الخدمة في البيوت أحكامها وضوابطها الشرعية أ .إبراهيم محمود العثمان آغا الطباعة اإللكرتونية برعاية شركة Shadows-IT Advanced 1 Technology www.shadows-it.com الكتاب :اخلدمة يف البيوت املؤلف :أ .إبراهيم العثمان آغا التصنيف :فقه إسالمي اإلصدار اإللكرتوني األول :أكتوبر/تشرين األول 2012 الرقم الدويل املتسلسل للكتابISBN: 978-9933-9129-3-2 : اإلشراف الفين العام :جمموعة دار أبي الفداء العاملية للنشر والتوزيع والرتمجة الرئيس التنفيذي :الدكتور منقذ العقاد املدير اإلداري :األستاذ نافع الربازي اإلخـراج الفين :دميه فخري اإلشراف الفين :عبد اهلل العقاد جمموعة دار أبي الفداء العاملية للنشر والتوزيع والرتمجة سوريا -محاة -ساحة العاصي -مقابل الربيد -ص .ب132 : هاتف00963-33-2224438 : فاكس00963-33-2224439 : جوال00963-95-1211079 : الوكالء يف اخلارج: اإلمارات العربية املتحدة :عبد اهلل العقاد -هاتف00971508289982 : اململكة العربية السعودية :هشام اخليواني -هاتف00966500886376 :اآلراء الواردة يف كتب الدار تعرب عن مؤلفيها وال تعرب بالضرورة عن رأي الدار 2 َن الرَّح ِِيم ِبس ِْم ال ّلهِ الرَّحْمـ ِ 3 إهداء إىل ـ ـإىل والدي رمحه اهلل وجزاه عين كل خري وجعل هذا العمل املتواضع يف صحيفة حسناته. ـ ـإىل أمي حفظها وأمدها اهلل بالصحة والعافية. ـ ـإىل أساتذتي وأشياخي الفضالء. ـ ـإىل مجيع إخوتي وأحبائي الذين كانوا معي يف السراء والضراء. إبراهيم 4 شكر وتقدير قال صلى اهلل عليه وسلم« :ال يشكر اهلل من ال يشكر الناس»(.)1 بعد محد اهلل والثناء عليه مبا هو أهله أن وفقين إلمتام هذا البحث ،وسهله يل ويسر أسبابه ،البد يل أن أشكر كل من ساعدني يف عملي ووقف إىل جانيب يف إجنازه ،فأتوجه بالشكر اجلزيل لعمادة كلية اإلمام األوزاعي وأساتذهتا الكرام الذين مل يألوا جهداً يف تقديم الدعم العلمي وتسهيل أسبابه يل وألمثايل من طالب العلم ،فجزاهم اهلل عنا كل خري ،وأخص بالذكر األستاذ الدكتور عبد اهلل السيد الذي تفضل عليّ باإلشراف على رساليت ،وتكرَّم عليّ بتوجيهاته ونصائحه بكل رحابة صدر وكرم خلق، فجزاه اهلل عين كل خري وبارك بعلمه ونفع به. كما أتوجه بالشكر لكل من مدَّ يد العون يل أثناء إجنازي هلذا البحث، وعلى رأسهم القائمني على خدمة مكتبة (التكية الشرعية) حبماة ،الذين مل يقصروا يف تقديم الكتب اليت احتجتها خالل كتابيت للرسالة. وأتوجه بالشكر لإلخوة الذين قدموا يل املساعدة يف هذا العمل ،ولو بدعوة يف ظهر الغيب ،وأخص منهم األخ الدكتور عمر الزعيب حيث كان جبانيب يف مالحظاته وخربته العلمية. وأسال املوىل عز وجل أن يقبلنا مجيعاً ويسدد خطانا ويلهمنا رشدنا وجيعلنا مفاتيح للخري مغاليق للشر إنه خري مسؤول .واهلل من وراء القصد وهو يهدي السّبيل واحلمد هلل ربّ العاملني وصلّى اهلل على سيّدنا حممد وعلى آله وصحبه وس َّلم. -1أبو داود ،سليمان بن األشعث السجستاني األزدي 275هـ (سنن أبي داود) حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد، بريوت ،دار الفكر ،ج 4ص 255برقم 4811 :عن أبي هريرة. 5 مقدمة احلمد هلل والصالة والسالم على حممد رسول اهلل ،وعلى آله وصحبه ومن اهتدى هبداه ،تركنا على احملجة البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها إال هالك ،من اعتصم هبديه سعد وجنا ،ومن أعرض عن نوره تعس وغوى. من عظيم هديه صلى اهلل عليه وسلم أنه ما ترك خرياً إال دلنا عليه وال شراً إال وحذرنا منه ،واملتأمل يف جمتمعنا اليوم يرى تعامالتٍ كثريةً حباجة إال ضبط واستنارة هبذا النور املبني واهلدي العظيم. ومن تلك التعامالت استخدام اخلدم يف البيوت بأشكال خمتلفة وبأحوال متنوعة ،فكان البد لنا من أن نتعرف على التشريعات اإلسالمية اخلاصة هبا. إشكالية البحث: أصبحت اخلدمة يف البيوت خطراً يهدد اجملتمع ،وتعالت صيحات التحذير من شروره ،وراحت وسائل اإلعالم من فضائيات وإذاعات ومنشورات تعرض لنا صورة مظلمة عن أحوال البيوت ،بسبب الشغاالت أو السائقني أو البوابني أو غريهم ممن يدخل املنزل بقصد تقديم خدمة ما. وعلى الرغم من هذه التحذيرات واإلنذارات يتزايد أعداد تلك اخلادمات ويتدفقون على جمتمعاتنا من جهات شتى ،ثم يتسللون بيوتنا ويفرضون أنفسهم كواقع البد منه حبكم الظروف احلضارية اجلديدة؛ كانشغال أهل املنزل بوظائفهم وأعمالِهم أو بسبب تزايد مطالبهم وحاجاهتم ،ورمبا كان حبكم ما يدعا (املوضة) الدارجة ليس إال. 6 ويف خضم هذه األحوال حيتار الفرد املسلم يف اختاذ القرار الصحيح! فهل خدمة البيوت بكافة أشكاهلا منكر جيب حماربته؟! أم هو واقع ضروري ال مناص من االستسالم له وجيب القبول به على عواهنه؟ ما احلل؟ حتماً إن الشرع اإلسالمي املتكامل سيعطينا احلل األمثل والقرار الصحيح، يَ يقول سبحانهَّ { :ما فَ َّر ْط َنا ف الك َ ْ ِت اب مِن ش ٍء} [ األنعام.] 38: يِ ِ إن هذا البحث سوف جييب على هذه اإلشكالية لتأكيد ما إذا كانت اخلدمة يف البيوت أمراً منكراً ،أم أنه أمر وواقع ضروري تفرضه حاجة الناس يف اجملتمع. أمهية البحث: صحيح أن مسألة اخلدمة يف البيوت ليست أمراً جديداً على البشرية فهي معروفة منذ القديم؛ ولكن اجلديد فيها هو: تنوعها :فلم تعد مقتصرة على خادم يتحمل أعباء املنزل وحاجاته كلها، أو عبارة عن حاضنة أو مرضعة مثالً ،بل نشأت خدمات أخرى مرتبطة باملنزل وأهله ،كاملعلم والبوّاب والسائق وعامل التنظيف وغري ذلك. وتغري ظروفها :كاالعتماد غالباً على العنصر األجنيب يف أدائها ،ليس األجنيب بأصله فقط ،بل األجنيب بلغته وعقيدته وسلوكه وقيمه ،كل ذلك ينعكس خبطره الشديد على البيوت ،مع عدم إدراك الكثري من املسلمني ألبعاد هذا اخلطر. ثم إن زيادة تعقيد ظروف وأشكال تلك اخلدمات من جانب وبعد املسلمني 7 عن دينهم من جانب آخر جعل الضوابط الصحيحة الفقهية واألخالقية بعيدة عن متناول معظم أفراد اجملتمع اإلسالمي. هذه األسباب وغريها أشعرتين خبطورة هذا البحث ودفعتين إىل العناية به دون غريه من األحباث. الدراسات السابقة يف موضوع البحث: إن حبث اخلدمة يف البيوت وما يتعلق فيها من أحكام الشريع اإلسالمي ليس شيئاً مبتكراً ،بل حبثه العلماء قدمياً وحديثاً بدراسات متنوعة، فأحكامها الفقهية موجودة بشكل متفرق يف بطون الكتب الفقهية القدمية. ومن الدراسات املعاصرة من تناولت اخلدمة يف البيوت كبحث مستقل، بدراسة اجتماعية أو دينية أو غري ذلك ،ومن أهم ما تيسر يل االطالع عليه منها: 1.1دراسة للشيخ عبد احلميد بن عبد الرمحن السحيباني ،بعنوان: (التنبيه إىل أضرار وخماطر اخلادمات و السائقني)( ،)1عاجل فيها: • •مشكلة االختالط غري املشروع باخلدم وما يتضمن من مفاسد دينية وأخالقية واجتماعية. • •ومشكلة اختالف دين اخلدم وما فيه من خطر على عقائد وسلوك أفراد األسرة وخاصة األطفال. • •ومشكلة تشوه لغة أفراد األسرة بسبب اختالف لغة اخلدم. • •وبعض املشاكل الرتبوية كحرمان األطفال من حنان األبوين ،إضافة لنشوء االتكالية والسلبية يف شخصية أفراد األسرة. -1السحيباني ،عبد احلميد بن عبد الرمحن( ،التنبيه إىل أضرار وخماطر اخلادمات والسائقني) الرياض ،دار ابن خزمية، الطبعة األوىل 1413هـ. 8 وتوصل لعدة نتائج أمهها: • •أن استقدام اخلدم يف جمتمعنا الدافع له التباهي والتفاخر غالباً وليس حلاجة إليهن. • •ميكن االستغناء عن استقدام اخلدم باالستعانة بالوسائل احلضارية من آالت أو شراء األشياء اجلاهزة. • •حماولة تضييق االستعانة باخلدم ،كاستئجار خادمة تعمل بالساعة بدل اخلادمة اليت تبيت يف املنزل ،وضمن الشروط الشرعية. ثم عزز دراسته بفتاوى شرعية ختص البحث. 2.2ودراسة للدكتور حممد اخلميس ،بعنوان( :اخلادمات وأثرهن على األسرة واجملتمع)( )1واليت تعاجل مشكلة استخدام غري املسلمني يف بيوت املسلمني. ومشكلة ضمان حقوق اخلدم يف اإلسالم. ومشكلة االستخدام غري امللتزم وما يرتتب عليه من أخطار عقدية وخلقية وجنائية وتربوية واجتماعية. ثم خلص لنتائج أمهها: • •ضرورة احلد من انتشار املربيات واخلادمات بوضع قيود قانونية وفق املصلحة. • •أمهية صيانة حقوق اخلدم والتوصية باملعاملة احلسنة وهذا عامل مهم يف التخلص من كثري من مفاسد اخلدمة اليت نواجهها. • •احلاجة ألخذ إحاطات أمنية جتاه اخلدم؛ من التأكد من صدق املعلومات املدونة على أوراقهم الرمسية :كالدين والعمر ،واخللو من -1اخلميس ،د .حممد( ،اخلادمات وأثرهن على األسرة واجملتمع) ،الرياض ،دار الوطن ،الطبعة الثانية 1419هـ. 9 األمراض ،وأخذ منوذج للبصمات. • •ضرورة متابعة رب األسرة للخدم لاللتزام بالضوابط الشرعية لالستخدام. 3.3ودراسة للكاتبة أمل الصويلح بعنوان( :اخلادمة أمانة فال تضيعيها(،)1 عاجلت فيها مشكلة إمهال حقوق اخلادمة :املادية واملعنوية ،بل والتعدي على اخلادمة بصور خمتلفة جسدية ونفسية ومادية. وتوصلت إىل نتائج أمهها: • •أن سوء معاملة اخلدم وراء معظم مفاسد االستخدام يف الواقع. • •االلتزام باآلداب اإلسالمية مع اخلدم واجب ديين وفيه صيانة للمصاحل الدنيوية. 4.4ودراسة الباحثة نورة إبراهيم العيدان ،بعنوان( :ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)( ،)2وهي دراسة اجتماعية ميدانية ملشكلة استقدام اخلدم يف اجملتمع السعودي وأثره على األسرة السعودية ،وتوصلت يف حبثها إىل نتائج أمهها: • •لالستخدام أثر سيئ على الرتابط األسري. • •لالستخدام أثر سيئ على التنشئة االجتماعية للفرد (كاالتكالية، وتشوه اللغة). • •ضرورة فرض قيود قانونية على االستقدام لتخفيف ما ينشأ عنه من مشكالت. -1الصويلح ،أمل( ،اخلادمة أمانة فال تضيعيها) ،الرياض ،دار الوطن ،الطبعة األوىل 1423هـ 2002م. -2العيدان ،نورة ابراهيم( ،ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية) ،الرياض ،دار الشواف 1993م. 10 • •جيب بذل اجلهد يف مساعدة املرأة يف االستغناء عن اخلدم كإنشاء دور حضانة وأندية أطفال. • •حماولة استبدال اخلدم املقيمني خبدم يعملون بالساعة عند احلاجة. 5.5ودراسة الدكتور خالد أمحد الشنتوت بعنوان( :خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)( ،)1وهي دراسة حبث فيها مشكلة رعاية بيوت املسلمني من قبل خادمات غريبات عن اجملتمع اإلسالمي دينياً واجتماعيا وثقافياً. واعتمد يف حبثه على دراسات ميدانية سابقة ملشكلة اخلدمة يف البيوت، أمهها: .أالدراسات امليدانية اليت قامت هبا وزارات العمل والشؤون االجتماعية يف دول اخلليج العربية وتشمل( :األسرة يف البحرين) و (األسرة الكويتية) و (األسرة العمانية ) و (األسرة السعودية) و (جتربة القطر العراقي). .ب دراسة ميدانية يف السعودية للباحثة اعتدال عطيوي بعنوان (أطفالنا واخلادمات ). .جدراسة ميدانية يف السعودية للباحثة عنربة حسني عبداهلل األنصاري بعنوان (أثر اخلادمات األجنبيات يف تربية الطفل). وتوصل إىل نتائج منها: • •تربية الطفل مسؤولية أمِّه ،وال ميكن ألحد أن ينوب عنها. • •الرتف من أهم أسباب استقدام اخلادمات يف جمتمعاتنا. • •ميكن جملتمعنا استقدام اخلادمات املسلمات وبالشروط الشرعية. -1الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،املدينة املنورة ،الطبعة األوىل 1992م. 11 هدف البحث: يف الواقع مل أجد من حبث موضوع اخلدمة يف البيوت فقهياً بشكل شامل ألنواعها ومجيع جوانبها يف حبث ودراسة مستقلة ،فكان البد من تقديم تلك الدراسة الشاملة يف حبث مستقل ليسهل على املسلمني التعرف عليها وضبط أحكامها ،وتكون نافذة يسطع منها شعاع الشرع احلنيف على جمتمعاتنا وواقعهم العملي ،إذ ليس من احلكمة أن نكتفي بتبيان األخطار واملخاوف املتعلقة باخلدمة يف البيوت دون تبيان الصيغة الصحيحة هلا املرضية يف الشرع. منهج البحث: لفهم طبيعة اخلدمة يف البيوت ولكي أمتكن من معاجلة أحكامها: ـ ـاستخدمت املنهج التوثيقي :من خالل العودة لألحكام الشرعية التفصيلية املتعلقة بأحكام اخلدمة يف البيوت ،واقتصرت فيها على كتب املذاهب األربعة. ـ ـاملنهج الوصفي :من خالل وصف بعض حاالت من بعض األشخاص الذين يقومون باستخدام اآلخرين للخدمة يف البيوت. ـ ـتقنية حتليل احملتوى :اليت استخدمتها لدى قراءة األحباث اليت طالت موضوع اخلدمة يف البيوت ،وخباصة دراسة :دراسة الدكتور خالد أمحد الشنتوت بعنوان( :خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم). ـ ـودراسة الباحثة نورة إبراهيم العيدان ،بعنوان( :ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية). 12 صعوبات البحث: هناك صعوبات واجهتها خالل كتابيت لبحث اخلدمة يف البيوت وشكلت عبءً على مجع مادته ،وجعلت البحث حباجة إىل فرتة زمنية أطول وإىل جهد أكرب ،من أمهها: 1.1سعة الفقه اإلسالمي وضخامة املكتبة اإلسالمية ،على الرغم من أني اقتصرت على الرجوع يف حبثي على املذاهب اإلسالمية األربعة (احلنفي واملالكي والشافعي واحلنبلي) ،والسعة تلك تظهر يف كثرة الكتب الفقهية من ناحية ،وتوسع الفقهاء –جزاهم اهلل عنا خرياً -يف حبوثهم الفقهية وكثرة تشعبهم يف مسائلها الفرعية من ناحية أخرى ،لذلك كان على الباحث ليتعرف على مسألة واحدة ميكن سردها بسطرين أو ثالثة أن يقرأ عشرات الصفحات من املكتبة الفقهية اإلسالمية. هذه القراءة املطولة تثري فكر الباحث ولكنها رمبا تشتت ذهنه وخترجه عن مسألته األصلية اليت يقرأ من أجلها ،وتطيل عليه فرتة إجناز حبثه. 2.2صعوبة قيامي بدراسة ميدانية لبحث اخلدمة يف البيوت ،أو حصويل على إحصائيات دقيقة العتمادها يف البحث بسبب عدة عوامل :منها عدم االنتشار الواسع لظاهرة اخلادمات يف مدينيت ،والبيوت اليت تستعني باخلدم ليست كثرية بسبب اخنفاض دخل الفرد من ناحية والطبيعة احملافظة ملعظم السكان واليت ترتب على دخول اخلدم للبيوت إرباكات كثرية ألفراد األسرة ملا يفرض عليهم من قيود هم بغنى عنها. ثم إن هذه البيئة احملافظة والبسيطة ال تتقبل بسهولة قيام باحث بإجراء مقابالت للخدم أو ألحد أفراد األسرة ،وهذا يشكل سداً منيعاً وحصناً 13 حصيناً أمام أي دراسة ميدانية عن اخلدم يف البيوت. واألهم من ذلك كله أني فوجئت بعدم قانونية استقدام أو استخدام معظم اخلادمات يف بلدي ،وكنت كلما وصلت إىل رب أسرة -وبطريقة ودِّية– من األسر اليت تستعني خبادمة ،كان يقول أن اخلادمة املوجودة عنده إمنا حصل عليها ليس بعقد قانوني ،وإمنا حصل عليها عن طريق مساسرة خمتصني ،ووجودها عنده حبكم اإلعارة أو التجربة ومقابل مئة دوالر شهرياً ،وأما سؤايل عن املكتب الذي قام بتأمني اخلادمة له ،فكان اجلواب غالباً بأنه ال يوجد مكتب وال مكان حمدد ولكن بإمكانك الوصول إىل السمسار عن طريق هاتفه احملمول ،وهو الذي يشرف على نقل اخلادمة من يد ألخرى ،وال أحد يعلم هل هذه اخلادمة مستقدمة يف األصل بشكل قانوني أم ال؟ هل أجرت الفحوص الطبية أم ال؟ هل دخلت البلد بطريقة قانونية أم ال؟ كل هذه األشياء ال يعلم حقيقتها إال اهلل والراسخون يف مصلحة اخلدم يف بلدي. وأظن بأن أهم سبب لوجود سوق سوداء للخدم يف بلدي هو التهرب من الضرائب الكبرية والتأمينات الباهظة املفروضة على مكاتب االستخدام وعلى األسر املخدومة ،واليت ال تتناسب مع دخل معظم أفراد اجملتمع. هذه األمور دفعيت لإلعراض عن الدراسة امليدانية للخدم يف البيوت، واالعتماد على دراسات ميدانية من بالد إسالمية أخرى ،للخدمة فيها الظروف املشاهبة للخدم يف معظم العامل اإلسالمي املعاصر. 3.3عدم وجود قوانني خاصة باخلدمة يف البيوت حبيث تشكل مادة علمية تدعم البحث وتربطه بالواقع وتبني موقف التشريعات الوضعية 14 املعمول هبا يف الدول اإلسالمية ،على الرغم من خطورة األمر وأمهيته، لذلك مل أستطع تطعيم البحث بدراسة قانونية للخدمة يف البيوت ولكان أفضل يف مثل هذا البحث. خطة البحث: قسمت الرسالة إىل مقدمة وثالثة فصول وخامتة ،وأدرجت حتت كل فصل عدة مباحث ،وانبثق عن املباحث مطالب. ففي املقدمة تعرضت لعدة أمور: إشكالية البحث واليت تتلخص بتبيان الصيغة الشرعية للخدمة يف البيوت نقية مما علق هبا من خمالفات شرعية نتجت عن تغري أحوال املسلمني. أمهية البحث واليت تتجلى خبطورة اخلدمة يف البيوت بشكلها احلايل على قيم اجملتمع اإلسالمي ودينه وهويته ،وعرَّجت بشكل سريع على أهم الدراسات السابقة ملوضوع اخلدمة يف البيوت. كما بينت هدف البحث والصعوبات اليت واجهتين عند إعدادي هلذا البحث. ثم عرضت يف الفصل األول مفهوم اخلدمة يف البيوت ومكانتها يف الشريعة اإلسالمية ،فمهدت له بلمحة تارخيية عن اخلدمة يف البيوت ،وقسمته لثالثة مباحث: املبحث األول :يف مفهوم اخلدمة يف البيوت :وتكلمت فيه عن تعريف اخلدمة لغ ًة واصطالحاً ،ومقارنتها باأللفاظ ذات الصلة بالبحث. واملبحث الثاني :يف مشروعية اخلدمة وحكمها :وحتدثت فيه عن أدلة مشروعية اخلدمة يف البيوت بشكل عام يف التشريع اإلسالمي ،ثم عرضت حكم اخلدمة يف البيوت بأحواهلا املختلفة ،وعرَّجت على اخلدمة 15 يف البيوت يف زمن التشريع. أما املبحث الثالث :فكان يف دور اخلدمة االجتماعي ،من حيث حاجة الفرد واجملتمع للخدمة يف البيوت. ويف الفصل الثاني تكلمت عن عقد اخلدمة يف البيوت يف ثالثة مباحث: املبحث األول :يف أنواع عقد اخلدمة يف البيوت ،وقسمتها إىل أربعة أنواع وفقاً لصيغة العقد يف اخلدمة: األول :هو عقد اخلدمة اخلاصة (إجارة عني). والثاني :هو عقد اخلدمة يف عمل معني (إجارة متعلقة بالذمة). والثالث :هو عقد اخلدمة يف عمل معني مرتبط بزمن. والرابع :إذا جاء عقد اخلدمة على شكل جعالة. أما املبحث الثاني :فتحدثت فيه عن انعقاد عقد اخلدمة يف البيوت من حيث أركان وشروط عقد اخلدمة ،وما يرتتب على انعقاده. واملبحث الثالث :فتحدثت عن إهناء عقد اخلدمة سواء كان اإلهناء بسبب املستخدِم أو اخلادم أو بسبب الطرفني وما يرتتب على إهناء هذا العقد. ويف الفصل الثالث ذكرت ثالثة مباحث تتعلق بأداء اخلدمة يف البيوت: كان املبحث األول يف عوارض أداء اخلدمة يف البيوت سواء كان بسبب اخلادم أو بسبب املستخدِم ،أو تعديالً يف عقد اخلدمة يف البيوت. أما املبحث الثاني فعرضت فيه أهم أخطار اخلدمة يف البيوت على األسرة املسلمة ،وقد بدأت بدراسة األسباب أوالً ثم النتائج الناشئة عنها واليت يعيشها جمتمعنا ثانياً. وكان املبحث الثالث يف آداب اخلدمة يف البيوت ،املطلوبة من كال اخلادم واملستخدم وفق الصياغة اليت ترضي اهلل عز وجل. 16 ويف هناية البحث كانت اخلامتة واليت ذكرت فيها أهم النتائج اليت توصلت إليها من حبثي ،والتوصيات واملقرتحات اليت أمتنى حصوهلا على أرض الواقع. واحلمد هلل وبه نستعني إبراهيم حممود عثمان آغا محاة يف 17صفر 1431هـ املوافق لـــ 2010 / 2 / 1م 17 الفصل األول مفهوم اخلدمة يف البيوت ومكانتها يف الشريعة اإلسالمية املبحث األول :مفهوم اخلدمة يف البيوت. املبحث الثاني :مشروعية اخلدمة وحكمها. املبحث الثالث :دور اخلدمة االجتماعي. 18 املبحث األول مفهوم اخلدمة يف البيوت متهيد :حملة تارخيية عن اخلدمة يف البيوت. املطلب األول :تعريف اخلدمة لغ ًة واصطالحاً. املطلب الثاني :األلفاظ ذات الصلة بالبحث. 19 متهيد :حملة تارخيية عن اخلدمة يف البيوت قبل الكالم عن اخلدمة يف البيوت ال بد لنا من حملة تارخيية موجزة تبني لنا وجود اخلدمة يف التاريخ البشري. فمن املعلوم أن خدمة البيوت واالشتغال حبوائج األسرة داخل املنزل أو خارجه وظيفة أهل املنزل يف األحوال الطبيعية ،ولكن كثرياً ما حيدث أمر طارئ جيعل أهل املنزل يعجزون أو يقصرون عن أداء هذا الواجب ،وهذا الطارئ سببه العجز املالزم للطبيعة البشرية ،فاإلنسان عرضة بشكل دائم للمرض وخمتلف أنواع املصائب ،كل هذا يدفعه -رمبا مضطراً- لالستعانة بآخرين من خارج البيت ،ليسدوا تلك الثغرة ويتالفوا ذلك اخللل ،أنا ال أحتدث عن خبرية يف خمترب نووي حتتاج األمة مجيعاً إىل خدمتها وهي يف الوقت ذاته حيتاجها أطفاهلا وبيتها مما يضطرها إىل االستعانة باخلادمات للقيام بشؤون منزهلا ،ولكين أحتدث عن األسرة منذ بدء الوجود البشري ،عندما تعجز املرأة -بسبب والدهتا مثالً -عن القيام بشؤون منزهلا بل حتتاج هي للرعاية مما يدفعها إىل االعتماد على أمها أو أختها أو امرأة غريهن من خارج منزهلا لتقديم الرعاية هلا وملنزهلا، وتلك مسألة ال حتتاج إىل درجة معينة من التطور البشري ،بل تعود إىل أول مراحل وجود اإلنسان. وهذا يدفعنا للجزم بالقول أن دخول شخص من غري سكان البيت إىل هذا البيت بقصد تقديم خدمة معينة فيه هو أمر قديم جداً ،وأن ظهور اخلدمة يف البيوت مالزم لنشوء البيوت عند اإلنسان ،بغض النظر عن سبب تلك اخلدمة وشكلها. 20 فقد تكون اخلدمة مبذولة من الشخص اخلادم أداءً لواجب أو طلباً للثواب :كتوجه االبن خلدمة أحد أبويه أو كليهما ولو كان يف مسكن منفصل عنهما ،أو كخدمة الرقيق يف منزل سيده ألداء الواجب الناشئ عن العبودية. ورمبا تنشأ اخلدمة عن القهر والظلم :وهذا النوع ال حيتاج لسبب مشروع ،بل هو جمرد تسلط لألقوياء على الضعفاء ،واستخدامهم ظلماً وعدواناً ،كما حصل لبين إسرائيل يف حكم فرعون ،فقد ذكر العلماء َُ ُ َ ُ ْ ُ ََ َْ َ اب} [ البقرة( :]49:كان يف تفسري قوله تعاىل{:يسومونكم سوء العذ ِ فرعون يعذب بين إسرائيل فيجعلهم خدما وخوال ...جعلهم يف األعمال القذرة ،وجعل يقتل أبناءهم ،ويستحيي نساءهم.)( ،)1ورمبا نشأ هذا النوع مع ظهور احلكام املتسلطني ،فكان من مظاهر حكمهم اخلدمُ والوصفاءُ. وقد تكون نتيجة عقد استئجار يرتاضى عليه الطرفان :كعقد اخلدمة الذي حصل بني سيدنا موسى و سيدنا شعيب عليهما السالم وقد بني تلك لَىَ َ َ ْ ُ َ اخلدمة اإلمام القرطيب( )2يف تفسريه لقوله عز وجل{ :ع أن تأجر يِن ان ِ َ َث َم يَِ حج ٍج} [القصص ]27:فقال( :جرى ذكر اخلدمة مطلقا ...ألن العمل عندهم كان معلوما من سقي وحرث ورعي وما شاكل أعمال البادية يف مهنة أهلها ،فهذا متعارف وإن مل يبني له أشخاص األعمال وال مقاديرها ...فهذا إمنا هو على املعهود من خدمة البادية)( ،)3وهذا العمل مياثله يف زماننا قيام اخلادم على حاجات املنزلداخله وخارجه ،وأعمال -1الطربي ،أبو جعفر حممد بن جرير 310هـ (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) بريوت ،دار الفكر ،طبعة 1405هـ ،ج1ص .271 -2القرطيب (تويف 671هـ):هو أبو عبد اهلل حممد بن أمحد األنصاري اخلزرجي األندلسي املالكي ،اإلمام املتقن املفسّر، من مؤلفاته (اجلامع ألحكام القرآن )( ،انظر ترمجته يف :طبقات املفسرين للسيوطي ،ص .)79 -3القرطيب ،أبو عبد اهلل محد بن أمحد 671هـ (اجلامع ألحكام القرآن ) حتقيق :أمحد عبد العليم الربدوني ،القاهرة، دار الشعب ،الطبعة الثانية 1372هـ ،ج 13ص .275 21 أهل املنزل تتغري بتغري الزمان واملكان؛ فطعامهم يف زمن سيدنا موسى من تلك األغنام وشراهبم من لبنها وماؤهم من البئر واالشتغال بذلك هو عني اخلدمة. ولنشوء هذا النوع األخري من اخلدمة عند الناس البد له من حصول تطور بشري حبيث يستوعب الناس معنى التعاقد ،فعلى الرغم من قدمه يف التاريخ البشري إال أنه بالتأكيد متأخر عن النوعني السابقني. ولسنا حباجة للتعرف على وجود اخلدمة يف البيوت عند بين البشر عن طريق تتبع الكتب اليت تسطر تاريخ الشعوب على امتداد املعمورة ،وإمنا نكتفي ببعض اإلشارات املوجودة يف القرآن الكريم والسنة املطهرة ،ومن أقدمها قصة إخدام الطاغوت لسارة زوجة إبراهيم عليه السالم هباجر، وتاريخ هذه القصة يعود إىل حوايل أربعة آالف سنة خلت ،جاء يف احلديث الصحيح( :عَنْ أ َ ِبي هُرَيْرَةَ( )1رَضِيَ ال َّلهُ عَنْهُ َقا َلَ :قا َل رَسُو ُل ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ :لَمْ يَ ْكذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَثَ َك َذبَاتٍ ثِنْتَي ِْن مِنْهُنَّ فِي َذاتِ ال َّلهِ عَزَّ وَج ََّل َقوْلُهُ إِ ِّني سَقِيمٌ وَ َقوْلُهُ بَ ْل َفعَلَهُ َك ِبريُهُمْ هَ َذا وَ َقا َل بَيْنَا هُوَ َذاتَ يَوْ ٍم وَسَارَةُ إِ ْذ أَتَى عَلَى جَبَّا ٍر مِنْ الْجَبَا ِبرَةِ َفقِي َل لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلاً مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْس َِن الن ِ َّاس َف َأرْسَ َل إِلَيْهِ َفسَ َألَهُ عَنْهَا َف َقا َل مَنْ هَذِهِ َقا َل أُخْتِي َف َأتَى سَارَةَ َقا َل يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأْ َر ِ ْض مُؤْمِنٌ َغيْ ِري و ََغيْرَكِ وَإِنَّ هَ َذا سَ َألَنِي َف َأخْبَرْتُهُ أ َ َّنكِ أُخْتِي َفلاَ تُ َك ِّذ ِبينِي َف َأرْسَ َل إِلَيْهَا َفلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ َذهَبَ يَتَنَاوَلُهَا ِبيَدِهِ َف ُأخِ َذ َف َقا َل ادْعِي ال َّلهَ لِي وَال أ َ ُ ضرُّكِ َفدَعَتْ ال َّلهَ َف ُأ ْطلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا ال َّثانِيَ َة َف ُأخِ َذ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ َف َقا َل ادْعِي ال َّلهَ لِي وَال أَ ُ َان ضرُّكِ َفدَعَتْ َف ُأ ْطلِقَ َفدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ َف َقا َل إِ َّن ُكمْ لَمْ تَ ْأتُونِي ِبإِنْس ٍ -1أبو هريرة :هو عبد الرمحن بن صخر الدوسي ،الصحابي اجلليل ،ولد سنة 41قبل اهلجرة ،من الستة الكثريين للحديث ،دعا له رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم باحلفظ ،فكان حيفظ فال ينسى ،روى ( )5374حديثاً ،تويف سنة 57هـ. (انظر اإلصابة البن حجر ج 7ص .)425 22 ص ِّلي َف َأوْمَ َأ إِ َّنمَا أَتَيْتُمُونِي ِبشَي َْطا ٍن َف َأخْ َدمَهَا هَاجَرَ(َ )1ف َأتَتْهُ وَهُوَ َقائِمٌ يُ َ ِبيَدِهِ مَهْيَا َقالَتْ رَدَّ ال َّلهُ َكيْدَ الْ َكافِ ِر أَوْ الْ َف ِ اج ِر فِي نَحْ ِرهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ)(.)2 ومسى اهلل تعاىل صاحبَ موسى عليه السالم الذي صحبه يف البحر ْ َ َ ُ ىَ َ وس ل ِف َتاهُ} [الكهف ،]60:قال ذلك ألنه كان َفتاه فقال تعاىلِ{ :إَوذ قال م َ َ َ َ خيدمه يف سفره ،ودليله قوله{ :آت ِنا غداءنا} [الكهف .]62:وهو مثال آخر للخدمة حيكيها لنا القرآن. وبدأً بقصة سيدنا إبراهيم مروراً بقصة موسى وانتهاءً بسرية نبينا حممد عليهم مجيعاً أفضل الصالة والسالم –اليت سنمر عليها فيما بعد– يتبني لنا أن اخلدمة أمر تتعاطاه البشرية على مر تارخيها مبا فيهم قدوهتا من األنبياء عليهم الصالة والسالم. -1قوله( :فأخدمها هاجر) أي وهبها هلا لتخدمها ألنه أعظمها أن ختدم نفسها ).مهيا :معناها ما اخلرب؟ .ابن حجر، أبو الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالني الشافعي 852هـ ( فتح الباري شرح صحيح البخاري) حتقيق :حممد فؤاد عبدالباقي ،وحمب الدين اخلطيب ،بريوت ،دار املعرفة 1379هـ ،ج 6ص.394 -2البخاري ،أبو عبداهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي 256هـ (اجلامع الصحيح) حتقيق د .مصطفى ديب البغا، بريوت ،دار ابن كثري ،اليمامة ،الطبعة الثالثة 1407هـ 1987م ،ج 3ص ،1225برقم.3179 : 23 املطلب األول :تعريف اخلدمة ً لغة واصطالح ًا اخلدمة يف اللغة: خلدَّامُ .واخلادِمُ :واحدُ ا َ خلدَم :ا ُ جاء يف لسان العرب مادة خدم( :ا َ خلدَم، غالماً كان أَو جارية؛ وتَ َخدَّمْتُ خادِماً أَي اختذت ...ي َْختَدِم أَي ي َْخدُم نفسه. خَدَمَه ي َْخدُمه ويَخدِمه ...خَدْمَ ًة ...،وخِدْمة ،مَهَنَهُ ،والذكر خادم ،واجلمع خُدَّام .وا َ خلدَمُ :اسم للجمع كالعَز َِب والرَّوَح ،واألُنثى خادِم وخادِمة ،وخَدَم نفسَه ي َْخدُمُها و ي َْخدِمُها كذلك)(.)1 واملعنى اللغوي يشري إىل معنى :كفاية شخص -ذكراً أو أنثى -آلخر مهنة نفسه ،وإذا أضيفت اخلدمة إىل صاحبها صار معناها االعتماد على نفسه يف شؤونه. ويف هذا املعنى اللغوي عدة أمور: أوالً :فيه معنى االمتهان واملذلة ملا فيه من االنصياع يف أداء أعمال غريه. ثانياً :أن هذا العمل مرتبط جبهة؛ مبعنى أن العمل حتدده حاجات شخص ما مثالً ،سواء قلت أو كثرت. واملعنى اللغوي ال عالقة له بسبب اخلدمة هل هي ناشئة عن تعاقد أو تسلط أو غري ذلك ،وإمنا توحي باملعنيني املشار إليهما سابقاً فقط. وتقييد هذه اخلدمة يف البيوت يف حبثنا جيعل العقد مرتبطاً بأفراد األسرة ومصاحلهم يف هذا البيت من عمل داخل جدران البيت كالتنظيف والطبخ مثالً ،أو خارجه من اخلروج إىل السوق لتأمني حوائج البيت وحوائج أفراد األسرة ،واالنصياع ألداء هذه املتطلبات. -1ابن منظور ،أبي الفضل مجال الدين بن مكرم األفريقي املصري ت711هـ (لسان العرب) ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي1405 ،هـ ،مادة ( :خدم ) ج 12ص .166 24 وأما اخلدمة يف اصطالح الفقهاء: فليس عقد اخلدمة يف البيوت عند الفقهاء سوى عقد إجارة يف غالب صوره ،يشملها تعريف اإلجارة بعمومه ،حيث مل خيصوا عقد اخلدمة يف البيوت بتعريف معني. فعرف اإلجارة علماء الشافعية بقوهلم( :عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل واإلباحة بعوض معلوم «فخرج بـ «منفعة» العني وبـ «مقصودة» التافهة كاستئجار بياع على كلمة ال تتعب وبـ «معلومة» القراض واجلعالة على عمل جمهول .ويقابله ملا ذكر منفعة البضع فإن العقد عليها ال يسمى إجارة؛ فلهذا أخرجت بـ «قابلة للبذل» و «بعوض» هبة املنافع والوصية هبا والشركة واإلعارة و «مبعلوم» املساقاة واجلعالة على عمل معلوم بعوض جمهول كاحلج بالرزق وداللة الكافر لنا على قلعة جبارية منها نعم يرد عليه بيع حق املمر وحنوه واجلعالة على عمل معلوم بعوض معلوم)(.)1 وعرف اإلجارة علماء احلنفية بقوهلم( :متليك نفع مقصود من العني بعوض)(( .)2قوله «متليك» جنس يشمل بيع العني واملنفعة وهو وإن كان جنسا كما يكون مدخال يكون خمرجا فدخل به العارية ألهنا متليك املنافع والنكاح ألنه متليك البضع وليس مبنفعة وبقوله «نفع» متليك العني وقوله «بعوض» متام التعريف ...قوله «مقصودة» من العني أي يف الشرع ونظر العقالء)(.)3 وأما معنى اإلجارة عند املالكية فعرفوها بقوهلم( :حقيقتها« :متليك منفعة -1الشربيين ،حممد بن امحد اخلطيب الشربيين 977هـ (مغين احملتاج إىل معرفة معاني ألفاظ املنهاج) ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي ،طبعة مصطفى البابي مبصر 1377هـ 1958م ،ج2ص.332 -2احلصكفي ،عالء الدين حممد بن علي 1088هـ (الدر املختار شرح تنوير األبصار) (مع حاشية ابن عابدين) القاهرة، مطبعة مصطفى البابي احلليب وأوالده ،الطبعة الثانية 1386هـ 1966م ،ج 6ص.4 -3ابن عابدين ،حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز الدمشقي املفتى احلنفي1252هـ (حاشية رد احملتار على الدر املختار شرح تنوير األبصار) القاهرة ،مطبعة مصطفى البابي احلليب وأوالده ،الطبعة الثانية 1386هـ 1966م ،ج 6ص.4 25 غري معلومة زمناً معلوماً بعوض معلوم» ...اإلجارة تطلق على منافع من يعقل واألكرية على منافع من ال يعقل ،وقد يطلق أحدمها على اآلخر)(.)1 وورد تعريفها عند احلنابلة أهنا( :بذل عوض معلوم يف منفعة معلومة من عني معينة أو موصوفة يف الذمة أو يف عمل معلوم مباحة مدة معلومة(.)2 ومما مر من التعريفات نرى أن اختالف تعريفات اإلجارة عند الفقهاء ناشئ عن ذكرهم لشروطها أو أنواعها يف التعريف وإال فجميعهم متفقون على كوهنا: 1.1بيع :أي بذل -أو متليك– بعوض ،فهو عقد معاوضة الحتوائه على بدلني. 2.2تقع على منفعة :أي البيع واقع على املنفعة وليس على ذات العني املؤجرة. 3.3عدم اجلهالة :باألجرة وباملنفعة سواء بتحديدها زماناً أو مكاناً أو بتحديد العني املنتفع هبا. إال أن املالكية خصوا لفظ اإلجارة مبنفعة اآلدمي ،واصطلحوا على منافع غريه بالكراء. مما سبق يتضح لنا أن اإلجارة ال خيتلف تعريفها عند العلماء من حيث ارتباطها بنوع العمل ،وإذا أردنا أن نقيد التعريف السابق وجنعله خاصاً باخلدمة بالبيوت ونستخلص تعريفاً هلذا العقد فنقول: شخص نفسه يف منفعة معلومة أن عقد اخلدمة يف البيوت هو( :بذل ٍ مرتبطةٍ مبنز ٍل مقابل أج ٍر معلو ٍم) كطهي أو تربية أوالد أو رضاعة طفل -1احلطاب الرعيين ،أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن احلطاب الرعيين 995هـ (مواهب اجلليل) ،بريوت، دار الفكر ،الطبعة الثانية 1398هـ ج 5ص .389 -2املرداوي ،أبو احلسن علي بن سليمان 885هـ (اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل) حتقيق حممد حامد الفقي ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي ،ج 6ص.3 26 أو حراسة منزل أو غري ذلك ،سواء كان هذا العمل داخل املنزل أو خارجه ولكنه تابع له. ورمبا أخذت اخلدمة صيغة جعالة :وقد عرف علماء الشافعية اجلعالة أهنا( :التزام عوض معلوم على عمل معني معلوم أو جمهول عسر علمه(.)1 وقال احلنابلة( :هي أن جيعل شيئا معلوما ملن يعمل له عمال معلوما أو جمهوال من مدة معلومة أو جمهولة)(.)2 وعند املالكية( :وهو أن جيعل الرّجل للرّجل أجراً معلوماً ،وال ينقده إيّاه على أن يعمل له يف زمن معلوم أو جمهول ،ممّا فيه منفعة للجاعل ،على أ ّنه إن أكمل العمل كان له اجلعل ،وإن مل يتمّه فال شيء له ،ممّا ال منفعة فيه للجاعل إ ّال بعد متامه)(.)3 واملالحظ على معظم تعاريف اجلعالة عند الفقهاء؛ معلومية العوض واملنفعة وجهالة العمل كماً وكيفاً؛ فهو غري حمدد بزمن وال كيفية ،ألن املقصود منها هو حتصيل منفعة معلومة مقابل عوض معلوم ،وهو أمر متضمّن يف تعريف اخلدمة يف البيوت املذكور آنفاً .حيث مل يتعرض تعريفنا لتقييد العمل وإمنا لتقييد املنفعة ،إال أن صورة اجلعالة هنا البد هلا أن تكون مرتبطة خبدمة منزلية كما هو مبني يف التعريف. -1الشربيين ،حممد بن امحد اخلطيب الشربيين 977هـ (اإلقناع يف حل ألفاظ أبي شجاع) ،حتقيق مكتب البحوث والدراسات ،بريوت ،دار الفكر 1415هـ ج 2ص.353 -2البهوتي ،منصور بن يونس بن إدريس1051هـ( ،الروض املربع شرح زاد املستقنع) ،الرياض ،نشر مكتبة الرياض احلديثة1390هـ ج 2ص.431 -3اخلرشي ،أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل1101هـ( ،حاشية اخلرشي على خمتصر سيدي خليل) ،حتقيق الشيخ زكريا عمريات ،بريوت ،دار الكتب العلمية 1997م ،ج 7ص.60 27 املطلب الثاني :األلفاظ ذات الصلة بالبحث هناك عدة ألفاظ ومصطلحات هلا صلة خبدمة البيوت قد تتقاطع معانيها مع اخلدمة أو تتطابق ،من أمهها: لفظ اإلجارة :جاء يف لسان العرب مادة أجر( :واألُجْرَةُ :الكراء .تقول: است ْأجرتُ الرَّجل ،فهو ي ْأجُرُني َّ مثانيَ حِج ٍَج أَي :يصري أَجريي ...قوله َْْ َ َ ْ ْ َ َُ َ َ َ ُ ْ َ جره} [القصص]36 :؛ أي :اختذه سبحانه{ :قالت إِحداهما يا أب ِ ت استأ ِ َ َ ْ ْ َ َ ُّ َ ُ أَجرياً؛ {إِن خري من استأجرت القوي األمني} أَي :خريَ من استعملت مَنْ لَىَ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ يَِ حج ٍج} َق ِويَ على عَمَلِكَ وأَدَّى األمَّانة ،قال وقوله{ :ع أن تأجر يِن ثمان ِ [القصص ]27 :أَي :تكون أَجرياً يل)( .)1فمعنى اإلجارة اللغوي واسع يشمل استعمال شخص ما يف عمل من األعمال؛ فتكون اخلدمة يف البيوت بعض صور اإلجارة. وقد مر سابقا الفرق بني معنى عقدي اخلدمة يف البيوت واإلجارة عند الفقهاء حيث يعم معنى لفظ اإلجارة خدمة البيوت وغريها ،فبني اخلادم واألجري عموم وخصوص. ويستعمل لفظ الكراء مبعنى االستئجار (كرا :الكِرْوَةُ والكِراء أَجر املست ْأجَر ،)2()...ومن العلماء من خص الكراء باستئجار غري العاقل ومنهم من عمم معنى الكراء على كل استئجار منافع العاقل أو غريه(.)3 أما لفظ املَهنة فهو من مَهَنَ( :)4املَهْنة واملِهْنَة واملَهَنَة وامل َ ِهنَ ُة كله :احلِ ْذق -1لسان العرب مادة (أجر) ج 4ص .10 -2لسان العرب :مادة (كرا) ج 15ص .218 -3وقد مر سابقاً ختصيص املالكية ملعنى الكراء مبنافع ما ال يعقل ص .20 -4ابن األثري ،أبو السعادات املبارك بن حممد اجلزري606هـ (النهاية يف غريب األثر) حتقيق طاهر أمحد الزاوي وحممود حممد الطناحي ،بريوت ،نشر املكتبة العلمية 1399هـ 1979م ،ج 4ص .376ولسان العرب البن منظور مادة( :مهن) ج13 ص .424 28 باخلدمة والعمل وحنوه ...مَهَنَهُم يَمْهَنُهم ويَمْهُنُهم مَهْناً ومَهْنَ ًة ومِهْنَ ًة أَي خدمهم. واملاهِنُ :العبد ،واخلادم ...وجاء يف احلديث :سألت عائشة( )1رضي اهلل عنها ما كان النيب صلى اهلل عليه و سلم يصنع يف بيته؟ قالت« :كان يكون يف مهنة أهله -تعين خدمة أهله -فإذا حضرت الصالة خرج إىل الصالة»( ،)2وحديث عروة( )3يظهر بعض تلك األعمال؛ فعن عروة قال: «قلت لعائشة رضي اهلل عنها :يا أم املؤمنني أي شيء كان يصنع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت :ما يفعل أحدكم يف مهنة أهله؛ خيصف نعله وخييط ثوبه ويرقع دلوه»(.)4 وامْتَهَنْتُ الشيء :ابتذلته .ويقال :هو يف مِهْنِة أَهله ،وهي اخلدمة واالبتذال ...وامْتَهَنَ نفسَه :ابتذهلا. َ َ ْ خَ ْ ُ ُّ َّ َّ ّ ني} واملهني :الضعيف ومنه قوله تعاىل{ :ألم نلقكم مِن ماء م ِه ٍ [املرسالت.]20: فلفظ املهنة فيه معنى :اخلدمة واالبتذال والضعف والصنعة ،وهذه املعاني أخص من اخلدمة ألن يف املهنة احلذق والصنعة .ولكن ميكن أن يطلق على اخلدمة مهنة ألهنا من بعض أشكاهلا ،كما ورد يف حديث عروة رضي اهلل عنه السابق. ولفظ العمل :هذه اللفظة تستعمل للداللة على اخلدمة ،جاء يف تبيان -1عائشة :بنت أبي بكر الصديق ،أم املؤمنني ،ولدت سنة تسع قبل اهلجرة مبكة ،أسلمت صغرية ،أحب نساء النيب صلى اهلل عليه وسلم إليه ،أفقه النساء ،روت ( )2210حديثاً ،هلا مناقب كثرية ،توفيت باملدينة سنة 58هـ ،ودفنت بالبقيع. (اإلصابة البن حجر العسقالني :ج 8ص.)16 -2البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 1ص .239رقم احلديث.644: -3عروة :أبو عبد اهلل ابن الزبريبن العوام بن خويلد بن أسد ،وأمه أمساء ابنة أبي بكر الصديق ،كان ثقة كثري احلديث فقهيا عاليا مأمونا ثبتا ،كان برجله أ َ َكل َ ٌة فقطع رجله ( تويف 94هـ) ( الطبقات الكربى البن سعد (ج 5ص.)178 -4ابن حبان ،حممد بن حبان بن أمحد أبو حامت التميمي البسيت354هـ (صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان) حتقيق شعيب األرنؤوط ،بريوت ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة الثانية 1414هـ 1993م ج 12ص 490رقم احلديث..5676 : 29 معانيها يف لسان العرب( :العا ِم ُل :هو الذي يت َو َّلى أُمور الرجل يف ماله ومِلْكِه وعمَلِه. والعَمَل :املِهْنة والفِعْل ،واجلمع أَعمال ،عَمِ َل عَمَالً ،وأَعْمَلَه َغريهُ واسْتَعْمَله، واعْتَمَل الرج ُل :عَمِ َل بنفسه؛ واسْتَعْمَ َل فالن غريَه إِذا سَ َأله أَن يَعْمَل له، واسْتَعْمَلَهَ :طلَب إِليه العَمَل ،والعَمَلة :القومُ يَعْمَلون ب َأيديهم ضروباً من العَمَل يف طني أَو حَ ْف ٍر أَو غريه ،وعامَلَه :سامَه بعَمَلٍ)( ،)1فمعنى لفظ العمل عام يشمل اخلدمة وغريها. أما اجلعالة :فقد جاء يف معناها( :وجَعَل له كذا شارطه به عليه، جلعِيلة وا ُ جلعال وا َ وكذلك جَعَل للعامل كذا .وا ُ جلعالة وا ِ جلعْل وا ِ جلعالة وا َ جلعالة؛ ...كل ذلك :ما جعله له على عمله .يقال :جَعَل لك جَعْالً وجُعْالً وهو األَجر على الشيء فعالً أَو قوالً)(.)2 ويبدو من معنى اجلعالة اللغوي أهنا تشبه اإلجارة بكوهنا طلب عمل مقابل أجرة ،ومن املمكن أن يكون هذا العمل شكل من أشكال اخلدمة ،ويطلق عندها على عقد اخلدمة عقد جعالة .وقد مر يف تعريف اخلدمة عند الفقهاء تبيان تداخل معنى اجلعالة مع اخلدمة واإلجارة. هكذا وجدنا أن هذه األلفاظ األربعة( :اإلجارة واجلعالة واملهنة والعمل) تستعمل يف الداللة على اخلدمة يف البيوت ،إال أن اإلجارة تشمل معظم أحوال اخلدمة ،واجلعالة على بعضها ،واملهنة والعمل ميكن إطالقها على كل أنواع اخلدمة يف البيوت. -1لسان العرب مادة( :عمل) ج 11ص .474 ( -2لسان العرب) مادة (جعل) ج 11ص.110 30 املبحث الثاني: مشروعية اخلدمة وحكمها املطلب األول :مشروعية اخلدمة. املطلب الثاني :حكم اخلدمة يف البيوت. املطلب الثالث :اخلدمة يف زمن التشريع. 31 املبحث الثاني :مشروعية اخلدمة وحكمها املطلب األول :مشروعية اخلدمة اخلدمة يف البيوت باملعنى الذي مرّ هو أمر أقرته الشريعة اإلسالمية السمحاء بنصوصها يف القرآن الكريم والسنة املطهرة ،وضبطته باألحكام واآلداب اخلاصة به ،وجرى العمل هبا يف زمن القرون اليت شهد النيب صلى اهلل عليه وسلم خبرييتها ،فعن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ ( )1رَضِيَ ال َّلهُ عَنْهُمَا قالَ :قا َل رَسُو ُل ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ« :خَيْرُكم َقرْنِي ثُمَّ ا َّلذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ ا َّلذِينَ يَلُونَهُمْ»( ،)2وأمجع على ذلك علماء املسلمني يف كل عصورهم، باإلضافة إىل أن العقول السليمة هتتدي بالتدبر إىل أن شريع ًة أكملها اهلل عز وجل ال ميكن أن تغفل عن مصلحة إنسانية كاخلدمة يف البيوت، وهاك األدلة على الرتتيب: دليلها من القرآن الكريم: 1.1جاء يف سورة القصص حكاية عن قصة سيدنا موسى مع سيدنا شعيب عليهما السالم ،وفيها تصريح مبشروعية اخلدمة عندما بني لنا سبحانه بالقرآن تعاقد سيدنا شعيب مع سيدنا موسى على أن يقوم ْ ْ َ َ ْ ْ َ َُ َ َ َ اس َتأج ْرهُ ت على اخلدمة مثاني سنني فقال تعاىل{ :قالت إِحداهما يا أب ِ ِ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُّ لأَْ ُ َ َ ّ ُ ُ َْ َّ َ َ َ ُ كحك إِن خَيرَْ م ِن استأجرت القوِي ا مِني * قال إ ِ يِن أرِيد أن أن ِ -1عمران بن حصني :بن عبيد بن خلف بن عبد هنم ويكنى أبا نُجيد ،روى عدة أحاديث ،وكان إسالمه عام خيرب ،بعثه عمر إىل البصرة ليفقه أهلها فبقي هبا إىل أن مات ،كان من فضالء الصحابة وفقهائهم ،كان يرى احلفظة وكانت تكلمه، وكان جماب الدعوة ،تويف 52هـ (اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 4ص .)705 -2مسلم ،أبو احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري 261هـ (صحيح مسلم) حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي، بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي ،ج 4ص 1964رقم احلديث.2535 : 32 ْ َ ْ َ يَ َّ َ َينْ لَىَ َ َ ْ ُ َ َ ح َ ت َع رْشا ً فَ ِمنْ جج فَإ ْن َأتْ َم ْم َ َ يَِ إِحدى ابنت هات ِ ع أن تأجر يِن ثمان ِ ٍ ِ َ َ َ ُ ُ َ ْ َ ُ َّ َ َ َ هَّ َ َّ َ َ ُ ْ َ ُ َ جد يِن إِن شاء الل مِن الص حِ ال ِني} عِن ِدك وما أرِيد أن أشق عليك ست ِ [القصص.]26-27: ْ ْ َ َ ْ ْ َ َُ َ َ َ اس َتأج ْره»ُ ت يقول القرطيب يف تفسريها( :قوله تعاىل« :قالت إِحداهما يا أب ِ ِ دليل على أن اإلجارة كانت عندهم مشروع ًة معلوم ًة ،وكذلك كانت يف كل ملة وهي من ضرورة اخلليقة ،ومصلحة اخللطة بني الناس)( ،)1وقد مر سابقاً كالم اإلمام القرطيب بإسهاب أكثر(.)2 ويقول اإلمام الكاساني( )3عند استدالله هبذه اآلية( :وما قص اهلل علينا من شرائع من قبلنا من غري نسخ يصري شريعة لنا مبتدأة ويلزمنا على أنه شريعتنا ال على أنه شريعة من قبلنا ملا عرف يف أصول الفقه)(.)4 2.2وأجاز القرآن الكريم االستئجار على الرضاع وهو من أنواع اخلدمة، ْ َ َ ُّ ْ َ َ ْ رَ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ كمْ ضعوا أوالدكم فال جناح علي فقال سبحانهِ{ :إَون أردتم أن تست ِ َ َ َّ ْ ُ َّ َ ْ ُ ْ ْ َ ُ وف} [البقرة ،]233 :وهذا نص على نفي اإلثم إِذا سلمتم مآ آتيتم بِالمعر ِ {س َّل ْم ُتم َّمآ آتَيْتمُ عن التعاقد على اإلرضاع ،حيث أشار للتعاقد بقولهَ : ْ ْ َ ُ ()5 بِالمعروف} أي األجرة املتفق عليها واألجرة ال جتب إال بالعقد . 3.3ثم النصوص الواردة جبواز اإلجارة مطلقاً ،وهي بعمومها تدل على جواز عقد اخلدمة يف البيوت حيث هو أحد وجوهها؛ كقوله تعاىل: ََ َ َ َ َ ً ُ ُ َْ َ َ ت لاَ تخََّ ْذ َ نق َّض فَأَقَ َ ت َعلَيهِْ ام ُه قَ َال ل َ ْو ِشئْ َ جدارا ي ِريد أن ي {فوجدا فِيها ِ -1القرطيب( ،اجلامع ألحكام القرآن) ،ج 13ص .271 -2ص .19 -3الكاساني :أبو بكر عالء الدين بن مسعود بن أمحد ،من كبار علماء احلنفية ،من أهم كتبه (بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع) وهو شرح لكتاب شيخه السمرقندي (حتفة الفقاء) ومهر ابنته ،ويل قضاء حلب (تويف 587هـ)( .اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية ج1ص .)245 -4الكاساني ،عالء الدين الكاساني587هـ (بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع) بريوت ،دار الكتاب العربي للنشر ،الطبعة الثانية 1982م ج 4ص.173 -5املرجع السابق ج 4ص .173الشربيين (مغين احملتاج) ج2ص.333 33 َ ْ ً أجرا} [الكهف ،]77:وهذا دليل على صحة اإلجارة وجواز أخذ األجر . َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ً ّ َّ ّ ُ ْ وقوله عز وجل{ :ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال مِن ربِكم} ()1 [البقرة ]198:وقد قيل نزلت اآلية يف حج املكاري فإنه روي عن أبي أمامة التيمي( )2أنه قال :كنت رجال أكري يف هذا الوجه وكان ناس يقولون يل إنه ليس لك حج( )3فلقيت ابن عمر( )4فقلت :يا أبا عبد الرمحن إني رجل أكري يف هذا الوجه وإن ناساً يقولون يل إنه ليس لك حج ،فقال ابن عمر :أليس حترم وتليب وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي اجلمار ،قال قلت بلى قال :فإن لك حجا ،جاء رجل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتين عنه فسكت عنه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فلم َْ َ َ َْ ُ ْ ُ َ ٌ َ ََْ ُ ْ َ ْ ً ّ جيبه حتى نزلت هذه اآلية{ :ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال مِن ُ َّر ّبِك ْم} فأرسل إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وقرأ عليه هذه اآلية وقال« :لك حج»( ،)5لذلك قال العلماء( :عمل املكاري من اإلجارة)(.)6 فاألدلة الثالثة السابقة من القرآن تدل على جواز اخلدمة لكوهنا إجارة واإلجارة منصوص على جوازها يف القرآن ،وصرح القرآن مبشروعية االسرتضاع ونفي احلرج على التعاقد عليه وهو من أشكال اخلدمة، وحكى لنا القرآن قصة عقد خدمة حصل بني نبيني من أنبيائه الكرام عليهم صلوات اهلل وسالمه. -1ابن قدامة ،أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي 620هـ (املغين يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل) بريوت ،دار الفكر ،الطبعة األوىل 1405هـ ج 5ص.250 -2أبو امامة التيمي :التابعي ،ويقال أبو أميمة التيمى روى عنه شعبة ،وسئل أبو زرعة عنه فقال كوفى ال بأس به (اجلرح والتعديل ألبي حامت الرازي (ج 9ص.)330 ( -3أكري يف هذا الوجه) :أي سفر احلج (ليس لك حج) :أي ال يصح حجك مع الكراء .العظيم آبادي ،أبو الطيب حممد مشس احلق (عون املعبود شرح سنن أبي داود) بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة الثانية 1415هـ ،ج 5ص .108 -4عبد اهلل بن عمر :أبو عبد الرمحن عبد اهلل بن عمر بن اخلطاب بن نفيل القرشي العدوى ،ولد سنة ثالث من املبعث النبوي،أسلم مع أبيه ومل يكن بلغ يومئذ ،شهد له النيب صلى اهلل عليه وسلم بالصالح ،وهاجر وهو بن عشر سنني ،مات سنة أربع ومثانني( .اإلصابة يف متييز الصحابة(-ج 4ص.)181 -5ابو داود (السنن) ج 2ص 142حديث رقم.1733 : -6الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.173 34 أما دليله من السنة النبوية :فاألحاديث يف ذلك كثرية منها: 1.1من األحاديث ما يصرح جبواز عقد اخلدمة خبصوصه: فعن يعلى بن أمية( )1رضي اهلل عنه قال :أذن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالغزو وأنا شيخ كبري ليس يل خادم ،فألتمس أجريًا يكفيين وأجري له سهمه ،فوجدت رجالً ،فلما دنا الرحيل أتاني فقال :ما أدري ما السهمان، وما يبلغ سهمي؟ فسم يل شيئا كان السهم أو مل يكن ،فسميت له ثالثة دنانري ،فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه ،فذكرت الدنانري فجئت النيب صلى اهلل عليه وسلم فذكرت له أمره ،فقال« :ما أجد له يف غزوته هذه يف الدنيا إال دنانريه اليت مسى»( ،)2فهذا احلديث يدل على جواز االستئجار على اخلدمة حيث أقرها النيب صلى اهلل عليه وسلم. و َقا َل رَسُو ُل ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيهِ وسَ َّلم« :أفض ُل الصَّدقاتِ ُّ ظل ُفسطاطٍ هلل ومنيح ُة خاد ٍم يف سبي ِل ا ِ يف سبي ِل ا ِ هلل»(( ،)3ويف رواية قال« :خدمة عبد يف سبيل اهلل» أي هبة عبد للمجاهد ليخدمه أو عاريته له)( .)4وفيه داللة على جواز االستخدام ولو على سبيل اإلعارة إضافة جلعله من باب القربات والطاعات. وهناك أحاديث جتعل اخلدمة من حاجات اإلنسان األساسية اليت ال تدخل يف باب اإلسراف املنهي عنه شرعاً: -1يعلى بن أمية :ابن أبي عبيدة بن مهام بن احلارث التميمي ،وكنيته أبو خلف ،فخرج مع عائشة يف وقعة اجلمل ثم شهد صفني مع علي ويقال انه قتل هبا ،روى عن النيب صلى اهلل عليه و سلم،كان عامل عمر على جنران (اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 6ص.)685 -2ابو داود (السنن) ج 3ص 17برقم .2527وقال :هذا حديث صحيح على شرطهما ،ومل خيرجاه. -3الرتمذي ،حممد بن عيسى أبو عيسى الرتمذي السلمي279هـ (اجلامع الصحيح سنن الرتمذي) حتقيق أمحد حممد شاكر وآخرون ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي،ج 4ص 168احلديث رقم ،1627وقال :هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ َغريبٌ صحيحٌ. -4املباركفوري ،أبو العال حممد عبد الرمحن بن عبد الرحيم 1353هـ (حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي) بريوت ،دار الكتب العلمية ،ج 5ص.210 35 فقد جاءَ معاوي ُة( )1إىل أبي هاش ِم ِ بن عُتب َة( )2وهو مريضٌ يعودُهُ فقال :يا خا ُل ما يُبكيكَ؟ أوجعٌ يُشئز َُك أو حِرصٌ على الدُّنيا ،قالٌّ : كل ال ولكنْ رَسُو َل ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ عَلِيهِ وسَ َّلم عَهدَ إيلَّ عهداً مل آخُ ْذ بهِ قال« :إ َّنما يَكفيكَ من مج ِع املا ِل خادمٌ ومركبٌ يف سبي ِل ا ِ هلل وأجدُني اليومَ قد مجعْتُ»(.)3 وعن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :من كان لنا عامالً فليكتسب زوج ًة، فإِن مل يكن له خادمٌ فليكتسب خادماً ،فإِن مل يكن له مسكنٌ فليكتسب مسكنا» قال :قال أبو بكر( :)4أخربت أن النيبَّ صلى اهلل عليه وسلم قال: «من اختذ غري ذلك فهو ٌّ ٌ سارق»( .)5ويف هذا احلديث تبيان على غال أو أن الوايل إذا اختذ خادماً ليخدمه يكون قد حصَّل حاجة ال يالم عليها وليست من اإلسراف يف النفقة ،واحلديث الذي سبقه يؤيد املعنى. وقصة سيدنا علي( )6وفاطمة( )7رضي اهلل عنهما دليل صريح على جواز االستخدام يف البيت فعن ابن أعبد( )8قال :قال يل عليَّ رضي اهلل عنه: أال أحدثك عين وعن فاطمة بنت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وكانت -1معاوية :بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي األموي ،أمري املؤمنني ،ولد قبل البعثة خبمس سنني ،كان من الكتبة احلسبة الفصحاء حليماً وقوراً ،واله عمر الشام ،وأخته أم املؤمنني أم حبيبة بنت أبي سفيان ،مات معاوية يف رجب سنة ستني (اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 6ص .)151 -2أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد مشس القرشي ،وأخو مصعب بن عمري ألمه ،أسلم يوم فتح مكة ونزل الشام اىل أن مات يف خالفة عثمان( .اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 7ص . )422 -3الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج 4ص 564رقم.2327 -4أبو بكر الصديق :عبد اهلل بن عثمان بن عامر القرشي التميمي أبو بكر الصديق بن أبي قحافة خليفة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وصحب النيب صلى اهلل عليه وسلم يف اهلجرة ويف الغار ويف املشاهد كلها ،واستقر خليفة بعدهُ ،ذكر يف القرآن(:إذ يقول لصحابه ال حتزن إن اهلل معنا) كانت وفاته سنة 13هـ وهو ابن ( 63اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج4 ص .)169 -5ابو داود (السنن) ج 3ص 134برقم.2945 : -6علي :بن أبي طالب بن عبد املطلب بن هاشم القرشي أبو احلسن ،أول الناس إسالما ،ولد قبل البعثة بعشر سنني فربى يف حجر النيب صلى اهلل عليه وسلم ومل يفارقه ،وزوجه بنته فاطمة ،قتل سنة 40هـ ومدة خالفته مخس سنني إال ثالثة أشهر ونصف( .اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 4ص .)564 -7فاطمة الزهراء بنت إمام املتقني رسول اهلل حممد بن عبد اهلل بن عبد املطلب بن هاشم اهلامشية صلى اهلل على أبيها وآله وسلم ورضي عنها ،سيدة نساء العاملني ،وكان مولدها قبل البعثة بنحو سنة ،وعاشت بعد النيب صلى اهلل عليه وسلم ستة أشهر( .اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 8ص .)53 -8ابن أعبد امسه علي ،وقال علي بن املديين :ليس مبعروف وال أعرف له غري هذا( .عون املعبود ج 6ص.)466 36 من أحبِّ أهله إليه؟ قلت :بلى .قال :إهنا جرَّت بالرحى حتى أ ّثر يف يدها، واستقت بالقربة حتى أ َّثر يف حنرها ،وكنست البيت حتى اغربّت ثياهبا. فأتى النيبَّ صلى اهلل عليه وسلم خدمٌ فقلت :لو أتيت أباك فسألتيه خادماً فأتته ،فوجدت حُدَّاثاً فرجعت ،فأتاها من الغد فقال« :ما كان حاجتك؟» فسكتت .فقلت :أنا أحدِّثك يا رسول اللّه ،جرَّت بالرحى حتى أثرت يف يدها ،ومحلت بالقربة حتى أثرت يف حنرها ،فلما أن جاءك اخلدم أمرهتا أن تأتيك فتستخدمك خادماً يقيها حرَّ ما هي فيه .قال: «ا ّتق اهلل يا فاطمة ،وأدِّي فريضة ربِّك ،واعملي عمل أهلك ،فإِذا أخذت مضجعك فسبِّحي ثالثاً وثالثني ،وامحدي ثالثاً وثالثني ،وكبِّري أربعاً وثالثني ،فتلك مائ ٌة فهي خريٌ لك من خاد ٍم» قالت :رضيت عن اهلل عز وجل ،وعن رسوله صلى اهلل عليه وسلم)( .)1ففي طلب سيدنا علي رضي اهلل عنه داللة على أن اخلدمة يف البيوت عمل مشروع ،ومل ينكر ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم بل أراد البنته الزهراء أال تقصر يف حتصيل عظيم األجر الذي تناله يف قيامها على خدمة بيتها بنفسها .وقد ذكر أبو داود احلديث السابق يف سننه حتت عنوان (احلرص على زيادة األجر عند اهلل مبكابدة الواجبات)(.)2 2.2ويدل على جواز عقد اخلدمة يف البيوت عموم األحاديث اليت تدل على جواز عقد اإلجارة بكونه أحد أشكاله: منها ما روى أبو هريرة رضي اهلل عنه ،عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :قال اهلل تعاىل :ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة :رجل أعطى بي ثم غدر ،ورجل باع حراً فأكل مثنه ،ورجل استأجر أجرياً فاستوفى منه ومل -1ابو داود (السنن) ج 3ص 150برقم.2988 : -2ابو داود (السنن) ج 3ص 150برقم.2988: 37 يعطه أجره»(.)1 وعن عائشة رضي اهلل عنها أهنا قالت( :استأجر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأبو بكر رضي اهلل عنه رجال من بين الدئل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثالث فأتامها فارحتال وانطلق معهما عامر بن فهرية والدليل الدئلي فأخذ هبم طريق الساحل)( )2ويستدل بفعل النيب صلى اهلل عليه وسلم على اجلواز. وروي أن عليا أجر نفسه من يهودي فاستقى له كل دلو بتمرة حتى بلغ بضعاً وأربعني دلوا(.)3 وكذا بُعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والناس يؤاجرون ويستأجرون فلم ينكر عليهم فكان ذلك تقريرا منه والتقرير أحد وجوه السنة(.)4 من خالل هذه األحاديث الشريفة نرى أن اخلدمة يف البيوت ثبتت بالسنة العملية والقولية والتقريرية عن النيب صلى اهلل عليه وسلم سواء باإلجارة بشكل عام أو باخلدمة بشكل خاص على حنو ال يدع جمال للشك جبوازها. ودليله إمجاع األمة: أمجعت األمة على جواز عقد اإلجارة عموماً وعقد اخلدمة يف البيوت خصوصاً حيث تعامل به املسلمون من عهد النبوة إىل يومنا هذا مع إقرار العلماء هلذا النوع من التعامل بني الناس وبينوا أحكامه يف فتاواهم املدونة منهم واملسموعة عنهم ،من غري نكري ،إال ما نقل عن األصم( )5الذي أنكر -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 2ص ،766احلديث رقم.2114 : -2املرجع السابق ج 2ص ،790احلديث رقم.2144: -3الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي»)ج 4ص645احلديث رقم 2473:وقال هذا حديث حسن غريب. -4الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص .174الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.333 -5أبو بكر األصم :عبد الرمحن بن كيسان املعتزيل :صاحب املقاالت يف األصول ذكره عبد اجلبار اهلمداني يف طبقاهتم وقال كان من أفصح الناس وأورعهم وأفقههم وله تفسري عجيب ،قلت :وهو من طبقة أبي اهلذيل العالف وأقدم منه (لسان امليزان ( -ج 3ص.)427 38 جواز عقد اإلجارة ،وهذا اإلنكار ال يؤبه له بعد وقوع اإلمجاع( ،)1يقول ابن قدامة( )2يف املغين( :أمجع أهل العلم يف كل عصر وكل مصر على جواز اإلجارة إال ما حيكى عن عبد الرمحن بن األصم أنه قال ال جيوز ذلك ألنه غرر يعين أنه يعقد على منافع مل ختلق وهذا غلط ال مينع انعقاد اإلمجاع الذي سبق يف األعصار وسار يف األمصار)(.)3 ثم ذكر حكم اخلدمة عند األئمة الفقهاء فقال( :جيوز أن يستأجر خلدمته من خيدمه كل شهر بشيء معلوم وسواء كان األجري رجالً أو امرأةً حرًا أو عبدًا وهبذا قال أبو حنيفة( )4والشافعي( ...)5وقال أمحد( )6جيوز للرجل أن يستأجر األمة واحلرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر)(.)7 وهذا اإلمجاع يزيد التصريح جبواز عقد اخلدمة يف القرآن والسنة وضوحاً ويدفع عنه أدنى احتمال للتأويل. ودليله من املعقول: حيث أن املتأمل يف عقد اخلدمة يرى أنه عقد مباح ألمور كثرية منها: -1القرطيب( ،اجلامع ألحكام القرآن) ج 13ص .271الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.174 -2ابن قدامة :موفق الدين أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة املقدسي اجلماعيلي ثم الدمشقي الصاحلي احلنبلي صاحب (املغين) ،مولده جبماعيل من عمل نابلس سنة 541هـ ،وكان عامل أهل الشام يف زمانه ،له املؤلفات الغزيرة ،تويف سنة 620هـ .انظر :الذهيب ،أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز 748هـ (سري أعالم النبالء) حتقيق شعيب األرناؤوط ،حممد نعيم العرقسوسي ،بريوت ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة التاسعة 1413هـ .ج 22ص .)165 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.250 -4أبو حنيفة :اإلمام األعظم النعمان بن ثابت بن كاوس بن هرمز ،ولد سنة 80هـ وتويف ببغداد سنة150هـ ،لقي بعض الصحابة منهم أنس ابن مالك رضي اهلل عنه ،قال الشافعي« :ما طلب أحد الفقه إال كان عياالً على أبي حنيفة» ،ضرب على القضاء ومل يقبله( .اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية) ص .26 ّ -5الشّافعي:هو مُحَمَّد بن إدريس بن عبّاس بن عثمان بن شافع اهلامشيّ القرشيّ املطليبّ ،أبو عبد اهلل (150-204هـ) ،أحد األئمة األربعة ،إليه نسبة الشّافعيّة كا ّفة ،وُلِدَ يف غزّةَ بفلسطنيَ .أفتى وهو ابن عشرينَ سنةٍ ،من تصانيفِه« :األمّ» ،و«املسند»، و»الرّسالة»( .هتذيب األمساء واللغات للنّووي ج 1ص.)85 -6ابن حنبل :أبي عبد اهلل أمحد بن حممد بن حنبل بن هالل بن أسد،إمام الفقه والسنة ،قال علي بن املديين :أيد اهلل هذا الدين برجلني ال ثالث هلما أبو بكر الصديق يوم الردة وأمحد بن حنبل يف يوم احملنة .تويف يف سنة إحدى وأربعني ومائتني وله سبع سبعون سنة( .طبقات احلنابلة ( -ج 1ص.)4 -7ابن قدامة (املغين) ج 5ص.270 39 1.1موافقة مقاصد الشريعة اإلسالمية :فاهلل تعاىل إمنا شرع األحكام حلاجة الناس إليها ولتحقيق مصاحل العباد هبا ،فأحرز هلم مبا أباح املنافع ودفع عنهم مبا حرَّم املفاسد ،وعقد اخلدمة يف البيوت من العقود اليت تقتضيها مصلحة العباد ،فهي موافقة ملقاصد الشريعة غري خمالفة هلا. 2.2نوع من عقود البيع :فعقد اخلدمة يف البيوت هو عقد على بيع منفعة حمددة ليس فيها غرر وال جهالة فاحشة ،وهذا عقد مشروع بأصله، قال ابن قدامة( :وهي نوع من البيع ألهنا متليك من كل واحد منهما لصاحبه فهي بيع املنافع؛ واملنافع مبنزلة األعيان ألنه يصح متليكها يف حال احلياة وبعد املوت وتضمن باليد واإلتالف ويكون عوضها عينا ودينا وإمنا اختصت باسم كما اختص بعض البيوع باسم كالصرف والسلم(.)1 3.3عقد اخلدمة باب من أبواب التعاون :اليت أُمرنا بأن حنرص َ َ َ َ ُ ْ لَىَ ْ ّ َ َّ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ْ لَىَ ْ اإلث ِم رب واتلقوى وال تعاونوا ع ِ عليها لقوله سبحانه{ :وتعاونوا ع ال ِ ْ َوال ُع ْد َوانِ} [املائدة ،]2:حيث جند أن كل طرف يف عقد اخلدمة يف البيوت حباجة للعوض املعقود عليه عند الطرف اآلخر ،والناس متفاوتون يف املواهب واإلمكانات ،فاخلادم حباجة لألجرة ،واملستخدم حمتاج ملن يقوم بشؤون بيته ،فكالمها يتعاونان على حتصيل حاجاهتما ،وهذا عمل مربور يف الشرع. 4.4احلاجة إليه :فإن احلاجة إىل تعاطي املنافع كاحلاجة إىل تعاطي -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.251 40 األعيان فلما جاز العقد على األعيان وجب أن تباح اإلجارة على منافعَ حمددةٍ كاخلدمة يف البيوت ،وقد ظهرت حاجة الناس إىل ذلك على مر الزمان(.)1 من خالل ما سبق يتضح لنا جلياً أن عقد اخلدمة يف البيوت من العقود املشروعة يف اإلسالم وقد عُرف ذلك من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية املطهرة ،سواء نظرنا إليه كعقد مستقل للخدمة يف البيوت أو كعقد من عقود اإلجارة على منفعة معلومة. وجاء إمجاع األمة على جوازه مظهراً إلباحته ويدفع عنه أي شبهة رمبا تثار حوله .إضافة إىل أن العقل يرى انسجام عقد اخلدمة يف البيوت مع مقاصد الشريعة اإلسالمية وأصوهلا املتعلقة يف العقود. هذا كله فيما إذا كانت صورة اخلدمة عقد إجارة ،وهي احلالة الغالبة وأما إذا كانت صورة اخلدمة عقد جعالة ففيها خالف عند الفقهاء: حيث تكون اجلعالة على اخلدمة كاشرتاط عوض معلوم على شفاء مريض، يب مادةً علمي ًة حمددة ،وهذا التعاقد ليس إجارة ألمور أو على تعليم ص ٍ منها(:)2 1.1أن املنفعة حمددة ولكن مقدار العمل الذي حتتاجه لتحصيلها جمهول ومل يتم ضبطه وتعيينه ،بينما يلزم يف اإلجارة التعيني والضبط للعمل. 2.2إن عقد اجلعالة غري الزم فيصح للعامل الفسخ متى شاء ،والعمل الزم عليه يف عقد اإلجارة. 3.3وإذا فسخ العقد قبل متام العمل سقط كل العوض يف اجلعالة ،وال يسقط كله يف عقد اإلجارة بل يلزم العوض عما مضى. -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص .389الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص .333ابن قدامة (املغين) ج 5ص.250 -2الدردير ،أبو الربكات سيدي أمحد (الشرح الكبري) حتقيق حممد عليش ،بريوت ،دار الفكر ،ج 4ص .61الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص .430ابن قدامة (املغين) ج 6ص.21 41 4.4ويصح يف اإلجارة أخذ األجرة قبل إمتام العمل ،بينما ال يستحق العامل اجلعل إال بعد متام العمل. وقد اختلف العلماء على مشروعية اجلعالة على مذهبني: 1 .1مذهب اجلمهور :وهم الشافعية واملالكية واحلنابلة قالوا جبواز اجلعالة ودليلهم يف ذلك(:)1 َََْ {ول َِمن َجاء بهِ مِحْ ُل بَ من القرآن الكريم :قول اهلل عز وجلَ : ع ري وأنا بِهِ ِ ِ ٍ ع ٌ يم } [يوسف ،]72 :وهذا تصريح يف جواز اجلعالة ألن ما ذكره القرآن َز ِ شرعاً ملن قبلنا فهو شرع لنا ما مل يرد دليل بنسخه. ومن السنة النبوية :ما روى أن ناسا من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أتوا حيا من أحياء العرب فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا هل فيكم راق فقالوا مل تقرونا فال نفعل حتى جتعلوا لنا جعالً فجعلوا هلم قطيع شياه فجعل رجل يقرأ بأم القرآن وجيمع بزاقه ويتفل فربأ الرجل فأتوهم بالشاء فقالوا ال نأخذها حتى نسأل عنها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فسألوا النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال« :وما أدراك أهنا رقية خذوها واضربوا يل معكم بسهم»( ،)2وهو إقرار منه صلى اهلل عليه وسلم على صحة عقد اجلعالة. وإلمجاع علماء األمة على صحة اجلعالة يف رد اآلبق(.)3 -1الدردير (الشرح الكبري) ج 4ص .61الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص .430ابن قدامة (املغين) ج 6ص.20 -2البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 2ص ،795رقم احلديث.2156: -3ابن قدامة (املغين) ج 6ص.23 42 عن أبي عمرو الشيباني( )1أنه قال( :كنت قاعداً عند عبد اهلل بن مسعود ()2 فجاء رجل فقال قدم فالن بإباق من القوم فقال القوم لقد أصاب أجرًا، فقال عبد اهلل رضي اهلل عنه وجعالً إن شاء من كل رأس درمها(« )3ومل ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون إمجاعاً)( )4إضافة ملا عرف من (إمجاع الصحابة على أصل اجلعل)(.)5 وأما من املعقول :فإن الناظر يف عقود اجلعالة يالحظ أهنا ال تندرج ضمن عقود اإلجارة؛ وذلك لصعوبة ضبط مقدار العمل ،وهذه اجلهالة تفسد عقد اإلجارة على الرغم من حاجة الناس إىل هذا التعاقد. ومبا أن اجلعالة ال تدخل يف العقود املنهي عنها كالربا ،فهي باقية على اإلباحة األصلية ،إضافة إىل إن التشريع اإلسالمي قد حفظ مصاحل العباد ودفع عنهم املفاسد وعقد اجلعالة من مصاحل العباد ،فهو موافق لروح التشريع ،وهو من العقود املباحة بال ريب. يقول ابن قدامة( :ألن احلاجة تدعو إىل ذلك فإن العمل قد يكون جمهوال، كرد اآلبق والضالة وحنو ذلك ،وال تنعقد اإلجارة فيه واحلاجة داعية إىل ردمها ،وقد ال جيد من يتربع به فدعت احلاجة إىل إباحة بذل اجلعل فيه -1أبو عمرو :سعد بن إياس بن أبي إياس الشيباني ،التابعي ،أدرك النيب صلى اهلل عليه وسلم وقدم بعده ثم نزل الكوفة واتفقوا على توثيقه ،عاش مائة وعشرين سنة ،مات سنة ست وتسعني ،وهو مشهور بكنيته( .اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 3ص .)254 -2أبو عبد الرمحن عبد اهلل بن مسعود بن غافل اهلذيل ،أحد السابقني األولني أسلم قدميا وهاجر اهلجرتني وشهد بدرا واملشاهد بعدها والزم النيب صلى اهلل عليه وسلم وكان صاحب نعليه ،وحدث بالكثري ،وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم: «من سره أن يقرا القرآن غضا كما نزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد « ،مات باملدينة سنة اثنتني وثالثني( .اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 4ص.)233 -3الزيلعي ،أبو حممد عبداهلل بن يوسف احلنفي 762هـ (نصب الراية ألحاديث اهلداية) حتقيق حممد يوسف البنوري, القاهرة ،نشر دار احلديث 1357هـ ج 3ص.470 -4الكاساني (بدائع الصنائع) ج 6ص.203 -5الزيلعي (نصب الراية ألحاديث اهلداية) ج 3ص.470 43 مع جهالة العمل)( .)1وقال( :ما جاز العوض عليه يف اإلجارة من األعمال جاز أخذه عليه يف اجلعالة وما ال جيوز أخذ األجرة عليه يف اإلجارة مثل الغناء والزمر وسائر احملرمات ال جيوز أخذ اجلعل عليه)(.)2 2 .2وقال احلنفية :بعدم جواز اجلعالة إال يف رد اآلبق ،واستدلوا حبديث ابن مسعود السابق يف رد اآلبق. وإذا وقعت اإلجارة يف غري رد اآلبق جتري عليها أحكام اإلجارة وال تصح جعالة ،فقالوا( :كل شيء عدا جعل االبق فهو اجارة)(.)3 وألن اجلعالة يف رد اآلبق وردت على خالف القياس فال يقاس عليها غريها ،وذكر احلنفية( :وجوب اجلعل لرد األبق حكم ثبت نصاً خبالف القياس بقول الصحابة رضي اهلل عنهم فال يلحق به ما ليس يف معناه من كل وجه)(.)4 وال خيفى أن مذهب اجلمهور فيه توسعة على الناس إضافة ملا اعتمد عليه من أدلة قوية ،فاألخذ به يف عقد اخلدمة يف البيت فيه تيسري وخاصة يف بعض الصور اليت حتتاج إىل أن تكون صيغتها جعالة ال إجارة. -1ابن قدامة (املغين) ج 6ص.20 -2املرجع السابق ج 6ص.22 -3الشيباني ،أبو عبد اهلل حممد بن احلسن189هـ (احلجة على أهل املدينة) حتقيق مهدي حسن الكيالني القادري، بريوت ،نشر عامل الكتب ،الطبعة الثالثة 1403هـ ج 2ص .734 -4السرخسي ،أبو بكر حممد بن أبي سهل483هـ (املبسوط) بريوت ،دار املعرفة 1406هـ ،ج 11ص .9 44 املطلب الثاني :حكم اخلدمة يف البيوت للخدمة يف البيوت أحكام خمتلفة قد تصل يف بعض أحواهلا للوجوب ،مثل خدمة الرجل ألبويه ،وخدمة املرأة لبيت زوجها ،وخدمة العبد لسيده، وذلك لتعلق حق اخلدمة يف عنق كل من الرجل جتاه أبويه ،أو املرأة جتاه بيتها ،أو العبد جتاه سيده. ورمبا كانت هذه اخلدمة من املباحات يف األحوال العادية وذلك عندما ختلو عن أي شبهة شرعية أو منكر. وقد يكون العقد على اخلدمة يف البيوت حمرماً أو مكروهاً إذا دخل عليه شبهة أو أمر حمرم ،كأن يكون الدافع له املفاخرة والرياء أو جمارات أهل البذخ والرتف ،أو نتج عنه أذى ألهل البيت سواء يف دينهم أو دنياهم ،أو رافقه ظلم وتعد على اخلدم وحرماهنم من حقوقهم ،وفيما يلي تفصيل ِ الوجوب أو اإلباحة أو عدم اجلواز: هلذه األحوال مجيعها أ -األحوال اليت جتب اخلدمة فيها: 1.1خدمة الرجل ألبويه: اخلدمة املقدمة من الولد -ذكراً أو أنثى -ألحد أبويه أو كليهما واجبة عليه؛ وذلك عندما حيتاجان هلا أو بطلب منهما ولو عن غري حاجة ،ويقدم عندها ما استطاع من أنواع الرعاية فضالً عن اإلكرام والتأدب معهما، ومستند وجوب تقديم اخلدمة هذه: أوالً :أن الشرع اإلسالمي احلنيف أمر االبن برب أبويه واإلحسان إليهما، َ َ ىَ َ ُّ َ َ َّ َ ْ ُ ُ ْ َّ اليْن إ ْ ال إيَّاهُ َوبال ْ َو دَِ ح َسانًا إ َّما َيبْلُ َغنَّ ِ ِ ِ قال تعاىل{ :وقض ربك أال تعبدوا إ ِ ِ ِ 45 َ َ ْ برََ َ َ ُ ُ َ َ ْ الَِ ُ َ َ َ َ ُ َّ ُ َ ُ ّ َ َ ال َتنْ َه ْر ُه َما َوقُل ل َّ ُهماَ ك أحدهما أو كهما فال تقل لهمآ أ ٍف و عِندك ال ِ َْ ً َ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ َ ُّ الر مَْ حةِ َوقُل َّر ّب ْ ار مَحْ ُه َما َكماَ ً اذل ّل م َِن َّ قوال ك ِريما * واخفِض لهما جناح ِ ِ َر َّب َيان َصغِ ً ريا} [اإلسراء ،]23-24:وأدنى درجات الرب واإلحسان هو قيام يِ الولد على خدمة أبويه عند حاجتهما لذلك ،أو طل ِبهما للخدمة. ثانياً :قرن حقهما هذا حبقه سبحانه يف اآليات السابقة وجعله باملرتبة الثانية بعده ،ومعناه ترتب الوجوب على االبن بطاعة أمرمها إذا طلبا خدمته كما جيب طاعة أوامر اخلالق عز وجل. ثالثاً :أوجب اإلسالم على الولد طاعة أبويه وحذر من معصيتهما ،وهذا خيوهلما طلب اخلدمة من الولد ولو من غري حاجة أو اضطرار هلا ،وهو ملزم شرعاً ببذهلا هلم من غري تردد ،إال إذا أمراه مبعصية ،ولقد ألزم النيب صلى اهلل عليه وسلم عبد بن عمر رضي اهلل عنهما بطاعة أبيه عندما أمره أن يطلق زوجته ،فعن عبد اهلل بن عمر قال( :كانت حتيت امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أبي أن أطلقها فأبيت فذكرت ذلك للنيب صلى اهلل عليه وسلم فقال« :يا عبد اهلل بن عمر طلق امرأتك»)(،)1 قال العلماء( :فيه دليل صريح يقتضي أنه جيب على الرجل إذا أمره أبوه بطالق زوجته أن يطلقها وإن كان حيبها فليس ذلك عذرًا له يف اإلمساك ويلحق باألب األم ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قد بني أن هلا من احلق على الولد ما يزيد على حق األب)(.)2 رابعاً :مل يسمح الشرع للولد اخلروج للجهاد إذا مل يأذن له أبواه بذلك -إذا مل يكن اجلهاد فرض عني عليه -وإمنا ذلك حفظاً حلقهما يف اخلدمة(،)3 -1الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج 3ص 494احلديث رقم .1189 -2املباركفوري (حتفة األحوذي) ج 4ص.309 -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 7ص .98الشريازي ,أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف (املهذب يف فقه اإلمام الشافعي) بريوت ،دار الفكر .ج 2ص .229ابن قدامة (املغين) ج 9ص.170 46 وأوجب عليه قطع صالته النافلة عند نداء أحد أبويه له ،ومنع الرجل من اجلهاد إذا كان حمبوساً خلدمة أبويه كما يف احلديث( :أقبل رجل إىل نيب ال َّله صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلم فقال :أبايعك على اهلجرة واجلهاد أبتغي األجر من ال َّله تعاىل ،فقال« :فهل من والديك أحد حي؟» قال :نعم بل كالمها، قال« :فتبتغي األجر من ال َّله تعاىل؟» قال :نعم .قال« :فارجع إىل والديك فأحسن صحبتهما»)(.)1 وألجل هذه اخلدمة كان لألبوين حتى منع ابنهما من حج التطوع لكون اخلدمة فرض عني يف حق االبن فهي مقدمة على التطوع وفرض الكفاية، قال العلماء( :وهلما أي األبوين منعه من احلج التطوع ومن كل سفر مستحب كاجلهاد أي كما أن هلما منعه من اجلهاد مع أنه فرض كفاية ،ألن بر الوالدين فرض عني وهو مقدم على املستحب وعلى فرض الكفاية)(.)2 خامساً :إن امتناع الولد عن اخلدمة عند حاجتهما هلا أو عند طلبها منه من أوضح أشكال العقوق اليت جعلها الدين من الذنوب العظيمة اليت تستحق سخط اهلل والنقمة منه يف الدنيا واآلخرة ،يقول ابن حجر(:)3 (والعقوق بضم العني املهملة مشتق من العق وهو القطع واملراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل ،إال يف شرك أو معصية... بوجوب طاعتهما يف املباحات فعالً وتركاً واستحباهبا يف املندوبات وفروض الكفاية كذلك ومنه تقدميهما عند تعارض االمرين وهو كمن دعته أمه ليمرضها مثالً حبيث يفوت عليه فعل واجب إن استمر عندها ويفوت ما -1مسلم (صحيح مسلم) ج 4ص 1975رقم احلديث .2549 -2البهوتي ،منصور بن يونس بن إدريس (كشاف القناع عن منت اإلقناع) حتقيق هالل مصيلحي ومصطفى هالل ،بريوت، دار الفكر1402هـ ،ج 2ص .386 -3ابن حجر العسقالني :هو أمحد بن علي بن حممد الكناني شهاب الدَّيْن ،أصله من عسقالن بفلسطني ،مولده ووفاته بالقاهرة ،بدأ أديباً وشاعراً ،ثم أقبل على احلديث ورحل يف طلبه ،ويل قضاء مصر مرات عديدة ثم اعتزل ،مصنفاته كثرية جداً منها :الدرر الكامنة يف أعيان املئة الثامنة ،لسان امليزان ،هتذيب التهذيب ،فتح الباري (تويف 852هـ)( .األعالم للزركلي (ج 1ص .)119 47 قصدته من تأنيسه هلا وغري ذلك لو تركها وفعله وكان مما ميكن تداركه مع فوات الفضيلة كالصالة أول الوقت أو يف اجلماعة)(.)1 سادساً :قال مجهور العلماء بأن اخلدمة واجبة ديانة على الولد جتاه أبويه وال حيق له أخذ األجرة عليها ولو تعاقدا على ذلك ،يقول السرخسي(:)2 (وخدمة األب مستحق على االبن دينا وإن مل تكن مستحقا عليه قضاءً وهلذا لو استأجر ابنه خلدمته مل يستوجب األجر سواء كان يف عياله أو مل يكن فكذلك ال يستوجب اجلعل برد آبقه)(.)3 وعند املالكية يستحق األجرة ،جاء يف املدونة( :قلت أرأيت لو أن رجالً استأجر ابنه ليخدمه ففعل أتكون لالبن اإلجارة يف قول مالك أم ال قال إن كان ابنه هذا قد احتلم فإن اإلجارة لالبن إذا كان قد أجره نفسه ألن مالكا قال ال تلزم األب نفقة االبن إذا احتلم)(.)4 سابعاً :ومن عجائب ما يُلزم اإلسالم الولد خبدمة أبويه ما قاله العلماء: (من الفرائض بر الوالدين وإن كانا فاسقني بالعمل أو االعتقاد وإن كانا مشركني أي فيقود األعمى منهما للكنيسة وحيملهما هلا ويعطيهما ما ينفقانه يف أعيادمها ،فليقل هلما قوال لينا بأن ال يرفع صوته فوق صوهتما وليعاشرمها باملعروف أي بكل ما عرف من الشرع اإلذن فيه وال يطعهما َ َ َ َ ىلَ َ ُ رْ َ شك يِب يف معصية كما قال اهلل سبحانه وتعاىل {ِإَون جاهداك ع أن ت ِ ْ ٌ َلاَ ُ َ َْ َ َ َ ْ ُ َ ()5 ما ليس لك بِهِ عِلم ف ت ِطعهما} [ لقمان. )]15 : -1ابن حجر العسقالني (فتح الباري شرح صحيح البخاري) ج10ص.406 -2أبو بكر السرخسي :حممد بن أمحد بن أبي سهل مشس األئمة ،صاحب (املبسوط) وغريه ،أحد فحول األئمة الكبار، كان إماماً عالمة حجة متكلماً فقياً أصولياً مناظراً ،أمال املبسوط حنو مخسة عشر جملداً وهو يف السجن بأوزجند، بسبب كلمة حق قاهلا ،تويف سنة483هـ (اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية ص.)29 -3السرخسي (املبسوط) ج11ص.33 -4مالك بن أنس األصبحي (املدونة الكربى) رواية اإلمام سحنون ،بريوت ،دار صادر ،ج 11ص.429 -5اآلبي األزهري ،صاحل عبد السميع (الثمر الداني يف تقريب املعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القريواني) بريوت ،املكتبة الثقافية ،ج 1ص.671 48 من خالل ما سبق من األدلة يتضح لنا وجوب قيام الولد اخلدمة ألبويه إن احتاجا هلا أو طلباها منه ولو من غري حاجة ولكن يشرتط لرتتب َ ُ َ َّ ُ َ ْ الوجوب :أن تكون حبدود استطاعته قال اهلل تعاىل{ :ال تكلف نف ٌس هَّ ُ َ ْ لاَّ َّ َ ُّ الل نف ًسا إ ِ َما إِال ُو ْس َع َها} [البقرة ]233:وقال سبحانه{ :ال يُكلِف َ َ آتاها} [الطالق ،]7:وأن ال تكون تلك اخلدمة يف معصية اهلل ،قال اهلل َ َ َ َ ُ رْ َ َ َ َ َ َّ ْ َ لإْ َ َ ْ ْ ً ْ ُ دَِ َ َ شك يِب ما ليس سبحانه{ :ووصينا ا ِ نسان بِواليهِ حسنا ِإَون جاهداك ل ِت ِ ْ َلاَ ُ َ َ لك بِهِ عِل ٌم ف ت ِط ْع ُه َما} [العنكبوت ،]8:وقوله صلى اهلل عليه وسلم« :ال طاعة يف املعصية إمنا الطاعة يف املعروف»(.)1 2.2خدمة املرأة لبيت زوجها: خدمة املرأة لبيت زوجها من طبخ وكنس ورعاية األوالد يف النظافة واإلرضاع مسألة انقسم علماء املسلمني بني ملزم للمرأة باخلدمة وغري ملزم أو من يفرق بني امرأة وأخرى: فاملذهب املوجب على املرأة خدمة بيت زوجها :هم أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق اجلوزجاني وابن تيمية( ،)2ويستدل على مذهبهم باألدلة التالية(:)3 َ َ َ َ َّ حَِ ُ َ َ ٌ َ َ ٌ ّ ْ َ ْ ب بِما حفِظ من القرآن قوله تعاىل{ :فالصالات قان ِتات حاف ِظات ل ِلغي ِ اللُ} [النساء ]34:قانتات :طائعات ،فكما جيب على الزوجة حفظ غيبة زوجها جيب عليها الطاعة. -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 6ص 2649رقم احلديث.6830: -2ابن تيمية :اإلمام العالمة املفسر عامل حران ،أبو عبد اهلل حممد بن أبي القاسم اخلضر بن حممد بن اخلضر بن علي بن عبد اهلل ابن تيمية احلراني ،ولد يف حران سنة 42هـ ،وتفقه يف بغداد ،تويف سنة 622هـ (سري أعالم النبالء ،ج22 ص.)290 -3ابن تيمية ،أبو العباس أمحد عبد احلليم احلراني 728هـ (فتاوى ابن تيمية يف الفقه) حتقيق عبد الرمحن بن قاسم النجدي ،مكتبة ابن تيمية ،ج 32ص.260 49 َ ْ َ دَِ ُ ُ ْ ْ َ َ ْ َ َ ُ َّ َ ْ َينْ اَ ضعن أوالدهن حول ِ كمِلَيِ} [البقرة،]233 : وقوله تعاىل{ :والوالات ير ِ معناه( :لريضعن فهو أمر بصيغة اخلرب واألمر يفيد الوجوب فظاهره يقتضي أن يكون اإلرضاع واجبا عليها شرعا)( ،)1فالرضاع من اخلدمة الواجبة على الزوجة. كما دل على وجوهبا سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(:)2 1.1قصة علي وفاطمة فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة رضي اهلل عنها خبدمة البيت وعلى علي رضي اهلل عنه ما كان خارجا من البيت من عم ٍل فقال صلى اهلل عليه وسلم« :اتقي اهلل يا فاطمة وأدي فريضة ربك واعملي عمل أهلك.)3(»... 2.2وقول النيب صلى اهلل عليه وسلم« :لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد ألحد ألمرت النساء أن يسجدن ألزواجهن ملا جعل اهلل هلم عليهن من احلق»(،)4 وزاد يف رواية أخرى« :ولو أن رجالً أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إىل جبل أمحر أو من جبل أمحر إىل جبل أسود كان عليها أن تفعل»( ،)5قال ابن قدامة( :فهذه طاعته فيما ال منفعة فيه فكيف مبؤونة معاشه)(.)6 3.3كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يأمر نساءه خبدمته فقال يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة واشحذيها حبجر(،)7 وهذه سنة عملية تدل على حق الزوج يف طلب اخلدمة و بالتايل وجوب بذهلا من الزوجة. -1السرخسي (املبسوط) ج 15ص .128 -2ابن قدامة (املغين) ج 7ص.225 -3ابو داود (السنن) ج 3ص 150برقم .2988 :سبق خترجيه ص.37 -4املرجع السابق ج 2ص ،244رقم.2140 : -5ابن ماجه ،أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويين 275هـ (سنن ابن ماجه) حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي ،بريوت ،دار الفكر ج 1ص 595رقم احلديث.1852 : -6ابن قدامة (املغين) ج 7ص .225 -7مسلم (صحيح مسلم) ج 3ص 1557برقم.1967 : 50 4.4وتعظيم األحاديث حلق الرجل على زوجته يف أحاديث كثريةً دالل ٌة على وجوب اخلدمة عليها فعن معاذ بن جبل رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :لو تعلم املرأة حق الزوج ما قعدت ،ما حضر غداؤه وعشاؤه حتى يفرغ »(.)1 وعن ابن عمر قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :اثنان ال جتاوز صالهتما رؤوسهما :عبد آبق من مواليه حتى يرجع ،وامرأة عصت زوجها حتى ترجع»(.)2 فهذه األحاديث تدل على حق الزوج على زوجته يف اخلدمة ووجوب الطاعة يف ذلك. ومن املعقول: 1.1إحتاد املصاحل بني الزوجني وعودة املنافع الناجتة عن العمل يف املنزل لكليهما :فإن املقصود من عقد النكاح التعاقد على حصول املطلوب من الزواج من استعفاف وقيام كل منهما ملا يصلح له ،فيصلح الزوج للكسب واملرأة لشؤون املنزل ومجيع هذه املنافع تعود لكال الزوجني قال السرخسي( :وهذا ألن بعقد النكاح يثبت االحتاد بينهما فيما هو املقصود من النكاح والولد مقصود بالنكاح فكانت هي يف اإلرضاع عاملة لنفسها معنىً فال تستوجب األجر على الزوج بالشرط كما يف التقبيل واللمس واجملامعة ،وهكذا نقول يف سائر أعمال البيت من الطبخ واخلبز والغسل وما يرجع منفعته إليهما)(.)3 2.2وجوب الطاعة للزوج وحرمة املعصية يستلزم وجوب اخلدمة :إذ -1الطرباني ،أبو القاسم سليمان بن أمحد بن أيوب 360هـ (املعجم الكبري) حتقيق محدي بن عبد اجمليد السلفي ،املوصل، مكتبة العلوم واحلكم ،الطبعة الثانية 1404هـ ،ج20ص 160رقم احلديث.333 : -2احلاكم ،أبو عبداهلل حممد بن عبداهلل النيسابوري 405هـ (املستدرك على الصحيحني) حتقيق مصطفى عبد القادر عطا ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1411هـ 1990م ،ج 4ص 191رقم احلديث.7330 : -3السرخسي (املبسوط) ج 15ص .128 51 ليس من املعقول أن يوجب الشرع طاعة الزوجة لزوجها ثم ال يلزمها باخلدمة ،ألن الطاعة تتضمن معنى اخلدمة لبيت الزوج. 3 .3وكما ترتب على وجوب طاعة األبوين وجوب خدمتهما؛ فإن هذه الطاعة انتقلت بعقد النكاح للزوج فانتقلت اخلدمة كذلك للزوج بانتقاله، قال ابن تيمية( :كما جتب طاعة األبوين فإن كل طاعة كانت للوالدين انتقلت إىل الزوج ومل يبق لألبوين عليها طاعة)(.)1 أما املذهب الذي ال يوجب على املرأة خدمة بيت زوجها :وهم الشافعية واحلنابلة فإن عملت يف خدمة منزهلا كانت متربعة وليس الزما عليها، واستدلوا على ذلك بأدلة منها: 1 .1أن الشرع مل يأمر املرأة باخلدمة :قال صلى اهلل عليه وسلم« :حق الزوج على الزوجة أن ال هتجر فراشه وأن ترب قسمه وأن تطيع أمره وأن ال خترج إال بإذنه وأن ال تدخل عليه من يكره»( ،)2جاء يف فيض القدير: (ويؤخذ من اقتصاره على هذه اخلمسة أنه ال جيب عليها أن ختدمه اخلدمة اليت اضطردت هبا العادة ،وهو مذهب الشافعية ...وأما ما جرت به عادة النساء ،يف األعصار واألمصار ،والبالد والقرى ،والعجم والعرب ،من زمن املصطفى صلى اهلل عليه وسلم إىل اآلن ،فهو بر وإحسان من جانب النساء ،ومساحم ُة صُحْبَةٍ منهن لألزواج)(.)3 2.2ال ميكن االستدالل مبا كان عليه النساء يف زمن التشريع فإنه كان مكرمة منهن ال يدل على الوجوب ،قال ابن قدامة( :فأما قسم النيب -1ابن تيمية (فتاوى ابن تيمية يف الفقه) ج 32ص.261 -2الطرباني (املعجم الكبري) ج 2ص 52رقم احلديث.1258 : -3املناوي ،عبد الرؤوف (فيض القدير شرح اجلامع الصغري) مصر ،املكتبة التجارية الكربى ،الطبعة األوىل 1356هـ ،ج 3ص .391 52 صلى اهلل عليه وسلم بني علي وفاطمة فعلى ما تليق به األخالق املرضية وجمرى العادة ال على سبيل اإلجياب كما قد روي عن أمساء( )1بنت أبي بكر أهنا كانت تقوم بفرس الزبري وتلتقط له النوى وحتمله على رأسها ومل يكن ذلك واجبا عليها وهلذا ال جيب على الزوج القيام مبصاحل خارج البيت وال الزيادة على ما جيب هلا من النفقة والكسوة ولكن األوىل هلا فعل ما جرت العادة بقيامها به ألنه العادة وال تصلح احلال إال به وال تنتظم املعيشة بدونه)( .)2وقال ابن حجر( :ال جيب عليها لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك فلذلك مل ينكره النيب صلى اهلل عليه وسلم)(.)3 3.3الالزم بعقد النكاح االستمتاع فقط :وهو مقتضى عقد النكاح ،قال ابن قدامة( :ولنا إن املعقود عليه من جهتها االستمتاع فال يلزمها غريه كسقي دوابه وحصاد زرعه)(.)4 4.4من طبع املرأة القيام على خدمة بيتها فال حتتاج إللزام الشرع ،قال الشربيين(( :)5فإن قيل الزوجة ال يلزمها خدمة زوجها وإن وعدت رمبا ال تفي ،أجيب بأن طبعها يدعوها إىل خدمته والوازع الطبعي أقوى من الشرعي فقدم عليه)(.)6 5.5وردوا عن االستدالل حبديث فاطمة رضي اهلل عنه بأنه صلى اهلل عليه وسلم أمر مبا هو معتاد أو مبا تدعوا إليه مكارم األخالق ،قال ابن قدامة( :فأما قسم النيب صلى اهلل عليه وسلم بني علي وفاطمة فعلى -1أمساء بنت أبي بكر الصديق ،والدة عبد اهلل بن الزبري بن العوام،أسلمت قدميا مبكة قال بن إسحاق بعد سبعة عشر نفسا وتزوجها الزبري بن العوام،وكانت تلقب ذات النطاقني ،بلغت أمساء مائة سنة مل يسقط هلا سن ومل ينكر هلا عقل ماتت بعد ابنها بعشرين يوما (اإلصابة يف متييز الصحابة ج 7ص .)486 . -2ابن قدامة (املغين) ج 7ص 225 . -3ابن حجر العسقالني( ،فتح الباري شرح صحيح البخاري) ج 9ص 123 -4ابن قدامة (املغين) ج 7ص .225 -5اخلطيب الشربيين :حممد بن امحد الشربيين مشس الدين ،تويف 977هـ ،فقيه شافعي ،مفسر،من أهل القاهرة ،له تصانيف منها (السراج املنري) يف تفسري القرآن ،و(اإلقناع يف حل ألفاظ أبي شجاع)( .األعالم للزركلي ( -ج 6ص .)6 -6الشربيين (مغين احملتاج) ج 3ص .160 53 ما تليق به األخالق املرضية وجمرى العادة ال على سبيل اإلجياب ...ومل يكن ذلك واجبا عليها ...ولكن األوىل هلا فعل ما جرت العادة بقيامها به ألنه العادة وال تصلح احلال إال به وال تنتظم املعيشة بدونه)(.)1 واملذهب الثالث التفريق حبسب حال املرأة :وهم احلنفية واملالكية وبعض الشافعية(:)2 فقالوا إن كانت من أهل املكانة ،حيتاج مثلها خلادمة وجب على زوجها إحضار خادمة هلا ،ودليلهم: ُ {لُنفِ ْق ذو َس َع ٍة ّمِن َس َعتِهِ} [الطالق ]7:يبني اهلل 1.1قوله تعاىل :يِ سبحانه أن النفقة الواجبة على الزوج هي حبدود استطاعته ،وباملقدار الذي مكنه اهلل منه ووسع عليه فيه ،فإذا كان باستطاعته إخدام زوجته كان عليه أن حيضر هلا من يقوم على خدمتها ،حيث أوجب الشرع على الرجل أن ينفق من وسعه وال حيق له التقتري عن ذلك بإنفاق نفقة املقل مع توسيع اهلل عليه باملال ،فإن كان مثله لزوجته خادم حق لزوجته أن تلزمه خبادم ،وال ننسى أن حال املرأة صار من حال زوجها بعد انتقاهلا إىل بيته. َ اَ ُ ُ َّ ْ ْ َ ُ وف} [النساء ]19:ومن حسن 2.2وقوله تعاىل{ :وع رِشوهن بِالمعر ِ املعاشرة بني الزوج وزوجه أن يكفيها مؤونة خدمة البيت خبادمة تتحمل عنها مشا ّقه ،ولتأذيها باخلدمة ألهنا مل تعتدها يقول الشربيين( :وجيب عليه ملن -أي لزوجة حرة -ال يليق هبا خدمة نفسها بأن كانت ممن تُخدم يف بيت أبيها مثال لكوهنا ال يليق هبا خدمة نفسها يف عادة البلد -1ابن قدامة (املغين) ج 7ص .225 -2الشريازي (املهذب) ج 2ص .162 54 كمن خيدمها أهلها أو ختدم بأمة أو حبرة أو مستأجرة أو حنو ذلك... ألنه من املعاشرة باملعروف وذلك إما حبرة أو أمة له)(،)1 َُْ ْ ْ ُ ْ 3.3وقوله تعاىل{ :وأمر بِالعر ِف} [األعراف ]199:فقد أمر الشرع باألخذ بالعرف ألن فيه حفاظاً على مصاحل العباد ،فإن كان العرف أال تعمل هذه الزوجة يف خدمة بيت زوجها لزم على زوجها إخدامها خبادم يقوم على شؤون بيتها. 4.4يف تكليف املرأة الشريفة خدمة البيت إيذاءٌ هلا ألهنا ليس من عادهتا أن تتحمل خدمة املنزل ،وقيامها على اخلدمة بنفسها جتريح ملكانتها ومكانة زوجها ،فيلزم إحضار خادم هلا دفعاً لألذى عنها ،يقول الدردير ()2 يف شرحه( :وجيب عليه إخدام أهله أي أهل اإلخدام بأن يكون الزوج ذا سعة وهي ذات قدر ليس شأهنا اخلدمة أو هو ذا قدر تزري خدمة زوجته به فإهنا أهل لإلخدام هبذا املعنى فيجب عليه أن يأتي هلا خبادم وإن بكراء ولو بأكثر من واحدة إذا مل تكف الواحدة)(.)3 5.5للعرف قوة الشرط يف العقود ،فزواج الرجل من امرأة شريفة مل يعتد مثلها اخلدمة ،جيعل للعرف هذا حكم اشرتاط اإلخدام يف عقد نكاحها وهو شرط ملزم للزوج. • •وشرط املالكية قدرة الزوج فإن عجز عن اإلخدام مل يلزم ،يقول احلطاب(( :)4بشرط أن يكون الزوج متسعا له خدام كما قال يف الرسالة -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 3ص .434 -2الدردير :أمحد بن حممد بن أمحد العدوي ،أبو الربكات الشهري بالدردير :فاضل ،من فقهاء املالكية .ولد يف بين عدي (مبصر) وتعلم باالزهر ،وتويف بالقاهرة .من كتبه (أقرب املسالك ملذهب االمام مالك) و جملدان يف شرح خمتصر خليل يف الفقه (تويف 1201هـ) (األعالم للزركلي (ج 1ص .)244 -3الدردير (الشرح الكبري) ج 2ص .510 -4احلطاب :أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن الرعينى ،املعروف باحلطاب :فقيه مالكي ،من علماء املتصوفني ،أصله من املغرب ولد واشتهر مبكة ،ومات يف طرابلس الغرب .من كتبه (قرة العني بشرح ورقات إمام احلرمني) يف االصول ،و(حترير الكالم يف مسائل االلتزام) و(مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل) ست جملدات ،يف فقه املالكية (تويف 954هـ)( .األعالم للزركلي (ج 7ص .)58 55 وإن اتسع فعليه إخدام زوجته ...فيعلم أنه إمنا جيب حيث تكون له قدرة عليه)(.)1 ومل يشرط ذلك الشافعية فأوجبوه على الزوج يف كل األحوال ألهنم جعلوها كسائر النفقات الواجبة على الزوج ،قال الشربيين( :وسواء يف هذا أي وجوب اإلخدام موسر ومتوسط ومعسر ومكاتب وعبد ،كسائر املؤن ألن ذلك من املعاشرة باملعروف املأمور هبا)(.)2 • •وفيما سوى هذه احلالة _أي وجوب اإلخدام على الزوج_ فخدمة منزل الزوج تلزم هبا تديناً وال تلزم هبا قضاءً يف املذهب احلنفي ،قال السرخسي( :وأن أبت أن ترضع مل تكره على ذلك ألن املستحق عليها بالنكاح تسليم النفس إىل الزوج لالستمتاع وما سوى ذلك من األعمال تؤمر به تدينا وال جترب عليه يف احلكم حنو كنس البيت وغسل الثياب والطبخ واخلبز فكذلك أرضاع الولد)(.)3 بينما يطلب منها اخلدمة يف املذهب املالكي استحباباً وندباً ،يقول احلطاب( :وال خالف يف استحباب خدمتها بنفسها تربعا ألنه معونة للزوج وهي مندوب إليها أيضا)(.)4 أما اختالفهم بني الندب والوجوب فيما دون ذلك فكل فريق مشى يف محل أدلة األمر باخلدمة السابقة على الوجوب ديانة أو على الندب. ويتعلق باالستخدام بعض األمور منها(:)5 • •املسؤول عن تعيني اخلادم هو الزوج ألنه هو صاحب القوامة يف البيت ،وألنه ال حيق هلا أن تأذن يف دخول املنزل ألحد إال بإذن زوجها -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 4ص .184 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 3ص .433 -3السرخسي (املبسوط) ج 5ص .209 -4احلطاب (مواهب اجلليل) ج 4ص .184 -5الشربيين (مغين احملتاج) ج 3ص ،434ابن قدامة (املغين) ج 8ص .160 56 لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم« :وال تأذن يف بيته إال بإذنه»( ،)1لكن يستثنى من ذلك فيما إذا أحضرت خادمتها معها اليت ألفتها قبل النكاح، فمن املعاشرة باملعروف أن يدعها هلا ،إال إن ظهرت له ريبة أو خيانة فله اإلبدال. • •وال تستطيع أن تلزم زوجها بأكثر من خادم ،ولو كان من نفقتها اخلاصة ألهنا احتاجت ملن ينوب عنها باخلدمة وهذا حيصل بشخص واحد ،إال إذا رضي بذلك زوجها ،إال أن املالكية قالوا :إن احتاجت ألكثر من خادم كان على الزوج أن خيدمها مبا يصلح أمرها. وبعد النظر يف املذاهب السابقة واالطالع على أدلتها أالحظ: أن املذهب احلنفي أخذ جبميع النصوص واألدلة ومجع بينها ،فحملوا أدلة وجوب خدمة املنزل على الزوجة على الوجوب ديان ًة ال قضاءً حبيث ال يستطيع الزوج إجبارها على ذلك. ثم أعطوا العرف قوة الشرط يف إلزام الزوج يف عقد الزواج بإخدام زوجته لكوهنا ممن اعتادت االعتماد على اخلدم يف شؤون املنزل. وقد مر معنا قول ابن قدامة وهو يرد على من يقول بوجوب اخلدمة على الزوجة شارحاً حديث فاطمة رضي اهلل عنها( :فأما قسم النيب صلى اهلل عليه وسلم بني علي وفاطمة فعلى ما تليق به األخالق املرضية وجمرى العادة ال على سبيل اإلجياب) إىل أن قال( :ولكن األوىل هلا فعل ما جرت العادة بقيامها به ألنه العادة وال تصلح احلال إال به وال تنتظم املعيشة بدونه)( )2فإن كان صالح حال الناس ال يتحقق إال هبذه اخلدمة فكيف يرى -5البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 5ص ،1994رقم احلديث.4899 : -1ابن قدامة (املغين) ج 7ص .225 57 عدم وجوهبا؟! وشرْعُ اهلل إمنا جاء لصيانة مصاحل العباد. وهبذا يظهر يل أن أعدل املذاهب يف هذه املسألة وأرجح للعمل به هو مذهب احلنفية. 3 .3إخدام الزوجة عندما حتتاج للخدمة: أما إن احتاجت املرأة للخدمة فقد اتفقت مذاهب العلماء على وجوب إخدامها ،إذ رمبا حتتاج املرأة إىل اخلدمة بسبب مرض أو غريه فيشق عليها القيام بشؤون بيتها وحتى بشؤون نفسها وليس مثة من يكفيها ذلك ممن يلزمه خدمتها كابن أو عبد ،وعندها يكون هلا احلق بأن تلزم زوجها ّ املشاق ،بغض النظر عن حال املرأة سواءٌ كانت بإحضار خادم يكفيها تلك ممن ختدم عادةً أم ال. ودليل ذلك: 1.1أن اخلدمة صارت من حاجة الزوجة بسبب مرضها وعجزها، وأصبحت من مجلة النفقة الواجبة على الزوج وحاجتها إليها كحاجتها إىل الطعام والشراب. 2.2إن األذى الالحق بالزوجة من خدمتها بيت زوجها مع املرض أعظم من الضرر الناشئ عن خدمة من ال تليق هبا اخلدمة ،يقول الشربيين: (فإن احتاجت حرة كانت أو أمة إىل خدمة ملرض هبا أو زمانة وجب إخدامها ،ألهنا ال تستغين عنه فأشبهت من ال تليق هبا خدمة نفسها بل أوىل ألن احلاجة أقوى)(.)1 3.3إن من املعاشرة باملعروف أن يكفي الزوج زوجته املريضة مشاق اخلدمة بإحضار من خيدمها ،يقول ابن قدامة( :فإن كانت املرأة ممن -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 3ص .434 58 ال ختدم نفسها لكوهنا من ذوي األقدار أو مريضة وجب هلا خادم لقوله َ اَ ُ ُ َّ ْ ْ َ ُ وف} [النساء ]19:ومن العشرة باملعروف أن تعاىل{ :وع رِشوهن بِالمعر ِ يقيم هلا خادما وألنه مما حتتاج إليه يف الدوام فأشبه النفقة)(.)1 4.4خدمة العبد لسيده: خدمة العبد واجبة عليه جتاه سيده ،وذلك ضمن الضوابط الشرعية هلذه اخلدمة ،وقد عد الشرع اإلسالمي هروبه من اخلدمة ذنب عظيم وكبرية من الكبائر وتوعده على هذه الفعلة بعقوبات منها :وقوعه بسخط اهلل وعدم قبوله لصالته حتى يعود لسيده واستحقاقه للعقوبة الدنيوية واألخروية. ففي احلديث عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال« :أميا عبد أبق فقد برئت( )2منه الذمة»( )3وقال صلى اهلل عليه وسلم« :إذا أبق العبد مل تقبل( )4له صالة»( )5وقال صلى اهلل عليه وسلم« :أميا عبد أبق من مواليه فقد كفر()6حتى يرجع إليهم»(.)7 وهلذا فقد عدها اإلمام الذهيب( )8الكبرية السابعة واخلمسون من كتابه -1ابن قدامة (املغين) ج 8ص .160 ( -2أي استحقاقه العقوبة) ،النووي ،أبو زكريا حييى بن شرف بن مري 676هـ ( صحيح مسلم بشرح النووي ) بريوت، دار إحياء الرتاث العربي ،الطبعة الثانية 1392هـ ،ج 2ص .58 -3مسلم (صحيح مسلم) ج 1ص 83رقم احلديث.69 : ( -4وال يلزم من عدم القبول عدم الصحة فصالة اآلبق صحيحة غري مقبولة ...صحيحة ال ثواب فيها) النووي (صحيح مسلم بشرح النووي) ج 2ص .58 -5مسلم (صحيح مسلم) ج 1ص 83رقم احلديث.70 : -6قال النووي يف معنى الكفر هنا( :وفيه أقوال أصحها أن معناه هنا من أعمال الكفار وأخالق اجلاهلية والثانى أنه يؤدى إىل الكفر والثالث أنه كفر النعمة واإلحسان والرابع أن ذلك فى املستحل) ،النووي (صحيح مسلم بشرح النووي ) ج 2ص .57 - 7مسلم ( صحيح مسلم ) ج 1ص 83رقم احلديث.68 : -8الذهيب :أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز الرتكماني األصل ثم الدمشقي ،احلافظ مشس الدين الذهيب ،مهر يف فن احلديث ومجع فيه اجملاميع املفيدة الكثري حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا ،مثل(:سري النبالء) و(ملخص التاريخ) وغري ذلك ،وويل تدريس احلديث ،كان عالمة زمانه يف الرجال وأحوهلم حديد الفهم ثاقب الذهن وشهرته تغين عن اإلطناب فيه ،مات سنة 748هـ(.طبقات احلفاظ ص.)521 59 الكبائر(.)1 5 .5اخلدمة لتحصيل واجب: وهي صورة أخرى لوجوب االستخدام ،فإذا تعلق يف ذمة املسلم واجب شرعي وعجز عن أدائه بنفسه لزمه أن يستخدم من يعينه على أداء ذلك الواجب ،كمن مل يتمكن من الوضوء بنفسه فعليه أن يستعني مبن تلزمه طاعته كزوجته أو ولده أو عبده ليوضئه فإن مل يوجد فإن استطاع أن يستأجر خادماً وجب عليه أن يستأجر وإال تيمم ،و هذا ما اتفق عليه الفقهاء( ،)2قال ابن اهلمام(( :)3أو كان ال جيد من يوضئه وال يقدر بنفسه فإن وجد خادمًا له أو ما يستأجر به أجريًا ،أو عنده من لو استعان به أعانه فعلى ظاهر املذهب ال يتيمم ألنه قادر)(.)4 أما لزوم استئجار األعمى خلادم ليعينه يف أداء فريضة احلج؛ فقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه ال يلزمه االستئجار ألنه غري قادر على احلج وهو غري مكلف بأداء حجه بنفسه. -1الذهيب ،أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز 748هـ (الكبائر) بريوت ،دار الندوة اجلديدة ،ج 1ص.218 -2ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 1ص ،432وابن قدامة (املغين) ج 1ص .151النووي ،أبو زكريا حييى بن شرف بن مري 676هـ (اجملموع شرح املهذب) حتقيق حممود مطرحي ،بريوت ,دار الفكر،الطبعة األوىل1417هـ 1996م ،ج 2ص ،276واحلطاب (مواهب اجلليل) ج 1ص .326 -3ابن اهلمام :حممد بن عبد الواحد بن عبد احلميد ،السيواسي ثم االسكندري ،كمال الدين ،املعروف بابن اهلمام ،من علماء احلنفية ،لد باالسكندرية ،ونبغ يف القاهرة.وكان معظما عند امللوك تويف بالقاهرة .من كتبه (فتح القدير) مثاني جملدات يف فقه احلنفية ،و(التحرير) يف أصول الفقه (تويف 861هـ) .انظر (األعالم للزركلي .ج 6ص )255الضوء الالمع للسخاوي (ج 4ص.)145 -4ابن اهلمام ،حممد بن عبد الواحد السيواسي 861هـ (شرح فتح القدير) بريوت ،دار الفكر ،الطبعة الثانية ،ج 1ص.123 60 وقال بوجوب استئجار األعمى ملن خيدمه ألداء فريضة احلج اجلمهور: أبو يوسف( )1وحممد( )2من احلنفية والشافعية واحلنابلة واملالكية( ،)3وقالوا إن األعمى بقدرته على استئجار من خيدمه بأداء فريضة احلج أصبح قادراً ومكلفاً باحلج. والفرق بني املسألتني عند أبي حنيفة أن األعمى ال يضمن بقاء اخلادم على خدمته طوال مدة احلج وهو معرض هلروب اخلادم أو تقصريه أو نقض عقد اإلجارة لعذر من األعذار مما يعرضه خلطر عدم إمتام حجه يقول ابن اهلمام( :فاحلاصل أن عنده ال يعترب املكلف قادرًا بقدرة غريه ألن اإلنسان إمنا يعد قادرًا إذا اختص حبالة هتيئ له الفعل متى أراد وهذا ال يتحقق بقدرة غريه وهلذا قلنا إذا بذل االبن املال والطاعة ألبيه ال يلزمه احلج ...ملا قلنا وعندمها تثبت القدرة بآلة الغري ألن آلته صارت كآلته باإلعانة)(.)4 والذي يظهر يل تساوي احلالتني يف القدرة على أداء الواجب باالستعانة باخلادم أو القدرة بالنفس ،فاألخذ بقول اجلمهور أرجح يف هذه املسألة، ويلزم املكلف االستعانة خبادم على أداء واجباته اليت عجز عنها بنفسه، وذلك مع اشرتاط قدرته على أجرة هذا اخلادم. -1أبو يوسف :يعقوب بن إبراهيم بن حبيب االنصاري الكويف البغدادي ،صاحب االمام أبي حنيفة ،وتلميذه ،وأول من نشر مذهبه ،كان فقيها عالمة ،من حفاظ احلديث ،ولد بالكوفة ومات يف خالفة الرشيد ببغداد ،وهو أول من دعي "قاضي القضاة" ،من كتبه (اخلراج) و(اآلثار) و(النوادر) وغريها (تويف 182هـ) (اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية ،ص.)220 -2حممد بن احلسن :بن فرقد الشيباني أبو عبد اهلل ،إمام بالفقه واالصول ،وهو الذي نشر علم أبي حنيفة ،أصله من قرية حرستة يف غوطة دمشق ،ولد بواسط ونشأ بالكوفة فسمع من أبي حنيفة ،واله الرشيد القضاء بالرقة ثم عزله ،مات يف الري سنة 189هـ ،له كتب كثرية يف الفقه واالصول ،منها (املبسوط) يف الفقه ،و(اجلامع الكبري) و(املوطأ)( .اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية ،ص.)42 -3السمرقندي ،أبو بكر عالء الدين حممد بن أمحد 450هـ (حتفة الفقهاء) بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1405هـ ،ج 1ص ،384واحلطاب (مواهب اجلليل) ج 2ص .498الغمراوي ،حممد الزهري (السراج الوهاج على منت املنهاج) ،بريوت ،دار الكتب العلمية 2001م ،ج 1ص.153املرداوي( ،اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف) ج 3ص.408 -4ابن اهلمام (شرح فتح القدير) ج 1ص .123 61 ب -األحوال اليت تكون اخلدمة غري جائزة: وذلك إذا اشتملت اخلدمة على حمظور شرعي سواء كان مكروهاً أو حمرماً، واألحوال اليت تنطوي فيها اخلدمة يف البيوت على تلك احملظورات هي: -1احلالة األوىل :أن يكون الدافع للخدمة حمرماً وإن كانت مشروع ًة بأصلها ،كمن يستأجر اخلدم للرياء واملفاخرة بني الناس وجمارات املتكربين ،فهذا بفعله وقع يف ذنب عظيم وارتكب كبريةً من الكبائر ،وقد َّ َهّ َ حُ ُّ َ اَ َ خُ ْ َ ً َ ُ ً قال تعاىل{ :إِن الل ال يِب من كن متاال فخورا} [النساء ،]36:وقال لأَْ َ َ ً َّ َلاَ َ َلاَ ُ َ ّ ْ َ َّ َ َّ ْ ْ هََّ سبحانه{ :و تص ِعر خدك ل ِلن ِ اس و تم ِش يِف ا ر ِض مرحا إِن الل ال حُ ُّ لُ َّ خُ ْ َ َ ُ ال فخور} [لقمان ،]18:ويف احلديث عن ابن عمر أن النيب يِب ك مت ٍ صلى اهلل عليه وسلم قال« :بينما رجل جير إزاره من اخليالء خسف به فهو يتجلجل يف األرض إىل يوم القيامة»(.)1 وقد ذكر القرآن مثا ًال على الكبْر قصة قارون وأشار إىل جرميته النكراء اليت أعقبها خسف اهلل به و بداره وأمواله األرض ،وكانت هذه اجلرمية { َ َ َ لَىَ َ َ ْ 79 } كما أخربنا سبحانه :خرج ع قو ِمهِ يِف زِينتِه [القصص ،] :جاء يف تفسريها( :قيل خرج على بغلة شهباء عليها األرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آالف خادم عليهم وعلى خيوهلم الديباج األمحر وعلى ميينه ثالمثائة غالم وعلى يساره ثالمثائة جارية بيض عليهن احللي والديباج )(.)2 من خالل هذه األدلة يتضح أن من املنكرات احملرمة ما يفعله بعض املسلمني اآلن من استئجار اخلادمات خيالءً وكرباً (للتباهي). -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 3ص 1285احلديث برقم.3297 : -2األلوسي ،أبو الفضل حممود (روح املعاني يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاني) بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي ،ج 20ص .121 62 -2احلالة الثانية :أن تكون منفعة اخلدمة حمرمة( ،)1سواء كان العقد إجارةً أو جعال ًة ،فما دامت املنفعة املعقود عليها حمرم ًة ومنهي عنها شرعاً كالغناء و النوح فإن االستخدام حمرم ،قال ابن قدامة( :ما منفعته حمرمة كالزنا والزمر والنوح والغناء فال جيوز االستئجار لفعله)( ،)2ومثله كل خدمة هنى الشرع عنها كالقيام على خدمة كلب زينةٍ مثالً(.)3 -3احلالة الثالثة :عندما تتالزم اخلدمة مع حمظور ،فان لزم من اخلدمة حصول أمر منكر حرمت اخلدمة وإن كانت املنفعة يف هذه اخلدمة مباحة يف األصل فإن العقد حيرم ملا رافقه كخلوةٍ بأجنبيةٍ أو كتقدي ٍم مخ ٍر مثالً، قال احلطاب( :وال جيوز استئجار األعزب املرأة لتخدمه يف بيته مأمونا كان أو غريه)( ،)4وقال أيضاً( :أن يؤاجر املسلم نفسه ...لريعى اخلنازير أو ليعصر له مخرًا فإنه ال جيوز ويؤدب املسلم)( ،)5فاخلدمة يف هذه احلالة صارت حمرمة ملا الزمها من حمرم ال ينفك عنها كاخللوة والنظر احملرم، أو مشاركة يف منكر كتقديم مخر أو غريه. -4احلالة الرابعة :أن تكون اخلدمة ذريع ًة حملرم ،كمن غلب على ظنه أو تيقن وقوع الظلم للخادمة ،أو رمبا تكون اخلدمة سبباً لإلساءة ألهل املنزل يف دينهم ودنياهم كمن يستخدم ش َّغالة وثنية تتوىل رعاية األوالد وتربيتهم مع غياب األبوين عن البيت معظم اليوم ،فهذا االستخدام سيحرف األوالد عن دينهم وعقيدهتم وسلوكهم ،وعندها يكون رب البيت آمثاً ومضيعاً ألسرته هبذا االستخدام. -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص 409وابن قدامة (املغين) ج 6ص .22والشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص .336 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص .320 -3الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.337 -4احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.393 -5املرجع السابق ج 5ص .424 63 -5احلالة اخلامسة :عند عدم صحة عقد اخلدمة ،ويف هذه احلالة حيرُم عقد االستخدام لكونه وقع باطالً أو فاسداً؛ كاجلهالة الفاحشة يف املنفعة أو العوض مثالً ،أو لوقوع اإلكراه على العقد ،أو الستخدام الفتاة بغري إذن وليها أو املرأة بدون إذن زوجها(.)1 ورمبا اقرتن عقد اخلدمة بشروط مفسدة ،وعندها جيب على العاقدين فسخ العقد االستخدام الفاسد أو تصحيحه ،وإلغاؤه إذا كان باطالً. ومن خالل األحوال السابقة تبني لنا أن عقد اخلدمة يكون حمرماً إذا كان الدافع له حمرماً كالرياء أو املفاخرة ،أو كانت منفعة اخلدمة حمرم ًة ،أو اقرتنت اخلدمة مبنكر من املنكرات ،أو كان االستخدام ذريعة ملنهي شرعاً، أو كان العقد فاسداً أو باطالً بأصله ،ففي كل هذه األحوال تكون اخلدمة غري جائزة وعلى املسلم أن يتجنب تعاطيها سواء كان خادماً أو خمدوماً. ج – األحوال اليت تكون فيها خدمة البيوت مباحة: وهي تشمل سائر األحوال اليت أفلتت من األنواع السابقة ،وهي احلالة األصلية ألن األصل يف األشياء اإلباحة ،فإذا أراد املسلم أن يتعاقد على خدمة معينة ومل تقرتن تلك اخلدمة مبنهي شرعاً ،مل يكن عليه حرج يف ذلك أبداً ،وهذا ما كان شائعاً بني الناس على مر التاريخ اإلسالمي ،منذ العهد النبوي على صاحبه أفضل الصالة والسالم ،وهذا ما سنطلع عليه من خالل املطلب التايل. -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.337 64 املطلب الثالث :اخلدمة يف زمن التشريع إن الكالم عن اخلدمة يف زمن التشريع يتضمن استقراء اخلدمة زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم وزمن الصحابة رضوان اهلل عليهم أمجعني من بعده ،ألن هذين الزمنني ميثالن الصورة النقية لإلسالم احلق الذي ارتضاه اهلل لنا ،ففي وصية رسول ال َّله صلى ال َّله عليه وسلم ألصحابه قال ...« :وإنه من يعش منكم فسريى اختالفاً كثرياً! فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني عضوا عليها بالنواجذ .)1(» ...ويف زمن الصحابة وخاصة يف اخلالفة الراشدة حدثت أكثر اإلمجاعات يف املسائل الشرعية ،إضافة إىل أن بعض العلماء عدَّ جمرد عمل الصحابي مصدراً تشريعياً مستقالً. ويف زمن التشريع هذا أخذت اخلدمة أشكاالً متعددة حبسب نوع املنفعة املبذولة أو حبسب اختالف عقد اخلدمة وفق ما يأتي: 1.1أنواع اخلدمة املبذولة: لشخص: أ .اخلدمة املبذولة ٍ هي خدمة موجهة لشخص حمدد يقوم اخلادم من خالهلا بتلبية طلبات املخدوم وتأمني حاجاته ،وخري مثا ٍل عليها هو سيدنا أنس بن مالك ()2 رضي اهلل عنه ،حيث بذل نفسه خلدمة النيب صلى اهلل عليه وسلم يف سفره وحضره وغزواته كلها ،وقد حكى رضي اهلل عنه عن ذلك فقال: -1ابو داود (السنن) ج 4ص 200برقم 4607:النواجذ :األنياب وقيل األضراس. -2أنس بن مالك :بن النضر ،أبو محزة األنصاري اخلزرجي خادم رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم واحد املكثرين من الرواية عنه ،قطن البصرة ومات هبا قال علي بن املديين كان آخر الصحابة موتا بالبصرة ،مات أنس سنة تسعني وكان عمره مائة سنة إال سنة (اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 1ص .)126 65 (قدم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املدينة ليس له خادم ،فأخذ أبو طلحة بيدي ،فانطلق بي إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال: يا رسول اهلل ،إن أنساً غالم كيّس فليخدمك ،قال :فخدمته يف السفر واحلضر ،ما قال يل لشيء صنعته مل صنعت هذا هكذا ،وال لشيء مل أصنعه مل تصنع هذا هكذا(.)1 وهناك خَدَمٌ غريه كانوا خيدمون النيب صلى اهلل عليه وسلم كابن مسعود رضي اهلل عنه وغريه ،وقد أفرد ابن كثري( )2يف تارخيه املسمى( :البداية والنهاية) باباً يف ذكر عبيده عليه الصالة والسالم وإمائه وخدمه( ،)3حيث عدَّ أربعني امساً من مواليه صلى اهلل عليه وسلم من الرجال أكثرهم أعتقه واشتغلوا يف خدمته قبل العتق وبعده ،ومخساً وعشرين من اإلماء اللواتي خدمن يف بيوت النيب صلى اهلل عليه وسلم ،وخصص فصالً خلدَّامه ص َّلى اهلل عليه وس َّلم الذين خدموه من الصحابة -يقصد من غري العبيد -فبلغوا تسعة عشر صحابياً رضوان اهلل عليهم أمجعني(.)4 وأما استخدام الصحابة رضي اهلل عنهم للخدم فكثري ،منها ما دل عليه حديث يعلى بن أمية رضي اهلل عنه قال :أذن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالغزو وأنا شيخ كبري ليس يل خادم ،فألتمس أجريا يكفيين ،وأجري له سهمه ،فوجدت رجالً ،فلما دنا الرحيل أتاني .فقال :ما أدري ما السهمان ،وما يبلغ سهمي؟ فسم يل شيئا كان السهم ،أو مل يكن .فسميت له ثالثة دنانري ،فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه ،فذكرت -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 3ص 1018احلديث رقم( .2616 :كيس) عاقل ومتزن ،وهو ضد األمحق . -2ابن كثري :أبو الفداء إمساعيل بن عمر بن كثري الدمشقي ،عماد الدين ،حافظ مؤرخ فقيه .ولد يف بصرى الشام ،ثم انتقل دمشق وتويف هبا سنة 774هـ .من كتبه( :البداية والنهاية) يف التاريخ ،و(تفسري القرآن الكريم)( ،األعالم للزركلي، ج1ص.)320 -3ابن كثري ،اإلمام احلافظ ابي الفداء امساعيل الدمشقي 774هـ (البداية والنهاية) حتقيق علي شريي ،دار إحياء الرتاث العربي ،الطبعة األوىل 1408هـ 1988م ،ج 5ص.332 -4ابن كثري (البداية والنهاية) ج 5ص.353 66 الدنانري .فجئت النيب صلى اهلل عليه وسلم فذكرت له أمره .فقال« :ما أجد له يف غزوته هذه يف الدنيا إال دنانريه اليت مسى»(.)1 من خالل ما سبق نرى أن اخلدمة الشخصية كانت أمراً معتاداً ومقبوالً يف زمن التشريع أقره النيب صلى اهلل عليه وسلم بل عمل به والصحابة من بعده. ب .اخلدمة املبذولة لبيتٍ: ويف هذه احلالة ال تكون اخلدمة مرتبطة بشخص معني أو بعمل معني بل تعين القيام بشؤون املنزل كامل ًة من كنس وإعداد طعام وغري ذلك. ولو نظرنا يف كتب تراجم الصحابة لوجدنا العشرات من الرجال والنساء ممن تشرفوا باخلدمة يف بيوت أمهات املؤمنني يف حياة النيب صلى اهلل عليه وسلم من اجلواري والعبيد واألحرار كما أسلفنا. وقد روي أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل دعا جارية له يقال هلا بريرة بالسواك(.)2 وعن أنس رضي اهلل عنه قال( :كان النيب صلى اهلل عليه وسلم عند بعض نسائه ،فأرسلت إحدى أمهات املؤمنني بصحفة فيها طعام ،فضربت اليت النيب صلى اهلل عليه وسلم يف بيتها يد اخلادم ،فسقطت الصحفة فانفلقت ،فجمع النيب صلى اهلل عليه وسلم فِلَقَ الصفحة ثم جعل جيمع فيها الطعام الذي كان يف الصحفة ،ويقول« :غارت أمكم» ثم حبس اخلادم حتى أتي بصحفة من عند اليت هو يف بيتها ،فدفع الصحفة الصحيحة -1سبق خترجيه ص.35 -2ابن حجر ،أبو الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالني الشافعي 852هـ (اإلصابة يف متييز الصحابة) حتقيق علي حممد البجاوي ،بريوت ،دار اجليل ،الطبعة األوىل1412هـ 1992م ،ج 7ص.535 67 إىل اليت ُكسرت صحفتها ،وأمسك املكسورة يف بيت اليت كسر(.)1 وكذلك بيوت أكثر الصحابة كان فيها اخلدم من العبيد واجلواري واألجراء يف اخلدمة ،ففي قصة الثالثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك يقول الراوي: (فجاءت امرأة هالل بن أمية( )2رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقالت له: يا رسول اهلل ،إن هالل بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم ،فهل تكره أن أخدمه؟ قال« :ال ولكن ال يقربنك»)( ،)3ففي هذا اخلرب داللة على أن وجود اخلدم يف البيوت عادة أهل ذلك الزمان. ج – اخلدمة املبذولة يف عمل معني: (كماشطة أو مرضعة أو حاضنة مثالً). يف هذه احلالة جند أن اخلدمة خمصوصة فيها بعمل معني واخلادمة غري مطالبة بعمل سواه كالرضاعة أو احلضانة أو التزيني ،وكانت مثل هذه األعمال منتشرة يف اجملتمع يف عصر التشريع. فالنيب صلى اهلل عليه وسلم يدفع بابنه إبراهيم إىل أم سيف( )4لرتضعه كما يف احلديث عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال( :دخلنا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على أبي سيف القني ،وكان ظئراً إلبراهيم عليه السالم ،فأخذ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إبراهيم فقبله ومشه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك ،وإبراهيم جيود بنفسه ،فجعلت عينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم تذرفان ،فقال له عبد الرمحن بن عوف رضي -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 5ص ،2003احلديث رقم( 4927 :بصحفة) إناء كالقصعة املبسوطة( .فانفلقت) تكسرت( .فلق) قطع ،مجع فلقة. -2هالل بن أمية :بن عامر بن قيس األنصاري ،شهد بدرًا وما بعدها وقد تقدم خربه يف ترمجة مرارة بن الربيع وهو أحد الثالثة الذين تاب اهلل عليهم(.اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 6ص .)546 -3مسلم (صحيح مسلم) ج 4ص 2120احلديث رقم.2769 : -4أم سيف :مرضعة ابن النيب صلى اهلل عليه و سلم امرأة أبي سيف القني وهو احلداد كان من األنصار (اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 8ص .)235 68 اهلل عنه :وأنت يارسول اهلل؟ فقال« :يا ابن عوف ،إهنا رمحة» .ثم أتبعها بأخرى ،فقال صلى اهلل عليه وسلم« :إن العني تدمع والقلب حيزن وال نقول إال ما يرضي ربنا ،وإنا بفراقك يا إبراهيم حملزنون»)(.)1 وكان اإلرضاع سائداً يف زمنهم ومشهوراً عند العرب بل حرصوا عليه رغبة يف جنابة الولد وتشريفاً ألمه ،جاء يف فيض القدير( :إمنا دفع أشراف العرب أوالدهم إىل املراضع يف القبائل ومل يرتكوهم عند أمهاهتم لينشأ الطفل يف األعراب فيكون أفصح للسانه وأجلد جلسمه وأجدر أن ال تفارقه اهليئة املعربة كما قال يف احلديث :متعددوا واخشوشنوا( )2فكان ذلك حيملهم على الرضعاء إىل املراضع األعرابيات وكان عبد امللك بن مروان يقول :أضرنا حب الوليد ألن الوليد كان َّ حلاناً لكونه أقام مع أمه وغريه من إخوته أسكنوا البادية فتعربوا ثم أدِّبوا فتأدَّبوا)(.)3 أما احلضانة فكانت تتوىل رعاية الصغار وخدمتهم ورمبا تبقى مع الفتاة حتى تتزوج وقد جاء ذكر احلاضنة يف حديث املستعيذة ،فعن أبي أسيدٍ رضي ال َّله عنه قال( :خَرَجْنَا مَعَ النَّ ِبيِّ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ حَ َّتى انْ َطل َ ْقنَا ()4 إِلَى حَائِطٍ يُ َقا ُل لَهُ الشَّو ُْط حَ َّتى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائ َِطي ِْن َفجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا، َف َقا َل النَّ ِبيُّ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ اجْلِسُوا هَا هُنَا وَدَخَ َل وَ َقدْ أُتِيَ ِبالْجَوْنِيَّةِ َف ُأنْ ِزلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَ ْخ ٍل فِي بَيْتِ أُمَيْمَ َةِ 5بنْتِ النُّعْمَا ِن ب ِْن شَرَاحِي َل وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَ ٌة لَهَا َفلَمَّا دَخَ َل عَلَيْهَا النَّ ِبيُّ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ َقا َل هَ ِبي -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 1ص ،439احلديث رقم( .1241:ظئرا) زوج مرضعته ،وهي خولة بنت املنذر األنصارية النجارية( .وأنت) تفعل كما يفعل الناس عند املصائب( .بأخرى) أتبع الدمعة بأخرى ،أو الكلمة اليت قاهلا بأخرى). -2الطرباني(املعجم الكبري) ج 19ص 40برقم.84 : -3املناوي (فيض القدير) ج 3ص.38 -4أبو أسيد :مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر األنصاري الساعدي مشهور بكنيته ،شهد بدرا واحدا وما بعدها وكان معه راية بين ساعدة يوم الفتح ،كان قصريا أبيض الرأس واللحية كثري الشعر وكان قد ذهب بصره ،مات سنة 60هـ وهو بن مثان وسبعني( .اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 5ص.)723 -5أميمة بنت النعمان بن شراحيل اجلونية ،تزوجها رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم فكأهنا كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن جيهزها ويكسوها ثوبني ،وهي املستعيذة( .اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 7ص.)515 69 نَ ْفسَكِ لِي َقالَتْ وَهَ ْل تَهَبُ الْمَلِ َك ُة نَ ْفسَهَا لِلسُّو َقةِ َقا َل َف َأهْوَى ِبيَدِهِ ي َ َضعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْ ُكنَ َف َقالَتْ أَعُو ُذ ِبال َّلهِ مِنْكَ َف َقا َل َقدْ عُ ْذتِ ِبمَعَاذٍ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا َف َقا َل يَا أَبَا أُسَيْدٍ ا ْكسُهَا رَا ِزقِيَّتَي ِْن وَأَلْحِ ْقهَا ِب َأهْلِهَا)(.)1 وأم أمين( )2حاضنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وقد روي عنه صلى اهلل عليه وسلم إنه كان يقول عنها« :هي أمي بعد أمي»(.)3 أما املاشطة فهي املرأة اليت متتهن تزيني النساء وتسريح شعورهن وهي مهنة كانت قبل اإلسالم وأقرها اإلسالم وقد ذكر العلماء أمساء عدد منهن :كآمنة بنت عفان أخت عثمان وكانت ماشطة(،)4وبسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد كانت ماشطة تقني النساء مبكة( ،)5وأم زفر ماشطة خدجية(.)6 وورد ذكر املاشطة يف أحاديث منها حديث أم سلمة(( :)7أهنا مسعت النيب صلى اهلل عليه وسلم يقول على املنرب ،وهي متتشط« :أيها الناس» فقالت ملاشطتها :كفي رأسي.)8()... وذكر ابن حجر يف قصة زواجه صلى اهلل عليه وسلم من زينب (وقوله: «ملا أهديت» أي ملا زينتها املاشطة وزفت إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم) ()9 -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 3ص ,2011احلديث رقم( .4956:حائط) بستان من خنيل له جدار( .دايتها) املرأة اليت ولدهتا وتسمى القابلة( .حاضنة) مربية وكفيلة( .هيب نفسك) زوجيين نفسك( .فأهوى بيده) أماهلا عليها( .لتسكن) لتهدأ وتطمئن نفسها( .مبعاذ) بالذي يستعاذ به ويستجار( .رازقيتني) مثنى رازقة .وهي ثياب بيض طوال من الكتان. -2أم أمين :بركة بنت ثعلبة بن عمرو ،موالة النيب صلى اهلل عليه و سلم وحاضنته،وكان يقال هلا أم الظباء ،تزوجت زيد بن حارثة فولدت له أسامة ،ماتت يف خالفة عثمان (اإلصابة يف متييز الصحابة (ج8ص.)169 -3ابن حجر العسقالني(،فتح الباري شرح صحيح البخاري) ج 7ص.88 -4ابن حجر العسقالني (اإلصابة يف متييز الصحابة) ج 7ص.475 -5املرجع السابق ج 7ص.536 -6املرجع السابق ج 8ص.211 -7أم سلمة :هند بنت أبي أمية حذيفة زاد الركب بن املغرية املخزومية ،أم املؤمنني ،كانت زوج بن عمها أبي سلمة بن عبد األسد فمات عنها ،فتزوجها النيب صلى اهلل عليه و سلم،وكانت ممن أسلم قدميا هي وزوجها وهاجرا إىل احلبشة ،ماتت يف سنة 56هـ( .اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 8ص .)221 -8مسلم (صحيح مسلم) ،ج 4ص 1795احلديث رقم(،2295:كفي رأسي) أي امجعيه وضمي شعره بعضه إىل بعض. -9ابن حجر العسقالني (فتح الباري شرح صحيح البخاري ) ،ج 8ص.529 70 ففي هذا داللة على وجود مهنة املاشطة واعتياد الناس اإلتيان هبا لتزيني النساء وخاصة العروس يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم. فاألعمال الثالثة السابقة :املرضعة واحلاضنة واملاشطة مهن معروفة زمن النبوة وبعده وهي مثال على اخلدمة املتخصصة. 2.2أنواع عقود اخلدمة: أخذ تعاطي اخلدمة زمن التشريع أشكا ٌال متعددة وهي: أ -بذل اخلدمة بال مقابل (تربعاً): وذلك تربعاً من اخلادم يرجو به التقرب من املخدوم أو األجر من اهلل عزو جل أو كال األمرين معاً كما فعل كثري من الصحابة يف خدمة النيب صلى اهلل عليه وسلم فقد ذكرت فيما سبق أن مَن خدمه صلى اهلل عليه وسلم من األحرار بلغ تسعة عشر رجالً من أشهرهم :أنس بن مالك وعبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنهما .فعن أنس رضي اهلل عنه قال :قدم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املدينة ليس له خادم ،فأخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال :يا رسول اهلل ،إن أنساً غالم كيِّس فليخدمك ،قال :فخدمته يف السفر واحلضر ،ما قال يل لشيء صنعته مل صنعت هذا هكذا ،وال لشيء مل أصنعه مل تصنع هذا هكذا)(.)1 حتى أن أكثر العبيد الذين خدموا النيب صلى اهلل عليه وسلم كانت معظم خدمتهم بعد عتقه هلم تربعا منهم. كسفينة( )2وكان موىل ألم سلمة فأعتقته ،واشرتطت عليه أن خيدم رسول -1سبق خترجيه ص .66 -2سفينة :موىل رسول اهلل (ص) دعاه سفينة ،وكان أصله من فارس فاشرتته أم سلمة ثم أعتقته واشرتطت عليه أن خيدم النيب (ص) ،كان يسكن بطن خنلة( .اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 3ص.)132 71 اهلل ص َّلى اهلل عليه وس َّلم ح َّتى ميوت ،فقبل ذلك وقال( :لو مل تشرتطي عليَّ ما فارقته)(.)1 ب– اخلدمة الالزمة بالرق :الرقيق ملزم بطاعة مواله مبقتضى ملكه له، وكان الرقيق متداوالً بقصد اخلدمة يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم وقد مر معنا أن من تشرف خبدمته صلى اهلل عليه وسلم حوايل أربعني من العبيد ومخساً وعشرين من اإلماء كلهم خدموا يف بيوت النيب صلى اهلل عليه وسلم. وكان كذلك يف بيوت الصحابة اخلدم من العبيد وهو أمر معتاد عندهم، ففي حديث ابن عمر ...( :فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :يا أبا اهليثم أما لك من خادم» قال :ال والذي بعثك باحلق ما لنا خادم ،قال: «فإذا بلغك أنه جاءنا سيب فائتنا نُخدِمك».)2()... ج– اخلدمة الثابتة باإلعارة :وهي بأن يرسل اإلنسان خادمه لغريه ليستعني به ثم يرده إليه ،مثال ذلك بريرة موالة عائشة رضي اهلل عنها كانت ختدم عائشة قبل أن تشرتيها وكانت موالة آلل أبي أمحد بن جحش فكاتبوها ،فاشرتهتا عائشة منهم فأعتقتها(.)3 وع َّد النيب صلى اهلل عليه وسلم إعارة اخلادم من أبواب الصدقة فعن أبي أُمام َة( )4قالَ :قا َل رَسُو ُل ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيهِ وسَ َّلم« :أفض ُل الصَّدقاتِ -1ابن كثري (البداية والنهاية) ج 5ص.337 -2الطرباني (املعجم الكبري) ج 19ص ،255رقم احلديث.269 : -3ابن حجر العسقالني (اإلصابة يف متييز الصحابة) ج 7ص.535 -4أبو أمامة :صُديّ بن عجالن بن احلارث الباهلي ،الصحابي ممن بايع حتت الشجرة ،مات أبو أمامة سنة 86ه( . اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 3ص .)420 72 ُّ هلل ومنيح ُة خاد ٍم يف سبي ِل ا ِ ظل ُفسطاطٍ يف سبي ِل ا ِ هلل»(( .)1أي هبة عبد للمجاهد ليخدمه أو عاريته له)(.)2 د -اخلدمة الثابتة بعقد اإلجارة: وهذه من طرق تعاطي اخلدمة يف زمن التشريع ،حيث يتم باتفاق الطرفني اخلادم واملخدوم على أجر معلوم ،وتكون اخلدمة املستأجر عليها إما خمصصة (كماشطة أو مرضعة أو حاضنة) ،وقد تكون على اخلدمة بشكل عام كما ورد معنا يف حديث يعلى بن أمية رضي اهلل عنه قال( :أذن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالغزو وأنا شيخ كبري ليس يل خادم ،فألتمس أجريا يكفيين ،وأجري له سهمه ،)3()...من خالل هذه احلادثة نرى أن اخلدمة كانوا يستأجرون عليها يف زمن التشريع. -1سبق خترجيه ص.35 -2املباركفوري (حتفة األحوذي) ،ج 5ص.210 -3سبق خترجيه ص .35 73 املبحث الثالث: دور اخلدمة االجتماعي املطلب األول :حاجة الفرد للخدمة. املطلب الثاني :حاجة اجملتمع للخدمة. 74 املبحث الثالث :دور اخلدمة االجتماعي املطلب األول :حاجة الفرد للخدمة َ ُ َ ً َ ُ َ نسان ضعِيفا} [النساء ]28:اإلنسان اإل يقول سبحانه وتعاىل{ :وخلِق ِ خملوق ضعيف يف جسده ويف علمه وخربته باإلضافة إىل تكاثر مطالبه وتنامي أحالمه وطموحاته ،فيجد نفسه أحيانا حمتاجاً ملساعدة وعون غريه. فقد يكون الفرد مصاباً بعج ٍز جسدي دائم ،سواء كان خلقياً أو طارئً بسبب شيخوخة أو زمانةٍ ،فاألعمى حباجة إىل من يقوده ،واملقعد مضطر لالستعانة باآلخرين ،ثم إن بقية أهل املنزل قد ينشغلوا أو يعجزوا عن أداء تلك املعونة مما جيعل اخلادم يف البيت أمراً ال مفر منه ليتحمل عنهم بعض أو كل تلك األعباء ،بل إن عدم اعتمادهم على اخلادم يف تلك احلالة فيها هدر لكرامة اإلنسان املبتلى وإضاعة له. إن قدرة الفرد املالية وعجزه اجلسدي جتعل من احلكمة واملنطق أن يستعني خبادم حيفظ له حياةً كرمي ًة ،بل قد يصل إىل درجة الضرورة ،إذ أنه قد يعجز عن تأمني بعض ضرورياته من طعام وشراب ودواء وتنظيف وغريها من دون أن يكون عال ًة على من حوله ممن هم غري ملزمني شرعاً أو قضاءً خبدمته. ويف بعض األحيان يكون العجز حال ًة عارض ًة كضعف املرأة عن القيام بشؤون منزهلا بسبب والدهتا أو بسبب عملية جراحية وتكون بعدها املرأة حباجة لقسط من الراحة لفرتة حمددة ،وإذا مل تعتمد خالهلا على خادمة 75 فسوف تضيّع حقوق الزوج واألوالد والطفل الوليد بل وصحة جسدها. ورمبا حيتاج البيت إىل خدمةٍ متخصصةٍ أو خربة معينة يفتقدها أهل املنزل كخدمة املمرضة للمريض يف بيته ،أواملاشطة (اليت تزيِّن النساء)، أواملربية لألطفال ،أوالطاهية أو السائق أو البواب أو احلارس أو عامل التنظيف أو عامل احلديقة وغري ذلك من األعمال املتخصصة اليت يتطلبه املنزل وأهله ورمبا ال يستطيعوا حتصيله بأنفسهم على الوجه الصحيح. وقد ينشغل أهل البيت عن القيام بشؤونه كاملرأة اليت تعمل خارج املنزل طبيب ًة كانت أو معلم ًة أو غري ذلك من املهن اليت ال ختالف اإلسالم يف طبيعتها وظروفها ،فمثل هذه املرأة ال تقدر على القيام بشؤون منزهلا وأطفاهلا مما يدفعها إلحضار خادمة لبيتها لتسد تلك الفجوة اليت خلفتها وراءها بسبب غياهبا عن املنزل وعودهتا إليه متعبة. ورمبا جتد املرأة نفسها مطالبة بأعمال مل تعتد عليها يف بيئتها قبل الزواج فال ترى بداً من اإللقاء بتلك األعمال على عاتق خادمةٍ تستأجرها لرتيح نفسها من عنائها. فالدافع يف هذه احلالة هو الرتفه أو أعراف البيئة السائدة وهذا أمر ال يعارضه اإلسالم إذا مل يكن حيمل يف طياته الرياء والكرب ،فال اإلسالم وال احلكمة والتفكري السليم يقتضيان أن يقتصر اإلنسان يف معاشه على حاجاته الضرورية وامللحة فقط ،بل اإلسالم دائماً يسعى إىل أن يرتفع باإلنسان يف درجات الكمال والرفاهية ،ونعود فنقول :بشرط أال حيتوي هذا الرتفه على مفاسد دينية أو أخالقية. ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ هّ َّ يَِ َ ْ َ َ َ َ ْ َّ َ ّ ات فاهلل سبحانه يقول{ :قل من حرم زِينة اللِ الت أخرج لِعِبادِه ِ والطيِب ِ َ ّ الر ْز ِق} [األعراف ]32:وزينة احلياة الدنيا ومتعها ليست من احملرمات، مِن ِ 76 بل قد يكون اإلعراض عنها من غري سبب أمراً مرفوضاً ومنكرُ شرعاً ففي احلديث قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :إن اهلل حيب أن يرى أثر نعمته على عبده»( ،)1ورمبا حصل للمرء يف بذل ماله للخدم حتصيل منافع أعظم من املال املبذول ،وقد يكون اشتغال الرجل ببعض األعمال أعظم منفعة له من اشتغاله يف بعض توافه األمور اليت هتدر الوقت واجلهد ويتوالها اخلدم عادة ،جاء يف كتاب أجبد العلوم حتت عنوان (علم آفات املال)( :وله منافع كما قال النيب صلى اهلل عليه وسلم« :نعم املال الصاحل للرجل الصاحل»( ،)2ومضاره وهي كثرية مذكورة يف القرآن واحلديث أما منافعه فهي اإلنفاق على نفسه ليعني على الطاعة كاملطعم وامللبس واملسكن واملنكح وسائر ضروريات املعيشة واإلنفاق يف سبيل اهلل تعاىل كالزكاة واحلج وحنومها واإلنفاق لوقاية العرض كدفع هجو الشاعر وقطع ألسنة السفهاء فإن ذلك صدقة ألن فيه منعهم عن الغيبة واإلنفاق على اخلدم فإن ذلك منفعة دينية إذ لو توىل اإلنسان مجيع مصاحلة بذاته لفاته كثري من الطاعات)(.)3 فاخلدمة يف البيوت أمر ال يستغين اإلنسان عنه يف كل زمان ومكان، فتارة مضطراً وتارة حمتاجاً وأخرى مرتفهاً متنعماً ،وهو من احلاجات الفردية اليت أقرهتا الرساالت السماوية والتشريعات الوضعية ،ومشى عليها الناس على مر الزمان. -1الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج 5ص 123رقم 2819قال أبو عيسى هذا حديث حسن. -2احلاكم (املستدرك على الصحيحني) ج 2ص 3برقم.2130: -3القنوجي ،صديق بن حسن 1307هـ (أجبد العلوم الوشي املرقوم يف بيان أحوال العلوم) حتقيق عبد اجلبار زكار ,بريوت، دار الكتب العلمية 1978م ،ج 2ص.90 77 املطلب الثاني :حاجة اجملتمع للخدمة اخلدمة حاجة بشرية على مرِّ الزمان لكوهنا ناشئة عن حاجة الناس َ ُ ْ َ ْ ُ َ َ مَْ َ َ ّ َ سمون رحة ربِك لبعضهم كما يوضحه قول اخلالق سبحانه{ :أهم يق ِ حَْ َ ُّ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ حَ ْ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ْ َ ُ نن قسمنا بينهم معِيشتهم يِف الياة ِ ادلنيا ورفعنا بعضهم فوق بع ٍض يَِ َّ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ً ُ ْ َ جَ ْ َ خر ًّيا َو َر مَْ َد َر َ ح ُ ت َر ّبِك خَيرْ ٌ ّم َِّما ي َم ُعون} س ا ض ع ب م ه ض ع ب ذ خ ت ل ات ج ِ ٍ ِ [الزخرف.]32: فالبشر خمتلفو املواهب والقدرات على مرّ الدهور وهذه سنة اخلالق عز وجل بل السر احملرك للمجتمعات اإلنسانية ،وهذا التفاوت بني البشر يف مستويات املعاش وظروف احلياة والبيئات والقدرات اجلسدية واملواهب العقلية أمر ملحوظ على مر التاريخ ال خيتلف عليه اثنان وهو مسة يف البشرية إىل قيام الساعة. ولكن ما احلكمة من ذلك؟ جند اجلواب يف قول اخلالق سبحانه يف تتمة يَِ َّ َ ْ ً ُ خذ َب ْعض ُهم َب ْعضا ُسخ ِر ًّيا} كل واحد حمتاج خلدمة اآلية الكرمية{ :لت ِ اآلخر ومسخر حقيقة له .وحتى نفهم معنى التسخري يف اآلية علينا أن نعلم أن دوالب احلياة حني يدور يسخر بعض الناس لبعض حتما ،وليس التسخري هو االستعالء ،استعالء طبقة على طبقة ،أو استعالء فرد على فرد ...كال! إن هذا معنى قريب ساذج ،ال يرتفع إىل مستوى القول اإلهلي اخلالد .كال! إن مدلول هذا القول أبقى من كل تغري أو تطور يف أوضاع اجلماعة البشرية؛ وأبعد مدى من ظرف يذهب وظرف جييء.. ّ ويسخر إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض .ودوالب احلياة يدور باجلميع، بعضهم لبعض يف كل وضع ويف كل ظرف .املقدر عليه يف الرزق مسخر 78 للمبسوط له يف الرزق .والعكس كذلك صحيح .فهذا مسخر ليجمع املال، فيأكل منه ويرتزق ذاك .وكالمها مسخر لآلخر سواء بسواء .والتفاوت يف الرزق هو الذي يسخر هذا لذاك ،ويسخر ذاك هلذا يف دورة احلياة.. العامل مسخر للمهندس ومسخر لصاحب العمل .واملهندس مسخر للعامل ولصاحب العمل .وصاحب العمل مسخر للمهندس وللعامل على السواء .وكلهم مسخرون للخالفة يف األرض هبذا التفاوت يف املواهب واالستعدادات ،والتفاوت يف األعمال واألرزاق ،ولو كان مجيع الناس نسخاً مكرورة ما أمكن أن تقوم احلياة يف هذه األرض هبذه الصورة ،ولبقيت أعمال كثرية جداً ال جتد هلا مقابالً من الكفايات ،وال جتد من يقوم هبا. والذي خلق احلياة وأراد هلا البقاء والنمو ،خلق الكفايات واالستعدادات متفاوتة تفاوت األدوار املطلوب أداؤها. وهذه احلكمة اإلهلية ال تتناقض مع عدله سبحانه وتعاىل ألن هذه املوازين ال عالقة هلا باملكانة والثواب عند اهلل الذي أساسه التنافس يف التقرب إليه جل وعلى ،واهلل خيتار لرمحته من يشاء ،ممن يعلم أهنم هلا أهل، وال عالقة بينها وبني عرض احلياة الدنيا؛ وال صلة هلا بقيم هذه احلياة الدنيا ،فهذه القيم عند اهلل زهيدة زهيدة ومن ثم يشرتك فيها األبرار والفجار ،ويناهلا الصاحلون ،لذلك لفتت اآلية القرآنية هلذه احلقيقة: َ جَ ْ َ {و َر مَْ ح ُ َ ت َر ّبِك خَيرْ ٌ ّم َِّما ي َم ُعون}. وبعد أن سلمنا بوجود هذا الواقع الذي قرره اخلالق سبحانه وشاهدته العيون املبصرة نقرر أن: 1.1طريقة التخصص يف األعمال تعطي إنتاجا أفضل وتوفر الوقت 79 واجلهد وتقضي على اهلدر ،وهو املنحى احلضاري الذي الزمته البشرية منذ نشأهتا األوىل إىل وقتنا احلايل وحتى يرث اهلل األرض ومن عليها، حيث أن التطور يؤدي إىل التنوع يف األعمال وكثرهتا حتى ضمن املضمار الواحد وهذا جيعل اإلنسان عاجزاً عن القيام به حق القيام؛ مثال ذلك الفلسفة عند ابن رشد( )1كانت تشكل جانباً واحداً من نشاطه العلمي إضافة للعربية والفقه واألصول وعلم احليوان وعلم النفس والفلك وغري ذلك ،أو الطبيب الفيلسوف األديب الواعظ ابن سينا( )2بينما يعجز الطبيب أن يتقن يف وقتنا احلايل أكثر من اختصاص واحد بسبب التطور اهلائل للعلوم ،بل نشا ما يسمى حتت االختصاص ،فهل من املقبول أن يضم إىل دراسته مهنة أخرى خمتلفة ،سيكون ذلك سبب التشتت والضياع وعدم التمكن من مهنته. وهذا الكالم ينطبق على كل مهنة واختصاص مبا فيها اخلدمة يف البيوت وخصوصاً إذا كانت من النوع املتخصص كاملمرضة (تقوم خبدمة مقعدة يف منزهلا) أو مربية أو عاملة تنظيف. -1ابن رشد احلفيد :حممّد بن أمحد بن مُحَمَّدٍ ال ُقر ُْط ِبيُّ :وَلَهُ (شرح أُرْجُوزَة ابْنِ سِيْنَا) فِي ِّ الطبّ ،وَ(امل ُ َقدِّمَات) فِي الفِ ْقه ،كِتَاب (احليوَان) ،كِتَاب (جَوَامع كتب أ َ ِرس ُْط َ وطاليس)( ،شرح كِتَاب النَّ ْفس) ،كِتَاب (فِي املنطق) ،كِتَاب (تلخيص اإلِالَهيَات) لنِيَ ُقوْالَوس ،كِتَاب (تلخيص مَا بَعْد ّ جلالينوس ،وَ ّ الطبيعَة) ألَ ِرس ُْطو ،كِتَاب (تلخيص االسْتقصَات) َ خلص لَهُ حلمّيَات) ،وَكِتَاب (حِيْلَة الربء) ،وَ ّ كِتَاب (املِزَاج) ،وَكِتَاب (القوَى) ،وَكِتَاب (العلل) ،وَكِتَاب (التعرِيف) ،وَكِتَاب (ا ُ خلص كِتَاب (السَّمَاع ّ الطبيعِي) ،وَلَهُ كِتَاب (تَهَافت ال ّتهَافت) ،وَكِتَاب (منَاهج األَد َّلة) أُصُوْل ،وَكِتَاب ( َفصل امل َ َقا ِل ،فِيمَا بَيْنَ الشرِيعَة وَاحلِ ْكمَة مِنَ االتصَال) ،كِتَاب (شرح القيَاس) ألَ ِرس ُْطو( ،مَ َقالَة فِي العَ ْقل)( ،مَ َقالَة فِي القيَاس) ،كِتَاب (الفحص فِي أَمر العَ ْقل)( ،الفحص عَنْ مَسَائِل فِي الشّ َفاء)( ،مَسْ َألَة فِي الزَّمَان)( ،مَقالة فيما يعتقده املشَّاؤون وما يعتقده املتكلمون يف كيفية وجود العامل)( ،مقالة يف نظر الفارابيّ يف املنطق ونظر أرسطو)( ،مقالة يف اتصال العقل املفارق لإلنسان)( ،مقالة يف وجود املادَّة األوىل)( ،مقالة يف الرّدّ على ابن سينا)( ،مقالة يف املزاج)( ،مسائل حكميَّة)( ،مقالة يف حركة الفلك) ،كتاب (ما خالف فيه الفارابي أرسطو).انظر :الذهيب (سري أعالم النبالء ) ج 21ص.308 هلل البَلْخِيُّ .يقولَ :صنَّ ْفتُ(اجملموع)َ ،ف َأتيتُ فِيْهِ عَلَى علو ٍم ،وَس َألنِي جَارُنَا أَبُو بَك ٍرْ حلسَيْنُ بنُ عَبْدِ ا ِ -2ابْنُ سِيْنَا ،:أَبُو عَل ٍِّي ا ُ البَرْقِيّ وَ َكانَ مَائِالً إِلَى الفِ ْقهِ وَال َّت ْفسِيْ ِر وَالزُّهْد ،فصنَّ ْفتُ لَهُ(ا َ حلاصل وَاملَحْصُوْل)فِي عِشْ ِريْنَ مُج َّلدَة...وصنف ُكتُباً َكثِيْرَةً، مِنْهَا(اإلِنصَاف)؛ عِشْرُوْنَ مُجَ َّلداً( ،ال ِبرّ وَاإلِثم)؛مُجَ َّلدَان( ،الشِّ َفاء) ،ثَمَانِيَة عَشْرَة مُجَ َّلداً( ،ال َقانُوْنَ)؛مُجَ َّلدَات(.اإلِرصَاد)، مُجَ َّلد( ،النَّجَاة)ثَالَث مُجَ َّلدَات( ،اإلِشَارَات)مُجَ َّلد( ،القولنج)مُجَ َّلد(،ال ُّل َغة)عشر مُجَ َّلدَات( ،أَدويَة ال َقلْب)مُجَ َّلد( ،املوجز) مُجَ َّلد( ،املعَاد)مُجَ َّلد ،وَأَشْيَاء َكثِيْرَة وَرسَائِل .انظر :الذهيب (سري أعالم النبالء) ج17ص.531 80 2.2اختالف املواهب واإلمكانات يدفعنا إىل توزيع األعمال :حيث أن اهلل وزع املواهب على العباد فمنهم من فضله بالفهم والفطنة وليس له نصيب وافر من القوة البدنية ،وميز غرية بقوة البدن من غري فطانة ،وفتح على ثالث من أبواب رزقه الواسعة و قرت على غريه ،و هذا يلزمنا أن نوزع على كل واحد منهم دوره املناسب يف اجملتمع لتسري احلياة وفق منهج صحيح، وإذا مل يقرَّ املرء هبذه احلقيقة و يعرتف هبا فلسوف يتصادم مع الواقع ولن يتمكن من املخالفة بل سرتميه نواميس احلياة يف متاهات الفشل والضياع ،وهذا أمر مشاهد وملموس يف مثال األبوين الذين ال حيسنون اختيار النمط املناسب البنهم فيدفعونه لدراسة الطب مثالً على الرغم من ظهور عجزه عن تلك الدراسة ،بداللة حياته العلمية اململوءة بتجارب الفشل واإلحباط ،هذه اجلرمية اليت قام هبا األبوان وأنفقا عليها األموال الطائلة مل تثمر إال عن تدمري فلذة كبدهم وجعله عالة يشعر طيلة حياته بالعجز والنقص ،ولو أهنم نظرا يف مواهبه وإمكاناته ووجهوه وفقها؛ عامالً كان أو تاجراً أو غري ذلك لكان عنصراً مبدعاً إجيابياً جتاه نفسه وأبويه بناءً جملتمعه وأمته. هذا املثال ينطبق على أفراد اجملتمع كلهم وعلى األعمال كلها ومنها اخلدمة يف البيوت بشتى صورها ،حيث جند فيهم من يتقن هذه املهنة دون غريها ويستطيع أن يكسب قوته منها ولو وجِّه لغريها من األعمال لفشل وأساء بدل أن ينفع. 3.3اخلدمة يف ظل الشريعة اإلسالمية ليست ظلماً وال تسلطاً وال عاراً: وهذا أمر مهم ،فالعمل بشكل عام واخلدمة بشكل خاص ال تعد عاراً 81 يف اإلسالم وليست باباً لتسلط القوي على الضعيف واستذالله ،أليس من عظمائنا األطهار بالل بن رباح وأنس بن مالك وعبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنهم الذين هم خدم النيب صلى اهلل عليه وسلم ،وسامل خادم عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهم ،هل مست اخلدمة كرامتهم أم حطت من قدرهم؟!!! مهما كان نوع هذه اخلدمة رقاً أم تربعاً أم إجارةً ،بل كانوا وسيظلوا سادة الناس وقد زادهتم هذه اخلدمة رفع ًة وكرام ًة. إن اإلساءات اليت يتلقاها اخلدم يف البيوت بكافة أشكاهلا ليست إال تقصرياً من الناس بأمور دينهم وتعدياً على حقوق بعضهم وظلماً يطال اخلدم وسواهم من ضعفاء اجملتمع سواء اخلدم أو األيتام أو األرامل أو الفقراء، فاإلنسان الذي أُشرب الظلم يف نفسه ال فرق عنده يف التطاول على خادمه أو ابن أخيه اليتيم الذي يف كنفه ،وهنا يأتي دور العقوبات الرادعة والقوانني اليت تقيد سلوك أمثال هؤالء السيئني وحتفظ للضعيف حقه، إننا جند كثرياً من الدول هتتم حبماية حق اليتيم واملرأة و هتمل حقوق خدم البيوت سواء بسن القوانني أو يف تطبيقها ،لكن اخلطأ احلاصل ليس يف ذات اخلدمة بل يف التقصري يف ردع الظامل و املعتدي ،وهذا غري حاصل يف اجملتمع اإلسالمي الصحيح. يعلق السلطان عبد احلميد -رمحه اهلل -يف مذكراته على مسألة الرق واخلدم بقوله( :عجبا لألوربيني كم جيهلون أعرافنا وقوانيننا إهنم عندما يتكلمون عن الرق يف الشرق يتصورون احلالة احملزنة اليت يعيش فيها األرقاء يف أمريكا مع أننا ال جنوِّز تسمية العالقة احلميمة بني السيد واخلادم عندنا بأهنا رق ،فالقرآن الكريم يأمرنا مبعاملة اخلدم معاملة حسنة والواقع أن اخلدم تبع لسادهتم حياهتم حمدودة لكن قوانيننا 82 الصارمة حتول بني السيد واملعاملة السيئة للخادم وليس هناك رق يف إمرباطوريتنا مبعناه احلقيقي وال شك أن اجلواري عندنا أسعد حاال من اخلادمات األوربيات ،إهنن يرتبطن بالبيت الذي يعشن فيه حتمي حقوقهن األعراف والعادات املتبعة ......وهبذه الوسيلة جيد كثري من األطفال الذين يعيشون يف األزقة حتت رمحة اجلوع واملرض جيدون بيتا دافئا ينعمون فيه باحلياة ويعاملون فيه أفرادًا يف أسرة واحدة وعندما يكربون يعمل الذكور كمساعدين لسادهتم يف أعماهلم أما اإلناث فيتزوجن ويصرن أمهات ألوالد سادهتن)(.)1 4.4تسد اخلدمة النقص واخللل لتوزيع األعمال يف اجملتمع :لنتخيل جمتمعاً مكوناً من املثقفني األغنياء فقط فمن سيقوم باألعمال الدنيا؟ من سيتجشم عناء العمل والتعب؟ حتماً ال أحد ،هذا جمتمع ميت ستتوقف فيه عجلة احلياة ،هل من املنطق واحلكمة أن يقضي طبيب جراح مثالً كل يوم وقتاً يف تنظيف مكتبه وعيادته وهناك عدد من املرضى بانتظاره؟ أم هل يدع الغبار والقمامة ترتاكم أمامه؟ اجلواب الصحيح :أن كال اخليارين خطأ فادح ،والعمل السديد هو وجود خادم يقوم مبثل هذه األعمال. إن عمل اخلدمة وأمثاهلا من املهن تسد فجوة عظيمة يف اجملتمع ال يستغين عنها اجملتمع يف كثري من املواضع ،فاملعامل ال تنتج خبربائها من دون عماهلا وكذلك اجملتمع ال يستغين عن وجود اخلدم يف البيوت لتستمر احلياة فيه سواء ضرورة أو حاجة أو رفاهية. -1السلطان عبد احلميد الثاني 1842هـ 1918م (مذكراتي السياسية) بريوت ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة اخلامسة 1406هـ ،ج 1ص.183 83 5.5هناك احتياج من كال الطرفني لآلخر (اخلادم واملخدوم) فاألول حمتاج للخدمة وخاصة إذا كان الدافع لالستخدام هو أمر ضروري، وباملقابل فاخلادم حمتاج ملال املخدوم ال يستغين عنه وبه قوام حياته وحياة أسرته ،فالغين حمتاج للفقري لينتفع من عمله ،وتظهر هذه احلاجة بوضوح عندما حياول العامل إرغام رب العمل على الرضوخ ملطالبه بامتناعه عن القيام بعمله ليظهر الغين رب العمل حمتاجاً إليه بل مضطراً إىل إرضاءه ويسمى هذا العمل (اإلضراب) ،كما أن الفقري حيتاج للغين لينتفع من ماله وقد يستخدم نقطة الضعف هذه ليضغط على عماله فيماطل براتبهم ويقصر يف تأمني حقوقهم. هذه النظرة املتكاملة من كال اجلانبني توضح لنا مدى حاجة اجملتمع لعمل كاخلدمة يف البيوت. ومن خالل الفقرات السابقة يتضح لنا أن اخلدمة يف البيوت هي نوع من التخصص يف األعمال الذي هو ضرورة يف تطور اجملتمع ،ثم إن اخلدمة مبنية على أساس اختالف الناس يف املواهب والقدرات ،وإن التنكر هلذه احلقيقة خروج عن الواقع ،أما الظلم الذي يقع يف ظله كثري من اخلدم فليست اخلدمة بطبيعتها مسؤول ًة عن ذلك ،بل اجملتمع هو املسؤول عن مكافحته من خالل مؤسساته املختصة بذلك. كما أن اخلدمة تسد ثغراً كبرياً يف اجملتمع ال ميكن جتاهله حبال ،علماً بأن املخدوم حمتاج لعمل خادمه كحاجة خادمه له ،فال ينبغي لواحد منهم أن يقصر حبق اآلخر. وبعد هذا البيان ملدى حاجة اجملتمع خلدمة البيوت ينبغي أن نذكر أن بعض العلماء نظر ملهنة اخلدمة أهنا ناشئة عن الرتف والبذخ وهي عالمة 84 احنطاط اجملتمع ،منهم العالمة ابن خلدون( )1حيث يقول يف مقدمته: (الفصل الثالث يف أن اخلدمة ليست من الطبيعي :اعلم أن السلطان ال بد له من اختاذ اخلدمة يف سائر أبواب اإلمارة وامللك الذي هو بسبيله من اجلندي والشرطي والكاتب ويستكفي يف كل باب مبن يعلم غناءه فيه ويتكفل بأرزاقهم من بيت ماله وهذا كله مندرج يف اإلمارة ومعاشها إذ كلهم ينسحب عليهم حكم اإلمارة وامللك األعظم هو ينبوع جداوهلم. وأما ما دون ذلك من اخلدمة فسببها أن أكثر املرتفني يرتفع عن مباشرة حاجاته أو يكون عاجزًا عنها ملا ربِّي عليه من خلق التنعم والرتف فيتخذ من يتوىل ذلك له ويقطعه عليه أجراً من ماله وهذه احلالة غري حممودة حبسب الرجولية الطبيعية لإلنسان إذ الثقة بكل أحد عجز وألهنا تزيد يف الوظائف واخلرج وتدل على العجز واخلنث الذي ينبغي يف مذاهب الرجولية التنزه عنهما)(.)2 فكالم ابن خلدون يبني أن اخلدمة من شأن السلطان فقط ،وأما اخلدمة لسواه فهي نوع من الرتف وداللة النقص عند اإلنسان. ولكن كالم ابن خلدون يعكس واقعه فقط وال يعكس حقيقة علمية مطلقة القيود من الزمان واملكان ،فليس السلطان وحده حباجة إىل التفرغ للقيام مبصاحل جمتمعه ،فهناك املهن الكثرية اليت حيتاج اجملتمع ألعماهلم وجهدهم ووقتهم من أصحاب اخلربة واملختصني يف ميادين خمتلفة. نقص يف واألمر الثاني أنه ليس من الالزم أن يكون الرتفه عن بز ٍخ أو ٍ -1ابن خلدون :أبو زيد عبد الرمحن بن حممد ويل الدين ،ابن خلدون ،احلضرمي االشبيلي ،الفيلسوف املؤرخ ،العامل االجتماعي البحاثة .أصله من إشبيلية ،ومولده ومنشأه بتونس ،وتويف فجأة يف القاهرة 808هـ ،اشتهر بكتابه (العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ العرب والعجم والرببر) يف سبعة جملدات ،أوهلا (املقدمة) وهي تعد من أصول علم االجتماع. (األعالم للزركلي ( -ج 3ص .)330 -2ابن خلدون ،ويل الدين عبد الرمحن 808هـ (املقدمة) حتقيق عبد اهلل حممد درويش ،دمشق ،دار البلخي ،الطبعة األوىل 2004م ،ج 2ص.70 85 صاحبه ،فما املانع منه إذا كان بضوابطه الشرعية ،أمل يقل اخلالق عز ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ هّ َّ يَِ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ َّ َ ّ َ ّ الرز ِق} وجل{ :قل من حرم زِينة اللِ الت أخرج لِعِبادِه ِ والطيِب ِ ات مِن َِ َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ْ َ حَُ ّ ُ ْ َ َ َّ َ َ ّ ات ما أحل [األعراف ]32:وقال تعاىل{ :يا أيها ا ِين آمنوا ال ت ِرموا طيِب ِ ُهّ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ َّ َهّ َ ال حُيِ ُّ ب ال ْ ُم ْع َت ِد َ ين} [املائدة ،]87:أمل تكن الل لكم وال تعتدوا إِن الل اخلدمة يف بيوت النيب صلى اهلل عليه وسلم والصحابة رضي اهلل عنهم؟ إن إنكار دور اخلدمة يف اجملتمع وجعلها نقصاً هو جتنٍ رمبا الدافع إليه السخط على واق ٍع سيئ كان يعيشه العالمة ابن خلدون ،ولكن احلق أن اخلدمة يف البيوت حاجة اجتماعية. 86 الفصل الثاني عقد اخلدمة يف البيوت املبحث األول :أنواع عقد اخلدمة يف البيوت. املبحث الثاني :انعقاد عقد اخلدمة يف البيوت. املبحث الثالث :إهناء عقد اخلدمة. 87 املبحث األول أنواع عقد اخلدمة يف البيوت املطلب األول :عقد اخلدمة اخلاصة (إجارة عني). املطلب الثاني :عقد اخلدمة يف عمل معني (إجارة متعلقة بالذمة). املطلب الثالث :عقد اخلدمة يف عمل معني مرتبط بزمن. املطلب الرابع :اجلعالة يف عقد اخلدمة. 88 املبحث األول :أنواع عقد اخلدمة يف البيوت متهيد :عقد اخلدمة يف البيوت يتم حبسب احلاجة الدافعة له واملنفعة املقصودة منه على أشكال متعددة ،ويكون شكل اخلدمة املتعاقد عليها خمتلفاً بني حالة وأخرى ،كالتعاقد على حراسة منزل أو تنظيفه أو تعهد نباتاته بالرعاية أو األمور الثالثة جمتمعة ،أو العناية باألطفال فقط والقيام بشؤوهنم ،أو الطهي وتعهد املنزل وحجره بالرتتيب والتنظيف وإحضار حوائجه من السوق ،وغري ذلك من خدمة املنزل. وهذه العقود تضبط اخلدمة املقدمة فيها تارة بالزمن وتارة بعمل حمدد، كما قال العلماء( :اإلجارة على ضربني أحدمها أن يعقدها على مدة والثاني أن يعقدها على عمل)( .)1وقالوا( :جيوز استئجار اآلدمي بغري خالف بني أهل العلم ...كإجارة موسى عليه السالم نفسه مثاني حجج... والثاني استئجاره على عمل معني يف الذمة كاستئجار النيب صلى اهلل عليه وسلم وأبي بكر دليالً يدهلما على الطريق واستئجار رجل خلياطة قميص أو بناء حائط)(.)2 ويقول الشربيين«( :وهي» أي اإلجارة «قسمان» أحدمها إجارة «واردة على عني» أي على منفعة مرتبطة بعني «كإجارة العقار ودابة أو شخص» وقوله «معينني» صفة دابة أو شخص ...والقسم الثاني إجارة واردة «على الذمة كاستئجار دابة موصوفة» حلمل مثالً «وبأن يلزم ذمته» أي الشخص عمالً «خياط ًة أو بناءً» أو غري ذلك ويقول اآلخر قبلت أو اكرتيت(.)3 -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.253 -2املرجع السابق ج 5ص .266 -3الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.333 89 وميكننا أن نصنف كل هذه العقود يف أنواع: 1.1نوع يكون فيه التعاقد على اخلدمة منضبطة مبدة زمنية حمددة ويكون فيها األجر شهرياً أو سنوياً أو غري ذلك ويسمى هذا النوع عند العلماء (إجارة عني). 2.2نوع آخر يكون التعاقد على عمل ما ،ويستحق اخلادم األجرة مقابل تنفيذ ذلك العمل بغض النظر عن املدة الزمنية اليت يؤدى خالهلا، كالتعاقد مع اخلادم على تنظيف حُجَ ِر املنزل مقابل أجر معني سواء ن َّفذ عمله خالل يومني أو ثالث. 3.3والنوع الثالث من التعاقد على اخلدمة يكون تقييد اخلدمة فيه بالضابطني السابقني معاً ،ويكون على اخلادم أن يقدم خدمة حمددة يف فرتة زمنية معينة ،فال يستحق األجرة إال إذا نفذ العمل ضمن املدة املتفق عليها. 4.4اجلعالة :وهي مشارطة العامل على حتصيل منفعةٍ معينة مع جهالة يف العمل و الزمن ،وال يستحق العامل شيئاً إال إذا حتقق األمر املشروط، قال ابن قدامة( :ال بأس مبشارطة الطبيب على الربء ألن أبا سعيد ()1 حني رقى الرجل شارطه على الربء والصحيح -إن شاء اهلل -أن هذا جيوز لكن يكون جعالة ال إجارة فإن اإلجارة ال بد فيها من مدة أو عمل -1أبو سعيد اخلدري :سعد بن مالك بن سنان األنصاري اخلزرجي مشهور بكنيته استصغر بأحد وغزا ما بعدها روى عن النيب صلى اهلل عليه و سلم الكثري ،كان من أفقه أحداث الصحابة وقال اخلطيب كان من أفاضل الصحابة وحفظ حديثا كثريا و هو أحد الستة الذين بايعوا النيب صلى اهلل عليه وسلم على أال تأخذهم يف اهلل لومة الئم فاستقال السادس فأقاله، مات سنة أربع وسبعني(اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 3ص.)78 90 معلوم فأما اجلعالة فتجوز على عمل جمهول كرد اللقطة واآلبق وحديث أبي سعيد يف الرقية إمنا كان جعالة فيجوز ها هنا)(.)1 وميكن أن خيتص كل عقد اعتاده الناس بنوع من األنواع السابقة وقد يقبل العقد الواحد أكثر من شكل منها(.)2 -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص .314 -2املرجع السابق ج 5ص.253 91 املطلب األول :عقد اخلدمة اخلاصة (إجارة عني) ويقصد من هذا العقد أن حيبس اخلادم نفسه يف خدمة معينة جتاه املخدوم مقابل أجر حمدد ،وميتنع خالل اخلدمة عن ممارسة عمل غريه، يقول ابن قدامة( :وجيوز أن يستأجر خلدمته من خيدمه كل شه ٍر بشيء معلوم وسواء كان األجري رجال أو امرأة حرا أو عبدا)(.)1 يتصف هذا النوع من عقود اخلدمة: 1.1يستحق اخلادم األجر مقابل تسليم نفسه :ففي هذا النوع من اخلدمة يضع اخلادم نفسه يف اخلدمة مقابل أجرٍ ،وهذا األجر يستحقه مبجرد حبس نفسه على تلك اخلدمة ،سواء طلب منه املستخدم حاج ًة أم ال، يقول الكاساني( :يقام فيه تسليم النفس مقام االستيفاء كما يف أجري الوحد حتى لو سلم نفسه يف املدة ومل يعمل يستحق األجر)(.)2 2.2يستثنى من املدة اليت يلزم فيها باخلدمة :الصالة وحاجاته الطبيعية، فال حيتاج إلذن خمدومه حتى يستطيع أن يؤدي صالته ،أو حيصِّل حاجاته الطبيعية من طعام وشراب وغريها ،ألن هذه األمور ال حتتاج الشرتاط يف العقد ،وأوقاهتا مستثاة من أوقات اخلدمة أصالً ،أما أداء اخلادم للنوافل فأمر خمتلف فيه عند العلماء ،قال أمحد بن حنبل: (أجري املشاهرة يشهد األعياد واجلمعة وال يَشرتط ذلك قيل له فيتطوع بالركعتني قال ما مل يضر بصاحبه إمنا أباح له ذلك ألن أوقات الصالة مستثناة من اخلدمة وهلذا وقعت مستثناة يف حق املعتكف برتك معتكفه هلا)(.)3 -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.270 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص .175 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.270 92 3.3ال جتوز النيابة فيه لعام ٍل غريه :ألنه يتعني العامل املعقود عليه، وقد وقع العقد على خدمته بالذات ،ويف تغيري اخلادم بتوكيل غريه بكل اخلدمة أو بعضها خمالفة للعقد ،قال ابن قدامة( :فأما إن كانت اإلجارة على عبده يف مدة و غريها فمرض مل يقم غريه مقامه ألن اإلجارة وقعت على عمله بعينه ال على شيء يف ذمته وعمل غريه ليس معقودًا عليه)(.)1 من صور هذا النوع من اخلدمة: َّ الشغالة( :))2وتكون خدمتها مشتملة على 1.1خادمة منزل (وتسمى رعاية املنزل بتنظيفه وترتيبه وطهي الطعام وإحضار بعض حوائج البيت من السوق ،وغري ذلك من متطلبات البيت وأهله ،وختتلف هذه اخلدمات زيادة ونقصا وشكالً بني بيت وآخر ،فمن البيوت من يطلبون من اخلادمة اخلدمة الشخصية ألفراد املنزل ،ومن ربات املنازل من متنع اخلادمة من خمالطة أهل البيت أصالً ،ومنهم من حيدد ساعات العمل ،ومنهم من يطالب اخلادمة بعمل يف أي حلظة ليالً أو هناراً ،والقاسم املشرتك بني تلك األحوال أن اخلدمة املطلوبة هي قضاء حوائج البيت وأهله، قال اإلمام أمحد( :جيوز للرجل أن يستأجر األمة واحلرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر)(.)3 2.2تعليم األوالد :وكانوا يسمَّون قدمياً باملؤدبني ،وعملهم تلقني العلم لألوالد وتوجيههم ،حيث يلتقي املؤدب مع األوالد يف أوقات حمددة، -1املرجع السابق ج 5ص.267 -2الش َّغال :الكثري الشغل ومن يقوم بأي من أنواع العمل غري الصناعي مثل (شغالة الزراعة) .املعجم الوسيط ،مادة( : شغل) ج 1ص.486 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص .270 93 ويستحق أجراً مقابلها يقول الشربيين«( :ويقدر تعليم القرآن مبدة» كشهر)(.)1 وقد كثرت العناية هبذه النوع من اخلدمة يف وقتنا احلايل ،رمبا لكثرة العلوم يف عصرنا أو لضعف اهلمم يف التحصيل العلمي ،أو النشغال األبوين عن متابعة أبنائهم علمياً مما دفعهم لالستعانة مبعلمني يقومون على تلقني العلم لألوالد ومتابعة حتصيلهم العلمي ،على شكل حصص درسية يف املنزل ،وقد تلتزم املعلمة مبجرد مساعدة األوالد يف مراجعة دروسهم اليومية وكتابة واجباهتم البيتية من خالل زيارات يومية. 3 .3املربية :تسمى احلاضنة ،وعملها رعاية الصغار وخدمتهم وتربيتهم حتى يستطيعوا االعتماد على أنفسهم( ،)2وهذه اخلدمة مرتبطة برتبية األوالد ورعايتهم يف حاجاهتم الشخصية وال عالقة هلا بشؤون املنزل األخرى ،وهي خدمة جائزة يف الشرع ،قال الشافعية( :وتصح اإلجارة حلضانة ...وجه صحة اإلجارة على احلضانة أهنا نوع خدمة)(.)3 واالستئجار للحضانة واجب للطفل إن مل يوجد من يلزمه التطوع هبذه اخلدمة كاألم ،قال احلنابلة( :واحلاضنة اليت تربي الطفل مسيت به ألهنا تضم الطفل إىل حضنها وهي واجبة ألنه يهلك برتكه فوجب حفظه عن اهلالك كما جيب اإلنفاق عليه وإجناؤه من املهالك)(.)4 -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص .340 -2األنصاري ،أبو حييى زكريا بن حممد بن أمحد بن زكريا 926هـ (فتح الوهاب بشرح منهج الطالب) بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل1418هـ ج 2ص.212 -3البجريمي ،سليمان بن عمر بن حممد (التجريد لنفع العبيد) وهو( :حاشية البجريمي على شرح منهج الطالب) ديار بكر – تركيا ،املكتبة اإلسالمية ج 3ص.176 -4ابن مفلح ،أبو إسحاق إبراهيم بن حممد بن عبد اهلل احلنبلي884هـ (املبدع يف شرح املقنع) بريوت ،نشر املكتب اإلسالمي 1400هـ ج 8ص.230 94 4.4التمريض اخلاص :وهو نوع من أنواع اخلدمة ،حيتاجه املرضى واملقعدون وذوي االحتياجات اخلاصة ،فمثل هؤالء يضطرُّون إىل متريض دائم وهذا حيوجهم إىل خادم منقطع خلدمتهم إضافة لتمتعه خبربة طبيِّة ،من تقديم الدواء بوقته إضافة الستخدام بعض األدوات الطبية اليت تلزم املريض بشكل متكرر ،وال عالقة هلذه اخلدمة بشؤون املنزل األخرى ،قال ابن قدامة( :وجيوز أن يستأجر كحاالً ليكحل عينه ألنه عمل جائز وميكن تسليمه ،وحيتاج أن يقدر ذلك باملدة ألن العمل غري مضبوط فيقدر به ...وإذا استأجره مدة فكحله فيها فلم تربأ عينه استحق األجر)(.)1 5.5السائق :وخدمة السائق جاءت يف العصر احلديث بسبب كثافة االلتزامات امللقاة على عاتق األبوين مع تعقيد احلياة اليومية لألسرة، فرب األسرة غري متفرغ للقيام بتوصيل األبناء مثالً ملدارسهم البعيدة عن املنزل بعداً جيعل الصغار أحياناً عاجزين عن االعتماد على أنفسهم يف ذلك ،فال جيد األب عندها بداً من استخدام سائق يقوم على هذه اخلدمة وما يتبعها من تنقالت أفراد األسرة األخرى؛ كالتسوق أو التنزه أو غري ذلك ،سواء كان مضطرينً أو مرت ّفهني فيها ،ويكون السائق متفرغاً خلدمة أهل املنزل ،ليتمكن من تلبية مطالبهم طيلة مدة اإلجارة املتعاقد عليها. وخيتلف حكم هذه اخلدمة وفقاً للظروف اليت تالزمها أو تعرتضها، وسنتعرف على أحكامها يف الفصل الثالث من هذا البحث إن شاء اهلل تعاىل. -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص .314 95 6 .6البواب (حرس البيوت) :وهي خدمة تعين بأن يقوم البواب باحملافظة على أمن وراحة أهل البيوت مبراقبة الداخلني واخلارجني من املبنى، وإغالق األبواب يف أوقات حمددة ،ويضاف غالباً لتلك اخلدمة مهمة العناية بنظافة مدخل البناء وممراته. ويعد البواب مشغوالً يف هذه اخلدمة طيلة مدة العقد وال يستطيع أن جيمع معها عمالً آخر. 7 .7املؤنسة :وهي خدمة ذكرها العلماء يف كتبهم ،والغاية منها دفع الوحشة عن الزوجة يف غيبة زوجها ،وعدها العلماء من النفقة الواجبة على الزوج إذا احتاجت الزوجة لذلك ،وال يطلب من اخلادمة سوى إيناس ربة املنزل بوجودها معها يف البيت ،يقول العلماء( :وتلزمه مؤنسة حلاجة كخوف مكاهنا وعدو ختاف على نفسها منه ألنه ليس من املعاشرة باملعروف إقامتها مبكان ال تأمن فيه على نفسها)(.)1 ولزوم املؤنسة لدفع الوحشة عن الزوجة قال به مجهور العلماء( )2إال الشافعية وبعض احلنفية وحجتهم يف ذلك أن املسكن الذي ال تأمن فيه الزوجة ليس مسكناً شرعياً أصالً وجيب على الزوج إبداله مبسكن آخر تأمن فيه ،قال الشافعية( :ال جيب عليه أن يأتي هلا مبؤنسة حيث أمنت على نفسها فلو مل تأمن أبدل هلا املسكن مبا تأمن على نفسها -1ابن ضويان ،إبراهيم بن حممد بن سامل 1353هـ (منار السبيل يف شرح الدليل) حتقيق عصام القلعجي ،الرياض ،مكتبة املعارف ،الطبعة الثانية 1405هــ ،ج 2ص.267 -2ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 3ص .602النفراوي ،أمحد بن غنيم بن سامل املالكي1125هـ (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القريواني) بريوت ،دار الفكر 1415هـ ،ج 2ص ،22البهوتي (الروض املربع) ج3 ص.227 96 فيه( ،)1وقال احلصكفي()2من احلنفية( :وال يلزمه إتياهنا مبؤنسة ويأمره بإسكاهنا بني جريان صاحلني حبيث ال تستوحش ...ومفاده أن البيت بال جريان ليس مسكنا شرعيا ...وظاهره وجوهبا لو البيت خاليًا عن اجلريان السيما إذا خشيت على عقلها من سعته قلت لكن نظر فيه «الشرنباليل( »)3مبا مر أن ما ال جريان له غري مسكن شرعي)(.)4 وبالنتيجة أن العلماء متفقون على أن الرجل إذا أمكن أن يُسكن زوجته يف مكان ال تستوحش فيه فال يُلزم مبؤنسة ،وإال فاجلمهور يوجبها عليه ولو مع وجود اجلريان وهذا خيتلف بني حال وأخرى ،كما ذكر ابن عابدين ()5 حيث قال( :فاحلاصل أن اإلفتاء بلزوم املؤنسة وعدمه خيتلف باختالف املساكن ولو مع وجود اجلريان)( ،)6وهو احلكم الذي يبدو يل رجحانه. 8.8املرضعة :مهمتها هي إرضاع الطفل ،و خدمته فرتة الرضاع فقط يف ْ حاجاته من تنظيف وترتيب ،وتفقده يف يقظته ونومه ،قال تعاىلِ{ :إَون َ َ ُّ ْ َ َ ْ رَ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ ك ْم إ َذا َس َّل ْم ُتم َّمآ آتَيْتمُ ضعوا أوالدكم فال جناح علي أردتم أن تست ِ ِ ْ ْ َ ُ وف} [البقرة.]233: بِالمعر ِ واملرضعة إما متفرغة للرضيع يف بيت أبيه وإما أن تشرتط أن ترضعه يف -1الدمياطي ،أبو بكر السيد البكري بن السيد حممد شطا (حاشية إعانة الطالبني على حل ألفاظ فتح املعني) بريوت، دار الفكر ،ج 4ص.73 -2عالء الدين احلصكفي :حممد بن علي بن حممد احلصين ،مفيت احلنفية يف دمشق ،مولده ووفاته فيها ،كان فاضال عايل اهلمة ،عاكفا على التدريس واالفادة ،من كتبه( :الدر املختار يف شرح تنوير االبصار) يف فقه احلنفية ،و(إفاضة االنوار على أصول املنار) أصول ،و(شرح قطر الندى) يف النحو ،تويف 1088هـ( .األعالم للزركلي ( -ج 6ص .)294 -3الشرنباليل :أبو االخالص حسن بن عمار بن يوسف الوفائي املصري الشُرُنبُاليل ،احلنفي الفقيه األصويل تويف مبصر سنة 1069هـ من تصانيفه نور اإليضاح ،ومراقي السعادات ،وشرح درراحلكام( .هدية العارفني يف أمساء املؤلفني وآثار املصنفني .)330 / 1( - -4احلصكفي( ،الدر املختار شرح تنوير األبصار) ج 3ص.602 -5ابن عابدين :حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي ،فقيه الديار الشامية وإمام احلنفية يف عصره، مولده يف دمشق ووفاته هبا سنة 1252هـ ،له (رد احملتار على الدر املختار) يف الفقه يعرف حباشية ابن عابدين ،وله كتب يف األصول والبالغة والتفسري وغريها(.األعالم للزركلي(ج 6ص.)42 -6ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 3ص.602 97 بيتها وذلك حبسب اتفاق الطرفني ،وتكون يف احلالة األوىل مقيمة مع أهل املنزل. وبإمكاننا القول بأن هذه اخلدمة صارت يف زمننا معدومة بسبب ما توفر من وسائل اإلرضاع احلديثة. ما يثبت هبذا النوع من العقود: يثبت مبقتضى هذا النوع من العقود حبس اخلادم نفسه يف اخلدمة املتعاقد عليها طيلة فرتة العقد ،ليقوم بالواجبات اليت متليها عليه هذه اخلدمة ،فوقته خالل تلك الفرتة ملك للمخدوم ال يستطيع أن يقوم بعمل غري تلك اخلدمة إال بإذن ،ويستثنى من وقت اخلدمة حتصيله حلاجاته الطبيعية من أكل وشرب وغريها ،أو صالته. وليس بإمكانه العمل خالهلا جلهة أخرى ،كما أنه ليس له أن يوكل غريه بالقيام باخلدمة املرتتبة عليه ،ألن العقد يلزمه شخصياً القيام به ،قال الشافعية( :ولو قال «شخص آلخر» استأجرتك لتعمل «يل» كذا فإجارة عني» يف األصح لإلضافة إىل املخاطب)(.)1 كما يثبت للخادم األجر كامالً جبرد حبس نفسه للخدمة طيلة مدة العقد، سواء ُطلبت منه خدم ٌة أم ال ،قال الكاساني( :لو سلم نفسه يف املدة ومل يعمل يستحق األجر)(.)2 -1الشربيين (مغين احملتاج) ج2ص.334 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص .175 98 املطلب الثاني :عقد اخلدمة يف عمل معني (إجارة متعلقة بالذمة) وهو تعاقد بني الطرفني على أن يقدم اخلادم عمالً معيناً مقابل أجر حمدد ،ويكون اخلادم غري ملزم أن يقدم عمله ضمن فرتة زمنية حمددة، وبالتايل ال يستطيع املستخدِم أن حيبسه على أداء عمله ،وبإمكان اخلادم أن يتعاقد على خدمةٍ غريها مع مستخدِم آخر ما مل تؤثر على اخلدمة األوىل. وهذه اخلدمة الطارئة يف البيت أقل أخطاراً وسلبيات على البيت املسلم من النوع األول (أي إجارة العني) لقلة احتكاك اخلادم مع أهل البيت، ولكنها مع ذلك رمبا تنطوي على بعض تلك الشرور. يتصف هذا النوع من عقود اخلدمة: 1.1يلزم يف اخلادم بتقديم املنفعة املتعاقد عليها غري مقرتنة بزمن، فسواء قام عامل التنظيف بتنظيف املنزل بيوم أو يومني ،أو بساعتني أو ثالث ،فهو غري ملزم بزمن معني. 2.2يستطيع اخلادم أن حيصِّل اخلدمة بنفسه أو بغريه ألن العقد وقع على ذات اخلدمة ال على شخص اخلادم ،قال الشربيين«( :إجارة» ذمة «نظرًا إىل املعنى ألن املقصود حصول العمل من جهة املخاطب فكأنه قال استحقيت كذا عليك فله حتصيله بغريه وبنفسه)( ،)1وقال( :خبالف إجارة الذمة ألن األجري فيها ميكنه حتصيل العمل بغريه)(.)2 -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص .334 -2املرجع السابق ج 2ص .9 99 3.3ال يستحق اخلادم األجر مبرور الزمن ،ولكن يستحقها بتمام حتصيل اخلدمة. 4.4جيب على اخلادم أن ينيب غريه عند مرضه أو عجزه عن أداء اخلدمة بنفسه ألنه حق تعلق بذمته فوجب عليه حتقيقه بنفسه أو بغريه، يقول ابن قدامة( :فمتى كانت على عمل يف ذمته فمرض وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله ألنه حق وجب يف ذمته فوجب عليه إيفاؤه)(.)1 ومن أمثلة هذه اخلدمة: 1 .1عامل تنظيف املنازل :يقوم رب املنزل بطلب هذه اخلدمة عندما حيتاج املنزل للتنظيف يف موعد حمدد مقابل أج ٍر معنيٍ ،ويستغرق تنفيذ تلك اخلدمة وقتا قد يطول أو يقصر ،واجلهة املتعاقد معها هي اليت حتدد العامل أو العاملة أو جمموعة عمال. وهذه اخلدمة حتتاجها ربة املنزل يف الغالب عندما يكون بيتها واسعاً أو عندما تنشغل بوظيفة أو عمل خارج البيت. 2 .2متريض (عام) :يقوم املمرض بزيارة املريض ملرة أو مرات لفرتة تطول أو تقصر ،الغرض منها تقديم خدمة معينة للمريض حتتاج خلربة طبية (كحقنٍ وريديةٍ ،أو سحب دم إلجراء حتاليل طبية مثالً) مقابل أجر حمدد يستحقه مبجرد إمتامه لعمله. وهو غري حمتبس على خدمة ذلك املريض ،ولكنه يزور املريض كلما احتاج للخدمة. -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.267 100 3.3بستاني املنزل :عمله تفقد أزهار ومزروعات حديقة املنزل ،وتقديم ما حتتاجه من الرعاية ،وهو غري ملزم بساعات عمل حمدد وال زيارات معينة ولكن يقوم بزيارة حديقة املنزل حبسب احلاجة. وعمله هذا ال مينعه من أن يتعاقد على هذه اخلدمة مع جهات أخرى. 4.4إصالح األعطال (املنزلية) :كالتعاقد مع ورشة صيانة املصاعد الكهربائية ،أو صيانة أجهزة التدفئة والتكييف ،ويكون التعاقد معها إما على أجر شهري مقابل زيارات دورية للصيانة واإلصالح ،ورمبا ال حتضر تلك الورش إال عند حصول عطل ما وعندها تستحق أجراً مستقالً عند كل زيارة إصالح. وبالطبع فمثل هذه الورش ال ترتبط بالعمل جبهة حمددة ولكن بإمكاهنا أن ترتبط بالعمل مع جهات متعددة. ما يثبت هبذا النوع من العقود: يثبت هبذا النوع من عقود اخلدمة كامل األجر للخادم بإمتامه العمل املتعاقد عليه بغض النظر عن املدة اليت يستغرقها إهناء هذا العمل. كما يثبت للمخدوم حق استيفاء كامل املنفعة املتعاقد عليها ،واخلادم ملزم بتحقيق اخلدمة سواء بنفسه أو بغريه. 101 املطلب الثالث :عقد اخلدمة يف عمل معني مرتبط بزمن يلتزم اخلادم من خالل هذا النوع من التعاقد بضابطني معاً العمل والزمن، فيتعاقد رب املنزل مع اخلادم على أن يقدم له خدمة منزلية معينة خالل فرتة حمددة من الزمن ،كأن يطلب من عامل التنظيف أن ينظف له غرف املنزل خالل يوم واحد فقط. يتصف هذا النوع من عقود اخلدمة: 1.1أن العامل ملزم بتقديم خدمة حمددة يف فرتة زمنية معينة ،فأن مل يتم عمله يف الفرتة املتفق عليها مل يستحق أجرته املتفق عليها. 2.2ال يستطيع أن يعمل جلهة أخرى غري املتعاقد معها ألنه حبس نفسه لصاحل اخلدمة اليت تعاقد عليها. 3.3ال يلزم بتأدية اخلدمة بنفسه إال إذا شُرطت يف العقد أو كانت طبيعة اخلدمة تقتضي ذلك. وقد اختلف العلماء يف جواز هذا النوع من العقود :على مذاهب ثالثة: أوالً :القائلون بعدم اجلواز :وهم علماء الشافعية وأبو حنيفة وأقره ابن قدامة من احلنابلة ،ألن اجلمع بني العمل واملدة فيه غرر وهو مفسد للعقد فقد يفرغ اخلادم من العمل قبل انقضاء املدة ،وقد ال يتمّ العمل يف املدة احملددة ،يقول ابن قدامة( :ومتى تقدّرت املدة مل جيز تقدير العمل وهبذا قال أبو حنيفة والشافعي ألن اجلمع بينهما يزيدها غررًا ،ألنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء املدة ،فإن استعمل يف بقية املدة فقد زاد على ما وقع عليه العقد ،وإن مل يعمل كان تاركا للعمل يف بعض املدة وقد ال 102 يفرغ من العمل يف املدة ،فإن أمته عمل يف غري املدة ،وإن مل يعمله مل يأت مبا وقع عليه العقد ،وهذا غرر أمكن التحرز عنه ومل يوجد مثله يف حمل الوفاق فلم جيز العقد معه)(.)1 وقال الشافعية( :فلو مجعهما «أي الزمان والعمل» فاستأجره «أي شخصا» ليخيطه «أي الثوب» بياض النهار مل يصح يف األصح )( ،)2و قال الكاساني من احلنفية( :أن اإلجارة فاسدة يف قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف وحممد جائزة وعلى هذا اخلالف إذا استأجر الدابة إىل الكوفة أياما مسماة فاإلجارة فاسدة عنده وعندمها جائزة)(.)3 ثانياً :أما القائلني باجلواز :فهم احلنابلة والصاحبني من احلنفية ،فروي عن أمحد( :فيمن اكرتى دابة إىل موضع على أن يدخله يف ثالث فدخله يف ست فقال :قد أضر به فقيل :يرجع عليه بالقيمة؟ قال :ال يصاحله. وهذا يدل على جواز تقديرمها مجيعًا وهو قول أبي يوسف وحممد بن احلسن)(.)4 ودليل جواز العقد على العمل والزمن يف اخلدمة هو عدم وجود الغرر، ألن املعقود عليه هو العمل فقط وإمنا ذكر الزمن للتعجيل ،حيث ذكر احلنابلة( :ألن اإلجارة معقودة على العمل ،واملدة مذكورة للتعجيل فال ميتنع ذلك ،فعلى هذا إذا فرغ العمل قبل انقضاء املدة مل يلزمه العمل يف بقيتها ،ألنه وفى ما عليه قبل مدته فلم يلزمه شيء آخر ،كما لو قضى الدين قبل أجله ،وإن مضت املدة قبل العمل فللمستأجر فسخ اإلجارة ألن األجري مل يف له بشرطه ،وإن رضي بالبقاء عليه مل ميلك األجري الفسخ -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص .253 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.341 -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص .185 -4ابن قدامة (املغين) ج 5ص .253 103 ألن اإلخالل بالشرط منه فال يكون ذلك وسيلة له إىل الفسخ ...فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل ال غري ...وإن فسخ العقد قبل عمل شيء من العمل سقط األجر والعمل ،وإن كان بعد عمل شيء منه فله أجر مثله ألن العقد قد انفسخ فسقط املسمى ورجع إىل أجر املثل)(.)1 وقد اختلف يف ذلك اإلمام أمحد عن الصاحبني من وجه ،حيث أعطى املستأجر خيار الفسخ بينما مل يعط الصاحبني خيار الفسخ للمستأجر وإمنا أثبتوا للعامل أجر مثله وليس األجر املسمى ،قال الكاساني( :فإن فرغ منه قبل متام املدة أي اليوم فله كمال األجر وإن مل يفرغ منه يف اليوم فعليه أن يعمله يف الغد ...ثم إن وفى بالشرط أخذ املسمى وإن مل يف به فله أجر مثله ال يزاد على ما شرطه)(.)2 ثالثاً :وقال املالكية بالتفصيل :حيث قالوا إن كان الزمن احملدد ال يتسع للعمل املتفق عليه فالعقد غري جائز ،وإن كان الزمن يتسع هلذا العمل جاز العقد ،واختلفوا يف ترجيح املتساوي فقالوا( :أن الزمن الذي قيدت به اإلجارة إن كان أوسع من العمل بكثري فال خيتلف يف اجلواز وإن كان أضيق بكثري فال خيتلف يف املنع وإن كان الزمن مساويا ملقدار العمل ففيه قوالن اختلف الشيوخ يف تعيني املشهور منها)(.)3 لزم من هذا التفصيل عندهم أن العقد إن كان جائزاً -أي يف الزمن الواسع وقول يف املساوي -استحق العامل أجره املتفق عليه ،وإن إن كان العقد فاسدا -أي يف الضيق وقول يف املساوي -استحق أجر مثله ،وبينوا ذلك بقوهلم( :فعلى القول بأن ذلك ال جيوز يكون لألجري إن فاتت اإلجارة بالعمل أجرة مثله بالغة ما بلغت على تعجيلها أو تأخريها. -1املرجع السابق ج 5ص.253 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص .185 -3احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.410 104 فأما على القول بأن ذلك جائز فإن فرغ منه يف اليوم الذي مسى كانت له اإلجارة املسماة ،وإن مل يفرغ منه إال بعد ذلك كانت له إجارته على غري التعجيل ،ألن املستأجر إمنا رضي به من األجرة على التعجيل فإذا أعطاه ذلك مل ينبغ أن يأخذ ماله باطال انتهى)(.)1 واخلالصة :أن الذي يظهر أن أصحاب القول الثاني اجمليزين قالوا إن املقصود من هذا العقد هو العمل فقط ،وأما ذكر الزمن فهو الشرتاط التعجيل يف العمل ،وإن تأخر إمتام العمل فهو إخالل بالشرط يعطي املستأجر اخليار بالفسخ أو اإلمضاء كتخلف أي شرط صحيح مقرتن بالعقد. والذي يبدو يل رجحان هذا املذهب لكونه أعمل القواعد األساسية للعقد يف الفقه اإلسالمي وهذا ما أشار إليه بعض الشافعية بقوهلم( :أنه لو قصد التقدير بالعمل وذكر اليوم أي شرطه للتعجيل فينبغي أن يصح... إذ املدة مذكورة للتعجيل فال تورث الفساد)(.)2 ولذا أرى أن مذهب اإلمام أمحد يف هذه املسألة أرجح ،وفيه توسعة على الناس يف معامالهتم ،وأحفظ حلق املستخدم الذي مل حيصل على اخلدمة يف وقت حاجته هلا ،ويف إلزامه بإمتام العقد مع التأخري –كما يقول الصاحبان من احلنفية– إجحاف حبقه. صور هذا العقد: هناك صور كثرية هلذا النوع من التعاقد يف خدمة البيوت ،حيث جند نفس -1املرجع السابق ج 5ص.411 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.341 105 اخلدمات املوجودة يف التعاقد على عمل متعلق يف الذمة ،ولكن يدخلها حتديد الزمن كشرط إضايف ،مثل عمال تنظيف املنزل أو عامل إصالح أعطال املنزلية إذا كانت خدماهتم مضبوطة بالعمل والزمن يف آن واحد. ما يثبت هبذا النوع من العقود: يُلزم اخلادم بتقديم اخلدمة املتعاقد عليها ضمن الزمن احملدد. يَلزم املخدوم تقديم األجر املتفق عليه إذا حصَّل املنفعة ضمن املدة املتفق عليها. إذا مضت املدة ومل يتم اخلادم العمل فاملخدوم باخليار إن شاء فسخ العقد ويدفع أجر املثل ملا مت حتصيله من منفعة ،وإذ شاء أمت العمل. 106 املطلب الرابع :اجلعالة يف عقد اخلدمة وقد يأخذ عقد اخلدمة يف املنزل شكل اجلعالة ،كمشارطة املمرض على الربء من املرض ،أو مشارطة معلم األوالد على حفظ القرآن مثالً. ويقصد من هذا العقد حتصيل منفعة معينة بغض النظر عن العمل أو الوقت الذي حيتاجه ذلك التحصيل ،قال ابن قدامة( :فأما إن شارطه على الربء فإنه يكون جعالة فال يستحق شيئا حتى يوجد الربء سواء وجد قريبًا أو بعيدًا)(.)1 وقد مر سابقاً حكم اجلعالة عند العلماء( ،)2مع بيان أدلتهم اليت اعتمدوا عليها ،وبينت عندها ترجيح مذهب اجلمهور يف جواز العمل باجلعالة يف عقد اخلدمة. يتميز هذا النوع من العقود عن غريه من عقود اخلدمة مبا يأتي: إن عقد اجلعالة غري الزم فيصح للعامل الفسخ متى شاء ،خبالف عقود اخلدمة السابقة فهي ملزمة لكل من الطرفني جتاه اآلخر. إذا فسخ العامل العقد قبل متام العمل سقط كل العوض ،وال قيمة ملا قدم من عمل. ال يستحق العامل اجلعل إال بعد متام العمل ،وال حيق له املطالبة بتعجيل اجلعل. للعامل أن يستعني بغريه إال أن يشرتط عليه املتعاقد أن يقوم على العمل بنفسه. وإن فسخ اجلاعل العقد بعد العمل استحق اخلادم األجر ،قال ابن قدامة: -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص .314 -2ص 39 107 (لو عمل العامل يف اجلعالة ثم فسخ العقد وإن امتنع ألمر من جهة الكحال أو غري اجلاعل فال شيء له وإن فسخ اجلاعل اجلعالة بعد عمل الكحال فعليه أجر عمله فإن فسخ الكحال فال شيء له ألهنا جعالة فثبت فيها ما ذكرناه)(.)1 من صور هذا العقد: التعاقد مع طبيب على املعاجلة حتى الشفاء :فإن شُفي املريض -بإذن اهلل -استحق الطبيب اجلعالة املشروطة وإال مل يستحق شيئاً ،يقول ابن قدامة( :ال بأس مبشارطة الطبيب على الربء ألن أبا سعيد حني رقى الرجل شارطه على الربء ،والصحيح -إن شاء اهلل -أن هذا جيوز لكن يكون جعالة ال إجارة ،فإن اإلجارة ال بد فيها من مدة أو عمل معلوم ،فأما اجلعالة فتجوز على عمل جمهول كرد اللقطة واآلبق ،وحديث أبي سعيد يف الرقية إمنا كان جعالة فيجوز هاهنا)(.)2 وكالتعاقد مع املعلم على حفظ الولد القرآن أو حتصيله شهادة معينة أو تعليمه منهاج مرحلة صفية بشرط جناحه ،فإن حصل الشرط من حفظ القرآن أو النجاح أو حتصيل الشهادة احملددة استحق املعلم األجر اجملاعل عليه. ويثبت هبذا التعاقد: يثبت اجلعل املتفق عليه للخادم بتمام حتصيل املنفعة املتفق عليها. وال يُلزم اخلادم بإمتام العقد وله الفسخ متى شاء ،ألن عقد اجلعالة ال يُل ِزم إال طرف اجملاعل. -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص .314 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص .314 108 املبحث الثاني انعقاد عقد اخلدمة يف البيوت املطلب األول :أركان عقد اخلدمة. املطلب الثاني :شروط عقد اخلدمة. املطلب الثالث :ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة. 109 املبحث الثاني :انعقاد عقد اخلدمة ال بد يف عقد اخلدمة حتى ينعقد من توفر مقوماتٍ أساسيةٍ؛ من عاقدين وصيغة عقد معينة وخدمة حمددة ،ولكل من هذه املقومات شروط ال يستغنى عنها. ومن ثمَّ ختتلف النتائج املرتتبة على وقوع العقد حسب توفر تلك املقومات والشروط. ويكون عقد اخلدمة يف البيوت يف صورته الغالبة وجهاً من وجوه اإلجارة وحالة من أحواهلا وال يشذ عنها إال يف اجلعالة كحالة استثنائية من أحوال اخلدمة؛ لذلك سنتعامل معها كعقد إجارة ثم نلمح إىل بعض الفوارق إذا كانت اخلدمة جعالة. وفيما يأتي منر على أركان عقد اخلدمة مع التعرف على حقيقة هذه األركان وظروفها ،ثم ننتقل للكالم على شروط عقد اخلدمة ،وبعدها نتعرف على النتائج املرتتبة على وقوع عقد اخلدمة سواء كان صحيحاً أم فاسداً. 110 املطلب األول :أركان عقد اخلدمة األركان وهي املقومات األساسية لعقد اخلدمة إذا َفقد منها شيئاً حكم على العقد بالبطالن والعدم وكان لغواً من الكالم ال يرتتب عليه شيء ،وقد اختلف العلماء يف حتديد تلك األركان على مذهبني: املذهب األول جيعل العقد منحصراً يف ركن واحد وهو الصيغة ،وما تبقى من مقومات أخرى للعقد فهي عبارة عن شروط ملحقة بالصيغة وهذا مذهب علماء احلنفية. الثاني وهو مذهب اجلمهور( )1الذي يعد األركان أربعة :العاقدان والصيغة واملنفعة املتعاقد عليها (وهي اخلدمة املتفق عليها) والعوض املبذول مقابل املنفعة. وسأ ِّتبع طريقة اجلمهور يف تقسيم األركان ألهنا أسهل يف عرض مقومات العقد. الركن األول :العاقدان العاقدان يف عقد اخلدمة مها اللذان يتفقان على أن يبذل أحدمها اخلدمة احملددة بنفسه أو بغريه مقابل عوض يبذله العاقد الثاني. والبد من توافر شروط حمددة يف العاقدين حتى يقبل التعاقد بينهما ويعد ملزماً لكال الطرفني وترتتب عليه نتائجه ،وهذه الشروط هي: .أاإلسالم: هل يشرتط يف اخلادم أو املخدوم أن يكونا مسلمني ليصح عقد اخلدمة؟ أما اشرتاط إسالم املخدوم فهو حبسب نوع اخلدمة ،فإن كانت اخلدمة -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص .389الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.333 111 متعلق ًة بالذمة فهي جائزة عند مجهور الفقهاء( ،)1وقد مر أمثلة هذا النوع من اخلدمة سابقاً(.)2 وإذا كانت اخلدمة متعلقة بعني اخلادم فقد اختلف فيها العلماء على مذاهب: األول :الصحة مع الكراهة وقال بذلك الشافعية واحلنفية ،ودليلهم على ذلك أن عقد اخلدمة عقد معاوضة تامُّ األركان فهو عقد صحيح ،ولكن الكراهة فيه لكون اخلدمة تتضمن إذالالً للمسلم حببسه نفسه على خدمة كافر ،قال الشافعية( :فيصح من الكافر استئجار املسلم كما يف قصة علي رضي اهلل تعاىل عنه إجارة ذمة وكذا إجارة عني على األصح مع الكراهة كما نص عليه الشافعي رضي اهلل تعاىل عنه لكن يؤمر بإزالة ملكه عن املنافع على األصح ..بأن يؤجره ملسلم)( .)3وكذلك قال احلنفية( :ولو استأجر ذمي مسلما ليخدمه ذكر يف األصل أنه جيوز وأكره للمسلم خدمة الذمي أما الكراهة فألن االستخدام استذالل فكان إجارة املسلم نفسه منه إذالالً لنفسه وليس للمسلم أن يذل نفسه خصوصا خبدمة الكافر وأما اجلواز فألنه عقد معاوضة فيجوز كالبيع)(.)4 واملذهب الثاني :عدم اجلواز مطلقاً وهو مذهب احلنابلة ،ودليلهم على ذلك أن فيه حبساً للمسلم عند الكافر وإذالالً له فبهذا خيتلف عن إجارة الذمة ،قال ابن قدامة( :وال جتوز إجارة املسلم للذمي خلدمته نص عليه أمحد ...فقال إن أجر نفسه من الذمي يف خدمته مل جيز وإن كان يف عمل -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص .189الدردير (الشرح الكبري) ج 4ص .19الشربيين (مغين احملتاج) ج2ص .333ابن قدامة (املغين) ج 5ص.322 -2ص.93 -3الشربيين (مغين احملتاج) ج2ص.333 -4الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.189 112 شيء جاز ،وهذا أحد قويل الشافعي وقال يف اآلخر جتوز ألنه جتوز له إجارة نفسه يف غري اخلدمة فجاز فيها كإجارته من املسلم. ولنا إنه عقد يتضمن حبس املسلم عند الكافر وإذالله له ،واستخدامه أشبه البيع حيققه أن عقد اإلجارة للخدمة يتعني فيه حبسه مدة اإلجارة واستخدامه والبيع ال يتعني فيه ذلك فإذا منع منه فألن مينع من اإلجارة أوىل فأما إن أجر نفسه منه يف عمل معني يف الذمة كخياطة ثوب وقصارته جاز بغري خالف نعلمه ألن عليا رضي اهلل عنه أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة وأخرب النيب صلى اهلل عليه وسلم بذلك فلم ينكره وكذلك األنصاري وألنه عقد معاوضة ال يتضمن إذالل املسلم وألن استخدامه أشبه مبايعته)(.)1 والثالث قول املالكية :التفريق بني أن تكون اخلدمة املتعاقد عليها حتت يد املخدوم ويغيب يف بيته وحكمها التحريم ،وإما أن تكون اخلدمة املتعاقد عليها ال يغيب فيها اخلادم يف بيت املخدوم فحكمها الكراهة ،قال املالكية: (يكره للمسلم أن يكري عبده أو نفسه أو ولده لكافر حيث كان الكافر يستبد بعمل املسلم ومل يكن حتت يده ومل يكره يف فعل حمرم فإن مل يستبد الكافر يعمل املسلم كخياط يرد عليه املسلم والكافر فيجوز وإن كان حتت يده كأجري خدمة بيته وظئر حرم وفسخت وله أجرة ما عمل(.)2 ودليلهم أن اخلدمة اليت يغيب فيها اخلادم املسلم يف بيت املخدوم غري َ َ جَ ْ َ ُهّ {ولن ي َعل الل املسلم يكون فيها استيالء للكافر على املسلم وقال تعاىل: َ لَىَ ْ ُ ْ َ َ ً ْ اَ ِّ ل ِلكف ِِرين ع المؤ ِمنِني سبِيال} [النساء ،]141:وملا متكن من إهانة املسلم -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص .322 -2الدردير (الشرح الكبري) ج 4ص.19 113 وإذايته ،وملا فيه من فتنة املسلم عن دينه واحتمال وقوعه يف احملرمات وإضاعته للطاعات ،واستدل املالكية بقوهلم( :إجارة العبد املسلم للكافر مكروهة فإمنا ذلك إذا مل يغب عليه وأما إن كان يغيب عليه يف بيته فال جيوز ملا يف ذلك من املفاسد منها استيالء الكافر على املسلمني وإهانتهم َ لَىَ َ َ جَ ْ َ َ ُهّ ْ اَ والتمكن من إذايتهم وقد قال اهلل تعاىل{ :ولن يعل الل ل ِلكف ِِرين ع ُْ ْ َ َ ً المؤ ِمنِني سبِيال} ومنها ما خيشى أهنم يفتنوهنم عن دينهم والعياذ باهلل لتمكنهم منهم ومنها رمبا أطعموهم شيئا من احملرمات كاخلمر واخلنزير ومنها أهنم مينعوهنم من الواجبات ومنها ما خيشى من وطء اإلماء فإن وقعت اإلجارة على الصفة املذكورة فسخت)(.)1 فمثال اخلدمة اليت يغيب فيها اخلادم يف بيت املخدوم غري املسلم شغاالت البيوت ،واالستذالل يف هذه اخلدمة واضح إضافة إىل أهنن رمبا أكرهن من قبل أهل البيت على فعل احلرام من تقديم مسكر أو تناول طعا ٍم حمر ٍم ،وعدم اجلواز فيه ظاهر بيّن. وأما مثال اخلدمة اليت ال يغيب فيها اخلادم يف بيت املخدوم غري املسلم خدمة البواب فمخالطته ألهل املنزل قليلة ويستطيع أن يتحاشى مواقف الذل وخدمتهم يف احملرمات. وملّا احتج مذهب املالكية باآلية الكرمية وبسدِّ ذريعةِ الفتنةِ للمسل ِم وخاصة يف زماننا الذي ضعف فيه اإلميان وعظمت فيه الفنت على املسلم؛ لذلك أرى رجحان هذا املذهب واشرتاط إسالم املخدوم إذا كان اخلادم مسلماً يف هذا النوع من اخلدمة. -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.418 114 أما اشرتاط إسالم اخلادم فسار العلماء يف هذه املسألة على مذاهب: 1.1فمنهم من فرق بني اخلدمة الظاهرة واخلدمة الباطنة فمنع الباطنة وأجاز الظاهرة ،وهم الشافعية حيث قلوا( :وال بذمية ملسلمة إذ ال تؤمن عداوهتا الدينية ولتحريم النظر ...وهذا يف اخلدمة الباطنة أما الظاهرة كقضاء احلوائج من السوق فيتوالها الرجال وغريهم)(.)1 2.2ومنهم من فرق بني اخلدمة املتعلقة بأمور الدين فمنعها ،واخلدمة غري املتعلقة بأمور الدين فأباحها ،وهم احلنفية حيث قالوا( :وإن استأجر املسلم ذميًا أو مستأمنًا خلدمته كان جائزًا ،ولكن ال ينبغي أن يستخدمه يف أمور دينه من أمر الطهور وحنوه فرمبا ال يؤدي األمانة)(.)2 3.3ومنهم من أباحها مطلقاً وهو ظاهر كالم املالكية( )3وأصح الوجهني عند احلنابلة فقالوا( :وهل جيوز أن يكون من أهل الكتاب فيه وجهان، الصحيح منهما جوازه ألن استخدامهم مباح وقد ذكرنا فيما مضى أن الصحيح إباحة النظر هلم ،والثاني ال جيوز ألن يف إباحة نظرهم اختالفا وتعافهم النفس و ال يتنظفون من النجاسة )(.)4 4.4ومنهم من منعها مطلقاً وهو قول عند احلنابلة كما يف النص السابق. من خالل سرد هذه املذاهب نرى أن مذهب الشافعية فرق بني اخلدمة الظاهرة واخلدمة الباطنة وهذا تقسيم جيد لكون املفاسد املذكورة عند املذاهب األخرى حمصورة يف اخلدمة الباطنة كاملربية مثالً أما الظاهرة كالبواب فهي بعيدة عن هذه املفاسد بشكل عام ،إضافة إىل أن إطالق اإلباحة وغض النظر عن األخطار املذكورة سابقاً وعدم سد ذريعتها -1الشربيين (مغين احملتاج) ج3ص.433 -2السرخسي (املبسوط) ج 16ص.56 -3الدردير (الشرح الكبري) ج 4ص.18 -4ابن قدامة (املغين) ج 8ص.160 115 وجتاهلها يعد إضاعة لبيوت اجملتمع اإلسالمي ،هلذا أرى ترجيح مذهب الشافعية يف هذه التقسيم. .بالبلوغ: واملقصود بالبلوغ يف الفقه اإلسالمي :هو (انتهاء حد الصغر يف اإلنسان، ليكون أهالً للتكاليف الشرعية)(.)1 ويكون البلوغ بالعالمة أو بالسن(.)2 أما بالعالمة :فعالمة البلوغ عند الغالم االحتالم وأدنى املدة اثنتا عشرة سنة من عمره ،وعالمة بلوغ الفتاة احليض واالحتالم واحلبل وأدنى املدة تسع سنني من عمرها. وهناك عالمات خمتلف فيها :مثل نبات شعر العانة قال به اإلمام مالك وأمحد ،وهو رواية عن أبي يوسف من احلنفية. وأما بالسن :ففي بلوغ مخس عشرة سنة عند مجهور العلماء من الشافعية واملالكية واحلنابلة والصاحبني من احلنفية وهو املفتى به يف املذهب، وقال أبو حنيفة يبلغ الغالم إذا أمت الثامنة عشرة ودخل يف التاسعة عشرة، ويف الفتاة إذا دخلت يف السابعة عشرة. هل يشرتط البلوغ يف العاقدين؟ وبكالم أدق هل يشرتط بلوغ اخلادم واملخدوم ليتم عقد اخلدمة؟ البد من شرط البلوغ يف العاقدين حتى ينعقد عقد اخلدمة ،ولكن علينا ( -1املوسوعة الفقهية الكويتية) ،إصدار وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية -الكويت ،طباعة ذات السالسل الكويت، الطبعة الثانية 1406هـ ،1986مادة (بلغ) ج 8ص.186 -2األسروشين ،حممد بن حممود بن احلسني بن أمحد احلنفي ت 632هـ (جامع أحكام الصغار) حتقيق :د.أبو مصعب البدري و حممود عبد الرمحن عبد املنعم .دار الفضيلة القاهرة ،ج 1ص .177اجلمل ،العالمة الشيخ سليمان (حاشية اجلمل على املنهج لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري) بريوت ،دار الفكر ،ج 3ص .336ابن عبد الرب ،أبو عمر يوسف بن عبد اهلل القرطيب 463هـ (الكايف يف فقه أهل املدينة) بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1407هـ ،ج 1ص .118ابن قدامة (املغين) ج 4ص.297 116 أن نعلم أن املقصود بالبلوغ هو البلوغ الشرعي أي البلوغ الفعلي أو بالسن وهو ال يتجاوز اخلامسة عشر من العمر عند مجهور العلماء كما مر معنا سابقاً ،بالتايل فلو وقع عقد اخلدمة وكان اخلادم مثالً بلغ اخلامسة عشر من عمره ،انعقد العقد شرعاً ،غري أن القوانني املعمول هبا يف دول العامل –مبا فيها الدول اإلسالمية– ال تعطي األهلية إلجراء العقود إال فيمن بلغ الثامنة عشر من عمره ،وبإمكاننا القول أن هذا القانون يعد ملزماً يف عقود اخلدمة يف اجملتمع اإلسالمي ،ألن الشرع يعطي احلاكم حق إلزام الناس باألمور اليت حتفظ مصاحل اجملتمع وتسد ذريعة التسلط والظلم ،وخاصة يف زمن قل فيه الوازع الديين واألمانة ،واخلادم يغيب يف بيت املخدوم ،ثم إن صغر اخلادم يكون حمط طمع أهل املنزل الستغالله وهضم حقه. بل من واجب احلكومات أن تفرض القوانني اليت متنع استغالل اخلدم وظلمهم ومن مسؤوليتها احليلولة دون وقوع ذلك ،وقد سئل الدكتور يوسف القرضاوي –حفظه اهلل -عن خروج الكثري عن هذه األنظمة: (على ذكر تدخل الدول وواجبات احلكومات هنا بعض الدراسات تشري إىل أن كثرياً من الفتيات القاصرات يقدمن وثائق مزورة على أهنن يبلغن من األعمار ما تسمح به القوانني للعمل يف اخلارج وهناك ربات بيوت يعين متزوجات هلن أبناء ويقدمن أوراق ثبوتية مزورة على أهنن عازبات مع أهنن متزوجات وذلك طبعاً حبثاً عن مصدر رزق. فأجاب :هذه مسؤولية البالد اليت تصدر العمالة ،املفروض تضبط هذا(..)1 فإن كان اخلادم قاصرًا ناب عنه وليه بإجراء عقد اخلدمة أو يأذن له -1اجلزيرة الفضائية -برامج القناة -الشريعة واحلياة -حقوق العمال وواجباهتم 25/6/2006م. 117 بالعقد( ،)1ألنه هو املسؤول عن تقدير مدى مناسبة العمل هلذا القاصر، يقول األسروشين(( :)2إذا أجر األب أو اجلد أبو األب أو وصيهما الصغري يف عمل من األعمال فهو جائز؛ ألن هلؤالء والية استعمال الصغري من غري عوض بطريق التهذيب والرياضة ،فمع العوض أوىل)( .)3وقال املالكية( :أن الصيب املميز إذا أجر نفسه بغري إذن وليه صح ووقف على رضاه ...وليس لذي األب والوصي أن يؤاجر أنفسهما دون إذهنما فإن فعال نظر يف ذلك فما رأياه من رد أو إمضاء فعاله ما مل يعمال فإن عمال كان هلما األكثر من املسمى وأجرة املثل)(.)4 ويكون قبض األجر من حق الويل ألنه املسؤول عن حفظ املال للصيب حتى يبلغ ،ذكر األسروشين عن قبض أجرة الصغري واإلنفاق منها( :وللذي ويلِّ اإلجارة على الصغري أن يقبض األجرة،ألنه من حقوق العقد فيتعلق بالعاقد ،وليس له أن ينفقها عليه ألهنا مال الصغري ،وليس لغري األب واجلد ووصيهما والية التصرف يف مال الصغري ...وعن حممد :أنه يستحسن أن ينفق عليه ماال بد له منه ،ألن يف تأخري ذلك ضرراً بالصغري)(.)5 ويشرتط الستخدام الصيب: 1.1أن يكون بأجر املثل :قال األسروشين( :إذا أجَّر األب أو اجلد أو القاضي الصغري يف عمل من األعمال فهو جائز ،قال بعض املشائخ: -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص .272األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج 2ص .5مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج11 ص ،429الشربيين (مغين احملتاج ) ج2ص.362 -2االسروشين :حممد بن حممود بن حسني ،جمد الدين االسروشنى ،فقيه حنفى ،نسبته إىل (أسروشنة) شرقي مسرقند ،له كتب منها( :الفصول) و(أحكام الصغار) وغريها(تويف 632هـ ) .انظر( :األعالم للزركلي ج 7ص .)86 -3األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج 2ص.5 -4احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص .392 -5األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج 2ص.5 118 هذا إذا أجره بأجر املثل ،وأما إذا أجره بأقل منه فإنه ال جيوز)( ،)1وعن مالك( :وإن عمل قال له اإلجارة اليت مسي له إال أن تكون إجارة مثله أكثر فتكون له إجارة مثله)(.)2 2.2أن تناسب اخلدمة الصغري :يقول األسروشين( :ال يؤجر الصغري يف خسائس احلرف :فإن مل يكن أبو الصغري حائكا مل يكن ملن هو يف حجره أن يسلمه حلائك ألن التصرف بالصغري مقيد بالنظر ،ويف هذا ضرر ،ألنه من خسائس احلرف ،ودناءة املكاسب تضيِّع املناصب ،وخسة احلرف يبقى عارها و تسوء آثارها ،ألهنا مما تعري به األعقاب على مر األحقاب ،واهلل أعلم بالصواب)( ،)3فإن كانت اخلدمة ال تناسبه فسخت، قال علماء املالكية( :وإن آجر الرجل ابنه من نفسه أو من غريه ومثله ال يؤاجر فسخت اإلجارة وأنفق األب عليه إن كان األب غنيا واالبن عدميا ال مال له فإن كان له مال أنفق عليه منه وله أن يؤاجره فيما ال معرة على االبن فيه )(.)4 3.3أن يكون يف اخلدمة مصلحة للصيب :كحاجة الصيب للكسب ليتمكن من حتصيل نفقته ،أو بقصد التعلم حلرفة ينتفع هبا. .جالرشد: يشرتط الرشد وعدم احلجر يف جانب املستخدِم ألن اخلدمة يف حقه تصرف مايل وهو ممنوع منه بسبب سفهه ،الحتمال تبديد املال وقد َ َ ُ ْ ُ ْ ُّ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُهّ َ ُ ْ َ ً قال اهلل تعاىل{ :وال تؤتوا السفهاء أموالكم ال يِت جعل الل لكم قِياما -1األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج 2ص.7 -2مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص429 -3األسروشين (جامع أحكام الصغار ) ج 2ص.6 -4احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص392 119 َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ُ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ ً َّ ْ ُ ً َ ْ َ ُ ْ يَْ َ ىَ َ ىََّ َ وارزقوهم فِيها واكسوهم وقولوا لهم قوال معروفا .وابتلوا التام حت إِذا َ َ ُ ْ ّ اَ َ َ ْ َ ْ ُ ّ ْ ُ ْ ُ ْ ً َ ْ َ ُ ْ يَ ْ ْ َ ْ َ َ ْ ُ بلغوا انل ِكح فإِن آنستم مِنهم رشدا فادفعوا إِل ِهم أموالهم} [النساء.]5-6: أما يف جانب اخلادم فال يشرتط الرشد ،يقول الشربيين( :يرد على طرده السفيه فإنه جيوز له إجارة نفسه فيما ليس مبقصود من عمله كما مر يف باب احلجر ألنه ملا جاز أن يتطوع على غريه بالعمل فأوىل بعوض خبالف املقصود من عمل مثله)(.)5 .دالعقل: حكم اجملنون يف عقد اخلدمة كحكم الصيب غري البالغ ،فيحق للويل أن يؤاجره أو يأذن له باخلدمة بنفس شروط خدمة الصيب ،قال الشافعية: (ولو أجر الويل مال اجملنون فأفاق يف أثناء املدة فكبلوغ الصيب باالحتالم أما إذا بلغ الصيب سفيها فهو كالصيب يف استمرار الوالية عليه)(.)6 .هأن يكون من أهل القربة: يشرتط يف اخلادم أن تصح منه القربة شرعاً حتى يصح التعاقد معه على اخلدمة اليت حتمل معنى العبادة ،أما غريها من اخلدمات فال يشرتط ذلك ،فال يصح أن يستأجر غري املسلم أو احلائض املسلمة لتعليم القرآن مثالً. قال ابن قدامة( :أن يكون من أهل القرب :القرب اليت خيتص فاعلها بكونه من أهل القربة يعين أنه يشرتط كونه مسلما كاإلمامة واألذان واحلج وتعليم القرآن)( ،)7وقال الشافعية( :وال «استئجار مسلمة» حائض «أو نفساء أو -5الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.333 -6املرجع السابق ج 2ص.357 -7ابن قدامة (املغين) ج 5ص.323 120 مستحاضة إجارة عني» خلدمة مسجد ...ويف معنى خدمة املسجد تعليم القرآن)(.)1 الركن الثاني الصيغة عقد اخلدمة كعقد اإلجارة البد له من إجياب وقبول يعرب فيهما كل من املتعاقدين عن تراضيهما مبحتوى العقد وهو املقصود بكلمة (صيغة العقد) ،والكالم يف صيغة اإلجياب والقبول وصفتهما يف عقد اخلدمة كالكالم فيهما يف كل عقود املعاوضة يف الفقه اإلسالمي. ألفاظ صيغة عقد اخلدمة :لفظ صريح أو كناية( ،)2فاللفظ الصريح هو اللفظ الذي يدل بنفسه على املعنى ،أما لفظ الكناية فهي الصيغ احملتمِلة للمعنى غري املقصود من العقد ،و هذه الصيغ ال يلزم هبا عقد حتى يقرتن هبا عرف أو عادة أو لفظ آخر يدل على املقصود منها ،قال املالكية( :وكل لفظ أو إشارة فهم منها اإلجياب والقبول لزم به البيع وسائر العقود إال أن يف األلفاظ ما هو صريح مثل بعتك بكذا فيقول قبلت أو ابتعت منك فيقول بعت فهذا يلزمهما ،وأما األلفاظ احملتملة فال يلزم البيع هبا مبجردها حتى يتنزل هبا عرف أو عادة أو ما يدل على البيع)(.)3 فتنعقد بلفظ اإلجارة (أو الكراء) ،واإلعارة بعوض ،والبي ِع إذا وجد التوقيت، أو ملكتك منافعه سنة بكذا ،أي تنعقد بغري لفظ اإلجارة عند احلنفية وقول عند الشافعية وهو وجه عند احلنابلة( ،)4وعرب املالكية عن صيغتها -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.337 -2ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 6ص ،4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص ،333ابن قدامة (املغين) ج 5ص.251 -3احلطاب (مواهب اجلليل) ج 4ص.229 -4ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 6ص ،4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص ،333ابن قدامة (املغين) ج 5ص.251 121 بقوهلم( :هي لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على متليك املنفعة بعوض)( ،)1وال تنعقد بلفظ البيع يف األصح عند الشافعية ووجه عند احلنابلة(.)2 صيغة العقد :عقد اخلدمة كأي عقد إجارة ينعقد باإلجياب والقبول، ونعين باإلجياب :ما بينته املادة /101/من جملة األحكام( :اإلجياب أول كالم يصدر من أحد العاقدين ألجل إنشاء التصرف وبه يوجب ويثبت التصرف وال فرق بني أن يقع الكالم من البائع أو يقع من املشرتي فإذا قال البائع قد بعتك هذا املتاع واملشرتي قال اشرتيته أو قال املشرتي اشرتيت منك هذا املتاع بكذا فقال البائع وأنا قد بعتك إياه فكما أن كالم البائع يف الصورة األوىل إجياب ويف الثانية قبول فكالم املشرتي يف الصورة الثانية إجياب ويف األوىل قبول أيضا)(.)3 أما القبول فذكرته جملة األحكام يف املادَّة ( :/102/القبول ثاني كالم يصدر من أحد العاقدين ألجل إنشاء التصرف وبه يتم العقد ،أي أن كل كالم جاء بعد اإلجياب إلنشاء التصرف وبقصد إمتام العقد مسي قبوالً وسواءٌ يف ذلك أكان املشرتي هو املتكلم أم كان البائع ،فلو قال البائع للمشرتي بعتك مايل هذا بكذا قرشا فقال املشرتي اشرتيته أو قال املشرتي ابتعت مالك الفالني بكذا -فقال البائع بعته لك فكما أن كالم املشرتي يف الصورة األوىل قبول فكالم البائع يف الصورة الثانية قبول أيضا)(.)4 شروط الصيغة: 1.1أن تكون بألفاظ تدل على الرضا :يف العقد فال تصح أن تكون معلقة -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.390 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص ،333ابن قدامة (املغين) ج 5ص.251 ( -3جملة األحكام العدلية) حتقيق جنيب هواويين ،تركيا ،كارخانه جتارت كتب ص.29 -4املرجع السابق ص.29 122 على املشيئة ،أو على صيغة الوعد ،أو االستفهام فهذه صيغ ال ينعقد هبا، قال املالكية( :وأما صيغة اإلجارة فهي كل ما يدل على الرضا)(.)1 2.2إحتاد جملس اإلجياب والقبول :فإن افرتق اإلجياب عن القبول فكان كل واحد منهما يف جملس مل ينعقد العقد ،سواء كان احتاد اجمللس حقيقياً أو حكمياً ،وقد بني ذلك علماء احلنفية بقوهلم( :احتاد جملس العقد شرط سواء أكان احتادًا حقيقيًا كأن يقول املؤجر آجرتك واملستأجر يقول قبلت يف جملس واحد فال تنعقد اإلجارة إذا قيل اإلجياب يف جملس والقبول يف آخر ،أو كان حكميا كأن يكون اإلجياب والقبول بالكتابة أو الرسالة ،ويكون القابل خمريًا يف القبول بعد اإلجياب حتى انفضاض اجمللس)(.)2 3.3موافقة اإلجياب للقبول :ال بد من موافقة فحوى صيغة القبول ملعنى صيغة اإلجياب ،وإال ال ينعقد العقد ،يقول علماء احلنفية( :جيب أن يكون القبول مبا يوجبه املوجب يف إجيابه عينًا وليس ل َّلذي يقبل أن يغيِّر املأجور أو املدَّة أو يفرِّق املنفعة أو يُبَعِّضها أو يبدهلا بشيءٍ ما)(.)3 دخول الشروط على صيغة العقد (الشروط التقييدية): وهي أن يضيف العاقدان على صيغة العقد شروطاً إضافية على عقد اخلدمة ،كأن يشرط اخلادم لنفسه أجرة الطريق على املخدوم ،وبنفس املعنى ما تُلزم به القوانني السائدة ألحد املتعاقدين أو كليهما من التزامات جتاه اآلخر كاشرتاط الضمان الصحي للخادمة. وقد اختلف العلماء يف مسألة الشروط املضافة للعقد على مذاهب، -1النفراوي (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القريواني)ج 2ص.110 -2حيدر،علي (درر احلكام شرح جملة األحكام) ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،طبعة1991م.ج 1ص.421 -3املرجع السابق ج 1ص.421 123 فاتفقوا على بعضها واختلفوا يف البعض اآلخر وكانوا بني موسع ومضيق، على التفصيل اآلتي: أما حمل اتفاقهم فكان: 1.1أن الشرط الذي يقتضيه العقد جائز ،كشرط حسن معاملة اخلادمة وأداء األجرة هلا ،ألهنا أشياء تثبت بالعقد أصالً من دون اشرتاط. 2.2أن الشرط الذي ينايف مقتضى العقد هو شرط باطل ،كاشرتاط عدم استخدام اخلادمة خالل فرتة اخلدمة ،يقول اإلمام الشاطيب(( :)1أو شرط الصانع على املستصنع أن ال يضمن املستأجر عليه إن تلف وأن يصدقه يف دعوى التلف وما أشبه ذلك فهذا القسم أيضا ال إشكال يف إبطاله ألنه مناف حلكمة السبب فال يصح أن جيتمع معه)(.)2 2.2أن الشرط املنايف لنص الشرع باطل وال اعتبار له ،يقول اإلمام السيوطي(( :)3ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط)(.)4 4.4أن الشرط الذي ورد يف الشرع جائز بالنص ،كاشرتاط اخليار، والرؤية. واختلف العلماء فيما عدا ذلك من الشروط التقييدية: فجعل مجهور العلماء من احلنفية واملالكية والشافعية األصل يف الشروط -1الشاطيب :إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي الشهري بالشاطيب :أصويل حافظ من أهل غرناطة كان من أئمة املالكية ،من كتبه( :املوافقات يف أصول الفقه) و(اجملالس) و(أصول النحو) و غريها(تويف 790هـ) (األعالم للزركلي (ج 1ص .)75 -2الشاطيب ،إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي املالكي 790هـ ( املوافقات يف أصول الفقه ) حتقيق عبد اهلل دراز، بريوت ،دار املعرفة ،ج.284 1 -3السيوطي :عبد الرمحن بن أبي بكر بن حممد ابن سابق الدين اخلضريي السيوطي ،جالل الدين :إمام حافظ مؤرخ أديب .له حنو 600مصنف ،نشأ يف القاهرة ،من كتبه( :االتقان يف علوم القرآن) و(االشباه والنظائر) و(تفسري اجلاللني) تويف 911هـ .انظر(الكواكب السائرة بأعيان املئة العاشرة ص( ,)142األعالم للزركلي ( -ج 3ص.)301 -4السيوطي ،عبد الرمحن بن أبي بكر911هـ (األشباه والنظائر) بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1403هـ ج1ص.149 124 املنع وعدم اإلباحة ،ثم استثنى كل مذهب منهم بعض الشروط فأباحها: فأباح احلنفية( )1الشرط إن كان مالئماً ملقتضى العقد كاشرتاط الرهن أو الكفيل ،وهذه شروط مؤ ِّكدة ملقتضى العقد ،أو إن كان مما جرى فيه العرف كاشرتاط الصيانة على البائع للمبيع لفرتة حمددة بعد البيع. وأباح الشافعية الشرط إن كان مالئماً ملقتضى العقد ،أي الشرط الذي يف مصلحة العقد ،أو الشرط الذي ال يقتضيه العقد وال ينايف العقد وليس فيه مضرة ،أو شرط وصف خاص للمعقود عليه(.)2 وأباح املالكية الشرط إن كان مالئماً ملقتضى العقد ،أو أن يكون مما جرى فيه العرف ،أو الشرط الذي ال ينايف مقتضى العقد ،أو الذي ال خيل بالثمن بأن يورث جهالة(.)3 أما احلنابلة فاألصل يف الشروط عندهم اإلباحة ،إال ما كان منافياً للعقد أو منافياً للشرع( ،)4واستدلوا على ذلك بأدلة منها: َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ قوله تعاىل آمراً بااللتزام مبقتضى العقود{ :يا أيها ا ِين آمنوا أوفوا ُُْ بِالعقود} [املائدة.]1: وعموم اآليات اليت توجب الوفاء العهد ،والشرط عهد ألنه يتضمن تعهداً َ َ ْ هّ َ ْ ُ ْ بالوفاء مبا أوجبه من االلتزام ،منها قوله سبحانه{ :وبِعه ِد اللِ أوفوا َ َ َّ ُ ْ َ َ َّ ُ َ ُ َ ُ ذل ِك ْم َو َّصاكم بِهِ لعلكم تذكرون} [األنعام ،]152:وقوله عز وجل: ََُْ ْ هّ َ اَ َ ُّ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ َ ان َب ْع َد تَ ْوكِيد َها َوقَدْ ْ َ {وأوفوا بِعه ِد اللِ إِذا عهدتم وال تنقضوا األيم ِ ْ َ َْ ُ َهّ َ ُ َ ً َّ َهّ َج َعل ُت ُم الل َعليْك ْم كفِيال إِن الل َي ْعل ُم َما تف َعلون} [النحل.]91: -1ابن جنيم ،زين بن إبراهيم بن حممد بن حممد بن بكر970هـ( ،البحر الرائق شرح كنز الدقائق) بريوت ،دار املعرفة، ج6ص ،92والكاساني (بدائع الصنائع) ج5ص.175 -2الغزايل ،أبو حامد حممد بن حممد بن حممد 505هـ (الوسيط يف املذهب) ،حتقيق أمحد حممود إبراهيم ،حممد حممد تامر ،القاهرة ،دار السالم ،الطبعة األوىل1417هـ ،ج3ص .73والشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.31 -3احلطاب (مواهب اجلليل) ج 4ص.372 -4ابن قدامة (املغين) ج 4ص.156 125 وما روي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :املسلمون عند شروطهم إال شرط حرم حالالً أو أحل حراماً»( ،)1وقول عمر( )2رضي اهلل عنه« :مقاطع احلقوق عند الشروط»(.)3 وبذلك يرتجح لدينا أن األصل يف التعاقد عقوداً وشروطاً هو اإلباحة ،كما بني ذلك الدكتور فتحي الدريين حفظه اهلل( :لقوة أدلته ،وأن الضابط الشرعي للشرط الصحيح هو عدم املنافاة ملقتضى العقد ،أو للنظام الشرعي العام ،يف قواعده ومقاصده مجلة وتفصيالً ،من مثل اجلهالة والربا والغرر ،وألن التحريم هو االستثناء الذي ُفصِّلت مواقعه الحنصارها، وما عداها فعلى أصل احلل العام)(.)4 عقد اخلدمة باملعاطاة من دون صيغة :وهو تعاقد بالفعل دون صيغة إجياب وقبول ،وقد قال بصحته مجهور العلماء( )5من احلنفية واملالكية واحلنابلة ومتأخري الشافعية كأي عقد إجارة ،سُئل أبو يوسف رمحه اهلل تعاىل (عن الرجل يدخل السفينة أو حيتجم أو يفتصد أو يدخل احلمام أو يشرب املاء من السقاء ثم يدفع األجرة ومثن املاء ،قال :جيوز استحسانا وال حيتاج إىل العقد قبل ذلك اه)( ،)6ودليلهم يف ذلك: 1.1أن املعروف عرفاً كاملشروط شرطاً ،فإن جرى تعامل بني الناس على -1للبيهقي (السنن الكربى) ج 6ص ،79والبخاري (اجلامع الصحيح) ذكره تعليقاً بلفظ« :املسلمون عند شروطهم» ج2 ص.794 -2عمر بن اخلطاب :بن نفيل القرشي العدوي أبو حفص أمري املؤمنني اخلليفة الثاني الراشد ،ولد قبل املبعث النبوي بثالثني سنة ،كان إسالمه فتحا على املسلمني وفرجا هلم ،ومساه رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم يومئذ الفاروق( .إلصابة يف متييز الصحابة ج 4ص.)588 -3البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 5ص 1978ذكره تعليقاً. -4الدريين ،د .حممد فتحي(الفقه اإلسالمي املقارن) منشورات جامعة دمشق ،الطبعة اخلامسة 1414هـ 1995م ،ص.640 -5ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 6ص ،6واحلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص ،390والشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص ،353وابن قدامة (املغين) ج 5ص.326 -6ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 6ص.6 126 خدمة معينة معاطاة بأجر حمدد ،كان كما لو شرط األجر فيه ،فيصح العقد ويلزم أجر املثل ،قال ابن قدامة( :إن العرف اجلاري بذلك يقوم مقام القول كنقد البلد وكما لو دخل محاما أو جلس يف سفينة مع مالح، وألن شاهد احلال يقتضيه فصار كالتعريض فأما إن مل يكونا منتصبني لذلك مل يستحقا أجرًا إال بعقدٍ أو شرطِ العوض أو تعريض به ألنه مل جير عرف يقوم مقام العقد فصار كما لو تربع به أو عمله بغري إذن مالكه)(.)1 َُْ ْ ْ ُ ْ 2.2العرف :يقول اهلل تعاىل{ :وأمر بِالعر ِف} [األعراف ،]199:قال الشربيين( :جتب له األجرة اليت جرت هبا العادة لذلك العمل وإن زادت على أجرة املثل« ،وإال» أي وإن مل يكن معروفا بذلك العمل «فال» أجرة له. «وقد يستحسن» هذا الوجه لداللة العرف على ذلك وقيامه مقام اللفظ كما يف نظائره وعلى هذا عمل الناس ...وأفتى به خالئق من املتأخرين(.)2 3.3دفع احلرج عن الناس :ألن يف االلتزام بالتعاقد اللفظي يف عقودهم املعتادة واملتكررة حرج ومشقة ،إذ رمبا حتتاج ربة املنزل بني حني وآخر استخدام من ينظف هلا بيتها ،وهي ال تشرتط أجراً وال يتم تبادل صيغة العقد من إجياب وقبول ،وإمنا يتحدد أجرها باملتعارف ،قال املالكية: (ألن الناس استجازوه ومضوا عليه وهو حنو ما يعطى احلجام من غري أن يشارط على عمله قبل أن يعمله وما يعطى يف احلمام ،واملنع من هذا -1ابن قدامة ( املغين ) ج5ص.326 -2الشربيين (مغين احملتاج)ج 2ص.53 127 وشبهه تضييق على الناس وحرج يف الدين وغلو فيه ،قال اهلل تعاىل: َ ََْ ََ َ ََ َ َْ ُ َ ّ ْ ْ َ ِين مِن حر ٍج} [احلج ]78:وقال{ :يا أهل {وما جعل عليكم يِف ادل ِ َ َُْ ْ ُ الْك َ اب ال تغلوا يِف دِينِك ْم} [النساء.)1()]171: ِت ِ 4.4ومما يدل على جوازه من السنة ما ثبت عن أنس رضي اهلل عنه أنه سئل عن أجر احلجام فقال( :احتجم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعني من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه)(.)2 ولكن العلماء -وهم اجلمهور -الذين قالوا جبواز املعاطاة يف اإلجارة اشرتطوا: • •أن يوجد عرف باملعاطاة هبذا العقد وإال فال يصح إال بإجياب وقبول، • •وأن يكون قد انتصب هلذا العمل حتى يستحق األجر ،وأن يكون ذلك العمل مهن ًة له وإال كان االستخدام بال تعاقد تربعاً بال أجر لعدم وجود سبب اإللزام إما اللفظ أو العرف(.)3 وقال متقدمو الشافعية بعدم صحة العقد باملعاطاة يف اإلجارة( :واخلالف يف املعاطاة يف البيع جار هنا ويف الرهن واهلبة ...هل خيتار النووي ()4 صحة املعاطاة فيها كما اختاره يف البيع أو ال واألظهر ال فإنه ال عرف فيها خبالف البيع)(.)5 -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.390 -2البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 5ص 2156برقم.5371 : -3الشربيين (مغين احملتاج)ج 2ص.53 -4النّووي :حييى بن شرف بن مري ،الفقيه احلافظ ،الزّاهد ،شيخ اإلسالم ،حميي الدّين ،أبو زكريّا ،أخذ عن مجاعة من العلماء الكبار منهم أبو إسحاق املرادي ،واإلربيلي ،له مصنّفات كثرية منها:اجملموع شرح امله ّذب ،منهاج ّ الطالبني ،روضة ّ الطالبني تويف 676هـ .انظر(طبقات الشّافعية للسبكي ج 8ص.)395 -5الشربيين (مغين احملتاج)ج2ص.34 128 الركن الثالث :املنفعة املقصود باملنفعة :وهي اخلدمة اليت يطلبها املستخدم من عقد اخلدمة من تنظيف أو حراسة أو رعاية أطفال أو غري ذلك من اخلدمات املنزلية، وهي املقصودة من العقد بل هي أهم أركانه. قال املالكية( :الْمَنْ َفعَ ُة مَا لاَ تُمْكِنُ الإْ ِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إ َقامَةٍ يُمْكِنُ اسْتِي َفاؤُهُ َغيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ)( ،)1أي أن املنفعة شيء غري مستقل عن العني املنتفع هبا ،وال ميكن حتديده إال من خالهلا. ويشرتط يف املنفعة يف عقد اخلدمة: 1.1أن تكون منفعة اخلدمة معلومة :وتكون املنفعة معلومة بتحديد: نوعها وصفتها ومقدارها ،فإن كانت املنفعة جمهولة يف عقد اخلدمة فسد العقد(.)2 فنوعها كحراسة بيت أو تنظيفه مثالً. وصفتها كحراسة ليلية أو الليل مع النهار وبكيفية معينة. ومقدارها يضبط إما بالزمن كحراسة شهر أو سنة ،أو باإلشارة للمنفعة املتعاقد عليها كتنظيف حجرتني أو ثالث ،ويُعتمد على الزمن يف حتديد املنفعة عندما يتعذر ضبط مقدار النفع املبذول. وليس للزمن حتديد معني كحد أقصى يف الشرع وإمنا يرجع فيه للعرف، قال الشربيين( :يصح عقد اإلجارة مدة معلومة تبقى فيها العني املؤجرة غالبا ،إلمكان استيفاء املعقود عليه وال يقدر مبدة إذ ال توقيف فيه، واملرجع يف املدة اليت تبقى فيها العني غالبا إىل أهل اخلربة ،فيؤجر الدار -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.421 -2ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 6ص.4 129 والرقيق ثالثني سنة والدابة عشر سنني والثوب سنة أو سنتني على ما يليق به واألرض مائة سنة أو أكثر)(.)1 وجيوز أن حيدد للخدمة زمناً متسعاً :بتحديد أجرة معينة لكل شهر، كاستئجار خادم مدة مرضه كل شهر بكذا وهو قول مجهور الفقهاء ،وقال شافعي بعدم اجلواز للجهالة ،يقول ابن قدامة( :أن من اكرتى فرسا مدة غزوه كل يوم بدرهم فاملنصوص عن أمحد صحته وقال الشافعي هذا فاسد ألن مدة اإلجازة جمهولة ولنا إن عليا رضي اهلل عنه أجر نفسه كل دلو بتمرة وكذلك األنصاري ومل ينكره النيب صلى اهلل عليه وسلم وألن كل يوم معلوم مدته وأجرته فصح ...وألن كل عمل معلوم له عوض معلوم فجاز)(.)2 وبني اجلمهور أنه إذا مت العقد على شهر لزمت بقية الشهور بالتلبس هبا، يقول ابن قدامة يف ذلك( :وإذا وقعت اإلجارة على كل شهر بشيء معلوم مل يكن لواحد منهما الفسخ إال عند تقضي كل شهر ،ومجلة ذلك أنه إذا قال أجرتك هذا كل شهر بدرهم ...أن الشهر األول تلزم اإلجارة فيه بإطالق العقد ألنه معلوم يلي العقد وله أجر معلوم ،وما بعده من الشهور يلزم العقد فيه بالتلبس به ...وإن مل يتلبس به أو فسخ العقد عند انقضاء األول انفسخ وكذلك حكم كل شهر يأتي)(.)3 ودليلهم: • •حديث علي رضي اهلل عنه أنه استقى لرجل من اليهود كل دلو بتمرة وجاء به إىل رسول اهلل ليأكل منه « ...فمررت بيهودي يف مال له وهو يسقي ببكرة له فأطلعت عليه من ثلمة يف احلائط فقال مالك يا أعرابي -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.350 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.294 -3املرجع السابق ج 5ص.258 130 هل لك يف كل دلو بتمرة قلت نعم فافتح الباب حتى أدخل ففتح فدخلت فأعطاني دلوه فكلما نزعت دلوا أعطاني مترة حتى إذا امتألت كفي أرسلت دلوه وقلت حسيب فأكلتها ثم جرعت من املاء فشربت ثم جئت املسجد فوجدت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيه»(.)1 • •وحديث األنصاري ...« :فقال األنصاري لليهودي أسقي خنلك؟ قال نعم قال كل دلو بتمرة واشرتط األنصاري أن ال يأخذ خدرة وال تارزة وال حشفة وال يأخذ إال جلدة فاستقى بنحو من صاعني فجاء به إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم»(.)2 • •وكما أن العقد ثبت بالصيغة يف الشهر األول فيثبت بالتلبس ببقية الشهور باملعاطاة ،كما بينه ابن قدامة يف قوله( :وألن شروعه يف كل شهر مع ما تقدم يف العقد من االتفاق على تقدير أجره والرضا ببذله به جرى جمرى ابتداء العقد عليه وصار كالبيع باملعاطاة إذا جرى من املساومة وما دل على الرتاضي هبا ،فعلى هذا متى ترك التلبس به يف شه ٍر مل تثبت اإلجارة فيه لعدم العقد وإن فسخ فكذلك وليس بفسخ يف احلقيقة ألن العقد يف الشهر الثاني ما ثبت)(.)3 2.2أن تكون املنفعة متقومة :يقصد باملنفعة املتقومة يعين أن اخلدمة املتعاقد عليها هلا بدل مايل ،أما إذا مل يكن هلا بدل مايل يف عرف الناس أو يف الشرع أو خلستها فال يصح التعاقد عليها ،ومثال غري املتقوم عرفاً :استئجار رجل ليطرَب لسماع حديثه ،أو على طرد الذباب عن املخدوم مثالً ،ومثال غري املتقومة شرعاً :االستئجار على إحضار ميتة -1سبق خترجية ص.38 -2ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج 2ص 818برقم.2448: -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.258 131 أو جناسة ،فهذا عمل ال قيمة له شرعاً. قال الشربيين( :و«يشرتط كون املنفعة متقومة» مل يرد باملتقومة هنا مقابلة املثلية بل ما هلا قيمة ليحسن بدل املال يف مقابلتها كاستئجار دار للسكنى واملسك والرياحني للشم فإهنا إذا مل تكن هلا قيمة إما حلرمتها أو خلستها أو قلتها يكون بذل املال يف مقابلتها سفهًا وتبذيرًا)(.)1 3 .3أن تكون منفعة اخلدمة مشروع ًة :فال بد أن تكون منفعة اخلدمة جائزةٌ شرعاً وغري حمرمةٍ أو مكروهةٍ ،فعن أبي مسعود رضي اهلل عنه قال« :هنى النيب صلى اهلل عليه وسلم عن مثن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي»(.)2 وم َّثل لذلك احلنابلة بقوهلم( :ما منفعته حمرمة كالزنا والزمر والنوح والغناء فال جيوز االستئجار لفعله وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه)(.)3 وبني ذلك املالكية بقوهلم( :أن يؤاجر املسلم نفسه لكنس كنيسة أو حنو ذلك أو لريعى اخلنازير أو ليعصر له مخراً فإنه ال جيوز ويؤدب املسلم إال أن يتعذر جبهالة)(.)4 وم َّثل احلنفية لالستخدام احملرم بقوهلم( :وال جيوز استئجار الرجل أباه ليخدمه ألنه مأمور بتعظيم أبيه ويف االستخدام استخفاف به فكان حراماً فكان هذا استئجاراً على املعصية وسواء كان األب حراً أو عبداً استأجره ابنه من مواله ليخدمه ألنه ال جيوز استئجار األب حراً كان أو عبداً وسواء -1الشربيين (مغين احملتاج)ج 2ص.36 -2البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 5ص 2045برقم.5031: -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.320 -4احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.424 132 كان األب مسلماً أو ذمياً ألن تعظيم األب واجب وإن اختلف الدين قال ً ُّ ْ اهلل تعاىلَ : ادلن َيا َم ْع ُروفا} [ لقمان ]15:وهذا يف األبوين حبْ ُه َما يِف {و َصا ِ َ َ اك ىلَع أَن ت ُ رْشكَ اه َد َ الكافرين ألنه معطوف على قوله عز وجل{ :وَإِن ج ِ َ ْ َلاَ ُ َ َ يِب َما ليْ َس لك بِهِ عِل ٌم ف ت ِط ْع ُه َما})(.)1 4.4أال تكون اخلدمة واجب ًة :فإن وجبت هذه اخلدمة عليه شرعاً مل يصح التعاقد عليها وأخذ األجر عليها ،هذا فيما إذا كانت جتب على العني أما إذا وجبت على الكفاية فيجوز التعاقد عليها. ومن أمثلة اخلدمة الواجبة اليت ال جيوز االستئجار عليها فكخدمة املرأة لبيتها على خالف بني العلماء وكخدمة االبن ألبيه ،قال احلنفية( :إذا استأجر الرجل ابنه وهو حر بالغ ليخدمه أنه ال جيوز ألن خدمة األب احلر واجبة على االبن احلر ...ولو استأجر امرأته لتخدمه كل شهر بأجر مسمى مل جيز ألن خدمة البيت عليها فيما بينها وبني اهلل تعاىل(.)2 وقالوا يف استئجار الزوجة لرضاع طفلها( :وال جيوز استئجار الزوجة على رضاع ولده منها ألن ذلك استئجار على خدمة الولد وإمنا اللنب يدخل فيه تبعا على ما ذكرنا فكان االستئجار على أمر عليها فيما بينها وبني اهلل تعاىل وألن الزوجة مستحقة للنفقة على زوجها وأجرة الرضاع جتري جمرى النفقة فال تستحق نفقتني على زوجها)(.)3 واألمثلة السابقة اختلف فيها العلماء حبسب اختالفهم يف وجوب تلك اخلدمة فإن تعني وجوهبا على اخلادم شرعاً مل يصح التعاقد عليها وإال جاز. -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.190 -2املرجع السابق ج 4ص.192 -3املرجع السابق ج 4ص.192 133 ومن أهم تلك املسائل هي مسألة خالف العلماء يف جواز االستئجار على العبادات: اإلجارة على الطاعات :حبثها الفقهاء يف مسألة (جواز أخذ األجرة على الطاعات) :وانقسموا يف جواز هذا التعاقد على مذاهب: املذهب األول :قال بعدم جواز التعاقد على اإلجارة يف العبادات مطلقاً، والقائلني بذلك أبو حنيفة ورواية عن أمحد ومجهور التابعني ،يقول الكاساني من احلنفية( :ومنها أن ال يكون العمل املستأجر له فرضاً وال واجباً على األجري قبل اإلجارة فإن كان فرضا أو واجبا عليه قبل اإلجارة مل تصح اإلجارة ألن من أتى بعمل يُستحَقُّ عليه ال يَستحِقُّ األجرة ...وعلى هذا خيرج االستئجار على الصوم والصالة واحلج أنه ال يصح ألهنا من فروض األعيان وال يصح االستئجار على تعليم العلم ألنه فرض عني وال على تعليم القرآن عندنا)(.)1 وقال احلنابلة( :القرب اليت خيتص فاعلها بكونه من أهل القربة يعين أنه يشرتط كونه مسلما كاإلمامة واألذان واحلج وتعليم القرآن نص عليه أمحد وبه قال ...أبو حنيفة والزهري( )2وكره الزهري وإسحاق تعليم القرآن بأجر)(.)3 ودليلهم: حديث عثمان بن أبي العاص( )4قال« :إن من آخر ما عهد إىل رسول اهلل -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.191 -2الزهري :حممد بن مسلم بن عبيداهلل بن عبد اهلل بن شهاب ،االمام العلم ،حافظ زمانه أبو بكر القرشي الزهري املدني نزيل الشام.روى عن كثري من الصحابة،عن الليث بن سعد قال :ما رأيت عاملا قط أمجع من ابن شهاب ،تويف الزهري سنة 124هـ( ،سري أعالم النبالء ( -ج 5ص .)326 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص323. -4عثمان بن أبي العاص :بن بشر الثقفي أبو عبد اهلل نزيل البصرة أسلم يف وفد ثقيف فاستعمله النيب صلى اهلل عليه وسلم على الطائف ،ثم سكن البصرة حتى مات هبا يف خالفة معاوية سنة مخسني ،وكان هو الذي منع ثقيفا عن الردة خطبهم فقال :كنتم آخر الناس إسالما فال تكونوا أوهلم ارتدادا(.اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 4ص.)451 134 صلى اهلل عليه وسلم أن اختذ مؤذنا ال يأخذ على أذانه أجرًا»(.)1 وحديث عبادة بن الصامت( )2قال :علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إيلَّ رجل منهم قوسًا فقلت ليست مبا ٍل وأرمي عنها يف سبيل اهلل عز وجل ،آلتني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فألسألنه فأتيته فقلت يا رسول اهلل رجل أهدى إيلَّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست مبال وأرمي عنها يف سبيل اهلل قال« :إن كنت حتب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها»(.)3 وحديث أبي بن كعب( :)4أنه علم رجالً سورةً من القرآن فأهدى إليه ثوباً أو قال مخيص ًة قال فذكر ذلك للنيب صلى اهلل عليه وسلم فقال« :لو أنك أخذته -أو قال إن أخذته -ألبست ثوباً من النار»(.)5 وحديث عبد الرمحن بن شبل( )6رضي اهلل عنه قال :مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول« :اقرؤوا القرآن وال تغلوا فيه وال جتفوا عنه وال تأكلوا به وال تستكثروا به»(.)7 وألن هذه األفعال عبادات البد أن تكون خالصة هلل تعاىل فال جيوز أخذ األجرة على أدائها ،يقول ابن قدامة :وألن من شرط صحة هذه األفعال -1الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج1ص 409برقم ،209:قال حديث حسن صحيح. -2عبادة بن الصامت :بن قيس بن أصرم بن األنصاري اخلزرجي أبو الوليد ،كان أحد النقباء بالعقبة ،وروى عن النيب صلى اهلل عليه وسلم كثريا ،أول من ويل قضاء فلسطني ،ومات بالرملة سنة 34هـ( ،اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 3 ص .)624 -3ابو داود (السنن) ج 3ص 264برقم.3416 : -4أبي بن كعب :بن قيس بن عبيد األنصاري أبو املنذر وأبو الطفيل سيد القراء كان من أصحاب العقبة الثانية وشهد بدرا واملشاهد كلها قال له النيب صلى اهلل عليه وسلم ليهنك العلم أبا املنذر وقال له إن اهلل أمرني أن أقرأ عليك ،وعده مسروق يف الستة من أصحاب الفتيا ،وهو أول من كتب للنيب صلى اهلل عليه وسلم ،مات يف خالفة عثمان سنة ثالثني( .اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 1ص .)27 -5عبد بن محيد بن نصر249هـ (املنتخب من مسند عبد بن محيد) حتقيق صبحي البدري السامرائي ،حممود حممد خليل الصعيدي ،القاهرة ،نشر مكتبة السنة ،الطبعة األوىل 1408هـ،ج1ص 91برقم.175: -6عبد الرمحن بن شبل :بن عمرو بن زيد األنصاري األوسي أحد نقباء األنصار ،نزل محص( .اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 4ص .)315 -7ابن حنبل ،أبو عبد اهلل أمحد بن حنبل الشيباني241هـ (مسند اإلمام أمحد بن حنبل) القاهرة ،مؤسسة قرطبة ،ج3 ص 428برقم15568 : 135 كوهنا قربة إىل اهلل تعاىل فلم جيز أخذ األجر عليها ،كما لو استأجر قومًا يصلون خلفه اجلمعة أو الرتاويح)(.)1 املذهب الثاني :وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أمحد وقول متأخري احلنفية حيث قالوا بالتفريق حبسب نوع العبادة: 1.1أما العبادات احملضة اليت ال يتعدى نفعها فاعلها فال جيوز االستئجار عليها :قال ابن قدامة( :وأما ما ال يتعدى نفعه فاعله من العبادات احملضة كالصيام وصالة اإلنسان لنفسه وحجه عن نفسه وأداء زكاة نفسه فال جيوز أخذ األجر عليها بغري خالف ألن األجر عوض االنتفاع ومل حيصل لغريه ها هنا انتفاع فأشبه إجارة األعيان اليت ال نفع فيها)(.)2 2.2جواز االستئجار على العبادات العينية اليت جتوز اإلنابة فيها ،وما ال جتوز اإلنابة فيها فال يصح االستئجار عليها ،ومثاله ما ذكره املالكية من أخذ األجرة على اإلنابة باحلجَّ حيث قالوا( :ودليلنا أنه عمل تدخله النيابة فجاز األجرة عليه)(.)3 وقال الشربيين«( :إال» االستئجار لقربة من «حج» أو عمرة وركعيت طواف تبعا هلما عن ميت أو عاجز كما مر يف كتابه« ،وتفرقة زكاة» وصوم عن ميت وذبح هدي وأضحية وحنوها فيجوز ،وضابط هذا أن كل ما تدخله النيابة من العبادة جيوز االستئجار عليه وما ال فال)(.)4 3.3جواز االستئجار على فروض الكفاية :وملا مل يتعني الفرض على -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.323 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.325 -3احلطاب (مواهب اجلليل) ج 2ص.546 -4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.344 136 الشخص جاز استئجاره على القيام به ،ألنه لو مل يقم به مل يأثم ،يقول الشربيين( :وتصح اإلجارة لتجهيز ميت كغسله وتكفينه ودفنه وتعليم القرآن أو بعضه وحنو ذلك مما هو فرض كفاية)(.)1 واستدلوا على مذهبهم بأدلة منها: • •حديث ابن عباس( :)2أن نفرا من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم مروا مباء فيهم لديغ أو سليم فعرض هلم رجل من أهل املاء فقال هل فيكم من راق إن يف املاء رجالً لديغاً أو سليماً فانطلق رجل منهم فقرأ بفاحتة الكتاب على شاءٍ فربأ فجاء بالشاء إىل أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب اهلل أجرًا حتى قدموا املدينة فقالوا يا رسول اهلل أخذ على كتاب اهلل أجراً فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :إن أحق ما أخذمت عليه أجرا كتاب اهلل»( .)3واحلديث صريح يف جواز أخذ األجرة. َ ْ َ ََ َ ْ َ • •مشروعية األجرة لعامل الصدقة بقوله تعاىل{:والعا ِملِني عليها} [التوبة ]60:قال الشربيين( :احتج بعضهم على جواز أخذ األجرة على فرض الكفاية بعامل الصدقة فإهنا أجرة على األصح)(.)4 • •وألهنا إجارة تامة األركان فيستحق العامل األجرة على متام أداءها، قال احلنفية( :ألهنا إجارةٌ وقد وفى العمل بناءً على قول املتأخرين املفتى به من جواز االستئجار على اإلمامة والتدريس وتعليم القرآن)(.)5 • •جعل النيب صلى اهلل عليه وسلم تعليم القرآن عوضاً يف عقد النكاح -1املرجع السابق ج 2ص.345 -2عبد اهلل بن العباس :بن عبد املطلب بن هاشم ،أبو العباس بن عم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ولد وبنو هاشم بالشعب قبل اهلجرة بثالث ،وكان يقال له حرب العرب وترمجان القرآن ،دعا له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :اللهم فقهه يف الدين وعلمه التأويل ،غزا إفريقية ،مات بالطائف سنة مثان وستني( .اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 4ص.)141 -3البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 5ص 2166برقم.5405 : -4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.345 -5ابن جنيم (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) ج 5ص.249 137 كما يف حديث سهل بن سعد الساعدي( :)1فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :هل معك من القرآن شيء قال معي سورة كذا وسورة كذا قال اذهب فقد أنكحتكها مبا معك من القرآن»(.)2 • •إن اإلجارة على مثل هذه الفرائض ضرورة ،وإن ترك االستئجار عليها قد يؤدي إىل تعطيلها النشغال الناس بكسب معاشهم ،ورمبا ال جند من يتفرغ ألدائها تطوعاً ممن يتقنها ،قال ابن عابدين( :على أن املفتى به مذهب املتأخرين من جواز االستئجار على تعليم القرآن واإلمامة واألذان للضرورة)( ،)3وقال ابن قدامة( :وألنه جيوز أخذ الرزق عليه من بيت املال فجاز أخذ األجر عليه كبناء املساجد والقناطر وألن احلاجة تدعو إىل ذلك فإنه حيتاج إىل االستنابة يف احلج عمن وجب عليه احلج وعجز عن فعله واليكاد يوجد متربع بذلك فيحتاج إىل بذل األجر فيه)(.)4 ورأى بعض العلماء أن يكون أجر مثل هذه األعمال من بيت املال قال املالكية( :وجيوز للمفيت أن يكون له أجر من بيت املال وال يأخذ أجراً ممن يفتيه)(.)5 وقال اإلمام أمحد( :التعليم أحب إىل من أن يتوكل هلؤالء السالطني ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس يف ضيعة ومن أن يستدين ويتجر لعله ال يقدر على الوفاء فيلقى اهلل تعاىل بأمانات الناس ،التعليم أحب إيل وهذا يدل على أن منعه منه يف موضع منعه للكراهة ال للتحريم)(.)6 -1سهل بن سعد :بن مالك بن خالد األنصاري الساعدي من مشاهري الصحابة ،كان امسه حزنا فغريه النيب صلى اهلل عليه وسلم ،مات سنة إحدى وتسعني( .اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 3ص .)200 -2البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 5ص1977برقم.4854 : -3ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 1ص.562 -4ابن قدامة (املغين) ج 5ص.323 -5احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.418 -6ابن قدامة (املغين) ج 5ص.323 138 املذهب الثالث :منع جواز اإلجارة يف العبادات إال يف الرقية ألهنا نوع مداواة وليس جمرد عبادة تالوة القرآن ،وهذا املذهب منقول عن اإلمام أمحد ،قال ابن قدامة( :فأما األخذ على الرقية فإن أمحد اختار جوازه وقال ال بأس وذكر حديث أبي سعد والفرق بينه وبني ما اختلف فيه أن الرقية نوع مداواة واملأخوذ عليها جعل واملداواة يباح أخذ األجر عليها)(.)1 ورد االستدالل حبديث تزويج النيب صلى اهلل عليه و سلم للرجل مبا معه من القرآن بأن يف تعليل هذا الصداق عند العلماء خالف ،فرمبا زوجه إياها بال مهر إكراماً له فقال ابن قدامة( :وأما جعل التعليم صداقا ففيه اختالف وليس يف اخلرب تصريح بأن التعليم صداق إمنا قال زوجتكها على ما معك من القرآن فيحتمل أنه زوجه إياها بغري صداق إكراما له كما زوج أبا طلحة أم سليم على إسالمه)(.)2 املذهب الرابع :جواز أخذ األجرة على الطاعات من غري مشارطة وعدم جوازه مع الشرط ،وقد روي هذا املذهب عن اإلمام أمحد(:)3 واستدل حبديث عمر رضي اهلل عنه قال كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يعطيين العطاء فأقول :أعطه من هو أفقر إليه مين ،فقال« :خذه، إذا جاءك من هذا املال شيءٌ وأنت غري مشرف وال سائل فخذه وما ال فال تتبعه نفسك»(.)4 وألنه هبة وليس أجرة لعدم االشرتاط فجاز أخذها ،قال ابن قدامة( :فإن أعطى املعلم شيئا من غري شرط فظاهر كالم أمحد جوازه ...ال يطلب وال يشارط فإن أعطى شيئا أخذه ...وألنه إذا كان بغري شرط كان هبة جمردة -1املرجع السابق ج 5ص.323 - 2املرجع السابق ج 5ص.323 -3املرجع السابق ج 5ص.323 -4البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 2ص 536برقم.1404: 139 فجاز كما لو مل يعلمه شيئا)(.)1 5 .5أن ال يتضمن عقد اخلدمة استيفاء عني قصداً :أي بقصد املستخدِم استهالك العني اليت تضمنها عقد اخلدمة ،كاستخدام طاهية تتكفل بتقديم الطعام ،فهذا ال ميكن أن يكون عقد خدمة ألن عقد اخلدمة ينعقد على استيفاء املنافع ال األعيان قصداً. أما استهالك العني إن كان تبعاً جاز كاستخدام من ينظف البيت على أن يكون مواد التنظيف على اخلادم ،فهذا عقد صحيح ،ألن األصل املعقود عليه هو العمل يف التنظيف أما املواد املنظفة فهي تبع ،ومثله عقد االسرتضاع ،فليس املقصود منه شراء احلليب من املرأة وإمنا املقصود به فعل اإلرضاع وما يتبعه من رعاية للصغري ،يقول الشربيين( :وإذا استأجر للرضاع فقط فاألصح أن املعقود عليه احلضانة الصغرى واللنب َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُ ُ َّ ُ ُ َ ُ ّ ن} [الطالق]6: تابع لقوله تعاىل{ :فإِن أرضعن لكم فآتوهن أجوره َ علق األجرة بفعل اإلرضاع ال باللنب وألن اإلجارة موضوعة للمنافع كما مر وإمنا األعيان تبعٌ للضرورة)(.)2 6 .6القدرة على تسليم املنفعة :ال يصح التعاقد على منفعة ال ميكن تسليمها وقت العقد كما ذكر الفقهاء فقد قال احلنابلة( :وال جتوز إجارة ما ال يقدر على تسليم منفعته)( )3وعدم القدرة على التسليم يكون سببه إما املانع احلسي أو الشرعي ،قال الشافعية( :ويشرتط يف املنفعة أيضا «كون املؤجر قادراً على تسليمها» حسًا أو شرعًا ليتمكن املستأجر -1ابن قدامة ( املغين ) ج 5ص323 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.346 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.321 140 منها ...واالمتناع الشرعي «لتسليم املنفعة» «كاحلسي» يف حكمه.)1(). أما االمتناع احلسي – أي املادي – :فهو عدم القدرة على حتصيل اخلدمة املتعاقد عليها يف احلال ملانع حسي ،كالتعاقد مع شغالة إذا كانت ممنوعة سلفاً من دخول بلد املستأجر ،أو أن يتعاقد مع رجل على خدمة ال حيسنها، قال الشربيين( :وال يصح استئجار «أعمى» إجارة عني «للحفظ» فيما حيتاج للنظر وال أخرس للتعليم ...وال استئجار غري القارئ لتعليم القرآن يف إجارة لعني ولو اتسعت املدة ليعلمه قبل تعليمه ،ألن املنفعة مستحقة من عينه والعني ال تقبل التأجيل خبالفها يف إجارة الذمة)(.)2 وأما االمتناع الشرعي :فهو عدم القدرة على حتصيل اخلدمة املتعاقد عليها يف احلال ملانع شرعي كاستئجار احلائض لتعليم القرآن ،يبني الشربيين هذا بقوله( :وال «استئجار مسلمة» حائض «أو نفساء أو مستحاضة إجارة عني» خلدمة مسجد ...ويف معنى خدمة املسجد تعليم القرآن)( ،)3ويَضرب مثاالً آخر بالتعاقد مع اخلادمة من دون إذن زوجها فيقول( :وكذا حرة منكوحة لغري املستأجر متلك منافع نفسها وال جتوز إجارهتا إجارة عني... لرضاع أو غريه مما ال يؤدي خللوة حمرمة بغري إذن الزوج يف األصح ألن أوقاهتا مستغرقة حبقه)(.)4 وإن كان وقت اخلدمة املتعاقد عليها مشغول خبدمة أخرى مل يصح للخادم التعاقد ألن الوقت من حق العاقد األول ،إال إذا كان وقت اخلدمة األوىل غري وقت اخلدمة الثانية كأن تكون األوىل هناراً والثانية ليالً ،ويبني ذلك الشربيين بقوله( :لو كانت مستأجرة العني فال يصح أن تؤجر نفسها -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.337 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.337 -3املرجع السابق ج 2ص.337 -4املرجع السابق ج 2ص.337 141 قطعا). فإن قيل قد عمت البلوى باستئجار العكامني( )1للحج ...ألن اإلجارة وقعت على أعينهم للعكم فكيف يستأجرون بعد ذلك أجيب بأنه ال مزامحة بني أعمال احلج والعكم إذ ميكنه فعلها يف غري أوقات العكم ألنه ال يستغرق األزمنة)(.)2 7 .7أن تكون املنفعة مقصودةً عادةً :فاملنفعة املتعاقد عليها ال بد أن تكون مقصودة بني الناس عادة أو يف الشرع قال احلنفية( :حتى لو استأجر ثيابا أو أواني ليتجمل هبا أو داب ًة ليجنبها بني يديه أو داراً ال ليسكنها أو عبداً أو دراهم أو غري ذلك ال ليستعمله بل ليظن الناس أنه له فاإلجارة فاسدة يف الكل وال أجر له ألهنا منفعة غري مقصودة من العني)(.)3 واملراد باملنفعة املقصودة عادةً أي اليت يقبلها الشرع واعتادها العقالء من الناس ،يبني ذلك ابن عابدين بقوله( :مقصودة من العني أي يف الشرع ونظر العقالء ...فإنه وإن كان مقصوداً ملستأجر لكنه ال نفع فيه وليس من املقاصد الشرعية)(.)4 وقصد املنفعة من اخلدمة خيتلف باختالف أعراف الناس وأحواهلم، فاستئجار خادمة للرد على مكاملات اهلاتف منفعة مقصودة بني الناس يف املكاتب مثالً ال يف املنازل. وهذا شرط متفق عليه بني العلماء(.)5 -1العكامني :أي احلمالني. -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.337 -3احلصكفي (الدر املختار شرح تنوير األبصار) ج 6ص.4 -4ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 6ص.4 -5احلصكفي (الدر املختار شرح تنوير األبصار) ج 6ص ،4احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص ،423الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص ،336ابن قدامة (املغين) ج 5ص.319 142 الركن الرابع األجرة تعدُّ األجرة بدل اخلدمة اليت يقدمها اخلادم ملخدومه ،وحتى نفهم حقيقة هذا الركن املهم من أركان عقد اخلدمة ال بد لنا من أن نعرف شرط األجرة ووقت استحقاقها ،وهل ميكن أن جتتمع مع بدل آخر كاجلعل أو غريه؟ 1.1يشرتط يف األجرة أن تكون معلومة: وتندفع اجلهالة عن األجرة بأن يُبني مقدارها يف العقد كألف أو ألفني، ويذكر جنسها كلرية أو دوالر أو غري ذلك ،قال الشافعية«( :ويشرط كون األجرة اليت يف الذمة معلومة جنساً وقدراً وصف ًة كالثمن يف البيع( )1وهذا أمر متفق عليه بني العلماء(.)2 فأن سكت العقد عن تبيان القدر أو اجلنس رجعنا لتبياهنا إىل العرف َّ احملكم يف العقد هو عرف إبرام العقد زماناً ومكاناً. السائد ،والعرف أما مكان تسليم األجرة فاملكان املتفق عليه يف العقد ،فإن مل يتعني فمكان إبرام العقد ،قال الشربيين( :ثم إن عني ملكان التسليم مكانا تعني وإال فموضع العقد)(.)3 2.2متى ُتستحَق األجرة: الستحقاق اخلادم لألجر حالتني؛ فإما أن يستحق األجرة عند العقد وإما أن يستحقها عند استيفاء املنفعة املتعاقد عليها: -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.335 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص ,179احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص ،391الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص،334 ابن قدامة (املغين) ج 5ص.255 -3الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.334 143 احلالة األوىل :يكون استحقاق األجرة عند العقد: باشرتاط التعجيل يف نفس العقد عند احلنفية واملالكية ،مع أن للعرف قوة الشرط يف تعجيل األجر ،أو إذا عجل األجرة من غري شرط ،قال املالكية: (واعلم أنه يقضى بتعجيل األجرة إذا شرط التعجيل ...وكذلك يقضى بالتعجيل إذا كانت العادة التعجيل)(.)1 وال تتعجل األجرة عند احلنفية واملالكية من غري اشرتاط ،وال يستحقها اخلادم إال بتمام أداء املنفعة واستدلوا على مذهبهم باألدلة اآلتية: َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُ ُ َّ ُ ُ َ ُ َّ • •أن اهلل تعاىل قال {فإِن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطالق]6: فأمر بإيتائهن أجورهن بعد اإلرتضاع. • •وحديث أبي هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :قال اهلل تعاىل ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل مثنه ورجل استأجر أجرياً فاستوفى منه ومل يعط أجره»( ،)2حيث رتب اإلثم على منع األجرة عند االستيفاء وليس عند العقد. • •وحديث عبد اهلل بن عمر قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم: «أعطوا األجري أجره قبل أن جيف عرقه»( ،)3قال شراح احلديث يف تبيان املراد منه( :فاألمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إمنا هو كناية عن وجوب املبادرة عقب فراغ العمل)( ،)4أي ال يلزم عند العقد من غري شرط ،وإمنا يلزم بالفراغ من العمل. -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.394 -2البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 2ص 776برقم.2114 : -3ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج 2ص 817برقم.2443 : -4املناوي (فيض القدير) ج 1ص.562 144 • •وألن الثمن يثبت بثبوت ملك العوض ،والعوض يف اإلجارة وهي املنفعة تثبت شيئا فشيئاً ،وال يتم تسليمها إال بتمام استيفاءها وال حيصل هذا فور انعقاد العقد ،وال يلزم األجر إال بشرط التعجيل ،قال احلنفية( :أن األجرة ال متلك عندنا إال بأحد معان ثالثة أحدها :شرط التعجيل يف نفس العقد ،والثاني التعجيل من غري شرط ،والثالث استيفاء املعقود عليه. أما ملكها بشرط التعجيل فألن ثبوت امللك يف العوضني يف زمان واحد لتحقيق ،معنى املعاوضة املطلقة وحتقيق املساواة اليت هي مطلوب العاقدين ومعنى املعاوضة واملساواة ال يتحقق إال يف ثبوت امللك فيهما يف زمان واحد فإذا شرط التعجيل فلم توجد املعاوضة املطلقة بل املقيدة بشرط التعجيل فيجب اعتبار شرطهما لقوله «املسلمون عند شروطهم» فيثبت امللك يف العوض قبل ثبوته يف املعوَّض)(.)1 وأما عند احلنابلة والشافعية فتجب األجرة مبطلق العقد ،يقول ابن قدامة: (أن املؤجر ميلك األجرة مبجرد العقد إذا أطلق ومل يشرتط املستأجر أجال كما ميلك البائع الثمن باملبيع وهبذا قال الشافعي)(.)2 ودليلهم فيما ذهبوا إليه: • •قياساً على البيع ألن اإلجارة يف حقيقتها بيع ولكن للمنافع بدل األعيان ،فيثبت استحقاق األجرة فيها مبجرد العقد كما يثبت الثمن يف البيع بالعقد ،قال ابن قدامة( :ولنا أنه عوض أطلق ذكره يف العقد معاوضة فيستحق مبطلق العقد كالثمن والصداق ،أو نقول عوض يف عقد يتعجل بالشرط فوجب أن يتعجل مبطلق العقد كالذي ذكرنا)(.)3 -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.202 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.256 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص256 145 • •وردوا استدالل الفريق األول بآية الرضاع بأن اآلية أمرت بإيتاء األجر عند الشروع يف الرضاع وليس عقب اإلمتام ،وكذلك االستدالل باحلديث، فقال ابن قدامة( :فأما اآلية فيحتمل أنه أراد اإليتاء أو تسليم نفسها كما َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ْ هّ َ َّ ْ َ َّ جي ِم} قال تعاىل{ :فإِذا قرأت القرآن فاست ِعذ بِاللِ مِن الشيط ِ ان الر ِ [النحل ]98:أي إذا أردت القراءة ...وهذا هو اجلواب عن احلديث ويدل عليه أنه إمنا توعَّد على ترك اإليفاء بعد الفراغ من العمل وقد قلتم جيب األجر شيئا فشيئا وحيتمل أنه توعده على ترك اإليفاء يف الوقت الذي تتوجه املطالبة فيه عادة)(.)1 وأضاف الشافعية شرط تعجيل األجرة يف جملس العقد يف إجارة الذمة، ألهنم أجروا عليها أحكام السلم ،ومن املعلوم أن السلم ال يصح إال إذا تعجل الثمن يف جملس العقد ،وبينوا ذلك بقوهلم( :ويشرتط يف صحة إجارة الذمة تسليم األجرة يف اجمللس قطعاً ...فال جيوز فيها تأخري األجرة وال االستبدال عنها وال احلوالة هبا وال عليها وال اإلبراء منها ،وإجارة العني ال يشرتط يف صحتها ذلك أي تسليم األجرة فيها يف اجمللس معينة كانت األجرة أو يف الذمة كالثمن يف البيع)(.)2 احلالة الثانية :يف استحقاق األجرة يكون بتمام استيفاء املنفعة حيث تستقر األجرة وهذا باتفاق العلماء( ،)3عرب عنه علماء الشافعية بقوهلم: (أما استقرار مجيعها فباستيفاء املنفعة أو بتفويتها)( ،)4وقد مر سابقاً قول علماء احلنفية( :أن األجرة ال متلك عندنا إال بأحد معان ثالثة: -1املرجع السابق ج 5ص.256 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.334 -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص ،202احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص ،395والشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص،334 وابن قدامة (املغين) ج 5ص.257 -4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.334 146 أحدها شرط التعجيل ،والثاني التعجيل من غري شرط ،والثالث استيفاء املعقود عليه)(.)1 والذي يبدو يل من األدلة السابقة ترجيح أن األصل يف اإلجارة استحقاق األجرة عند متام استيفاء املنفعة ،وال تلزم عند العقد إال بالشرط أو عرف. ولكن هل يشرتط متام استيفاء املنفعة املتعاقد عليها حتى يستحقاخلادم األجر ،أم يستحق األجر بتحصيل جزء منها؟ فلو أن اخلادمة أرادت ترك اخلدمة وسط الشهر فهل تستحق أجرة ما عملت؟ أم يسقط أجرها بعدم إمتام الشهر؟ اجلواب عن هذا األمر يرجع إىل نوع اخلدمة: • •فإن كانت اإلجارة خاصة كما يف املثال السابق فال يشرتط متام استيفاء املنفعة ليستحق األجري األجرة سواء كانت إجارة عني أو عمل، فلو عمل نصف العمل ثم توقف عن العمل استحق قيمة ما عمل ،وسئل اإلمام مالك عن الرجل يستأجر من يبين يل حائطا ووصفه له فلما بنى نصف احلائط اهندم ،أيكون على الباني أن يبنيه ثانية؟ قال( :ليس عليه أن يبنيه لك ثانية وله من األجر بقدر ما عمل)(.)2 وتعليله بأن املنفعة املقدمة قد استلمها املستأجر ألنه حدثت حتت يده فهو مستلم هلا حقيق ًة ،قال الكاساني( :فإن كان يف يد املستأجر فقدر ما أوقعه من العمل فيه يصري مسلماً إىل املستأجر قبل الفراغ منه ...بأن استأجره ليبين له بناءً يف داره أو يعمل له ساباطاً أو جناحاً أو حيفر له بئراً أو قناةً أو هنرًا أو ما أشبه ذلك يف ملكه أو فيما يف يده فعمل بعضه -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.202 -2مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص.449 147 فله أن يطالبه بقدره من األجرة لكنه جيرب على الباقي ،حتى لو اهندم البناء أو إهنارت البئر أو وقع فيها املاء والرتاب وسواها مع األرض أو سقط الساباط فله أجر ما عمله حبصته ألنه إذا كان يف ملك املستأجر أو يف يده فكلما عمل شيئا حصل يف يده قبل هالكه وصار مسلماً إليه فال يسقط بدله باهلالك)(.)1 ولكن يشرتط أن يكون العمل املنجز ذو منفعة ،قال الكاساني( :وكذلك اخلياط الذي خييط له يف منزله قميصاً فإن خاط له بعضه مل يكن له أجرته ألن هذا العمل ال ينتفع ببعضه دون بعضه فال تلزم األجرة)(.)2 • •وإن كانت اخلدمة إجارةً مشرتك ًة فال يستحق األجري األجرة إال بتمام العمل باتفاق العلماء ،وسئل اإلمام مالك عن اخلياط إن خاط نصف القميص ثم جاء يطلبه بنصف إجارته أيكون له ذلك قال( :ال يكون له ذلك حتى يفرغ من عمله ...ألنه مل يأخذ الثوب على أن خييط نصفه ويرتك نصفه)( ،)3وقال الكاساني( :حيث أهنا معقودٌ عليها شيءٌ واحدٌ فما مل يستوفها كلها ال جيب شيء من بدهلا كمن استأجر خياطا خييط ثوبا فخاط بعضه أنه ال يستحق األجرة حتى يفرغ منه)(.)4 ويكون متام االستيفاء بتمام املدة املتفق عليها إذا سلم اخلادم نفسه يف إجارة العني ،ألن استحقاق األجرة مرتبط مبجرد احتباس اخلادم نفسه على اخلدمة سواء عمل أو مل يعمل ،قال احلنفية( :رجل استأجر رجالً ليعلم غالمه ،أو ولده شعراً أو أدباً أو خطاً أو حساباً أو حرفة أو اخلياطة وحنوها ،إن بني لذلك وقتاً معلوماً ،ستة أشهر وما أشبه ذلك جاز ،وجيب -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.204 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.205 -3مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص.451 -4الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.201 148 املسمى ،تعلم أو مل يتعلم يف تلك املدة ،إذا سلم األستاذ نفسه لذلك)(.)1 هل تلزم األجرة على عمل يف الذمة بتفويت املخدوم للمنفعة املبذولة من غري حتصيلها؟ إذا بذل اخلادم العمل ففوت املخدوم املنفعة فقد اختلف العلماء بلزوم األجر :فقال أبو حنيفة ومالك بعدم استحقاق األجر ألن األجر مقابل املنفعة ومل تتم ،وأيد هذا القول ابن قدامة( :وإن بذل تسليم العني وكانت اإلجارة على عمل فقال أصحابنا إذا مضت مدة ميكن االستيفاء فيها استقر عليه األجر وهبذا قال الشافعي ألن املنافع تلفت باختياره ،وقال أبو حنيفة ال أجر عليه وهو أصح عندي ألنه عقد على ما يف الذمة فلم يستقر ببذل التسليم كاملسلم فيه وألنه عقد على منفعة غري مؤقتة بزمن فلم يستقر عوضها بالبذل كالصداق إذا بذلت تسليم نفسها وامتنع الزوج من أخذها(.)2 وقال الشافعي وأمحد باستحقاق األجر ألن التفويت حصل بسبب املخدوم، قال ابن قدامة( :وإن كانت اإلجارة على عمل فتسلم املعقود عليه ومضت مدة ميكن استيفاء املنفعة فيها ...فقال أصحابنا يستقر عليه األجر وهو مذهب الشافعي ألن املنافع تلفت حتت يده باختياره فاستقر الضمان عليه كما لو تلفت العني يف يد املشرتي وكما لو كانت اإلجارة على مدة فمضت)( ،)3وقال الشربيين من الشافعية( :أن املؤجر استقر ملكه من األجرة على ما يقال ذلك إما باستيفاء املنفعة أو بتفويتها)(.)4 وإن كان عقد اخلدمة جعالة فمن املؤكد أن ال يستحق من األجر شيئاً -1األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج 2ص.13 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.257 -3املرجع السابق ج 5ص.257 -4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.344 149 حتى يتم عمله املتفق عليه. 3 .3مقدار األجرة: حيدد مقدار األجرة مبا اتفق عليه املتعاقدان يف عقد اخلدمة ،أما إذا سكت املتعاقدان عن األجرة ثبت أجر املثل حبسب املتعارف عليه ،وم َّثل لذلك احلنفية بقوهلم( :رجل جاء مبراهق إلىل داره بقرار أن يعطيه اخلبز واللباس وهو يشتغل خبدمة الرجل ،وقرر أيضاً تعليمه املهنة واشتغل عنده سنتني ثم تفارقا ،جتب أجرة مثل عمل هذا املراهق على الرجل، جيب عليه أجر املثل)( ،)1وجاء يف جملة األحكام العدلية( :لو خدم أحد آخر على طلبه من دون مقاولة أجرة فله أجر املثل إن كان ممن خيدم باألجرة وإال فال)(.)2 اشرتاط أجرتني واحدة للتعجيل واألخرى للتأخري :فإذا حدد العقد أجرة يف تعجيل املنفعة وأقل منها يف تأخريها جاز عند أبي يوسف وحممد من احلنفية ورواية عن أمحد ألن منفعة التعجيل أكثر أجراً من املؤجلة يف العادة ،وألنه عقد مسي فيه عمل معلوم وبدل معلوم فال معنى لفساد اإلجارة فيه ،قال الكاساني( :ولو أعطى خياطاً ثوباً فقال إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم قال أبو حنيفة الشرط األول صحيح والثاني فاسد حتى لو خاطه اليوم فله درهم وإن خاطه غدا فله أجر مثله ...وقال أبو يوسف وحممد الشرطان جائزان)( ،)3وقال ابن قدامة( :وإن قال إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فعن أمحد فيه روايتان إحدامها ال يصح وله أجر -1األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج 2ص.13 ( -2جملة األحكام العدلية) ص .105 -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.186 150 املثل ...ألنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخري فلم يصح كما لو قال بعتك نقداً بدرهم أو بدرمهني نسيئة .والثانية يصح)(.)1 وقال مجهور العلماء بفساد هذا العقد ،كأن قال للخادم إذا أهنيت تنظيف البيت اليوم فلك مئتان وإذا أهنيتها غداً فلك مئة ،ألن يف معنى بيعتني يف بيعة وللجهالة ،وكالمها مفسد لإلجارة ،قال النووي( :ولو أعطاه ثوباً وقال إن خطته اليوم فلك درهم أو غداً فنصف فسد العقد ووجبت أجرة املثل متى خاطه)(.)2 وعند اإلمام مالك إن دخلت الزيادة مقابل التعجيل يف أصل العقد فهو غري جائز ألنه بيعتني يف بيعة ،وإن أحلقت بالعقد ففيه تفصيل :إن أمكن التعجيل جاز ،وإن كان ال يدري أيقدر على التعجيل أم ال كره العقد ،قال املالكية( :إذا استأجره على خياطة ثوب بدرهم ثم قال له عجله يل اليوم وأزيدك نصف درهم فإن كان على يقني من أنه ميكنه تعجيله فذلك جائز وإن كان ال يدري إذا أجهد نفسه هل يتم أم ال فكرهه مالك ،ومثله استئجار رسول على تبليغ كتاب لبلد بكذا ثم زيادته على أن يسرع يف السري فيبلغه يف يوم كذا يفصل فيه كما تقدم)(.)3 اشرتاط تغري األجرة بتغري وصف العمل :وأن شرط تغري األجرة بتغري وصف العمل فسد العقد عند اجلمهور( )4وجاز عند احلنفية ،مثاله أن يقول رب املنزل للبستاني إن غرست حديقة املنزل شتالً فلك ألف وإن زرعتها أزهاراً فلك ألفان ،بينه النووي بقوله( :ولو قال إن خطته روميًا -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.295 -2النووي ،أبو زكريا حييى بن شرف بن مري 676هـ (روضة الطالبني وعمدة املفتني) بريوت ،املكتب اإلسالمي ،الطبعة الثانية 1405هـ ج 5ص.175 -3احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.403 -4احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص ،403والنووي (روضة الطالبني) ج5ص ،175وابن قدامة (املغين) ج5ص.295 151 فلك درهم أو فارسيًا فنصف فسد)(.)1 وهذه املسألة يف اخلالف بني الفقهاء واالستدالل كاليت قبلها إال أن أبا حنيفة وافق صاحبيه يف اجلواز ،قال الكاساني( :وكذلك إذا دفع إىل خياط ثوبا فقال له إن خطته فارسياً فلك درهم وإن خطته رومياً فلك درمهان ،أو قال لصباغ إن صبغت هذا الثوب بعصفر فلك درهم وإن صبغته بزعفران فلك درمهان فذلك جائز)(.)2 4 .4اجتماع األجرة مع بدلٍ غريها يف اخلدمة: جلعل :حبيث جيعل للخادم يف عقد اخلدمة أجراً حمدداً اجتماع األجرة وا ُ ويزيده جعالً على إهناء العمل ،مثاله أن يقول رب املنزل للمعلم لك على تعليم الولد القران ألفا لرية كل شهر ،ولك مخسة أالف أخرى إذا ختم حفظ القرآن ،فاأللفني إجارة واخلمسة جعالة فهذا عقد فاسد يفسد به العقد ويستحق به أجر املثل قال املالكية( :وكذلك تفسد اإلجارة إذا مجعها مع اجلعل وقاله يف أول كتاب اجلعل من املدونة)(.)3 اجتماع اإلجارة والبيع :حبيث يتعاقد على عمل وشراء سلعة بثمنها يف نفس العقد ،فيستحق اخلادم أجرة عمله ومثن سلعته ،وهو تعاقد مشروع، مثاله أن يتعاقد مع شركة مصاعد على شراء مصعد بثمنه وصيانته بشكل دوري مقابل أجرة حمددة ،أو كالتعاقد مع عامل يقوم بصيانة كهرباء املنزل بشكل دوري مقابل أجر حمدد مع استبدال األشياء التالفة جبديدة بثمنها قال املالكية( :أن اإلجارة مع البيع ليست بفاسدة بل جيوز -1والنووي (روضة الطالبني) ج5ص.175 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج4ص.185 -3احلطاب (مواهب اجلليل) ج5ص.396 152 اجتماعها معه)(.)1 5.5استئجار اخلادم بنفقته من طعام وشراب وكساء: هل جيوز استئجار اخلادم بنفقته من طعام وغريه؟ العلماء يف حكمها على مذاهب: املذهب األول باجلواز :قاله املالكية ورواية عن أمحد. قال ابن قدامة( :اختلفت الرواية عن أمحد فيمن استأجر أجريًا بطعامه وكسوته أو جعل له أجرًا وشرط طعامه وكسوته فروي عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك وإسحاق وروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى رضي اهلل عنهم أهنم استأجروا األجراء بطعامهم وكسوهتم)(.)2 ورجح ابن قدامة هذا املذهب لقوة وكثرة أدلته: • •حديث عتبة بن املنذر قال :كنا عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقرأ {طس} [النمل ]1:حتى بلغ قصة موسى قال« :إن موسى آجر نفسه مثاني حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه»( )3وشرع من قبلنا شرع لنا ما مل يثبت نسخه. • •وحديث أبي هريرة رضي اهلل عنه أنه قال« :كنت أجريًا البنة غزوان ()4 بطعام بطين وعقبة رجلي ،أحطب هلم إذا نزلوا وأحدوا هبم إذا ركبوا»(.)5 • •وبالقياس على التعاقد مع املرضعة الثابت باآلية القرآنية. • •وانتفاء اجلهالة عن العوض بالعمل بالعرف السائد. -1املرجع السابق ج5ص.396 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.285 -3ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج 2ص 817برقم.2444 : -4بسرة بنت غزوان :اليت كان أبو هريرة أجريها ثم تزوجها ،وهي أخت عتبة بن غزوان املازني الصحابي املشهور أمري البصرة وقصة أبي هريرة معها صحيحة كانت قد استأجرته يف العهد النبوي ثم تزوجها بعد ذلك ملا كان مروان يستخلفه يف إمرة املدينة (اإلصابة يف متييز الصحابة ج 7ص.)537 -5ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج2ص 817برقم.2445 : 153 • •وإمجاع الصحابة على صحة العمل به كما ذكر ابن قدامة( :وألن من ذكرنا من الصحابة وغريهم فعلوه فلم يظهر له نكري فكان إمجاعاً... وألنه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة وألن للكسوة عرفاً وهي كسوة الزوجات ولإلطعام عرف وهو اإلطعام يف الكفارات فجاز إطالقه كنقد البلد وخنص أبا حنيفة بأن ما كان عوضا يف الرضاع جاز يف اخلدمة كاألمثان)(.)1 • •وتقدر حبسب العرف والعادة يف الطعام والشراب واللباس وبقية احلوائج(.)2 املذهب الثاني بعدم اجلواز :قاله الصاحبني من احلنفية والشافعية ورواية أخرى عن أمحد .يقول الكاساني( :لو استأجر عبداً بأجر معلوم وبطعامه أو استأجر دابة بأجر معلوم وبعلفها مل جيز ألن الطعام أو العلف يصري أجرة وهو جمهول فكانت األجرة جمهولة والقياس يف استئجار الظئر بطعامها وكسوهتا أنه ال جيوز وهو قول أبي يوسف وحممد جلهالة األجرة وهي الطعام والكسوة)( .)3وذكر ابن قدامة الرواية عن اإلمام أمحد بقوله: (وروي عنه رواية ثالثة ال جيوز ذلك حبال ال يف الظئر وال يف غريها و به قال الشافعي وأبو يوسف وحممد وأبو ثور وابن املنذر ألن ذلك خيتلف اختالفاً كثرياً متبايناً فيكون جمهوالً واألجر من شرطه أن يكون معلوماً(.)4 املذهب الثالث باجلواز يف املرضعة فقط للنص :قاله أبو حنيفة ورواية -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.285 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 3ص.434 -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج4ص.193 -4ابن قدامة (املغين) ج5ص.285 154 ثالثة عن أمحد .قال الكاساني( :إال أن أبا حنيفة استحسن اجلواز بالنص َلعىَ ْ َ ْ ُ هَ ُ ْ ُ ُ َّ َ ْ َ ُ ُ َّ ْ ْ َ ُ وف} وهو قوله عز وجل{ :و المولودِ ل رِزقهن وك ِسوتهن بِالمعر ِ [البقرة ]233:من غري فصل بني ما إذا كانت الوالدة منكوحة أو مطلقة وقوله عز وجل وعلى الوارث مثل ذلك أي الرزق والكسوة وذلك يكون بعد ْ َ َ ُّ ْ َ َ ْ رَ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ال ُج َناحَ ضعوا أوالدكم ف موت املولود وقوله تعاىلِ{ :إَون أردتم أن تست ِ َ َ ْ ُ ْ َ َ َّ ْ ُ َّ َ ْ ُ ْ ْ َ ُ وف} [البقرة ]233:نفى اهلل سبحانه عليكم إِذا سلمتم مآ آتيتم بِالمعر ِ وتعاىل اجلناح عن االسرتضاع مطلقا ،وقوهلما األجرة جمهولة مسلم لكن اجلهالة ال متنع صحة العقد لعينها بل إلفضائها إىل املنازعة وجهالة األجرة يف هذا الباب ال تفضي إىل املنازعة ألن العادة جرت باملساحمة مع األظآر والتوسيع عليهن شفقة على األوالد)(.)1 أما إذا كانت النفقة موصوف ًة يف الذمة جاز باإلمجاع ،وال دخل هلا هبذا اخلالف ألن النفقة يف هذه احلالة مضبوطة وليس فيها جهالة ،كأن يستأجر اخلادم كل يوم بثالث وجبات طعام كل يوم من طعام كذا ،ويصبح طعامه حقاً له سواء أكله أم مل يأكله وال بد من تسلمه ،كما ذكر ابن قدامة بقوله( :وإن شرط األجري كسوة ونفقة معلومة موصوفة كما يوصف يف املسلم جاز ذلك عند اجلميع ...وإن استغنى األجري عن طعام املؤجر بطعام نفسه أو غريه أو عجز عن األكل ملرض أو غريه مل تسقط نفقته وكان له املطالبة هبا ألهنا عوض فال تسقط بالغنى عنه كالدارهم)(.)2 معنى تسليم الطعام :فإن كان اخلادم مستأجراً بطعامه وجب على املستأجر أن يدفع له طعامه املستحق له ،فإن قدم له الطعام على وجه -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.193 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.286 155 اإلباحة فلم يستطع حتصيله وجب عليه أن يقدم له بدله ،كأن يشارك أهل البيت أو خداماً غريه يف الطعام فال يبقون له ما يكفي ،عندها جيب على رب البيت أن خيصه بطعام لوحده ،قال ابن قدامة( :إن قدم إليه طعاما فنهب أو تلف قبل أكله نظرت فإن كان على مائدة ال خيصه فيها بطعامه فهو من ضمان املستأجر ،ألنه مل يسلمه إليه فكان تلفه من ماله، وإن خصه بذلك وسلمه إليه فهو من ضمان األجري ،ألنه تسليم عوض على وجه التمليك أشبه البيع)(.)1 املقصود بالنفقة :تضبط النفقة بالنص يف العقد أوالً ،وإال فيحددها العرف ،وهي تشمل األمور اآلتية: -1الطعام والشراب :جيب أن يكون من جنس طعام أهل البيت ،والدليل قول النيب صلى اهلل عليه وسلم« :إخوانكم خولكم جعلهم اهلل حتت أيديكم فمن كان أخوه حتت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس وال تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم»( ،)2ثم إن األصل يف استحقاق الطعام أجرةً هو ما اتفق عليه املتعاقدان ،وما سكت عنه العقد فسره العرف وهو ما اعتاده الناس من طعام وشراب ،قال الكاساني( :وقد قالوا يف توابع العقود اليت ال ذكر هلا يف العقود إهنا حتمل على عادة كل بلد)(.)3 -2املسكن :واملقصود باملسكن املكان الذي حيقق للخادم أمنه وراحته ونومه ،ويتبع السكن كل حاجات السكن من تدفئة وإنارة ،والبد من أن يكون مكاناً يبيت يف مثله عادة ،فال جيوز أن يكون حظريةً مع البهائم، -1املرجع السابق ج 5ص.286 -2البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج1ص 20عن أبي ذر برقم.30: -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.209 156 أو يف العراء كشرفة املنزل أو زاوية حديقته .وإن عني املطبخ مثالً مبيتاً للخادمة كما يفعل كثريٌ من الناس جاز إن كان يليق لذلك ،وإن تركوا اخلادمة تشاركهم املنزل وتنام مع األطفال يف غرفهم جاز بشرط االلتزام بضوابط احلجاب والنظر الشرعية ،كأن يكونوا إناثاً فقط أو صغاراً ،مع حتفظات كثرية منر عليها يف الفصل الثالث بإذن اهلل. -3اللباس :يستحق اخلادم اللباس إن كان مثة شرط أو عرف فيه ،وجيب عند ذلك على رب البيت أن يكسو اخلادم ما يناسبه من لباس ذكراً أو أنثى ،صيفاً وشتاءً. -4الدواء :وهو من مجلة النفقة اليت حيتاجها اخلادم وتلزم املخدوم كذلك بالشرط أو بالعرف ،وقد ألزمت معظم احلكومات الناس باشرتاط هذا احلق يف عقد خدمة املنزل اخلاصة (الشغاالت) حيث ألزمت املستخدم سلفاً بدفع التأمني الصحي للخادمة. والدواء الذي يلزم املخدوم أن يقدمه للخادم هو الدواء الذي يتعاطاه اإلنسان يف أحواله املعتادة كصداع مثالً أو زكام أو مداواة جرح بسيطة. وهو غري ملزم أن ينفق عليه أجرة عملية جراحية مثالً ،ألنه أجرة جمهولة تفسد العقد ،ثمَّ إن مرضاً كهذا يعجز اخلادم عن اخلدمة ويؤدي لفسخ العقد ،وهذا ما سنذكره –إن شاء اهلل -يف حبث عوارض اخلدمة ،ومل تبق خدمة أصالً ،قال ابن قدامة( :وإن احتاج لدواء ملرضه مل يلزم املستأجر ذلك ألنه مل يشرط له اإلطعام إال صحيحا)(.)1 -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.286 157 أما سبب عدم جعل الدواء من النفقة عند معظم الفقهاء فهذه مسألة ترجع ألحوال الناس وأعرافهم ،وقد تغري هذا األمر كثرياً وتطور(.)1 أما زكاة الفطر :فال تلزم ألن نفقة اخلادم وجبت بسبب عقد اخلدمة فهي عوض مثل النقود ،وليست نفقة اخلادم واجبة على رب املنزل بالشرع حتى نلزمه بزكاة فطر اخلادم ،قال النووي( :وإن اكرتى هلا خادماً حرة أو أمة مل يلزمه فطرة اخلادم كما ال يلزمه نفقته فإن اإلجارة ال تقتضي النفقة)( ،)2وقال ابن قدامة( :وإن استأجر هلا خادما فليس عليه نفقته وال فطرته سواء شرط عليه مؤونته أو مل يشرط ألن املؤونة إذا كانت أجرة فهي من مال املستأجر ،وإن تربع باإلنفاق على من ال تلزمه نفقته فحكمه حكم من تربع باإلنفاق على أجنيب)(.)3 6 .6أال يكون األجر شيئا حيصل بعمل األجري :هل جيوز أن تكون أجرة بستاني املنزل مبا ميكن أن حيصله من مثار حديقة املنزل؟ يف احلقيقة أن هذا العقد ال جيوز عند مجهور العلماء للحديث النبوي الذي رواه أبو سعيد اخلدري رضي اهلل عنه قال (هنى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان)( )4فسره العلماء بقوهلم( :هو أن يقول للطحان اطحنه بكذا وقفيز منه أو اطحن هذه الصربة اجملهولة بقفيز منها)( ،)5ويفسد العقد -1وقد حبث مسألة "كون التداوي من النفقة" الشيخ حممد أديب كلكل -حفظه اهلل -يف رسالة بعنوان( :تطبيب املرأة ومثن عالجها). -2النووي (اجملموع شرح املهذب) ج 6ص.95 -3ابن قدامة (املغين) ج 2ص.360 -4الدارقطين ،أبو احلسن علي بن عمر البغدادي 385هـ (سنن الدارقطين) حتقيق عبد اهلل هاشم مياني املدني ،بريوت، نشر دار املعرفة 1386هـ 1966م ،ج 3ص 47برقم .195 :البيهقي ،أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي بن موسى 458هـ (السنن الكربى) حتقيق حممد عبد القادر عطا ،مكة املكرمة ،مكتبة دار الباز1414،هـ 1994م ،ج 5ص 339برقم.10636: -5املناوي (فيض القدير) ج 6ص.335 158 جلهالة األجرة ،ولعدم القدرة على تسليم األجرة حاالً ،قال الشربيين: (وال يصح أيضا استئجار سالخ ليسلخ الشاة باجللد الذي عليها ،وال طحان على أن يطحن الرب مثالً ببعض الدقيق منه كربعه أو بالنخالة منه، للجهل بثخانة اجللد وبقدر الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على األجرة حاال. وقد روي ...أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن قفيز الطحان و ُفسر بأن جيعل أجرة الطحن قفيزًا مطحو ًنا .والضابط يف هذا أن جتعل األجرة شيئا حيصل بعمل األجري)(.)1 وأفتى باجلواز علماء بلخ من احلنفية ،وخصوا احلديث مبسألة الطحان فقط ومل يقيسوا عليها غريها( :أن يستأجر رجال ليحمل له طعاما أو يطحنه بقفيز منه فاإلجارة فاسدة وجيب أجر املثل ال يتجاوز به املسمى... عدم اجلواز منصوص عليه بالنهى عن قفيز الطحان ...لكن مشايخ بلخ استحسنوه وأجازوه لتعامل الناس ،قال وبه نأخذ)(.)2 ولعل يف هذه الفتوى عند احلنفية سعة وتيسري للناس. 7.7مكان تسليم األجرة :األصل يف تسليم األجرة هو املكان املتفق عليه فإن مل ينص العقد على مكان فمكان العقد هو مكان تسليم األجرة ،قال الشربيين( :إن عني ملكان التسليم مكانا تعني وإال فموضع العقد)(.)3 -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.336 -2ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 5ص.280 -3الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.335 159 املطلب الثاني :شروط عقد اخلدمة عقد اخلدمة يف البيوت مثل البيع وكأي عقد معاوضة له شروط انعقاد وشروط صحة وشروط نفاذ وشروط لزوم ،وسأتناول كل منها على حدة: 1 .1شروط االنعقاد عقد اخلدمة: عقد اخلدمة هو عقد كالبيع ال بد من توفر شروط االنعقاد فيه حتى يصبح عقداً له وجود وقيمة يف الشرع ،وإن ختلف أحدها عد العقد باطالً كأن مل يكن ،ومل يرتتب عليه شيء وصار التعاقد لغو. ومن أهم شروط االنعقاد: -1أهلية العاقدين :فال بد حتى ينعقد عقد اخلدمة من أن يكون كال العاقدين أهالً للتصرف ،قال ابن قدامة( :وال تصح إال من جائز التصرف ألهنا عقد متليك يف احلياة فأشبه البيع)( ،)1وقال الكاساني( :حتى ال تنعقد اإلجارة من اجملنون والصيب الذي ال يعقل كما ال ينعقد البيع منهما)( )2فال بد أن يكون عاقال ً وغري حمجور عليه ،فإن صدر العقد من جمنون مثالً مل يقع. -2موافقة اإلجياب للقبول :قال ابن عابدين( :وشرط العقد اثنان أيضا موافقة اإلجياب للقبول فلو قبل غري ما أوجبه أو بعضه أو بغري ما أوجبه أو ببعضه مل ينعقد)( ،)3فإن مل يتوافق حمتوى اإلجياب مع حمتوى القبول مل ينشأ تعاقد أصالً ،فإن قال املستخدم للخادم استأجرتك على حراسة -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.251 -2الكاساني ( بدائع الصنائع ) ج 4ص.176 -3ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 4ص.505 160 املنزل بأجر معني فقال اخلادم قبلت الطهي يف منزلك على األجر املذكور، ال يعد هذا عقداً الختالف العاقدين على اخلدمة. -3وأن يكون اإلجياب والقبول بصيغة جازمة ،كأن يكونا بصيغة املاضي كاستأجرتك ويقول اخلادم قبلت ،وال يصح بصيغة الطلب ،قال الكاساني: (وألن هذه الصيغة مساومة حقيقة فال تكون إجياباً وقبوالً حقيقة ،بل هي طلب اإلجياب والقبول فال بد لإلجياب والقبول من لفظ آخر يدل عليهما)(.)1 -4إحتاد جملس اإلجياب والقبول :ألن اجمللس جيمع املتفرقات فإن انفض اجمللس عن إجياب من غري قبول ،مل يعد هنالك تعاقد أصالً. -5أن تكون املنفعة مقدور على تسليمها :فال ميكن استخدام ضرير على حراسة منزل ألن املنفعة املتعاقد عليها ال ميكن تسليمها ،وال ينعقد العقد وهو لغو من القول ،وعدم إمكانية التسليم قد تكون حسية كاملثال السابق أو تكون شرعية كاستئجار حائض لتحفيظ القرآن يف مدة حيضها كما مر يف املطلب السابق(.)2 2 .2شروط صحة عقد اخلدمة: شروط الصحة هذه ختتلف عن شروط االنعقاد ،بأن العقد إذا افتقد أحد شروط الصحة حكم عليه بالفساد ال بالبطالن ،ويظهر الفرق بينهما عند -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 5ص.134 -2ص.132 161 الكالم عن النتائج املرتتبة على كل منهما ،وأهم هذه الشروط ما يأتي(:)1 -1رضا املتعاقدين :فال يصح العقد بإكراه أحد املتعاقدين على العقد، ويفسد العقد عندها لفقدانه شرط الرضا ،كما ذكر الكاساني( :رضا َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ َ ُ كمْ املتعاقدين لقوله عز وجل{ :يا أيها ا ِين آمنوا ال تأكلوا أموال َّ َ َ ُ َ جَِ َ ً َ َ ّ ُ ََْ ُ ْ َ اض مِنكم} [النساء]29: بينك ْم بِالبَْا ِط ِل إِال أن تكون تارة عن تر ٍ واإلجارة جتارة ألن التجارة تبادل املال باملال واإلجارة كذلك)( ،)2فأي عقد تكره عليه اخلادمة فهو عقد غري صحيح ،وأي تعديل تلزم به اخلادمة جرباً يكون فاسداً. -2معلومية اخلدمة املتعاقد عليها :فال بد من ذكر املنفعة املتعاقد عليها، ببيان نوع اخلدمة ومدهتا وصفتها ،وهذا أمر خيتلف باختالف اخلدمة، يقول الكاساني( :أن يكون املعقود عليه وهو املنفعة معلوماً علماً مينع من املنازعة ...وأما يف األجري اخلاص فال يشرتط بيان جنس املعمول فيه ونوعه وقدره وصفته وإمنا يشرتط بيان املدة فقط ...ومنها بيان العمل يف استئجار الصناع والعمال ألن جهالة العمل يف االستئجار على األعمال جهالة مفضية إىل املنازعة فيفسد العقد)( ،)3وقال ابن قدامة( :فمن شرط صحة العقد معرفة املتعاقدين ما عقدا عليه ألنه عقد معاوضة حمضة فكان من شرطه املعرفة للمعقود عليه كالبيع)(.)4 وال بد من بيان املدة إذا كان عقد اخلدمة مرتبط بزمن ،وجاء يف املغين: (أن اإلجارة إذا وقعت على مدة جيب أن تكون معلومة كشهر وسنة وال -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص .179 -2املرجع السابق ج 4ص .184 -3املرجع السابق ج 4ص .184 -4ابن قدامة (املغين) ج 5ص297 162 خالف يف هذا نعلمه وألن املدة هي الضابطة للمعقود عليه املعرِّفة له فوجب أن تكون معلومة)(.)1 -3العلم باألجرة :ألن اجلهالة مفضية ملنازعة وهي مفسدة للعقد يف أي ركن من أركانه ،كما يقول الكاساني( :واألصل يف شرط العلم باألجرة قول النيب صلى اهلل عليه وسلم « :من استأجر أجرياً فليعلمه أجره»(.)3())2 -4أن تكون املنفعة ممكنة االستيفاء :وذلك أن حيول أمر دون إمكان استيفاء املنفعة املتعاقد عليها ،سواء كان هذا املانع حسياً أو شرعياً ،قال الكاساني( :ومنها أن يكون مقدور االستيفاء حقيقة وشرعاً ألن العقد ال يقع وسيلة إىل املعقود بدونه فال جيوز استئجار اآلبق ألنه ال يقدر على استيفاء منفعته حقيقة لكونه معجوز التسليم حقيقة وهلذا مل جيز بيعه وال جتوز إجارة املغصوب من غري الغاصب كما ال جيوز بيعه من غريه ملا قلنا)(.)4 والفرق بني هذا الشرط وشرط القدرة على تسليم املنفعة يف االنعقاد ،أن املنفعة يف شرط االنعقاد كانت معدومة يف األصل لسبب حسي أو شرعي أما يف شرط الصحة فاملنفعة موجودة ولكن منع من تسليما مانع حسي أو شرعي ،فاستئجار األعمى للحراسة لغو وباطل ،أما استئجار اخلادمة اليت هربت من اخلدمة فاسد لتصور وجود أركان العقد مع وجود املانع من تطبيقه. -1املرجع السابق ج 5ص.251 -2البيهقي (السنن الكربى) ج 6ص 120برقم 11431 :عن أبي هريرة رضي اهلل عنه. -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.193 -4املرجع السابق ج 4ص.187 163 -5أال ينتفع األجري بعمله :كأن يستأجر الرجل زوجته يف خدمة بيتها ألنا تعمل لنفسها فاإلجارة فاسدة ،يشري إىل ذلك الكاساني بقوله( :ومنها أن ال ينتفع األجري بعمله فإن كان ينتفع به مل جيز ألنه حينئذ يكون عامالً لنفسه فال يستحق األجر وهلذا قلنا إن الثواب على الطاعات من طريق اإلفضال ال االستحقاق ألن العبد فيما يعمله من القربات والطاعات عامل َ ْ َ َ َ ً َ َْ لنفسه قال سبحانه وتعاىل{ :من ع ِمل ص حِ سهِ} [ اجلاثية]15: الا فلِنف ِ ومن عمل لنفسه ال يستحق األجر على غريه وعلى هذه العبارة أيضا خيرج االستئجار على الطاعات فرضا كانت أو واجبة أو تطوعا ألن الثواب موعود للمطيع على الطاعة فينتفع األجري بعمله فال يستحق األجر)(.)1 -6أن تكون املنفعة مقصودةً :فال يصح استئجار خادم ملنفعة ال يقصدها الناس عادة ،كما نص على ذلك احلنفية فقالوا( :ومنها أن تكون املنفعة مقصودة يعتاد استيفاؤها بعقد اإلجارة وجيري هبا التعامل بني الناس ألنه عقد شرع خبالف القياس حلاجة الناس وال حاجة فيما ال تعامل فيه للناس فال جيوز استئجار األشجار لتجفيف الثياب عليها واالستظالل هبا ألن هذه منفعة غري مقصودة من الشجر)(.)2 -7تسليم األجرة :يف جملس عقد اخلدمة عند الشافعية يف إجارة الذمة كما لو استأجر خادماً لينظف له حجرات املنزل بأجر معني فالبد له من دفع تلك األجر يف نفس اجمللس ،ألن اإلجارة كالسلم سواء كان العقد بلفظ السلم أو غريه ألنه مبعنى السلم ،وبينوا ذلك بقوهلم( :ويشرتط يف -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.192 -2املرجع السابق ج 4ص.192 164 صحة إجارة الذمة تسليم األجرة يف اجمللس قطعاً إن عقدت بلفظ السلم كرأس مال السلم ألهنا سلم يف املنافع وكذا إن عقدت بلفظ اإلجارة يف األصح نظراً إىل املعنى فال جيوز فيها تأخري األجرة وال االستبدال عنها وال احلوالة هبا وال عليها وال اإلبراء منها)(.)1 -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.335 165 3 .3شروط نفاذ عقد اخلدمة: وهي شروط ال بد منها حتى يعد العقد نافذاً ،وإن ختلف منها شرط صحَّ العقد لكنه وقع موقوفاً على حصول ذلك الشرط ،وهي: -1امللك أو الوالية على املعقود عليه :يف التصرف به فلو تعاقد القاصر على خدمةٍ ما مل ينفذ العقد حتى يقبل وليه به ،ولو تعاقد خادم على إجارة عمل وكان وقته مشغول خبدمة غريها ،يعد عقده موقوفا على إذن املخدوم الذي ميلك منافع العمل للخادم طيلة مدة اخلدمة فيحق له منعه من ممارسة عمل آخر خالهلا ،ومثاهلا كذلك يف إجارة الفضويل لغريه ،حيث يتوقف عقده على موافقة اخلادم املؤجَّر ،قال احلنفية( :امللك والوالية فال تنفذ إجارة الفضويل لعدم امللك والوالية لكنه ينعقد موقوفا على إجازة املالك عندنا خالفا للشافعي كالبيع ...إذ اإلجازة الالحقة كالوكالة السابقة)(.)1 -2تسليم املستأجَر :البد من تسليم اخلادم نفسه حتى ينفذ العقد ،فإذا مل يبذل اخلادم املنفعة املتعاقد عليها فاإلجارة موقوفة ،وبني هذا الشرط الكاساني بقوله( :ومنها تسليم املستأجَر ...ونعين بالتسليم التخلية والتمكني من االنتفاع برفع املوانع يف إجارة املنازل وحنوها وعبيد اخلدمة وأجري الواحد حتى لو انقضت املدة من غري تسليم املستأجر على التفسري ِ املستأجر مل ميلك من املعقود الذي ذكرنا ال يستحق شيئاً من األجر ألن عليه شيئاً فال ميلك هو أيضا شيئا من األجر ألنه معاوضة مطلقة)(.)2 -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص .177 -2املرجع السابق ج 4ص .179 166 -3تسليم األجرة :ويلزم تسليمها قبل اخلدمة بالشرط عن احلنفية ومالك( )1وبالعقد عند الشافعي وأمحد( ،)2يقول الكاساني( :إذا كان العقد مطلقاً عن شرط التعجيل بأن مل يشرط تعجيل األجرة يف العقد ومل يوجد التعجيل أيضا من غري شرط عندنا خالفا للشافعي بناء على أن احلكم يف اإلجارة املطلقة ال يثبت بنفس العقد عندنا ألن العقد يف حق احلكم ينعقد على حسب حدوث املنفعة فكان العقد يف حق احلكم مضافا إىل حني حدوث املنفعة فيثبت حكمه عند ذلك وعنده جتعل منافع املدة موجودة يف احلال تقديراً كأهنا عني قائمة فيثبت احلكم بنفس العقد كما يف بيع العني)(.)3 4 .4شروط لزوم عقد اخلدمة: مينع لزوم عقد اخلدمة وجود أحد اخليارات اآلتية اليت تعطي أحد املتعاقدين أو كليهما خيار الفسخ: -1خيار العيب :األصل أن تكون العني املؤجرة خالية من العيب الذي خيل بأداء اخلدمة أو ينقص من أجرهتا ،كأن توجد باخلادمة عاهة متنع من حسن أداء خدمتها ،وعندها يكون العقد غري الزم وللمخدوم فسخ العقد بالعيب ،يقول ابن قدامة( :وإذا اكرتى عينا فوجد هبا عيبا مل يكن علم به فله فسخ العقد بغري خالف نعلمه ...يف املكرتي للخدمة ضعف البصر واجلنون واجلذام والربص)( ،)4وبني ذلك الكاساني بقوله( :أن ال يكون باملستأجَر عيب يف وقت العقد أو وقت القبض خيل باالنتفاع به فإن كان -1املرجع السابق ج 4ص ،202احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.394 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص ،334ابن قدامة (املغين) ج 5ص.256 -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.179 -4ابن قدامة (املغين) ج 5ص.264 167 مل يلزم العقد حتى قالوا يف العبد املستأجر للخدمة إذا ظهر أنه سارق له أن يفسخ اإلجارة ألن السالمة مشروطة داللة فتكون كاملشروط نصا كما يف بيع العني)(.)1 واألمر ال خيتلف بني أن يكون العيب قدمياً أو ناشئاً ولو بعد املباشرة يف بشخص ،إما إذا كانت اخلدمة اخلدمة ،هذا فيما إذا كانت اخلدمة متعينة ٍ متعلقة بالذمة وجب على العاقد إبدال اخلادم بغرية ،ألنه ملزم بتقديم اخلدمة من غري تعينها بشخص حمدد ،مثل أن يتعاقد رب املنزل مع جهةٍ ما على تنظيف منزله كل أسبوع مرة فيصاب اخلادم أويضعف عن أداء عمله عندها جيب إبداله وال يفسخ العقد ،ألن املتعاقد عليه العمل وليس اخلادم ،يقول ابن قدامة( :ومتى حدث شيء من هذه العيوب بعد العقد ثبت للمكرتي خيار الفسخ ألن املنافع ال حيصل قبضها إال شيئا فشيئا... فأثبت الفسخ فيما بقي منها ...وإن رضي املقام ومل يفسخ لزمه مجيع العوض ألنه رضي به ناقصاً فأشبه ما لو رضي باملبيع معيباً ...هذا إذا كان العقد يتعلق بعينها فأما إن كانت موصوفة يف الذمة مل ينفسخ العقد وعلى املكري إبداهلا ...فإن عجز عن إبداهلا أو امتنع منه ومل ميكن إجباره عليه فللمكرتي الفسخ أيضا)(.)2 ويثبت للمستأجر الفسخ فور حدوث العيب ،ويستحق اخلادم أجر ما مضى قبل حدوث العيب ،أما لو وجد املستأجر العيب قبل مباشرة اخلدمة إن شاء فسخ العقد وليس للخادم شيء ،وإن شاء رضي باخلدمة مع العيب. -2خيار الرؤية :يعطي خيار الرؤية حق فسخ العقد بسبب عدم رؤية -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.195 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.265 168 املعقود عليه أثناء انعقاد العقد ،فرمبا خيتلف املعقود عليه يف الواقع عن تصور العاقد ،وللعاقد حق الفسخ عند رؤية اخلادم. ودليله ما روي( :أن عثمان( )1ابتاع من طلحة بن عبيد اهلل( )2أرضا باملدينة نَا َقلَهُ بأرض له بالكوفة فلما تباينا ندم عثمان ثم قال بايعتك ما مل أره فقال طلحة إمنا النظر يل إمنا ابتعت مَغِيباً وأما أنت فقد رأيت ما ابتعت فجعال بينهما حكماً َّ فحكما جبري بن مطعم( )3فقضى على عثمان أن البيع جائز وان النظر لطلحة أنه ابتاع مغيبا)( ،)4يقول ابن قدامة يف ثبوت ِ املستأجر حتى خيار الرؤية يف عقد اإلجارة( :أن يكون املستأجَر مرئي لو استأجر داراً مل يرها ثم رآها فلم يرض هبا أنه يردها ألن اإلجارة بيع املنفعة فيثبت فيها خيار الرؤية كما يف بيع العني فإن رضي هبا بطل خياره كما يف بيع العني.)5(). قال املالكية واحلنابلة وقول عند الشافعية يسقط خيار الرؤية إذا كان الوصف مطابقاً ،يقول ابن قدامة( :أمجع كل من حنفظ عنه من أهل العلم على أن استئجار املنازل والدواب جائز وال جتوز إجارهتا إال يف مدة معينة معلومة والبد من مشاهدته وحتديده فإنه ال يصري معلوماً إال بذلك وال جيوز إطالقه وال وصفه وهبذا قال الشافعي وقال أبو ثور إذا ضبط -1عثمان بن عفان :بن أبي العاص بن أمية أمري املؤمنني أبو عبد اهلل ،ولد بعد الفيل بست سنني ،أسلم قدميا ،وزوجه النيب صلى اهلل عليه وسلم ابنته رقية وماتت عنده ،فزوجه بعدها أختها أم كلثوم فلذلك كان يلقب ذا النورين ،بشره رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم باجلنة وشهد له بالشهادة ،قتل سنة مخس وثالثني( .اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 4ص.)456 -2طلحة بن عبيد اهلل :بن عثمان بن عمرو القرشي التيمي أبو حممد أحد العشرة وأحد الثمانية الذين سبقوا إىل اإلسالم ،وأحد الستة أصحاب الشورى ،قيل له طلحة الفياض ،مات يوم اجلمل سنة ست وثالثني من اهلجرة( .اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 3ص .)529 -3جبري بن مطعم :بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي ،وكان انسب قريش لقريش والعرب قاطبة ،مات سنة سبع ومخسني( .اإلصابة يف متييز الصحابة ( -ج 1ص .)462 -4البيهقي (السنن الكربى) ج 5ص .268الطحاوي ،أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة 321هـ (شرح معاني اآلثار) حتقيق حممد زهري النجار ،بريوت ،دار الكتب العلمية،الطبعة األوىل1399هـ ج4ص.10 -5الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.195 169 بالصفة أجزأ وقال أصحاب الرأي له خيار الرؤية)(.)1 وقال احلنفية وقول عند الشافعية ال يسقط خيار الرؤية سواء طابق الوصف الواقع أم مل يطابقه( ،)2وتعليله أن الوصف لنفي اجلهالة اليت هي شرط لصحة العقد ،فال يصح العقد أصالً مع اجلهالة ،أما الرؤية فهي من لزوم العقد ،قال ابن عابدين( :إذ ال يصح بيع ما مل يعلم جنسه أصالً أي ال بوصف وال بإشارة)(.)3 وهذا اخليار يثبت للمخدوم برؤية اخلادم ،وال يكفي رؤية صورة اخلادمة وذكر أوصافها ،ألن املطلوب من اخلادمة ليس صورهتا بل عملها ومهتها ونشاطها وفطنتها وهذا أمر يشاهد على الواقع ،لذلك يثبت للمخدوم حق الفسخ برؤية اخلادمة ،إال إذا ترتب على ذلك ضرر كاستقدام اخلادمة ونفقات سفرها فإن تسبب العاقد به فال بد أن يلزم إما بإمتام العقد أو يضمن نفقات االستقدام. وكذلك هذا اخليار يثبت للخادم عند رؤية املنزل املتعاقد على خدمته ،فلو دخل عامل التنظيف املنزل الذي تعاقد على تنظيفه ورأى الفسخ للعقد عند مشاهدته للبيت كان له ذلك. -3خيار البلوغ :يثبت خيار البلوغ للخادم عند بلوغه إن أجَّره وليِّه قبل بلوغه ،قال احلنفية( :ولو أجر األب أو اجلد -أبو األب -أو وصيهما الصغري ثم بلغ يف املدة فهو باخليار ،إن شاء مضى على اإلجارة وإن شاء فسخ ،ألن إبقاء اإلجارة ضرراً على حقه. علل أبو حنيفة -رمحه اهلل -فقال :أرأيت لو تفقه فوُ ِّلي القضاء أكنت -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.260 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 5ص.298 -3ابن عابدين ( حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 4ص.593 170 ترتكه خيدم الناس وقد أجره أبوه؟ فهذا قبيح جداً)( ،)1وسئل اإلمام مالك: أرأيت لو أن يتيما يف حجري آجرته ثالث سنني وأنا أظنه ال حيتلم إىل ثالث سنني فاحتلم بعد سنة أو سنتني فأراد أن ينقض اإلجارة حني احتلم أيكون ذلك له أم ال ،قال( :ال أرى أن تَلزمه اإلجارة بعد احتالمه إال أن يكون الشيء اخلفيف حنو األيام والشهر وما أشبهه)( )2وهذا اخليار مذهب احلنفية واملالكية. وأما الشافعية فقالوا ببطالن العقد مبجرد بلوغ اخلادم ،ألن العقد يبطل فيما زاد عن والية الويل على القاصر ،قال الشربيين( :أجَّر الويل صبياً أو ماله مدةً ال يبلغ فيها الصيب بالسن فبلغ فيها باالحتالم وهو رشيد... فاألصح انفساخها فيما بقي من املدة)(.)3 وقال احلنابلة بلزوم العقد وعدم اخليار ،ألن العقد نشأ بأصله صحيحاً الزماً فال يعطى اخلادم حق الفسخ بعد البلوغ( ،وإن أجر الويل الصيب أو ماله مدة فبلغ يف أثنائها ...ليس له فسخ اإلجارة ،ألنه عقد الزم عقده حبق الوالية فلم يبطل بالبلوغ كما لو باع دارَه أو زوَّجه)(.)4 -4خيار الشرط :واملقصود به أن يشرط أحد العاقدين أو كليهما أن يكون له فسخ العقد أو إمضاؤه خالل مدة حمددة ،قال ابن عابدين( :فإن األصل يف العقد اللزوم من الطرفني وال يثبت ألحدمها اختيار اإلمضاء أو الفسخ ولو يف جملس العقد عندنا إال باشرتاط ذلك)( ،)5ويسقط هذا اخليار بإسقاطه دالل ًة أو صراح ًة أو مبضي مدة اخليار. -1األسروشين ( جامع أحكام الصغار ) ج 2ص.7 -2مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج11ص.455 -3الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.357 -4ابن قدامة (املغين) ج 5ص.272 -5ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 4ص.565 171 ودليله حديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رجالً ذكر للنيب صلى اهلل عليه وسلم أنه خيدع يف البيوع فقال« :إذا بايعت فقل ال خالبة»(،)1 ويف رواية أخرى« :ثم أنت يف كل سلعة ابتعتها باخليار ثالث ليال ،فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها»(.)2 وقد اختلف العلماء يف مدة اخليار فكان أوسعهم فيه احلنابلة والصاحبني من احلنفية ،فرتكوه التفاق الطرفني ومل يقيدوه مبدة حمددة ،قال ابن قدامة( :وجيوز اشرتاط اخليار ما يتفقان عليه من املدة املعلومة قلت مدته وكثرت وبذلك قال أبو يوسف وحممد)(.)3 وقيد الشافعي وأبو حنيفة املدة بثالثة أيام اعتماداً على احلديث السابق، قال الشربيين( :وإمنا جيوز شرط اخليار يف مدة معلومة متصلة بالعقد املشروط فيه اخليار متوالية ال تزيد على ثالثة أيام)(.)4 وقال املالكية باختالف املدة بقدر احلاجة ال تزيد عليها ،وبينوا ذلك بقوهلم( :وملا كانت مدة اخليار ختتلف خبالف املبيع بينها بقوله ومدته كشهر أي شهر وستة أيام يف دار ومثلها بقية أنواع العقار)(.)5 -5خيار اجمللس :وهو جملس العقد واملقصود به اجمللس املكاني ،فلكل من املتعاقدين حق الرجوع عن العقد ما دام يضمهم جملس العقد ،فإن تفرقا لزم العقد ،وهذا مذهب كثري من الصحابة والتابعني وقال به الشافعية واحلنابلة ودليلهم حديث بن عمر رضي اهلل عنهما عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال« :إذا تبايع الرجالن فكل واحد منهما باخليار ما -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 2ص 745برقم.2011: -2ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج 2ص 789برقم.2355 : -3ابن قدامة (املغين) ج 4ص.18 -4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.47 -5الدردير (الشرح الكبري) ج 3ص.91 172 مل يتفرقا وكانا مجيعاً أو خيري أحدمها اآلخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ومل يرتك واحد منهما البيع فقد وجب البيع»(.)1 قال ابن قدامة( :أن البيع يقع جائزًا ولكل من املتبايعني اخليار يف فسخ البيع ما داما جمتمعني مل يتفرقا ،وهو قول أكثر أهل العلم ،يروى ذلك عن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي برزة( )2و.)3()... ومل يأخذ احلنفية واملالكية هبذا اخليار ،وقالوا يلزم العقد باإلجياب والقبول وال خيار للعاقدين ،قال ابن عابدين( :حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما املتبايعان باخليار ما مل يتفرقا أو يكون البيع خيار...حممول على تفرق األقوال هو أن يقول اآلخر بعد اإلجياب ال أشرتي أو يرجع املوجب قبل القبول ،وإسناد التفرق إىل الناس مراداً به تفرق أقواهلم كثريٌ يف اب إلاَّ مِن َب ْع ِد ماَ ِين أُوتُوا الْك َِت َ الشرع والعرف قال تعاىلَ : {و َما َت َف َّر َق الذَّ َ ِ ُ ْ َجاءت ُه ُم البَْ ّي ِ َنة} [البينة.)4()]4: -6خيار فوات الوصف :قد يتعاقد اإلنسان مع خادم معني لصفة فيه، ويذكر ذلك الوصف يف العقد ،ولكنه يكتشف بعد ذلك فقدان هذا الوصف ،مما يعطيه خيار فسخ العقد بسبب فوات ذلك الوصف ،ومثاله أن يستأجر خادمة تتقن اللغة العربية فيظهر جهلها املطلق هبا ،فيكون ِ للمستأجر خيار فسخ عقد اخلدمة ،وهذا ما أطلق عليه احلنفية (خيار فوات الوصف) ،قال احلنفية( :اشرتى عبداً بشرط خبزه أو كتبه أي -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 2ص 744برقم.2006 : -2أبو برزة :نضلة بن عبيد األسلمي أبو برزة مشهور بكنيته ،نزل مرو ومات هبا،كان إسالمه قدميا ،ووقع االختالف يف سنة موته (.اإلصابة يف متييز الصحابة (ج 6ص.)433 -3ابن قدامة (املغين) ج 4ص.5 -4ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 4ص.528 173 حرفتُهُ كذلك فظهر خبالفه بأن مل يوجد معه أدنى ما ينطلق عليه اسم الكتابة أو اخلبز أخذه بكل الثمن إن شاء أو تركه لفوات الوصف املرغوب فيه)(.)1 وجعله بعض العلماء من خيار العيب كالشافعية واملالكية ،سئل مالك: أرأيت إن استأجرت ثوراً يطحن يل كل يوم إردبني بدرهم فوجدته ال يطحن إال إردبا واحدا ،فقال( :لك أن ترده)(.)2 فيثبت هبذه اخليارات السابقة :عند وجود أحدها حق الفسخ أو إمضاء عقد اخلدمة ،على التفاصيل اليت مرت سابقاً. ويسقط اخليار :بالرضا صراحة كأن يقول قبلت اخلادمة اليت خريتين بقبوهلا أو عدمه أو رضيت بالعيب الفالني ،وذلك حبسب نوع اخليار. أو بالرضا دالل ًة بتصرف املستخدِم تصرفاً يدل على رضاه بإمتام العقد، كاستمرار استخدامه (الشغالة) بعدما ثبت له أحد اخليارات السابقة، قال احلنفية( :واالستخدام ليس بإجازة ألنه ميتحن به واالستخدام ثانيًا إجازة)( ،)3فال حيق له بعد ذلك الفسخ باخليار الذي ثبت له ،قال الشربيين :وحيصل الفسخ للعقد واإلجازة له يف زمن اخليار بلفظ يدل عليهما ...وحيصالن بالكناية أيضا)(.)4 -1احلصكفي (الدر املختار شرح تنوير األبصار) ج 4ص.587 -2مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص.475 -3ابن اهلمام (شرح فتح القدير) ج 6ص.313 -4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.49 174 املطلب الثالث :ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة عندما ينعقد عقد اخلدمة يرتتب عليه أمور والتزامات لكال املتعاقدين، وختتلف هذه االلتزامات بني أن ينعقد العقد صحيحاً أو ينعقد فاسداً، أما العقد الباطل فال حكم له أصالً وال يرتتب عليه شيء وليس مثة عقد، لذلك لن أتناول البطالن يف هذا املطلب بشيء ،وكما يقول الكاساني: (وأما اإلجارة الباطلة وهي اليت فاهتا شرط من شرائط االنعقاد فال حكم هلا رأسا ألن ما ال ينعقد فوجوده يف حق احلكم وعدمه مبنزلة واحدة(.)1 أو ً ال -ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة صحيحاً: يرتتب على وقوع عقد اخلدمة مستكمالً لشرائط الصحة األمور الثمانية اآلتية: -1ثبوت امللك يف املنفعة للمستأجر :فيملك املستأجر منافع اخلدمة بانعقاد العقد صحيحاً ،وقد ذكره الكاساني أول أحكام اإلجارة الصحيحة فقال :ثبوت امللك يف املنفعة للمستأجر)(.)2 وملا ملك املستخدم منفعة اخلدمة ،كان له استيفاء املنفعة بنفسه أو بغريه إجارة أو إعارة ،فلو أرادت ربة املنزل السفر فرأت أن ترسل خادمتها لتعمل يف بيت أختها مدة غياهبا نفس العمل الذي تعاقدت عليه يف البيت األول سواء طالت هذه املدة أو قصرت ،على سبيل اإلعارة أو اإلجارة ،كل ذلك جائز شرعاً ،قال الشربيين( :وللمكرتي استيفاء املنفعة بنفسه وبغريه ،كما جيوز أن يؤجر ما استأجره من غريه لكن يشرتط أمانة من سلمها إليه(،)3 -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.218 -2املرجع السابق ج 4ص.201 -3الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.265 175 وقال املالكية( :لو شرط رب الدابة على املكرتي أنه ال يكريها لغريه... والظاهر أنه جيوز له أن يكريها ملثله أو أخف ويبطل الشرط)(.)1 وال بد من بيان أن استيفاء املنفعة من املستأجر سواء بنفسه أو بغريه أن تكون ضمن اخلدمة املتفق عليها يف العقد من غري زيادة ،كأن تلزم ربة البيت اخلادمة بعمل يف بيت آخر إضافة لعملها سواء إجارة أو إعارة، فهذا تعد وظلم ال جيوز اإلكراه عليه ،ألنه عمل زائد عن العقد ،قال اإلمام مالك( :إذا استأجر الرجل األجري على أن خيدمه يف منزله أو يبعثه يف سفره إن احتاج إليه أو يرحل به إن احتاج إىل ذلك أو حيرث له أو حيصد له إن احتاج إىل ذلك قال :أما كل عمل كان يشبه بعضه بعضاً أو بعضه قريب من بعض مثل كنس البيت أو اخلبز أو العجني وما أشبه هذه الوجوه فال بأس بذلك)(.)2 ولكن هل حيق للمستأجر األول أن يأخذ زيادة على األجرة األوىل من املستأجر الثاني؟ قال جبواز ذلك مطلقاً أمحد والشافعي وكثري من التابعني ،قال ابن قدامة( :وجيوز للمستأجر إجارة العني مبثل األجر وزيادة نص عليه أمحد وروي ذلك عن عطاء( )3واحلسن( )4والزهري وبه قال الشافعي(.)5 -2ثبوت األجرة املسماة :أي األجرة املذكورة يف العقد للخادم قال علماء -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.417 -2مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج11ص.435 -3عطاء بن يسار :وكان إماما فقيها واعظا مذكرا ثبتا حجة كبري القدر،حدث عن أبي أيوب وزيد وعائشة وأبي هريرة وأسامة بن زيد وعدة ،مات سنة ثالث ومئة( .سري أعالم النبالء ( -ج 4ص .)448 -4احلسن البصري :أبو سعيد احلسن بن أبي احلسن يسار ،موىل زيد بن ثابت االنصاري ،وكان سيد أهل زمانه علما وعمال ،شيخ أهل البصرة ،ولد لسنتني بقيتا من خالفة عمر ،وكان كثري اجلهاد ،وعن أبي بردة ،قال :ما رأيت أحدا أشبه بأصحاب حممد صلى اهلل عليه وسلم منه ،مات سنة عشر ومئة(.سري أعالم النبالء ج 4ص.)563 -5ابن قدامة (املغين) ج 5ص.278 176 احلنابلة( :وإذا وقعت اإلجارة على مدة معلومة بأجرة معلومة فقد ملك املستأجر املنافع وملكت عليه األجرة كاملة يف وقت العقد إال أن يشرتطا أجالً)(.)1 وقد تبني سابقاً أن األجرة يستحقها اخلادم باستيفاء املنفعة عند مجهور العلماء ،وبنفس العقد عند الشافعي واحلنابلة ،وأوجب الشافعي تسليمها عنده يف جملس العقد يف إجارة الذمة. صحيح أن األجرة تثبت بالعقد ولكن ال يستحقها إال بأحد األمور اآلتية(:)2 مبجرد العقد عند الشافعي واحلنابلة مطلقاً وباشرتاط التعجيل عند غريهم ،وال بد من تسليم األجرة يف جملس العقد يف إجارة الذمة عند الشافعي. بتمام استيفاء املنفعة املتعاقد عليها باالتفاق. إذا سلم اخلادم نفسه طيلة مدة اخلدمة املعقود عليها استحق كامل األجر ولو مل يعمل. وإذا سلم اخلادم نفسه يف بعض املدة وامتنع يف البعض اآلخر استحق األجر يف املدة اليت سلم نفسه فيها دون ما تبقى من متام مدة العقد. ولكن ال يستحق اجلعل املسمى يف عقد اجلعالة إال بتمام حتصيل املنفعة: ألن العقد يف اإلجارة على العمل والعقد يف اجلعالة على املنفعة ،فإن مل حيصِّل متام املنفعة املتعاقد عليها مل يستحق اجلعل لعدم وجود العوض، قال ابن قدامة( :فأما إن شارطه على الربء فإنه يكون جعالة فال يستحق شيئاً حتى يوجد الربء سواء وجد قريباً أو بعيداً)(.)3 -1املرجع السابق ج 5ص.251 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج4ص ،201احلطاب ( مواهب اجلليل ) ج5ص ،394الشربيين ( مغين احملتاج ) ج 2ص،335 ابن قدامة (املغين) ج 5ص.262 -3ابن قدامة ( املغين ) ج 5ص.314 177 -3لزوم إمتام العقد بني الطرفني :وهذا عند خلو العقد عن أحد اخليارات ،فكل واحد من أطراف العقد مطالب أمام اآلخر بإمتام عقد اخلدمة ،وهو قول مجهور العلماء ،قال ابن قدامة( :اإلجارة عقد الزم يقتضي متليك املؤجر األجر واملستأجر املنافع فإذا فسخ املستأجر اإلجارة قبل انقضاء مدهتا وترك االنتفاع اختياراً منه مل تنفسخ اإلجارة واألجر الزم له ومل يزل ملكه عن املنافع)(.)1 وعند احلنفية عقد اإلجارة يفسخ باألعذار ،يقول الكاساني( :حدوث عذر بأحد العاقدين أو باملستأجر فإن حدث بأحدمها أو باملستأجر عذر ال يبقى العقد الزما وله أن يفسخ)(.)2 -4حق احتباس اخلادم :طيلة فرتة اخلدمة املتعاقد عليها يف اإلجارة اخلاصة ،فال حيق للخادم إجراء عقد آخر أثناء انشغاله بعقد خدمة؛ ألن املخدوم ملك منفعة اخلدمة طيلة املدة احملددة ،قال املالكية( :أجريك للخدمة يؤاجر نفسه من غريك يوماً أو أكثر فلك أخذ األجر أو تركه وإسقاط حصة ذلك اليوم من األجر عنك)(.)3 وإن كانت إجارة ذمة أو عمل جاز للخادم التعاقد مع أخر ،ألن املتعاقد عليه العمل وليس الزمن فال حيق للمخدوم حبس اخلادم. -5ثبوت حق حتصيل لوازم اخلدمة للخادم :فيثبت للخادم بعض احلقوق الالزمة ليتمكن من تأدية خدمته ،كحق دخول البيت للخادم من أجل قيامه باخلدمة املطلوبة منه ،وحق استخدام أدوات البيت احملتاج -1املرجع السابق ج 5ص.260 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.197 -3احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.426 178 إليها ،ويضبط ذلك كله العقد والعرف و طبيعة اخلدمة ،فعامل التنظيف ملزم وفق صيغة عقد اخلدمة بأن حيضر أدوات التنظيف معه ،بينما شغالة املنزل تستخدم أدوات املنزل يف عملها ،وال تكون متعدي ًة بفعلها ألن عقد اخلدمة يعطيها هذا احلق بنصه أو بالعرف ،وال تلزم بتأمني حوائج اخلدمة ألهنا تعاقدت على عملها فقط ،وكذلك احلكم يف كل أجري خاص، ومثاله ما ذكر النووي بقوله( :جيب تسليم مفتاح الدار إىل املكرتي)(.)1 ومثاله كذلك يثبت للمؤدب حق ضرب الولد إن احتاج ،ضربَ التأديب املشروع ،ألنه حيتاج إليه عند أدائه خلدمته وهو مأذون به حبكم طبيعة خدمته ،إال أن ينص العقد على خالفه ،قال ابن قدامة( :وللمعلم ضرب الصبيان للتأديب ...على قدر ذنوهبم ويتوقى جبهده الضرب وإذا كان صغريًا ال يعقل فال يضربه ...ولو أمكن التأديب بدون الضرب ملا جاز الضرب إذ فيه ضرر وإيالم مستغنى عنه وإن أسرف يف هذا كله أو زاد على ما حيصل الغنى به أو ضرب من ال عقل له من الصبيان فعليه الضمان ألنه متعد حصل التلف بعدوانه)(.)2 -6يلزم اخلادم بتأمني كل ما حتتاجه اخلدمة :وهذا يكون يف إجارة الذمة أو العمل ،دون األجري اخلاص ،حيث يُلزم اخلادم بتأمني أدوات اخلدمة ومستهلكاهتا بنص العقد أو بالعرف ،فإن شارط عمال التنظيف على تنظيف حجرات املنزل بأجر معلوم فال بد من أن حيضروا أدوات ومواد التنظيف معهم ،وهذا خيتلف باختالف طبيعة اخلدمة وحبسب العرف ،وإن كان مثة شرط فال قيمة للعرف ،قال ابن قدامة( :فإن الكحل -1النووي ،أبو زكريا حييى بن شرف بن مري 676هـ (منهاج الطالبني وعمدة املفتني) بريوت ،دار املعرفة ،ج1ص.77 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.312 179 إن كان من العليل جاز ،ألن آالت العمل تكون من املستأجر كاللنب يف البناء والطني واآلجر وحنوها وإن شارطه على الكحل جاز. ولنا إن العادة جارية ،ويشق على العليل حتصيله وقد يعجز عنه بالكلية فجاز كالصبغ من الصباغ واللنب من الرضاع واحلرب واألقالم من الورَّاق(،)1 وهذا يثبت بالشرط أو بالعرف ،قال الشربيين( :وعلى األجري لغسل الثياب أجرة من حيملها إليه ألن محلها إليه من متام الغسل إال إن شرطت األجرة فتلزمه)( ،)2ثم أضاف رمحه اهلل( :ويلحق مبا ذكر قلم النساخ ومرود الكحال وإبرة اخلياط)(.)3 -7إعطاء األجري اخلاص حقه من االسرتاحة والعطل :فيثبت للخادم حق االسرتاحة املعتادة أثناء العمل ،وكذلك العطل املشروطة بالعقد أو املتعارف عليها من غري شرط ،هذا يف اإلجارة اخلاصة ،أما إجارة الذمة فليس هناك إلزام مبتابعة العمل أصالً ،ألن الزمن ال يدخل يف عقد إجارة الذمة ،قال الشربيين( :فإذا قدر التعليم مبدة كشهر هل يدخل اجلميع أو ال؟ أفتى الغزايل( )4بأن أيام السبوت مستثناة يف استئجار اليهودي شهرًا الطراد العرف به ... ،ويقاس عليه األحد للنصارى واجلمع يف حق املسلمني كذلك ،)5().ونقل ابن قدامة عن اإلمام أمحد( :أجري املشاهرة يشهد األعياد واجلمعة وال يَشرتط ذلك ،قيل له :فيتطوع بالركعتني؟ قال: -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.314 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.361 -3املرجع السابق ج 2ص.347 -4الغزايل :أبو حامد حممد بن حممد بن حممد الغزايل الطوسي ،،حجة االسالم ،فيلسوف متصوف ،له حنو مئيت مصنف ،مولده ووفاته يف طوس خبراسان ،رحل إىل نيسابور ثم إىل بغداد فاحلجاز فبالد الشام فمصر ،وعاد إىل بلدته، من كتبه (إحياء علوم الدين) و(هتافت الفالسفة ) وغريها(تويف 505هـ) .انظر (طبقات الشافعية) ألبي بكر ابن قاضي شهبة ج 2ص.273 -5الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.341 180 ما مل يضر بصاحبه إمنا أباح له ذلك ألن أوقات الصالة مستثناة من اخلدمة وهلذا وقعت مستثناة يف حق املعتكف برتك معتكفه هلا)(.)1 فال جيوز أن يبخس املخدوم اخلادمَ حقه يف نوم الليل أو اسرتاحة وسط النهار ،أو العطل األسبوعية أو األعياد ،واألساس يف ذلك العرف وطبيعة العمل. -8عدم اإلرهاق بالعمل :صحيح أنه احتبس اخلادم يف اإلجارة اخلاصة خلدمته ولكن ليس معنى هذا أن يكلفه فوق طاقته من العمل و اخلدمة، أو يوقعه يف مشقة غري معتادة ،قال املالكية( :آجر أجريًا للخدمة استعمله على عرف الناس من خدمة الليل والنهار ،كمناولته إياه ثوبه أو املاء يف ليله ،وليس مما مينعه النوم إال يف أمر يفرض مرة بعد املرة يستعمله فيه بعض ليلة ،كما ال ينبغي ألرباب العبيد إجهادهم ،فمن عمل منهم يف هناره ما جيهده فال يستطحن يف ليله إال أن خيف عمل هناره فليستطحنه ليله إن شاء من غري إفداح ويكره ما أجهد أو قل منه)(.)2 ثانياً -ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة فاسداً: قبل احلديث عن ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة فاسداً ال بد من أن نعلم ما هو املقصود بالعقد الفاسد ،فالعقد الفاسد هو الذي فقد شرطاٌ من شروط الصحة عند احلنفية ،وعلى تقسيمهم سيكون التفصيل اآلتي: حيث أن عقد اخلدمة الفاسد له حالتني :األوىل قبل املباشرة باخلدمة، والثانية بعد املباشرة باخلدمة ،أما قبل املباشرة به فحكمه حكم العقد -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.270 -2احلطاب (مواهب اجلليل) ج 4ص.208 181 الباطل ال يرتتب عليه أي حكم من األحكام ،وأما بعد املباشرة به فيرتتب عليه األحكام التالية: -1وجوب إهناء العقد أو تصحيحة :وذلك رعاية جلانب الشرع بفسخ العقد أو تصحيحه بإزالة الفساد منه للتخلص من خمالفة وسخط اخلالق عز وجل ،سواء كان فساد العقد لتفويت حق اهلل أو حق اخللق ،ألن يف كل منها إقراراً للفساد وخمالف ًة ملا شرع اهلل. قال علماء األصول( :كل منهي يتعلق باخللق فلله تعاىل فيه أيضا حق وهو امتثال أمره و هنيه ،لكن من املناهي ما يتمحض احلق فيه هلل سبحانه و منها ما جيتمع فيه احلقان ،و مقتضى هذه الطريقة أيضا عدم التفرقة بني املنهي عنه لعينه واملنهي عنه لغريه)(.)1 -2يثبت للخادم أجر املثل :ألن فساد العقد ألغى األجر املذكور يف العقد، وقد قال العلماء( :كل عقد فسد سقط فيه املسمى)(.)2 فإن قدَّم اخلادم اخلدمة رغم فساد العقد وجب على املخدوم أجر املثل مقابل ما انتفع به ،وإن مل يقدم اخلدمة مل يستحق شيئاً ،قال األسروشين يف املعلم الذي فسدت إجارته لعدم بيان الوقت( :إذا فسدت اإلجارة جلهالة الوقت جتب أجرة املثل ،وإن مل يبني لذلك وقتاً كانت اإلجارة فاسدة ،حتى لو تعلم يستحق أجر املثل وإن مل يتعلم ال جيب شيء)(.)3 هل يثبت بفساد العقد األقل من املسمى وأجر املثل؟ أم األكثر؟ أم أجر املثل بالغاً ما بلغ؟ :ذهب العلماء يف هذا على أقوال: -1العالئي ،خليل بن كيكلدي761هـ (حتقيق املراد يف أن النهي يقتضي الفساد) حتقيق د .إبراهيم حممد السلفييت، الكويت ،دار الكتب الثقافية ،ج1ص.210 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.360 -3األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج 2ص.14 182 قال احلنفية يثبت بفساد العقد األقل من املسمى وأجر املثل ،ألن اخلادم رضي باملسمى فال يزاد عليه ،يقول الكاساني( :اإلجارة الفاسدة وهي اليت فاهتا شرط من شروط الصحة فحكمها األصلي هو ثبوت امللك للمؤاجر يف أجر املثل ال يف املسمى مبقابلة استيفاء املنافع اململوكة ملكاً فاسداً ...إال أنه ال يزاد على املسمى يف عقد فيه تسمية عند أصحابنا الثالثة ...هذا إذا كان يف العقد تسمية فأما إذا مل يكن فيه تسمية فإنه جيب أجر املثل بالغاً ما بلغ باإلمجاع)(.)1 وعند الشافعي وأمحد يستحق أجر املثل بالغاً ما بلغ ،قال ابن قدامة( :وإن استوفى املنفعة يف العقد الفاسد فعليه أجر املثل وبه قال مالك والشافعي... أن ما ضمن باملسمى يف العقد الصحيح وجب ضمانه جبميع القيمة يف الفاسد)( ،)2وكذلك يقول الشربيين( :وتستقر يف اإلجارة الفاسدة سواء أقدرت بعمل أم مبدة أجرة املثل سواء أكانت أكثر من املسمى أم ال)(.)3 وعند مالك جتري عليه األحوال السابقة كال ،فقد يكون له األقل وقد يكون له األكثر وقد يكون له أجر املثل بالغاً ما بلغ يف تفصيل ال جمال لبيانه ،قال املالكية( :وتلزم بالفاسدة أجرة املثل ...وقد يكون له األقل من املسمى وأجرة املثل يف بعض الصور الفاسدة وقد يكون له األكثر وقد حيكم باملسمى فقط لشبه الصحيحة وقد تسقط النتفاء املوجب)(.)4 وهل يثبت األجر يف تفويت املنفعة يف اإلجارة الفاسدة؟ :حبيث يبذل اخلادم اخلدمة ثم ال ينتفع هبا املستخدم ،عندها جيب أجر املثل بتفويت املنفعة يف هذه اإلجارة الفاسدة عند الشافعي( )5ومالك وقول عند أمحد، -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.218 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.257 -3الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.359 -4احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.428 -5الشربيين( ،اإلقناع) ج 2ص.350 183 قال ابن قدامة( :وإن كان هذا يف إجارة فاسدة ففيما إذا عرضها على املستأجر فلم يأخذها ال أجر عليه ألهنا مل تتلف حتت يده وال يف ملكه وإن قبضها ومضت املدة أو مدة ميكن استيفاء املنفعة فيها أو ال ميكن فعن أمحد روايتان إحدامها عليه أجر املثل ملدة بقائها يف يده وهو قول الشافعي ألن املنافع تلفت حتت يده بعوض مل يسلم له فرجع إىل قيمتها كما لو استوفاها)(.)1 وال جيب هبذا التفويت شيء عند أبي حنيفة وقول عند أمحد ،ألنه عقد فاسد مل تستوف فيه املنافع فلم يثبت به شيء ،قال الكاساني( :إذا استأجر دارا مدة معلومة بأجرة مسماة على أن ال يسكنها فاإلجارة فاسدة وال أجرة على املستأجر إذا مل يسكنها وإن سكنها فعليه أجر مثلها ال ينقص مما مسى)( ،)2وذكر ابن قدامة الرواية الثانية عند اإلمام أمحد بقوله: (والثانية ال شيء له وهو قول أبي حنيفة ألنه عقد فاسد على منافع مل يستوفها فلم يلزمه عوضها)(.)3 -3الضمان يف العقد الفاسد :يثبت يف عقد اخلدمة الفاسد الضمانُ وعدمُه كما يثبت يف العقد الصحيح ،وذكر الشربيين حني تكلم عن اإلجارة الفاسدة قوله( :أن فاسد كل عقد كصحيحه يف الضمان وعدمه)( ،)4ألنه قبضٌ برتاضي العاقدين فال يضمن إال بالتعدي ،يقول الكاساني( :اإلجارة الفاسدة وهي اليت فاهتا شرط من شروط الصحة فحكمها األصلي هو ثبوت امللك للمؤاجر يف أجر املثل ال يف املسمى مبقابلة استيفاء املنافع -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.257 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.195 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.257 -4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.359 184 اململوكة ملكاً فاسداً ...وال يثبت يف هذه اإلجارة شيءٌ من األحكام اليت هي من التوابع إال ما يتعلق بصفة املستأجر له فيه وهي كونه أمانة يف يد املستأجر حتى لو هلك ال يضمن املستأجر حلصول اهلالك يف قبض مأذون فيه من قبل املؤاجر)(.)1 -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.218 185 املبحث الثالث إهناء عقد اخلدمة يف البيوت املطلب األول :إهناء عقد اخلدمة بسبب املستخدِم. املطلب الثاني :إهناء عقد اخلدمة بسبب األجري. املطلب الثالث :إهناء عقد اخلدمة بسبب الطرفني. املطلب الرابع :ما يرتتب على إهناء عقد اخلدمة. 186 املبحث الثالث:إهناء عقد اخلدمة يف البيوت مر سابقاً أن عقد اخلدمة ينتهي بتمام حتصيل املنفعة املتفق عليها أو بانقضاء املدة املعقود عليها( ،)1ولكن يف بعض األحيان يتوقف حتصيل املنفعة حتى هنايتها املتفق عليها ،وهذا التوقف وعدم إمتام تنفيذ مقتضى العقد تتعدد أسبابه فمنها ما يكون سببه اخلادم ومنها ما يكون سببه املخدوم ومنها ما يكون بسبب الطرفني املتعاقدين. وال بد لنا أن نتذكر أن عقد اخلدمة إذا وقع خالياً عن اخليارات وقع الزماً ،ولكل من الطرفني أن يلزم اآلخر املضيَّ بالعقد ،ولكن رمبا أن حدوث بعض األسباب تعطي أحد العاقدين أو كليهما حق إهناء عقد اخلدمة. يقول الكاساني( :اإلجارة عقد الزم إذا وقعت صحيحة عريَّة عن خيار الشرط والعيب والرؤية عند عامة العلماء فال تفسخ من غري عذر ولنا َُْ ْ أهنا متليك املنفعة بعوض فأشبهت البيع وقال سبحانه وتعاىل {أوفوا ُُْ بِالعقودِ} [املائدة ]1:والفسخ ليس من اإليفاء بالعقد. وقال عمر رضي اهلل عنه« :البيع صفقة أو خيار»( )2جعل البيع نوعني نوعاً ال خيار فيه ونوعاً فيه خيار ،واإلجارة بيع فيجب أن تكون نوعني :نوعاً ليس فيه خيار الفسخ ونوعاً فيه خيار الفسخ ،وألهنا معاوضة عقدت مطلقة فال ينفرد أحد العاقدين فيها بالفسخ إال عند العجز عن املضي يف موجب العقد ،من غري حتمل ضرر كالبيع)(.)3 -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.223 -2البيهقي (السنن الكربى) ج 5ص 272عن عبد اهلل بن عمر ...وروي تارة عن الشعيب عن عمر وتارة عن عطاء بن أبي رباح عن عمر رضي اهلل عنه وكالمها مع األول ضعيف النقطاع ذلك. -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.201 187 فأصبح لدينا إلهناء عقد اخلدمة أحوال متعددة ،وحتى تسهل علينا دراسة تلك األحوال نقسمها إىل ثالثة أقسام: القسم األول يف إهناء اخلدمة بسبب املخدوم. والقسم الثاني يف إهناء اخلدمة بسبب اخلادم. والقسم الثالث يف إهناء اخلدمة بسبب الطرفني. 188 املطلب األول :إهناء عقد اخلدمة بسبب املخدوم حيصل إهناء للعقد من طرف املخدوم ألسباب خمتلفة نتناوهلا فيما يأتي: -1اإلفالس (أو اإلعسار) :من األسباب الداعية إلهناء عقد اخلدمة هو إعسار املخدوم وعجزه عن دفع أجور اخلدمة ،يقول الكاساني( :أما الذي يف جانب املستأجر فنحو أن يفلس فيقوم من السوق ...ألن املفلس ال ينتفع باحلانوت فكان يف إبقاء العقد من غري استيفاء املنفعة إضرار به ضررًا مل يلتزمه العقد فال جيرب على عمله)(.)1 ويقول الشربيين( :وإفالس املستأجر قبل تسليم األجرةِ ومضيِّ املدة فإنه يوجب للمؤجر الفسخ)(.)2 ويف هذه احلالة حيق للمؤجر أو اخلادم فسخ العقد صيانة حلقه ،وكذلك منعاً من إضرار املستأجر. -2املوت :إذا مات املخدوم انتهى عقد اخلدمة عند احلنفية ،ويعربون عن ذلك (مبوت من وقعت له اإلجارة) فلو مات رب املنزل ال تنفسخ إجارة خادمة املنزل ،ألن اإلجارة كانت ملنفعة أهل املنزل وهي مستمرة بعد وفاة رب األسرة ،يقول الكاساني( :ومنها موت من وقع له اإلجارة إال لعذر عندنا ...ولو مات أبو الصيب يف استئجار الظئر ال تنقض اإلجارة ألن اإلجارة وقعت للصيب والظئر ومها قائمان ،ولو مات الظئر انتقضت اإلجارة وكذا لو مات الصيب ألن كل واحد منهما معقود له واألصل أن اإلجارة تبطل مبوت املعقود له وال تبطل مبوت العاقد)(.)3 -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.197 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص .356 -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.222 189 وقال مجهور الفقهاء ال ينتهي عقد اخلدمة ولكن ينتقل حق اخلدمة لورثته ،قال املالكية( :أن الراكب إذا تعذر ركوبه فإنه ال ينفسخ الكراء ويلزمه أو ورثته إن مات أن يأتوا باخللف أو يدفعوا مجيع األجرة فإنه ال يتعني بالتعيني واهلل أعلم)(.)1 فإن مل يكن له وارث يقوم مقامه يف استيفاء املنفعة ،أو ال تقبل اخلدمة االنتقال للوارث ُفسخ العقد ،قال ابن قدامة( :وإن مات املكرتي ومل يكن له وارث يقوم مقامه يف استيفاء املنفعة أو كان غائبا كمن ميوت يف طريق مكة وخي ِّلف جَمَلَهُ الذي اكرتاه وليس له عليه شيء حيمله وال وارث له حاضر يقوم مقامه فظاهر كالم أمحد أن اإلجارة تنفسخ فيما بقي من املدة ألنه قد جاء أمر غالب مينع املستأجر عن منفعة العني)( ،)2ثم ذكر مثاالً لعدم إمكان انتقال اخلدمة للوارث خبدمة املداواة فقال( :وإن برئت عينه يف أثناء املدة انفسخت اإلجارة فيما بقي من املدة ألنه قد تعذر العمل فأشبه ما لو حجز عنه أمر غالب وكذلك لو مات)(.)3 -3عارض خوف األذى :وإن اعرتض اخلدمة خوف املستأجر األذى أو اهلالك وامتنع استيفاء اخلدمة لذلك ُفسخ عقد اخلدمة ،قال احلنابلة: (لو حدث خوف عام مينع من سكنى املكان الذي فيه العني املستأجرة ،أو حصر البلد ،فامتنع خروج املستأجر إىل األرض ثبت له خيار الفسخ)(،)4 وم َّثل لذلك الشافعية بقوهلم( :ولو ذهب مستأجر الدابة هبا والطريق آمن فحدث خوف فرجع هبا ضمن أو مكث هناك ينتظر األمن مل حتسب عليه -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.414 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.271 -3املرجع السابق ج 5ص.314 -4املرداوي( ،اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف) ج 6ص.65 190 مدته وله حينئذ حكم الوديع يف حفظها)(.)1 ولكن شرط مجهور علماء أن يكون اخلوف عاماً حتى حيق للمستأجر فسخ العقد ،أما إن كان اخلوف خاصاً باملستأجر فليس له حق الفسخ ألن السبب منه ،قال ابن قدامة( :فأما إن كان اخلوف خاصا باملستأجر مثل أن خياف وحده لقرب أعدائه من املوضوع املستأجر أو حلوهلم يف طريقه مل ميلك الفسخ ألنه عذر خيتص به ال مينع استيفاء املنفعة بالكلية فأشبه مرضه)(.)2 -4تعذر االنتفاع :فلو صار استيفاء املنفعة غري ممكنٍ النتهاء سبب اخلدمة انفسخ العقد كانفساخ عقد املمرضة بشفاء املريض ،قال ابن قدامة( :وظاهر هذا أنه حكم بفسخ العقد فيما بقي من املدة إذا مات املستأجر ومل يبق به انتفاع ألنه تعذر استيفاء املنفعة بأمر من اهلل تعاىل فأشبه ما لو اكرتى من يقلع له ضرسه فربأ أو انقلع قبل قلعه أو اكرتى كحاال ليكحل عينيه فربأت أو ذهبت)( ،)3ويقول املالكية( :وتنفسخ مبنع استيفاء املنفعة شرعًا كسكون أمل السن املستأجر على قلعها)(.)4 -5االستغناء عن اخلدمة :حبدوث عذر للمخدوم جيعله بغنى عن اخلدمة هو سبب لفسخ عقد اخلدمة ،كتخلي ربة املنزل عن عملها خارج املنزل وبالتايل استغنت عن خدمة املربية ألوالدها ،وهذا مذهب احلنفية خبالف مجهور الفقهاء ،يقول الكاساني يف شروط لزوم عقد اإلجارة: -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 5ص.302 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.264 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.271 -4احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.432 191 (عدم حدوث عذر بأحد العاقدين أو باملستأجر فإن حدث بأحدمها أو باملستأجر عذر ال يبقى العقد الزمًا وله أن يفسخ وهذا عند أصحابنا... ولقب املسألة أن اإلجارة تفسخ باألعذار عندنا)(.)1 وال تنفسخ اخلدمة باألعذار عند مجهور العلماء ،قال املالكية( :وإن سافر األبوان فليس هلما أخذ الصيب إال أن يدفعا إىل الظئر مجيع األجرة... ك َّلما صنعت الظئر أو والد الصيب ممَّا تنفسخ به اإلجارة فليس له ذلك إال بالطوع من اآلخر)(.)2 ويقول الشافعية( :ال تنفسخ اإلجارة عينًا كانت أو ذمة وال تفسخ بعذر... كتعذر وقود محام على مستأجر ...و كعروض مرض مستأجر دابة السفر عليها ،واملعنى يف اجلميع أنه ال خلل يف املعقود عليه واالستنابة من كل منهما ممكنة)(.)3 وقال احلنابلة( :واإلجارة عقد الزم من الطرفني ليس لواحد منهما فسخها وهبذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك ألهنا عقد معاوضة فكان الزما كالبيع ...وسواء كان له عذر أو مل يكن)(.)4 وكما ينفسخ العقد باألعذار عند احلنفية كذلك ميدد عقد اخلدمة عندهم باألعذار ،فلو استمرت حاجة املخدوم للخدمة بعد انتهاء مدة اخلدمة، جيب متديد عقد اخلدمة حلني االستغناء عنها ،كما لو انتهت مدة عقد استخدام املمرضة ملريض ،ميدد عقدها ما دام مضطراً خلدمتها ومل يتمكن بعدُ من استئجار غريها ،يقول الكاساني( :ألن احلكم ببطالن اإلجارة ههنا يؤدي إىل الضرر باملستأجر ملا فيه من تعريض ماله ونفسه -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.197 -2احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.413 -3الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.356 -4ابن قدامة (املغين) ج 5ص.259 192 إىل التلف فجعل ذلك عذراً يف بقاء اإلجارة وهذا معنى قوهلم إنَّ اإلجارة كما تفسخ بالعذر تبقى بالعذر ...ولو مات أحد ممن وقع له عقد اإلجارة قبل انقضاء املدة ويف األرض املستأجرة زرع مل يستحصد يرتك ذلك يف األرض إىل أن يستحصد ويكون على املستأجر أو على ورثته ما مسَّى من األجر ألن يف احلكم باالنفساخ وقلع الزرع ضررًا باملستأجر ويف اإلبقاء من غري عوض ضررًا بالوارث وميكن توفري احلقني من غري ضرر بإبقاء الزرع إىل أن يستحصد باألجر فيجب القول به وإمنا وجب املسمى استحسانا(.)1 -1الكاساني (بدائع الصنائع ) ج 4ص.223 193 املطلب الثاني :إهناء عقد اخلدمة بسبب األجري وكذلك مثة أسباب من طرف األجري تؤدي إلهناء عقد اخلدمة أتناوهلا فيما يأتي: -1تعذر أداء اخلدمة :كأن مينع الفتاة أهلها من مباشرة عقد اخلدمة اليت تعاقدت عليه ،وذلك خلوفهم من حلوق العار ببذهلا نفسها خلدمة البيوت، قال الكاساني( :أو كانت امرأة أجرت نفسها ظئرًا وهي ممن تعاب بذلك فألهلها أن خيرجوها ،وكذلك إن أبت هي أن ترضعه ألن من ال يكون من أهل الصنائع الدنيئة إذا دخل فيها يلحقه العار)(.)1 ويذكر املالكية مثا ًال للتعذر بقوهلم( :آجرت نفسها بغري إذن زوجها ومل يعلم إال بعد مدة فتنازعت معه ملن يكون ما أخذت يف أجرة رضاعها فوقع احلكم بأن ما مضى من املدة هلا حبسابه وله فسخ اإلجارة فيما يستقبل(.)2 -2موت األجري :ينفسخ عقد اخلدمة فور موت اخلادم إذا كان معيّناً يف اخلدمة ،قال ابن قدامة( :وتنفسخ اإلجارة مبوت املرضعة لفوات املنفعة هبالك حملها ...وإذا انفسخ العقد عقيبه بطلت اإلجارة من أصلها ورجع املستأجر باألجر كله وإن كان يف أثناء املدة رجع حبصة ما بقي)(.)3 أما إذا كان عقد اخلدمة إجارة ذمة مل ينفسخ العقد ،ولزم إبدال اخلادم بغريه ،ويذكر الكاساني مثا ًال على هذا النوع من اإلجارة بقوله( :وإن كانت اإلجارة على دواب بغري أعياهنا فسلم إليه دواب فقبضها فماتت ال تبطل اإلجارة وعلى املؤاجر أن يأتيه بغري ذلك ألنه هلك ما مل يقع عليه العقد -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.199 -2احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.411 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.290 194 ألن الدابة إذا مل تكن معينة فالعقد يقع على منافع يف الذمة وإمنا تسلم العني ليقيم منافعها مقام ما يف ذمته فإذا هلك بقي ما يف الذمة حباله فكان عليه أن يعني غريها)(.)1 -3خوف األذى :فإن خاف اخلادم حصول أذى أثناء خدمته حق له فسخ عقد اخلدمة كأن ختشى اخلادمة من تعرض أهل البيت هلا باألذى أثناء أدائها للخدمة مهما كان نوع الضرر الذي تتعرض له ،سواء يف النيل من دينها أو عرضها وكرامتها أو إيذاء جسدها ،قال احلنفية( :واملرأة تتضرر ...فإن كانوا يؤذوهنا بألسنتهم أمروا أن يكفوا عنها فإن مل يكفوا كان هلا أن خترج ألن األذية حمظورةٌ فعليهم تركها فإن مل يرتكوها كان يف إبقاء العقد ضررٌ غري ملتزم بالعقد فكان عذراً)(.)2 -4املرض املعجِ ز :فإن أصيب اخلادم مبرض أعجزه عن اخلدمة ُفسخ عقد اخلدمة لعدم إمكان إمتامه النعدام املنفعة ،قال احلنفية( :لو استأجر عبداً خيدمه أو دابة يركبها أو دارا يسكنها فمرض العبد أو عرجت الدابة أو اهندم بعض بناء الدار فاملستأجر باخليار إن شاء مضى على اإلجارة وإن شاء فسخ)( ،)3وكذلك قال الشافعية( :ولو ادعى املستأجر مرض العبد املؤجر أو إباقه أو شرود الدابة املؤجرة أو موهتا بعد فراغ املدة أو فيها أي املدة أو ادعى تلف احملمول قبل قوله ألنه مؤمتن وال أجرة عليه إذا حلف أنه ما انتفع بالعني املؤجرة)( ،)4وقال املالكية( :وكذلك لو مرض -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.223 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.200 -3املرجع السابق ج 4ص.195 -4البهوتي (كشاف القناع) ج 4ص.39 195 العبد املستأجر مرضاً بيناً انفسخت اإلجارة بينهما)(.)1 -5حبس اخلادم أو منعه من دخول البلد :فلو منعت اخلادمة من دخول بلد املخدوم بعد إجراء عقد اخلدمة ،فعند ذلك حيق للمخدوم أن يفسخ عقد اخلدمة ألن املنفعة املتعاقد عليها ال ميكن قبضها فسقط عوضها وهي األجرة ،وكذلك لو حبس اخلادم جبناية مثالً سواء كان يف بداية العقد أو أثناءه ،قال ابن قدامة( :فإن جاء أمر غالب حيجز املستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد لزمه من األجر مبقدار مدة انتفاعه. ومجلته أن من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبني االنتفاع هبا ...فإن اإلجارة تنفسخ فيما بقي من املدة دون ما مضى ويكون للمؤجر من األجر بقدر ما استوفى من املنفعة ...وذلك ملا ذكرنا من أن املعقود عليه املنافع وقد تلف بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيما تلف دون ما قبض)(.)2 -6أن حيدث على اخلادم ما مينع نفعه :أو يقلله كحمل اخلادمة مثالً، فرمبا يتضرر أهل املنزل حبمل اخلادمة ألهنا تضعف عن القيام بأعمال اخلدمة ،وعندها يكون من حقهم فسخ عقد اخلدمة ،وكالسائق يعاقب من الشرطة بسحب رخصة القيادة منه فال يقدر أهل البيت بعدها على االنتفاع خبدمته ،قال ابن قدامة( :أن حيدث على العني ما مينع نفعها كدار اهندمت وأرض غرقت أو انقطع ماؤها فهذه ينظر فيها إن مل يبق فيها نفع أصالً فهي كالتالفة سواءٌ وإن بقي فيها نفع غري ما استأجرها له... وأما إن أمكن االنتفاع بالعني فيما اكرتاها له على نعت من القصور ...مل تنفسخ اإلجارة ألن املنفعة املعقود عليها مل تزل بالكلية فأشبه ما لو تعبت -1العبدري ،أبو عبد اهلل حممد بن يوسف بن أبي القاسم 897هـ (التاج واإلكليل ملختصر خليل) بريوت ،دار الفكر ،الطبعة الثانية 1398هـ ج5ص.433 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.262 196 وللمتسأجر خيار الفسخ على ما ذكرنا)( .)1وقال املالكية( :وإذا محلت الظئر فخيف على الولد فلهم فسخ اإلجارة)(.)2 -7فسق اخلادم :وهو سبب يف إهناء العقد ،فإن ظهر فسق اخلادمة كسرقة أو زنى جاز لرب املنزل فسخ عقد اخلدمة ألن يف بقاء اخلادمة يف املنزل مع فسقها ضرر ألهل املنزل ومن واجبه إزالته ،وقد عده العلماء من أعذار فسخ العقد فقالوا( :وأما العذر يف استئجار الظئر فنحو أن ال يأخذ الصيب من لبنها ...أو تكون سارقة ألهنم خيافون على متاعهم أو تكون فاجرة بيِّنة الفجور ألهنا تتشاغل بالفجور عن حفظ الصيب)(.)3 -1املرجع السابق ج 5ص.263 -2احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.432 -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.200 197 املطلب الثالث :إهناء عقد اخلدمة من الطرفني: كما قد يكون إهناء عقد اخلدمة من طرف واحد من املتعاقدين ،فقد يكون اإلهناء من كال الطرفني ،وذلك بأشكال خمتلفة منها: -1حصول سبب مشروط يف العقد :قد تراضا عليه الطرفان ،كما لو شُرط يف العقد أن غياب اخلادم عن املنزل لثالثة أيام من غري إذن رب املنزل يفسخ عقد اخلدمة. وهذا السبب ينتمي إىل الشروط التقييدية املضافة لصيغة العقد وقد تبينا عند الكالم عنها رجحان مذهب احلنابلة القائلني باجلواز(.)1 -2أو تراضي بعد العقد :وهو مبعنى إقالة عقد اخلدمة وهو أمر مشروع، كما يقول الكاساني( :ألنه معاوضة املال باملال فكان حمتمال لإلقالة كالبيع)( ،)2فيحق هلم أن يتفقا على إهناء عقد اخلدمة ولو من غري سبب، سواء حصل الرتاضي قبل املباشرة باخلدمة أو أثناءها. وقال املالكية( :وجاز إقالة بزيادة من مكر أو مكرت قبل النقد للكراء وبعده بشرط تعجيل الزيادة وإال لزم فسخ ما يف الذمة يف مؤخر ...وأما اإلقالة على رأس مال الكراء فجائزة مطلقا بال تفصيل)(.)3 -3عارض خوف األذى :وإن اعرتض العاقدين خوف األذى أو اهلالك ُفسخ عقد اخلدمة ،كانعدام األمن لوقوع حرب أو خلوف لصوص وغري ذلك مما مينع استيفاء اخلدمة ،وهذا سبب ال دخل لواحد من العاقدين -1عند الكالم عن (الصيغة) ص.97 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.222 -3الدردير (الشرح الكبري) ج 4ص.37 198 به وكالمها سواء يف الضرر ،قال ابن قدامة( :أن حيدث خوف عام مينع من سكنى ذلك املكان الذي فيه العني املستأجرة أو حتصر البلد ...ألنه أمر غالب مينع املستأجر استيفاء املنفعة فأثبت اخليار كغصب العني... ولو استأجر دابة لريكبها أو حيمل عليها إىل مكان معني فانقطعت الطريق إليه خلوف حادث ...فلكل واحد منهما فسخ اإلجارة وإن أحب إبقاءها إىل حني إمكان استيفاء املنفعة جاز ألن احلق هلما ال يعدومها)(.)1 -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.264 199 املطلب الرابع :ما يرتتب على إهناء عقد اخلدمة من املعلوم أن العقد إذا وقع تام الشروط واألركان صار الزماً للطرفني، إال أن األسباب املذكورة يف املطالب الثالثة السابقة قد حتول دون إمتامه، وعندها ينتهي االلتزام بإكمال العقد بعد حصول أحد تلك األسباب ،وهذا اإلهناء للخدمة قبل إمتامها يرتتب عليه أمور ثالثة وهي: األول :ثبوت أجرة ما مضى من اخلدمة :إن كانت اخلدمة املقدمة ذات قيمة و إذا كانت مس َّلم ًة للمخدوم ،فإن أدى اخلادم بعض اخلدمة املتعاقد عليها ومل تكن ذات قيمة أو هلك العمل قبل تسليمه للمخدوم فال يستحق عليه أجراً ،قال الكاساني( :فعمل بعضه فله أن يطالبه بقدره من األجرة... فكلما عمل شيئاً حصل يف يده قبل هالكه وصار مسلماً إليه فال يسقط بدله باهلالك إال بتمامه فإذا فرغ منه ثم هلك فله األجرة يف قول أبي حنيفة ألن العمل حصل مسلماً إليه حلصوله يف ملكه)( ،)1فإن هلكت املنفعة قبل التسليم ال يستحق أجراً ،ويقول الكاساني( :وكذلك اخلياط الذي خييط له يف منزله قميصاً فإن خاط له بعضه مل يكن له أجرته ألن هذا العمل ال ينتفع ببعضه دون بعضه فال تلزم األجرة)(.)2 وقال ابن قدامة( :وذلك ملا ذكرنا من أن املعقود عليه املنافع وقد تلف بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيما تلف دون ما قبض)(.)3 وقال املالكية بالتفصيل: -1فإن كان سبب إهناء اخلدمة من اخلادم استحق أجر ما مضى جاء يف املدونة( :من اكرتى أرضا فلم جيد بذرًا أو سجنه سلطان باقي املدة فالكراء -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.205 -2املرجع السابق ج 4ص.205 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.262 200 يلزمه وال يعذر هبذا ولكن ليكريها إن مل يقدر هو على أن يزرعها(.)1 -2وإن كان بسبب املخدوم أو بسبب قسري ليس للخادم فيه دخل استحق كامل األجر قال املالكية( :إن منع أجري البناء أو احلصد أو عمل ما مطرٌ مل يكن له حبساب ما عمل من النهار ،بل له كل األجر ألن املنع مل يكن منه)(.)2 -3وإن كان مثة عرف أخذنا به ،كما يقول احلطاب من املالكية( :ال يدخل هذا اخلالف يف نوازل وقعت يف بلدنا بتونس ألن العرف تقرر عندهم بفسخ اإلجارة بكثرة املطر ونزول اخلوف انتهى ،ذكره يف الكالم على ما تفسخ به اإلجارة )(.)3 الثاني :عدم ثبوت شيء من األجر إذا كانت إجارة ذمة ومل يتم حتصيلها: ألن املعقود عليه هو العمل ومل يتحصل ال بتسليم العامل نفسه وال مبرور الوقت ،فال تستحق األجرة إال بتحقق ذلك العمل املتعلق بذمة األجري ،قال ابن قدامة( :ومن استؤجر على عمل موصوف يف الذمة كخياطة أو بناء أو قلع ضرس فبذل األجري نفسه للعمل فلم ميكنه املستأجر مل تستقر األجرة بذلك ألنه عقد على املنفعة من غري تقدير فلم يستقر بدهلا بالبذل كالصداق ال يستقر ببذل املرأة نفسها ويفارق حبس الدابة مدة اإلجارة ألن املنافع تلفت حتت يده خبالف مسألتنا)(.)4 الثالث :انتهاء عالقة االلتزام بني العاقدين :فلم يعد أي واحد منهم ملزم -1احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.443 -2احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.432 -3املرجع السابق ج 5ص.432 -4ابن قدامة (املغين) ج 5ص.315 201 بإمتام مقتضى العقد بعد إهنائه أي (بفسخه) ،مثاله أن يفسخ رب املنزل العقد بسبب مرض اخلادمة ،فليس من حقه أن يلزمها بإمتام العقد بعد شفاءها ،ألنه بالفسخ قد أهنى االلتزام معها. ولكن هل تنفسخ اخلدمة حبصول السبب؟ أم بالفسخ الصادر ممن له الفسخ؟ :للعلماء يف حصول الفسخ ثالثة أقوال :وقد وردت هذه األقوال مجيعها عند احلنفية: القول األول :ينفسخ العقد من غري حاجة لفسخه :فبمجرد ما وقع سبب الفسخ عد العقد منتهياً ،قال الكاساني( :فيمن استأجر رحى ماء سنة فانقطع املاء بعد ستة أشهر فأمسك الرحى حتى مضت املدة فعليه أجر للستة أشهر املاضية وال شيء عليه ملا بقي ألن منفعة الرحى قد بطلت فانفسخ العقد)(.)1 وقال ابن قدامة( :وإذا وقعت اإلجارة على عني مثل أن يستأجر عبداً للخدمة أو لرعاية الغنم أو مجالً للحمل أو للركوب فتلفت انفسخ العقد بتلفها وإن خرجت مستحقة تبينا أن العقد باطل وإن وجد هبا عيباً فردها انفسخ العقد ومل ميلك إبداهلا ألن العقد على معني فثبتت هذه األحكام كما)(.)2 فسخ يتبع السبب :وال يفسخ العقد من ذاته، القول الثاني :ال بد من ٍ وهذا الفسخ يكون صادراً ممن له حق الفسخ ،فإن مل يصدر الفسخ منه صراح ًة أو دالل ًة ،بقي العقد قائماً واألجرة مستحق ًة ،فلو استأجر مريضٌ -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج4ص.197 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.275 202 من يقوم على إعطائه الدواء فشفي املريض ال ينفسخ العقد ويستمر اخلادم يف أخذ األجرة حتى يفسخ املخدوم العقد ،يقول الكاساني( :قال بعض مشاخينا تنفسخ بنفسها وقال بعضهم ال تنفسخ)(.)1 القول الثالث :التفصيل حبسب السبب الفاسخ للعقد :فإن كان العذر يوجب العجز عن املضي يف العقد ،كموت اخلادم املعني أو منع اخلادمة من دخول بلد املستخدِم ،مل حيتج العقد لفسخ بل ينفسخ مبجرد حصول السبب الفاسخ كاملوت هنا أو املنع. وإن كان العذر ال يوجب العجز عن املضي يف العقد ،مل ينفسخ العقد إال بالفسخ ،كما لو مرضت اخلادمة مرضاً أعجزها عن اخلدمة فال ينفسخ عقد اخلدمة فلو شاء رب املنزل أبقاء العقد وحتمَّل تقصري اخلادمة، قال الكاساني( :والصواب أنه ينظر إىل العذر إن كان يوجب العجز عن املضي يف موجب العقد شرعاً بأن كان املضي فيه حراماً فاإلجارة تنتقض بنفسها كما يف اإلجارة على قلع الضرس إذا اشتكت ثم سكنت وعلى قطع اليد املتآكلة إذا برأت وحنو ذلك .وإن كان العذر حبيث ال يوجب العجز عن ذلك لكنه يتضمن نوع ضرر مل يوجبه العقد ال ينفسخ إال بالفسخ)(.)2 ومن الفسخ ما حيتاج لقضاء قاض :فصاحب احلق بالفسخ يستطيع أن يفسخ العقد إن كان السبب ظاهراً وإن كان السبب خفياً مل يفسخ إال قاض ،فمثال السبب الظاهر كسحب الشرطة لرخصة القيادة من بقضاء ٍ قاض السائق ،عندها يستطيع رب املنزل أن يفسخ العقد من غري قضاء ٍ لكون سبب الفسخ ظاهراً. -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.200 -2املرجع السابق ج 4ص.200 203 أما سبب الفسخ غري الظاهر كادعاء رب املنزل سرقة اخلادم فال بد من قضاء القاضي إلثبات السبب وفسخ العقد ،فرمبا كانت دعوى رب املنزل باطلة يقصد منها ظلم اخلادم وهضمه حلقه ،ومثله ادعاء املستخدم اإلعسار ،يقول الكاساني( :ومن مشاخينا من فصل فيه تفصيال فقال إن كان العذر ظاهرًا ال حاجة إىل القضاء وإن كان خفيا كالدين يشرتط القضاء ليظهر العذر فيه ويزول االشتباه وهذا حسن)(.)1 والذي يظهر يل ترجيح القول الثالث القائل بالتفصيل بالفسخ ويف احلاجة لقضاء القاضي لألدلة اليت ساقها. -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.200 204 الفصل الثالث عوارض اخلدمة يف البيوت وأخطارها وآداهبا املبحث األول :عوارض اخلدمة يف البيوت. املبحث الثاني :أخطار اخلدمة يف البيوت. املبحث الثالث :آداب اخلدمة يف البيوت. 205 الفصل الثالث عوارض اخلدمة يف البيوت وأخطارها و آداهبا يف هذا الفصل أتكلم عن اجلانب العملي للخدمة يف البيوت ،حيث قد يعرتض اخلدمة بعض املشكالت اليت تغري من االلتزامات بني املتعاقدين أو ترتب بعض االلتزامات اجلديدة. ورمبا جلبت اخلدمة بعض األخطار على املنزل وأهله ،ومن الضروري دراستها والتعرف على أسباهبا. إضافة إىل استعراض أهم اآلداب الالزمة لكل من اخلادم واملخدوم حتى يتم حتصيل اخلدمة وفق ما يرضاه اهلل سبحانه وجنتنب املفاسد والفنت. 206 املبحث األول عوارض اخلدمة يف البيوت وأخطارها وآداهبا املطلب األول :عوارض اخلدمة بسبب اخلادم. املطلب الثاني :عوارض اخلدمة بسبب املستخدِم. املطلب الثالث :التعديل يف عقد اخلدمة يف البيوت. 207 املبحث األول :عوارض اخلدمة يف البيوت قد يعرتض اخلادم خالل أداءه لعمله يف املنزل كثريٌ من األخطاء واملشكالت، سواء كانت هذه األمور من طرف اخلادم أو املخدوم ،أو كان تغيرياً يف وضع اخلدمة ،وحدوث أحد هذه العوارض غالباً ما يغري من املسؤوليات وااللتزامات لكال الطرفني. وفيما يلي أستعرض أهم العوارض والتعديالت اليت تطرأ على اخلدمة يف البيوت ،و من مثة أتتبع االلتزامات املرتتبة على تلك العوارض. 208 املطلب األول :عوارض اخلدمة بسبب اخلادم -1عارض أذية اإلنسان أثناء اخلدمة يف البيوت :جبميع أشكال األذية اليت تنال جسد اآلدمي ،سواء بأذيته اخلفيفة أو إزهاق روحه ،هذا العارض من أخطر العوارض ،وهو حمتمل الوقوع ،فقد يتسبب اخلادم باإلضرار بأحد أفراد املنزل جسدياً ،فمن املسؤول عن ضمان هذا الضرر؟ وبكالم أوضح هل يضمن اخلادم ما حصل أثناء خدمته من أذى على النفس اآلدمية سواء أودت حبياته أو آذت جسده؟ قال الفقهاء أن ابن آدم ال يُضمن بالعقد وإمنا يضمن باجلناية ،فعقد اخلدمة يف املنزل ال حيمِّل اخلادم مسؤولية ضمان اآلدمي ولو اشرتط املتعاقدان الضمان ،ألن ضمان اآلدمي ال يثبت إال باجلناية أي بالتعدي، قال الكاساني( :وال يُضمن بنو آدم من وجه اإلجارة وال يشبه هذا املتاع ألن ضمان بين آدم ضمان جناية وضمان اجلناية ال جيب بالعقد)(.)1 واملقصود بالتعدي :أن يكون يف عمله الذي تسبب فيه باألذى غري مأذون فيه بأصله أو جتاوز حد اإلذن ،فمثال العمل غري املأذون به ككسر السائق للطفل لضربه إياه بقصد التأديب ،فخدمة السائق ال تتضمن تأديب أطفال املنزل ،فهو ضامن بسبب تعديه. ومثال جتاوز احلد املأذون به كالطاهية تقوم بإصالح بعض أدوات املطبخ الكهربائية فتعطبها وتؤذي أحد أفراد األسرة بالتيار الكهربائي ،تضمن ألن عقد خدمتها يبيح هلا استخدام أدوات املطبخ ال إصالحها ،يقول ابن قدامة( :وجيوز أن يستأجر من يقلع ضرسه ألهنا منفعة مباحة مقصودة فجاز االستئجار على فعلها كاخلتان ،فإن أخطأ فقلع غري ما أمر بقلعه -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.212 209 ضمنه ألنه من جنايته)(.)1 ورمبا يكون اخلادم غري حاذق يف خدمته فيتسبب أثناء أدائها بأذية آدمي، فعندها يعد عمله جناية يتكلف بضماهنا ،ويقول ابن قدامة( :وال ضمان على حجام وال ختان وال متطبب إذا عرف منهم حذق الصنعة ومل جتن أيديهم ،ومجلته أن هؤالء إذا فعلوا ما أمروا به مل يضمنوا بشرطني أحدمها أن يكونوا ذوي حذق يف صناعتهم وهلم هبا بصارة ومعرفة ،ألنه إذا مل يكن كذلك مل حيل له مباشرة القطع وإذا قطع مع هذا كان فعالً حمرماً فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً. الثاني أن ال جتين أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع فإذا وجد هذان الشرطان مل يضمنوا ألهنم قطعوا قطعاً مأذوناً فيه فلم يضمنوا سرايته(.)2 -2ضمان إتالف املتاع :خيتلف األمر هنا يف ضمان اإلتالف عن الضمان يف أذية اآلدمي السابقة ،فعندنا حالتني خمتلفتني يف ضمان ما أتلف اخلادم من متاع :األوىل حالة األجري اخلاص والثانية حالة األجري املشرتك على التفصيل اآلتي: األجري اخلاص :أو ما يسمى بأجري الوحدة فحكمه عدم ضمان ما أتلف إال إذا ثبت تقصريه أو تعديه ،ألن ما يف يده أمانة ،يقول الكاساني( :وإن كان األجري خاصاً فما يف يده يكون أمانة يف قوهلم مجيعاً حتى لو هلك يف يده بغري صنعه ال يضمن)( ،)3وقال ابن قدامة( :األجري اخلاص هو الذي يستأجره مدة فال ضمان عليه ما مل يتعد ...وألن األجري اخلاص نائب عن املالك يف صرف منافعه إىل ما أمره به فلم يضمن من غري -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.315 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.312 -3الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.211 210 تعد كالوكيل واملضارب فأما ما يتلف بتعديه فيجب ضمانه مثل اخلباز الذي يسرف يف الوقود أو يلزقه قبل وقته أو يرتكه بعد وقته حتى حيرتق ألنه تلف بتعديه فضمنه كغري األجري)( ،)1وقال اإلمام مالك( :ما رأيت أحداً يضمن األجري احليوان وليس على الراعي ضمان إمنا الضمان على الصناع ...وليس على العبد الراعي ضمان ما دفع إليه من ذلك إال أن يكون انتحر شيئا مما دفع إليه)(.)2 وال اعتبار الشرتاط الضمان على األجري اخلاص ألنه شرط فاسد ،سئل اإلمام مالك عن اشرتاط الضمان على الراعي األجري فقال( :اإلجارة فاسدة ويكون له كراء مثله ممن ال ضمان عليه وال ضمان عليه فيما تلف(.)3 وشرط الشافية لضمان اخلادم انفراده باملال ،أما لو تلف املتاع حبضور مالكه أو يف منزله ال ضمان عليه ،قال الشربيين( :لو تلف املال أو بعضه يف يد أجري قبل العمل فيه أو بعده بال تعد منه فيه ...مل يضمن إن مل ينفرد ذلك األجري باليد ...بأن قعد املستأجر معه أو أحضر منزله)(.)4 أما األجري املشرتك :وهو األجري الذي التزم عمالً بذمته فيضمن ما أتلف من متاع بأحد األمور التالية( :)5إما بالتعدي ،أي أن يفعل فعالً غري املأذون به عادة. أو تعدى شرط املخدوم. أو بالتقصري يف احلفظ. أو هبالك املتاع قبل التسليم. -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.306 -2مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص.440 -3املرجع السابق ج11ص.439 -4الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.351 -5الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص ،211واحلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص ،396وابن قدامة (املغين) ج 5ص.305 211 فلو أضاعت اخلادمة بعض مشرتياهتا من السوق قبل وصوهلا املنزل ال ضمان عليها إن مل تقصر ألن إجارهتا خاصة ،أما لو كان حيضر حاجات املنزل أجري مشرتك يعمل ألكثر من جهة يضمن كل ما أضاعه ولو من غري تقصري ،ومن حق أهل املنزل أن يغرموه ما أتلف وما أضاع قبل استالمهم حاجاهتم ،قال الكاساني( :ما يغريه من صفة األمانة إىل الضمان فاملغري له أشياء :منها ترك احلفظ ألن األجري ملا قبض املستأجر فيه فقد التزم حفظه وترك احلفظ امللتزم سبب لوجوب الضمان ...ومنها اإلتالف واإلفساد إذا كان األجري متعدياً فيه ...وإن مل يكن متعدياً يف اإلفساد بأن أفسد الثوب خط ًأ بعمله من غري قصده فإن كان األجري خاصاً مل يضمن باإلمجاع ،وإن كان مشرتكاً ...فإنه يضمن)(.)1 أما لو تلف املتاع بعد التسلم فال ضمان عليه ،ألن ذمة اخلادم برئت باستالم أهل املنزل املتاع ،وإن كان عمل األجري املشرتك يف نفس املنزل فإنَّ عَمَلَهُ مُسَ َّلمٌ حكماً ،فال ضمان عليه إن مل يكن متعدياً ،قال الكاساني: (رجل استأجر خبازاً ليخبز له قفيزاً من دقيق بدرهم ،فخبز فاحرتق اخلبز يف التنور قبل أن خيرجه أو ألزقه يف التنور ثم أخذه ليخرجه فوقع من يده يف التنور فاحرتق فال أجرة له ،ألنه هلك قبل متام العمل ،ألن عَمَل اخلبز ال يتم إال باإلخراج من التنور فلم يكن قبل اإلخراج خبز ...ولو أخرجه من التنور ووضعه وهو خيبز يف منزل املستأجر فاحرتق من غري جنايته فله األجر وال ضمان عليه يف قول أبي حنيفة أما استحقاق األجر فألنه فرغ من العمل بإخراج اخلبز من التنور وحصل مسلماً إىل املستأجر لكونه يف ملك املستأجر ،وأما عدم وجوب الضمان فألن اهلالك من -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.211 212 غري صنع األجري املشرتك ال يتعلق به الضمان عنده)( ،)1وقال ابن قدامة: (األجري املشرتك إمنا يضمن إذا كان يعمل يف ملك نفسه مثل اخلباز خيبز يف تنوره وملكه والقصار واخلياط يف دكانيهما قال ولو دعا الرجل خبازاً فخبز له يف داره أو خياطاً أو قصاراً ليقصر وخييط عنده ال ضمان عليه فيما أتلف ما مل يفرط ،ألنه سلم نفسه إىل املستأجر فيصري كاألجري اخلاص) ،وهو القول املفتى به عند الشافعية(.)2 ويف أي مكان مل يوجب الشرع الضمان على اخلادم يفسد اشرتاط الضمان باإلمجاع ،ألنه شرط خمالف للشرع(.)3 وإن كانت اإلجارة فاسدة فحكمها يف الضمان وعدمه كحكم اإلجارة الصحية يف مجيع أحواهلا(.)4 -3ضمان ما سرق على احلرس :قال العلماء بعدم تضمني ما سرق على اخلادم أو البواب أو احلارس( ،)5ألن احلارس مل يكن املال املسروق يف يده فال ضمان عليه ،سواء كان متخصصاً خبدمة بيت أو لعمارة أو عدة بيوت ،قال الشربيين( :األجري حلفظ الدكان مثالً ال ضمان عليه إذا أُخذ ما فيه ألنه ال يد له على املال ...وهو مبنزلة احلارس يف الس َِّكة لو سرق من بيت من بيوت السكة مل يكن عليه شيءٌ ،ويعلم منه ...أن اخلفراء ال ضمان عليهم)(.)6 -1الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.205 -2الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.353 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.311 -4املرجع السابق ج 5ص.312 -5احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص ,391وابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج 6ص ،71والشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.353 -6املرجع السابق ج 2ص.353 213 -4استعانة اخلادم بغريه :إن كانت اخلدمة إجارة ذمة جاز أن يستعني اخلادم بغريه يف أداء عمله ،ويستحق بذلك أجره املتعاقد عليه ،ألن العقد مت على العمل فيصح أن حيصله اخلادم بنفسه أو بغريه ،قال ابن قدامة: (ال بأس أن يتقبَّل اخلياط الثياب بأجر معلوم ثم يَقبَلها بعد ذلك ...سواء أعان فيها بشيء أو مل يعن)(.)1 وإن كان اخلادم أجرياً خاصاً مل جيز له أن يستعني بغريه يف خدمته ألنه تعني عليه العمل بالعقد ،ولكن إن فعل ذلك استحق األجر عند احلنفية استحساناً ،قال الكاساني( :فإن استأجرت الظئر ظئراً أخرى فأرضعته أو دفعت الصيب إىل جاريتها فأرضعته فلها األجر استحسانا)(.)2 -5توكيل غرية مبتابعة اخلدمة :حبيث يرتك أداء أعمال اخلدمة لغريه ويبقى التزام العقد متعلقاً به إىل متام استيفاء العمل ،وهذا خيتلف باختالف عقد اخلدمة؛ فإن كان العقد على عمل يف الذمة جاز له ذلك ألن العقد يلزمه بالعمل سواء بنفسه أو بغريه ،قال ابن قدامة( :فمتى كانت على عمل يف ذمته فمرض وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله ألنه حق وجب يف ذمته فوجب عليه إيفاؤه)(.)3 وإن وقع عقد اخلدمة على اخلادم بعينه مل جيز له أن يوكل غريه مبتابعة اخلدمة ألن العقد وقع على عمله ال على عمل غريه ،يقول ابن قدامة: (فأما إن كانت اإلجارة على عبده يف مدة و غريها فمرض مل يقم غريه مقامه ألن اإلجارة وقعت على عمله بعينه ال على شيء يف ذمته وعمل -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.278 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.209 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.266 214 غريه ليس معقوداً عليه)(.)1 -6التقصري يف اخلدمة :بأن انشغل بأمر آخر غري اخلدمة وأثناءها فأدى به إىل تقصري يف أداءه للخدمة ،سواء كان هذا االنشغال يف مصاحل اخلادم نفسه أو يف مصاحل غريه ،ويكون للمخدوم احلق يف أن يرجع على اخلادم بقيمة ما تضرر بسبب تقصريه يف اخلدمة ،فان مل تتأثر اخلدمة بعمله اآلخر ال حيق للمخدوم أن يرجع عليه بقيمة شيءٍ ،فلو كانت اخلادمة تغزل الصوف يف أوقات فراغها وتبيعه ال جيوز أن ينقص من أجرها بسببه شيءٌ ،قال ابن قدامة( :يرجع على األجري بقيمة ما استضر باشتغاله عن عمله ألنه قال إن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة فاعترب الضرر وظاهر هذا أن مل يستضر ال يرجع بشيء ألنه اكرتاه لعمل فوفاه على التمام فلم يلزمه شيء كما لو استأجره لعمل فكان يقرأ القرآن يف حال عمله فإن ضرَّ املستأجر يرجع عليه بقيمة ما فوت عليه)(.)2 -7التأخر عن اخلدمة :حيث يتأخر اخلادم عن وضع نفسه يف اخلدمة املتعاقد عليها ،مهما كان نوع اخلدمة ،وهنا أحوال متعددة خيتلف احلكم الشرعي للخدمة حبسب تلك احلالة: احلالة األوىل أن تكون اخلدمة على مدة: فإن تأخر اخلادم عن اخلدمة حتى مضت املدة انفسخ عقد اخلدمة لفوات املنفعة املتعاقد عليها ،قال الشربيين( :ولو أكرى عينا مدة ومل -1املرجع السابق ج 5ص.266 -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.269 215 يسلمها املكري حتى مضت تلك املدة انفسخت تلك اإلجارة لفوات املعقود عليه قبل قبضه)(.)1 وإن مضى بعض املدة سقط حق اخلادم يف أجرة ما مضى ،وثبت اخليار للمخدوم فيما بقي من مدة اخلدمة إما باإلمتام أو بالفسخ ،ويقول الشربيين( :فإن مضى بعض املدة ثم سلمها انفسخت يف املاضي وثبت اخليار يف الباقي)(.)2 احلالة الثانية إن كان عقد اخلدمة على عمل متعلق بالذمة: فال حق للمخدوم بالفسخ بسبب تأخر اخلادم عن أداء خدمته ،ألن حكمه كحكم الدين الذي تأخر عن سداده ،قال الشافيعة( :إجارة الذمة إذا مل يسلم ما تستويف منه املنفعة حتى مضت املدة اليت ميكن فيها استيفاؤها فال فسخ وال انفساخ قطعا ألهنا دين تأخر وفاؤه)( ،)3إال إذا كان العقد قد قرن هذه اخلدمة بزمن ،فكانت إجارة على عمل مقرتنة بزمن ،فإن تأخر عن الزمن املذكور يف العقد كان عيباً يف اخلدمة لفوات وصف يعطي املخدوم خيار الفسخ بسبب التأخر. -8هروب اخلادم :إذا هرب اخلادم وكان أجرياً خاصاً كش َّغالة البيت مثالً كان للمخدوم خيار الفسخ فإن مل يفسخ عادت اخلدمة بعودهتا، وإن مل تعد حتى انتهت مدة العقد انفسخت اخلدمة لفوات املعقود عليه، وللخادمة أجر ما عملت. وإن كان عقد اخلدمة على عمل يف الذمة فهرب اخلادم قبل إمتام العمل؛ فإن شاء فسخ وللخادم أجر ما عمل إن كان ذا قيمة وإن شاء صرب حتى -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.360 -2املرجع السابق ج 2ص.360 -3املرجع السابق ج 2ص.360 216 يتمكن من االستيفاء ،ألن العمل دين ال يفوت مبرور الزمن. قال ابن قدامة( :إذا هرب األجري ...أو منعه استيفاء املنفعة منها من غري هرب مل تنفسخ اإلجارة لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فإن فسخ فال كالم وإن مل يفسخ انفسخت اإلجارة مبضي املدة يوماً فيوماً ،فإن عادت العني يف أثناء املدة استوفى ما بقي منها فإن انقضت املدة انفسخت اإلجارة لفوات املعقود عليه. وإن كانت اإلجارة على موصوف يف الذمة ...فإن فسخ فال كالم وإن مل يفسخ وصرب إىل أن يقدر عليه فله مطالبته بالعمل ألن ما يف الذمة ال يفوت هبربه)(.)1 -9اخليانة :إذا ثبت عند املخدوم خيانة اخلادم بسرقة مثالً كان له خيار الفسخ؛ ألنه عيب شنيع يف اخلدمة ،سئل اإلمام مالك عن فسخ عقد اخلدمة خبيانة اخلادم( :أرأيت إن استأجرت عبداً للخدمة فإذا هو سارق هل تراه عيباً يرده به على سيده وتفسخ اإلجارة قال نعم كذلك هذا يف البيوع عندي واإلجارة مثله سواء)(.)2 -10مرض اخلادم :كأن يعرتض اخلدمة مرض اخلادم لبضعة أيام ،فإن كان املرض ال يضعفه عن اخلدمة مل يؤثر على عقد اخلدمة ،وإن كان املرض العارض قليالً يتسامح به يف العرف مل يؤثر كذلك على العقد ،فأن طال املرض كان للمخدوم أن يفسخ أو ينتظر شفاء اخلادم أو ينيب اخلادم غريه يف اخلدمة إن رضي املخدوم. -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.262 -2مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص.436 217 أما يف اخلدمة املتعلقة يف الذمة كعامل التنظيف إن مرض وجب عليه أن يرسل بدله ،ألنه مل يتعني شخصه للخدمة ،قال ابن قدامة( :ومن استؤجر لعمل شيء بعينه فمرض أقيم مقامه من يعمله واألجرة على املريض... وال جيب على املستأجر إنظاره ألن العقد بإطالقه يقتضي التعجيل ويف التأخري إضرار به. فأما إن كانت اإلجارة على عبده يف مدة و غريها فمرض مل يقم غريه مقامه ألن اإلجارة وقعت على عمله بعينه ال على شيء يف ذمته وعمل غريه ليس معقوداً عليه)(.)1 -1ابن قدامة ( املغين ) ج 5ص.266 218 املطلب الثاني :عوارض اخلدمة بسبب املستخدِم -1أذية اخلادم أو إهالكه :إذا تسبب املخدوم للخادم بأذية أو هالك أثناء اخلدمة كأن أمر اخلادمة بعمل فسقطت أثناء عملها فكسرت أو عطبت، ال يضمن املستخدم إال إذا تعدى بأن ألزمها بعمل غري معتاد أو غري متفق عليه يف العقد( ،)1سُئل مالك( :أرأيت إن استأجرت عبدا للخياطة ...فإن استعملته يف غري اخلياطة فعطب أأضمن أم ال ،قال :إن كان عمالً يعطب يف مثله ضمنت)(.)2 -2أتالف بعض متاع اخلادم :فإن أتلف املستخدِم بعض متاع اخلادم ضمن ألنه غري مأذون باستخدامها فيضمن بسبب التعدي ،سواء تلفت بيد رب املنزل أو بعبث صغاره هبا. -3إرهاق اخلادم :لو أرهق املخدوم اخلادم مبشقة غري معتادة يف العمل، كأن استخدمه ساعات عمل أكثر مما هو متعارف عليه ،أو استخدمه يف وقت اسرتاحته ،وحتديد املشقة مرجعه العادة و العرف ،فإن حصل هذا اإلرهاق كان تعدياً من املخدوم يُحمِّله ضمان ما حيصل من أذى ،وإخالالً بعقد اخلدمة يعطي اخلادم خيار الفسخ أو أجرة املثل فيما زاد عليه من عم ٍل غري معقود عليه ،جاء يف املدونة( :قلت أرأيت من استأجر أجرياً للخدمة أيل أن استخدمه الليل والنهار ،قال :تستخدمه كما يستخدم الناس األجراء لليل خدمة وللنهار خدمة وخدمة الليل ما قد عرفها الناس -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.355 -2مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص.434 219 من سقيه املاء للمؤاجر ومن قيامه الليل يناوله حلافا وما أشبه هذا. فأما أن يستخدمه خدمة متنعه النوم فليس له ذلك إال أن تعرض له احلاجة هي من خدمة العبد املرة بعد املرة فال بأس أن يستعمله فيها يف بعض ليله وإمنا هذا على ما يعرف الناس)(.)1 -4تشغيل اخلادم عند غريه :ملا ملك املخدوم منافع اخلدمة طيلة مدة العقد كان له احلق باستيفائها بنفسه أو بغريه سواء باإلجارة واإلعارة، جاء يف املدونة( :قلت أرأيت إن استأجرت عبدا خيدمين فآجرته من غريي أجيوز هذا يف قول مالك قال إن آجرته يف مثل عمله الذي كان يعمل لك فال بأس به)( ،)2فمن حق ربة املنزل أن ترسل خادمتها إىل بيت أختها مثالً لتعمل فيه إن مل حيتج البيت الثاني خلدمة أكثر ،و بشرط أال جتمع عليها خدمة بيتني معاً ألنه عمل زائد غري متعاقد عليه ،فلو أرسلت خادمتها شهراً خلدمة أختها ملرضها على سبيل املثال جاز هلا ،أما أن تعمل عندها هناراً وتعمل يف بيت أختها ليالً فال جيوز إال إذا أعطيت أجرة العمل الزائد(.)3 -5تشغيل اخلادم يف عمل غري خدمته املتعاقد عليها :فان استأجر خادمة للطهي وعمل املطبخ ،فليس للمستخدم أن يلزم اخلادمة برعاية أطفاله إال برضاها وأن يزيد هلا باألجر إن زاد العمل ،إال أن تكون الزيادة بالعمل ألمر طارئ ومؤقت ،حبيث يتسامح به يف العادة ،جاء يف املدونة: (قلت أرأيت إن استأجرت عبداً للخياطة كل شهر بكذا وكذا أيكون يل أن -1املرجع السابق ج11ص.434 -2مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج11ص.434 -3ابن قدامة (املغين) ج 5ص.277 220 أستعمله غري اخلياطة يف قول مالك قال :ال يكون لك أن تستعمله إال يف اخلياطة)(.)1 -6حبس اخلادم من غري سبب :أو من غري شرط إذا كانت إجارة ذمة، كعامل التنظيف الذي دخل املنزل لتنظيفه خالل يوم مثالً ،قال الكاساني: (وليس للمسرتضع أن حيبس الظئر يف منزله إذا مل يشرتط ذلك عليها(.)2 أما إجارة العني فللمخدوم حبس اخلادم طيلة مدة اخلدمة الحتمال احتياجه للخدمة يف غيبته ،واألجرة مستحقة أصالً باالحتباس ومضي الوقت. ولكن ال ننسى أن من حق اخلادمة اخلروج من املنزل يف أوقات حمددة بالشرط أو بالعرف كأيام اجلمع أو األعياد ،أو األحد أو السبت إن كانت اخلادمة غري مسلمة ،لالسرتاحة وقضاء احلوائج اخلاصة ،وذلك ضمن ضوابط الشرع. -1مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص.434 -2الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.209 221 املطلب الثالث :التعديل يف عقد اخلدمة يف هذه احلالة يبقى املتعاقدان حمافظان على عقد اخلدمة بشكل عام ولكن مع بعض التعديل على صيغته ،فيكون التعديل يف نوع اخلدمة أو صفتها أو ينزل املستخدِم مكانه يف العقد مستخدِماً آخر ،أو ينقل اخلادم التزام اخلدمة خلادم آخر. وغالباً ما تبقى صيغة العقد املكتوبة نفسها فال جيد املتعاقدان حاجة لتغيريها: -1تعديل يف نوع اخلدمة :بأن تطلب ربة املنزل من الطاهية أن تتخلى عن طهوها وتقوم برعاية األطفال ،فإن كان العقد نص على الطهو ال جيوز أن تلزم اخلادمة بالعمل اجلديد ،ألن العقد ال يلزمها به ،إال إن رضيت فحكمه حكم التعاقد األول ألنه مبين على الرتاضي ،أما إن كانت صيغة العقد عامة يف خدمة املنزل فليس للخادمة خيار إن أرادت ربة املنزل تغيري عمل اخلادمة من طهو إىل حضانة أو غري ذلك ،سئل مالك: (أرأيت إن آجرت عبداً يل أو آجرت نفسي يف اخلياطة شهراً فأردت أن أحول إجارتي تلك يف عمل الطني أو يف الصباغة أو يف القصارة أجيوز هذا أم ال ...قال مالك :ال يصلح إال أن يكون الشيء اليسري)(.)1 -2تعديل يف صفة اخلدمة :كتغيري ساعات العمل أو نظام اخلدمة، كالتبديل بني خدمة النهار خبدمة الليل بسبب تغري ظروف عمل ربة املنزل مثالً ،فهذا من حق املستخدِم ألن اخلادم حمبوس على خدمة من تعاقد على خدمته ،وال مينع ربة املنزل من ذلك إال إذا نص عقد اخلدمة على صفة حمددة للخدمة ،عندها يكون من حق اخلادمة أن متتنع على -1مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج11ص433 222 اخلدمة إال على الصفة اليت حددها العقد ،وللعرف قوة الشرط يف هذا، تراض على التعديل فهو جائز قطعاً. وأما إن حصل ٍ -3نقل االلتزام باخلدمة ملسخدِم آخر :مع بقاء عقد اخلدمة األول، حبيث تستغين ربة املنزل عن اخلادمة ،فتنقلها ملنزل آخر ضمن عقد اخلدمة نفسه ،فهذا جائز ألن املخدوم ملك منفعة اخلادم طيلة مدة عقد اخلدمة ومن حقه التصرف هبا ،وقد مر معنا قول اإلمام مالك حني سئل: (إن استأجرت عبداً خيدمين فآجرته من غريي أجيوز هذا يف قول مالك قال :إن آجرته يف مثل عمله الذي كان يعمل لك فال بأس به)( ،)1فاألمر سيان فيما لو ختلى عن جزء من اخلدمة أو كلها. وختتلف حال اخلدمة هنا عن إجارة اخلادم( ،)2بأن االلتزامات اليت كانت متعلقة بذمة املخدوم األول انتقلت مجيعها إىل املخدوم الثاني من أجرة وغريها يف احلالة هذه. -4نقل اإللزام باخلدمة خلادم آخر :وال يصح إال برضا املستخدِم إن كانت اخلدمة إجارة خاص ًة أو إجارة ذمةٍ وكان اخلادم معيناً بالعقد ،ورد يف املدونة عن مالك( :أرأيت إن استأجرت أجرياً يرعى يل غنمي هذه فأتاني بغريه يرعى مكانه؟ قال :ال يكون له ذلك وإمنا رضي أمانتَه ربُ الغنم وجزاءه وكفايته إمنا استأجره ببدنه)(.)3 أما إن كان اخلادم غري معني جاز أن يستبدل اخلادم بغريه ولو من غري رضا املخدوم ألن املتعاقد عليه منفعة اخلدمة وهي حتصل به وبغريه. -1مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص.434 -2املذكورة يف الفقرة الرابعة من املطلب السابق. -3مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص.438 223 املبحث الثاني أخطار اخلدمة يف البيوت املطلب األول :العوامل املسببة ألخطار اخلدمة يف البيوت. املطلب الثاني :األخطار الناشئة عن اخلدمة يف البيوت. 224 املبحث الثاني :أخطار اخلدمة يف البيوت البيت هو مكان سكن اإلنسان وطمأنينته يتجلى فيه معنى السكن املادي واملعنوي ،ففيه يسرتيح من متاعب عمل اليوم ،وفيه يسعد أفراد األسرة باجتماعهم على الطعام أو السمر. من خالل هذا احلصن األمني يتعرف الفرد على احلياة ويفهمها ،وفيه يتلقى الطفل العقيدة منذ اللحظات األوىل ليبقى مصطبغاً هبا بعد ذلك طيلة حياته ،فعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال :قال النيب صلى اهلل عليه وسلم« :ما من مولود إال يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ميجسانه»(.)1 وكذلك اآلداب واألخالق والسلوك ،وكل جوانب شخصيته تُسبك ضمن هذه املؤسسة الصغرية يف حجمها الكبرية يف عملها ،قراراهتا يف نظره صحيحة وقيمها مطلقة وأحكامها مربمة ،تبقى مع الفرد منذ والدته حتى يصلب عوده وتكتمل شخصيته ويعتمد على نفسه. هذه املؤسسة اخلطرة اليت تصنع األفراد وتصوغ عقائدهم وسلوكهم تُدار من قبل شخصني قد فطرمها اهلل سبحانه على حب أطفاهلما واحلرص على مصاحلهم ،املديران مها األم واألب. ولكن ظروف احلياة قد ال تدع هلما االنفراد هبذا العمل بل تسمح ليد أخرى أن متتد لتشاركهم مهامهم يف املنزل ،ورمبا لتنفرد هذه اليد الغريبة بتلك املهام ،سواء كانت مربية أو خادمة أو أي شخص يقوم بعمل آخر داخل املنزل ويشارك أهل البيت حياهتم. فهل هذه اليد اخلادمة –على اختالف أشكاهلا -على مستوى من األمانة -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 1ص 456برقم.1292 : 225 واحلرص على مصاحل األسرة واإلدراك ألبعاد خطورة هذه املشاركة؟ اجلواب حتماً :ال !.بل رمبا محلت اخلدمة يف طياهتا كثرياً من الشرور على األبوين أنفسهم ،وقد جتر أحدمها إىل مهاوي الضالل والرزيلة ،إن مل يعتصم بدين اهلل سبحانه. معنى هذا الكالم أن دخول اخلادم أو اخلادمة املنزل بشكل غري مقيد أو مضبوط يعين زعزعة كيان األسرة ورمبا دمارها ،وإن أخطاراً عظيمة ستنتج عن ترك هذه اخلدمة تؤدى بشكل غري مضبوط ،وهذه األخطار ال بد لنا من التعرف على أسباهبا أو ًال وعلى مدى ضررها ثانياً لكي نتمكن من ضبطها وتقييدها لعلنا ننجو من شرها. 226 املطلب األول :العوامل املسببة ألخطار اخلدمة يعد دخول اخلدم للبيوت مشكلة كبرية يف واقعنا املعاصر ،بسبب عدم خضوع معظم الناس لضوابط دينية أو أخالقية ،ولسيطرة األفكار اإلحلادية والنفعية على معظم سكان املعمورة ،حتى وإن دفعتهم عصبياهتم إلعالن االنتماء لشريعة مساوية أو غري مساوية ،فهذه العقيدة املعلنة ال تعدو أن تكون مظهراً عصبياً و (فلكلوراً) شعبياً يف طقوسه وعباداته. وبالتايل قل العدل وكثر الظلم ،وصرنا نرى أشكاالً من االضطهاد واالستغالل متارس ضد اخلدم يف البيوت بسبب ذلك ،وباملقابل فليس اخلدم أحسن حاالً من خمدوميهم بل يقوم كثري من اخلدم بالتعدي وخيانة األمانة اليت أوكلت إليهم من صيانة البيت ورعاية األوالد .ووسائل اإلعالم بشتى أشكاهلا تبني كثرياً من جوانب هذه املشكلة(.)1 وجمتمعاتنا اإلسالمية ليست مبنأى عن هذا الضياع والتخبط العاملي(،)2 فالدراسات امليدانية اليت أجريت على اخلادمات يف البيوت يف دول اخلليج العربي -حيث تنتشر فيه هذه الظاهرة أكثر من الدول العربية األخرى- تبني هذه الدراسات كثري من اجلوانب اخلطرة يف هذا االستخدام ،إضافة إىل تزايد أعداد تلك اخلادمات ،حيث وصل تعداده يف عام 1990م إىل: («مليون ونصف مليون مربية أطفال يف اخلليج»)(.)3 وأنا بدوري سأستفيد من بعض هذه الدراسات من خالل نظرة حتليلية الستخالص أهم األخطار الناشئة عن اخلدمة يف البيوت ومعرفة العوامل -1راجع موقع "منظمة حقوق اإلنسان" على الرابطhttp:hrw.orgarabic : -2راجع كتاب "يف بيوتنا قنابل موقوتة ،السائق واخلادمة" إعداد حميي الدين عبد احلميد ،جدة ،اخلدمات احلديثة للنشر ،الطبعة األوىل 1418هـ 1997م. -3الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم).ص 16عن صحيفة "املسلمون" يف عددها رقم 303 :الصادر يوم 1990/11/9م. 227 املسببة هلا. وكان اعتمادي يف هذه الدراسة بشكل أساسي على حبثني: األول حبث بعنوان (خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) للمؤلف الدكتور خالد أمحد الشنتوت ،مجع من خالله نتائج عدة دراسات سابقة موزعة على عدة أماكن من دول اخلليج ثم قام بدراسة عليها ،ووصل إىل أهم أخطار املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم يف جمتمعاتنا. والبحث الثاني للباحثة (نورة إبراهيم العيدان) بعنوان (ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية) وهو حبث اجتماعي ميداني لظاهرة اخلدم يف مدينة الرياض. مع بعض الفروق بني إحصائيات اململكة السعودية مقارنة بغريها من دول اخلليج كون األسرة السعودية حمافظة نسبياً. وانطالقاً من هذه الدراسات سأقوم بعرض األسباب قبل ذكر األخطار ليكون الربط بينهما ربطاً واقعياً. وأهم هذه األسباب: -1االختالط :املقصود باملخالطة هي مشاركة اخلادمة ألهل املنزل اليت ختدم فيه يف جملسها أو مأكلها أو مشرهبا وحتى مبيتها يف غرفة نوم األوالد كما حيصل يف أكثر األحيان ،ولو كان من غري خلوة. فهذا االختالط يدفع لكثري من احملرمات؛ كالنظ ِر احملرم ،واخلضو ِع بالقول الذي هنى عنه سبحانه بقولهَ { :فلاَ تَ ْخ َ ضعْنَ ِبالْ َقوْ ِل َفي َْطمَعَ ا َّلذِي فِي َقل ْ ِبهِ مَرَضٌ وَ ُقلْنَ َقوْلاً مَّعْرُو ًفا } [األحزاب ،]32:وكاالطال ِع على العورات خاصة عند املخالطة يف املبيت يف غرفة النوم ،مع ضعف الوازع 228 الديين ،إضافة إىل أن اخلادمة لو كانت مسلمة فهي من بيئة جاهلة بدينها على أقل تقدير ،فكيف إذا كانت غري مسلمة ليس عندها أحكام عورة أو حجاب أو فكرة احلالل واحلرام؟! مع ذلك فإن حتاشي االختالط يبدو أنه ليست مسألة حتظى باهتمام كثري من ذوي اخلدم ،وظاهرة ختصيص غرفة مستقلة للخادمة ال تظهر إال يف اململكة العربية السعودية لكوهنا بيئة حمافظ ٌة نسبياً ،حيث أن ٪60.7من هذه األسر هناك ختصص للخادمة غرفة مستقلة كي ال ختالط األبناء(.)1 والواقع املُر يبدو مثالً( :يف مقابلة مع بعض األسر أشرن إىل أن تواجد ()2 السائق يف املنزل أهم من تواجد رب األسرة ،ألن غياب األول يعطل حيزاً من املصاحل،حتى إن بعضهن قلن :ال يهمين سفر زوجي إذا كان متوفراً لدي السائق)(.)3 وقد نبه فقهاء املسلمني على عدم جواز االستخدام إذا كان ينطوي على مشكلة االختالط بني اخلادمة والرجال األجانب أو بني اخلادم والنساء غري احملارم( ،)4يقول الكاساني( :أما اخللوة فألن اخللوة باملرأة األجنبية معصية وأما االستخدام فألنه ال يؤمن معه االطالع عليها والوقوع يف املعصية)( .)5وهذا الكالم ينطبق على الشغالة و املربية والسائق والبواب وغريهم من اخلدم. -2اخللوة :املقصود خبلوة الرجل باملرأة األجنبية يف املنزل هو انفرادمها -1الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.19 -2هكذا وردت (تواجد) والصواب (وجود) -3العيدان ،نورة ابراهيم( ،ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية ) ،ص145 -4الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص ،189مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص ،432والشربيين (مغين احملتاج) ج3 ص ،433وابن قدامة (املغين) ج 8ص.160 -5الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص.189 229 فيه أو يف إحدى حجره حبيث يأمنان دخول أحد عليهما ولو لوقت قصري، وهذا أمر متوقع احلدوث يف كل البيوت اليت تستأجر اخلدم ،ألن اصطحاب ربة املنزل للخادمة معها يف كل خروج هلا من املنزل عبءٌ ثقي ٌل مت ُّله على مر األيام ،ثم ترتكه وتفتح الفرص الكثرية للخلوة بني اخلادمة وأحد أفراد األسرة الذكور ،هذه الفرص احملفوفة بكثري من حسن الظن املتزايد على مر األيام ال يرضى الشيطان بتفويتها أبداً ،فعن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال« :أال ال خيلون رجل بامرأة إال كان ثالثهما الشيطان»(.)1 ونفس هذا احلال ينطبق على اخلادم سائقاً كان أو غريه خبلوته مع ربة املنزل أو إحدى بناهتا ،وهذه اخللوة من اخلطورة مبكان وخاصة إذا علمنا أن ٪68.3من اخلادمات يف منطقة اخلليج تقل أعمارهن عن العشرين(،)2 إضافة إىل أن متوسط أعمار ربات األسر 31عاماً ومتوسط أعمار أرباب األسر 37عاماً( ،)3وقد جزم العلماء بعدم جواز االستخدام إذا كان ينطوي على اخللوة( ،)4قال احلطاب( :وال جيوز استئجار األعزب املرأة لتخدمه يف بيته مأموناً كان أو غريه ،فإن كان له أهل جاز إن كان مأموناً وكانت املرأة متجالة( )5ال أرب للرجال فيها)(.)6 -3تربية األوالد :من األسباب اليت تزيد من خطورة االستخدام يف واقعنا هو استئمان فلذات أكبادنا عند اخلادمات ،ليقمن برتبيتهم ورعايتهم وفق -1الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج 4ص 465برقم.2165 : -2الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.19 -3العيدان ،نورة ابراهيم( ،ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية) ،ص.87 -4الكاساني (بدائع الصنائع) ج 4ص ،189مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج 11ص ،432والشربيين (مغين احملتاج) ج3 ص ،433وابن قدامة (املغين) ج 8ص.160 -5جاء يف لسان العرب( :امرأة قد جتالت أي أسنت وكربت) ج 11ص.166 -6احلطاب (مواهب اجلليل) ج 5ص.393 230 معايري ومبادئ مشوهة تنتمي إىل جمتمعات ختالفنا يف القيم والسلوك والعقيدة ،أو من جمتمعات جاهلة على أحسن تقدير. وهكذا تنشأ أجيال غريبة عن أمتنا شكالً ومضموناً ،تشري دراسة (إبراهيم خليفة) بعنوان (املربيات األجنبيات يف البيت العربي اخلليجي( )1أن ٪68.3 من املربيات تقل أعمارهن عن العشرين وليس هلن دراية بالرتبية ،إضافة إىل أن استقدام املربيات يتم وفق شروط غري كافية من الناحية الصحية. وقد أرخت األسرة –يف جممعاتنا -للخادمة العنان يف تويل أمور األوالد فإن ٪50من األسر املدروسة تقوم فيها املربيات باإلشراف الكامل على إفطار األبناء وارتداء مالبسهم ،و ٪41من األسر تركت للمربيات حتى اإلشراف على لعب األطفال. ويف األسرة السعودية ٪56من اخلادمات جيلسن مع األطفال يف غياب األم و ٪41.3يتولني إطعامهم ،و ٪38.7يتولني لباسهم(.)2 كل هذا يتم والطفل ال يزل يف مراحل حياته األوىل يتلقى كل ما يأخذ من اخلادمة مبطلق التسليم ،وقد أشارت الدراسات السابقة أن استقدام املربيات ينتشر عند األسر اليت لديها أكثر من طفل واحد ،وتقل أعمارهم عن ست سنوات ،ويف دراسة (نورة العيدان) بلغ ٪50,3من أطفال األسر املخدومة يف السعودية ال يتجاوز عمرهم اخلامسة عشر(.)3 -4اختالف الدين :دلت الدراسات امليدانية يف أحد أقطار اخلليج()4على أن ٪43 :من هذه املربيات هنديات و ٪34سريالنكيات و ٪9فيلبينيات و٪8 -1الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.25 -2العيدان ،نورة ابراهيم( ،ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية) ،ص.121 -3املرجع السابق ،ص.88 ال عن صحيفة «املسلمون» يف -4الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص 16نق ً (1991 / 1 / 25م). 231 عربيات و ٪3كرديات و ٪1.5إنكليزيات .أما دين هؤالء املربيات فعلى النحو التايل ٪42 :مسيحيات و ٪34بوذيات و ٪19وثنيات و ٪5مسلمات. أما يف السعودية فبلغت نسبة اخلادمات املسلمات ٪41لكوهنا بيئة حمافظة(.)1 تُرى على أي أساس ستقوم هذه اخلادمة على رعاية البيت وصيانته بعد أن أوكل األبوان هلا هذه املهمة اخلطرية؟! هل يُربى األوالد على الديانة البوذية وينظف البيت على الطريقة الوثنية؟ رمبا مل خيطر ببال األبوين هذا السؤال !.أو رمبا وجدا أن (األتكيت) يستحق كل هذه التضحية!! -5غياب األبوين :إن املصيبة ستكون أدهى وأمر إذا كانت اخلادمة تعمل بغياب األبوين عن البيت ،ويبدو هذا واضحاً إذا علمنا أن من أهم أسباب استقدام اخلادمات يف جمتمعاتنا هو خروج املرأة من املنزل ،ويف دراسة ميدانية أجريت يف الكويت تبني أن من أهم الدوافع الستقدام اخلادمات هو خروج املرأة للعمل خارج املنزل وغياهبا عن أطفاهلا( ،)2ويف السعودية كان الدافع ٪60لالستقدام بسبب اخلروج من البيت للعمل والدراسة(،)3 من ثَم ترتك األطفال واملنزل يف عهدة أولئك اخلدم ،ليتسنى هلم حرية التصرف يف البيت وأهله وفق ما متلي عليهم معتقداهم وأهواؤهم بال رقيب وال حسيب. واألسرة السعودية هي أسرة حمافظة نسبياً يرتك فيها ٪57.4من ربات البيوت أبناءهم يف غيبتم بعهدة اخلادمات( ،)4بل إن معظم األطفال تبقى -1العيدان ،نورة ابراهيم( ،ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية) ،ص.102 -2الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.71 -3العيدان ،نورة ابراهيم( ،ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية) ،ص.130 -4املرجع السابق ،ص.112 232 مع اخلادمة بني 8 - 4ساعات يومياً(.)1 كيف تُرى سيتعاملون هؤالء اخلدم مع األوالد؟ هل سيحفظون حرمة البيت؟ إن النتيجة املتوقعة يف ضوء الدراسة اليت تقول أن ٪14من اخلادمات يستقبلن أصدقاءهن من الرجال يف البيوت اليت يعملن فيها ،و٪8.7 يزرن أصدقاءهن الرجال يف منازهلم ،و ٪58.6حيبذن ممارسة اجلنس قبل الزواج ،و ٪51.18يشرحن عن حياة األطفال يف جمتمعاهتن ألطفال البيوت اليت يعملن فيها ،كما أن ٪2.5قالت إن شرب اخلمور يف جمتمعاهتن مباح حتى لألطفال(.)2 ماذا عسى أولئك اخلدم سيفعلون يف غيبة األبوين عن املنزل؟! إن مجيع تلك اهلوايات ستمارس بال ريب داخل جدران تلك البيوت. -1املرجع السابق ،ص.146 -2الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.17 233 املطلب الثاني :األخطار الناشئة عن اخلدمة يف البيوت من خالل األخطار الواردة يف املطلب السابق نستطيع القول أن اخلدمة صارت يف صيغتها احلالية تشكل خطراً يهدد األسر املسلمة يف دينها ودنياها حلد تشويه معامل شخصيتها من لغة ودين وسلوك ،وخاصة عندما صارت اخلدمة تعتمد على أفراد غرباء عن األمة يف دينهم ولغتهم وسلوكهم وعاداهتم. وما األخطار السابقة من خمالطة وخلوة وغيبة األبوين عن املنزل واختالف دين اخلدم وتوكيل تربية األوالد إليهم ما هي إال معاول هدامة يف البيت املسلم ،ختلف فيه الكوارث والدمار. ومنر على أهم هذه األخطار فيما يأتي: -1خطر اخلدمة يف البيوت على عقيدة أفراد األسرة: يبدو أن احنراف أفراد األسرة عن العقيدة اإلسالمية الصحيحة هو نتيجة مؤكدة لقيام اخلادمات غري املسلمات()1على تربية األوالد ،حيث يوجهن األطفال بالقول والفعل إىل عقائدهن املغايرة لعقيدتنا ،حتى إن ٪25من اخلادمات يكلمن األوالد بصراحة يف قضايا الدين والعقيدة(،)2 أما اخلادمات األخريات فيغرسن عقائدهن يف األوالد من خالل األساطري والقصص اليت حيكينها هلم ،أما الدعوة الفعلية فيتجلى يف ممارسة ٪97.5 منهن لطقوسهن الدينية()3على مرأى من األوالد. كل هذا حيدث والطفل بعيد عن توجيه أبويه ورعايتهم ،فهو مل يعرف دينه -1مر سابقاً يف دراسة ميدانية يف إحدى الدول اخلليجية أن نسبة اخلادمات املسلمات .٪ 5 -2الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.27 -3املرجع السابق ،ص.17 234 أصالً حتى يتمكن من الدفاع عنه أو التمسك به ،رمبا حيالفه احلظ يف شبابه بلقاء من يبني له عقيدته اإلسالمية الصحيحة ،ويكنس له شبهات كثريةً جتول خباطرته ،وإن مل حيالفه هذا احلظ -وهو األرجح– فأي فرد عساه يكون؟ مسلماً بروتستنتياً؟ أم مسلماً هندوسياً؟ أم مسلماً بوذياً؟ إن عقالً بشرياً واحداً لن جيمع هذه التناقضات ،ويف هذه احلالة لن تكون العقيدة والدين عنده إال طالسم وأساطري ،واألسلم _ يف نظره _ رفضها مجل ًة من غري تفصيل ،سواء كان هذا الرفض معلناً أم خفياً وحبسب ما تسمح به ظروف الفرد وقوانني جمتمعه ،وهكذا ينشأ بسبب استخدام هؤالء املربيات جيل ينتمي بظاهرة إىل جمتمعه ،ومنسلخٌ حقيقة عن دينه وأمته وجممعه. -2خطر اخلدمة يف البيوت على سلوك أفراد األسرة: إن دور القدوة يف السلوك متارسه اخلادمات واملربيات يف البيوت املسلمة علمن أو جهلن بذلك ،ألن اخلادمة هي مصدر التعليم القريب واملوثوق لدى الطفل بل واألوحد يف حالة غياب األبوين ،إن سلوك هذه اخلادمة سيكون موافقاً ملا تربت عليه ،بعيداً غاية البعد عن ديننا وأخالقنا وقيمنا ،ولفرض أهنا أرادت أن تؤدي واجب اخلدمة بشكل صحيح فبأي املؤهالت ستعمل ،ويف السعودية كان نسبة من مل تصل التعليم الثانوي من اخلادمات ٪69.9منهن ٪7.3أميات( ،)1و ٪69من املربيات ال ميلكن أي خربة سابقة عن عملن( ،)2وتقول الدراسات يف غري السعودية( :إن أكثر من نصف العامالت األجنبيات "مربيات وخادمات" مل يكن يعملن يف بالدهن -1العيدان ،نورة ابراهيم( ،ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية) ،ص.105 -2املرجع السابق ص.110 235 األصلية العمل نفسه الذي يقمن به حالياً ،باإلضافة إىل أن ثلث املربيات أميات ،والثلثني اآلخرين ينتميان إىل مستويات تعليمية هابطة ،قد تزود األطفال بأفكار خاطئة)( ،)1هذا إذا أحسنَّا الظن بنواياهن ،ولكن يف الواقع أن هذه اخلادمات ال جيدن حرجاً يف ممارسة أي سلوك نشأن عليه ولو مل يوافق جمتمعنا وديننا ،ويف إحصائيات مرت معنا دلت على أن ٪14من اخلادمات يستقبلن أصدقاءهن من الرجال يف البيوت اليت يعملن فيها، و ٪8.7يزرن أصدقاءهن الرجال يف منازهلم ،و ٪58.6حيبذن ممارسة اجلنس قبل الزواج ٪51.18 ،يشرحن عن حياة األطفال يف جمتمعاهتن ألطفال البيوت اليت يعملن فيها ،كما أن ٪2.5قالت إن شرب اخلمور يف جمتمعاهتن مباح لألطفال(.)2 يف ظل تربية أمثال هذه اخلادمات يرتعرع الطفل على سلوك غري إسالمي ألن اخلادمة لقنته هذا السلوك بفعلها ورمبا شاركته معها فيه ،فريى املنكرات يف الشرع أمراً مألوفاً واحملرمات شيئاً مباحاً ،وواجباته الشرعية ممل ًة ومكروه ًة ،والعادات الدخيلة حمبب ًة حيرص على أدائها ،ففي دراسة على أطفال املخدومني أجرهتا اململكة العربية السعودية _وهي أحسن حاالً بكثري من دول اخلليج األخرى_ دلت على نتائج خطرية جداً منها(:)3 1.1رغبة األطفال يف االحتفال ببعض املناسبات كأعياد امليالد وغريها. 2.2عدم حرصهم على أداء الصالة يف أوقاهتا حبجج خمتلفة!. 3.3حرصهم على مشاركة اخلادمة االستماع إىل الربامج األجنبية احملببة إليها. 4.4عزوفهم عن املالبس الوطنية املألوفة. -1الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم ) ،ص.58 -2املرجع السابق ،ص.17 -3املرجع السابق ،ص.36 236 5.5إثارهتم لبعض التساؤالت واجلدل حول قضايا األديان. 6.6حتبيذهم لالختالط بني اجلنسني. ثم إن جمرد اعتماد الطفل على اخلادمة يف حياته اليومية يوقعه يف مشاكل تربويه وكما أشارت دراسة (اعتدال عطيوي) بعنوان «أطفالنا واخلادمات» إىل نتائج أمهها: 1.1وجود اخلادمة يعيق النمو الذاتي لألطفال وينمي فيهم االتكالية. 2.2وجود اخلادمة يعيق ارتباط الطفل بوالديه(.)1 ألن اخلادمة تسعى لتلبية مجيع رغبات الطفل إرضاءً ألبويه وحفاظاً على مصاحلها ،فيعتاد الطفل االتكالية ،وجيد يف اخلادمة استجابة له أكثر من أبويه فيزداد ارتباطه خبادمته على حساب ارتباطه بأبويه ،وهذا يرسخ اقتداءه هبا ويزيد تأثريها عليه. -3دور اخلدمة يف البيوت يف انتشار فاحشة الزنى: إن ظروفاً كثرية تتيح الفرص لوقوع فاحشة الزنى يف البيوت املسلمة منها :االختالط بني اخلادمة وأفراد املنزل بل واخللوة معها يف كثري من األحيان ،وخاصة عندما تشارك اخلادمة األوالد املبيت يف غرف النوم، ويرافق هذا اطالع على عورات خادمة غالباً تكون غري مسلمة ال تؤمن بفكرة حالل وحرام ،إضافة إىل أهنا يف األغلب ال ترى يف الزواج شرطاً ملمارسة احلياة اجلنسية كما مر يف إحصائيات سابقة ،مع العلم أن ٪68.3 من اخلادمات يف منطقة اخلليج تقل أعمارهن عن العشرين( ،)2أي يف قمة نضارة شباهبن ،واألخريات لسن بعيدين كثرياً عن هذا السن ،كل -1الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.26 -2الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.19 237 هذه الظروف جتعل اخلدمة يف واقعنا عامل على انتشار الفاحشة أحبت اخلادمات أم كرهت ذلك. إن األبوين الذين مل يتخذوا تدابري احلشمة وعدم االختالط يف أسرهتم جيب أن ينتظروا حصول الفاحشة بني أبنائهم واخلادمة أو بني بناهتم واخلادم ،ألن الفتنة خطريةٌ جداً ،وإن حسن الظن بعفة النفوس بعيدة عن تفكري اإلنسان العاقل ،بل هي داللة على غباء الشخص إذا مل يكن معها أخذ باألسباب ،إن الذي يرتك ولده املراهق أو البالغ يف هذه الفتنه ثم يتوقع منه العفة ينطبق عليه قول الشاعر: رماه يف اليمِّ مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل باملاء وقد نبهنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل خطر ذلك مبا روى أسامة بن زيد رضي اهلل عنهما :عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»( ،)1وحديث أبى سعيد اخلدري عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :إن الدنيا حلوة خضرة وإن اهلل مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بين إسرائيل كانت يف النساء»(.)2 هذا االستهتار من األبوين بضبط بيتهم بالشرع اإلهلي يوقع جمتمعنا يف داء عظيم هو داء فاحشة الزنى ،الذي ينخر جسد اجملتمع حتى يوصله للدمار ملا يستنزل من سخط اهلل وغضبه على أهل الزنى بل على اجملتمع كله صاحلهم وطاحلهم ،فعن زينب أم املؤمنني رضي اهلل عنها :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول« :ال إله إال اهلل ويل للعرب من شر اقرتب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلق بإصبعه -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 5ص 1959برقم.4808 : -2مسلم (صحيح مسلم) ج 8ص 89احلديث برقم.7124 : 238 اإلهبام واليت تليها قالت زينب بنت جحش فقلت يا رسول اهلل أهنلك وفينا الصاحلون؟ قال« :نعم إذا كثر اخلبث»( ،)1وقد فسر أكثر العلماء اخلبث يف هذا احلديث بالزنا( ،)2يعين إذا شاع هذا الداء يف اجملتمع املسلم استحق اجملتمع اهلالك ،وال يرد ذلك البالء وجود الصاحلني فيه ،أعاذنا اهلل من سخطه. وقصص اغتصاب اخلادمات أو تعدي السائق على ربة املنزل أو إحدى بناهتا تضج به وسائل اإلعالم وهيئات حقوق اإلنسان( ،)3هذا عندما يرتفع صوت املظلوم ُ بظالمته ،أما ما حيصل برتاضي الطرفني فشيء أدهى وأمر. -4دور اخلدمة يف البيوت يف تشويه اللغة العربية: اللغة هي األداة اليت يتواصل هبا األفراد مع بعضهم ،وتوحِّد معارف األمة وثقافتها وتراثها ،ومتيزها عن األمم األخرى اليت ال تشاركها لغتها ،ألن اللغة وعاء املعارف والعلوم وكل أمة تصب علومها وجتارهبا وخرباهتا يف ِّ فتسطر إنتاجها الفكري بلغتها ،ويكون هذا النتاج يف متناول وعائها، أفراد هذه األمة ألهنم يستطيعون فتح خزائن هذا النتاج الفكري بإتقاهنم للغتهم. واختالف اللغة بني أمة وأخرى ،أو بني شعب وأخر يعد سداً وعائقاً يفصل بينهما ،ومينع من تبادل املعارف والثقافة واخلربات والتجارب إال من خالل جسور من املرتمجني وحبدود ضيقة. وهلذا نرى اللغة توحد ثقافة األفراد إذا احتدت ،وختتلف الثقافة بينهما -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 3ص 1221برقم.3168 : -2ابن حجر العسقالني(،فتح الباري شرح صحيح البخاري) ج 13ص .109 -3راجع موقع "منظمة حقوق اإلنسان" على الرابط.http:hrw.orgarabic : 239 إذا اختلفت ،هذا االختالف من املعتاد أن نراه بني األمم ،ولكن من العجيب جداً أن نراه يف جمتمع واحد ورمبا يف أسرة واحدة ،وهو بالضبط ما حصل يف بعض جمتمعاتنا ،وخاصة عندما انفردت خادمات من لغات شتى برتبية أطفال املسلمني ،وراح يتعرف على احلياة منذ سنوات حياته األوىل من خالل لغة غريبة عن جمتمعه ،فإن اضطر بعدها إال خمالطة جمتمعه وجد نفسه عاجزاً عن املشاركة اآلخرين ممن حوله ،فهو إما أن حياول استعمال اللغة اليت اعتاد عليها مع بعض التعديالت ويتحمل استهجان آخرين له ،وإما أن ينطوي على نفسه وينعزل عن جمتمعه ،وقد تبني من دراسة يف البحرين أن ٪25من أطفال أسر العينة يقلدون املربيات يف اللهجة ،وأكثر من ٪40منهم تشوب لغتهم لُكنة أجنبية ،ويتعرضون ملضايقات من أقراهنم بسبب ذلك( ،)1مما يؤكد هذا ما جاء يف دراسة جامعة للدراسات امليدانية اليت قامت هبا وزارات العمل والشؤون االجتماعية يف دول اخلليج العربية :أن ٪8من جمموع املربيات هلن إملام باللغة العربية، واتضح أن اللغة اإلنكليزية األكثر شيوعاً( ،)2و مل تتجاوز نسبة اخلادمات اليت تتكلم العربية ٪13يف دراسة األسر السعودية(.)3 وقد شاع هذا املرض يف جمتمعات بأكملها نتيجة لكثرة اخلادمات يف البيوت ،كما حصل يف منطقة اخلليج العربي حيث شاعت فيها تراكيب يف اللغة العربية الدارجة ،غريبة عن روح اللغة العربية ،إىل درجة إقبال الراشدين على استعماهلا ،ومن هذه الرتاكيب« :بابا يف» ويقصد منه: هل يوجد رب األسرة؟ واملالحظ أن املربية األجنبية تنادي رب األسرة بلفظ «بابا» كما تنادي ربة األسرة بلفظ «ماما» وهـكذا شاعت هذا -1الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.55 -2املرجع السابق ،ص.25 -3العيدان ،نورة ابراهيم( ،ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية) ،ص.103 240 الرتكيب بسرعة واستخدمت على نطاق واسع ،حتى أن من حيسن الكالم راح يستخدم مثل هذه العبارات ألن اخلادمة ال تفهم إال هذه الرتاكيب املختزلة(.)1 املصيبة أن الفرد عندما يعجز عن استخدام لغته سواء يف كالمه أو مساعه لآلخرين يغدو فرداً منفكاً عن جمتمعه منسلخاً عن أمته ،كيف سيفهم دينه؟! أمن موعظة اخلطيب على املنرب؟ أم من درس ديين؟ أم من كتاب يشقُّ عليه أن يفك طالمسه؟ كيف سيتعرف على أحوال أمته؟ رمبا جيد أن مساعه لقناة فضائية أجنبية ولو معادية لدينه وأمته أيسر عليه من مساعه ألخبار عربية! كيف سيعرف تارخيه؟ كيف سيكشف ما شوه فيه؟ إنه حتماً سيعجز عن الوصول ملصادر تارخيه الصحيحة. لقد أصبح فرداً آخر غريباً عن أمته ،يتسول ثقافات األمم أخرى وال ينتمي لواحدة منها. ولقد كان العرب يف اجلاهليه حريصني على إتقان الطفل للغتهم العربية، فكانوا يرسلونه للبادية ليتلقاها بصفائها نقية من الشوائب ،ألن من العار أن يلحن املرء يف لغته. ومل يكن هذا األمر غائباً عن أعدائنا ،فكان املستعمر يسعى دائماً يف تضييع لغة البالد اليت حيتلها ،ويفرض على الشعوب املستعمرة لغته ليمحو شخصيتها ويربطها بنفسه ،وهذا ماحصل بالفعل فكثري من الدول ختلت عن لغتها األصلية وجعلت لغة املستعمر لغة البالد الرمسية حتى بعد استقالهلا. إن توهني الصلة بني أبناء جمتمعنا ولغتهم أمر حرص عليه أعداؤنا وبذلوا -1الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم ) ،ص.56 241 من أجله الكثري ،وفشلوا يف حتقيق هذه األماني واألحالم. أما اليوم فنحن نقدم هلم وعلى حسابنا اخلاص ما عجزوا عن حتقيقه سابقاً ،عن طريق اسخدام مربيات أعجمات ،ليلقن أبناء جمتمعنا لغاهتن، أو لغة معوجة هجينة ال تنتمي ألمة. وهو أمر جد خطري ،يوجب على اآلباء أن يقلصوا من العالقة بني اخلادمة والطفل ضمن حدود احلاجة ،وعدم االعتماد املطلق يف تربية األوالد على اخلادمة ،ففي ٪50من األسر املدروسة يف دول اخلليج تقوم فيها املربيات باإلشراف الكامل على إفطار األبناء وارتداء مال بسهم ،و ٪41من األسر تركت للمربيات اإلشراف حتى على لعب األطفال(.)1 وهذا يعين أن األبوين مل يبق هلما دور يف الرتبية ،أو تأثري حقيقي على أبناءمها فهل أدركا هذا اخلطر؟! هذه األخطار األربعة اليت مررنا عليها هي أهم األخطار اليت نتجت عن االستخدام يف واقعه احلايل ،سواء على عقيدة أبنائنا أو على سلوكهم أو على أعراضهم أو على لغتهم ،هذه األخطار جديرة بالتنبيه إليها حتى نبذل قصارى جهدنا يف تفاديها ،بانتقاء اخلادمة املسلمة وبتأمني أجواء من احلشمة وعدم الفوضى يف االختالط بني اخلادمة أو اخلادم وأفراد األسرة املخدومة ،وعدم ختلي األمهات عن مهمة تربية األوالد للخادمات، ألن مهمة الرتبية واجب األم وال ميكن أن ينوب عنها أحد أبداً بعطفها وحناهنا وحرصها على مصلحتهم ،وجيب اال ينسى كل أب وأم قول اهلل َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ً َُ ُ ود َها انلَّاسُ تعاىل{ :يا أيها ا ِين آ َمنوا قوا أنفسكم وأهلِيكم نارا وق َ حْ َ َ ُ َ َ ْ َ َلاَ َ ٌ لاَ ٌ َ ٌ لاَ َ ْ ُ َ هََّ َ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ وال ِجارة عليها م ئِكة ِغ ظ ِشداد يعصون الل ما أمرهم ويفعلون َ ْ َما يُؤ َم ُرون} [ التحريم ،]6:وحديث النيب صلى اهلل عليه وسلم« :كفى -1الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.25 242 باملرء إمثا أن يضيع من يعول»(.)1 وميكن أن تستعني األسرة خبادمة من بلدها عند احلاجة إليها ،وهبذا تكون قد حتاشت كل أو أغلب األخطار السابقة. ومن خالل مقابالت أجريتها لبعض األسر اليت تستعني باخلدم احملليني يف منازهلا واألسر اليت استقدمت خادمة من أجنبية ،وكانت مخس عينات لكل منهما ،تَبني يل املقارنة اآلتية: 1.1من ناحية خطر اخلدمة على العقيدة فقد املستقدمات ( )1مسيحية و ( )4مسلمات .بينما اخلادمات احملليات اخلمس مسلمات. 2.2من ناحية خطر السلوك فاملستقدمات ( )4منهن تصلي و ( )2فقط ترتدين احلجاب ،أما احملليات فكلهن مصليات ويرتدين احلجاب ،وليس هلن عادات غريبة. 3.3من ناحية تشويه اللغة العربية فلغة املستقدمات ( )3أندنوسية و ()1 فيلبينية ( )1حبشية ،ومع احملليات ال توجد هذه املشكلة. 4.4أما من ناحية انتشار فاحشة الزنى فقد كانت أسباهبا متوفرة يف املستقدمات فأعمارهن ( )43-30-27-22سنة ،بينما احملليات كن أكرب سناً ( )60-52- 45 -40سنة ،واملستقدمات خيالطن كلهن أفراد األسرة، و ( )3منهن تشاركن أفراد األسرة طعامهم ،وواحدة يرتكها األبوين عمرها( )22سنة مع أفراد األسرة ومها طالبني بعمر ( )23-20سنة ،مع تأكيد مجيع أفراد األسرة هذه على متيزها باجلمال والذكاء واللطافة، وهي مسيحية وغري حمتشمة. بينما اخلادمات احملليات اخلمس يعملن بإشراف ربة املنزل وغياب -1النسائي ،أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب 303هـ (السنن الكربى) حتقيق د.عبد الغفار سليمان البنداري ،سيد كسروي حسن ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل1411هـ 1991م ج 5ص 374برقم.9176 : 243 أفراد األسرة. 5.5ومن ناحية سبب االستخدام يف املستقدمات فكان يظهر فيه دافع الرتف فمنهن ( )3حاالت سبب االستخدام فيها تقدم ربة املنزل بالسن، و ( )2الرفاهية فقط. وكان سبب استخدام احملليات ( )2بسبب مرض ربة األسرة ( )2عملها خارج البيت ( )1كثرة األوالد. 6.6وأجرة املستقدمة قد تكلف أكثر من مخسة أضعاف أجرة احمللية، فراتب املستقدمات الشهري ( )2منهن ،100$و ( ،125$ )2و (،185$ )1 إضافة لكلفة االستقدام والتأمني اليت قد تصل إىل ( 185$تأمني و 4200$استقدام). وأجرة احملليات باليوم )4( :منهن 10$مقابل 7ساعات عمل ،و (8$ )1 مقابل 5ساعات عمل( ،حوايل 4أيام بالشهر) ودون تكاليف أخرى. وهذا يؤكد تفضيل اخلادمات احملليات على املستقدمات من مجيع النواحي الدينية واإلجتماعية واالقتصادية وغريها. 244 املبحث الثالث آداب اخلدمة يف البيوت املطلب األول :آداب اخلادم. املطلب الثاني :آداب املستخدم. 245 املبحث الثالث :آداب اخلدمة يف البيوت يف املبحث السابق تعرفنا على بعض األخطار اليت نتجت عن اخلدمة يف البيوت بواقعها احلايل ،وبدت صورةً مظلم ًة وخميف ًة توحي بدمار ماحق جملتمعاتنا ،ورمبا يتبادر لبعض األذهان أن مشاكل جمتمعنا ستحل إذا أوقفنا اخلدمة يف البيوت ،ولكن احلقيقة أن ما شاهدناه من مفاسد ليس منبعها اخلدمة يف البيوت ،ولكن منبعها فساد اجملتمع ذاته وبعده عن تعاليم الدين اإلسالمي احلنيف ،واملفاسد ليست يف اخلدمة فحسب بل تعم مجيع أعمال الفرد؛ يف السوق ويف الطريق ويف البيت ويف مكان العمل وغريه ،مع التأكيد أن اخلطورة تكون أشد إذا دامهت الفرد يف بيته. معنى هذا أن الفساد ال يزول إال بعودة الفرد املسلم إىل صوابه واصطالحه مع ربه ،ظاهراً وباطناً ،بإصالح سريرته وبالعمل مبا أمره اهلل به ،سواء كان خادماً أم خمدوماً ،عندها تعود اخلدمة نعمة يف اجملتمع بعد أن أصبحت نقمة ،وفيما يلي تبيان ألهم آداب اخلدمة: 246 املطلب األول :آداب اخلادم منر على بعض اآلداب العملية للخادم يف بيت املخدوم: -1البعد عن مواطن التهم(:)1 ينبغي للمسلم أن يبعد نفسه عن املواقف اليت جتعله َّ حمل هتمة وإن كان بريئاً منها ،وخاصة إذا كان غريباً عن البيت كاخلادمة ،ألن سوء الظن من وسائل الشيطان إليقاع الفنت بني الناس ،فالنيب صلى اهلل عليه و سلم سارع يف دفع شبة عن نفسه عندما مشى ليالً مع أحد زوجاته ،كما يف حديث صفية أم املؤمنني رضي اهلل عنها قالت :كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم معتك ًفا فأتيته أزوره ليالً فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلِبَين وكان مسكنها يف دار أسامة بن زيد فمر رجالن من األنصار فلما رأيا النيب صلى اهلل عليه وسلم أسرعا فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم: «على رسلكما إهنا صفية بنت حيي» ،فقاال سبحان اهلل يا رسول اهلل، قال« :إن الشيطان جيري من اإلنسان جمرى الدم وإني خشيت أن يقذف يف قلوبكما سوءاً أو قال شيئاً»(.)2 -2حفظ األمانة: وهي احملافظة على ودائع الناس مادي ًة ومعنوي ًة ،وهي عالمة صدق اإلميان ،فعن أنس بن مالك قال :ما خطبنا نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم إال قال« :ال إميان ملن ال أمانة له وال دين ملن ال عهد له»( ،)3ألن عاقبة -1الغزايل ،أبي حامد حممد بن حممد الغزايل 505هـ (إحياء علوم الدين) ،مراجعة صدقي حممد مجيل العطار ،بريوت، دار الفكر 1423هـ 2003م ج 2ص.167 -2البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 3ص 1195برقم.3107 : -3ابن حنبل (مسند اإلمام أمحد بن حنبل) ج 3ص 135برقم.12406 : 247 تضييع األمانة وخيم ،وعدم اخلوف من عاقبة تضييع األمانة عالمة نفاقٍ وعد ِم خشيةٍ للحساب ،فعن أبي هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :آية املنافق ثالث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤمتن خان»(.)1 واخلادمة مؤمتنة على ما يف البيت من أمتعة وال حيل هلا التصرف بشيء منها إال بإذن أهل البيت ،كاستخدام هاتف املنزل ،ورمبا جتد أثناء تنظيف البيت نقوداً أو حلياً أضاعها أهل البيت فتكتمها عنهم ،أو تقوم هبدر املاء ومواد التنظيف على حنو غري معتاد ،كل هذه األعمال خيانة لألمانة حياسب اهلل عليها أشد احلساب ،فعن عبد اهلل بن عمر قال :مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول« :كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ...واخلادم راع يف مال سيده ومسؤول عن رعيته»(.)2 -3النصيحة (األمر باملعروف والنهي عن املنكر): فعن متيم الدَّا ِريِّ أن النبى صلى اهلل عليه وسلم قال «الدِّين النَّصيحة» قلنا ملن قال« :لِ َّله ولكتابه ولرسوله وألئمّة املسلمني وعامّتهم»( ،)3واملقصود بالنصيحة أي إرشاد اآلخرين ملصاحلهم يف آخرهتم ودنياهم(.)4 ومن واجب اخلادم النصيحة ألهل البيت الذي خيدم فيه بأمرهم باملعروف وهنيهم عن املنكر باحلكمة واملوعظة احلسنة ،وتنبيههم إىل ما فيه اخلري من أمور دنياهم ،وحتذيرهم من شرورها ،فاخلادمة مسؤولة أمام اهلل يف تنبيه ربة املنزل على أخطاء األوالد ،بل تقوم هي بتحذيرهم وإبعادهم عن املعاصي وتدهلم على طريق الصواب. -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 1ص 21برقم.33: -2البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 1ص 304برقم.853 : -3مسلم (صحيح مسلم) ،ج 1ص 53احلديث برقم.205 : -4النووي (صحيح مسلم بشرح النووي) ج 2ص 39 248 -4عدم تتبع عورات املنزل :حيث أمرنا اإلسالم بالسرت على عباد اهلل إذا انكشفت لنا زلة من أحدهم ،فعن ابن عمر رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال« :املسلم أخو املسلم ال يظلمه وال يسلمه من كان يف حاجة أخيه كان اهلل يف حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج اهلل عنه هبا كربة من كرب يوم القيامة ومن سرت مسلما سرته اهلل يوم القيامة»(.)1 وحذرنا من تقصي عورات الناس ،فعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال: (صعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املنرب فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من قد أسلم بلسانه ومل ي ِ ُفض اإلميان إىل قلبه ال تؤذوا املسلمني وال تعريوهم وال ت َّت ِبعوا عوراهتم فإنه من تتبع عورة أخيه املسلم تتبع اهلل عورته ومن تتبع اهلل عورته يفضحه ولو يف جوف رحلة» قال ونظر ابن عمر يوما إىل البيت أو إىل الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك واملؤمن أعظم حرمة عند اهلل منك)(.)2 واخلادم قريب من أهل البيت َّ مطلع على كثري من هفواهتم وزالهتم ،ومن واجبه سرتها ال تتبعها والتنقيب عنها. -5الصدق يف احلديث: وهي خصلة تزرع الطمأنينة يف تعامل األفراد فيما بينهم ،وفقداهنا يزرع الشك والريبة ،والكذب من أقبح صفات اخلدم والصدق من أعظمها، وعندما جيرِّب املخدوم الكذب من اخلادم ولو مرة يصبح كثري الشك به سيئ الظن مبقاصده ،حيتمل الكذب يف كل حديثه والسوء بكل فعله، وهذا ينعكس على اخلادم بالضرر ،فرمبا مرض واحتاج إىل راحة فال -1مسلم (صحيح مسلم) ج 8ص 18احلديث برقم.6743 : -2الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج 4ص 378برقم.2032 : 249 يصدقه املخدوم ،إضافة للكراهية واالزدراء احلاصل للخادم ،وقد بني لنا النيب صلى اهلل عليه و سلم أن الكذب عالمة من عالمات النفاق وذهاب اإلميان من القلب ،فعن أبي هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال: «آية املنافق ثالث :إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤمتن خان»(.)1 -6عدم التذلل إال هلل: ديننا يأمرنا بالتواضع وهو ترك التكرب على عباد اهلل ،ولكن هذا ال يعين أن يرضى املؤمن بالذل و املهانة ،ألن عزة النفس خصلة مالزمة لإلميان َللِهَّ ْ َ ُْ ْ ُ َ ُ َ َّ َ قال عز وجل{ :و ِ العِزة ول ِرس هِ ولِ ول ِلمؤ ِمنِني} [املنافقون.]8: وعلى اخلادم أن حيذر أن تدفعه حاجته للخدمة أن يرضى بالذل واملهانة ملخدومه ،من استخدام ألفاظ التعظيم والتقديس ملخدومة ووضع نفسه يف مواقف الذل ،أو قبول التحقري أو السب من أهل البيت الذي خيدم فيه ،كل هذا يأباه اإلسالم ،وال يرضى للخادم أن يقبل تلك احلال ،فكيف مبن يسعى هبا ظناً منه أنه مي ِّكن من عالقته مبخدوميه؟ علماً أنه ال يزيد بأعينهم إال مهان ًة ،وعن قلوهبم إال بعداً ،ويف دينه إال ضعفاً ،وهذا املرض يف الدين مساه الرسول صلى اهلل عليه وسلم (الوهن) وسببه شدة تعلق النفس بالدنيا فريضى املرء بالذل ويتطاول عليه الناس ،فعن ثوبان رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ...« :ولينزعن اهلل من صدور عدوكم املهابة منكم ،وليقذفن اهلل يف قلوبكم الوهن» .فقال قائل يا رسول اهلل وما الوهن قال« :حب الدنيا وكراهية املوت»(.)2 -1سبق خترجيه ص.248 -2ابو داود (السنن) ج 4ص 111برقم.4297 : 250 -7ال يطيع إال يف املعروف: اخلادم يف البيت ذكراً أم أنثى عرضة ألن تطلب منه خدمات حمرمة شرعاً كتقديم املسكرات ،أو مشروعة باألصل ولكن يشوهبا بعض املنكرات، كاصطحاب اخلادمة حلفلة فيها اختالط أو غريه من املنكرات ،أو يُلزمها أهل املنزل بلباس غري ساتر سواء كان قصرياً أو ضيقاً ،أو يدفعوها لفعل فيه إيذاء ألحد املسلمني ،هذه األعمال وأمثاهلا ال جيوز أن تصدر من اخلادم ،وال عذر له أمام اهلل ،بأنه مأمور ويف موقف ضعيف ،ألن املؤمن ال يكون أبداً ضعيفاً أمام مصاحلة ،وليس هذا عذر للمحافظة على أجرته، فعن علي رضي اهلل عنه :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :ال طاعة يف املعصية إمنا الطاعة يف املعروف»(.)1 أما إذا أُجرب اخلادم على فعل منكر بإكراه ملجئ ،وبتهديده بإحلاق أذى به فهذا أمر خارج عن موضوع كالمنا ،حتكمه قاعدة (الضرورات تبيح احملظورات)( ،)2أو(الضرر األشد يزال بالضرر األخف)( ،)3أو (الضرر ال يُزال مبثله)( ،)4وغريها من أحكام الضرر. -8أ َّ ال يطلب ما ليس له (ما زاد على األجر): بعض األجراء الذين يقومون بأعمال اخلدمة حياولون إحراج رب املنزل بدفع زيادة على األجر املستحق بأمساء وطرق خمتلفة تشبه التسول أحياناً، وحيدث هذا غالباً من أجراء األعمال وليس اخلاصني. هذا املال الزائد عن األجرة مال حرام ،ألن شرط الرضا معدوم يف حتصيله، -1سبق خترجية ص.49 -2الزرقا،أمحد بن حممد 1357هـ (شرح القواعد الفقهية) دمشق ،دار القلم.ج 1ص( 180القاعدة العشرون). -3املرجع السابق ج 1ص(193القاعدة السادسة والعشرون). -4املرجع السابق ج1ص(194القاعدة الرابعة والعشرون). 251 لاَّ َ َ ُّ َ لذَّ َْ ُ ُ َْ َ َ ُ ْ ََْ ُ ُ َ ْ َ بَْ قال تعاىل{ :يا أيها ا ِين آَمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بِالا ِط ِل إ ِ َ ْ َ ُ َ جَِ َ ً َ ْ َ ْ ُ ْ َ اض مِنكم} [النساء ،]29:أما الزيادة اليت يقدمها أن تكون تارة عن تر ٍ املخدوم من تلقاء نفسه فهي جائزة بال شك ،بل هي من السنة. -9عدم إفشاء أسرار البيت: بيوت الناس ختفي كثرياً من أمور حياهتم اخلاصة ،واخلدم لكثرة خمالطتهم ألهل البيت يطلعون على كثري من أسرارهم ،مع أن اخلادمة مؤمتنة على عورات البيت وما حيدث فيه من أمور وأسرار ال يرغب أهل البيت باطالع أحد عليه ،وهي من األمانة اليت حذر النيب صلى اهلل عليه وسلم من إضاعتها ،فعن عبد اهلل بن عمر قال :مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول« :كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ...واخلادم راع يف مال سيده ومسؤول عن رعيته»(.)1 ويف حديث خادم النيب صلى اهلل عليه وسلم أنس رضي اهلل عنه مثال كتمان سر املخدوم حتى عن أمه رضي اهلل عنها ،قال( :أتى عليَّ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان -قال -فسلم علينا فبعثين إىل حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت ما حبسك ،قلت :بعثين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حلاجة ،قالت :ما حاجته ،قلت :إهنا سر، قالت :ال حتدثن بسر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أحداً ،قال أنس: واهلل لو حدثت به أحداً حلدثتك يا ثابت)(.)2 -1سبق خترجيه ص .248 -2مسلم (صحيح مسلم) ج 7ص 160احلديث برقم.6533: 252 -10عدم التدخل فيما ال يعنيه: اخلادم شخص غريب عن أهل البيت ،وعالقته معهم حمصورةٌ يف أداء خدمته فقط ،فال يليق به أن يتدخل بأمور ال متت لعمله بصلة ،وإال أصبح شخصاً فضولياً مبغوضاً لدى أهل البيت ،وقد حذر النيب صلى اهلل عليه وسلم من هذا اخللق حيث قال« :إن من حسن إسالم املرء تركه ما ال يعنيه»(.)1 واخلادم الذي حسن إسالمه وترك ما ال يعنيه حمبب إىل خمدومه وإىل مجيع الناس. -11التفرغ ألداء اخلدمة: وقت اخلادم ليس ملك له ،ألنه حبس نفسه على خدمة من استأجره، فال حيل له التشاغل عن واجبه بعمل آخر ،ألن التقصري احلاصل بسبب ذلك غش للمخدوم ،حتى لو أن تالوة القرآن أثرت على خدمته مل يكن له تالوته يف أوقات عمله ،يقول ابن قدامة( :لو استأجره لعمل فكان يقرأ القرآن يف حال عمله فإن ضر املستأجر يرجع عليه بقيمة ما فوت عليه(،)2 وقال أيضاً( :وليس له حمادثة غريه حالة النسخ وال التشاغل مبا يشغل سره ويوجب غلطه وال لغريه حتديثه وشغله وكذلك كل األعمال اليت ختتل بشغل السر والقلب كالقصارة والنساجة وحنومها)(.)3 -12احلذر من وقوع حمرم يف العقد وسؤال أهل العلم عن ذلك: ومن مظاهر بعد املسلمني عن دينهم هو أهنم ال حيتكمون إال شرع اهلل إال -1الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج 4ص 558برقم.2318: -2ابن قدامة (املغين) ج 5ص.269 -3املرجع السابق ج 5ص.268 253 عندما يقعون يف معضلة أو ينشب اخلالف بني املتعاقدين ،وإال فهم سائرون وفق ما متلي عليهم مصاحلهم ،وقد بني القرآن أن هذا السلوك عالمة َ َ ْ َ َ ىَ لذَّ َ َ ْ ُ ُ َ النفاق وذهاب اإلميان ،يقول سبحانه وتعاىل{ :ألم تر إِل ا ِين يزعمون َ َّ ُ ْ َ ُ َ ُ ْ َ يَ ْ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ىَ أنهم آَمنوا بِما أن ِزل إِلك وما أن ِزل مِن قبلِك ي ِريدون أن يتحاكموا إِل َ ُ ُ َّ ْ َ ُ َ ْ ُ َّ ُ ْ َلاَلاً َّ ُ ََْ ُ ُ َْ َ ُْ ُ ضلهم ض الطاغ ِ وت وقد أمِروا أن يكفروا بِهِ وي ِريد الشيطان أن ي ِ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ ىَ َ َ ْ َ َ هَّ ُ ىَ الر ُسول َر َأي ْ ت ال ْ ُم َنافِقنيَ بَع ً َ َّ يدا * ِإَوذا قِيل لهم تعالوا إِل ما أنزل الل ِإَول ِ ِ ِ ً َ َْ َ يَ ُص ُّدون عنك ُص ُدودا} [النساء ]60-61:يقول ابن كثري يف تفسريها( :هذا إنكار من اهلل عز وجل ،على من يدعي اإلميان مبا أنزل اهلل على رسوله وعلى األنبياء األقدمني ،وهو مع ذلك يريد التحاكم يف فصل اخلصومات إىل غري كتاب اهلل وسنة رسوله)( ،)1ولكنهم لألسف سيجدون أنفسهم َ ََْ مضطرين للرجوع يف كثري من املعضالت إىل شرع اهلل عز وجل{:فكيف َ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ َّ َ ْ َ ْ ْ ُ َّ َ ُ َ حَ ْ ُ َ هَّ ْ َ َ ْ َ إِذا أصابتهم م ِصيبة بِما قدمت أي ِدي ِهم ثم جاءوك يلِفون بِاللِ إِن أردنا لاَّ ْ َ ً َ َ ْ ً إ ِ إِحسانا وتوفِيقا} [النساء ]62:يتعذرون بأعذار واهية وحبسن النية، ولكنها مجيعها أعذار مرفوضة ،بل ويقسم سبحانه مييناً مغلظة بأن َلاَ َ َ ّ َ اإلميان الصحيح ال يكون إال باالحتكام لشرع اهلل عز وجل{ :ف وربِك لاَ ُ ْ ُ َ َ ىَّ حَُ ّ ُ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ لاَ جَ َُْ سه ْم َح َرجاً ُ يؤمِنون حت يكِموك فِيما شجر بينهم ثم ِ يدوا يِف أنف ِ ِ م َِّما قَ َضيْ َ ت َوي ُ َس ّل ِ ُموا ت َ ْسل ِ ً يما} [النساء.]65: بعد مساع املسلم هلذا البيان الواضح يف القران الكريم مؤكداً ضرورة االلتزام بشرع اهلل يف مجيع معامالتنا ،البد للمسلم بعدها من سؤال أهل العلم عن شرعية أي عقد يقوم به ومن ذلك عقد اخلدمة يف البيوت، فرمبا كانت صيغة العقد باطل ًة أو فاسدةً واحتاجت لتصحيح أو إلغاء، -1ابن كثري ،أبو الفداء إمساعيل بن عمر الدمشقي774هـ (تفسري القرآن العظيم) بريوت ،دار الفكر ،سنة النشر1401هـ ج 2ص.346 254 ويكون بفعله هذا قد حتقق شرط اإلميان فيه كما يف اآليات السابقة. -13االلتزام بآداب االستئذان: آداب االستئذان الذي أمر هبا ديننا احلنيف هي عبارة عن سياج يقي أعراض الناس ،وحيافظ على الود واالحرتام فيما بينهم ،فإن قصروا هبا وجدوا أنفسهم أمام مواقف كثرية من االطالع على عورات وأسرار بعضهم ،وهذا يورث الكراهية ورمبا أوقع الفنت ،مهما كان الشخص اآلخر قريباً ،حتى الزوج ربُّ األسرة ال جيوز أن يدخل على زوجته فجأة من دون إعالم يف وقت ال تتوقع قدومه ،ألنه رمبا وجدها على حال ينقص من قدرها يف نفسه ،وسترتك مثل هذه املواقف أثراً سيئاً يف نفس الطرفني، ويف احلديث قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :إذا قدم أحدكم ليالً فال يأتني أهله طروقا حتى تستحد املغيبة ومتتشط الشعثة»( .)1أما غري الزوج فروي أنه (جاء رجل إىل عبد اهلل قال :أأستأذن على أمي فقال :ما على كل أحياهنا حتب أن تراها)(.)2 هذه األحاديث يف حق الزوج واالبن فكيف خلادم غريب عن أهل املنزل ال تربطه بينهم قرابة أن يفتح باباً من دون استئذان؟! ثم إن عَدَم التزام اخلادم أو اخلادمة بآداب االستئذان تورث الكراهية هلما وتوقعهما يف مواقف ال حتمد عقباها. -14غض النظر عما ال حيل: َ ُ ْ ْ ُ ْ َ َ ُ ُّ ْ ََ َْ ُ ُُ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ قال تعاىل{ :قل ل ِلمؤ ِمنِني يغضوا مِن أبصارِهِم ويحفظوا فروجهم ذل ِك -1مسلم (صحيح مسلم) ج 6ص 55احلديث برقم .5074 :قال النووي يف شرح احلديث(:والطروق بضم الطاء هو االتيان فى الليل وكل آت فى الليل فهو طارق ،ومعنى تستحد املغيبة أى تزيل شعر عانتها واملغيبة التى غاب زوجها واالستحداد استفعال من استعمال احلديدة وهى املوسى واملراد ازالته) النووي (صحيح مسلم بشرح النووي) ج 13ص.71 -2البخاري ،أبو عبداهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي 256ه (األدب املفرد) حتقيق حممد فؤاد عبدالباقي ،بريوت، دار البشائر اإلسالمية ،الطبعة الثالثة 1409هـ .ص 364برقم.1059 : 255 َ ْ ُ ْ َُْ ُْ ْ َ ْ ىَ َ ُ ْ َّ هََّ َ ٌ َ َ ْ َ ُ َ َ ض َن مِنْ ات يغض أزك لهم إِن الل خبِري بِما يصنعون * وقل ل ِلمؤمِن ِ َ ْ َ َّ أبصارِهِن} [النور ،]30-31:حذر القرآن من النظر احملرم ،وأكد على غض البصر وبني أنه فيه تزكية للنفس عن احلرام. يقول األلوسي عن احلكمة من تقديم غض النظر عن حفظ الفرج( :بدأ سبحانه باإلرشاد إىل غض البصر ملا يف ذلك من سد باب الشر ،فإن النظر باب إىل كثري من الشرور وهو بريد الزنا ورائد الفجور ،وقال بعضهم: كل احلوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر واملرء ما دام ذا عني يقلبها يف أعني العِي ِْن موقوف على اخلطر كم نظرة فعلت يف قلب فاعلها فعل السهام بال قوس وال وتر يسر ناظره ما ضر خاطره ال مرحبا بسرور عاد بالضرر)(.)1 وعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها خمافيت أبدلته إميانا جيد حالوته يف قلبه»(.)2 واخلادم ذكراً كان أم أنثى أجنيب عن أهل البيت ،وفتنة النظر عنده شديدة مع احتمال كثرة املخالطة واخللوات ،فيجب أن يكون اخلادم واخلادمة أحرص على غض البصر من غريهم. -15حتاشي وقوع اخللوة: فقد يتعرض اخلادم أو اخلادمة ملواقف اخللوة بأحد أفراد األسرة ،إما بانفراد رب األسرة أو أحد أبناءه باخلادمة ،أو بانفراد اخلادم بسيدة املنزل أو أحد بناهتا ،وهذا موقف خطري جداً ال يقبله الشرع اإلسالمي ،على -1األلوسي ،أبو الفضل حممود (روح املعاني يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاني) ج 18ص .139 -2الطرباني (املعجم الكبري) ج 10ص 173برقم.10384 : 256 اخلادم أن يتحاشى وقوع مثل هذه املواقف ويأخذ االحتياطات الالزمة، فعن ابن عباس عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :ال خيلون رجل بامرأة إال مع ذي حمرم» ،فقام رجل فقال :يا رسول اهلل امرأتي خرجت حاجَّة واكتتبت يف غزوة كذا كذا ،قال « :ارجع فحج مع امرأتك»(.)1 وعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال« :إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل من األنصار :يا رسول اهلل أفرأيت احلمو ،قال« :احلمو املوت»(.)2 هذه اآلداب اإلسالمية السامية اآلنفة الذكر لو أن اخلدم التزموا هبا لسلموا وغنموا يف الدنيا واآلخرة. -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 5ص 2005برقم.4935 : -2مسلم (صحيح مسلم) ج 7ص 7برقم.5803 : 257 املطلب الثاني :آداب املستخدِم هناك بعض اآلداب اليت ينبغي للمخدوم أن يراعيها ويلتزم هبا ضمن عالقته مع خادمه ليسلم له دينه ودنياه ،من أمهها: -1عدم التكرب على اخلادم(:)1 فبعض أصحاب النفوس الضعيفة عندما يشعر أن له سلطاناً على أحدٍ، ينتابه إحساس بالعلو واالستكبار ،ويؤثر هذا اإلحساس على سلوكه بأفعال تشبع هذا املرض لديه ،فيطلب من خادمه أن يناديه بألقاب التقديس والتعظيم ،أو أن يقوم على بابه أو بني يديه ،أو يُسمع خادمه ألفاظ السخرية واالستهزاء ،أو يطلب منه خدمات تافهة ،املقصد منها التكرب على عباد اهلل ليس إال؛ كمسح حذائه أو إلباسه جلوربيه وغريها من خدمات االستذالل ،وهو بفعله هذا قد وقع بسخط اهلل وعمل ذنباً لأَْ َلاَ َ ُ َ ْ عظيماً ،يقول اهلل سبحانه{ :وال ت َص ّ ِع ْر خ َّد َك ل َِّلن ِ اس و ت ْم ِش يِف ا ر ِض َّ َ َ ً َّ هََّ لاَ حُ ُّ لُ َّ خُ ْ َ َ ُ ُ ور} [ لقمان ،]18:وقوله{ :إِنه ال مرحا إِن الل يِب ك مت ٍ ال فخ ٍ َ َ َ َ ْ َ ُ هَّ ُ لَىَ لُ ّ َ ْ حُ ُّ ْ ُ ْ َ ْ َ ب ك قل ِ يِب المستكبرِ ِين} [النحل ،]23:وقوله{ :كذل ِك يطبع الل ع ِ ُم َت ّ كَب َج َّبار} [غافر ،]35:ألن الكربياء هلل تعاىل وحده قال عز وجلَ : {و هَلُ رِ ٍ ٍ لأَْ ْ الْكبرْ َّ َ َ َ ات َوا ْر ِض َو ُه َو ال َعز ُ الك ُ ُ يز حَْ او م الس ف اء ي ِيم} [ اجلاثية ،]37:ويف ِ ِ ِ يِ ِ احلديث عن أبى هريرة قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :قال اهلل عز وجل :الكربياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعين واحداً منهما قذفته يف النار»( ،)2كما أن الكرب سبب يف حرمان العبد من اجلنة ،فعن -1الغزايل (إحياء علوم الدين) ج 3ص .336 -2ابو داود (السنن) ج 4ص 59برقم.4090 : 258 عبد اهلل بن مسعود قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال حبة من خردل من كرب»(.)1 ومن التواضع املأمور به أنه ال مينع كونه خمدوماً أن يعتذر من اخلادم عند صدور إساءة حبقه ،وهذا ال حيط من قدره. ومن التكرب أن يكون املخدوم صعب العشرة ،دائماً حيوج اخلادم إىل املداراة ويلجئه إىل االعتذار ،فعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال« :أال أخربكم بأكملكم إميانا؛ أحاسنكم أخالقا املوطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون»(.)2 -2النصيحة: للمخدوم دور مهم يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر جتاه اخلادم ،ألمور كثرية؛ منها أن اخلادم أو اخلادمة غالباً قادم من بيئة بعيدة عن نور العلم، والنصيحة أقرب للتطبيق ألن اخلادم يسعى دائماً إلرضاء خمدومه ،وجهل اخلادم أو اخلادمة بآداب الدين والدنيا ميكن إزالته بتعهده بالنصيحة سواء مبا خيص النظافة أو الطهارة أو االستئذان ،أو جهله بعباداته أو عدم إدراكه لعاقبة التقصري بالعبادات إن كان اخلادم مسلماً ،وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.)3(»... -3العفو عن الزلة: اإلنسان بضعفه عرضة للخطأ والسهو ،وال ينبغي للمخدوم أن حياسب -1مسلم (صحيح مسلم) ج 1ص 65احلديث برقم.275 : -2البيهقي ،أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي بن موسى 458هـ (شعب اإلميان) حتقيق حممد السعيد بسيوني زغلول، بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1410هـ ،ج 6ص 270برقم.8118 : -3سبق خترجيه ص.248 259 اخلادم على كل سقطاته وهفواته ،ثم إنه من املستحيل أن جيد خادماً معصوماً عن األخطاء. فإن كانت الزلة ناجتة عن تقصري واضح فينبغي تنبيه اخلادم ليتالفى غلطه يف املرات القادمة ،أما الغلط غري املقصود فالبد من غض النظر عنه هنائياً بل من األدب هتدئة روع اخلادم ،فلو انكسرت آنية بيد اخلادمة ووجدت ربة املنزل عالمات اخلوف عليها فاألفضل أن ختربها أن األمر هني ،واحلمد هلل أنه مل يتسبب هذا الكسر بإيذائها وعليها أن تنتبه يف املرة القادمة ،وال تعنفها عليه ،وهذا أبلغ من التوبيخ ،ويف احلديث عن عبد اهلل بن عمر قال :جاء رجل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال :يا رسول اهلل كم نعفوا عن اخلادم؟ فصمت ،ثم أعاد عليه الكالم فصمت، فلما كان يف الثالثة قال« :اعفوا عنه يف ِّ كل يو ٍم سبعني مرَّةً»(.)1 -4أن يطعم اخلادم مما يأكل ويلبسه مما يلبس: على املخدوم أن ينظر للخادم أنه أخ له يف اإلنسانية على أقل تقدير ،هذا إذا مل يكن أخ له يف الدين ،فال يصح منه مطلقاً أن يطعمه من فضالت طعامه أو مما يأبى أن يأكل أو يطعم منه أهل بيته ،أو يلبسه ماال يليق من اللباس ألنه بشر له كرامة وأحاسيس وذوق ،قال النيب صلى اهلل عليه وسلم« :إن إخوانكم خولكم ،جعلهم اهلل حتت أيديكم ،فمن كان أخوه حتت يده ،فليطعمه مما يأكل ،وليلبسه مما يلبس.)2(»... بل يرتقي اإلسالم ألعظم درجات الذوق الرفيع بأن يطلب من املخدوم أن يبادر بدعوة اخلادم إىل مائدته إن مل يوجد مانع شرعي أو حرج على -1أبو داود (السنن) ج 4ص 341برقم.5164 : -2سبق خترجيه ص .156 260 اخلادم ،وإال فال بد أن يغرف له منه كما يف احلديث عن أبى هريرة قال: قال رسول ال َّله صلى اهلل عليه وسلم« :إِ َذا صَنَعَ ألَحَدِ ُكمْ خَادِمُهُ َطعَامَهُ ثُمَّ جَاءَهُ ِبهِ وَ َقدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ َفلْيُ ْقعِدْهُ مَعَهُ َفلْيَ ْأ ُك ْل َفإِنْ َكانَ َّ الطعَامُ مَشْ ُفوهًا َقلِيالً َفلْي َ َضعْ فِى يَدِهِ مِنْهُ أ ُ ْكل َ ًة أَوْ أ ُ ْكلَتَي ِْن»( ،)1قال الراوي :يعنى لقمة أو لقمتني. -5ال يكلف اخلادم فوق طاقته: كما يف حديث أبي ذر رضي اهلل عنه الذي مر سابقاً قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :إن إخوانكم خولكم ،جعلهم اهلل حتت أيديكم ،فمن كان أخوه حتت يده ،فليطعمه مما يأكل ،وليلبسه مما يلبس ،وال تكلفوهم ما يغلبهم ،فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم»( ،)2فال حيل للمخدوم تشغيل اخلادم بعمل يفوق طاقته ويشق عليه مستغالً حاجته للمال فهذا ظلم ومتادي على اخللق ،فإن كان وال بد أعان املخدوم اخلادم بنفسه أو بغريه. حتى أن املسلم إذا الحظ مثل هذا الظلم عند أحد وجب عليه أن يزيل هذا املنكر بالنصيحة للمخدوم فإن مل يرتدع عليه أن يستعني بالقضاء إلنصاف اخلادم. ومن الظلم كذلك أن يكلف اخلادم مبا ليس من عمله ،كأن يستغل السائق يف تنظيف البيت ،أو ترسل ربة املنزل خادمتها لتعمل يف بيت ابنتها فتجمع عليها عمل بيتني ،بينما تعاقدت يف احلقيقة معها على خدمة بيت واحد ،ففي هذه األمثلة جيوز تشغيلها بالعمل الزائد بشرط رضاها وبأجرة ذلك العمل اإلضايف. -1مسلم (صحيح مسلم) ج 5ص 94احلديث برقم .4407 :املشفوه :القليل ألن الشفاه تكاثرت عليه .أي من حق من وىل حرَّ شيء وشدته ،أن يلي قرّه وراحته .فقد تعلقت به نفسه ،وشمَّ رائحته. -2سبق خترجيه ص .156 261 وإضافة ملا سبق جيب مراعاة حال اخلادم يف حال مرضه ،أو يف فرتة صيامه ،وعدم إكثار العمل عليه ،روي يف فضل رمضان« :من خفف عن مملوكه فيه غفر اهلل له وأعتقه من النار»(.)1 -6املسارعة لدفع األجر: ألن من حق األجري أن يستويف أجرته فور فراغه من عمله ،فعن عبد اهلل بن عمر قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :أعطوا األجري أجره قبل أن جيف عرقه»( ،)2وليست هذه املسارعة فضيلة جيود هبا الكرماء بل هي حق الزم على املستخدِم ،واملماطلة يف دفعه ظلم وخاصة يف حق الضعفاء كاخلادم ،فعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :مطل الغين ظلم»(.)3 ومن أشنع أشكال الظلم والتعدي انتقاص األجري أجرته أو عدم دفعها مطلقاً ،فهذه جرمية حذر اهلل منها وتك َّفل بذاته العلية االنتقام من فاعلها وحتصيل احلق منهم لصاحبه يوم القيامة كما بني ذلك احلديث الذي رواه أبو هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :قال اهلل :ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة :رجل أعطى بي ثم غدر ،ورجل باع حراً فأكل مثنه ،ورجل استأجر أجرياً فاستوفى منه ومل يعطه أجره»(.)4 وعلى العكس مما سبق يسن أن يكرم اخلادم بزيادة على أجره املستحق، قال ابن قدامة( :ويستحب أن تعطى عند الفطام عبداً أو أمة كما جاء يف اخلرب إذا كان املسرتضع موسرا يعين باخلرب ما روى أبو داود( ...)5عن -1صحيح ابن خزمية ( -ج 3ص )191باب فضائل شهر رمضان إن صح اخلرب برقم.1887: -2سبق خترجيه ص.144 -3البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 2ص 845برقم.2270: -4سبق خترجيه ص37 -5أبو داود (السنن) ج 2ص 224برقم.2064 : 262 حجاج بن حجاج األسلمي عن أبيه قال قلت :يا رسول اهلل ما يذهب عين مذمة الرضاع قال« :الغرة العبد أو األمة»)(.)1 -7االستئذان يف الدخول على اخلادم: آداب االستئذان يف اإلسالم عامة تشمل مجيع الناس اخلادم ومجيع أفراد األسرة ،ألهنا شرعت للمحافظة على سرت العورات وصيانة األسرار والكرامات ورعاية املشاعر ،وكل هذه األشياء حق جلميع الناس وخاصة اخلادمة ،فلها شؤوهنا اخلاصة ومن حقها أن يكون هلا حجرة خاصة هبا، ال يدخلها أحد من أهل البيت من غري استئذان ،يقول يف ذلك الدكتور يوسف القرضاوي( :الضوابط الشرعية ال شك للحماية الكاملة خصوصاً للنساء والفتيات ...يعين جيب أن تصان أعراضهن وأن تصان حرمتهن وأن يكون هلا بيتها ،يعين حجرهتا املستقلة اليت ...ال جيوز ألحد أن يقتحمها عليها أبداً وهذا أمر حيرمه اإلسالم كل التحريم)(.)2 إضافة إىل ضرورة مراعاة بقية اآلداب من إلقاء السالم على اخلادم واملصافحة بضوابطها الشرعية ،ثم إن التزام هذه اآلداب تزرع االحرتام واحملبة يف النفوس ،فعن أبى هريرة قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :والذي نفسي بيده ال تدخلوا اجلنة حتى تؤمنوا وال تؤمنوا حتى حتابوا أفال أدلكم على أمر إذا فعلتموه حتاببتم أفشوا السالم بينكم»(.)3 -8هتنئته يف فرحه وتعزيته ومواساته يف املصائب: إن للخادم حقوق أدناها حق اجلوار ،ثم األخوة يف الدين إن كان مسلماً، -1ابن قدامة (املغين) ج 5ص.290 -2اجلزيرة الفضائية -برامج القناة -الشريعة واحلياة -حقوق العمال وواجباهتم 25/6/2006م. -3مسلم (صحيح مسلم) ج1ص 74احلديث برقم.54 : 263 والنيب صلى اهلل عليه وسلم يقول فيما روى أبو هريرة رضي اهلل عنه: «حق املسلم على املسلم ست» ،قيل :ما هن يا رسول اهلل قال« :إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد اهلل فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه»( ،)1وروي مرفوعاً من حقوق اجلوار« :إن أصابه خري هنأه أو مصيبة عزاه أو مرض عاده»(.)2 ويضاف إىل ذلك اخللق رعاية مشاعر اخلادم ،فهو إنسان له أحاسيس ومشاعر جيب على املخدوم رعايتها ،فللخادمة أهل ورمبا أوالد يف بلد بعيدة ومن حقها أن َّ متكن من االتصال هبم هاتفياً كل فرتةٍ وخاصة يف أيام األعياد ،وللخادمة حق اخلروج من البيت للتنزه ولو بصحبة ربة املنزل، وال جيوز حبسها بني جدران املنزل. ورمبا كان يف هذه اآلداب إكرام للخادم أعظم من زيادة أجرته ،وجيب أال ننسى أن هذه حقوق ألزم هبا الشرع وليست نوافل خييَّر اإلنسان بني فعلها وتركها. -9صيانة نفسه وماله وعرضه: على رب البيت وأسرته أن يعلموا أن اخلادم أمانة يف بيتهم ،وقد دخل حبرزهم ومحايتهم ،فيجب عليهم أن يصونوا نفسه من األذى وماله من الضياع وعرضه أن يناله أحد ،وعندما يعلموا مثالً أن اخلادمة قد تتعرض للفسّاق بسبب خروجها إلحضار حاجات البيت حيرم عليهم إخراجها ثانية دون اختاذ األسباب للحيلولة دون وقوع تعدٍ عليها ،كأن خيرج بصحبتها أحد أفراد األسرة. -1املرجع السابق ج 7ص 3احلديث برقم.5778 : -2السخاوي ،مشس الدين حممد بن عبد الرمحن 902هـ (املقاصد احلسنة يف بيان كثري من األحاديث املشتهرة على األلسنة) ،دار الكتاب العربي ج 1:ص .271:ومل حيكم على احلديث. 264 واخلادمة عندما وضعت نفسها يف خدمة البيت وأهله هذا ال يعين أهنا صارت مباحة املال والنفس والعرض ،فعن ابن عباس رضي اهلل عنهما: أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال« :يا أيها الناس أي يوم هذا» ،قالوا :يوم حرام ،قال« :فأي بلد هذا» ،قالوا: بلد حرام ،قال« :فأي شهر هذا» ،قالوا :شهر حرام ،قال« :فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا يف بلدكم هذا يف شهركم هذا» ،فأعادها مراراً ثم رفع رأسه فقال« :اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت»(.)1 َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ لاَ خَ ُ ُ وحيذر سبحانه من خيانة األمانة فيقول{ :يا أيها ا ِين آ َمنوا تونوا هََّ َ َّ ُ َ َ خَ ُ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ الل والرسول وتونوا أمانات ِكم وأنتم تعلمون} [ األنفال ،]27:فليحذر أهل البيت أن ينالوا من اخلادم أو أن يتهاونوا حبفظ نفسه وماله وعرضه، كضرب اخلادم أوشتمه فعن أبى مسعود األنصاري قال :كنت أضرب غالماً يل فسمعت من خلفي صوتاً« :اعلم أبا مسعود هلل أقدر عليك منك عليه» ،فالتفت فإذا هو رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقلت :يا رسول اهلل هو حر لوجه اهلل ،فقال« :أما لو مل تفعل للفحتك النار أو ملستك النار»( ،)2وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال :مسعت أبا القاسم صلى اهلل عليه وسلم يقول« :من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد يوم القيامة إال أن يكون كما قال»(.)3 وكذلك التضييق على اخلادم بطعام أو شراب ،وقد أدخل اهلل النار امرأة َََ {ولق ْد يف هرة حبستها( ،)4فكيف بإنسان كرمه اهلل بنص القران الكريم: -1البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 2ص ،619برقم.1652: -2مسلم (صحيح مسلم) ج 5ص 92احلديث برقم.4398 : -3البخاري( ،اجلامع الصحيح) ج 6ص ،2515برقم.6466 : -4املرجع السابق ج 2ص ،834برقم.2236 : 265 َ َّ ْ َ َ َ َ كرمنا ب يِن آ َدم} [اإلسراء.]70: -10أن حيذر أن خيلو مع من ال حيل له من أهل البيت: فال جيوز لربة املنزل أن تغادر البيت لتخلو اخلادمة مع ولدها البالغ أو زوجها ،أو يرتك رب األسرة السائق أو غريه من اخلدم خيلو بربة املنزل أو ابنتها ،وال بد من اختاذ التدابري الالزمة ملنع وقوع هذه اخللوات، كتخصيص مكان خاص للخادمة أو السائق حبيث ال ختتلط بأهل املنزل إال يف أوقات حمددة ،ولتتمكن من اعتزاهلم عندما ال يكون الوقت مناسباً لقيامها بأعماهلا. -11إعطاء اخلادم حقه من االسرتاحة: يف أوقاهتا املعتادة ،من النوم يف الليل أو اسرتاحة وسط النهار اليت أشار ْ َ ْ َلاَ ِ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ ُ ك ْم مِنَ حني تضعون ثِياب إليها القرآن الكريم{ :مِن قب ِل ص ة الفج ِر و ِ َّ َ ِ َ ْ َ ْ َلاَ ِ ْ َ ِ َلاَ ُ َ ْ َ َ ُ ْ ات لكم} [ النور.]58: الظ ِهرية ومِن بع ِد ص ة العِشاء ث ث عور ٍ وكذلك العطل املعروفة كيوم اجلمعة مثالً ،وأوقات قضاء احلاجات الطبيعية وأداء عباداته مسلماً كان أو غري مسلم ،وهذه األوقات مستثناة أصالً من عقد اخلدمة(.)1 -12اختيار اخلادم من ذوي اخللق والدين: ألن عمله أمانة وقال تعاىل حكاية عن ابنة شعيب عليه السالم{ :قَالَ ْ ت ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُّ لأَْ ْ َ َُ َ َ ْ َ ْ ْ ُ َّ َ ُ َ َيرَْ جره إِن خ م ِن استأجرت القوِي ا مِني} إِحداهما يا أب ِ ت استأ ِ -1الشربيين (مغين احملتاج) ج 2ص.349 266 [القصص ،]26:ألن اخلادم يستأمن على أهل البيت وأمواهلم وأسرارهم وأعراضهم ،وإن مل يكن أميناً عليها يناهلا ما يناهلا. ومن أخطر األمانات هي فلذات األكباد اليت توضع أمانة بأيدي املربيات، تلك املربيات اليت بينت اإلحصائيات اليت مرت معنا فقدان معظمهم للدين واألخالق والعلم وكل مقومات الرتبية ،فليتق اهلل اآلباء فيما أوالهم اهلل وال يضيعوا األمانة ،ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول« :ما من عبد يسرتعيه اهلل رعية ميوت يوم ميوت وهو غاش لرعيته إال حرم اهلل عليه اجلنة»( ،)1أعاذنا اهلل من ذلك. -1مسلم (صحيح مسلم) ج 1ص 87احلديث برقم.380 : 267 اخلامتة وبعد أن تعرفنا على أحكام اخلدمة يف البيوت يف الشرع اإلسالمي ،ثم نظرنا يف واقعنا الذي نعيشه يتبني لنا النتائج اآلتية: أوالً :أن اخلدمة يف البيوت بأشكاهلا املتنوعة مارسها اإلنسان يف كل األزمان ،وما دامت ال تنطوي على فعل حمرم فهي من األمور املشروعة يف ديننا احلنيف بنصوص القرآن الكريم والسنة املطهرة ،حتى أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان له خدم منهم حمتسبني ومنهم مأجورين. أما إذا كانت اخلدمة على منفعة حمرمة كتقديم اخلمور ،أو كانت مباحة ولكن اقرتنت مبحرم كخلوة بأجنبية ،فال جيوز التعاقد عليها يف اإلسالم. ثانياً :ليس معنى قولنا أن اخلدمة يف البيوت من األمور املشروعة يعين احلث عليها وجعلها من املندوبات أو املستحبات ،ولكنها من املباحات فحسب ،مع أنه يتغري حكمها بتغري أحواهلا وظروفها وأمور اليت تقرتن فيها ،ولكن حكمها األصلي اإلباحة. ثالثاً :أخذت اخلدمة يف البيوت يف واقعنا احلايل شكالً معقداً لتعقد حياتنا من جانب وبعدنا عن ديننا من جانب آخر ،مما أوجد لنا كمَّا من األخطار اليت تكتنف اخلدمة يف البيوت وجتعل إجياد صيغة شرعية هلا أمراً شاقاً قد ال يتيسر لغالب املسلمني ،يبدأ من اختيار اخلادمة ذات الدين واللغة الصحيحة والسلوك السوي واخللق النبيل ،ثم تأمني مكان 268 خاص لسكناها منعزل عن أفراد األسرة لتبتعد عن اخللوة واالختالط احملرم ،مع حتديد ساعات عملها ،وضبط سلوك أفراد األسرة باآلداب اإلسالمية املتعلقة باخلدمة. كل هذا جيعل اخلدمة يف واقعنا احلايل أمراً غري مرغوب فيه شرعاً إال ملن تيقن من نفسه القدرة على مراعاة األحكام الشرعية فيها. رابعاً :إن الشرع اإلسالمي أمر املسلم أن ال يزيد يف ترفيه نفسه وتنعيمها رغبة يف زيادة األجر يف الدار اآلخرة ،وأبو داود يف سننه حتت عنوان «احلرص على زيادة األجر عند اهلل مبكابدة الواجبات» ذكر قصة فاطمة رضي اهلل عنها عندما أرادت طلب خادم هلا حيث كان جواب النيب صلى اهلل عليه وسلم هلا« :ا ّتقي اهلل يا فاطمة ،وأدِّي فريضة ربِّك ،واعملي عمل أهلك ،فإِذا أخذت مضجعك فسبِّحي ثالثاً وثالثني ،وامحدي ثالثاً وثالثني ،وكبِّري أربعاً وثالثني ،فتلك مائ ٌة فهي خريٌ لك من خاد ٍم»(،)1 فلم يرض النيب صلى اهلل عليه وسلم البنته الزهراء رضي اهلل عنها أن يُنتقص مقامها يف سبقها على النساء أو يُغلق عليها بابٌ من أبواب األجر. وهذا يبني لنا أن استغناء املسلم عن اخلدم ومكابدته الشاق بنفسه فيه أجر كبري ،ومن اخلري للمؤمن أن ال يضيِّعه. خامساً :كان خروج املرأة من بيتها للعمل من أهم أسباب استقدام اخلادمات للبيوت ،وهو املثال األخطر يف خدمة البيوت ،حيث رأت أن تتالفى تقصريها يف القيام بشؤون بيتها وأطفاهلا بتوكيل مهامها البيتية للخادمة ،فكان حل املشكلة مبشكلة أشد خطراً وأعظم وبا ًال ،ولكن الصواب -1سبق خترجيه ص.37 269 أن نعلم أن ميدان عمل املرأة احلقيقي اليت خلقها اهلل له هو بيتها ،وأن أي أم ٍر يؤدي للتفريط به جرمية حبق نفسها وزوجها وأطفاهلا ،ستحاسب عليها حساباً عسرياً ،و«كفى باملرء إمثا أن يضيع من يعول»( ،)1وكل من حيثها على خالف ذلك إمنا عدو يريد هلا وجملتمعها الدمار واهلالك، يقول الشنقيطي رمحه اهلل موضحاً ذلك( :هذه الفكرة الكافرة اخلاطئة اخلاسئة املخالفة للحس والعقل وللوحي السماوي وتشريع اخلالق البارئ من تسوية األنثى بالذكر يف مجيع األحكام وامليادين فيها من الفساد واإلخالل بنظام اجملتمع اإلنساني ما ال خيفى على أحد ،إال من أعمى اهلل بصريته وذلك ألن اهلل جل وعال جعل األنثى بصفاهتا اخلاصة هبا صاحلة ألنواع من املشاركة يف بناء اجملتمع اإلنساني ،صالحاً ال يصلحه هلا غريها كاحلمل والوضع واإلرضاع وتربية األوالد وخدمة البيت والقيام على شؤونه من طبخ وعجن وكنس وحنو ذلك وهذه اخلدمات اليت تقوم هبا للمجتمع اإلنساني ،داخل بيتها يف سرت وصيانة وعفاف وحمافظة على الشرف والفضيلة والقيم اإلنسانية ،ال تقل عن خدمة الرجل باالكتساب ،فزعم أولئك السفلة اجلهلة من الكفار وأتباعهم أن املرأة هلا من احلقوق يف اخلدمة خارج بيتها مثل ما للرجل ،مع أهنا يف زمن محلها ورضاعها ونفاسها ال قدرة هلا على مزاولة أي عمل فيه أي مشقة كما هو مشاهد ،فإذا خرجت هي وزوجها بقيت خدمات البيت كلها ضائعة من حفظ األوالد الصغار وإرضاع من هو يف زمن الرضاع منهم وهتيئة األكل والشرب للرجل إذا جاء من عمله ،فلو أجروا إنساناً يقوم مقامها لتعطل ذلك اإلنسان يف ذلك البيت التعطل الذي خرجت املرأة فراراً منه فعادت -1سبق خترجيه ص.243 270 النتيجة يف حافرهتا)(.)1 سادساً :يبدو أن االستخدام يف واقعه احلايل وعلى األغلب ليس إال مظهراً من مظاهر الرتف يف جمتمعاتنا ،الرتف الذي أخرب عنه اهلل تعاىل بقوله: َ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ً َ َ ْ َ ُ رَْ َ َ َ َ ُ {ِإَوذا أردنا أن نهلِك قرية أمرنا متفِيها ففسقوا فِيها فحق عليها القول َ َ َّ ْ َ َ اها تَ ْدم ً ِريا} [ اإلسراء.]16: فدمرن حيث إن إحدى الدراسات يف الكويت تشري إىل أن( :نصيب كل أسرة كويتية حوايل 3خادمات ،وهناك أكثر من 20ألف أسرة كويتية تستخدم املربيات األجنبيات ،باستثناء اخلادم والسائق والبستاني والطباخ وغري ذلك)( ،)2و (أن ٪40من أولياء األمور قالوا عن آثار املربية :ظهور األسرة مبظهر الئق)(.)3 وتقول الباحثة نورة( :نالحظ التفاخر يف تصرفات األفراد ...التفاخر مبا لديهم من اخلدم وجنسية هؤالء اخلدم ،وهذا أمر ميكن إثبات من خالل ما نراه منتشراً يف األماكن العامة ،من عيادات األطباء واملستشفيات واألسواق و املالهي ،حيث جند أن النساء حيضرون خادماهتن معهن حتى ومل يكن يف حاجة إىل خدماهتن)(.)4 إذاً فالرتف هو الذي يدفع معظم األسر لالستخدام وليست احلاجة. سابعاً :ال بأس ملن حيتاج للخدمة أن يستعني مبن خيدمه ولكن يقلص من تلك اخلدمة ما أمكن ،فلو متكن من االستعانة خبادم لتنظيف بيته -1الشنقيطي ،حممد األمني بن حممد بن املختار اجلكين 1393هـ (أضواء البيان) ،حتقيق مكتب البحوث و الدراسات، دار الفكر بريوت1415 ،هـ 1995م ج3ص.27 -2الشنتوت ،خالد أمحد( ،خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،ص.18 -3املرجع السابق ص.72 -4العيدان ،نورة ابراهيم( ،ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية) ،ص.16 271 كل شهر أو كل أسبوع مثالً ،فال مربر خلادم دائم مقيم يف البيت ،وإن اضطرت ربة البيت خلادمة كل يوم فال حاجة ملبيتها عندها وميكنها االستعانة خبادمة تعرفها من أهايل بلدها وليست مستقدمة من اخلارج، تقوم باخلدمة يف النهار وتأوي لزوجها وأطفاهلا ليالً ،وهكذا نقلل من حدوث األخطار واملصائب ،ونريح بالنا من مهوم اخلدم اليت نسمع كثرياً من قصصها ،واليت فتكت بكثري من بيوت املسلمني. ومما سبق أقرتح التوصيات التالية: 1.1حبذا لو أن الدول اإلسالمية سنت قوانني صارمة خاصة باخلدم للمحافظة على اجملتمع املسلم وعلى حقوق اخلدم ،كاشرتاط تأمني مكان مستقل ملبيت اخلادمة كشرط الستقدامها ،ملنع مبيتها مع األوالد واختالطها بشكل غري مشروع مع أفراد األسرة خوفاً من حصول تعدي على اخلادمة أو منها ،و كوضع نظام للخدمة من حتديد أوقات العطل واالسرتاحات ،وعدم تشغيلها خارج البيت املتعاقد عليه ،وغريها من القيود اليت حتافظ على سالمة قيم وعقيدة وأخالق ولغة جمتمعاتنا. 2.2إقامة محالت توعية لكل من اخلدم واملخدومني ،لتبيني حقوق وواجبات اخلدم واملخدومني ،وتبيني العقوبات الشرعية والقانونية لكل نوع من أنواع التعديات ،عن طريق وسائل اإلعالم املرئية واملسموعة والنشرات. 3.3إقامة جلان رمسية سواء كانت خريية أو مأجورة خاصة خبدم البيوت ،إلحصاء وتسجيل مجيع اخلدم يف البيوت املستقدمني بشكل خاص وغري املستقدمني بشكل عام ،ولتفقد أحوال اخلدم بنظام دوري يف أماكن عملهم (يف بيوت خمدوميهم) وكتابة تقرير ملتابعة كل خادمة 272 على حدة ،واستقبال اللجان لشكايات اخلدم ومتابعتها أمام اجلهات الرمسية ،واهلدف من عمل هذه اللجان ضمان مشروعية االستخدام، واحملافظة على سالمة اجملتمع من األضرار اخلطرية الناشئة عن سوء االستخدام. 4.4إعطاء أمهية للدراسات اليت تعنى يف جمال اخلدمة يف البيوت سواء كانت دراسة شرعية يف عقود االستخدام وااللتزامات الناجتة عنها ،أو دراسة اآلداب الشرعية الناظمة للعالقة بني اخلادم واملخدوم، أو دراسة اجتماعية ميدانية لواقع االستخدام واآلثار الناجتة عنه على تربية األطفال وعلى العالقة بني الزوجني وعلى األسرة واجملتمع ،وال أظن أن الدراسات االقتصادية لظاهرة اخلدمة املعاصرة أقل شأن من بقية الدراسات من ناحية تأثريها على البطالة ،أو استنزاف الدخل الوطين لبلدنا عن طريق العمالة األجنبية ،وغريها من الدراسات اليت تكشفت لنا أخطاء االستخدام احلايل ليستفاد منها يف خلق وعي عند املسلمني ويتمكنوا من حتسني أحواهلم والتخلص من أغالطهم اليت توردهم وجمتمعاهتم املهالك وأخرياً أسأل اهلل العلي القدير أن يتقبل مين هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ،وجيعلنا أدالء على اخلري عاملني به ،وحيفظنا واملسلمني مجيعاً من الفنت ما ظهر منها وما بطن ،ويلهمهم رشدهم أمجعني ،آمني واحلمد هلل رب العاملني. إبراهيم حممود عثمان آغا محاة يف 17صفر 1431هـ املوافق لـــ 2010 / 2 / 1م 273 الفهارس العامة 1.1فهرس اآليات القرآنية. 2.2فهرس األحاديث النبوية الشريفة. 3.3فهرس األعالم. 4.4فهرس املراجع واملصادر. 5.5فهرس املوضوعات. 274 فهرس اآليات القرآنية م 1 2 3 4 5 6 7 ال�سورة ورقم الآية الآية َ َ آت َِنا غ َداءنا َ َ ْ َ َ ىَ لذَّ َ ُ َ َ َّ ِين يَ ْزع ُمون أن ُه ْم آ ََم ُنوا... ألم تر إِل ا َ َ ْ خَ ْ ُ ُّ قكم ّمِن َّماء َّ ني ه م ألم نل ِ ٍ َّ َهّ َ حُ ُّ َ اَ َ خُ ْ َ ً َ ُ خ ً ورا إِن الل ال يِب من كن متاال ف َّ ُ حُ ُّ ْ ُ ْ َ ْ ك َ ين إِنه ال يِب المست برِ ِ َ ُ ْ َ ْ ُ َ َ مَْ َ َ ّ َ أهم يقسِمون رحة ربِك... ُ ْ ْ ُ أ َْوفوا بِال ُعقودِ الكهف62 : النساء60-61 : املرسالت20 : النساء36 : النحل23 : الزخرف32 : املائدة1 : النمل1 : 8طس ْ 9لَىَ َ َ ُ َ َ َ َ يَِ ع أن تأجر يِن ثمان حِج ٍج 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 فإذا قرأت القرآن فاستعذ باهلل... َ ْ َْ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُ ُ ور ُهنَّ وه َّن أُ ُج َ فإِن أرضعن لكم فآت ْ ّ َ َّ حَِ ُ َ َ ٌ َ َ ٌ َ ْ ب... فالصالات قان ِتات حاف ِظات ل ِلغي ِ لَىَ َ َ َ َ فخ َر َج ع ق ْو ِمهِ يِف زِينتِه َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ َّ َ ْ َ ْ ْ فكيف إِذا أصابتهم م ِصيبة بِما قدمت أيدِي ِهم... لذَّ َْ َْ َ ٌ َلاَ خَ ْ َ ف تض ْع َن بِالق ْو ِل ف َي ْط َم َع ا ِي يِف قلبِهِ َم َرض... َلاَ ُ ْ ُ َ َ ىَّ حَُ ّ َ ك ُِم َ ِيما َش َ وك ف َ ج َر.. ف َو َر ّبِك ال يؤمِنون حت ي ََ َ َ َ َ ً ُ ُ َْ َ َ نق َّض فَأَقَ َ امهُ... جدارا ي ِريد أن ي فوجدا فِيها ِ َْْ َ َ ْ ْ َ َُ َ َ َ ُ ْ جره... قالت إِحداهما يا أب ِ ت استأ ِ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ َ ُ ُّ ْ َ ْ ِني َيغضوا مِن أبصارِهِم... قل ل ِلمؤ ِمن َ ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ هّ َّ يَِ ْ ت أخ َر َج لِعِ َبادِه ِ.. قل من حرم زِينة اللِ ال 21قل يا أهل الكتاب ال تغلوا يف دينكم َّ َ ُ َ َّ ُ َ ْ 22ال تكلف نف ٌس إِال ُو ْس َع َها ُ َ ّ ُ هَّ ُ َ ْ لاَّ َ َ الل نف ًسا إ ِ َما آتاها 23ال يكل ِف القصص27 : النحل98 : الطالق6 : النساء34 : القصص79 : النساء62 : األحزاب32 : 23 254 29 62 258 78 187 153 33 - 21 146 144 - 140 49 62 254 228 النساء65 : 254 الكهف77 : 33 القصص26 : النور30-31 : األعراف32 : النساء171 : البقرة233 : الطالق7 : 275 املو�ضع - 32 - 28 266 - 33 255 86 - 76 128 49 49 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 َْ َ َ َْ ُ ْ ُ َ ٌ َ ََْ ُ ْ َ ْ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضالً... ْ ُ يِلُنفِق ذو َس َع ٍة ّمِن َس َعتِهِ َّما فَ َّر ْط َنا يِف الك َِتاب مِن يَ ْ ش ٍء ِ َ ْ َ َ َ ً َ َْ من ع ِمل ص حِ سهِ الا فل ِنف ِ ْ َلاَ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ِني تض ُعون ث َِيابَك ْم... م ِْن قبْ ِل ص ة ِ الفج ِر وح َُْ ْ ْ ُ ْ وأمر بِالعر ِف َ َ َ َ َ ىلَ ُ رْ ش َك ب... ِإَون جاهداك ع أن ت ِ َ ُ ْ هّ َ َ ُّ َوأ ْوفوا ب ِ َع ْه ِد اللِ إِذا اَعهدت ْم... َ َ ْ هّ َ ْ ُ ْ َ ُ ْ َ َّ ُ وبِعه ِد اللِ أوفوا ذل ِكم وصاكم بِهِ... َ َ َ َ ُ ْ لَىَ ْ ّ َ َّ ْ اتلق َوى... رب و وتعاونوا ع ال ِ َ ُ َ ً َ ُ َ نسان ضعِيفا اإل وخل ِق ِ َ اَ ُ ُ ْ ْ وف شوه َّن بِال َمع ُر ِ وع رِ َ ْ َّ َ َّ َ َ ىَ َوقض َر ُّبك أال ت ْع ُب ُدوا إِال إِيَّاهُ... َ َ ُ ْ ُ ْ ُّ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُهّ َ ُ كمْ وال تؤتوا السفهاء أموالكم ال يِت جعل الل ل ً ق َِياما... َلاَ ُ َ و ت َص ّ ِع ْر خ َّد َك ل َِّلن ِ اس... ْ َ َ ِني َعليْ َها َوال َعا ِمل َََْ َ َ َ َ ُْ َ ري وأنا بِهِ زعِيمٌ... ول ِمن جاء بِهِ مِحل بعِ ٍ َ لَىَ ً َ جَ ْ َ ُهّ ْ اَ ع ال ْ ُم ْؤ ِمن َ ِني َسبِيال َولن ي َعل الل ل ِلكف ِِرين َ ْ َ دَِ ُ ُ ْ ْ َ َ ْ َ َ ُ َّ َ ْ َينْ اَ ضعن أوالدهن حول ِ كمِلَي... والوالات ير ِ ََ َ ََ َ َْ ُ ك ْم ف ّ ِين م ِْن َح َر ٍج ادل وما جعل علي يِ ِ َ َ َّ ْ َ لإْ َ َ ان ب َو دَِ اليْهِ ُح ْس ًنا... ووصينا ا ِ نس ِ َ ََ َْ َ ْ ُ ْ َ ًََْ ََ َْ ُ َ رَْ ِإَوذا أردنا أن نهل ِك قرية أمرنا متفِيها... ِإَوذْ قَ َال ُم ىَ وس ل َِف َتاهُ ْ َ َ ُّ َْ ََ ُ دت ْم أَن ت َ ْس رَ ْ ض ُعوا أ ْوالدك ْم... َإِن أر ت ِ ََ َ َ َولق ْد ك َّر ْم َنا بَ يِن آ َد َم َللِهَّ ْ ولِ َول ِلْ ُم ْؤ ِمن َ و ِ العِ َّزةُ َول َِر ُس هِ ِني لأَْ اء ف َّ الس َم َ َو هَ ُل الْ ِبرْ َ ُ ات َوا ْر ِض... او ِ ك ِي يِ البقرة198: 34 الطالق7 : 54 األنعام38 : اجلاثية15 : النور58 : األعراف199 : لقمان15 : النحل91: األنعام152 : املائدة2 : النساء28 : النساء19: 164 266 127 - 55 133 - 48 125 125 40 75 59 - 54 اإلسراء23-24 : 45 النساء5-6 : 119 لقمان18 : 258 - 62 التوبة60 : 137 يوسف72 : 42 النساء141 : 114 - 113 البقرة233 : احلج78 : العنكبوت8 : اإلسراء16 : الكهف60 : البقرة233 : اإلسراء70 : املنافقون8 : اجلاثية37: 276 7 50 128 49 271 23 - 97 - 33 155 266 250 258 51 52 53 54 55 56 57 َ َ َ َ َّ َ لذَّ َ ُ ُ ْ َ َ لاَّ اب إ ِ مِن َب ْع ِد َما وما تفرق ا ِين أوتوا الكِت ُ ْ َجاءت ُه ُم البَْ ّي ِ َنة َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ْ َ ُ ْ ْ ُ آم ُنوا أ ْوفوا بِال ُعقود يا أيها ا ِين َ َ ُ ُْ ْ ُ ُ ِيك ْم نَ ً يَا َأ ُّي َها الذَّ َ ارا ِين آ ََم ُنوا قوا أنف َسك ْم َوأهل َ َ ُّ َ لذَّ َْ ُ ُ َْ َ َ ُ ْ ََْ ُ ُ َ كمْ َ يا أيها ا ِين آ َمنوا ال تأكلوا أموالكم بين بِالبَْاط ِِل... َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ْ َ حَُ ّ ُ ْ َ َ َ َّ ُهّ َ َ ّ ات ما أحل الل يَا أيها ا ِين آمنوا ال ت ِرموا طيِب ِ ُ لك ْم... َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ لاَ خَ ُ ُ هََّ َ َّ ُ َ يا أيها ا ِين آ َمنوا تونوا الل والرسول... َُ ُ َ ُ ْ ُ ََ َْ َ اب ذ يسومونكم سوء الع ِ 277 البينة4 : 173 املائدة1 : 125 التحريم6 : 242 النساء29 : 252 - 162 املائدة87 : 86 األنفال27 : 265 البقرة49 : 21 فهرس األحاديث النبوية الشريفة م األحاديث 1 2 3 4 5 6 7 8 9 أأستأذن على أمي... أتى عليَّ رسول اهلل وأنا ألعب مع الغلمان... اثنان ال جتاوز صالهتما رؤوسهما... احتجم رسول اهلل حجمه أبو طيبة... إخوانكم خولكم جعلهم اهلل حتت أيديكم... إذا أبق العبد مل تقبل له صالة إذا تبايع الرجالن فكل واحد منهما باخليار... إِ َذا صَنَعَ ألَحَدِ ُكمْ خَادِمُهُ َطعَامَهُ ثُمَّ جَاءَهُ... إذا قدم أحدكم ليالً فال يأتني أهله طرو ًقا... 10أذن رسول اهلل بالغزو... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 موضع التخريج 255 252 51 128 156 59 172 261 255 35 استأجر رسول اهلل وأبو بكر رجال... أعطوا األجري أجره قبل أن جيف عرقه أفض ُل الصَّدقاتِ ُّ ظل ُفسطاطٍ... أقبل رجل إىل نيب ال َّله فقال :أبايعك... اقرؤوا القرآن وال تغلوا فيه... أال أحدثك عين وعن فاطمة... أال أخربكم بأكملكم إميانا... أال ال خيلون رجل بامرأة إال كان ثالثهما الشيطان إن أحق ما أخذمت عليه أجرا كتاب اهلل إن أصابه خري هنأه أو مصيبة عزاه... إن الدنيا حلوة خضرة وإن اهلل مستخلفكم... أن رجال ذكر للنيب أنه خيدع يف البيوع... أن رسول اهلل خطب الناس يوم النحر... أن عثمان ابتاع من طلحة بن عبيد اهلل أرضا... أن عليا أجر نفسه من... 278 38 144 35 47 135 36 259 موضع الورود 255 252 51 128 260 - 156 59 172 261 255 - 66 - 35 73 38 262 - 144 73 - 35 47 135 36 259 230 230 137 264 238 172 265 137 264 238 172 265 169 169 38 38 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 إن اهلل حيب أن يرى أثر نعمته على عبده إن من آخر ما عهد إىل رسول اهلل أن اختذ مؤذناً ال يأخذ على أذانه أجراً إن من حسن إسالم املرء تركه ما ال يعنيه أن النيب دخل عليها فزعا يقول... إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم... إ َّنما يَكفيكَ من مج ِع املا ِل خادمٌ... أهنا مسعت النيب يقول على املنرب ،وهي متتشط«:أيها الناس»... أنه علم رجال سورة من القرآن فأهدى إليه ثوبا أو قال مخيصة... إياكم والدخول على النساء آية املنافق ثالث إذا حدث كذب... أميا عبد أبق فقد برئت منه الذمة أميا عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى... البيع صفقة أو خيار بينما رجل جير إزاره من اخليالء... متعددوا واخشوشنوا حق الزوج على الزوجة أن الهتجر... حق املسلم على املسلم ست... خَرَجْنَا مَعَ النَّ ِبيّ ِ حَتَّى انْ َطل َ ْقنَا إِلَى حَائِطٍ يُ َقا ُل لَهُ الشَّو ُْط... خَيْرُكم َقرْنِي ثُمَّ ا َّلذِينَ يَلُونَهُمْ... دخلنا مع رسول اهلل على أبي سيف القني، وكان ظئراً إلبراهيم... الدِّين النَّصيحة... صعد رسول اهلل املنرب فنادى بصوت رفيع فقال« :يا معشر من قد أسلم بلسانه«... علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إيل رجل... فجاءت امرأة هالل بن أمية رسول اهلل فقالت له :يا رسول اهلل ،إن هالل بن أمية شيخ ضائع... 279 77 77 134 134 253 238 256 36 253 238 256 36 70 70 135 135 257 248 59 59 187 62 69 52 264 257 250 - 248 59 59 187 62 69 52 264 69 69 32 32 68 68 248 248 248 248 135 135 68 68 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ...فقال األنصاري لليهودي أسقي خنلك قال نعم كل دلو بتمرة... فقال رسول اهلل يا أبا اهليثم أما لك من خادم... قال اهلل تعاىل :ثالثة أنا خصمهم... قدم رسول اهلل املدينة ليس له خادم... قال اهلل ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة... قال اهلل عز وجل :الكربياء ردائي... كانت حتيت امرأة أحبها... كان رسول اهلل معتك ًفا فأتيته أزوره ليال فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي... كان رسول اهلل يعطيين العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مين... كان النيب عند بعض نسائه ،فأرسلت إحدى أمهات املؤمنني بصحفة... كان يكون يف مهنة أهله... كفى باملرء إمثا أن يضيع من يعول كنا عند رسول اهلل فقرأ {طس} حتى بلغ قصة موسى... كنت أجريًا البنة غزوان بطعام بطين وعقبة... كنت أضرب غالماً يل فسمعت من خلفي... كنت رجال أكري يف هذا الوجه... كنت قاعداً عند عبد اهلل بن مسعود فجاء رجل فقال :قدم فالن بإباق... 131 131 72 72 37 66 144 258 46 37 71 - 66 262 - 144 258 46 247 247 139 139 67 67 29 243 29 270 - 243 153 153 153 265 34 153 265 34 43 43 كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته 248 ال طاعة يف املعصية إمنا الطاعة يف املعروف ال خيلون رجل بامرأة إال مع ذي حمرم... ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال... ال يشكر اهلل من ال يشكر الناس لَمْ يَ ْكذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَثَ َك َذبَاتٍ... لو تعلم املرأة حق الزوج... لو كنت آمرا أحدا أن يسجد ألحد... 49 257 259 5 22 51 50 280 252 - 248 259251 - 49 257 259 5 22 51 50 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ما خطبنا نيب اهلل إال قال« :ال إميان ملن ال أمانة له... ما من عبد يسرتعيه اهلل رعية ميوت... ما من مولود إال يولد على الفطرة... املسلم أخو املسلم ال يظلمه وال يسلمه املسلمون عند شروطهم... مطل الغين ظلم مقاطع احلقوق عند الشروط من استأجر أجرياً فليعلمه أجره من خفف عن مملوكه فيه غفر اهلل له... من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد... من كان لنا عامالً فليكتسب... نعم املال الصاحل للرجل الصاحل هنى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان هنى النيب عن مثن الكلب... هل معك من القرآن شيء قال معي سورة كذا... هي أمي بعد أمي وإنه من يعش منكم فسريى اختالفاً... وال تأذن يف بيته إال بإذنه والذي نفسي بيده ال تدخلوا اجلنة حتى تؤمنوا... ولو أن رجال أمر امرأته أن تنقل... ...ولينزعن اهلل من صدور عدوكم املهابة منكم... وما أدراك أهنا رقية... يا أم املؤمنني أي شيء كان يصنع... يا عائشة هلمي يا رسول اهلل كم نعفو عن اخلادم؟ فصمت... يا رسول اهلل ما يذهب عين مذمة الرضاع... 281 238 238 247 247 267 225 249 126 262 126 163 262 265 36 77 158 132 267 225 249 126 262 126 163 262 265 36 77 158 132 138 138 70 65 57 70 65 57 263 263 50 50 250 250 42 29 50 260 263 42 29 50 260 263 فهرس األعالم الرتجمة مو�ضع الورود م 8ابن عابدين 96 96-97-121-126-129-138-142159-160-170-171-173-213 9ابن قدامة املقدسي 42 1 2 3 4 5 6 7 10 11 12 13 14 15 16 17 18 الأعالم ابن أعبد (علي ) ابن تيمية ابن حجر العسقالني ابن حنبل (أبي عبد اهلل أمحد) ابن خلدون ابن رشد احلفيد ابن سينا ابن كثري (إمساعيل بن عمر) ابن اهلمام (حممد بن عبد الواحد السيواسي) أبو أسيد (مالك بن ربيعة) رضي اهلل عنه. أبو أمامة التيمي. أبو أمامة (صُديّ بن عجالن) رضي اهلل عنه. أبو برزة رضي اهلل عنه أبو بكر األصم أبو بكر السرخسي أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه 36 49 39 39 85 80 80 36 52 - 49 394360 247 - 135 - 39 86 - 85 80 80 66 42-44-50-52-53-56-58-5960-63-89-90-91-92-93-95100-103-107-108-112-113115-116-122-125-126-130131-140-145-149-150-151155-160-171-181-190-200215-230-253-260-262-263254 - 66 60 174 - 61 - 60 69 70 - 69 34 34 72 72 173 38 48 36 173 38 56 - 51 - 48 155 - 90 - 39 - 36 - 132 - 116 - 102 - 60 - 39 170 - 154 - 150 - 149 - 134 172238 - 158 - 108 - 91 - 90 43 19أبو حنيفة النعمان 39 20أبو سعيد اخلدري رضي اهلل عنه 21أبو عمرو (سعد بن إياس الشيباني) 90 43 282 أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة رضي اهلل 22 عنه 36 23أبو هريرة رضي اهلل عنه 22 24أبو يوسف (يعقوب بن إبراهيم) 25أبي بن كعب رضي اهلل عنه 61 135 26األسروشين 116 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 أمساء بنت أبي بكر أم أمين (بركة بنت ثعلبة) رضي اهلل عنها أم سلمة رضي اهلل عنها أم سيف رضي اهلل عنها أميمة بنت النعمان بن شراحيل اجلونية أنس بن مالك رضي اهلل عنه بسرة بنت غزوان رضي اهلل عنهما جبري بن مطعم رضي اهلل عنه احلسن البصري احلطاب الرعينى 37اخلطيب الشربيين 38 39 40 41 42 43 44 45 الدردير (أمحد بن حممد العدوي) الذهيب (حممد بن أمحد بن عثمان) الزهري (حممد بن مسلم) سفينة موىل رسول اهلل سهل بن سعد رضي اهلل عنه السيوطي (عبد الرمحن بن أبي بكر) الشاطيب (إبراهيم بن موسى) الشّافعي مُحَمَّد بن إدريس 46الشرنباليل حسن بن عمار 53 36 163 - 153 - 144 - 37 - 5 - 22 250 - 248 - 225 - 176 - 173 265 - 264 - 262172 - 154 - 150 - 126 - 61 135 - 150 - 149 - 119 - 118 - 116 182 - 171 53 70 70 70 68 70 68 69 69 65 153 169 176 26 247 - 82 - 71 - 68 - 65 153 169 176 201 - 144 - 136 - 56 - 26 53-54-55-56-58-63-64-8964-89-94-105-112-115-118130-137-140-141-143-146154-159-165-167-171-174175-177-180-211-230-266 55 59 176 - 134 71 138 124 124 39-46-54-67-112-113-130132-136-145-149-154-167176-177-183 97 53 55 59 134 71 138 124 124 39 97 283 47 48 49 50 51 52 طلحة بن عبيد اهلل رضي اهلل عنه عائشة رضي اهلل عنها عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه عبد الرمحن بن شبل رضي اهلل عنه علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه عبد اهلل بن العباس رضي اهلل عنهما 169 29 135 135 36 137 53عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنه 34 54عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه 43 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 عثمان بن أبي العاص رضي اهلل عنه عثمان بن عفان رضي اهلل عنه عروة بن الزبري بن العوام عطاء بن يسار عالء الدين احلصكفي عمران بن حصني رضي اهلل عنه عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه الغزايل (أبو حامد) فاطمة الزهراء رضي اهلل عنها القرطيب (حممد بن أمحد) 65الكاساني (عالء الدين) 66 67 68 69 70 حممد بن احلسن (بن فرقد الشيباني) معاوية بن أبي سفيان رضي اهلل عنه النّووي (حييى بن شرف) هالل بن أمية رضي اهلل عنه يعلى بن أمية رضي اهلل عنه 134 169 53 176 97 32 34 125 36 21 33 43 36 59 68 35 284 169 176 - 72 - 50 - 38 - 35 - 29 135 135 36 265 - 257 - 173 - 137 - 172 - 144 - 82 - 46 - 34 262 - 260 - 252 - 248 - 187 256 - 82 - 71 - 66 - 44 - 43 259134 169 53 176 97 32 230 - 126 - 34 125 269 - 57 - 53 - 50 - 36 116 - 39 - 33 - 21 33-34-38-39-43-46-92-98103-104-112-125-133-134143-145-146-147-148-150152-154-155-156-160-161162-163-164-166-167-168169-170-175-177-178-183184-187-189-191-192-193194-195-197-198-200-202203-204-209-210-211-212213-214-221-229-230 135 - 103 - 61 - 44 - 43 36 179 - 151 - 128 - 60 - 59 68 73 - 66 - 35 املصادر واملراجع القرآن الكريم. 1.1ابن األثري ،أبو السعادات املبارك بن حممد اجلزري 606هـ (النهاية يف غريب األثر) ،حتقيق طاهر أمحد الزاوي وحممود حممد الطناحي، بريوت ،نشر املكتبة العلمية 1399هـ 1979م. 2.2ابن تيمية ،أبو العباس أمحد عبد احلليم احلراني 728هـ (فتاوى ابن تيمية يف الفقه) ،حتقيق عبد الرمحن بن قاسم النجدي ،مكتبة ابن تيمية. 3.3ابن حبان ،حممد بن حبان بن أمحد أبو حامت التميمي البسيت 354هـ (صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان) ،حتقيق شعيب األرنؤوط، بريوت ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة الثانية 1414هـ 1993م. 4.4ابن حجر ،أبو الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالني الشافعي 852هـ (اإلصابة يف متييز الصحابة) ،حتقيق علي حممد البجاوي، بريوت ،دار اجليل ،الطبعة األوىل 1412هـ 1992م. 5.5ابن حجر ،أبو الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالني الشافعي 852هـ (فتح الباري شرح صحيح البخاري) ،حتقيق :حممد فؤاد عبدالباقي ،حمب الدين اخلطيب ،بريوت ،دار املعرفة 1379هـ. 6.6ابن حنبل ،أبو عبداهلل أمحد بن حنبل الشيباني 241هـ (مسند اإلمام أمحد بن حنبل) ،القاهرة ،مؤسسة قرطبة. 7.7ابن خلدون ،ويل الدين عبد الرمحن 808هـ (املقدمة) ،حتقيق عبد اهلل حممد درويش ،دمشق ،دار البلخي ،الطبعة األوىل 2004م. 285 8.8ابن ضويان ،إبراهيم بن حممد بن سامل 1353هـ( ،منار السبيل يف شرح الدليل) ،حتقيق عصام القلعجي ،الرياض ،مكتبة املعارف ،الطبعة الثانية 1405هـ. 9.9ابن عابدين ،حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز الدمشقي املفتى احلنفي 1252هـ (حاشية رد احملتار على الدر املختار شرح تنوير األبصار) القاهرة ،مطبعة مصطفى البابي احلليب وأوالده ،الطبعة الثانية 1386هـ 1966م. 1010ابن عبد الرب ،أبو عمر يوسف بن عبد اهلل القرطيب 463هـ (الكايف يف فقه أهل املدينة) ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل .1407 1111ابن قدامة ،أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي 620هـ (املغين يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل الشيباني) بريوت ،دار الفكر ،الطبعة األوىل 1405هـ. 1212ابن كثري ،اإلمام احلافظ ابي الفداء امساعيل الدمشقي 774هـ، (البداية والنهاية) ،حتقيق علي شريي ،دار إحياء الرتاث العربي ،الطبعة األوىل 1408هـ 1988 -م. 1313ابن كثري ،أبو الفداء إمساعيل بن عمر الدمشقي 774هـ (تفسري القرآن العظيم) ،بريوت ،دار الفكر ،سنة النشر 1401هـ. 1414ابن ماجه ،أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويين 275هـ (سنن ابن ماجه) ،حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي ،بريوت ،دار الفكر. 1515ابن مفلح ،أبو إسحاق إبراهيم بن حممد بن عبد اهلل احلنبلي 884هـ (املبدع يف شرح املقنع) ،بريوت ،نشر املكتب اإلسالمي 1400هـ. 1616ابن منظور ،أبي الفضل مجال الدين بن مكرم األفريقي املصري 286 711هـ( ،لسان العرب) ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي1405 ،هـ. 1717ابن جنيم ،زين بن إبراهيم بن حممد بن حممد بن بكر970هـ (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) ،بريوت ،دار املعرفة. 1818ابن اهلمام ،كمال الدين حممد بن عبد الواحد السيواسي 861هـ (شرح فتح القدير) ،بريوت ،دار الفكر ،الطبعة الثانية. 1919أبو إسحاق الشريازي (طبقات الفقهاء) ،حتقيق إحسان عباس، بريوت ،دار الرائد العربي ،الطبعة األوىل 1970هـ. 2020أبو بكر ابن قاضي شهبة 851هـ (طبقات الشافعية) ،حتقيق د .احلافظ عبد العليم خان ،بريوت ،عامل الكتب للنشر ،الطبعة األوىل1407هـ. 2121أبو حامت ،أبو حممد عبد الرمحن بن أبي حامت الرازي التميمي 327هـ (اجلرح والتعديل) ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي ،الطبعة األوىل 1271هـ 1952 -م. 2222أبو احلسني حممد بن أبي يعلى 521هـ (طبقات احلنابلة) ،حتقيق حممد حامد الفقي ،بريوت ،دار املعرفة. 2323أبو داود ،سليمان بن األشعث السجستاني األزدي 275هـ (سنن أبي داود) حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد ،بريوت ،دار الفكر. 2424اآلبي األزهري ،صاحل عبد السميع (الثمر الداني يف تقريب املعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القريواني) ،بريوت ،املكتبة الثقافية. 2525أمحد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي 852هـ، (لسان امليزان) حتقيق دائرة املعرف النظامية -اهلند ،بريوت ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،الطبعة الثالثة 1406هـ 1986 -م. 287 2626األسروشين ،حممد بن حممود بن احلسني بن أمحد احلنفي ت 632هـ( ،جامع أحكام الصغار) ،حتقيق :د.أبو مصعب البدري وحممود عبد الرمحن عبد املنعم .دار الفضيلة القاهرة. 2727األلوسي ،أبو الفضل حممود (روح املعاني يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاني) ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي. 2828األنصاري ،أبو حييى زكريا بن حممد بن أمحد بن زكريا 926هـ (فتح الوهاب بشرح منهج الطالب) ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1418هـ. 2929البجريمي ،سليمان بن عمر بن حممد (التجريد لنفع العبيد) وهو: (حاشية البجريمي على شرح منهج الطالب) ،ديار بكر – تركيا ،املكتبة اإلسالمية. 3030البخاري ،أبو عبداهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي 256هـ، (األدب املفرد) ،حتقيق حممد فؤاد عبدالباقي ،بريوت ،دار البشائر اإلسالمية ،الطبعة الثالثة 1409هـ 1989 -م. 3131البخاري ،أبو عبداهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي 256هـ (اجلامع الصحيح) ،حتقيق د .مصطفى ديب البغا ،بريوت ،دار ابن كثري، اليمامة ،الطبعة الثالثة 1407هـ 1987 -م. 3232البهوتي ،منصور بن يونس بن إدريس 1051هـ (الروض املربع شرح زاد املستقنع) ،الرياض ،نشر مكتبة الرياض احلديثة 1390هـ. 3333البهوتي ،منصور بن يونس بن إدريس (كشاف القناع عن منت اإلقناع) ،حتقيق هالل مصيلحي ومصطفى هالل ،بريوت ،دار الفكر 1402هـ. 288 3434البيهقي ،أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي بن موسى 458هـ (السنن الكربى) ،حتقيق حممد عبد القادر عطا ،مكة املكرمة ،مكتبة دار الباز1414 ،هـ 1994م. 3535البيهقي ،أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي بن موسى 458هـ (شعب اإلميان) ،حتقيق حممد السعيد بسيوني زغلول ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1410هـ. 3636الرتمذي ،حممد بن عيسى أبو عيسى الرتمذي السلمي 279هـ (اجلامع الصحيح سنن الرتمذي) ،حتقيق أمحد حممد شاكر وآخرون، بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي. 3737اجلمل ،العالمة الشيخ سليمان (حاشية اجلمل على املنهج لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري) ،بريوت ،دار الفكر. 3838احلاكم ،أبو عبداهلل حممد بن عبداهلل النيسابوري 405هـ (املستدرك على الصحيحني) ،حتقيق مصطفى عبد القادر عطا ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1411هـ 1990 -م. 3939احلصكفي ،عالء الدين حممد بن علي بن حممد بن علي 1088هـ (الدر املختار شرح تنوير األبصار) (مع حاشية ابن عابدين) ،القاهرة، مطبعة مصطفى البابي احلليب وأوالده ،الطبعة الثانية 1386هـ 1966 -م. 4040احلطاب الرعيين ،أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن 994هـ (مواهب اجلليل) ،بريوت ،دار الفكر ،الطبعة الثانية 1398هـ. 4141حيدر ،علي (درر احلكام شرح جملة األحكام) ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،طبعة 1991م. 4242اخلرشي ،أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل املالكي 1101هـ (حاشية 289 اخلرشي على خمتصر سيدي خليل) ،حتقيق الشيخ زكريا عمريات، بريوت ،دار الكتب العلمية 1997م. 4343اخلميس ،د .حممد (اخلادمات وأثرهن على األسرة واجملتمع)، الرياض دار الوطن ،الطبعة الثانية 1419هـ. 4444الدارقطين ،أبو احلسن علي بن عمر البغدادي 385هـ (سنن الدار قطين) ،حتقيق عبد اهلل هاشم مياني املدني ،بريوت ،نشر دار املعرفة 1386هـ 1966 -م. 4545الدردير ،أبو الربكات سيدي أمحد حتقيق حممد عليش (الشرح الكبري) ،بريوت ،دار الفكر. 4646الدريين ،د .حممد فتحي (الفقه اإلسالمي املقارن) منشورات جامعة دمشق ،الطبعة اخلامسة 1414هـ 1995 -م. 4747الدمياطي ،أبو بكر السيد البكري بن السيد حممد شطا (حاشية إعانة الطالبني على حل ألفاظ فتح املعني) ،بريوت ،دار الفكر. 4848الذهيب ،أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز 748هـ (سري أعالم النبالء) ،حتقيق شعيب األرناؤوط ،حممد نعيم العرقسوسي، بريوت ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة التاسعة 1413هـ. 4949الذهيب ،أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز 748هـ (الكبائر) ،بريوت ،دار الندوة اجلديدة. 5050الزرقا ،أمحد بن حممد 1357هـ (شرح القواعد الفقهية) ،دمشق، دار القلم. 5151الزركلي ،خريالدين (األعالم) ،بريوت ،دار العلم للماليني ،الطبعة اخلامسة 1980م. 290 5252الزيلعي ،أبو حممد عبداهلل بن يوسف احلنفي 762هـ (نصب الراية ألحاديث اهلداية) ،حتقيق حممد يوسف البنوري ،القاهرة ،نشر دار احلديث 1357هـ. 5353السبكي ،تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (طبقات الشافعية الكربى) ،حتقيق مصطفى عبد القادر عطا ،بريوت ،دار الكتب العلمية 1999م. 5454السحيباني ،عبد احلميد بن عبد الرمحن (التنبيه إىل أضرار وخماطر اخلادمات والسائقني) الرياض ،دار ابن خزمية ،الطبعة األوىل 1413هـ. 5555السخاوي ،مشس الدين حممد بن عبد الرمحن 902هـ (املقاصد احلسنة يف بيان كثري من األحاديث املشتهرة على األلسنة) ،دار الكتاب العربي. 5656السرخسي ،أبو بكر حممد بن أبي سهل مشس األئمة 483هـ (املبسوط) ،بريوت ،دار املعرفة 1406هـ. 5757السلطان عبد احلميد الثاني 1842هـ 1918 -م (مذكراتي السياسية) ،بريوت ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة اخلامسة 1406هـ. 5858السمرقندي ،أبو بكر عالء الدين حممد بن أمحد 450هـ (حتفة الفقهاء) ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل1405 ،هـ. 5959السيوطي ،عبد الرمحن بن أبي بكر 911هـ (األشباه والنظائر)، بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1403هـ. 6060السيوطي ،عبد الرمحن بن أبي بكر 911هـ (طبقات احلفاظ)، بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األوىل 1403هـ. 291 6161السيوطي ،عبد الرمحن بن أبي بكر 911هـ (طبقات املفسرين)، بريوت ،دار الكتب العلمية. 6262الشاطيب ،إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي املالكي 790هـ (املوافقات يف أصول الفقه) ،حتقيق عبد اهلل دراز ،بريوت ،دار املعرفة. 6363الشربيين ،حممد بن امحد اخلطيب الشربيين 977هـ (اإلقناع يف حل ألفاظ أبي شجاع) ،حتقيق مكتب البحوث والدراسات ،بريوت ،دار الفكر 1415هـ. 6464الشربيين ،حممد بن امحد اخلطيب الشربيين 977هـ (مغين احملتاج إىل معرفة معاني ألفاظ املنهاج) ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي ،طبعة مصطفى البابي مبصر 1377هـ 1958 -م. 6565الشنتوت ،خالد أمحد (خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) ،املدينة املنورة ،الطبعة األوىل 1992م. 6666الشنقيطي ،حممد األمني بن حممد بن املختار اجلكين 1393هـ (أضواء البيان) ،حتقيق مكتب البحوث والدراسات ،دار الفكر بريوت، 1415هـ 1995 -م. 6767الشيباني ،أبو عبد اهلل حممد بن احلسن 189هـ (احلجة على أهل املدينة) .حتقيق مهدي حسن الكيالني القادري ،بريوت ،نشر عامل الكتب ،الطبعة الثالثة 1403هـ. 6868الشريازي ،أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف (املهذب يف فقه اإلمام الشافعي) ،بريوت ،دار الفكر. 6969الصويلح ،أمل (اخلادمة أمانة فال تضيعيها) ،الرياض ،دار الوطن، الطبعة األوىل 1423هـ 2002 -م. 292 7070الطرباني ،أبو القاسم سليمان بن أمحد بن أيوب 360هـ (املعجم الكبري) ،حتقيق محدي بن عبد اجمليد السلفي ،املوصل ،مكتبة العلوم واحلكم ،الطبعة الثانية 1404هـ 1983 -م. 7171الطربي ،أبو جعفر حممد بن جرير بن يزيد بن خالد 310هـ(،جامع البيان عن تأويل آي القرآن) ،بريوت ،دار الفكر ،طبعة 1405هـ. 7272الطحاوي ،أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة 321هـ (شرح معاني اآلثار) ،حتقيق حممد زهري النجار ،بريوت ،دار الكتب العلمية، الطبعة األوىل 1399هـ. 7373عبد بن محيد بن نصر 249هـ (املنتخب من مسند عبد بن محيد)، حتقيق صبحي البدري السامرائي ،حممود حممد خليل الصعيدي، القاهرة ،نشر مكتبة السنة ،الطبعة األوىل 1408هـ 1988 -م. 7474عبد احلميد ،حميي الدين (يف بيوتنا قنابل موقوتة "السائق واخلادمة") ،جدة ،اخلدمات احلديثة للنشر ،الطبعة األوىل 1418هـ - 1997م. 7575العبدري ،أبو عبد اهلل حممد بن يوسف بن أبي القاسم 897هـ (التاج واإلكليل ملختصر خليل) ،بريوت ،دار الفكر ،الطبعة الثانية 1398هـ. 7676العظيم آبادي ،أبو الطيب حممد مشس احلق (عون املعبود شرح سنن أبي داود) ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،الطبعة الثانية 1415هـ. 7777العالئي ،خليل بن كيكلدي 761هـ (حتقيق املراد يف أن النهي يقتضي الفساد) ،حتقيق د .إبراهيم حممد السلفييت ،الكويت ،دار الكتب الثقافية. 7878العيدان ،نورة ابراهيم (ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)، 293 الرياض ،دار الشواف 1414هـ 1993 -م. 7979الغزايل ،أبي حامد حممد بن حممد الغزايل 505هـ (إحياء علوم الدين) ،مراجعة صدقي حممد مجيل العطار ،بريوت ،دار الفكر 1423هـ 2003م. 8080الغزايل ،أبو حامد حممد بن حممد بن حممد 505هـ (الوسيط يف املذهب) ،حتقيق أمحد حممود إبراهيم ،حممد حممد تامر ،القاهرة ،دار السالم ،الطبعة األوىل 1417هـ. 8181الغمراوي ،حممد الزهري (السراج الوهاج على منت املنهاج) ،بريوت، دار الكتب العلمية 2001م. 8282القرطيب ،أبو عبد اهلل محد بن أمحد بن أبي بكر بن فرح 671هـ (اجلامع ألحكام القرآن) ،حتقيق أمحد عبد العليم الربدوني ،القاهرة، دار الشعب ،الطبعة الثانية 1372هـ. 8383القرشي ،أبو حممد عبد القادر بن أبي الوفاء حممد بن أبي الوفاء 775هـ (اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية) ،كراتشي ،مري حممد كتب خانه. 8484القنوجي ،صديق بن حسن 1307هـ (أجبد العلوم الوشي املرقوم يف بيان أحوال العلوم) ،حتقيق عبد اجلبار زكار ،بريوت ،دار الكتب العلمية 1978م. 8585الكاساني ،عالء الدين الكاساني 587هـ (بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع) بريوت ،دار الكتاب العربي للنشر ،الطبعة الثانية 1982م. 8686مالك بن أنس األصبحي رواية اإلمام سحنون (املدونة الكربى)، بريوت ،دار صادر. 294 8787املباركفوري ،أبو العال حممد عبد الرمحن بن عبد الرحيم 1353هـ (حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي) ،بريوت ،دار الكتب العلمية. ( 8888جملة األحكام العدلية) مجعية اجمللة ،حتقيق جنيب هواويين، تركيا ،كارخانه جتارت كتب. 8989جممع اللغة العربية (املعجم الوسيط) ،املؤلفني :إبراهيم مصطفى أمحد الزيات حامد عبد القادر حممد النجار ،دار املعارف ،الطبعة الثانية. 9090حممد بن سعد بن منيع أبو عبداهلل البصري الزهري (الطبقات الكربى) ،حتقيق إحسان عباس ،بريوت ،دار صادر ،الطبعة األوىل 1968م. 9191املرداوي ،أبو احلسن علي بن سليمان 885هـ (اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل) ،حتقيق حممد حامد الفقي ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي. 9292مسلم ،أبو احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري 261هـ (صحيح مسلم) ،حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي. 9393املناوي ،عبد الرؤوف (فيض القدير شرح اجلامع الصغري) ،مصر، املكتبة التجارية الكربى ،الطبعة األوىل 1356هـ. ( 9494املوسوعة الفقهية الكويتية) إصدار وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية -الكويت ،طباعة ذات السالسل الكويت ،الطبعة الثانية 1406هـ 1986 -م. 9595النسائي ،أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب 303هـ (السنن الكربى) حتقيق د .عبد الغفار سليمان البنداري ،سيد كسروي حسن ،بريوت ،دار 295 الكتب العلمية ،الطبعة األوىل1411هـ 1991 -م. 9696النفراوي ،أمحد بن غنيم بن سامل املالكي 1125هـ (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القريواني) ،بريوت ،دار الفكر 1415هـ. 9797النووي ،أبو زكريا حييى بن شرف بن مري 676هـ (هتذيب األمساء واللغات) ،بريوت ،دار الفكر ،الطبعة األوىل 1996م. 9898النووي ،أبو زكريا حييى بن شرف بن مري 676هـ (روضة الطالبني وعمدة املفتني) ،بريوت ،املكتب اإلسالمي ،الطبعة الثانية 1405هـ. 9999النووي ،أبو زكريا حييى بن شرف بن مري 676هـ (صحيح مسلم بشرح النووي) ،بريوت ،دار إحياء الرتاث العربي ،الطبعة الثانية 1392هـ. 10100النووي ،أبو زكريا حييى بن شرف بن مري 676هـ (اجملموع شرح املهذب) ،حتقيق حممود مطرحي ،بريوت ،دار الفكر ،الطبعة األوىل 1417هـ 1996 -م. 10101النووي ،أبو زكريا حييى بن شرف بن مري 676هـ (منهاج الطالبني وعمدة املفتني) ،بريوت ،دار املعرفة. 296 فهرس املوضوعات الصفحة الموضوع شكر وتقدير 4 ........................................................ املقدمة 5 ............................................................. الفصل األول :مفهوم اخلدمة يف البيوت ومكانتها يف الشريعة اإلسالمية 17 ........................................................................ املبحث األول :مفهوم اخلدمة يف البيوت 18 ........................... متهيد :حملة تارخيية عن اخلدمة يف البيوت 19 .................. املطلب األول :تعريف اخلدمة لغ ًة واصطالحاً 23 ............... املطلب الثاني :األلفاظ ذات الصلة بالبحث 27 ................... املبحث الثاني :مشروعية اخلدمة وحكمها 30 ........................ املطلب األول :مشروعية اخلدمة 31 ............................. املطلب الثاني :حكم اخلدمة يف البيوت 44 ...................... املطلب الثالث :اخلدمة يف زمن التشريع 64 ..................... املبحث الثالث :دور اخلدمة االجتماعي 73 ......................... املطلب األول :حاجة الفرد للخدمة 74 ........................... املطلب الثاني :حاجة اجملتمع للخدمة 77 ....................... الفصل الثاني :عقد اخلدمة يف البيوت 86 .............................. 297 املبحث األول :أنواع عقد اخلدمة يف البيوت 88 .................... املطلب األول :عقد اخلدمة اخلاصة (إجارة عني) 91 ........... املطلب الثاني :عقد اخلدمة يف عمل معني (إجارة متعلقة بالذمة) .. 98 ....................................................................... املطلب الثالث :عقد اخلدمة يف عمل معني مرتبط بزمن 101 ..... املطلب الرابع :اجلعالة يف عقد اخلدمة 106 ..................... املبحث الثاني :انعقاد عقد اخلدمة 109 ............................. املطلب األول :أركان عقد اخلدمة 110 ............................ املطلب الثاني :شروط عقد اخلدمة 159 ......................... املطلب الثالث :ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة 174 ............ املبحث الثالث :إهناء عقد اخلدمة يف البيوت 186 ................... املطلب األول :إهناء عقد اخلدمة بسبب املخدوم 188 ............. املطلب الثاني :إهناء عقد اخلدمة بسبب األجري 193 .............. املطلب الثالث :إهناء عقد اخلدمة من الطرفني 197 .............. املطلب الرابع :ما يرتتب على إهناء عقد اخلدمة 199 .............. الفصل الثالث :عوارض اخلدمة يف البيوت وأخطارها وآداهبا 205 ....... املبحث األول :عوارض اخلدمة يف البيوت 207 ....................... املطلب األول :عوارض اخلدمة بسبب اخلادم 208 ................ املطلب الثاني :عوارض اخلدمة بسبب املستخدِم 218 ............ 298 املطلب الثالث :التعديل يف عقد اخلدمة 221 ..................... املبحث الثاني :أخطار اخلدمة يف البيوت 224 ....................... املطلب األول :العوامل املسببة ألخطار اخلدمة 226 ............. املطلب الثاني :األخطار الناشئة عن اخلدمة يف البيوت 233 ..... املبحث الثالث :آداب اخلدمة يف البيوت 245 .......................... املطلب األول :آداب اخلادم 246 ................................... املطلب الثاني :آداب املستخدِم 257 ................................ اخلامتة 267 ............................................................. فهرس اآليات القرآنية 274 .............................................. فهرس األحاديث النبوية الشريفة 277 ................................... فهرس األعالم 281 ...................................................... فهرس املراجع واملصادر 284 ............................................. فهرس املوضوعات 296 .................................................. 299 اخلدمة يف البيوت أحكامها وضوابطها الشرعية فقهي نادراً ما يتطرق إليه أحدٌ من املشتغلني بالدراسات الشرعية، يتطرَّق هذا الكتاب إىل جما ٍل ٍّ وهو فقه التعامل مع اخلادمات يف البيوت وضوابطه الشرعية وذلك ضمن كتابٍ إلكرتوني حيمل ٍّ عنوان" :اخلدمة يف البيوت ..أحكامها وضوابطها الشرعية" ملؤلفه الشيخ إبراهيم حممود العثمان آغا .والكتاب عبارة عن رسالة أعدت لنيل درجة املاجستري يف الدراسات اإلسالمية. *** اجلميل يف موضوع الكتاب هو تصدِّيه ألمو ٍر ثالثة :أوهلما :أنه يغطي جانباً مهمَّاً ومعاصراً قد يهمُّ بالدرجة األوىل أهل اخلليج العربي حيث تكاد ال ختلو أسرة خليجية من وجود خادمة أو خادم، بينما هي عادة وافدة مع بداية هذا القرن على بالد الشام وبدأت تنتشر وتأخذ موضعاً من القبول واالستساغة وتربير وجودها بل واستحسانه ضمن معايري بدأت بالتفاخر االجتماعي أوالً ورمبا حتولت شيئاً فشيئاً إىل تغطية حاجة اجتماعية أسرية لدى شرحية غري قليلة من الناس ،وصار هناك مكاتب لتوريد العمالة إىل املنازل وخاصة العمالة اآلسيوية. وثانيهما :أنَّ املوضوع يُظهر مدى اهتمام اإلسالم باإلنسان أيَّاً كان خادماً أم خدوماً ،االهتمام *** د .منقذ العقاد الرئيس التنفيذي لدار أبي الفداء العاملية للنشر ولكننا "دين معاملة" واملعاملة هي احملك االختباري ملدى مصداقية عبادتنا وجدواها. العاملية للن�شر والتوزيع والرتجمة 300 وثالث تلك األمور تشجيع الباحثني يف الشؤون الشرعيَّة على التطرق إىل مسائل معاصرة .. تتمحور حول فقه املعامالت اإلنسانية بعد أن أُختِمَت رفوف مكتباتنا بفقه العبادات على أمهيتها، البيوت. ونيل احلقوق وكم حنن حباجة ملعرفة هذه األحكام والضوابط املتعلقة بالتعامل مع اخلدم يف ِّ ليوضح مدى اعتناء اإلسالم بتحقيق العدالة حبقوقه وواجباته وعالقاته االجتماعية واألسرية،
© Copyright 2025 Paperzz