وقد شرفني املجلس العام للبنوك واملؤسسات املالية إلاسالمية ومركز بيان للهندسة املالية إلاسالمية لكتابة ورقة في موضوع ”مخاطر عقد السلم وكيفية معالجتها" .فقمت بجمع ما تناثر من حول املوضوع من كالم الفقهاء في املذاهب الفقهية املختلفة وكذلك من السادة العلماء املعاصرين ،وعرض ما ظهر حول ما ظهر لي بشكل علمي ممنهج. و قد تناولنا في البحث املسائل التالية : -1مفهوم املخاطر في اللغة والشرع وفي اصطالح املاليين . -2مفهوم عقد السلم ومخاطره . -3القواعد العامة إلدارة املخاطر في القطاع املصرفي. -4استراتيجيات ادارة مخاطر السلم ويشمل : ً أوال :أساليب إدارة املخاطر الائتمانية للتمويل بالسلم ً ثانيا :إدارة املخاطر السوقية للتمويل بالسلم وتضمن البحث مجموعة من ألادوات التي يمكن استخدامها إلدارة املخاطر السلم مع تأصيلها الشرعي . وأغتنمها فرصة طيبة لشكر الجهات املنظمة للملتقى على دعوتها لي وجهدها الكبير في إلاعداد والتنظيم .وأسأل هللا تبارك وتعالى أن يجعله في ميزان حسناتنا جميعا ،وأعتذر عن التقصير وعما أكون قد وقعت فيه من زلل وخطأ. وصلى هللا على سيدنا محمد ولى آله وصحبه وسلم الباحث 2 -1مفهوم املخاطر : 1/1املخاطر في اللغة : كلمة املخاطر في اللغة العربية مرادف للفظ Risksفي اللغة الانجليزية والتي تعني حالة التعرض للهالك أو الخسارة . وال يختلف معنى كلمة املخاطر في اللغة العربية عن معناه في اللغة الانجليزية ،فاملخاطرة مأخوذة من الفعل الثاليث املزيد خاطر يخاطر مخاطرة ،أي عرض نفسه للخطر بمعنى الاشراف على الهلكة ومنه قولهم " أمس ى على خطر عظيم أي على شفا هالك " ،1والخطر في ألاصل " الرهن " وما يخاطر عليه ،ورد في القاموس املحيط "تخاطروا: ً ً تراهنوا ،وأخطر جعل نفسه خطرا لقرنه فبارزه .وأخطر ،واملال جعله خطرا بين املتراهنين ..وخاطر بنفسه أشفاها 2 ُ ملك " على لك أو نيل ٍ خطر ه ٍ ٍ فاملخاطرة في اللغة تعني الرهان والتعرض للهالك والتلف . 2/1املخاطرة في الاصطالح الشرعي : ً ً لم يفرد الفقهاء مصطلحا خاصا باملخاطرة ،وإن ورد استعمالها في مدوناتهم بمعان مختلفة وإن كانت متقاربة ،من ذلك : ( أ ) الغرر والقمار : يقول شيخ الاسالم ابن تيمية " ...فلفظ امليسر في كتاب هللا يتناول هذا كله ظن ،وما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه "نهى عن بيع الغرر" يتناول كل ما فيه مخاطرة ،كبيع الثمار قبل بدو صالحها وبيع ألاجنة في البطون وغير ذلك " . 3 (ب) الرهان وامليسر : ُ ويومئذ يفرح املؤمنون" فرح أبوبكر رض ي هللا عنه في مخاطرته الب بن خلف .4 ذكر ألالوس ي في قوله تعالى" : ٍ 1 (( 2 )) ) )3 ) )4 أبن دريد ،جمهرة اللغة 855/1 ،مادة خرط الفيروز آبادي القاموس المحيط ،مؤسسة الرسالة الطبعة الثالثة 1991 -1111م مادة خاطر ابن تيمية ،ج 111 / 1 أي في رهانه له ،أنظر روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للعالمة محمود األلوسي ، 1991 ،ج111/11 3 (ج) املجازفة والتعريض للهالك : ذكر النووي في شرح صحيح مسلم بخصوص قسمة املبيت عند الزوجات "أنه يستحب أال يزيد في القسم على ليلة؛ ألن فيه مخاطرة بحقوقهن " 5 (د) مخاطر التجارة : ذكر ابن القيم أن "املخاطرة مخاطرتان :مخاطرة التجارة ،وهو أن يشتري السلعة يقصد أن يبيعها ويربح ويتوكل على هللا في ذلك ،والخطر الثان :امليسر الذي يتضمن أكل املال بالباطل .فهذا الذي حرمه هللا تعالى ورسوله ،مثل :بيع املالمسة واملنابذة وحبل الحبلة واملالقيح واملضامين ،وبيع الثمار قبل بدو صالحها " 6 3/1املخاطرة لدى املاليين والاقتصاديين : -1عرفت لجنة التنظيم املصرفي وإدارة املخاطر املنبثقة عن هيئة قطاع املصارف في الواليات املتحدة الامريكية ( )Financial Service Roundtable FSRاملخاطرة بأنها " احتمالية حصول الخسارة ،إما بشكل مباشر من خالل خسائر في نتائج الاعمال ،أو خسائر في رأس املال ،أو بشكل غير مباشر من خالل وجود قيود تحد من قدرة املصرف على الاستمرار في تقديم أعماله وممارسة نشاطاته من جهته ،وتحد من قدرته على استغالل الفرص املتاحة في بيئة العمل املصرفي من أخرى " 7 فاملخاطر من وجهة النظر املالية واملصرفية تشمل كل ما يمكن أن يؤدي إلى خسائر في نتائج ألاعمال أو في رأس املال ،كما تشمل كل ما يحد من قدرة املصرف (املؤسسة) من الاستمرار في أداء أعماله كما هو مخطط لها ،ولهذا نجد أن بعض القواميس قد عرفت املخاطر على أنها "أي ش يء يحول دون أن يحقق البنك ً أهدافه ،أو تلك الاشياء التي تؤثر سلبيا على البنك " Risk is anything that prevent the bank from achieving its objectives, or otherwise may have an adverse impact on the bank” 8 5 ) ) النووي ،شرح صحيح مسلم 1991م ،ج199/8 6 )) )The Financial Service Roundtable FSR , Guiding principles in Risk Management, US Commercial Banks ,1999 )7 )Glossary of Risk Terms and Definitions )8 4 -2وعرف معهد املدققين الداخليين ألامريك ( (American Institute of Internal Auditorsاملخاطرة بأنها "مفهوم يستخدم لقياس حاالت عدم التأكد في عمليات التشغيل والتي تؤثر على قدرة املؤسسة في تحقيق ً ً أهدافها ،ويمكن أن يكون ألاثر سلبيا فيطبق عليه خطر /تهديد ،اما إذا كان ايجابيا فيطلق عليه فرصة " ويختصر بعض الباحثين تعريف املخاطر بأنها "الخسارة املالية التي يمكن التعرض لها نتيجة للتغيرات غير املؤكدة " 9 ويذكر البعض أن املخاطر هي "احتمالية التعرض إلى خسائر غير متوقعة وغير مخطط لها ،نتيجة تذبذب العائد املتوقع على استثمار معين ،أي انحراف ألارقام الفعلية عن ألارقام املتوقعة " 10 /1مقارنه بين مفهوم املخاطرة لدى الفقهاء ولدى املاليين : لعلنا نلحظ أن مفهوم " املخاطرة " لدى الفقهاء ينصب في أغلب معانيه إلى الخلل الناش ئ في "صيغة العقد" كما هو ً ظاهر جليا في عقود الغرر وامليسر والقمار ،إذ أن صيغة العقد في ذاتها تتضمن تعرض أحد طرفيه الحتمالية الخسارة .أما مفهوم املخاطرة لدى املاليين واملصرفيين ،فهو يتعلق بالعوامل والظروف التي تكون الحقة للتعاقد، وتحول دون قدرة أحد طرفيه للوفاء بما التزم به ،وهذه الظروف قد ال تكون لها أدنى عالقة بصيغة العقد ،فقد ً تكون صيغة العقد صحيحة ومستوفية للشروط الشرعية ،ومع ذلك يتولد عن تلك العالقة الحقا مخاطر باملفهوم املالي .وهذا في نظرنا فرق مهم ينبغي للباحثين التنبه له عند دراسة وتحليل مفهوم املخاطرة لدى املاليين والشرعيين. 9 ) ) أنظر براحلية ،بدر الدين وبراحلية العاليمية ،فاطمة ،مخاطر التمويل بصيغة السلم ،بحث مقدم الى المؤتمر الثامن لالقتصاد او التمويل االسالمي قطر 1111 ،م صفحة 11 ) )10سعيد عبودة السامرائي ،القاموس االقتصادي الحديث ،الطبعة االولى بغداد 1951مطبعة المصارف صفحة 111 5 /2مفهوم عقد السلم ومخاطره: ً عقد السلم كما هو معروف لدى الفقهاء :عبارة عن بيع موصوف في الذمة بثمن يدفع عاجال. ويشترط في السلم تسليم رأس املال في مجلس العقد ،وتحديد مواصفات املبيع ،ووقت ومكان التسليم ..الخ ويمكن أن نقول أن شروط عقد السلم تتضمن شتى أنواع املخاطر ،ألامر الذي يمكن القول معه أن عقد السلم من العقود عالية املخاطر . وعقد السلم يصنف ضمن العقود آلاجلة ،وإن كان يختلف عنها في بعض الجوانب ،وذلك على النحو آلات : -1يشبه عقد السلم العقود آلاجلة من زاوية أن في كليهما التزام بتسليم العين املبيعة باألجل ،ويفترق السلم عن العقود آلاجلة بأنه يشترط فيه تسليم رأس املال في مجلس العقد. -2ال يوجد في كليهما سوق منظمة ،وإنما يتم العقد وينظم في شكل عالقة ثنائية بين طرفين . -3في كال العقدين ال توجد جهة حكومية منظمة له . -4ال يتطلب عقد السلم دفع التزامات مالية خالل مدة العقد ،كما هو الحال في املستقبليات أو العقود آلاجلة ،وإنما يتم تسديد الثمن عند التعاقد وتسوية املبيع في نهاية العقد . -5ال يوجد في عقد السلم جهة تتولى املقاصة بين الطرفين ،وتضمن بموجب ذلك السداد عند ألاجل ،ولهذا تتزايد احتمالية العجز عن السداد. 1-2مخاطر عقد السلم تقسيم املخاطر لدى املاليين واملصرفيين : هناك ثالثة أنواع رئيسة من املخاطر التي يمكن أن يتعرض لها املصرف في حالة التعامل بعقد السلم ،وهي املخاطر الائتمانية ،واملخاطر السوقية ،واملخاطر التشغيلية ،ويضاف إليها أيضا املخاطر الاخالقية . 6 ً أوال :املخاطر الائتمانية ()Credit Resks يقصد بمخاطر الائتمان أو املخاطر الائتمانية ،املخاطر التي تنشأ بسبب احتمال عدم مقدرة أو عدم رغبة ً العميل املتمول بالوفاء بالتزاماته وفقا للشروط املتفق عليها. ً وقد يكون عدم الوفاء بااللتزام ناشئا عن :إما لعدم السداد كليا ،أو التأخر في السداد ،أو عدم تسليم ألاصل املتعاقد عليه .وجميع هذه الحاالت تنشأ عنها مخاطر ائتمانية يترتب عليها خسارة محتملة في الدخل أو في رأس املال. ولعل قولنا أن املخاطر الائتمانية تنشأ بسبب احتمال عدم مقدرة العميل على الوفاء ،أو عدم رغبته في الوفاء ،يشير إلى أن أسباب املخاطر الائتمانية قد تكون ناشئة عن تعثر في نشاط العميل الذي موله البنك ،بحيث يكون العميل في ظله في وضع إما أنه ال يقدر على السداد ،أو أن يتأخر في السداد . أما الحالة الثانية :فتكون حينما يكون سبب عدم سداد العميل اللتزاماته ليس بسبب تعثر في نشاطه ولكنه يكون بسبب مماطلة من العميل وعدم رغبته في الوفاء بما التزم به ،وفي كلتا الحالتين يترتب على البنك خسائر مالية قد تكون إما في العائد أو في رأس املال. ً َ سواء كانت تقليدية أو إسالمية ،وإن كانت املخاطر الائتمانية جمي ُع أنواع التمويل التي تقدمها البنوك، وتواجه تتميز في البنوك الاسالمية بميزة مختلفة ،تتمثل في محدودية ألادوات التي يمكن أن تستخدمها البنوك الاسالمية في إدارة تلك املخاطر ،مقارنة بالبنوك التقليدية ،كما سنرى في ثنايا هذا البحث إن شاء هللا تعالى. املخاطر الائتمانية لعقد السلم : والسلم باعتباره أحد أنواع التمويل إلاسالم يتميز بخصائص تتضمن مخاطر ائتمانية ،منها : -1أن السلم تمويل سلعي ،بمعنى أن التزام العميل يكون بتسليم كمية محددة من سلعة معينة وبمواصفات متفق عليها ،وهذا ألامر يولد مخاطر تتمثل في التزام العميل بتسليم السلعة موضوع السلم ،وكذلك التزامه باملواصفات وآلاجال والكميات املتفق عليها . -2أن السلم يتعلق في الغالب بالتمويل الزراعي ،أي أن التزام العميل فيه يكون بتسليم سلعة يزرعها بنفسه أو يشتريها من السوق عند الاجل ،ومن املعلوم أن النشاط الزراعي يعتمد في الغالب على العوامل املناخية من أمطار وطقس وتربة ،مما يوسع من دائرة احتماالت الاخفاق .وتشير بعض الدراسات إلى إثبات هذه 7 الحقيقة حيث تبين فيها أن طبيعة النشاط تؤثر على معدالت التعثر ،فالنشاط التجاري أقل الانشطة مخاطرة يليه الصناعي ثم الزراعي . 11 -3أن السلم عقد آجل ،بمعنى أن التزام العميل بسداد ما عليه يكون وفق أجل متفق عليه بين البنك املمول والعميل. لكل هذه الاسباب نجد أن عقد السلم يتميز بمخاطر ائتمانية عالية ،وتشير الدراسات امليدانية التي أجريت حول تطبيق السلم في بعض البلدان إلى هذه الحقيقة . ولعل من أفضل التجارب التي يمكن الاستدالل بها على املخاطر الائتمانية في عقد السلم ،هي تجربة السودان، الذي قام بتطبيق عقد السلم على نطاق واسع في تمويل القطاع الزراعي ،ودونما دراسة واضحة وجلية للمخاطر املتضمنة في التمويل عن طريق السلم ،وتشير دراسة موسعة حول هذا املوضوع الى أن تجربة التمويل بالسلم ً واجهت عائقا يتثمل في تحصيل مديونيات السلم ،وذلك إما بالعجز عن السداد أن بتأخيره .ويقول الدكتور عثمان بابكر في دراسته أنه :في العام ألاول لتجربة محفظة تمويل املؤسسات الزراعية الحكومية لم تتسلم املحفظة حصيلة مبيعات القطن الذي مولته إال بعد سته أشهر من املوعد املحدد للتصفية .وفي املوسم الزراعي 1991/9م لم تتسلم ً ً املحفظة شيئا من محصول القمح املتعاقد عليه سلما من بعض املؤسسات املمولة ،مما أضطرها الى اللجوء إلى الضمانات ،وألامر نفسه تكرر بشكل أو آخر في موسم 1993/92م إذ لم تسدد شركة ألاقطان السودانية سوى %22 من حصيلة املبالغ املستحقة عليها ،كما لم تسترد املحفظة سوى %49من كميات القمح التي أسلمت فيها خالل عام ً 1993/92م ،ولم تتسلم من بعض املؤسسات الزراعية ألاخرى املمولة سلما سوى %11من حصيلة القمح التي تعاقدت عليها . ويشير الدكتور بابكر إلى أربعة أسباب رئيسة لهذه الظاهرة التي صاحبت التمويل بالسلم ،مما ترتب عليها إما عجز عن السداد أو التأخر في السداد وهي: 12 -1العوامل الطبيعية التي أثرت في إلانتاجية خالل بعض ألاعوام . -2عقبات الترحيل والتخزين -3صعوبة وضعف املتابعة من قبل البنوك خاصة للمزارعين في املناطق النائية. -4مماطلة املزارعين في سداد ما عليهم من مستحقات لشعورهم بالغبن ) )11مخاطر تطبيق صيغ التمويل في االسالم ،حسب الرسول يوسف التوم وآخرون مجلة العلوم والبحوث االسالمية ،العدد الخامس ،أغسطس 1111 ) )12تجربة البنوك السودانية في التمويل الزراعي بصيغة السلم ،د .عثمان بابكر ،المعهد االسالمي للبحوث والتدريب1995، 8 ً ثانيا :املخاطر السوقية ( ) Market Risks يقصد بمخاطر السوق" :مخاطر الخسائر في املراكز الاستثمارية وخارج قائمة املركز املالي والتي تنشأ عن حركة أسعار السوق ،نتيجة التقلبات في قيمة املوجودات املقابلة للتداول أو التأجير ( ) ...وفي محافظ الاستثمار املدرجة خارج املركز املالي بشكل انفرادي " ،وترتبط املخاطر السوقية بالتقلبات الحالية واملستقبلية في القيم السوقية ملوجودات محددة ،ومن أمثلة ذلك: سعر ملوجود موضوع عقد سلم ،والقيمة السوقية للصكوك ،والقيمة السوقية ملوجودات مرابحة تم شراؤها وسوف 13 يتم تسليمها على مدى فترة زمنية محددة " ولعل من أشهر أنواع املخاطر السوقية ،انخفاض قيمة أسهم شركة يمتلكها الشخص أو إفالس تلك الشركة . ويجري التمييز عادة بين نوعين من املخاطر السوقية ،وهي : ( )1املخاطر السوقية في دفاتر البنك 14ويقصد بها التغيرات غير املواتية في أسعار العمالت ألاجنبية وفي أسعار الفائدة ويتفرع عن هذه املخاطر ثالثة أنواع: أ -مخاطر أسعار الفائدة في دفاتر البنك . ب -مخاطر أسعار العمالت ألاجنبية التي يجري التعامل بها من قبل البنك . ت -مخاطر أسعار العمالت ألاجنبية في دفاتر البنك. ( )2املخاطر السوقية في الدفاتر التجارية . ويقصد بها الخسائر التي تنشأ نتيجة للتغيرات غير املواتية في ألاسعار السوقية لألصول التي يتاجر فيها البنك مثل ألاسهم وسائر السلع . 13 ) ) المبادىء االرشادية إلدارة المخاطر للمؤسسات ( عدا المؤسسات التأمينية ) التي تقتصر على خدمات مالية اسالمية ،مجلس الخدمات المالية االسالمية ديسمبر 1118صفحة . 19 ) ( 14تغطي الدفاتر المصرفية كل األرصدة التي ال يمكن بيعها لسبب أو ألخر . 9 املخاطر السوقية لعقد السلم : ً حيث إن استحقاق البنك في عقد السلم هو عبارة عن سلع يشتريها ويدفع ثمنها مقدما ،فإن البنك يتعرض عند استحقاق تسلم سلعة السلم لعدد من املخاطر ،أهمها ما يلي : -1مخاطر كساد سلعة السلم التي اشتراها البنك . -2مخاطر انخفاض أسعار سلعة السلم ،بحيث يترتب على ذلك خسائر على البنك في حالة قيام البنك ببيع سلعة السلم . -3مخاطر عدم التزام البائعين في تسليم سلعة السلم في آجالها ،حيث إن عدم التسليم في ألاجل تترتب عليه خسائر هي عبارة عن الفرصة الضائعة على البنك في استثمار ثمن البيع في أنشطة أخرى . -4مخاطر تشغيلية ،تتمثل في إجراءات تسلم سلعة السلم ونقلها وتخزينها وتسويقها. وجميع هذه املخاطر تعرض البنك لخسائر في العائد أو في رأس املال . ثالثا :املخاطر لاخالقية للتمويل بالسلم ()Ethical Risks يقوم التمويل بالسلم على الثقة التي يوليها املشتري البائع في قدرته على الوفاء بما التزم به وتسليم السلعة ً املتفق عليها بالكميات واملواصفات وألاجل املتفق عليه .غير أن كثيرا من العمالء قد يس يء إلى ثقة املصرف وينصرف ذهنه إلى استغالل هذه الثقة ،وذلك إما بعدم استخدام التمويل في ألاغراض إلانتاجية ،ألامر الذي يترتب عليه ضعف قدرته على السداد ،أو أن ال يلتزم بالسداد في ألاجل املحدد ،أو أن ال يلتزم بمواصفات السلعة املتفق عليها ....الخ 10 .3القواعد العامة إلدارة املخاطر في القطاع املصرفي بالنظر ألهمية عملية إدارة املخاطر في املصارف ،قامت لجنة الخدمات املالية املنبثقة عن هيئة قطاع املصارف في ً الواليات املتحدة ألامريكية والتي تضم في عضويتها ما يزيد على 125مصرفا ومؤسسة مالية بتشكيل لجنة فرعية تحت مسمى "لجنة قواعد إدارة املخاطر" وقامت هذه اللجنة بصياغة دليل يتضمن القواعد العامة إلدارة املخاطر في املصارف ،وأهم ما يتضمنه هذا الدليل ما يلي: -1مسئولية مجلس إلادارة وإلادارة العليا: واملقصود بمسئولية مجلس إلادارة وإلادارة العليا :أن من أهم مسئوليات إلادارة العليا للبنك تحديد مستوى املخاطر التي يقبلها املصرف وأساليب قياسها وكيفية الرقابة عليها .وإذا طبقنا هذا املبدأ في عقد السلم ،فينبغي ملجلس إلادارة وإلادارة العليا للبنك صياغة استراتيجية واضحة للمخاطر التي يتضمنها الدخول في عقود السلم وأساليب واضحة لقياسها والرقابة عليها ،ومن ثم وضع املستوى املقبول من املخاطر التي يجوز إلدارة البنك القبول بها ،والتأكد من مراقبتها بصورة مستمرة. -2صياغة إطار إلدارة املخاطر: ويقصد بهذا املبدأ أن يكون للمصرف دليل يحدد جميع أنواع املخاطر في أنشطة املصرف ،ويتضمن ذلك قياس تلك املخاطر ،ومراقبتها وكيفية إلابالغ عنها. -3تكامل عملية إدارة املخاطر: ويقصد بهذا املبدأ التنبيه إلى مسألة مهمة وهي أن إدارة املخاطر يجب أن تكون بصورة كلية تشمل جميع أنواع املخاطر ،ودراسة مدى تأثير بعض أنواع املخاطر على بعضها ،إذ يمكن أن تتحول املخاطر التسويقية إلى مراحل ائتمانية . -4محاسبة خطوط إلانتاج : 11 يتطلب هذا املبدأ من إدارة البنك تحديد املستويات املختلفة للمسئولين ،وأن يكون كل مستوى من ً ً ً مستويات إلادارة مسئوال عن قراراته ،ومدركا ملسئولياته ،وعارفا باملخاطر املتولدة عن قراره ،ومدى تأثيرها عن املنشأة . -5تقييم وقياس املخاطر ً يهدف هذا املبدأ إلى ترسيخ مفهوم أن تحديد املخاطر ال قيمة له من الناحية العلمية إن لم يكن قابال للقياس ،ذلك أن الخطر درجات ،فوجب التعرف على تلك الدرجات بشكل واضح ،ومقارنة املخاطر املتضمنة في القرارات املختلفة مع بعضها البعض ثم العائد املتوقع من الاستثمار 15 -2املراجعة املستقلة : ً من املهم جدا أن يتوفر لدى املصارف جهة تتولى مراجعة القرارات ،على أن تكون هذه الجهة مستقلة وتتمتع بالصالحيات والخبرات الالزمة لتقييم املخاطر ،وكذلك لديها القدرة على اختبار فعالية أدوات إدارة املخاطر ،ثم تقوم برفع التقارير والتوصيات الالزمة لعالج أي خلل . -1التخطيط للطوارئ : يهدف هذ املبدأ إلى أن تكون للمصرف استراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع الحاالت الطارئة والظروف غير املتوقعة ،على أن تتضمن تلك الاستراتيجية وسائل العالج في الوقت املناسب . 16 هذه هي أهم ألاسس واملبادئ التي يجب على مؤسسة التمويل مراعاتها ،والتأكد من توفرها ،حتى يمكن أن تكون إدارة املخاطر وفق ألاساليب العلمية . ( (15د .خديجة خالدي ،إدارة المخاطر في البنوك اإلسالمية ،صفحة 1 ( (16راجع في هذه المبادئ :إدارة المخاطر لدى المصارف صفحة 11-11 12 /4استراتيجيات إدارة مخاطر السلم التأمل في السبل الضرورية إلدارة مخاطر عقد السلم يقودنا إلى مقدمة ضرورية تتعلق بالتمويل الاسالم ، مقارنة بالتمويل التقليدي ،والطبيعة املميزة لكال النوعين من التمويل. فالتمويل التقليدي الذي في ألاساس يقوم على عقد القرض ،هو تمويل نقدي يقوم على أساس التزام ً املصرف بتقديم النقد لعميله ،وفقا ملعايير وأسس ائتمانية متعارف عليها ،تشمل الدراسات الائتمانية للعميل والضمانات الالزمة ملجابهة حاالت املماطلة والتعثر ..وما إلى ذلك. أما التمويل إلاسالم فهو باإلساس تمويل سلعي يقوم على قاعدة تملك البنك لسلعة أو خدمة تم بيعها أو تأجيرها للعميل بعد أضافة هامش ربح معين. فهذه املقارنة تتولد عنها اختالفات جوهرية في ألاسس الحاكمة للجهاز املصرفي املقدم لهذين التمويلين، فالتمويل التقليدي بحكم طبيعته النقدية محكوم باألساس من قبل القوانين املنظمة لحركة سوق النقد وعلى ً رأسها املصرف املركزي ،وفي املقابل فإن الناظر للطبيعة السلعية للتمويل الاسالم يجد أنه ينبغي أن يكون محكوما ً بالنظم والقوانين املنظمة لحركة السلع "وزارة التجارة مثال ". لكن هناك بعض الدول ال يوجد في أنظمتها هذا التمييز ،وبالتالي فاملصارف إلاسالمية في تلك الدول بالرغم من أن نشاطها سلعي إال أنها خاضعة لنفس القوانين والنظم الحاكمة للمصارف التقليدية .وهذه إلاشكالية تقودنا الى نتيجة مهمة ،وهي :إما أن تتبع املصارف الاسالمية نفس ألادوات التقليدية إلدارة املخاطر السلعية التي هي أساس نشاطها ،وفي هذه الحالة قد تظهر مخاطر شرعية وعملية حول جدوى مثل تلك ألادوات ،أو أن تعمل املصارف الاسالمية على ابتكار أدوات جديدة تمازج فيها بين النشاط السلعي الذي هو محور عملها ،والطبيعة النقدية الحاكمة لها . 1-4البنيات لاساسية الالزمة إلدارة مخاطر عقد السلم : عقد السلم كما -سبقت الاشارة – عقد يستهدف باألساس تمويل القطاع الزراعي والصناعي ،وعلى هذا ً ً ألاساس فهو يمثل ركنا أساسيا من أركان الحركة الاقتصادية ،وباألخص ،في الدول النامية التي تعتمد على الزراعة لتوفير السلع سواء لألغراض الاستهالكية املحلية أو ألغراض التصدير لتوفير العمالت ألاجنبية .ولهذا فإن السياسة 13 ً الاقتصادية لهذه الدول غالبا ما تركز في توجيه القطاع املصرفي لتمويل القطاع الزراعي ،وهذا التوجيه الذي يصدر في الغالب من البنك املركزي يمثل أوامر ال خيار للبنوك من الالتزام بها بحكم خضوع املصارف التجارية لسلطة البنك املركزي. وحتى يتم تأسيس وبناء هذه العالقة بشكل علمي صحيح ،نرى أنه من الضروري وقبل دخول القطاع املصرفي في تمويل القطاع الزراعي بالسلم ،العمل على توفير البنيات ألاساسية الالزمة ،والتي تمكن املصارف من اتخاذ القرارات التمويلية الصحيحة ،لك تكون قادرة على إدارة املخاطر التي قد تتولد في مثل هذا النوع من التمويل وفي هذا الصدد نقترح التالي: ً .1تطوير نظام معلومات عن القطاع الزراعي ،يكون قادرا على توفير معلومات دقيقة عن شتى أنواع ألانشطة ً الزراعية ،ويكون قادرا على إعطاء توقعات علمية عن املناخ وألامطار وآلافات الزراعية واملحاصيل وألاسعار املستقبلية لها ..إلخ ً ونظام املعلومات املقترح ينبغي أن يكون مستقال ،ويؤسس بصورة مركزية ،على أن يضم في عضويته خبراء ً من ألارصاد وخبراء زراعيين ،وأيضا يضم ممثلين للبنك املركزي والبنوك التجارية ووزارات الري واملوارد املائية ووزارة املالية ،ويتولى نظام املعلومات إصدار تقرير سنوي يضمنه توقعاته املستقبلية ،بحيث يعط مؤشرات للمحاصيل التي يمكن تمويلها ،وكذلك املناطق التي تتمتع بمزايا نسبية تساعد على نجاح املوسم الزراعي .ويكون تقرير نظام املعلومات املركزي ألاساس الذي تبنى عليه السياسة التمويلية للبنك املركز ي ،ويحق للبنوك التجارية أن تطلب من البنك املركزي ضمان تمويالتها في حال أنه طالبها ببالقيام بأعمال تخالف مخرجات تقرير نظام املعلومات املركزي . .2تطوير البنية ألاساسية في قطاعات الانتاج: من املعلوم أن العملية التمويلية عبارة عن حلقة متكاملة ،تبدأ من الدراسة الائتمانية ومنح التمويل، ً فاإلنتاج والترحيل فالتخزين ثم التسويق أخيرا .وعليه فإن اختالل أية حلقة من هذه الحلقات قد تنجم عنه مخاطر جمة ،ولهذا فمن الضروري أن يكون هناك تصور متكامل لهذه املراحل ،والعمل على استكمال الناقص منها أو تحسينه حتى تنجح العملية التمويلية . والدول النامية غير النفطية تجابه مشكالت كثيرة في مجال تأسيس البنية ألاساسية ،ولكن هناك بعض ألاساليب التي يمكن عن طريقها تأسيس جزء كبير من البنية ألاساسية عن طريق القطاع الخاص ،على أن تتولى الدولة الجزء ألاخر. 14 ً ً فعلى سبيل املثال :هناك حاجة كبيرة لتوفير الطرق ووسائل النقل التي توفر نقال آمنا للمنتجات الزراعية، وهنا يمكن للدولة أن تتولى بناء شبكة الطرق ،ويتولى القطاع الخاص توفير وسائل النقل أو أن تعمل الدولة على بناء وسائل نقل رخيصة كالسكك الحديدية والنقل النهري ،مستفيدة من نظام البناء والتشغيل ثم التحويل () BOT أو بالتعاون مع القطاع الخاص وألامر نفسه ينطبق على نظم ووسائل التخزين الحديثة ،إذ يمكن تشجيع القطاع ً ً الخاص املحلي وألاجنبي بناء نظام تخزين متطور يخدم العملية الاستثمارية ويدر عائدا مناسبا للمستثمرين،ذلك أن توفير نظم التخزين املؤهلة يساعد على : oتخفيض املخاطر بين مرحلة إلانتاج ومرحلة التسويق. oاملحافظة على املحصول من حيث وجوده ومن حيث جودته. .3تدريب العاملين في الجهاز املصرفي ،من موظفين وإداريين بطبيعة التمويل الزراعي ،بحيث تكون لهم القدرة على قراءة املعلومات التي يوفرها "نظام املعلومات املركزي" وتحليلها واتخاذ قرارات ائتمانية على أسس علمية بموجبها .وفي الوقت نفسه يجب تدريب العاملين في القطاع املصرفي على املخاطر املتولدة عن التمويل بالسلم والادوات الالزمة إلدارة تلك املخاطر. .4إيجاد مؤسسة ضبط املواصفات :إن عدم وجود جهة تضبط املواصفات ،وتكون قادرة على بيان الفروقات بين املنتجات املختلفة ،وإظهار العيوب الخفية فيها ،من شأنه أن يحدث إشكاليات بين املمولين واملتمولين بالسلم ويزيد من مخاطر التمويل ،وتحد من املخاطر ألاخالقية التي يجابهها املصرف الاسالم . ً ً .5تطوير السوق ،بحيث يكون قادرا على استيعاب املنتجات املشتراه سلما ،والاستجابة للبائعين الذين يرغبون ً في بيع املنتجات التي اشتروها سلما ،والحصول على النقد من خالل إيجاد شبكة تجارية محلية مستقرة وذات سيولة مناسبة ،هو أمر يساعد على تقصير دورة التمويل وتخفيض املخاطر. 2-4لادوات الشرعية إلدارة مخاطر عقد السلم من املعلوم أن املخاطر جزء من العملية الاستثمارية فال يوجد استثمار من دون مخاطر ،حيث إن املخاطر كما يقول الخبراء مثل املادة ال تفنى ولكنها تتغير من شكل إلى آخر .وعلى ذلك فاملطلوب هو إدارة املخاطر وليس القضاء على املخاطر أو إلغائها ،ولهذا فإن الهدف الاستراتيجي من إدارة املخاطر ،هو السيطرة عليها من خالل تحديد أنواع 15 املخاطر التي يمكن أن يتعرض لها املصرف ،وتلك التي يمكن أن يتعرض لها كل موجود من املوجودات والقدرة على كاف 17" ... التنبؤ بوقوع هذه املخاطر قبل حدوثها بوقت ٍ وعلى هذا فإن استراتيجيات إدارة املخاطر تقوم على أساس أن املخاطر يمكن تقسيمها إلى ثالث مجموعات : ألاولى :مخاطر متكررة وال يترتب عليها خسائر كبيرة ومن املمكن ادارتها ،فهذا النوع من املخاطر يمكن قبوله والتعامل معه من خالل تطوير ألادوات والسبل الالزمة إلدارته . الثانية :مخاطر غير متكررة وال يمكن التنبؤ بحدوثها ،ويترتب عنها خسائر مالية ضخمة ،فهذا النوع من املخاطر يجب تجنبه . الثالثة :وسطى بين النوعين السابقين ،فهذا النوع من املخاطر يمكن توقعه ويمكن إدارته عن طريق نقله إلى جهات أخرى تكون أكثر قدرة على إدارته مثل شركات التأمين .. وخالصة القول في هذا الصدد أن إدارة املخاطر تكون إما بقبولها وتطوير أدوات داخلية إلدارتها ،وإما بتجنبها وعدم الدخول في التمويل من ألاساس؛ ألن مخاطره خارجة عن السيطرة ،وإما أن يكون عن طريق نقل املخاطر إلى جهة تكون أكثر قدرة على إدارتها. ً وسيكون تناولنا ألدوات إدارة مخاطر السلم قائما على أساس هذه املوجهات الثالث مع ألاخذ في الاعتبار بالضوابط الشرعية التي تحكم التمويل بالسلم. 1-2-4أساليب إدارة املخاطر الائتمانية للتمويل بالسلم : تتولد املخاطر الائتمانية في أي استثمار نتيجة خلل في واحد أو أكثر من العناصر املشتركة في تركيبة العملية الاستثمارية ن فإذا قمنا بنظرة تحليلية ألي عملية استثمارية تبين لنا أنها تتكون من ثالثة عناصر رئيسة ،وهي: -1املشروع املمول -2العميل الذي ُيمنح التمويل ) (17د .نوال بن عمارة – إدارة المخاطر في مصارف المشاركة 1119 16 -3املصرف مانح ومدير التمويل ولهذا فإن أية عملية تمويلية سواء أكانت إسالمية أم تقليدية يعتمد نجاحها أو فشلها على مدى اتباعها ألاساليب العلمية التي سبقت إلاشارة إليها فيما تقدم ،و يتجسد تحديد النجاح والفشل في حسن اختيار املشروع، وحسن اختيار العميل ،وحسن إدارة تلك العالقة من قبل املصرف ،من حيث مراقبتها ومتابعتها وأخذ التحوطات الالزمة للحاالت الطارئة والظروف املستجدة .وتفصيل ذلك على النحو آلات : .1املشروع املمول أ -اختيار املشروع: ً ً من املهم جدا أن يقوم املصرف بدراسة املشروع الذي سيموله سلما قبل املوافقة على التمويل ،إذ ينبغي أن ً تتولد لدى إدارة املصرف قناعة بدرجة كبيرة بنجاح املشروع ،وال يكتف بأخذ الضمانات أو غيرها بديال عن الاهتمام بنجاح املشروع ،فهناك قاعدة مصرفية مهمة تقول "إن الائتمان يمنح على أساس احتمال نجاح املشروع وليس على الضمانات". وهذا ألامر يتطلب من املصارف إلاسالمية أن تكون لديها الخبرة املطلوبة في اختيار املشروعات وخاصة ً املشروعات واملحاصيل الزراعية التي غالبا ما تكون هي مجال عقد السلم ،وقد يتطلب ألامر من املصارف الاسالمية الاستعانة بخبراء أو مؤسسات متخصصة تقدم لها الاستشارة في تجارة السلع الزراعية أو الصناعية عن طريق السلم على أن تتضمن الاستشارة على سبيل املثال ال الحصر: - ً ماهي أنواع السلع التي يمكن أن يشتريها البنك سلما - متى يشتري البنك ومتى يبيع - ماهية املخاطر وحجمها في كل نوع من أنواع السلع فحصول املصارف على هذه املعلومات يعد ضرورة قبل اتخاذ أي قرار بالتمويل بالسلم ،وذلك ملا يتضمنه عقد السلم من مخاطر كثيرة هي بعيدة عن خبرة املصارف التجارية املعتادة. ب -تنويع املحفظة الاستثمارية: 17 من أهم الوسائل إلدارة مخاطر السلم الائتمانية هي سياسة تنويع وتوزيع املخاطر ،فال ينبغي للبنك أن يركز تمويله بالسلم على عميل واحد أو منطقة واحدة أو منتج واحد ،وتتطلب عملية تنويع محفظة السلم الائتمانية معرفة دقيقة باملخاطر الائتمانية في كل قطاع من قطاعات إلانتاج ،فعلى سبيل املثال :إذا كان البنك يرغب في تمويل السلم في َ القطاع الزراعي ،فينبغي دراسة املخاطر في القطاع الزراعي املطري أو القطاع الزراعي املروي ،وعليه أيضا دراسة املخاطر في كل منتج من املنتجات املزروعة ،فهل مخاطر تمويل محصول القطن أعلى أم مخاطر تمويل محصول ً القمح ،وذلك يكون طبقا للدراسات املناخية والبيئية التي يكون البنك قد استقاها من تقرير "نظام املعلومات املركزي" ومستشاره السلعي. .2دراسة العميل: تعتبر دراسة العميل أحد أهم عناصر منح الائتمان ،وتشمل دراسة العميل عدة عناصر ،أهمها ما يلي: دراسة تاريخ العميل الائتمان ،ويشمل ذلك مدى التزام العميل في سداد الالتزامات التي عليه ،واحترامهلتعهداتهً ، سواء أكانت تلك الالتزامات والتعهدات للمصرف الذي سيمنحه الائتمان أم للمصارف ألاخرى، وما إذا كان تاريخ العميل يشير إلى أنه مماطل في سداد الالتزامات التي عليه أو ال. دراسة مقدرة العميل وخبرته في إدارة املشروع الذي سيتم تمويله ،فقد تكون جميع نواحي عملية الائتمانسليمة ،ولكن ينشأ الخلل بسبب سوء إلادارة. التأكد من أهلية العميل وسالمة وضعه القانون ،باإلضافة الى دراسة الالتزامات املالية لآلخرين علىالعميل. تحليل الضمانات والرهونات التي يقدمها العميل ،إذ أن الضمانات تعتبر أحد أشكال الحماية للمصرفضد مخاطر التوقف عن السداد من قبل العميل ،وينبغي أن تشمل دراسة الضمانات تحديد نسبة قيمتها السوقية إلى مقدار مبلغ التمويل ،ومدى قابلية تلك الضمانات للتسييل وسهولة التسجيل لدى السلطات املختصة. وهناك عدة مصادر يمكن أن يلجأ إليها املصرف الستقاء املعلومات املتعلقة بالعميل ،منها السجل الائتمان للعميل لدى املصرف ولدى املصرف املركزي واملصارف ألاخرى ،باإلضافة إلى املقابالت الشخصية مع العميل، وتحليل ميزانياته املالية ،ودراسة وضع الشركة القانون ،ودراسة املديرين للشركة ومؤهالتهم ..الخ 18 .3املصرف مانح ومدير التمويل: يتولى املصرف مانح التمويل بالطبع دراسة املعطيات املتعلقة باملشروع ،وتلك املتعلقة بالعميل ،للوصول إلى قرار منح التمويل للعميل ،ويقتض ي ذلك التأكد من الجدوى الاقتصادية للمشروع .وحيث إن السلم له طبيعة ً ً خاصة ،من حيث أنه ينش ىء للبنك حقا سلعيا يقبضه في املستقبل ،فينبغي أن تشمل دراسة جدوى التمويل بالسلم جوانب مهمة باإلضافة ملا تقدم منها: ً التأكد من ألاسعار الحالية للسلعة املمولة سلما دراسة ألاسعار املستقبلية للسلعة دراسة فرص تسويق السلعة عند تاريخ تسلمها دارسة وسائل نقل وتخزين السلعة دراسة الضرائب والرسوم التي تفرض على السلعة دراسة فرص نقل مخاطر التمويل الى طرف ثالث -4متابعة قرار الائتمان: في حال استيفاء العميل واملشروع للشروط واملخاطر التي يقبل بها البنك ،وقرر البنك منح العميل التمويل بالسلم ،فينبغي في هذه الحالة استكمال الجوانب القانونية والشرعية ملنح العميل التمويل بالسلم ،ومن ذلك بالطبع تحديد السلعة موضوع السلم ،من حيث نوعها ومواصفاتها وكميتها ومكان وأجل تسليمها ...الخ .وكذلك من حيث آلالية التي يتم بها تسليم رأس املال ،وجميع هذه العناصر تتطلب جهاز متابعة دقيق من قبل املصرف ،للتأكد من أن رأس مال السلم يتم استخدامه في املجال املخصص له ،وليس في مجاالت أخرى ،مما يؤثر على نجاح املشروع ،حيث اتضح من ً الدراسات امليدانية أن أحد أسباب عجز العمالء املمولين سلما يرجع في كثير من ألاحيان إلى أن العمالء ،وخاصة ً املزارعين ،كثيرا ما يستخدمون رأس مال السلم في أغراض آخرى مما يؤثر على نجاح املشروع. وربما يثير موضوع الاشتراط على العميل استخدامه رأس مال السلم في املشروع املخصص له دون غيره، ً ً مسألة شرعية وتساؤال عن مدى مشروعية مثل هذا الشرط ،وهل يعد مثل هذا الشرط تقييدا لحرية العميل في التصرف في ملكيته التي نشأت له بموجب عقد البيع ؟ والذي يترجح لدينا جواز مثل هذا الشرط ،إذ يمكن اعتباره من 19 الشروط التي فيها مصلحة للطرفين ،مثل الرهن والضمان ،وذلك أن استخدام رأس مال السلم في غير ما خصص له ً ربما يكون سببا في عجز العميل عن الوفاء بما التزم به ،وباملقابل فإن استخدام رأس مال السلم في املشروع الذي أسلم فيه يعد أحد أسباب نجاح املشروع ،كما أن ذلك يعط املمول ثقة في العميل وفي جديته .. وقد ناقشت الهيئة الشرعية للبنك ألاهلي التجاري هذا الشرط وأجازته ( حيث نصت في قرارها رقم ( )5/22على ما يلي :أن ألاصل حرية العميل بتصرفه فيما ملكه ،ولكن اذا كان للبنك الدائن غرض مصلحي في اشتراطه على العميل أن يصرف هذا ً التمويل فيما ذكره ،كأن يكون هذا الشرط سببا للقناعة بقدرة العميل على السداد في حال الصرف على هذا ً ً 18 الغرض نفسه ،فال يظهر للهيئة مانع من ألاخذ بهذا الشرط؛ حيث إنه لم يحرم حالال ولم يحل حراما ) ويمكن التحكم في استخدام رأس مال السلم في املشروع والسلعة التي باعها سلما للبنك عن طريق جعل رأس ً مال السلم أعيانا معمرة ،مثل :الجرارات وآليات الحرث والري ..الخ .وذلك أخذا برأي جمهور الفقهاء سوى الحنفية ً الذين أجازوا أن يكون رأس مال السلم منفعة عين متقومة .قال ابن قدامة ... " :فعلى هذا إذا أسلم عرضا في عرض موصوف بصفاته فجاءه عند الحلول بذلك العرض بعينه لزمه قبوله على أحد الوجهين؛ ألنه أتاه باملسلم فيه على صفة يلزمه قبوله كما لو كان غيره ".. 19 2-2-4لادوات الفنية إلدارة مخاطر التمويل بالسلم قد يأخذ املصرف بكل ألادوات السابقة ،وبرغم ذلك قد تخالف النتائج ما تم التخطيط له ،وفي هذه الحالة يجب أن تكون للبنك أدوات إلدارة املخاطر املتولدة ،بحيث يمكن من خاللها تقليل الخسائر ،ومن ذلك: -1إدارة املخاطر الائتمانية الناشئة عن مماطلة العميل في الوفاء بالتزاماته: بموجب عقد السلم يلتزم املسلم إليه بتسليم املسلم سلعة محددة بمواصفات معينة في أجل معينَ ،بيد أن املسلم إليه قد يماطل في تسليم السلعة بالكمية والنوعية وفي ألاجل املتفق عليه ،مما تنشأ عنه مخاطر مالية على املصرف؛ وقد نهى إلاسالم عن املماطلة في سداد الدين ،فقد ورد عن النبي ـ صلى هللا عليه وعلى آله وسلم ـ في الحديث الذي رواه البخاري " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى هللا عنه ،ومن أخذ أموال الناس يريد إتالفها أتلفه هللا" واملماطلة في أداء الديون محرمة مع القدرة على ألاداء ،فقد جاء في الحديث املتفق عليه عن أب هريرة أن ) )18قرار الهيئة الشرعية بالبنك األهلي التجاري رقم 8/51بتاريخ 1118/18/19-15م . ( )19المغنى البن قدامه 111/1 20 رسول هللا ـ صلى هللا عليه وعلى آله وسلم ـ قال" :مطل الغني ظلم" قال القاض ي وغيره :املطل ،منع قضاء ما استحق أداؤه مع القدرة ،فمطل الغني ظلم وحرام" 20ومن ألادوات التي يمكن للمصارف إلاسالمية اتباعها إلدارة املخاطر الائتمانية الناشئة عن مماطلة العمالء في السداد ما يلي: 1-1املراقبة واملتابعة الدورية للعميل: إن املراقبة املستمرة للعميل ،ومتابعة مراحل إلانتاج ،ورفع تقارير دورية عن سيرها ،يقلل من فرص تصرف العميل في سلعة السلم ،إذ ينبغي أن يكون للمصرف مندوب في املوقع في أيام الحصاد ،يضمن توجيه املحصول مباشرة من املشروع إلى مخازن البنك ،وال يتيح للعميل فرصة للتصرف في املحصول ،وتكون مطالبة البنك بعد فوات ألاوان. 2-1التنفيذ على الضمانات والرهونات: من أهم الوسائل التي تستخدم إلدارة مخاطر مماطلة العمالء التنفيذ على الضمانات والرهونات ،فقد سبق القول أنه من الضروري عند منح التمويل ،الحصول على تغطية كافية من الضمانات والرهونات ،مع العمل باستمرار ً على تقويم هذه الضمانات ،بحيث تكون قيمتها أعلى نسبيا من مبلغ التمويل املمنوح للعميل ،ومطالبة العميل بزيادة الرهونات في حال نقصت قيمتها أو قاربت من مبلغ التمويل. والسؤال هو هل يجوز لرب السلم (املشتري) أن يأخذ رهنا أو يطلب كفالة من املسلم إليه (البائع) كضمان لوفائه بتسليم السلعة املسلم فيها في تاريخ الاستحقاق ؟ اختلف الفقهاء في حكم هذه املسألة على قولين ،وهما: القول ألاول :يجوز أخذ الرهن والكفيل في بيع السلم ،قال بذلك جمهور الفقهاء من الحنفية واملالكية والشافعية وإلامام أحمد في إحدى الروايتين والظاهرية. واستدلوا بقوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه "....إلى قوله تعالى" :وإن ً كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة" روي عن ابن عباس وابن عمر رض ي هللا عنهم أن املراد به ً السلم ،فكان ظاهرا في مشروعية الرهن فيه .كما أنه ظاهر في مشروعية الكتابة والرهن .وألن السلم أحد نوعي البيع فجاز أخذ الرهن بما في الذمة كبيوع ألاعيان .قال الشافعي رحمه هللا" :السلم :السلف .وبذلك أقول ،ال بأس فيه بالرهن والحميل؛ ألنه بيع من البيوع ،وقد أمر هللا جل ثناؤه بالرهن ،فأقل أمره تبارك وتعالى أن يكون إباحة له" وقال" :ويجمع الرهن والحميل ،ويتوثق ما قدر عليه من حقه" ) )20شرح النووي على صحيح مسلم () 198-191/1 ) )21األم األمام الشافعي 158/1 21 21 كما استدلوا بما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رض ي هللا عنها" :أن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد" والحديث وإن ورد في الرهن في دين الثمن ،إال أنه دليل على جوازه في دين السلم ،بجامع أن كليهما دين ناش ئ عن بيع .وقد ترجم له البخاري "باب الرهن في السلم". القول الثان :عدم جواز أخذ الرهن في بيع السلم .وبه قال إلامام أحمد في إحدى الروايتين عنه واختارها الخرقي. ً واستدلوا بما روي عن ابن عمر رض ي هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم" :من أسلف شيئا فال يشترط على صاحبه غير قضائه" وهذا الحديث ال يحتج به ألن في سنده "لوذان بن سليمان" قال ابن عدي: مجهول ،وما رواه ال يتابع عليه. كما استدلوا بما رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه والدار قطني عن أب سعيد الخدري رض ي هللا عنه قال: قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :من أسلم في ش يء ،فال يأخذ إال ما أسلم فيه ،أو رأس ماله" وقال الترمذي: ً ال أعرفه مرفوعا إال من هذا الوجه ،وهذا حديث حسن .إ.ه .وفي سنده "عطية العوفي" قال عبد الحق في "أحكامه" :وعطية العوفي ال يحتج به ،وإن كان الجلة قد رووا عنه .وقال في التنقيح :عطية العوفي ،ضعفه أحمد وغيره .والترمذي حسن حديثه ،وقال ابن عدي :هو مع ضعفه يكتب حديثه. وعلى القول بأن سنده حسن ،فإنه ال يصلح لالستدالل به على منع توثيق دين السلم بالرهن أو الكفيل؛ ألنه محمول على أن أجل استحقاق السلعة (املسلم فيه) إذا حل ولم يقدر البائع (املسلم إليه) على تسليمها ،فال يجوز استبدال السلعة (املسلم فيه) بسلعة أخرى أو اشتراط الزيادة في حال التأخير. والذي يترجح لدى الباحث هو ما ذهب إليه الجمهور من أنه يجوز توثيق دين السلم بالرهن والكفيل؛ لقوة أدلتهم ،وقد أخذ به املجلس الشرعي في هيئة املحاسبة واملراجعة للمؤسسات املالية إلاسالم ،حيث ورد في معايير الهيئة" :يجوز توثيق املسلم فيه بالرهن أو الكفالة ،أو غيرها من وسائل التوثيق املشروعة". كما صدر قرار مجمع الفقه الاسالم الدولي في دورة مؤتمره التاسع بأبوظبي (1415هـ 1995 -م) بجواز الرهن ً والكفيل في السلم ،وهو الصحيح ،إذ تضمن قراره فقرة يقول فيها " ال مانع شرعا من أخذ املسلم ( املشتري ) ً ً رهنا أو كفيال من املسلم إليه ( البائع )". أهمية إدارة الرهونات والضمانات للحد من مخاطر املماطلة : تعد الرهونات والضمانات ،كما سبقت الاشارة مهمة للغاية ملعالجة مخاطر الائتمان ،بصورة عامة ،ومخاطر الائتمان في عقد السلم بصفة خاصة ،وتعتمد القوة الفعلية للرهن على الخسارة املحتملة في قيمة الرهن ما بين 22 مرحلة إعطاء التمويل ومرحلة التنفيذ على الرهن ،وتسمى هذه الخسارة باسم " قص الشعر " ولهذا ينبغي على إدارة املصرف متابعة الرهونات وتقييمها من وقت آلخر لتجنب مجابهة الحاالت التي تكون الخسارة عند تنفيذ الرهن مؤثرة على قيمة التمويل املستحق. كما يتطلب استخدام الرهونات والضمانات في معالجة مخاطر السلم ،التأكد بصفة مستمرة من فاعلية ً ً الجوانب القانونية من حيث أن حقوق البنك مغطاة دائما بنصوص قانونية ،تحمي البنك طبقا للنظام القانون املتبع في البلد. 3-1فرض غرامات تأخير على العمالء املماطلين : ً ال خالف بين العلماء أن الزيادة في الدين املترتب في الذمة يعد نوعا من أنواع الربا املحرم ،ورد في قرار مجمع الفقه إلاسالم الدولي في دورته الثانية عشرة "يجوز الشرط الجزائ في جميع العقود املالية ما عدا العقود التي ً يكون الالتزام ألاصلي فيها دينا فهذا من الربا الصريح" إ.هـ .كما ورد في قرار مجلس املجمع الفقهي لرابطة العالم إلاسالم املنعقد بمكة 1449هـ " قرار املجمع الفقهي باإلجماع ما يلي" :إن الدائن إذا شرط على املدين ،أو فرض عليه ً أن يدفع له مبلغا من املال غرامة مالية جزائية محددة ،أو بنسبة معينة ،إذا تأخر عن السداد في املوعد املحدد، فهو شرط أو فرض باطل وال يجب الوفاء به ،بل وال يحل ،ألن هذا بعينه ربا الجاهلية الذي نزل القران بتحريمه" غير أن هناك مجموعة من الفقهاء املعاصرين أجازوا للمصارف الاسالمية تحصيل غرامة على عمالئها القادرين واملماطلين في سداد الالتزامات التي عليهم ،وهي غرامة الغرض منها إجبار العمالء على السداد ،طاملا أنهم قادرون على ذلك؛ حيث تقوم املصارف بصرف مثل هذه الغرامة على أوجه البر والخير وال تنتفع منها . وعلى رأس هؤالء الفقهاء املعاصرين الذين يرون هذا الرأي ،الشيخ مصطفى الزرقا ،والشيخ عبدهللا بن سليمان ً سواء أكان هذا الضرر في املنيع ،ويتفق املجيزون لفرض غرامات التأخير على أنها جبر للضرر الناش ئ عن املماطلة، صورة ربح فائت ،أم ضرر فعلي ناش ئ من انخفاض ثمن املبيع نتيجة التأخير .يقول الشيخ مصطفى الزرقا" :مبدأ ً تعويض الدائن عن ضرره نتيجة ملماطلة املدين وتأخير وفاء الدين في موعده ،مبدأ مقبول فقهيا وال يوجد في نصوص الشريعة وأصول ها ومقاصدها العامة ما يتنافى معه ،بل العكس يوجد ما يؤيده ويوجبه ،واستحقاق هذا ً ً التعويض على املدين مشروط بأنه ال يكون له معذرة شرعية في هذا التأخير بل يكون مليئا مماطال يستحق الوصف بأنه ظالم كالغاصب " 22ويقول الشيخ املنيع " :القول بضمان ما فات من منافع نتيجة أدائه قول تسنده قواعد ) )22جواز الزام المدين المماطل بالتعويض للشيخ مصطفى الزرقا منشور في مجلد دراسات اقتصادية فقهية مجلد ( ) 11-1سنة 1119هـ ص 11 23 الشريعة وأصولها والنصوص الصريحة والواضحة في ذلك من كتاب هللا – تعالى – وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم " 23ويرى الشيخ الضرير :أنه يجوز الاتفاق بين الدائن واملدين – العميل– على التعويض عن الضرر الحقيق ً الفعلي مسبقا ،ويمكن تقديره على أساس الربح الفعلي الذي حققه الدائن – البنك – في املدة التي تأخر فيها املدين ً عن الوفاء 24.استنادا إلى نص الحديث" :مطل الغني ظلم" ،فهو بامتناعه عن سداد الدين مع القدرة عليه كالغاصب ،وقد قرر أكثر الفقهاء تضمين الغاصب منافع ألاعيان املغصوبة عالوة على رد ألاصل؛ ألن تفويت منافع املال الثابت في ذمة املدين بتأخيرها عن موعد الوفاء كتفويت منافع ألاعيان املغصوبة ،فتأخذ حكمها من حيث وجوب تضمين املدين ،إذ كل منهما مال أزيلت عنه يد مالكه بغير حق ،ويرى أن منافع الدين تقدر بمقدار ما فات الدائن من فرصة الربح في أدنى حدوده املعتادة في التجارة ،لو أنه قبض دينه في ميعاده ،واستثمره بالطرق املشروعة فهذا الربح املقدر هو املقصود بالتعويض املالي(.)25 ولسنا هنا بصدد مناقشة الحجج وألادلة التي تجيز أو تمنع فرض غرامة على العمالء املوسرين واملماطلين ً سواء أكانت في السداد ،فذاك يخرج عن نطاق هذا البحث ،غير أننا نرى أن فرض غرامة على العمالء املماطلين لجبر ضرر واقع ،أم للتعويض على الفرصة الضائعة ،هو أداة زجر للمدين عن املماطلة ،ودفعهم لاللتزام بالسداد في ً املواعيد املحددة ،تجنبا للغرامة املالية التي تفرض عليهم ،وإن كنا نرى أن استحقاق البنك لتلك الغرامة والاستفادة منها هو محل نظر ،لوجود شبهة الربا ،وعليه فهو متروك لتقدير الهيئات في كل بلد بحسب ظروفها ،وفي ً حال إجازة تحصيل الدائن لغرامات التأخير ،نرى أن يتم صرفها في أوجه البر والخير ،دفعا للشبهة ،بعد خصم َ عقود السلم التي توقعها مع عمالئها اشتراط املصروفات الفعلية ،ويقتض ي ذلك أن تضمن املصارف إلاسالمية التعويض عن الضرر في حالة املماطلة مع القدرة على السداد ،والتأكد من أن هذا الشرط ال يتعارض مع النظام القضائ املطبق في ذلك البلد. -2إدارة املخاطر الائتمانية الناشئة عن التعثر في السداد : 23 ) ) مطل الغنى ظلم وأنه يحل عرضه وعقوبته ،منشور في مجموع فتاوى وبحوث الشيخ المنيع الجزء الثالث . ) )24االتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطل للشيخ الضرير ()111 ( )25انظر الفتوى في مجلة أبحاث االقتصاد اإلسالمي عدد 1مجلد 1ص.111 24 يختلف مفهوم التعثر في السداد عن مفهوم املماطلة في السداد ،في أن ألاول ينشأ في العادة نتيجة فشل املشروع الذي جرى تمويله ،وبالتالي عدم قدرة املشروع على سداد الدين .بينما املماطلة تكون نتيجة عدم رغبة العميل في السداد ،بالرغم من نجاح املشروع ،وقدرته على سداد الدين. إن التعثر أو العجز عن السداد ،وهو شكل من أشكال املخاطر الائتمانية له أثار كبيرة على املصرف من حيث ً تأثيره على السيولة ،كما أن له تأثيرا على صافي إلايرادات ،وبالتالي على الجدارة املالية للبنك . ومن املعروف أن النظام املصرفي التقليدي يقوم في هذه الحالة بإعادة جدولة الديون على العميل ،على أساس معدل الفائدة الجاري ،وهنا نجد أن املصارف إلاسالمية التي ال تستطيع إجراء عمليات إعادة الجدولة ستتعرض ملخاطر هامش الربح ،مقارنة باملصارف التقليدية .26 وفيما يلي نعرض بعض الحلول الشرعية لحالة التعثر ،وهي: 1-2تقسيط رأس مال السلم: من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها للحد من املخاطر الائتمانية للتمويل بالسلم تجزئة التمويل بالسلم املقدم إلى العمالء إلى أجزاء مستقلة ،إذ يمكن أن يكون جزء من الحد الائتمان لتمويل املعدات الزراعية ،وجزء آخر لتمويل مرحلة الزراعة ،وجزء أخير ملرحلة الحصاد ،والترحيل .بحيث يكون لكل مرحلة ُ عقد سلم مستقل ،وبهذه الطريقة يمكن للبنك وقف التمويل في أي مرحلة ،عندما تتولد لديه القناعة بفشل املراحل التالية ،كما أن هذا الترتيب يخفف العبء على املزارعين والصناع ،ويساعد على ترشيد تصرفاتهم. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل يجوز تجزئة عقد السلم إلى مراحل بحيث يتم إبرام عقد سلم لكل مرحلة وتسليم البضاعة (املسلم فيها) على أجزاء (أقساط) معلومة في أوقات متفرقة ومحددة ،كأن يتم التعاقد على كمية من إلاسمنت يتم تسليمها على دفعات محددة في تواريخ معينة . اختلف الفقهاء في جواز ذلك على ثالثة اقوال: القول ألاول :أن العقد صحيح .وبه قال املالكية والشافعية في ألاظهر؛ ألن كل ما جاز أن يكون في الذمة إلى أجل ،جاز أن يكون إلى أجلين وآجال كاألثمان في بيوع ألاعيان. ) )26إدارة المخاطر ،تحليل قضايا في الصناعة المالية اإلسالمية ،طارق هللا خان ،حبيب أحمد ،ص 119 - 111 25 القول الثان :أن العقد ال يصح .وبه قال الشافعي في قول ثان له؛ ألن ما يقابل أبعدهما أجال أقل مما يقابل آلاخر ،وذلك مجهول فلم يجز. القول الثالث :التفصيل :يصح أن يسلم في جنس واحد إلى آجال بشرط أن يبين قسط كل أجل وثمنه؛ ألن ألاجل ألابعد له زيادة وقع على ألاقرب ،فما يقابله أقل ،فاعتبر معرفة قسطه وثمنه. ً ويصح أن يسلم في أنواع مختلفة كلحم وخبز وعسل يأخذ كل يوم جزءا معلوما مطلقا ،أي سواء بين ثمنه كل قسط أو ً ال؛ لدعاء الحاجة إلى ذلك ،فإن قبض البعض مما أسلم فيه ليأخذ منه كل يوم قدرا معلوما ،وتعذر قبض الباقي ،رجع بقسطه من الثمن ،وال يجعل للباقي فضال على املقبوض ،ألنه مبيع واحد متماثل ألاجزاءُ ، فقسط الثمن على أجزائه بالسوية ،كما لو اتحد أجله. والذي يترجح لدى الباحث هو قول الجمهور؛ ألنه يتفق مع الحكمة التي شرع السلم ألجلها وهي تيسير التعامل بين الناس رأس مال السلم. 2-2اشتراط التغطية التأمينية على املسلم إليه: ً من الوسائل التي يمكن للمصارف املمولة سلما اللجوء إليها ،الاشتراط في عقد السلم أن يكون املشروع املمول سلما ً مغطى بتأمين تكافلي ضد مخاطر تلف املحصول أو فشل املوسم ....إلخ .وقد ظهر في السودان حديثا مثل هذا النوع من التأمين ،وإن كانت التجربة ال تزال في مراحلها ألاولى غير أنها تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح. ً ويمكن للمصرف الاشتراط على العميل التأمين وتضمين وثيقة التأمين بأن يكون السداد لصالحه أوال ويكون الباقي من مبلغ التعويض للعميل املؤمن ،ومثل هذا الشرط ال نرى أنه من الشروط املفسدة للعقد ،بل هو من الشروط التي توافق مقتض ى العقد؛ حيث إنه يحقق مصلحة املصرف والعميل. 3-2جعل رأس مال السلم لاول رأس مال في عقد سلم جديد 26 من الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها املصارف الاسالمية ملعالجة مسألة تعثر العمالء في الوفاء بااللتزامات التي في ً سواء كان ذلك لعدم توفر سلع السلم أو لتعثر املشروع ،بأن يجعل البنك رأس مال عقد السلم السابق رأس ذممهم مال في عقد سلم جديد ،وهذه املعالجة أشبه بإعادة جدولة الدين في النظام التقليدي. وجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ومالك وألاوزاعي والثوري وغيرهم يمنعون جعل الدين الذي في ذمة العميل رأسمال في سلم جديد. 27 وحجتهم في ذلك :أن دين السلم دين .وجعله رأس مال في سلم جديد من شأنه أن يكون من قبيل بيع الكالئ بالكالئ املنهي عنه .وخالف في هذا شيخ الاسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إذا كان دين السلم غير مؤجل في ذمة العميل، أي أنه استحق ،فف هذه الحالة تكون صورة العملية أنها من قبيل بيع الدين املؤخر بالدين املعجل وذلك لوجود القبض الحكمي لرأس مال السلم من قبل املسلم إليه في مجلس العقد ،وبذلك يرتفع املحظور الشرعي .يقول ابن القيم في إعالم املوقعين " :وأما بيع الواجب بالساقط ،فكما لو أسلم إليه في كر حنطة بعشرة دراهم في ذمته ،فقد وجب له عليه دين ،وسقط له عنه دين غيره ،وقد حك إلاجماع على امتناع هذا ،وال إجماع فيه .قاله شيخنا، واختار جوازه ،وهو الصواب .إذ ال محظور فيه ،وليس بيع الكالئ بالكالئ ،فيتناوله النهي بلفظه ،وال في معناه فيتناوله بعموم املعنى ،فإن املنهي عنه قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة "28 وبالرغم من أن مجمع الفقه الاسالم الدولي رجح رأي جمهور الفقهاء في عدم جواز جعل دين السلم رأسمال في سلم جديد ،إال أن ألاخذ بما قاله شيخ الاسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وهما من أعالم الفقه املعتبرين ،من شأنه أن يعط الصيرفة إلاسالمية وسائل في معالجة قضايا تعثر العمالء في عقد السلم ،وفي نفس ألامر ال يضطر العمالء إلى تصفية ممتلكاتهم ألجل سداد الديون التي في ذممهم ،نتيجة تعثر مؤقت في نشاطهم الاقتصادي. ً ثانيا :إدارة املخاطر السوقية في عقد السلم إذا كانت املخاطر الائتمانية في املصارف الاسالمية تماثل بشكل أو بآخر املخاطر الائتمانية في املصارف التقليدية ،فإن مخاطر السوق في عقد السلم تختص بها املصارف الاسالمية ،حيث إن حق املصارف الاسالمية يتعلق بسلعة السلم املشتراة التي قد تتعرض لتغيرات غير مواتية في سعرها ،مما قد يؤثر على ثمن بيعها في السوق فيترتب على ذلك خسارة ) )27راجع بحث السلم وتطبيقاته المعاصرة للدكتور نزيه حماد ،والمراجع الواردة فيه . ) )28اعالم الموقعين البن القيم 9/1 27 في الدخل أو حتى في رأس املال ،فهذا يولد ما يعرف في العرف املصرفي باملخاطر السوقية التي تنشأ من احتمال انخفاض أسعار السلع التي يستحقها البنك مما يعرضه لخسائر في العائد أو في رأس املال الذي دفعه. فاملخاطر السوقية :هي املخاطر التي تنشأ نتيجة لالتجاهات الصعودية والنزولية التي تطرأ على السوق نتيجة العديد من ألاسباب التي تؤثر على أسعار سلع السلم املتوقعة ومعدل العائد املطلوب على الاستثمار. وتنشأ املخاطر السوقية لعدة أسباب منها : .1تسليم املسلم إليه (البائع) سلعة السلم قبل حلول أجل التسليم .2تغير أسعار سلع السلم أو كسادها عند التسليم وبالتالي تكون أسعار البيع أقل من تكلفة الشراء . .3تغير في أسعار صرف العمالت ،وذلك نتيجة ارتفاع صرف عملة معينة مقابل معظم العمالت أو ارتفاع سعر سلعة السلم .وتظهر هذه املخاطر خاصة في املعامالت الدولية وبخاصة في معامالت املشتقات املالية. 1-2مخاطر تسليم املسلم إليه (البائع) سلعة السلم قبل حلول أجل التسليم وفي حال عدم تمكن املسلم (املشتري) من معالجة املخاطر السوقية عند تسليم السلعة قبل حلول أجل التسليم تصريف السلعة في الحال ينتج عن تسلمه السلعة تحمل املسلم (املشتري) تكاليف تشغيلية زائدة ،مثل تكاليف التخزين والتأمين ،كما قد تتعرض السلعة إلى التلف إذا كانت سلع زراعية ال تتحمل البقاء ملدة طويلة .ولكن هل يجبر املسلم (املشتري) على قبض السلعة قبل حلول ألاجل ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: القول ألاول :يجوز للمسلم (املشتري) قبولها وقبضها السلعة وال يجبر على ذلك ،وبهذا قال املالكية ،وألزم املتأخرون منهم املسلم (املشتري) بقبضها إذا كان التسليم قبل حلول ألاجل بيوم أو يومين. القول الثان :التفريق بين حالتين: ألاولى :إذا كان في القبض إلحاق ضرر باملسلم (املشتري) أو تفويت غرض مقصود له ،فإنه ال يجبر على القبض. الثانية :إذا لم يكن في القبض إلحاق ضرر باملسلم (املشتري) أو تفويت غرض مقصود له ،فيجبر إبر ًاء لذمة املسلم إليه. وقد أوضح ابن قدامة هاتين الحالتين ،فقال " :الحال الثان :أن يأت به قبل محله ،فينظر فيه ،فإن كان مما في قبضه قبل محله ضرر ،إما لكونه مما يتغير ،كالفاكهة وألاطعمة كلها ،أو كان قديمة دون حديثه ،كالحبوب ونحوها ،لم يلزم 28 ً املسلم قبوله؛ ألن له غرضا في تأخيره ،بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه في ذلك الوقت ،وكذلك الحيوان؛ ألنه ال يأمن تلفه، ويحتاج إلى إلانفاق عليه إلى ذلك الوقت ،وربما يحتاج إليه في ذلك الوقت دون ما قبله .وهكذا إن كان مما يحتاج في ً حفظه إلى مؤنة ،كالقطن ونحوه ،أو كان الوقت مخوفا يخش ى نهب ما يقبضه ،فال يلزمه ألاخذ في هذه ألاحوال كلها؛ ألن ً عليه ضررا في قبضه ،ولم يأت محل استحقاقه له ،فجرى مجرى نقص صفة فيه .وإن كان مما ال ضرر في قبضه ،بأن يكون ال يتغير ،كالحديد والرصاص والنحاس ،فإنه يستوي قديمة وحديثه ،ونحو ذلك الزيت والعسل ،وال يكون في قبضه ضرر الخوف وال تحمل مؤنة ،فعليه قبضه؛ ألن غرضه حاصل مع زيادة تعجيل املنفعة ،فجرى مجرى زيادة الصفة وتعجيل الدين املؤجل"29 -4 تعذر تسليم سلعة السلم عند حلول ألاجل ،والتعذر له ثالث حاالت : الحالة ألاولى :تعذر تسليم السلعة بالكلية ،وقد اختلف الفقهاء فيما يترتب على ذلك من أحكام على ثالثة أقوال: ألاول :أن املسلم (املشتري) يخير بين أن يصبر إلى وجود املسلم فيه (سلعة السلم) وبين أن يفسخ السلم ويأخذ رأس ماله إن وجد أو عوضه إن عدم لتعذر رده .وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية وابن القاسم من املالكية والشافعية في ألاظهر والحنابلة ،وحجتهم :أن العقد وقع على موصوف في الذمة ،فهو باق على أصله ،وليس من شرط جوازه أن يكون من ثمار هذه السنة ،وإنما هو ش يء شرطه املسلم (املشتري) ،فهو في ذلك بالخيار. الثان :ينفسخ السلم ضرورة ،ويسترد املسلم (املشتري) رأس ماله ،وال يجوز التأخير .وهو قول زفر من الحنفية وأشهب ً من املالكية وإلامام الشافعي في قول ،وحجتهم :أن العجز عن التسليم في السلم عند حلول ألاجل يبطل العقد قياسا على هالك املبيع قبل القبض في املبيع املعين ،فإن الش يء كما ال يثبت في غير محله ال يبقى عند فواته ،كما لو اشترى بفلوس ثم كسدت قبل القبض يبطل العقد ،فكذا هنا. الثالث :ليس للمسلم (املشتري) فسخ السلم ،وإنما له أن يصبر إلى وجود املسلم فيه (سلعة السلم) ،وهو قول سحنون من املالكية. وعندما نطبق هذه ألاقوال على املصرف باعتباره مسلما (مشتريا) فإن التسليم إذا لم يتم في تاريخ استحقاق املسلم فيه تفوت على املصرف فرصة تسويقية كانت ستعود عليه بربح في الغالب ،والذي أميل إليه وأرجحه أن الحكم في املسألة يختلف بحسب سبب تعذر التسليم ،وذلك على النحو التالي: ) )29المغني البن قدامة 111/1تحقيق :د .عبد هللا بن عبد المحسن التركي ود .عبد الفتاح محمد الحلو ،الناشر :دار عالم الكتب الرياض ،ط :الخامسة 1118-1111 29 أ .تعذر التسليم بسبب إلاعسار :واملعسر هو :الذي فقد كل ماله ،فإذا أثبت املسلم إليه (البائع) أن تعذر التسليم كان بسبب قوة قاهرة اجتاحت ماله ،أي بسبب ال يد له فيه ،فعندئذ يجب على املسلم (املشتري) إنظاره إلى ميسرة، لقوله تعالى" :وغن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" ب .تعذر التسليم بسبب إلافالس :واملفلس هو الذي عليه ديون أكثر من أمواله .وتطبق في حقه أحكام املفلس ،بحيث يكون املسلم (املشتري) أسوة الغرماء. ج .تعذر التسليم بسبب عذر طارئ :وذلك بأن انقطعت السلعة (املسلم فيه) من ألاسواق عند حلول ألاجل ،والحكم في هذه الحالة يكون للمسلم (املشتري) الخيار بين فسخ السلم وتسلم رأس مال السلم ،وبين أن يصبر حتى توجد السلعة (املسلم فيه) ويطالب املسلم إليه (البائع) بها. وإن قدر املسلم إليه (البائع) على تسليم بعض الكمية من السلعة ،فيكون املسلم (املشتري) بالخيار بين الفسخ في الكل والرجوع برأس املال وبين أن يصبر إلى حين إمكان تسليم كل كمية السلعة أو تسلم املوجود من كمية السلعة وفسخ العقد في الباقي غير املوجود. د .أما إن كان تعذر التسليم بسبب املماطلة ،بأن كانت السلعة موجودة في ألاسواق سواء القريبة أو البعيدة ،واملسلم إليه (البائع) قادر على إحضارها ولكنه لم يفعل ذلك مماطلة ،فف هذه الحالة تطبق أحكام املماطلة على التي سبقت الاشارة لها. 2-2الاعتياض عن سلعة السلم من الوسائل التي تحمي املصرف من مخاطر التعثر في السداد نتيجة تعذر تسليم السلعة املسلم فيها عند حلول الاستحقاق هو اعطاء املسلم اليه املصرف سلعة أخرى كأن يأخذ املشتري سلعة أخرى من غير جنس السلعة ً ً محل السلم ،مثل أن يتم التعاقد في السلم على قمح فيأخذ حديدا ،أو أن يتم التعاقد على بترول فيأخذ غازا؟ هذه املسألة مبنية على مسالة هل يجوز الاعتياض عن سلعة السلم بسلعة أخرى وللفقهاء في هذه املسألة ثالثة أقوال: ً ً األول :ال يجوز أن يبدل املسلم فيه بغيره مطلقا ،سواء أكان املسلم فيه موجودا أم معدوما ،وسواء أكان العوض مثل املسلم فيه في القيمة أم أقل أم أكثر .وبه قال جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وهو املذهب عند الحنابلة. 30 و استدلوا بما رواه أبو داود والترمذي وحسنه عن أب سعيد الخدري رض ي هللا عنه ،قال :قال رسول هللا ـ صلى هللا عليه وعلى آله وسلم ـ " :من أسلم في ش يء فال يصرفه إلى غيره" وفي رواية الدار قطني" :من أسلم في ش يء فال يأخذ إال ما أسلف فيه أو رأس ماله" وقد ضعف هذا الحديث ابن حجر ،وأعله أبو حاتم والبيهق وعبد الحق إلاشبيلي وابن القطان بالضعف والاضطراب .والحديث ـ في الروايتين ـ يدل على منع الاعتياض عن املسلم فيه. وقد اعترض على الحديث بأنه ضعيف ،كما اعترض على الداللة بالحديث بأن املراد به :أال يصرف املسلم فيه إلى سلم آخر ،أو يبيعه مؤجال بمؤجل؛ ألنه يصير من بيع الكالىء بالكالىء. القول الثاني للمالكية :إن كان املسلم فيه طعاما فال يجوز استبداله؛ ألنه بيع له قبل القبض ،وال يجوز بيع الطعام قبل قبضه .وإن كان غير طعام ،يجوز استبداله بغيره بشروط ثالثة: أن يتم قبض البدل في مجلس الاستبدال ليسلم من فسخ دين في دين. .1أن يكون البدل مما يجوز بيعه باملسلم فيه مناجزة ،كأن يكون املسلم فيه ثوبا فيأخذ بدله ً إناء ،فيجوز؛ ألنه ً يجوز بيع الثوب باإلناء يدا بيد. ً .2أما إذا كان املسلم فيه لحما فأبدله بحيوان ،أو العكس ،فال يجوز؛ ألنه ال يجوز بيع أحدهما باآلخر مناجزة. ً .3أن يكون البدل مما يجوز إسالم رأس املال فيه ،فإن أسلم نقودا في قمح ،فأبدل القمح بقطن مثال ،جاز؛ ألنه يجوز إسالم النقود في القطن .وإن أبدل القمح في نقود ،ال يجوز؛ ألنه ال يجوز إسالم النقود في بعضها. القول الثالث :وبه قال ابن عباس من الصحابة وهو رواية لإلمام أحمد واختارها ابن تيمية وابن القيم :يجوز أن يبدل ً ً املسلم فيه بغيره بقدره في القيمة أو أقل ،كأن يسلم في قمح فيأخذ بدال عنه تمرا مقبوضا في املجلس العقد ،أما إذا لم يقبض البدل في مجلس العقد وكان مما يجري فيه الربا ،فيحرم. واستدلوا باآلت : ً .1قول ابن عباس رض ي هللا عنهما أنه قال" :إذا أسلفت في ش يء فجاء ألاجل فلم تجد الذي أسلمت ،فخذ عوضا بأنقص منه وال تربح مرتين" 30وهذا قول صحاب ثابت عنه ولم يعرف له مخالف فكان إجماعا. ( )30اإلشراف على مذاهب أهل العلم البن المنذر أبو حماد صغير أحمد األنصاري ،الناشر :مكتبة مكة الثقافية ،ط :األولى 1119-1115ص111/ 31 ً .2قال ابن تيمية :يجوز الاعتياض عن دين السلم قبل قبضه قياسا على الثمن ،فإنه يجوز الاعتياض عنه قبل قبضه؛ 31ملا رواه أصحاب السنن ألاربع وأحمد وصححه الحاكم وابن حبان عن ابن عمر ـ رض ي هللا عنهماـ قال :أتيت النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ فقلت :إن أبيع إلابل بالبقيع ،فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ،وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير .فقال ـ صلى هللا عليه وسلم ـ "ال بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما ش يء" وفي رواية ألحمد: "ال بأس به بالقيمة" فف هذا الحديث داللة على جواز الاعتياض على الدين الذي هو الثمن بغيره ،مع أن الثمن ً مضمون على املشتري ما لم ينتقل إلى ضمان البائع ،فكذلك املبيع الذي هو دين السلم يجوز بيعه وإن كان مضونا على البائع لم ينتقل إلى ضمان املشتري ،فيجوز الاعتياض عن دين السلم إذا كان بسعر يومه لئال يربح فيما لم يضمن . .3أن الاستيفاء يتسامح فيه ما ال يتسامح في البيع ،فلذا يجوز فيه ما ال يجوز في البيع ،قال ابن تيمية :وأما إذا أخذ عن دين السلم من جنسه بقدر مكيله ما هو دونه فيجوز؛ ألن هذا من الاستيفاء من الجنس ،ال من باب البيع ،كما يستوفى الجيد بالرديء. وهذا القول هو أقوى ألاقوال لقوة أدلته ،وملوافقته لقواعد الشريعة املعتبرة من أن ألاصل في املعامالت إلاباحة ما لم يرد دليل بخالف ذلك ،وبما أن دليل املخالف ضعيف فهي كأن لم تكن .كما أن في هذا القول إبر ًاء لذمة املدين (املسلم إليه) وهو مما يتشوف له الشارع. 3-2بيع بضاعة السلم قبل قبضها إلى طرف ثالث تستخدم املصارف التقليدية البيع املستقبلي كأحد أساليب الحماية من تقلبات السعر بحيث يضمن ً ً املصرف سعرا محددا قبل حلول اجل التسليم .والسؤال هو هل يجوز للمصارف الاسالمية استخدام هذا الاسلوب للحماية من تقلبات أسعار السلع ؟ اتفق الفقهاء على أن عقد السلم إذا أبرم مستجمعا أركانه وشروطه ،فإنه يقتض ي انتقال ملكية رأس املال إلى ً البائع وله أن يتصرف فيه بعد قبضه تصرف املالك في ملكه شرعا ،كما يقتض ي انتقال ملكية السلعة (املسلم فيها) إلى ) )31مجموع الفتاوى 19-15/19 32 املشتري (املسلم) ،لكن هذه امللكية تكون غير مستقرة ،وذلك الحتمال عدم تمكن البائع (املسلم إليه) من تسليمها عند حلول أجل الاستحقاق ،وبالتالي قد يتعرض العقد للفسخ ،قال السيوط " :جميع الديون التي في الذمة بعد لزومها ً ً ً وقبض املقابل لها مستقرة إال دينا واحدا ،هو دين السلم ،فإنه وإن كان دينا إال أنه غير مستقر ،وإنما كان غير مستقر؛ ألنه بصدد أن يطرأ انقطاع املسلم فيه فينفسخ العقد".32 ً فإذا أراد املشتري أن يبيع السلعة التي اشتراها سلما قبل حول أجل استحقاقها إلى من اشتراها منه أو إلى طرف ثالث. فللفقهاء في ذلك ثالثة أقوال: ألاول :ال يصح بيع املسلم فيه إلى من هي في ذمته وال إلى غيره ،وبه قال جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وجمهور الحنابلة. واستدلوا بما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رض ي هللا عنهما أن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يقبض .قال الشافعي :وقال ابن عباس برأيه :وال أحسب كل ش يء إال مثله. وبحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم أرسل عتاب بن أسيد إلى أهل مكة" :أن أبلغهم :أنه ال يصلح شرطان في بيع وال بيع وسلف وال بيع ما لم تملك وال ربح ما تضمن" فف هذين الحديثين داللة على أنه ال يجوز بيع الطعام قبل قبضه ،وربح ما لم يضمن ،والسلعة املسلم فيها لم تدخل في ضمان املشتري (املسلم) فال يجوز بيعه إياها ألن ملكيته لها غير مستقرة؛ ألنه ال يؤمن من فسخ العقد بسبب تعذر التسليم عند حلول أجل التسليم فكان كاملبيع قبل القبض. الثان :يصح بيع املسلم فيه إلى من هي في ذمته وإلى غيره سواء كان طعاما أو غيره ،بمثل الثمن أو دونه .وهو قول ابن عباس ورواية عن إلامام أحمد واختارها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. قال ابن املنذر :ثبت عن ابن عباس رض ي هللا عنهما أنه قال" :إذا أسلف في ش يء إلى أجل ،فإن أخذت ما أسلفت فيه ، ً وغال فخذ عوضا أنقص منه ،وال تربح مرتين"33 وحجتهم على جواز بيعه من املسلم إليه هو عدم املانع الشرعي .قال ابن القيم" :فثبت أنه ال نص في التحريم وال إجماع وال قياس ،وأن النص والقياس يقتضيان إلاباحة"34 ( )32األشباه والنظائر للسيوطي 118/1نشر دار السالم ،القاهرة ،ط :األولى 1115هـ 1995-م وانظر :عقد السلم في الشريعة اإلسالمية د .نزيه حماد، دار القم دمشق ،ط :األولى1111 ،هـ 1991-م. ) )33اإلشراف على مذاهب أهل العلم البن المنذر 111/1 33 وأما دليلهم على عدم جواز البيع بثمن أكثر من رأس مال السلم ،أن املسلم فيه مضمون على البائع ولم ينتقل إلى ضمان املشتري ،فلو باعه املشتري من املسلم إليه بزيادة ،فقد ربح رب السلم فيما لم يضمن ،وقد نهى البني صلى هللا عليه وآله وسلم عن ربح ما لم يضمن. الثالث :ذهب املالكية إلى التفريق بين بيع املسلم فيه قبل قبضه إذا كان طعاما وبين غير الطعام .فمنعوا بيع املسلم فيه إذا كان طعاما ،وأجازوا بيع املسلم فيه من غير الطعام على التفصيل التالي: يجوز بيع املسلم فيه من غير الطعام والشراب من سائر العروض على عدد او كيل أو وزن قبل قبضه وقبل أجله من غير بائعه بمثل رأس مال السلم أو أقل أو أكثر إذا كان الثمن من غير صنف املسلم فيه. ويجوز بيع ذلك من بائعه (املسلم إليه) قبل حلول أجله إذا كان بثمن يساوي رأس مال السلم أو أقل منه .وأما بأكثر من الثمن فال يجوز بحال من ألاحوال حل ألاجل أم ال. والذي يترجح لدى الباحث هو قول الجمهور وهو عدم جواز بيع املسلم فيه قبل قبضه وقبل حلول أجل استحقاقه؛ لقوة أدلتهم ،وألنه يؤدي إلى البعد عن شبهة الربا ،وقد رجحه واختاره مجمع الفقه إلاسالم الدولي في قرار رقم ( 23 : ) 1/1وندوة البركة الثانية لالقتصاد إلاسالم وهيئة الفتوى في بيت التمويل الكويتي. والحكمة من املنع كما جاء في فتوى هيئة الرقابة في بيت التمويل الكويتي :أن مثل هذا التصرف يثقل كاهل املستهلكين؛ ألن الصفقة إذا تداولتها ألايدي بامللك قبل الحيازة تتحمل أرباح كل بائع والذي يتحمل الجميع املستهلك دون غيره، وأيضا هذا النوع في الحقيقة من قبيل الربا ،ألنه يؤول إلى أنه بيع نقد بنقد متفاضال ،وبيان ذلك أن املشتري ألاول قد ً دفع نقدا ،ثم قبل أن يحوز البضاعة باعها بربح ،وهكذا فليس في املسألة إال بيع الدراهم بالدراهم والدنانير بالدنانير متفاضال ،وهو ما فهمه ابن عباس رض ي هللا عنهما في نهيه صلى هللا عليه وآله وسلم عن بيع ما لم يقبض. لكن ندوة البركة الثانية لالقتصاد إلاسالم استثنت من ذلك حالة ما إذا وجدت ظروف اقتصادية في بعض البالد إلاسالمية ومصلحة كبرى تدعو إلى الاتجار به في حاالت خاصة دفعا لظلم واقع ،فأجازت ذلك لهذه املصلحة الكبرى التي تقدرها هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في املؤسسات املالية إلاسالمية. 4-2السلم املوازي ) )34شرح تهذيب سنن أبي داوود البن قيم الجوزية 111/9مطبوع مع عون المعبود ،ضبط وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان ،تصوير دار الفكر 34 والبديل الشرعي لبيع السلعة (املسلم فيه) قبل قبضها ،هو أن يقوم املشتري (رب السلم) بتنفيذ عملية سلم أخرى ،بأن يبيع إلى طرف ثالث سلعة موصوفة في الذمة تتفق في املواصفات واملقدار (الكمية) وأجل الاستحقاق مع السلعة (املسلم فيه) املعقود عليها في عقد السلم ألاول ،ولو كان في نية البائع أن يسلم املشتري (الطرف الثالث) السلعة محل عقد السلم ألاول .قال إلامام الشافعي" :ومن سلف في طعام ،ثم باع ذلك الطعام بعينه قبل أن يقبضه ،لم يجز. وإن باع طعاما بصفته ،ونوى أن يقضيه من ذلك الطعام ،فال بأس؛ ألن له أن يقضيه من غيره ،ألن ذلك الطعام لو كان على غير الصفة لم يكن له أن يعطيه منه" 35 والسلم املوازي اسوب كفؤ في الحماية من املخاطر ولهذا نقترح أن تكون هناك مؤسسة للسلم املوازي تقوم ً ً بدور املشتري من املصارف بحيث تكون وسيطا بين املصارف والبائعين سلما وتتولى هذه املؤسسة بعد أن تشتري ً سلما من املصارف إجراءات التسلم والتخزين والتسويق للمشترين النهائيين وبذلك تقلل على املصارف بعض املخاطر التشغيلية املترتبة على مباشرتها للتسلم والتخزين والبيع .ومثل هذه املؤسسة من شأنها أن توفر سيولة للسوق وتزيد من كفاءته. وبالرغم من أن السلم املوازي أحد أساليب الحماية من املخاطر السوقية إال أنه يجب التنبه الى أن هناك مخاطر ربما تتولد عن الاخذ به تعرف بمخاطر تعرف بمخاطر الاستبدال ،ويقصد بها املخاطر التي تنشأ في حال فشل العميل في عقد السلم ألاول من الوفاء بما التزم به للبنك في عقد السلم الاول والذي يكون البنك ملزما بالوفاء به للطرف املشتري منه سلما في التاريخ املحدد ،ألامر الذي يحتم على البنك القيام املصرف بشراء السلعة من السوق وبالسعر الجاري وتسليما للطرف املشتري في العقد الثان مما قد يكبده خسارة هي عبارة عن بين سعر البيع والسعر الحالي.. 5-2الوعد بالشراء من طرف ثالث: من ألادوات التي يمكن استخدامها للحماية من املخاطر السوقية حصول البنك مشتري سلعة السلم على وعد ملزم بالشراء من طرف ثالث بثمن محدد ،بحيث يكون للواعد عند آلاجل املحدد الخيار بين شراء السلعة بالثمن املتفق عليه أو تعويض البنك عن الضرر الناش ئ عن نكول الواعد بوعده . وهذه الصيغة تقوم مقام الخيار املطبق في النظام التقليدي ( )Optionمع وجود فوارق رئيسة منها: ) )35األم ()119/1 35 ً )1في نظام الخيارات يقوم املشتري بسداد نسبة معينة مقدما هي أشبه بالعربون ،تعرف بالهامش ،وهذه النسبة تضيع عليه في حال عدم قيامه بالشراء . )2في نظام الخيارات عادة تتم املقاصة بين البائع واملشتري وال يشترط تسليم السلعة ،بينما في الوعد ينبغي أن يتم تسليم السلعة . ً ً و الوعد إذا صدر في صورة تعليق ،بأن كان معلقا على شرط ،فإنه يكون ملزما ملن اصدره عند وجود الشرط ،وذلك لوجود معنى الالزام والتعهد فيه ،كما إذا قال شخص آلخر إذا دخلت مع طرف ثالث في عقد سلم فإن أعدك بشراء ً السلعة املسلم فيها عند تسليم البائع (املسلم إليه) تلك السلعة .هل هذا الوعد ملزم شرعا ؟ ً ذكر الفقهاء الوعد املعلق على شرط أو سبب بأنه يكون ملزما للواعد .نصت املادة ( )24من مجلة ألاحكام العدلية على ً أن" :املواعيد بصورة التعاليق تكون الزمة ،مثال :لو قال رجل آلخر :بع هذا الش يء لفالن ،وإن لم يعطك ثمنه فأنا أعطيه لك ..فلم يعط املشتري الثمن ،لزم على الرجل أداء الثمن املذكور ً بناء على وعده املعلق" قال الشيخ مصطفى الزرقاء: ويبدو أن املرتكز الفقهي لهذه القاعدة هو أن يصدر الوعد بصورة تشعر بااللتزام والتعهد؛ ألنه عندئذ يغر املوعود، وإصدار الوعد بصيغة التعليق على الشرط هو مما يوحي بمعنى الالتزام والتعهد أو الكفالة.36 وقال القرافي :قاعدة :الوعد غير الزم ،إال أن يدخل املوعود في خطر ،أو يترتب على تعليق ،فيلزم نفيا للضرر ،ووفاء بالشرط.37 وذهب أصبغ من املالكية إلى أن الوعد املقرون بذكر سبب من ألاسباب ولو لم يكن معلقا عليه بأداة من أدوات التعليق فإنه يكون ملزما للواعد مطلقا ،حتى ولو لم يدخل املوعود في السبب.38 وورد في كشاف القناع في الفقه الحنبلي :لو قالت املرأة لزوجها :إن طلقتني فلك ألف درهم .فقال لها :طلقتك .بانت منه واستحق ألالف ...ألن قولها وعد بالعوض معلق على الطالق.39 ً ومن هذه النقول يتبين أن الوعد إذا ُعلق على سبب أو شرط فإنه يكون ملزما للواعد ً وفاء بالشرط ،ونفيا للضرر الذي ً سيقع على املوعود ،وعليه فإن الوعد بشراء السلعة التي سيشتريها املوعود سلما ً بناء على ذلك الوعد يكون الزما؛ ألن 36 ( ) المدخل الفقهي العام /1 37 ( ) الذخيرة 111/8 ( )38البيان والتحصيل 115/18و ،111-111والفروق للقرافي ،18/1والذخيرة للقرافي .199/1 ( ،181/8 )39شرح منتهى اإلرادات للبهوتي .111/1 36 املوعود دخل في هذه املخاطرة ً بناء على ذلك الوعد ،وهذه املخاطرة في حال إخالف (نكول) الواعد عن الوفاء بوعده بالشراء سيترتب عليها تضرر املوعود ،والضرر يزال . قال الدكتور نزيه حماد" :إذا وعد شخص آخر بعقد من عقود املبادالت املالية (كالبيع وإلاجارة والسلم والصرف ً ً والاستصناع ) وعدا معلقا على حصول ش يء أو عدم حصوله ،فإن هذا الوعد يكون ملزما له إذا حصل الشرط املعلق عليه ،إذ "املواعيد بصورة التعاليق تكون الزمة" أما املوعود فهو بالخيار بين إبرام العقد املوعود بع وتركه" 40 وقد اجاز املجمع الفقهي الاسالم الدولي واملجلس الشرعي لهيئة املحاسبة واملراجعة للمؤسسات املالية الاسالمية الاخذ بالوعد امللزم. 6-2توكيل البائع (املسلم إليه) بالبيع مع إعطاء سلعة السلم أفضلية: من الاساليب التي يمكن للمصارف الاسالمية اتباعها إلدارة املخاطر السوقية توكيل البائع (املسلم إليه) بالبيع مع إعطاء سلعة السلم أفضلية فمن املعلوم أن البضاعة التي هي محل عقد السلم الذي يبرمه البنك بصفته مشتريا (رب السلم) قد تكون أنواعا مختلفة وكميات كبيرة وأحجاما متفاوتة .وتحتاج إلى مخازن كبيرة وخبرات متخصصة في التغليف والتخزين ،وتتطلب خبراء تسويق وهي أمور يصعب على البنوك القيام بها ،وإن كنا نرى أن تعمل على الوصول إليها وتحقيقها ،وبالتالي فهل يجوز للبنك أن يوكل من يقوم بهذه ألاعمال ؟ توكيل البنك غيره في القيام بأعمال التخزين والتسويق ،إما أن يكون للمسلم إليه (البائع) أو لجهة أخرى ،وعليه فما ً حكم ذلك شرعا ؟ ً أوال :حكم توكيل املشتري (رب السلم) مؤسسة متخصصة في قبض البضاعة (املسلم فيها) وتخزينها وتسويقها: ً إذا وكل املشتري (رب السلم) شخصا له دراية بهذه ألامور أو مؤسسة متخصصة بذلك للقيام بأعمال قبض البضاعة من البائع (املسلم إليه) وتخزينها وتسويقها بعمولة فالتوكيل صحيح وجميع ألاعمال التي يقوم بها الوكيل نيابة عن موكله ً تكون صحيحة ونافذة شرعا .قال السرخس ي" :إذا وكل الرجل أن يسلم له عشرة دراهم في كر حنطة ،فأسلمها الوكيل بشروط السلم ودفع الدراهم من عنده ،فهو جائز؛ ألن السلم عقد تمليك يملك ألامر مباشرته بنفسه ،فيجوز منه توكيل غيره به ،كبيع العين؛ ألن الوكيل يقوم مقام املوكل في مباشرته لغيره بأمره كالبيع؛ ألن العاقد باشر العقد بأهليته 40 ) ) نظرية الوعد الملزم11 / 37 وواليته ألاصلية سواء باشر لنفسه أو لغيره ...وألن الناس تعاملوا بالتوكيل في البيع والسلم من عهده صلى هللا عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير.41 ً ثانيا :حكم توكيل املشتري (رب السلم) البائع (املسلم إليه) في قبض البضاعة (املسلم فيها) من نفسه وتسويقها: حكم هذه الحالة فيه تفصيل على النحو التالي: .1أن يوكل املشتري (رب السلم) البائع (املسلم إليه) في تخزين وتسويق البضاعة (املسلم فيها) ،فالتوكيل صحيح ،يقول ً السرخس ي :اشترى املسلم إليه كرا ثم قال لرب السلم اقبضه قبل أن يكتاله من املشتري ،فليس ينبغي لرب السلم أن يقبض حتى يكتاله املشتري؛ ألنه في هذا القبض وكيل املسلم إليه ،فكما أن املسلم إليه لو قبض بنفسه كان عليه أن ً يكيله ،فكذلك إذا قبض وكيله كان عليه أن يكتاله للمسلم إليه بحكم الشراء ،ثم يكيله ثانيا للقبض بنفسه بحكم السلم.42 .2أن يوكل (رب السلم) البائع (املسلم إليه) في قبض البضاعة (املسلم فيها) من نفسه،فيرى البعض ان التوكيل غير صحيح؛ ألن املسلم فيه دين على املسلم إليه ،واملدين ال يصلح أن يكون نائبا عن صاحب الدين في قبض الدين من نفسه .لكن لو كل قريبا له أو أحد موظفيه أو شخصا آخر في قبض البضاعة من البائع (املسلم إليه) ووكل البائع بتسويقها فهو جائز ،وهو في ذلك كأي أجنبي آخر ،وإلانسان يصير قابضا حقه بيد نائبه كما يصير قابضا بيد نفسه.ونرى ان مثل هذا التوكيل يصح ان بعدت التهمة واملحاباة. والخالصة :أن التوكيل في بيع بضاعة السلم يحقق للمصارف إلاسالمية الحماية من املخاطر السوقية حيث إن البيع سيتم من قبل جهات متخصصة لها درايتها بالسوق .كما يحقق للمصارف الحماية من املخاطر التشغيلية املتمثلة في متابعة عمليات التخزين والتسويق ...إلخ 7-2تطبيق مبدأ إلاحسان: ً ملعالجة املخاطر السوقية التي قد يتعرض لها البنك أو العميل البائع مما قد يلحق به ضررا ،أجازت الهيئة العليا لبنك السودان رد نصف ما زاد على ثلث ألارباح وكذلك الخسارة إذا زادت على الثلث برد نصفها وهذا املبدأ أجيز ً بناء على قاعدة الصلح. ( )41المبسوط للسرخسي ،111-111/11نشر دار المعرفة ،بيروت1111 ،ه1951-م ( )42المبسوط للسرخسي ،111/11نشر دار المعرفة ،بيروت1111 ،ه1951-م 38 ً لكن تطبيق هذا املبدأ قد يحدث نزاعا بين ألاطراف املتعاقدة ،43حيث إن ألاصل هو احترام العقد والالتزام ً بنصوصه وعلى كل طرف العمل على اتباع الوسائل الالزمة لحماية نشاطه من املخاطر .ولهذا فإننا نرى بدال من تطبيق هذا املبدأ العمل على تثقيف املؤسسات الزراعية والصناعية التي تتعامل بالسلم ،اتباع وسائل الحماية الالزمة والتي سبقت الاشارة إليها في ثنايا هذا البحث باعتبارها بائعة مثل الدخول في وعد بالشراء من طرف ثالث، ً وهو صيغة تحقق للعميل في حال تقلب أسعار املنتج ،الذي التزم به ،أن يحصل على نفس الكمية وفقا للسعر الذي تم به الوعد أو أن يحصل على تعويض نظير الاخالل بالوعد . 8-2السلم بسعر السوق يوم التسليم: السلم بسعر السوق يوم التسليم صيغة اقترحها بعض الباحثين ً بناء على بعض النصوص الشرعية ،وهي تصلح ألن تحمي املصارف من املخاطر السوقية ،وتقوم هذه الصيغة على أساس أن يتم الاتفاق بين املسلم واملسلم إليه في عقد السلم على رأسمال السلم ( وليكن 54مليون جنيه) دون أن تحديد الكمية ،على أن يكون التزام املسلم إليه تجاه املسلم كمية من السلعة تتحدد بسعر السوق يوم التسليم . وهذه الصيغة منعها جمهور الفقهاء ،وأجازها شيخ الاسالم ابن تيمية ،حيث نقل جواز ذلك ابن مفلح في الفروع والبعلي في الاختيارات ،قال ابن مفلح "وقال شيخنا فيمن أسلف دراهم الى أحل على غلة بحكم أنه اذا حل دفع العلة بأنقص مما تساوى بخمسة دراهم :هذا سلف بناقص عن السعر بش يء مقدر ،فهو بمنزلة أن يبيعه بسعر ما يبيع الناس ،أو بزيادة درهم في الغراره ،أو نقص درهم فيها 44 . واختلف املعاصرون بشأن السلم بالسعر حيث منعها الصديق الضرير ومحمد عبدالغفار الشريف وأجازها علي القرة داغي ،وعبدهللا بن موس ى العمار وسام السويلم وتوقف فيها الدكتور نزيه حماد. 45 ويستند املانعون لهذه الصيغة على أن هذه الصيغة ذريعة للقرض بفائدة ،كما أنها مخالفة لنص الحديث النبوي القاض ي بضرورة تحديد كمية املسلم فيه . 43انظر :حسب الرسول يوسف التوم ومصطفى أحمد منصور ،وحسن الصادق محمد حمد هللا ،مخاطر تطبيق صيغ التمويل في اإلسالم ،مجلة العلوم والبحوث اإلسالمية ،العدد الخامس أغسطس 1111ص.9 ) ) ) )44الفروع 151-199/1وانظر جامع المسائل البن القيم المجموعة الرابعة طبعة الراجحي الخيرية 119-111 ) )45انظر السلم بسعر السوق يوم التسليم ،هشام بن صالح الذكير والمراجع الواردة فيه. 39 ً وباملقابل يرى املجيزون لهذه الصيغة أن املشتري سلما يتحمل مخاطر عقد البيع إلى حين التسليم ،وبالتالي ال توجد حيله ربوية ،كما أن جهالة الكمية عند التعاقد ليست جهالة مطلقة – وإنما هي جهالة تؤول إلى العلم ،وال يترتب عليها نزاع . 46 وعلى أية حال فالسلم بسعر السوق يوم التسليم ربما يكون من املوضوعات التي تحتاج إلى مزيد من البحث من قبل ً الفقهاء املعاصرين ،وما يهمنا في هذا الصدد أن هذه آلالية في حال أجيزت شرعا تسهم بشكل كبير في حماية املصارف من املخاطر السوقية ،حيث إن املصرف يتسلم الكمية وفي العادة يكون السعر املتعاقد عليه أقل من سعر السوق يوم التسليم ،وبذلك يضمن البنك هامش الربح وهو الفرق بين السعر املتفق عليه وسعر السوق الجاري. /3معالجة املخاطر لاخالقية للتمويل بالسلم : إن املخاطر ألاخالقية كما سبقت ألاشارة تتعلق بسلوك العميل ومدى وفائه بما التزم به .وتعتمد الحماية من املخاطر ألاخالقية باألساس على مدى أخذ املصرف (املشتري) قبل توقيع عقد السلم بالجوانب التالية : -1الدراسة الائتمانية الدقيقة للعمالء ،ومعرفة سلوكهم الائتمان ،بحيث يتجنب البنك تمويل العمالء الذين لهم سوابق ائتمانية سيئة . -2الاشتراط على العميل استخدام التمويل في املجال املخصص له ،كما سبقت إلاشارة إلى ذلك فيما تقدم . -3املتابعة املستمرة من قبل املصرف للعمالء ورفع تقارير مستمرة عن النشاط املمول. -4التأكد من تغطية التمويل بالرهونات والكفاالت . ) )46المصدر السابق. 40 -5التأكد من تغطية عقود السلم ملواصفات السلعة بدقة ،وكذلك آجال تسليمها، -2النص في العقد على أن تكون هيئة املواصفات هي الفيصل عند الاختالف. وهللا تعالى أعلم وأحكم والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات 41
© Copyright 2025 Paperzz