تحميل الملف المرفق

‫الخدمة في البيوت‬
‫أحكامها وضوابطها الشرعية‬
‫أ‪ .‬إبراهيم محمود العثمان آغا‬
‫الطباعة اإللكرتونية برعاية شركة‬
‫‪Shadows-IT Advanced‬‬
‫‪1 Technology‬‬
‫‪www.shadows-it.com‬‬
‫الكتاب‪ :‬اخلدمة يف البيوت‬
‫املؤلف‪ :‬أ‪ .‬إبراهيم العثمان آغا‬
‫التصنيف‪ :‬فقه إسالمي‬
‫اإلصدار اإللكرتوني األول‪ :‬أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪2012‬‬
‫الرقم الدويل املتسلسل للكتاب‪ISBN: 978-9933-9129-3-2 :‬‬
‫اإلشراف الفين العام‪ :‬جمموعة دار أبي الفداء العاملية للنشر والتوزيع والرتمجة‬
‫الرئيس التنفيذي‪ :‬الدكتور منقذ العقاد‬
‫املدير اإلداري‪ :‬األستاذ نافع الربازي‬
‫اإلخـراج الفين‪ :‬دميه فخري‬
‫اإلشراف الفين‪ :‬عبد اهلل العقاد‬
‫جمموعة دار أبي الفداء العاملية للنشر والتوزيع والرتمجة‬
‫سوريا ‪ -‬محاة ‪ -‬ساحة العاصي ‪ -‬مقابل الربيد ‪ -‬ص‪ .‬ب‪132 :‬‬
‫هاتف‪00963-33-2224438 :‬‬
‫فاكس‪00963-33-2224439 :‬‬
‫جوال‪00963-95-1211079 :‬‬
‫الوكالء يف اخلارج‪:‬‬
‫ اإلمارات العربية املتحدة‪ :‬عبد اهلل العقاد ‪ -‬هاتف‪00971508289982 :‬‬‫ اململكة العربية السعودية‪ :‬هشام اخليواني ‪ -‬هاتف‪00966500886376 :‬‬‫اآلراء الواردة يف كتب الدار تعرب عن مؤلفيها وال تعرب بالضرورة عن رأي الدار‬
‫‪2‬‬
‫َن الرَّح ِِيم‬
‫ِبس ِْم ال ّلهِ الرَّحْمـ ِ‬
‫‪3‬‬
‫إهداء إىل‬
‫ـ ـإىل والدي رمحه اهلل وجزاه عين كل‬
‫خري وجعل هذا العمل املتواضع يف صحيفة‬
‫حسناته‪.‬‬
‫ـ ـإىل أمي حفظها وأمدها اهلل بالصحة‬
‫والعافية‪.‬‬
‫ـ ـإىل أساتذتي وأشياخي الفضالء‪.‬‬
‫ـ ـإىل مجيع إخوتي وأحبائي الذين كانوا‬
‫معي يف السراء والضراء‪.‬‬
‫إبراهيم‬
‫‪4‬‬
‫شكر وتقدير‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ال يشكر اهلل من ال يشكر الناس»(‪.)1‬‬
‫بعد محد اهلل والثناء عليه مبا هو أهله أن وفقين إلمتام هذا البحث‪ ،‬وسهله‬
‫يل ويسر أسبابه‪ ،‬البد يل أن أشكر كل من ساعدني يف عملي ووقف إىل‬
‫جانيب يف إجنازه‪ ،‬فأتوجه بالشكر اجلزيل لعمادة كلية اإلمام األوزاعي‬
‫وأساتذهتا الكرام الذين مل يألوا جهداً يف تقديم الدعم العلمي وتسهيل‬
‫أسبابه يل وألمثايل من طالب العلم‪ ،‬فجزاهم اهلل عنا كل خري‪ ،‬وأخص‬
‫بالذكر األستاذ الدكتور عبد اهلل السيد الذي تفضل عليّ باإلشراف على‬
‫رساليت‪ ،‬وتكرَّم عليّ بتوجيهاته ونصائحه بكل رحابة صدر وكرم خلق‪،‬‬
‫فجزاه اهلل عين كل خري وبارك بعلمه ونفع به‪.‬‬
‫كما أتوجه بالشكر لكل من مدَّ يد العون يل أثناء إجنازي هلذا البحث‪،‬‬
‫وعلى رأسهم القائمني على خدمة مكتبة (التكية الشرعية) حبماة‪ ،‬الذين‬
‫مل يقصروا يف تقديم الكتب اليت احتجتها خالل كتابيت للرسالة‪.‬‬
‫وأتوجه بالشكر لإلخوة الذين قدموا يل املساعدة يف هذا العمل‪ ،‬ولو‬
‫بدعوة يف ظهر الغيب‪ ،‬وأخص منهم األخ الدكتور عمر الزعيب حيث كان‬
‫جبانيب يف مالحظاته وخربته العلمية‪.‬‬
‫وأسال املوىل عز وجل أن يقبلنا مجيعاً ويسدد خطانا ويلهمنا رشدنا‬
‫وجيعلنا مفاتيح للخري مغاليق للشر إنه خري مسؤول‪ .‬واهلل من وراء القصد‬
‫وهو يهدي السّبيل واحلمد هلل ربّ العاملني وصلّى اهلل على سيّدنا حممد‬
‫وعلى آله وصحبه وس َّلم‪.‬‬
‫‪ -1‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث السجستاني األزدي ‪ 275‬هـ (سنن أبي داود) حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ 255‬برقم‪ 4811 :‬عن أبي هريرة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫مقدمة‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على حممد رسول اهلل‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫ومن اهتدى هبداه‪ ،‬تركنا على احملجة البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها‬
‫إال هالك‪ ،‬من اعتصم هبديه سعد وجنا‪ ،‬ومن أعرض عن نوره تعس وغوى‪.‬‬
‫من عظيم هديه صلى اهلل عليه وسلم أنه ما ترك خرياً إال دلنا عليه‬
‫وال شراً إال وحذرنا منه‪ ،‬واملتأمل يف جمتمعنا اليوم يرى تعامالتٍ كثريةً‬
‫حباجة إال ضبط واستنارة هبذا النور املبني واهلدي العظيم‪.‬‬
‫ومن تلك التعامالت استخدام اخلدم يف البيوت بأشكال خمتلفة وبأحوال‬
‫متنوعة‪ ،‬فكان البد لنا من أن نتعرف على التشريعات اإلسالمية اخلاصة‬
‫هبا‪.‬‬
‫إشكالية البحث‪:‬‬
‫أصبحت اخلدمة يف البيوت خطراً يهدد اجملتمع‪ ،‬وتعالت صيحات التحذير‬
‫من شروره‪ ،‬وراحت وسائل اإلعالم من فضائيات وإذاعات ومنشورات‬
‫تعرض لنا صورة مظلمة عن أحوال البيوت‪ ،‬بسبب الشغاالت أو السائقني‬
‫أو البوابني أو غريهم ممن يدخل املنزل بقصد تقديم خدمة ما‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذه التحذيرات واإلنذارات يتزايد أعداد تلك اخلادمات‬
‫ويتدفقون على جمتمعاتنا من جهات شتى‪ ،‬ثم يتسللون بيوتنا ويفرضون‬
‫أنفسهم كواقع البد منه حبكم الظروف احلضارية اجلديدة؛ كانشغال أهل‬
‫املنزل بوظائفهم وأعمالِهم أو بسبب تزايد مطالبهم وحاجاهتم‪ ،‬ورمبا كان‬
‫حبكم ما يدعا (املوضة) الدارجة ليس إال‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ويف خضم هذه األحوال حيتار الفرد املسلم يف اختاذ القرار الصحيح!‬
‫فهل خدمة البيوت بكافة أشكاهلا منكر جيب حماربته؟!‬
‫أم هو واقع ضروري ال مناص من االستسالم له وجيب القبول به على‬
‫عواهنه؟‬
‫ما احلل؟‬
‫حتماً إن الشرع اإلسالمي املتكامل سيعطينا احلل األمثل والقرار الصحيح‪،‬‬
‫يَ‬
‫يقول سبحانه‪َّ { :‬ما فَ َّر ْط َنا ف الك َ‬
‫ْ‬
‫ِت‬
‫اب مِن ش ٍء} [ األنعام‪.] 38:‬‬
‫يِ‬
‫ِ‬
‫إن هذا البحث سوف جييب على هذه اإلشكالية لتأكيد ما إذا كانت‬
‫اخلدمة يف البيوت أمراً منكراً‪ ،‬أم أنه أمر وواقع ضروري تفرضه حاجة‬
‫الناس يف اجملتمع‪.‬‬
‫أمهية البحث‪:‬‬
‫صحيح أن مسألة اخلدمة يف البيوت ليست أمراً جديداً على البشرية‬
‫فهي معروفة منذ القديم؛ ولكن اجلديد فيها هو‪:‬‬
‫تنوعها‪ :‬فلم تعد مقتصرة على خادم يتحمل أعباء املنزل وحاجاته كلها‪،‬‬
‫أو عبارة عن حاضنة أو مرضعة مثالً‪ ،‬بل نشأت خدمات أخرى مرتبطة‬
‫باملنزل وأهله‪ ،‬كاملعلم والبوّاب والسائق وعامل التنظيف وغري ذلك‪.‬‬
‫وتغري ظروفها‪ :‬كاالعتماد غالباً على العنصر األجنيب يف أدائها‪ ،‬ليس‬
‫األجنيب بأصله فقط‪ ،‬بل األجنيب بلغته وعقيدته وسلوكه وقيمه‪ ،‬كل ذلك‬
‫ينعكس خبطره الشديد على البيوت‪ ،‬مع عدم إدراك الكثري من املسلمني‬
‫ألبعاد هذا اخلطر‪.‬‬
‫ثم إن زيادة تعقيد ظروف وأشكال تلك اخلدمات من جانب وبعد املسلمني‬
‫‪7‬‬
‫عن دينهم من جانب آخر جعل الضوابط الصحيحة الفقهية واألخالقية‬
‫بعيدة عن متناول معظم أفراد اجملتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫هذه األسباب وغريها أشعرتين خبطورة هذا البحث ودفعتين إىل العناية‬
‫به دون غريه من األحباث‪.‬‬
‫الدراسات السابقة يف موضوع البحث‪:‬‬
‫إن حبث اخلدمة يف البيوت وما يتعلق فيها من أحكام الشريع اإلسالمي‬
‫ليس شيئاً مبتكراً‪ ،‬بل حبثه العلماء قدمياً وحديثاً بدراسات متنوعة‪،‬‬
‫فأحكامها الفقهية موجودة بشكل متفرق يف بطون الكتب الفقهية القدمية‪.‬‬
‫ومن الدراسات املعاصرة من تناولت اخلدمة يف البيوت كبحث مستقل‪،‬‬
‫بدراسة اجتماعية أو دينية أو غري ذلك‪ ،‬ومن أهم ما تيسر يل االطالع‬
‫عليه منها‪:‬‬
‫‪ 1.1‬دراسة للشيخ عبد احلميد بن عبد الرمحن السحيباني‪ ،‬بعنوان‪:‬‬
‫(التنبيه إىل أضرار وخماطر اخلادمات و السائقني)(‪ ،)1‬عاجل فيها‪:‬‬
‫• •مشكلة االختالط غري املشروع باخلدم وما يتضمن من مفاسد دينية‬
‫وأخالقية واجتماعية‪.‬‬
‫• •ومشكلة اختالف دين اخلدم وما فيه من خطر على عقائد وسلوك‬
‫أفراد األسرة وخاصة األطفال‪.‬‬
‫• •ومشكلة تشوه لغة أفراد األسرة بسبب اختالف لغة اخلدم‪.‬‬
‫• •وبعض املشاكل الرتبوية كحرمان األطفال من حنان األبوين‪ ،‬إضافة‬
‫لنشوء االتكالية والسلبية يف شخصية أفراد األسرة‪.‬‬
‫‪ -1‬السحيباني‪ ،‬عبد احلميد بن عبد الرمحن‪( ،‬التنبيه إىل أضرار وخماطر اخلادمات والسائقني) الرياض‪ ،‬دار ابن خزمية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫وتوصل لعدة نتائج أمهها‪:‬‬
‫• •أن استقدام اخلدم يف جمتمعنا الدافع له التباهي والتفاخر غالباً‬
‫وليس حلاجة إليهن‪.‬‬
‫• •ميكن االستغناء عن استقدام اخلدم باالستعانة بالوسائل احلضارية‬
‫من آالت أو شراء األشياء اجلاهزة‪.‬‬
‫• •حماولة تضييق االستعانة باخلدم‪ ،‬كاستئجار خادمة تعمل بالساعة‬
‫بدل اخلادمة اليت تبيت يف املنزل‪ ،‬وضمن الشروط الشرعية‪.‬‬
‫ثم عزز دراسته بفتاوى شرعية ختص البحث‪.‬‬
‫‪ 2.2‬ودراسة للدكتور حممد اخلميس‪ ،‬بعنوان‪( :‬اخلادمات وأثرهن على‬
‫األسرة واجملتمع)(‪ )1‬واليت تعاجل مشكلة استخدام غري املسلمني يف بيوت‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫ومشكلة ضمان حقوق اخلدم يف اإلسالم‪.‬‬
‫ومشكلة االستخدام غري امللتزم وما يرتتب عليه من أخطار عقدية وخلقية‬
‫وجنائية وتربوية واجتماعية‪.‬‬
‫ثم خلص لنتائج أمهها‪:‬‬
‫• •ضرورة احلد من انتشار املربيات واخلادمات بوضع قيود قانونية‬
‫وفق املصلحة‪.‬‬
‫• •أمهية صيانة حقوق اخلدم والتوصية باملعاملة احلسنة وهذا عامل‬
‫مهم يف التخلص من كثري من مفاسد اخلدمة اليت نواجهها‪.‬‬
‫• •احلاجة ألخذ إحاطات أمنية جتاه اخلدم؛ من التأكد من صدق‬
‫املعلومات املدونة على أوراقهم الرمسية‪ :‬كالدين والعمر‪ ،‬واخللو من‬
‫‪ -1‬اخلميس‪ ،‬د‪ .‬حممد‪( ،‬اخلادمات وأثرهن على األسرة واجملتمع)‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫األمراض‪ ،‬وأخذ منوذج للبصمات‪.‬‬
‫• •ضرورة متابعة رب األسرة للخدم لاللتزام بالضوابط الشرعية‬
‫لالستخدام‪.‬‬
‫‪ 3.3‬ودراسة للكاتبة أمل الصويلح بعنوان‪( :‬اخلادمة أمانة فال تضيعيها(‪،)1‬‬
‫عاجلت فيها مشكلة إمهال حقوق اخلادمة‪ :‬املادية واملعنوية‪ ،‬بل والتعدي‬
‫على اخلادمة بصور خمتلفة جسدية ونفسية ومادية‪.‬‬
‫وتوصلت إىل نتائج أمهها‪:‬‬
‫• •أن سوء معاملة اخلدم وراء معظم مفاسد االستخدام يف الواقع‪.‬‬
‫• •االلتزام باآلداب اإلسالمية مع اخلدم واجب ديين وفيه صيانة‬
‫للمصاحل الدنيوية‪.‬‬
‫‪ 4.4‬ودراسة الباحثة نورة إبراهيم العيدان‪ ،‬بعنوان‪( :‬ظاهرة اخلدم يف‬
‫األسرة السعودية)(‪ ،)2‬وهي دراسة اجتماعية ميدانية ملشكلة استقدام‬
‫اخلدم يف اجملتمع السعودي وأثره على األسرة السعودية‪ ،‬وتوصلت يف‬
‫حبثها إىل نتائج أمهها‪:‬‬
‫• •لالستخدام أثر سيئ على الرتابط األسري‪.‬‬
‫• •لالستخدام أثر سيئ على التنشئة االجتماعية للفرد (كاالتكالية‪،‬‬
‫وتشوه اللغة)‪.‬‬
‫• •ضرورة فرض قيود قانونية على االستقدام لتخفيف ما ينشأ عنه‬
‫من مشكالت‪.‬‬
‫‪ -1‬الصويلح‪ ،‬أمل‪( ،‬اخلادمة أمانة فال تضيعيها)‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1423‬هـ ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم‪( ،‬ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار الشواف ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫• •جيب بذل اجلهد يف مساعدة املرأة يف االستغناء عن اخلدم كإنشاء‬
‫دور حضانة وأندية أطفال‪.‬‬
‫• •حماولة استبدال اخلدم املقيمني خبدم يعملون بالساعة عند احلاجة‪.‬‬
‫‪ 5.5‬ودراسة الدكتور خالد أمحد الشنتوت بعنوان‪( :‬خطر املربيات غري‬
‫املسلمات على الطفل املسلم)(‪ ،)1‬وهي دراسة حبث فيها مشكلة رعاية‬
‫بيوت املسلمني من قبل خادمات غريبات عن اجملتمع اإلسالمي دينياً‬
‫واجتماعيا وثقافياً‪.‬‬
‫واعتمد يف حبثه على دراسات ميدانية سابقة ملشكلة اخلدمة يف البيوت‪،‬‬
‫أمهها‪:‬‬
‫‪ .‬أالدراسات امليدانية اليت قامت هبا وزارات العمل والشؤون االجتماعية‬
‫يف دول اخلليج العربية وتشمل‪( :‬األسرة يف البحرين) و (األسرة الكويتية)‬
‫و (األسرة العمانية ) و (األسرة السعودية) و (جتربة القطر العراقي)‪.‬‬
‫‪.‬ب دراسة ميدانية يف السعودية للباحثة اعتدال عطيوي بعنوان (أطفالنا‬
‫واخلادمات )‪.‬‬
‫‪.‬جدراسة ميدانية يف السعودية للباحثة عنربة حسني عبداهلل األنصاري‬
‫بعنوان (أثر اخلادمات األجنبيات يف تربية الطفل)‪.‬‬
‫وتوصل إىل نتائج منها‪:‬‬
‫• •تربية الطفل مسؤولية أمِّه‪ ،‬وال ميكن ألحد أن ينوب عنها‪.‬‬
‫• •الرتف من أهم أسباب استقدام اخلادمات يف جمتمعاتنا‪.‬‬
‫• •ميكن جملتمعنا استقدام اخلادمات املسلمات وبالشروط الشرعية‪.‬‬
‫‪ -1‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫هدف البحث‪:‬‬
‫يف الواقع مل أجد من حبث موضوع اخلدمة يف البيوت فقهياً بشكل شامل‬
‫ألنواعها ومجيع جوانبها يف حبث ودراسة مستقلة‪ ،‬فكان البد من تقديم‬
‫تلك الدراسة الشاملة يف حبث مستقل ليسهل على املسلمني التعرف عليها‬
‫وضبط أحكامها‪ ،‬وتكون نافذة يسطع منها شعاع الشرع احلنيف على‬
‫جمتمعاتنا وواقعهم العملي‪ ،‬إذ ليس من احلكمة أن نكتفي بتبيان األخطار‬
‫واملخاوف املتعلقة باخلدمة يف البيوت دون تبيان الصيغة الصحيحة هلا‬
‫املرضية يف الشرع‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫لفهم طبيعة اخلدمة يف البيوت ولكي أمتكن من معاجلة أحكامها‪:‬‬
‫ـ ـاستخدمت املنهج التوثيقي‪ :‬من خالل العودة لألحكام الشرعية‬
‫التفصيلية املتعلقة بأحكام اخلدمة يف البيوت‪ ،‬واقتصرت فيها على‬
‫كتب املذاهب األربعة‪.‬‬
‫ـ ـاملنهج الوصفي‪ :‬من خالل وصف بعض حاالت من بعض األشخاص‬
‫الذين يقومون باستخدام اآلخرين للخدمة يف البيوت‪.‬‬
‫ـ ـتقنية حتليل احملتوى‪ :‬اليت استخدمتها لدى قراءة األحباث اليت‬
‫طالت موضوع اخلدمة يف البيوت‪ ،‬وخباصة دراسة‪ :‬دراسة الدكتور‬
‫خالد أمحد الشنتوت بعنوان‪( :‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل‬
‫املسلم)‪.‬‬
‫ـ ـودراسة الباحثة نورة إبراهيم العيدان‪ ،‬بعنوان‪( :‬ظاهرة اخلدم يف‬
‫األسرة السعودية)‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫صعوبات البحث‪:‬‬
‫هناك صعوبات واجهتها خالل كتابيت لبحث اخلدمة يف البيوت وشكلت‬
‫عبءً على مجع مادته‪ ،‬وجعلت البحث حباجة إىل فرتة زمنية أطول وإىل‬
‫جهد أكرب‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫‪ 1.1‬سعة الفقه اإلسالمي وضخامة املكتبة اإلسالمية‪ ،‬على الرغم من‬
‫أني اقتصرت على الرجوع يف حبثي على املذاهب اإلسالمية األربعة‬
‫(احلنفي واملالكي والشافعي واحلنبلي)‪ ،‬والسعة تلك تظهر يف كثرة الكتب‬
‫الفقهية من ناحية‪ ،‬وتوسع الفقهاء –جزاهم اهلل عنا خرياً‪ -‬يف حبوثهم‬
‫الفقهية وكثرة تشعبهم يف مسائلها الفرعية من ناحية أخرى‪ ،‬لذلك كان‬
‫على الباحث ليتعرف على مسألة واحدة ميكن سردها بسطرين أو ثالثة‬
‫أن يقرأ عشرات الصفحات من املكتبة الفقهية اإلسالمية‪.‬‬
‫هذه القراءة املطولة تثري فكر الباحث ولكنها رمبا تشتت ذهنه وخترجه‬
‫عن مسألته األصلية اليت يقرأ من أجلها‪ ،‬وتطيل عليه فرتة إجناز حبثه‪.‬‬
‫‪ 2.2‬صعوبة قيامي بدراسة ميدانية لبحث اخلدمة يف البيوت‪ ،‬أو حصويل‬
‫على إحصائيات دقيقة العتمادها يف البحث بسبب عدة عوامل‪ :‬منها‬
‫عدم االنتشار الواسع لظاهرة اخلادمات يف مدينيت‪ ،‬والبيوت اليت تستعني‬
‫باخلدم ليست كثرية بسبب اخنفاض دخل الفرد من ناحية والطبيعة‬
‫احملافظة ملعظم السكان واليت ترتب على دخول اخلدم للبيوت إرباكات‬
‫كثرية ألفراد األسرة ملا يفرض عليهم من قيود هم بغنى عنها‪.‬‬
‫ثم إن هذه البيئة احملافظة والبسيطة ال تتقبل بسهولة قيام باحث بإجراء‬
‫مقابالت للخدم أو ألحد أفراد األسرة‪ ،‬وهذا يشكل سداً منيعاً وحصناً‬
‫‪13‬‬
‫حصيناً أمام أي دراسة ميدانية عن اخلدم يف البيوت‪.‬‬
‫واألهم من ذلك كله أني فوجئت بعدم قانونية استقدام أو استخدام معظم‬
‫اخلادمات يف بلدي‪ ،‬وكنت كلما وصلت إىل رب أسرة ‪-‬وبطريقة ودِّية– من‬
‫األسر اليت تستعني خبادمة‪ ،‬كان يقول أن اخلادمة املوجودة عنده إمنا‬
‫حصل عليها ليس بعقد قانوني‪ ،‬وإمنا حصل عليها عن طريق مساسرة‬
‫خمتصني‪ ،‬ووجودها عنده حبكم اإلعارة أو التجربة ومقابل مئة دوالر‬
‫شهرياً‪ ،‬وأما سؤايل عن املكتب الذي قام بتأمني اخلادمة له‪ ،‬فكان اجلواب‬
‫غالباً بأنه ال يوجد مكتب وال مكان حمدد ولكن بإمكانك الوصول إىل‬
‫السمسار عن طريق هاتفه احملمول‪ ،‬وهو الذي يشرف على نقل اخلادمة‬
‫من يد ألخرى‪ ،‬وال أحد يعلم هل هذه اخلادمة مستقدمة يف األصل بشكل‬
‫قانوني أم ال؟ هل أجرت الفحوص الطبية أم ال؟ هل دخلت البلد بطريقة‬
‫قانونية أم ال؟ كل هذه األشياء ال يعلم حقيقتها إال اهلل والراسخون يف‬
‫مصلحة اخلدم يف بلدي‪.‬‬
‫وأظن بأن أهم سبب لوجود سوق سوداء للخدم يف بلدي هو التهرب من‬
‫الضرائب الكبرية والتأمينات الباهظة املفروضة على مكاتب االستخدام‬
‫وعلى األسر املخدومة‪ ،‬واليت ال تتناسب مع دخل معظم أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫هذه األمور دفعيت لإلعراض عن الدراسة امليدانية للخدم يف البيوت‪،‬‬
‫واالعتماد على دراسات ميدانية من بالد إسالمية أخرى‪ ،‬للخدمة فيها‬
‫الظروف املشاهبة للخدم يف معظم العامل اإلسالمي املعاصر‪.‬‬
‫‪ 3.3‬عدم وجود قوانني خاصة باخلدمة يف البيوت حبيث تشكل مادة‬
‫علمية تدعم البحث وتربطه بالواقع وتبني موقف التشريعات الوضعية‬
‫‪14‬‬
‫املعمول هبا يف الدول اإلسالمية‪ ،‬على الرغم من خطورة األمر وأمهيته‪،‬‬
‫لذلك مل أستطع تطعيم البحث بدراسة قانونية للخدمة يف البيوت ولكان‬
‫أفضل يف مثل هذا البحث‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫قسمت الرسالة إىل مقدمة وثالثة فصول وخامتة‪ ،‬وأدرجت حتت كل‬
‫فصل عدة مباحث‪ ،‬وانبثق عن املباحث مطالب‪.‬‬
‫ففي املقدمة تعرضت لعدة أمور‪:‬‬
‫إشكالية البحث واليت تتلخص بتبيان الصيغة الشرعية للخدمة يف البيوت‬
‫نقية مما علق هبا من خمالفات شرعية نتجت عن تغري أحوال املسلمني‪.‬‬
‫أمهية البحث واليت تتجلى خبطورة اخلدمة يف البيوت بشكلها احلايل‬
‫على قيم اجملتمع اإلسالمي ودينه وهويته‪ ،‬وعرَّجت بشكل سريع على أهم‬
‫الدراسات السابقة ملوضوع اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫كما بينت هدف البحث والصعوبات اليت واجهتين عند إعدادي هلذا البحث‪.‬‬
‫ثم عرضت يف الفصل األول مفهوم اخلدمة يف البيوت ومكانتها يف الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فمهدت له بلمحة تارخيية عن اخلدمة يف البيوت‪ ،‬وقسمته‬
‫لثالثة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬يف مفهوم اخلدمة يف البيوت‪ :‬وتكلمت فيه عن تعريف‬
‫اخلدمة لغ ًة واصطالحاً‪ ،‬ومقارنتها باأللفاظ ذات الصلة بالبحث‪.‬‬
‫واملبحث الثاني‪ :‬يف مشروعية اخلدمة وحكمها‪ :‬وحتدثت فيه عن أدلة‬
‫مشروعية اخلدمة يف البيوت بشكل عام يف التشريع اإلسالمي‪ ،‬ثم‬
‫عرضت حكم اخلدمة يف البيوت بأحواهلا املختلفة‪ ،‬وعرَّجت على اخلدمة‬
‫‪15‬‬
‫يف البيوت يف زمن التشريع‪.‬‬
‫أما املبحث الثالث‪ :‬فكان يف دور اخلدمة االجتماعي‪ ،‬من حيث حاجة‬
‫الفرد واجملتمع للخدمة يف البيوت‪.‬‬
‫ويف الفصل الثاني تكلمت عن عقد اخلدمة يف البيوت يف ثالثة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬يف أنواع عقد اخلدمة يف البيوت‪ ،‬وقسمتها إىل أربعة أنواع‬
‫وفقاً لصيغة العقد يف اخلدمة‪:‬‬
‫األول‪ :‬هو عقد اخلدمة اخلاصة (إجارة عني)‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬هو عقد اخلدمة يف عمل معني (إجارة متعلقة بالذمة)‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬هو عقد اخلدمة يف عمل معني مرتبط بزمن‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬إذا جاء عقد اخلدمة على شكل جعالة‪.‬‬
‫أما املبحث الثاني‪ :‬فتحدثت فيه عن انعقاد عقد اخلدمة يف البيوت من‬
‫حيث أركان وشروط عقد اخلدمة‪ ،‬وما يرتتب على انعقاده‪.‬‬
‫واملبحث الثالث‪ :‬فتحدثت عن إهناء عقد اخلدمة سواء كان اإلهناء بسبب‬
‫املستخدِم أو اخلادم أو بسبب الطرفني وما يرتتب على إهناء هذا العقد‪.‬‬
‫ويف الفصل الثالث ذكرت ثالثة مباحث تتعلق بأداء اخلدمة يف البيوت‪:‬‬
‫كان املبحث األول يف عوارض أداء اخلدمة يف البيوت سواء كان بسبب‬
‫اخلادم أو بسبب املستخدِم‪ ،‬أو تعديالً يف عقد اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫أما املبحث الثاني فعرضت فيه أهم أخطار اخلدمة يف البيوت على األسرة‬
‫املسلمة‪ ،‬وقد بدأت بدراسة األسباب أوالً ثم النتائج الناشئة عنها واليت‬
‫يعيشها جمتمعنا ثانياً‪.‬‬
‫وكان املبحث الثالث يف آداب اخلدمة يف البيوت‪ ،‬املطلوبة من كال اخلادم‬
‫واملستخدم وفق الصياغة اليت ترضي اهلل عز وجل‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫ويف هناية البحث كانت اخلامتة واليت ذكرت فيها أهم النتائج اليت توصلت‬
‫إليها من حبثي‪ ،‬والتوصيات واملقرتحات اليت أمتنى حصوهلا على أرض‬
‫الواقع‪.‬‬
‫واحلمد هلل وبه نستعني‬
‫إبراهيم حممود عثمان آغا‬
‫محاة يف ‪ 17‬صفر ‪1431‬هـ‬
‫املوافق لـــ ‪2010 / 2 / 1‬م‬
‫‪17‬‬
‫الفصل األول‬
‫مفهوم اخلدمة يف البيوت ومكانتها يف الشريعة‬
‫اإلسالمية‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬مشروعية اخلدمة وحكمها‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬دور اخلدمة االجتماعي‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫املبحث األول‬
‫مفهوم اخلدمة يف البيوت‬
‫متهيد‪ :‬حملة تارخيية عن اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف اخلدمة لغ ًة واصطالحاً‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالبحث‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫متهيد‪ :‬حملة تارخيية عن اخلدمة يف البيوت‬
‫قبل الكالم عن اخلدمة يف البيوت ال بد لنا من حملة تارخيية موجزة تبني‬
‫لنا وجود اخلدمة يف التاريخ البشري‪.‬‬
‫فمن املعلوم أن خدمة البيوت واالشتغال حبوائج األسرة داخل املنزل أو‬
‫خارجه وظيفة أهل املنزل يف األحوال الطبيعية‪ ،‬ولكن كثرياً ما حيدث أمر‬
‫طارئ جيعل أهل املنزل يعجزون أو يقصرون عن أداء هذا الواجب‪ ،‬وهذا‬
‫الطارئ سببه العجز املالزم للطبيعة البشرية‪ ،‬فاإلنسان عرضة بشكل‬
‫دائم للمرض وخمتلف أنواع املصائب‪ ،‬كل هذا يدفعه ‪-‬رمبا مضطراً‪-‬‬
‫لالستعانة بآخرين من خارج البيت‪ ،‬ليسدوا تلك الثغرة ويتالفوا ذلك‬
‫اخللل‪ ،‬أنا ال أحتدث عن خبرية يف خمترب نووي حتتاج األمة مجيعاً إىل‬
‫خدمتها وهي يف الوقت ذاته حيتاجها أطفاهلا وبيتها مما يضطرها إىل‬
‫االستعانة باخلادمات للقيام بشؤون منزهلا‪ ،‬ولكين أحتدث عن األسرة‬
‫منذ بدء الوجود البشري‪ ،‬عندما تعجز املرأة ‪-‬بسبب والدهتا مثالً‪ -‬عن‬
‫القيام بشؤون منزهلا بل حتتاج هي للرعاية مما يدفعها إىل االعتماد على‬
‫أمها أو أختها أو امرأة غريهن من خارج منزهلا لتقديم الرعاية هلا وملنزهلا‪،‬‬
‫وتلك مسألة ال حتتاج إىل درجة معينة من التطور البشري‪ ،‬بل تعود إىل‬
‫أول مراحل وجود اإلنسان‪.‬‬
‫وهذا يدفعنا للجزم بالقول أن دخول شخص من غري سكان البيت إىل‬
‫هذا البيت بقصد تقديم خدمة معينة فيه هو أمر قديم جداً‪ ،‬وأن ظهور‬
‫اخلدمة يف البيوت مالزم لنشوء البيوت عند اإلنسان‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫سبب تلك اخلدمة وشكلها‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫فقد تكون اخلدمة مبذولة من الشخص اخلادم أداءً لواجب أو طلباً‬
‫للثواب‪ :‬كتوجه االبن خلدمة أحد أبويه أو كليهما ولو كان يف مسكن‬
‫منفصل عنهما‪ ،‬أو كخدمة الرقيق يف منزل سيده ألداء الواجب الناشئ‬
‫عن العبودية‪.‬‬
‫ورمبا تنشأ اخلدمة عن القهر والظلم‪ :‬وهذا النوع ال حيتاج لسبب‬
‫مشروع‪ ،‬بل هو جمرد تسلط لألقوياء على الضعفاء‪ ،‬واستخدامهم ظلماً‬
‫وعدواناً‪ ،‬كما حصل لبين إسرائيل يف حكم فرعون‪ ،‬فقد ذكر العلماء‬
‫َُ ُ َ ُ ْ ُ ََ َْ َ‬
‫اب} [ البقرة‪( :]49:‬كان‬
‫يف تفسري قوله تعاىل‪{:‬يسومونكم سوء العذ ِ‬
‫فرعون يعذب بين إسرائيل فيجعلهم خدما وخوال‪ ...‬جعلهم يف األعمال‬
‫القذرة‪ ،‬وجعل يقتل أبناءهم‪ ،‬ويستحيي نساءهم‪.‬‏)(‪ ،)1‬ورمبا نشأ هذا النوع‬
‫مع ظهور احلكام املتسلطني‪ ،‬فكان من مظاهر حكمهم اخلدمُ والوصفاءُ‪.‬‬
‫وقد تكون نتيجة عقد استئجار يرتاضى عليه الطرفان‪ :‬كعقد اخلدمة الذي‬
‫حصل بني سيدنا موسى و سيدنا شعيب عليهما السالم وقد بني تلك‬
‫لَىَ َ َ ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫اخلدمة اإلمام القرطيب(‪ )2‬يف تفسريه لقوله عز وجل‪{ :‬ع أن تأجر يِن‬
‫ان ِ َ‬
‫َث َم يَِ‬
‫حج ٍج} [القصص‪ ]27:‬فقال‪( :‬جرى ذكر اخلدمة مطلقا‪ ...‬ألن‬
‫العمل عندهم كان معلوما من سقي وحرث ورعي وما شاكل أعمال‬
‫البادية يف مهنة أهلها‪ ،‬فهذا متعارف وإن مل يبني له أشخاص األعمال وال‬
‫مقاديرها‪ ...‬فهذا إمنا هو على املعهود من خدمة البادية)(‪ ،)3‬وهذا العمل‬
‫مياثله يف زماننا قيام اخلادم على حاجات املنزل‏داخله وخارجه‪ ،‬وأعمال‬
‫‪ -1‬الطربي‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير ‪ 310‬هـ (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬طبعة ‪1405‬هـ‪ ،‬ج‪1‬ص‬
‫‪.271‬‬
‫‪ -2‬القرطيب (تويف ‪671‬هـ)‪:‬هو أبو عبد اهلل حممد بن أمحد األنصاري اخلزرجي األندلسي املالكي‪ ،‬اإلمام املتقن املفسّر‪،‬‬
‫من مؤلفاته (اجلامع ألحكام القرآن )‪( ،‬انظر ترمجته يف‪ :‬طبقات املفسرين للسيوطي‪ ،‬ص ‪.)79‬‬
‫‪ -3‬القرطيب‪ ،‬أبو عبد اهلل محد بن أمحد ‪ 671‬هـ (اجلامع ألحكام القرآن ) حتقيق‪ :‬أمحد عبد العليم الربدوني‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫دار الشعب‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1372‬هـ‪ ،‬ج ‪ 13‬ص ‪.275‬‬
‫‪21‬‬
‫أهل املنزل تتغري بتغري الزمان واملكان؛ فطعامهم يف زمن سيدنا موسى من‬
‫تلك األغنام وشراهبم من لبنها وماؤهم من البئر واالشتغال بذلك هو عني‬
‫اخلدمة‪.‬‬
‫ولنشوء هذا النوع األخري من اخلدمة عند الناس البد له من حصول تطور‬
‫بشري حبيث يستوعب الناس معنى التعاقد‪ ،‬فعلى الرغم من قدمه يف‬
‫التاريخ البشري إال أنه بالتأكيد متأخر عن النوعني السابقني‪.‬‬
‫ولسنا حباجة للتعرف على وجود اخلدمة يف البيوت عند بين البشر عن‬
‫طريق تتبع الكتب اليت تسطر تاريخ الشعوب على امتداد املعمورة‪ ،‬وإمنا‬
‫نكتفي ببعض اإلشارات املوجودة يف القرآن الكريم والسنة املطهرة‪ ،‬ومن‬
‫أقدمها قصة إخدام الطاغوت لسارة زوجة إبراهيم عليه السالم هباجر‪،‬‬
‫وتاريخ هذه القصة يعود إىل حوايل أربعة آالف سنة خلت‪ ،‬جاء يف احلديث‬
‫الصحيح‪( :‬عَنْ أ َ ِبي هُرَيْرَةَ(‪ )1‬رَضِيَ ال َّلهُ عَنْهُ َقا َل‪َ :‬قا َل رَسُو ُل ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ‬
‫عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ‪ :‬لَمْ يَ ْكذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَثَ َك َذبَاتٍ ثِنْتَي ِْن مِنْهُنَّ فِي َذاتِ ال َّلهِ‬
‫عَزَّ وَج ََّل َقوْلُهُ إِ ِّني سَقِيمٌ وَ َقوْلُهُ بَ ْل َفعَلَهُ َك ِبريُهُمْ هَ َذا وَ َقا َل بَيْنَا هُوَ َذاتَ‬
‫يَوْ ٍم وَسَارَةُ إِ ْذ أَتَى عَلَى جَبَّا ٍر مِنْ الْجَبَا ِبرَةِ َفقِي َل لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلاً مَعَهُ‬
‫امْرَأَةٌ مِنْ أَحْس َِن الن ِ‬
‫َّاس َف َأرْسَ َل إِلَيْهِ َفسَ َألَهُ عَنْهَا َف َقا َل مَنْ هَذِهِ َقا َل أُخْتِي‬
‫َف َأتَى سَارَةَ َقا َل يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأْ َر ِ‬
‫ْض مُؤْمِنٌ َغيْ ِري و ََغيْرَكِ وَإِنَّ‬
‫هَ َذا سَ َألَنِي َف َأخْبَرْتُهُ أ َ َّنكِ أُخْتِي َفلاَ تُ َك ِّذ ِبينِي َف َأرْسَ َل إِلَيْهَا َفلَمَّا دَخَلَتْ‬
‫عَلَيْهِ َذهَبَ يَتَنَاوَلُهَا ِبيَدِهِ َف ُأخِ َذ َف َقا َل ادْعِي ال َّلهَ لِي وَال أ َ ُ‬
‫ضرُّكِ َفدَعَتْ‬
‫ال َّلهَ َف ُأ ْطلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا ال َّثانِيَ َة َف ُأخِ َذ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ َف َقا َل ادْعِي ال َّلهَ لِي وَال‬
‫أَ ُ‬
‫َان‬
‫ضرُّكِ َفدَعَتْ َف ُأ ْطلِقَ َفدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ َف َقا َل إِ َّن ُكمْ لَمْ تَ ْأتُونِي ِبإِنْس ٍ‬
‫‪ -1‬أبو هريرة‪ :‬هو عبد الرمحن بن صخر الدوسي‪ ،‬الصحابي اجلليل‪ ،‬ولد سنة ‪ 41‬قبل اهلجرة‪ ،‬من الستة الكثريين‬
‫للحديث‪ ،‬دعا له رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم باحلفظ‪ ،‬فكان حيفظ فال ينسى‪ ،‬روى (‪ )5374‬حديثاً‪ ،‬تويف سنة ‪57‬هـ‪.‬‬
‫(انظر اإلصابة البن حجر ج‪ 7‬ص ‪.)425‬‬
‫‪22‬‬
‫ص ِّلي َف َأوْمَ َأ‬
‫إِ َّنمَا أَتَيْتُمُونِي ِبشَي َْطا ٍن َف َأخْ َدمَهَا هَاجَرَ(‪َ )1‬ف َأتَتْهُ وَهُوَ َقائِمٌ يُ َ‬
‫ِبيَدِهِ مَهْيَا َقالَتْ رَدَّ ال َّلهُ َكيْدَ الْ َكافِ ِر أَوْ الْ َف ِ‬
‫اج ِر فِي نَحْ ِرهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ)(‪.)2‬‬
‫ومسى اهلل تعاىل صاحبَ موسى عليه السالم الذي صحبه يف البحر‬
‫ْ َ َ ُ ىَ َ‬
‫وس ل ِف َتاهُ} [الكهف‪ ،]60:‬قال ذلك ألنه كان‬
‫َفتاه فقال تعاىل‪ِ{ :‬إَوذ قال م‬
‫َ َ َ َ‬
‫خيدمه يف سفره‪ ،‬ودليله قوله‪{ :‬آت ِنا غداءنا} [الكهف‪ .]62:‬وهو مثال آخر‬
‫للخدمة حيكيها لنا القرآن‪.‬‬
‫وبدأً بقصة سيدنا إبراهيم مروراً بقصة موسى وانتهاءً بسرية نبينا حممد‬
‫عليهم مجيعاً أفضل الصالة والسالم –اليت سنمر عليها فيما بعد– يتبني‬
‫لنا أن اخلدمة أمر تتعاطاه البشرية على مر تارخيها مبا فيهم قدوهتا من‬
‫األنبياء عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬قوله‪( :‬فأخدمها هاجر) أي وهبها هلا لتخدمها ألنه أعظمها أن ختدم نفسها‪ ).‬مهيا‪ :‬معناها ما اخلرب؟‪ .‬ابن حجر‪،‬‬
‫أبو الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالني الشافعي ‪ 852‬هـ ( فتح الباري شرح صحيح البخاري) حتقيق‪ :‬حممد فؤاد‬
‫عبدالباقي‪ ،‬وحمب الدين اخلطيب‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة ‪ 1379‬هـ‪ ،‬ج ‪ 6‬ص‪.394‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪ ،‬أبو عبداهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي ‪256‬هـ (اجلامع الصحيح) حتقيق د‪ .‬مصطفى ديب البغا‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬اليمامة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1407‬هـ ‪1987‬م‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،1225‬برقم‪.3179 :‬‬
‫‪23‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف اخلدمة ً‬
‫لغة واصطالح ًا‬
‫اخلدمة يف اللغة‪:‬‬
‫خلدَّامُ‪ .‬واخلادِمُ‪ :‬واحدُ ا َ‬
‫خلدَم‪ :‬ا ُ‬
‫جاء يف لسان العرب مادة خدم‪( :‬ا َ‬
‫خلدَم‪،‬‬
‫غالماً كان أَو جارية؛ وتَ َخدَّمْتُ خادِماً أَي اختذت‪ ...‬ي َْختَدِم أَي ي َْخدُم نفسه‪.‬‬
‫خَدَمَه ي َْخدُمه ويَخدِمه‪ ...‬خَدْمَ ًة‪ ...،‬وخِدْمة‪ ،‬مَهَنَهُ‪ ،‬والذكر خادم‪ ،‬واجلمع‬
‫خُدَّام‪ .‬وا َ‬
‫خلدَمُ‪ :‬اسم للجمع كالعَز َِب والرَّوَح‪ ،‬واألُنثى خادِم وخادِمة‪ ،‬وخَدَم‬
‫نفسَه ي َْخدُمُها و ي َْخدِمُها كذلك)(‪.)1‬‬
‫واملعنى اللغوي يشري إىل معنى‪ :‬كفاية شخص ‪-‬ذكراً أو أنثى‪ -‬آلخر مهنة‬
‫نفسه‪ ،‬وإذا أضيفت اخلدمة إىل صاحبها صار معناها االعتماد على نفسه‬
‫يف شؤونه‪.‬‬
‫ويف هذا املعنى اللغوي عدة أمور‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬فيه معنى االمتهان واملذلة ملا فيه من االنصياع يف أداء أعمال غريه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أن هذا العمل مرتبط جبهة؛ مبعنى أن العمل حتدده حاجات شخص‬
‫ما مثالً‪ ،‬سواء قلت أو كثرت‪.‬‬
‫واملعنى اللغوي ال عالقة له بسبب اخلدمة هل هي ناشئة عن تعاقد أو‬
‫تسلط أو غري ذلك‪ ،‬وإمنا توحي باملعنيني املشار إليهما سابقاً فقط‪.‬‬
‫وتقييد هذه اخلدمة يف البيوت يف حبثنا جيعل العقد مرتبطاً بأفراد األسرة‬
‫ومصاحلهم يف هذا البيت من عمل داخل جدران البيت كالتنظيف والطبخ‬
‫مثالً‪ ،‬أو خارجه من اخلروج إىل السوق لتأمني حوائج البيت وحوائج أفراد‬
‫األسرة‪ ،‬واالنصياع ألداء هذه املتطلبات‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن منظور‪ ،‬أبي الفضل مجال الدين بن مكرم األفريقي املصري ت‪711‬هـ (لسان العرب)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العربي‪1405 ،‬هـ‪ ،‬مادة‪ ( :‬خدم ) ج ‪ 12‬ص ‪.166‬‬
‫‪24‬‬
‫وأما اخلدمة يف اصطالح الفقهاء‪:‬‬
‫فليس عقد اخلدمة يف البيوت عند الفقهاء سوى عقد إجارة يف غالب‬
‫صوره‪ ،‬يشملها تعريف اإلجارة بعمومه‪ ،‬حيث مل خيصوا عقد اخلدمة يف‬
‫البيوت بتعريف معني‪.‬‬
‫فعرف اإلجارة علماء الشافعية بقوهلم‪( :‬عقد على منفعة مقصودة معلومة‬
‫قابلة للبذل واإلباحة بعوض معلوم «فخرج بـ «منفعة» العني وبـ «مقصودة»‬
‫التافهة كاستئجار بياع على كلمة ال تتعب وبـ «معلومة» القراض واجلعالة‬
‫على عمل جمهول‪ .‬ويقابله ملا ذكر منفعة البضع فإن العقد عليها ال يسمى‬
‫إجارة؛ فلهذا أخرجت بـ «قابلة للبذل» و «بعوض» هبة املنافع والوصية هبا‬
‫والشركة واإلعارة و «مبعلوم» املساقاة واجلعالة على عمل معلوم بعوض‬
‫جمهول كاحلج بالرزق وداللة الكافر لنا على قلعة جبارية منها نعم يرد‬
‫عليه بيع حق املمر وحنوه واجلعالة على عمل معلوم بعوض معلوم)(‪.)1‬‬
‫وعرف اإلجارة علماء احلنفية بقوهلم‪( :‬متليك نفع مقصود من العني‬
‫بعوض)(‪( .)2‬قوله «متليك» جنس يشمل بيع العني واملنفعة وهو وإن كان‬
‫جنسا كما يكون مدخال يكون خمرجا فدخل به العارية ألهنا متليك املنافع‬
‫والنكاح ألنه متليك البضع وليس مبنفعة وبقوله «نفع» متليك العني وقوله‬
‫«بعوض» متام التعريف‪ ...‬قوله «مقصودة» من العني أي يف الشرع ونظر‬
‫العقالء)(‪.)3‬‬
‫وأما معنى اإلجارة عند املالكية فعرفوها بقوهلم‪( :‬حقيقتها‪« :‬متليك منفعة‬
‫‪ -1‬الشربيين‪ ،‬حممد بن امحد اخلطيب الشربيين‪ 977‬هـ (مغين احملتاج إىل معرفة معاني ألفاظ املنهاج)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العربي‪ ،‬طبعة مصطفى البابي مبصر ‪1377‬هـ ‪1958‬م‪ ،‬ج‪2‬ص‪.332‬‬
‫‪ -2‬احلصكفي‪ ،‬عالء الدين حممد بن علي ‪1088‬هـ (الدر املختار شرح تنوير األبصار) (مع حاشية ابن عابدين) القاهرة‪،‬‬
‫مطبعة مصطفى البابي احلليب وأوالده‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1386‬هـ ‪1966‬م‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.4‬‬
‫‪ -3‬ابن عابدين‪ ،‬حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز الدمشقي املفتى احلنفي‪1252‬هـ (حاشية رد احملتار على الدر املختار‬
‫شرح تنوير األبصار) القاهرة‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي احلليب وأوالده‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1386‬هـ ‪1966‬م‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.4‬‬
‫‪25‬‬
‫غري معلومة زمناً معلوماً بعوض معلوم»‪ ...‬اإلجارة تطلق على منافع من‬
‫يعقل واألكرية على منافع من ال يعقل‪ ،‬وقد يطلق أحدمها على اآلخر)(‪.)1‬‬
‫وورد تعريفها عند احلنابلة أهنا‪( :‬بذل عوض معلوم يف منفعة معلومة من‬
‫عني معينة أو موصوفة يف الذمة أو يف عمل معلوم مباحة مدة معلومة(‪.)2‬‬
‫ومما مر من التعريفات نرى أن اختالف تعريفات اإلجارة عند الفقهاء‬
‫ناشئ عن ذكرهم لشروطها أو أنواعها يف التعريف وإال فجميعهم متفقون‬
‫على كوهنا‪:‬‬
‫‪ 1.1‬بيع‪ :‬أي بذل ‪-‬أو متليك– بعوض‪ ،‬فهو عقد معاوضة الحتوائه على‬
‫بدلني‪.‬‬
‫‪ 2.2‬تقع على منفعة‪ :‬أي البيع واقع على املنفعة وليس على ذات العني‬
‫املؤجرة‪.‬‬
‫‪ 3.3‬عدم اجلهالة‪ :‬باألجرة وباملنفعة سواء بتحديدها زماناً أو مكاناً أو‬
‫بتحديد العني املنتفع هبا‪.‬‬
‫إال أن املالكية خصوا لفظ اإلجارة مبنفعة اآلدمي‪ ،‬واصطلحوا على منافع‬
‫غريه بالكراء‪.‬‬
‫مما سبق يتضح لنا أن اإلجارة ال خيتلف تعريفها عند العلماء من حيث‬
‫ارتباطها بنوع العمل‪ ،‬وإذا أردنا أن نقيد التعريف السابق وجنعله خاصاً‬
‫باخلدمة بالبيوت ونستخلص تعريفاً هلذا العقد فنقول‪:‬‬
‫شخص نفسه يف منفعة معلومة‬
‫أن عقد اخلدمة يف البيوت هو‪( :‬بذل‬
‫ٍ‬
‫مرتبطةٍ مبنز ٍل مقابل أج ٍر معلو ٍم) كطهي أو تربية أوالد أو رضاعة طفل‬
‫‪ -1‬احلطاب الرعيين‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن احلطاب الرعيين ‪ 995‬هـ (مواهب اجلليل)‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1398‬هـ ج ‪ 5‬ص ‪.389‬‬
‫‪ -2‬املرداوي‪ ،‬أبو احلسن علي بن سليمان ‪885‬هـ (اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف على مذهب اإلمام أمحد بن‬
‫حنبل) حتقيق حممد حامد الفقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3‬‬
‫‪26‬‬
‫أو حراسة منزل أو غري ذلك‪ ،‬سواء كان هذا العمل داخل املنزل أو خارجه‬
‫ولكنه تابع له‪.‬‬
‫ورمبا أخذت اخلدمة صيغة جعالة‪ :‬وقد عرف علماء الشافعية اجلعالة‬
‫أهنا‪( :‬التزام عوض معلوم على عمل معني معلوم أو جمهول عسر علمه(‪.)1‬‬
‫وقال احلنابلة‪( :‬هي أن جيعل شيئا معلوما ملن يعمل له عمال معلوما أو‬
‫جمهوال من مدة معلومة أو جمهولة)(‪.)2‬‬
‫وعند املالكية‪( :‬وهو أن جيعل الرّجل للرّجل أجراً معلوماً‪ ،‬وال ينقده إيّاه‬
‫على أن يعمل له يف زمن معلوم أو جمهول‪ ،‬ممّا فيه منفعة للجاعل‪ ،‬على‬
‫أ ّنه إن أكمل العمل كان له اجلعل‪ ،‬وإن مل يتمّه فال شيء له‪ ،‬ممّا ال منفعة‬
‫فيه للجاعل إ ّال بعد متامه)(‪.)3‬‬
‫واملالحظ على معظم تعاريف اجلعالة عند الفقهاء؛ معلومية العوض‬
‫واملنفعة وجهالة العمل كماً وكيفاً؛ فهو غري حمدد بزمن وال كيفية‪ ،‬ألن‬
‫املقصود منها هو حتصيل منفعة معلومة مقابل عوض معلوم‪ ،‬وهو أمر‬
‫متضمّن يف تعريف اخلدمة يف البيوت املذكور آنفاً‪ .‬حيث مل يتعرض‬
‫تعريفنا لتقييد العمل وإمنا لتقييد املنفعة‪ ،‬إال أن صورة اجلعالة هنا البد‬
‫هلا أن تكون مرتبطة خبدمة منزلية كما هو مبني يف التعريف‪.‬‬
‫‪ -1‬الشربيين‪ ،‬حممد بن امحد اخلطيب الشربيين‪ 977‬هـ (اإلقناع يف حل ألفاظ أبي شجاع)‪ ،‬حتقيق مكتب البحوث‬
‫والدراسات‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر ‪1415‬هـ ج‪ 2‬ص‪.353‬‬
‫‪ -2‬البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس بن إدريس‪1051‬هـ‪( ،‬الروض املربع شرح زاد املستقنع)‪ ،‬الرياض‪ ،‬نشر مكتبة الرياض‬
‫احلديثة‪1390‬هـ ج‪ 2‬ص‪.431‬‬
‫‪ -3‬اخلرشي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل‪1101‬هـ‪( ،‬حاشية اخلرشي على خمتصر سيدي خليل)‪ ،‬حتقيق الشيخ زكريا‬
‫عمريات‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪1997‬م‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.60‬‬
‫‪27‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالبحث‬
‫هناك عدة ألفاظ ومصطلحات هلا صلة خبدمة البيوت قد تتقاطع معانيها‬
‫مع اخلدمة أو تتطابق‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫لفظ اإلجارة‪ :‬جاء يف لسان العرب مادة أجر‪( :‬واألُجْرَةُ‪ :‬الكراء‪ .‬تقول‪:‬‬
‫است ْأجرتُ الرَّجل‪ ،‬فهو ي ْأجُرُني َّ‬
‫مثانيَ حِج ٍَج أَي‪ :‬يصري أَجريي‪ ...‬قوله‬
‫َْْ‬
‫َ َ ْ ْ َ َُ َ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫جره} [القصص‪]36 :‬؛ أي‪ :‬اختذه‬
‫سبحانه‪{ :‬قالت إِحداهما يا أب ِ‬
‫ت استأ ِ‬
‫َ َ ْ ْ َ َ ُّ َ‬
‫ُ‬
‫أَجرياً؛ {إِن خري من استأجرت القوي األمني} أَي‪ :‬خريَ من استعملت مَنْ‬
‫لَىَ َ ْ َ ْ ُ َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫يَِ‬
‫حج ٍج}‬
‫َق ِويَ على عَمَلِكَ وأَدَّى األمَّانة‪ ،‬قال وقوله‪{ :‬ع أن تأجر يِن ثمان ِ‬
‫[القصص‪ ]27 :‬أَي‪ :‬تكون أَجرياً يل)(‪ .)1‬فمعنى اإلجارة اللغوي واسع يشمل‬
‫استعمال شخص ما يف عمل من األعمال؛ فتكون اخلدمة يف البيوت بعض‬
‫صور اإلجارة‪.‬‬
‫وقد مر سابقا الفرق بني معنى عقدي اخلدمة يف البيوت واإلجارة عند‬
‫الفقهاء حيث يعم معنى لفظ اإلجارة خدمة البيوت وغريها‪ ،‬فبني اخلادم‬
‫واألجري عموم وخصوص‪.‬‬
‫ويستعمل لفظ الكراء مبعنى االستئجار (كرا‪ :‬الكِرْوَةُ والكِراء أَجر‬
‫املست ْأجَر‪ ،)2()...‬ومن العلماء من خص الكراء باستئجار غري العاقل ومنهم‬
‫من عمم معنى الكراء على كل استئجار منافع العاقل أو غريه(‪.)3‬‬
‫أما لفظ املَهنة فهو من مَهَنَ(‪ :)4‬املَهْنة واملِهْنَة واملَهَنَة وامل َ ِهنَ ُة كله‪ :‬احلِ ْذق‬
‫‪ -1‬لسان العرب مادة (أجر) ج ‪ 4‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -2‬لسان العرب‪ :‬مادة (كرا) ج ‪ 15‬ص ‪.218‬‬
‫‪ -3‬وقد مر سابقاً ختصيص املالكية ملعنى الكراء مبنافع ما ال يعقل ص ‪.20‬‬
‫‪ -4‬ابن األثري‪ ،‬أبو السعادات املبارك بن حممد اجلزري‪606‬هـ (النهاية يف غريب األثر) حتقيق طاهر أمحد الزاوي وحممود‬
‫حممد الطناحي‪ ،‬بريوت‪ ،‬نشر املكتبة العلمية ‪1399‬هـ ‪1979‬م‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ .376‬ولسان العرب البن منظور مادة‪( :‬مهن) ج‪13‬‬
‫ص ‪.424‬‬
‫‪28‬‬
‫باخلدمة والعمل وحنوه‪ ...‬مَهَنَهُم يَمْهَنُهم ويَمْهُنُهم مَهْناً ومَهْنَ ًة ومِهْنَ ًة أَي‬
‫خدمهم‪.‬‬
‫واملاهِنُ‪ :‬العبد‪ ،‬واخلادم‪ ...‬وجاء يف احلديث‪ :‬سألت عائشة(‪ )1‬رضي اهلل‬
‫عنها ما كان النيب صلى اهلل عليه و سلم يصنع يف بيته؟ قالت‪« :‬كان‬
‫يكون يف مهنة أهله ‪-‬تعين خدمة أهله‪ -‬فإذا حضرت الصالة خرج إىل‬
‫الصالة»(‪ ،)2‬وحديث عروة(‪ )3‬يظهر بعض تلك األعمال؛ فعن عروة قال‪:‬‬
‫«قلت لعائشة رضي اهلل عنها‪ :‬يا أم املؤمنني أي شيء كان يصنع رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت‪ :‬ما يفعل أحدكم يف مهنة‬
‫أهله؛ خيصف نعله وخييط ثوبه ويرقع دلوه»(‪.)4‬‬
‫وامْتَهَنْتُ الشيء‪ :‬ابتذلته‪ .‬ويقال‪ :‬هو يف مِهْنِة أَهله‪ ،‬وهي اخلدمة‬
‫واالبتذال‪ ...‬وامْتَهَنَ نفسَه‪ :‬ابتذهلا‪.‬‬
‫َ َ ْ خَ ْ ُ ُّ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫ني}‬
‫واملهني‪ :‬الضعيف ومنه قوله تعاىل‪{ :‬ألم نلقكم مِن ماء م ِه ٍ‬
‫[املرسالت‪.]20:‬‬
‫فلفظ املهنة فيه معنى‪ :‬اخلدمة واالبتذال والضعف والصنعة‪ ،‬وهذه املعاني‬
‫أخص من اخلدمة ألن يف املهنة احلذق والصنعة‪ .‬ولكن ميكن أن يطلق‬
‫على اخلدمة مهنة ألهنا من بعض أشكاهلا‪ ،‬كما ورد يف حديث عروة رضي‬
‫اهلل عنه السابق‪.‬‬
‫ولفظ العمل‪ :‬هذه اللفظة تستعمل للداللة على اخلدمة‪ ،‬جاء يف تبيان‬
‫‪ -1‬عائشة‪ :‬بنت أبي بكر الصديق‪ ،‬أم املؤمنني‪ ،‬ولدت سنة تسع قبل اهلجرة مبكة‪ ،‬أسلمت صغرية‪ ،‬أحب نساء النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم إليه‪ ،‬أفقه النساء‪ ،‬روت (‪ )2210‬حديثاً‪ ،‬هلا مناقب كثرية‪ ،‬توفيت باملدينة سنة ‪58‬هـ‪ ،‬ودفنت بالبقيع‪.‬‬
‫(اإلصابة البن حجر العسقالني‪ :‬ج‪ 8‬ص‪.)16‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 1‬ص‪ .239‬رقم احلديث‪.644:‬‬
‫‪ -3‬عروة‪ :‬أبو عبد اهلل ابن الزبريبن العوام بن خويلد بن أسد‪ ،‬وأمه أمساء ابنة أبي بكر الصديق‪ ،‬كان ثقة كثري احلديث فقهيا‬
‫عاليا مأمونا ثبتا‪ ،‬كان برجله أ َ َكل َ ٌة فقطع رجله ( تويف ‪94‬هـ) ( الطبقات الكربى البن سعد (ج‪ 5‬ص‪.)178‬‬
‫‪ -4‬ابن حبان‪ ،‬حممد بن حبان بن أمحد أبو حامت التميمي البسيت‪354‬هـ (صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان) حتقيق شعيب‬
‫األرنؤوط‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1414‬هـ ‪1993‬م ج‪ 12‬ص‪ 490‬رقم احلديث‪..5676 :‬‬
‫‪29‬‬
‫معانيها يف لسان العرب‪( :‬العا ِم ُل‪ :‬هو الذي يت َو َّلى أُمور الرجل يف ماله‬
‫ومِلْكِه وعمَلِه‪.‬‬
‫والعَمَل‪ :‬املِهْنة والفِعْل‪ ،‬واجلمع أَعمال‪ ،‬عَمِ َل عَمَالً‪ ،‬وأَعْمَلَه َغريهُ واسْتَعْمَله‪،‬‬
‫واعْتَمَل الرج ُل‪ :‬عَمِ َل بنفسه؛ واسْتَعْمَ َل فالن غريَه إِذا سَ َأله أَن يَعْمَل له‪،‬‬
‫واسْتَعْمَلَه‪َ :‬طلَب إِليه العَمَل‪ ،‬والعَمَلة‪ :‬القومُ يَعْمَلون ب َأيديهم ضروباً من‬
‫العَمَل يف طني أَو حَ ْف ٍر أَو غريه‪ ،‬وعامَلَه‪ :‬سامَه بعَمَلٍ)(‪ ،)1‬فمعنى لفظ العمل‬
‫عام يشمل اخلدمة وغريها‪.‬‬
‫أما اجلعالة‪ :‬فقد جاء يف معناها‪( :‬وجَعَل له كذا شارطه به عليه‪،‬‬
‫جلعِيلة وا ُ‬
‫جلعال وا َ‬
‫وكذلك جَعَل للعامل كذا‪ .‬وا ُ‬
‫جلعالة وا ِ‬
‫جلعْل وا ِ‬
‫جلعالة‬
‫وا َ‬
‫جلعالة؛‪ ...‬كل ذلك‪ :‬ما جعله له على عمله‪ .‬يقال‪ :‬جَعَل لك جَعْالً وجُعْالً‬
‫وهو األَجر على الشيء فعالً أَو قوالً)(‪.)2‬‬
‫ويبدو من معنى اجلعالة اللغوي أهنا تشبه اإلجارة بكوهنا طلب عمل مقابل‬
‫أجرة‪ ،‬ومن املمكن أن يكون هذا العمل شكل من أشكال اخلدمة‪ ،‬ويطلق‬
‫عندها على عقد اخلدمة عقد جعالة‪ .‬وقد مر يف تعريف اخلدمة عند‬
‫الفقهاء تبيان تداخل معنى اجلعالة مع اخلدمة واإلجارة‪.‬‬
‫هكذا وجدنا أن هذه األلفاظ األربعة‪( :‬اإلجارة واجلعالة واملهنة والعمل)‬
‫تستعمل يف الداللة على اخلدمة يف البيوت‪ ،‬إال أن اإلجارة تشمل معظم‬
‫أحوال اخلدمة‪ ،‬واجلعالة على بعضها‪ ،‬واملهنة والعمل ميكن إطالقها على‬
‫كل أنواع اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫‪ -1‬لسان العرب مادة‪( :‬عمل) ج ‪ 11‬ص ‪.474‬‬
‫‪( -2‬لسان العرب) مادة (جعل) ج ‪ 11‬ص‪.110‬‬
‫‪30‬‬
‫املبحث الثاني‪:‬‬
‫مشروعية اخلدمة وحكمها‬
‫املطلب األول‪ :‬مشروعية اخلدمة‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬حكم اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اخلدمة يف زمن التشريع‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬مشروعية اخلدمة وحكمها‬
‫املطلب األول‪ :‬مشروعية اخلدمة‬
‫اخلدمة يف البيوت باملعنى الذي مرّ هو أمر أقرته الشريعة اإلسالمية‬
‫السمحاء بنصوصها يف القرآن الكريم والسنة املطهرة‪ ،‬وضبطته باألحكام‬
‫واآلداب اخلاصة به‪ ،‬وجرى العمل هبا يف زمن القرون اليت شهد النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم خبرييتها‪ ،‬فعن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ (‪ )1‬رَضِيَ ال َّلهُ عَنْهُمَا‬
‫قال‪َ :‬قا َل رَسُو ُل ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ‪« :‬خَيْرُكم َقرْنِي ثُمَّ ا َّلذِينَ يَلُونَهُمْ‬
‫ثُمَّ ا َّلذِينَ يَلُونَهُمْ»(‪ ،)2‬وأمجع على ذلك علماء املسلمني يف كل عصورهم‪،‬‬
‫باإلضافة إىل أن العقول السليمة هتتدي بالتدبر إىل أن شريع ًة أكملها‬
‫اهلل عز وجل ال ميكن أن تغفل عن مصلحة إنسانية كاخلدمة يف البيوت‪،‬‬
‫وهاك األدلة على الرتتيب‪:‬‬
‫دليلها من القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪ 1.1‬جاء يف سورة القصص حكاية عن قصة سيدنا موسى مع سيدنا‬
‫شعيب عليهما السالم‪ ،‬وفيها تصريح مبشروعية اخلدمة عندما بني لنا‬
‫سبحانه بالقرآن تعاقد سيدنا شعيب مع سيدنا موسى على أن يقوم‬
‫ْ ْ‬
‫َ َ ْ ْ َ َُ َ َ‬
‫َ‬
‫اس َتأج ْرهُ‬
‫ت‬
‫على اخلدمة مثاني سنني فقال تعاىل‪{ :‬قالت إِحداهما يا أب ِ‬
‫ِ‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُّ لأَْ‬
‫ُ‬
‫َ َ ّ ُ ُ َْ‬
‫َّ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫كحك‬
‫إِن خَيرَْ م ِن استأجرت القوِي ا مِني * قال إ ِ يِن أرِيد أن أن ِ‬
‫‪ -1‬عمران بن حصني‪ :‬بن عبيد بن خلف بن عبد هنم ويكنى أبا نُجيد‪ ،‬روى عدة أحاديث‪ ،‬وكان إسالمه عام خيرب‪ ،‬بعثه‬
‫عمر إىل البصرة ليفقه أهلها فبقي هبا إىل أن مات‪ ،‬كان من فضالء الصحابة وفقهائهم‪ ،‬كان يرى احلفظة وكانت تكلمه‪،‬‬
‫وكان جماب الدعوة‪ ،‬تويف ‪52‬هـ (اإلصابة يف متييز الصحابة (ج ‪ 4‬ص ‪.)705‬‬
‫‪ -2‬مسلم‪ ،‬أبو احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري ‪261‬هـ (صحيح مسلم) حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ 1964‬رقم احلديث‪.2535 :‬‬
‫‪32‬‬
‫ْ َ ْ َ يَ َّ َ َينْ لَىَ َ َ ْ ُ َ َ‬
‫ح َ‬
‫ت َع رْشا ً فَ ِمنْ‬
‫جج فَإ ْن َأتْ َم ْم َ‬
‫َ‬
‫يَِ‬
‫إِحدى ابنت هات ِ ع أن تأجر يِن ثمان ِ ٍ ِ‬
‫َ َ َ ُ ُ َ ْ َ ُ َّ َ َ‬
‫َ‬
‫هَّ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫جد يِن إِن شاء الل مِن الص حِ‬
‫ال ِني}‬
‫عِن ِدك وما أرِيد أن أشق عليك ست ِ‬
‫[القصص‪.]26-27:‬‬
‫ْ ْ‬
‫َ َ ْ ْ َ َُ َ َ‬
‫َ‬
‫اس َتأج ْره»ُ‬
‫ت‬
‫يقول القرطيب يف تفسريها‪( :‬قوله تعاىل‪« :‬قالت إِحداهما يا أب ِ‬
‫ِ‬
‫دليل على أن اإلجارة كانت عندهم مشروع ًة معلوم ًة‪ ،‬وكذلك كانت يف كل‬
‫ملة وهي من ضرورة اخلليقة‪ ،‬ومصلحة اخللطة بني الناس)(‪ ،)1‬وقد مر‬
‫سابقاً كالم اإلمام القرطيب بإسهاب أكثر(‪.)2‬‬
‫ويقول اإلمام الكاساني(‪ )3‬عند استدالله هبذه اآلية‪( :‬وما قص اهلل علينا‬
‫من شرائع من قبلنا من غري نسخ يصري شريعة لنا مبتدأة ويلزمنا على أنه‬
‫شريعتنا ال على أنه شريعة من قبلنا ملا عرف يف أصول الفقه)(‪.)4‬‬
‫‪ 2.2‬وأجاز القرآن الكريم االستئجار على الرضاع وهو من أنواع اخلدمة‪،‬‬
‫ْ َ َ ُّ ْ َ َ ْ رَ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ‬
‫كمْ‬
‫ضعوا أوالدكم فال جناح علي‬
‫فقال سبحانه‪ِ{ :‬إَون أردتم أن تست ِ‬
‫َ َ َّ ْ ُ َّ َ ْ ُ ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وف} [البقرة‪ ،]233 :‬وهذا نص على نفي اإلثم‬
‫إِذا سلمتم مآ آتيتم بِالمعر ِ‬
‫{س َّل ْم ُتم َّمآ آتَيْتمُ‬
‫عن التعاقد على اإلرضاع‪ ،‬حيث أشار للتعاقد بقوله‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫(‪)5‬‬
‫بِالمعروف} أي األجرة املتفق عليها واألجرة ال جتب إال بالعقد ‪.‬‬
‫‪ 3.3‬ثم النصوص الواردة جبواز اإلجارة مطلقاً‪ ،‬وهي بعمومها تدل على‬
‫جواز عقد اخلدمة يف البيوت حيث هو أحد وجوهها؛ كقوله تعاىل‪:‬‬
‫ََ َ َ َ َ ً ُ ُ َْ َ َ‬
‫ت لاَ تخََّ ْذ َ‬
‫نق َّض فَأَقَ َ‬
‫ت َعلَيهِْ‬
‫ام ُه قَ َال ل َ ْو ِشئْ َ‬
‫جدارا ي ِريد أن ي‬
‫{فوجدا فِيها ِ‬
‫‪ -1‬القرطيب‪( ،‬اجلامع ألحكام القرآن)‪ ،‬ج‪ 13‬ص ‪.271‬‬
‫‪ -2‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -3‬الكاساني‪ :‬أبو بكر عالء الدين بن مسعود بن أمحد‪ ،‬من كبار علماء احلنفية‪ ،‬من أهم كتبه (بدائع الصنائع يف ترتيب‬
‫الشرائع) وهو شرح لكتاب شيخه السمرقندي (حتفة الفقاء) ومهر ابنته‪ ،‬ويل قضاء حلب (تويف ‪ 587‬هـ)‪( .‬اجلواهر املضية‬
‫يف طبقات احلنفية ج‪1‬ص ‪.)245‬‬
‫‪ -4‬الكاساني‪ ،‬عالء الدين الكاساني‪587‬هـ (بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع) بريوت‪ ،‬دار الكتاب العربي للنشر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1982‬م ج‪ 4‬ص‪.173‬‬
‫‪ -5‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪ .173‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪2‬ص‪.333‬‬
‫‪33‬‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ً‬
‫أجرا} [الكهف‪ ،]77:‬وهذا دليل على صحة اإلجارة وجواز أخذ األجر ‪.‬‬
‫َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ً ّ َّ ّ ُ‬
‫ْ‬
‫وقوله عز وجل‪{ :‬ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال مِن ربِكم}‬
‫(‪)1‬‬
‫[البقرة‪ ]198:‬وقد قيل نزلت اآلية يف حج املكاري فإنه روي عن أبي أمامة‬
‫التيمي(‪ )2‬أنه قال‪ :‬كنت رجال أكري يف هذا الوجه وكان ناس يقولون يل إنه‬
‫ليس لك حج(‪ )3‬فلقيت ابن عمر(‪ )4‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد الرمحن إني رجل أكري‬
‫يف هذا الوجه وإن ناساً يقولون يل إنه ليس لك حج‪ ،‬فقال ابن عمر‪ :‬أليس‬
‫حترم وتليب وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي اجلمار‪ ،‬قال قلت‬
‫بلى قال‪ :‬فإن لك حجا‪ ،‬جاء رجل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فسأله‬
‫عن مثل ما سألتين عنه فسكت عنه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فلم‬
‫َْ َ َ َْ ُ ْ ُ َ ٌ َ ََْ ُ ْ َ ْ ً‬
‫ّ‬
‫جيبه حتى نزلت هذه اآلية‪{ :‬ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال مِن‬
‫ُ‬
‫َّر ّبِك ْم} فأرسل إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وقرأ عليه هذه‬
‫اآلية وقال‪« :‬لك حج»(‪ ،)5‬لذلك قال العلماء‪( :‬عمل املكاري من اإلجارة)(‪.)6‬‬
‫فاألدلة الثالثة السابقة من القرآن تدل على جواز اخلدمة لكوهنا إجارة‬
‫واإلجارة منصوص على جوازها يف القرآن‪ ،‬وصرح القرآن مبشروعية‬
‫االسرتضاع ونفي احلرج على التعاقد عليه وهو من أشكال اخلدمة‪،‬‬
‫وحكى لنا القرآن قصة عقد خدمة حصل بني نبيني من أنبيائه الكرام‬
‫عليهم صلوات اهلل وسالمه‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة‪ ،‬أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي ‪620‬هـ (املغين يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل) بريوت‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1405‬هـ ج‪ 5‬ص‪.250‬‬
‫‪ -2‬أبو امامة التيمي‪ :‬التابعي‪ ،‬ويقال أبو أميمة التيمى روى عنه شعبة‪ ،‬وسئل أبو زرعة عنه فقال كوفى ال بأس به (اجلرح‬
‫والتعديل ألبي حامت الرازي (ج‪ 9‬ص‪.)330‬‬
‫‪( -3‬أكري يف هذا الوجه)‪ :‬أي سفر احلج (ليس لك حج)‪ :‬أي ال يصح حجك مع الكراء‪ .‬العظيم آبادي‪ ،‬أبو الطيب حممد‬
‫مشس احلق (عون املعبود شرح سنن أبي داود) بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1415‬هـ‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.108‬‬
‫‪ -4‬عبد اهلل بن عمر‪ :‬أبو عبد الرمحن عبد اهلل بن عمر بن اخلطاب بن نفيل القرشي العدوى‪ ،‬ولد سنة ثالث من املبعث‬
‫النبوي‪،‬أسلم مع أبيه ومل يكن بلغ يومئذ‪ ،‬شهد له النيب صلى اهلل عليه وسلم بالصالح‪ ،‬وهاجر وهو بن عشر سنني‪ ،‬مات‬
‫سنة أربع ومثانني‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة‪(-‬ج‪ 4‬ص‪.)181‬‬
‫‪ -5‬ابو داود (السنن) ج‪ 2‬ص‪ 142‬حديث رقم‪.1733 :‬‬
‫‪ -6‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.173‬‬
‫‪34‬‬
‫أما دليله من السنة النبوية‪ :‬فاألحاديث يف ذلك كثرية منها‪:‬‬
‫‪ 1.1‬من األحاديث ما يصرح جبواز عقد اخلدمة خبصوصه‪:‬‬
‫فعن يعلى بن أمية(‪ )1‬رضي اهلل عنه قال‪ :‬أذن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم بالغزو وأنا شيخ كبري ليس يل خادم‪ ،‬فألتمس أجريًا يكفيين وأجري له‬
‫سهمه‪ ،‬فوجدت رجالً‪ ،‬فلما دنا الرحيل أتاني فقال‪ :‬ما أدري ما السهمان‪،‬‬
‫وما يبلغ سهمي؟ فسم يل شيئا كان السهم أو مل يكن‪ ،‬فسميت له ثالثة‬
‫دنانري‪ ،‬فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه‪ ،‬فذكرت الدنانري‬
‫فجئت النيب صلى اهلل عليه وسلم فذكرت له أمره‪ ،‬فقال‪« :‬ما أجد له يف‬
‫غزوته هذه يف الدنيا إال دنانريه اليت مسى»(‪ ،)2‬فهذا احلديث يدل على‬
‫جواز االستئجار على اخلدمة حيث أقرها النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫و َقا َل رَسُو ُل ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيهِ وسَ َّلم‪« :‬أفض ُل الصَّدقاتِ ُّ‬
‫ظل ُفسطاطٍ‬
‫هلل ومنيح ُة خاد ٍم يف سبي ِل ا ِ‬
‫يف سبي ِل ا ِ‬
‫هلل»(‪( ،)3‬ويف رواية قال‪« :‬خدمة‬
‫عبد يف سبيل اهلل» أي هبة عبد للمجاهد ليخدمه أو عاريته له)(‪ .)4‬وفيه‬
‫داللة على جواز االستخدام ولو على سبيل اإلعارة إضافة جلعله من باب‬
‫القربات والطاعات‪.‬‬
‫وهناك أحاديث جتعل اخلدمة من حاجات اإلنسان األساسية اليت ال‬
‫تدخل يف باب اإلسراف املنهي عنه شرعاً‪:‬‬
‫‪ -1‬يعلى بن أمية‪ :‬ابن أبي عبيدة بن مهام بن احلارث التميمي‪ ،‬وكنيته أبو خلف‪ ،‬فخرج مع عائشة يف وقعة اجلمل ثم شهد‬
‫صفني مع علي ويقال انه قتل هبا‪ ،‬روى عن النيب صلى اهلل عليه و سلم‪،‬كان عامل عمر على جنران (اإلصابة يف متييز‬
‫الصحابة ‪( -‬ج‪ 6‬ص‪.)685‬‬
‫‪ -2‬ابو داود (السنن) ج‪ 3‬ص ‪ 17‬برقم ‪ .2527‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرطهما‪ ،‬ومل خيرجاه‪.‬‬
‫‪ -3‬الرتمذي‪ ،‬حممد بن عيسى أبو عيسى الرتمذي السلمي‪279‬هـ (اجلامع الصحيح سنن الرتمذي) حتقيق أمحد حممد‬
‫شاكر وآخرون‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪،‬ج ‪ 4‬ص‪ 168‬احلديث رقم ‪ ،1627‬وقال‪ :‬هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ َغريبٌ صحيحٌ‪.‬‏‬
‫‪ -4‬املباركفوري‪ ،‬أبو العال حممد عبد الرمحن بن عبد الرحيم ‪1353‬هـ (حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي) بريوت‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ج ‪ 5‬ص‪.210‬‬
‫‪35‬‬
‫فقد جاءَ معاوي ُة(‪ )1‬إىل أبي هاش ِم ِ‬
‫بن عُتب َة(‪ )2‬وهو مريضٌ يعودُهُ فقال‪ :‬يا‬
‫خا ُل ما يُبكيكَ؟ أوجعٌ يُشئز َُك أو حِرصٌ على الدُّنيا‪ ،‬قال‪ٌّ :‬‬
‫كل ال ولكنْ رَسُو َل‬
‫ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ عَلِيهِ وسَ َّلم عَهدَ إيلَّ عهداً مل آخُ ْذ بهِ قال‪« :‬إ َّنما يَكفيكَ من‬
‫مج ِع املا ِل خادمٌ ومركبٌ يف سبي ِل ا ِ‬
‫هلل وأجدُني اليومَ قد مجعْتُ»(‪.)3‬‬
‫وعن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬من كان لنا عامالً فليكتسب زوج ًة‪،‬‬
‫فإِن مل يكن له خادمٌ فليكتسب خادماً‪ ،‬فإِن مل يكن له مسكنٌ فليكتسب‬
‫مسكنا» قال‪ :‬قال أبو بكر(‪ :)4‬أخربت أن النيبَّ صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«من اختذ غري ذلك فهو ٌّ‬
‫ٌ‬
‫سارق»(‪ .)5‬ويف هذا احلديث تبيان على‬
‫غال أو‬
‫أن الوايل إذا اختذ خادماً ليخدمه يكون قد حصَّل حاجة ال يالم عليها‬
‫وليست من اإلسراف يف النفقة‪ ،‬واحلديث الذي سبقه يؤيد املعنى‪.‬‬
‫وقصة سيدنا علي(‪ )6‬وفاطمة(‪ )7‬رضي اهلل عنهما دليل صريح على جواز‬
‫االستخدام يف البيت فعن ابن أعبد(‪ )8‬قال‪ :‬قال يل عليَّ رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫أال أحدثك عين وعن فاطمة بنت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وكانت‬
‫‪ -1‬معاوية‪ :‬بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي األموي‪ ،‬أمري املؤمنني‪ ،‬ولد قبل البعثة خبمس سنني‪ ،‬كان من‬
‫الكتبة احلسبة الفصحاء حليماً وقوراً‪ ،‬واله عمر الشام‪ ،‬وأخته أم املؤمنني أم حبيبة بنت أبي سفيان‪ ،‬مات معاوية يف رجب‬
‫سنة ستني (اإلصابة يف متييز الصحابة (ج ‪ 6‬ص ‪.)151‬‬
‫‪ -2‬أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد مشس القرشي‪ ،‬وأخو مصعب بن عمري ألمه‪ ،‬أسلم يوم فتح مكة ونزل الشام اىل‬
‫أن مات يف خالفة عثمان‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪( -‬ج ‪ 7‬ص ‪. )422‬‬
‫‪ -3‬الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج‪ 4‬ص ‪ 564‬رقم‪.2327‬‬
‫‪ -4‬أبو بكر الصديق‪ :‬عبد اهلل بن عثمان بن عامر القرشي التميمي أبو بكر الصديق بن أبي قحافة خليفة رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬وصحب النيب صلى اهلل عليه وسلم يف اهلجرة ويف الغار ويف املشاهد كلها‪ ،‬واستقر خليفة بعده‪ُ ،‬ذكر يف‬
‫القرآن‪(:‬إذ يقول لصحابه ال حتزن إن اهلل معنا) كانت وفاته سنة ‪13‬هـ وهو ابن ‪( 63‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪( -‬ج‪4‬‬
‫ص ‪.)169‬‬
‫‪ -5‬ابو داود (السنن) ج‪ 3‬ص ‪ 134‬برقم‪.2945 :‬‬
‫‪ -6‬علي‪ :‬بن أبي طالب بن عبد املطلب بن هاشم القرشي أبو احلسن‪ ،‬أول الناس إسالما‪ ،‬ولد قبل البعثة بعشر سنني فربى‬
‫يف حجر النيب صلى اهلل عليه وسلم ومل يفارقه‪ ،‬وزوجه بنته فاطمة‪ ،‬قتل سنة ‪40‬هـ ومدة خالفته مخس سنني إال ثالثة‬
‫أشهر ونصف‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة (ج ‪ 4‬ص ‪.)564‬‬
‫‪ -7‬فاطمة الزهراء بنت إمام املتقني رسول اهلل حممد بن عبد اهلل بن عبد املطلب بن هاشم اهلامشية صلى اهلل على أبيها‬
‫وآله وسلم ورضي عنها‪ ،‬سيدة نساء العاملني‪ ،‬وكان مولدها قبل البعثة بنحو سنة‪ ،‬وعاشت بعد النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ستة أشهر‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪( -‬ج ‪ 8‬ص ‪.)53‬‬
‫‪ -8‬ابن أعبد امسه علي‪ ،‬وقال علي بن املديين‪ :‬ليس مبعروف وال أعرف له غري هذا‪( .‬عون املعبود ج‪ 6‬ص‪.)466‬‬
‫‪36‬‬
‫من أحبِّ أهله إليه؟ قلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬إهنا جرَّت بالرحى حتى أ ّثر يف يدها‪،‬‬
‫واستقت بالقربة حتى أ َّثر يف حنرها‪ ،‬وكنست البيت حتى اغربّت ثياهبا‪.‬‬
‫فأتى النيبَّ صلى اهلل عليه وسلم خدمٌ فقلت‪ :‬لو أتيت أباك فسألتيه‬
‫خادماً فأتته‪ ،‬فوجدت حُدَّاثاً فرجعت‪ ،‬فأتاها من الغد فقال‪« :‬ما كان‬
‫حاجتك؟» فسكتت‪ .‬فقلت‪ :‬أنا أحدِّثك يا رسول اللّه‪ ،‬جرَّت بالرحى حتى‬
‫أثرت يف يدها‪ ،‬ومحلت بالقربة حتى أثرت يف حنرها‪ ،‬فلما أن جاءك‬
‫اخلدم أمرهتا أن تأتيك فتستخدمك خادماً يقيها حرَّ ما هي فيه‪ .‬قال‪:‬‬
‫«ا ّتق اهلل يا فاطمة‪ ،‬وأدِّي فريضة ربِّك‪ ،‬واعملي عمل أهلك‪ ،‬فإِذا أخذت‬
‫مضجعك فسبِّحي ثالثاً وثالثني‪ ،‬وامحدي ثالثاً وثالثني‪ ،‬وكبِّري أربعاً‬
‫وثالثني‪ ،‬فتلك مائ ٌة فهي خريٌ لك من خاد ٍم» قالت‪ :‬رضيت عن اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬وعن رسوله صلى اهلل عليه وسلم)(‪ .)1‬ففي طلب سيدنا علي رضي‬
‫اهلل عنه داللة على أن اخلدمة يف البيوت عمل مشروع‪ ،‬ومل ينكر ذلك‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم بل أراد البنته الزهراء أال تقصر يف حتصيل‬
‫عظيم األجر الذي تناله يف قيامها على خدمة بيتها بنفسها‪ .‬وقد ذكر أبو‬
‫داود احلديث السابق يف سننه حتت عنوان (احلرص على زيادة األجر عند‬
‫اهلل مبكابدة الواجبات)(‪.)2‬‬
‫‪ 2.2‬ويدل على جواز عقد اخلدمة يف البيوت عموم األحاديث اليت تدل‬
‫على جواز عقد اإلجارة بكونه أحد أشكاله‪:‬‬
‫منها ما روى أبو هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال‪« :‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة‪ :‬رجل أعطى بي ثم‬
‫غدر‪ ،‬ورجل باع حراً فأكل مثنه‪ ،‬ورجل استأجر أجرياً فاستوفى منه ومل‬
‫‪ -1‬ابو داود (السنن) ج‪ 3‬ص‪ 150‬برقم‪.2988 :‬‬
‫‪ -2‬ابو داود (السنن) ج‪ 3‬ص‪ 150‬برقم‪.2988:‬‬
‫‪37‬‬
‫يعطه أجره»(‪.)1‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها أهنا قالت‪( :‬استأجر رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم وأبو بكر رضي اهلل عنه رجال من بين الدئل هاديا خريتا وهو‬
‫على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثالث‬
‫فأتامها فارحتال وانطلق معهما عامر بن فهرية والدليل الدئلي فأخذ هبم‬
‫طريق الساحل)(‪ )2‬ويستدل بفعل النيب صلى اهلل عليه وسلم على اجلواز‪.‬‬
‫وروي أن عليا أجر نفسه من يهودي فاستقى له كل دلو بتمرة حتى بلغ‬
‫بضعاً وأربعني دلوا(‪.)3‬‬
‫وكذا بُعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والناس يؤاجرون ويستأجرون‬
‫فلم ينكر عليهم فكان ذلك تقريرا منه والتقرير أحد وجوه السنة(‪.)4‬‬
‫من خالل هذه األحاديث الشريفة نرى أن اخلدمة يف البيوت ثبتت بالسنة‬
‫العملية والقولية والتقريرية عن النيب صلى اهلل عليه وسلم سواء باإلجارة‬
‫بشكل عام أو باخلدمة بشكل خاص على حنو ال يدع جمال للشك جبوازها‪.‬‬
‫ودليله إمجاع األمة‪:‬‬
‫أمجعت األمة على جواز عقد اإلجارة عموماً وعقد اخلدمة يف البيوت‬
‫خصوصاً حيث تعامل به املسلمون من عهد النبوة إىل يومنا هذا مع إقرار‬
‫العلماء هلذا النوع من التعامل بني الناس وبينوا أحكامه يف فتاواهم املدونة‬
‫منهم واملسموعة عنهم‪ ،‬من غري نكري‪ ،‬إال ما نقل عن األصم(‪ )5‬الذي أنكر‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 2‬ص ‪ ،766‬احلديث رقم‪.2114 :‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 2‬ص‪ ،790‬احلديث رقم‪.2144:‬‬
‫‪ -3‬الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي»)ج‪ 4‬ص‪645‬احلديث رقم‪ 2473:‬وقال هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫‪ -4‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪ .174‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.333‬‬
‫‪ -5‬أبو بكر األصم‪ :‬عبد الرمحن بن كيسان املعتزيل‪ :‬صاحب املقاالت يف األصول ذكره عبد اجلبار اهلمداني يف طبقاهتم‬
‫وقال كان من أفصح الناس وأورعهم وأفقههم وله تفسري عجيب‪ ،‬قلت‪ :‬وهو من طبقة أبي اهلذيل العالف وأقدم منه (لسان‬
‫امليزان ‪( -‬ج‪ 3‬ص‪.)427‬‬
‫‪38‬‬
‫جواز عقد اإلجارة‪ ،‬وهذا اإلنكار ال يؤبه له بعد وقوع اإلمجاع(‪ ،)1‬يقول ابن‬
‫قدامة(‪ )2‬يف املغين‪( :‬أمجع أهل العلم يف كل عصر وكل مصر على جواز‬
‫اإلجارة إال ما حيكى عن عبد الرمحن بن األصم أنه قال ال جيوز ذلك ألنه‬
‫غرر يعين أنه يعقد على منافع مل ختلق وهذا غلط ال مينع انعقاد اإلمجاع‬
‫الذي سبق يف األعصار وسار يف األمصار)(‪.)3‬‬
‫ثم ذكر حكم اخلدمة عند األئمة الفقهاء فقال‪( :‬جيوز أن يستأجر خلدمته‬
‫من خيدمه كل شهر بشيء معلوم وسواء كان األجري رجالً أو امرأةً حرًا أو‬
‫عبدًا وهبذا قال أبو حنيفة(‪ )4‬والشافعي(‪ ...)5‬وقال أمحد(‪ )6‬جيوز للرجل أن‬
‫يستأجر األمة واحلرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر)(‪.)7‬‬
‫وهذا اإلمجاع يزيد التصريح جبواز عقد اخلدمة يف القرآن والسنة وضوحاً‬
‫ويدفع عنه أدنى احتمال للتأويل‪.‬‬
‫ودليله من املعقول‪:‬‬
‫حيث أن املتأمل يف عقد اخلدمة يرى أنه عقد مباح ألمور كثرية منها‪:‬‬
‫‪ -1‬القرطيب‪( ،‬اجلامع ألحكام القرآن) ج‪ 13‬ص‪ .271‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.174‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة‪ :‬موفق الدين أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة املقدسي اجلماعيلي ثم الدمشقي الصاحلي‬
‫احلنبلي صاحب (املغين)‪ ،‬مولده جبماعيل من عمل نابلس سنة ‪541‬هـ‪ ،‬وكان عامل أهل الشام يف زمانه‪ ،‬له املؤلفات‬
‫الغزيرة‪ ،‬تويف سنة ‪620‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز ‪748‬هـ (سري أعالم النبالء)‬
‫حتقيق شعيب األرناؤوط‪ ،‬حممد نعيم العرقسوسي‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة التاسعة ‪1413‬هـ‪ .‬ج ‪ 22‬ص ‪.)165‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 5‬ص‪.250‬‬
‫‪ -4‬أبو حنيفة‪ :‬اإلمام األعظم النعمان بن ثابت بن كاوس بن هرمز‪ ،‬ولد سنة ‪80‬هـ وتويف ببغداد سنة‪150‬هـ‪ ،‬لقي بعض‬
‫الصحابة منهم أنس ابن مالك رضي اهلل عنه‪ ،‬قال الشافعي‪« :‬ما طلب أحد الفقه إال كان عياالً على أبي حنيفة»‪ ،‬ضرب على‬
‫القضاء ومل يقبله‪( .‬اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية) ص ‪.26‬‬
‫ّ‬
‫‪ -5‬الشّافعي‪:‬هو مُحَمَّد بن إدريس بن عبّاس بن عثمان بن شافع اهلامشيّ القرشيّ املطليبّ‪ ،‬أبو عبد اهلل (‪150-204‬هـ)‪ ،‬أحد‬
‫األئمة األربعة‪ ،‬إليه نسبة الشّافعيّة كا ّفة‪ ،‬وُلِدَ يف غزّةَ بفلسطنيَ‪ .‬أفتى وهو ابن عشرينَ سنةٍ‪ ،‬من تصانيفِه‪« :‬األمّ»‪ ،‬و«املسند»‪،‬‬
‫و»الرّسالة»‪( .‬هتذيب األمساء واللغات للنّووي ج‪ 1‬ص‪.)85‬‬
‫‪ -6‬ابن حنبل‪ :‬أبي عبد اهلل أمحد بن حممد بن حنبل بن هالل بن أسد‪،‬إمام الفقه والسنة‪ ،‬قال علي بن املديين‪ :‬أيد اهلل‬
‫هذا الدين برجلني ال ثالث هلما أبو بكر الصديق يوم الردة وأمحد بن حنبل يف يوم احملنة‪ .‬تويف يف سنة إحدى وأربعني‬
‫ومائتني وله سبع سبعون سنة‪( .‬طبقات احلنابلة ‪( -‬ج‪ 1‬ص‪.)4‬‬
‫‪ -7‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.270‬‬
‫‪39‬‬
‫‪ 1.1‬موافقة مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ :‬فاهلل تعاىل إمنا شرع األحكام‬
‫حلاجة الناس إليها ولتحقيق مصاحل العباد هبا‪ ،‬فأحرز هلم مبا أباح‬
‫املنافع ودفع عنهم مبا حرَّم املفاسد‪ ،‬وعقد اخلدمة يف البيوت من العقود‬
‫اليت تقتضيها مصلحة العباد‪ ،‬فهي موافقة ملقاصد الشريعة غري خمالفة‬
‫هلا‪.‬‬
‫‪ 2.2‬نوع من عقود البيع‪ :‬فعقد اخلدمة يف البيوت هو عقد على بيع منفعة‬
‫حمددة ليس فيها غرر وال جهالة فاحشة‪ ،‬وهذا عقد مشروع بأصله‪،‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬وهي نوع من البيع ألهنا متليك من كل واحد منهما‬
‫لصاحبه فهي بيع املنافع؛ واملنافع مبنزلة األعيان ألنه يصح متليكها يف‬
‫حال احلياة وبعد املوت وتضمن باليد واإلتالف ويكون عوضها عينا ودينا‬
‫وإمنا اختصت باسم كما اختص بعض البيوع باسم كالصرف والسلم(‪.)1‬‬
‫‪ 3.3‬عقد اخلدمة باب من أبواب التعاون‪ :‬اليت أُمرنا بأن حنرص‬
‫َ َ َ َ ُ ْ لَىَ ْ ّ َ َّ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ْ لَىَ‬
‫ْ‬
‫اإلث ِم‬
‫رب واتلقوى وال تعاونوا ع ِ‬
‫عليها لقوله سبحانه‪{ :‬وتعاونوا ع ال ِ‬
‫ْ‬
‫َوال ُع ْد َوانِ} [املائدة‪ ،]2:‬حيث جند أن كل طرف يف عقد اخلدمة يف‬
‫البيوت حباجة للعوض املعقود عليه عند الطرف اآلخر‪ ،‬والناس متفاوتون‬
‫يف املواهب واإلمكانات‪ ،‬فاخلادم حباجة لألجرة‪ ،‬واملستخدم حمتاج ملن‬
‫يقوم بشؤون بيته‪ ،‬فكالمها يتعاونان على حتصيل حاجاهتما‪ ،‬وهذا عمل‬
‫مربور يف الشرع‪.‬‬
‫‪ 4.4‬احلاجة إليه‪ :‬فإن احلاجة إىل تعاطي املنافع كاحلاجة إىل تعاطي‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.251‬‬
‫‪40‬‬
‫األعيان فلما جاز العقد على األعيان وجب أن تباح اإلجارة على منافعَ‬
‫حمددةٍ كاخلدمة يف البيوت‪ ،‬وقد ظهرت حاجة الناس إىل ذلك على مر‬
‫الزمان(‪.)1‬‬
‫من خالل ما سبق يتضح لنا جلياً أن عقد اخلدمة يف البيوت من العقود‬
‫املشروعة يف اإلسالم وقد عُرف ذلك من نصوص القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية املطهرة‪ ،‬سواء نظرنا إليه كعقد مستقل للخدمة يف البيوت أو كعقد‬
‫من عقود اإلجارة على منفعة معلومة‪.‬‬
‫وجاء إمجاع األمة على جوازه مظهراً إلباحته ويدفع عنه أي شبهة رمبا‬
‫تثار حوله‪ .‬إضافة إىل أن العقل يرى انسجام عقد اخلدمة يف البيوت مع‬
‫مقاصد الشريعة اإلسالمية وأصوهلا املتعلقة يف العقود‪.‬‬
‫هذا كله فيما إذا كانت صورة اخلدمة عقد إجارة‪ ،‬وهي احلالة الغالبة‬
‫وأما إذا كانت صورة اخلدمة عقد جعالة ففيها خالف عند الفقهاء‪:‬‬
‫حيث تكون اجلعالة على اخلدمة كاشرتاط عوض معلوم على شفاء مريض‪،‬‬
‫يب مادةً علمي ًة حمددة‪ ،‬وهذا التعاقد ليس إجارة ألمور‬
‫أو على تعليم ص ٍ‬
‫منها(‪:)2‬‬
‫‪ 1.1‬أن املنفعة حمددة ولكن مقدار العمل الذي حتتاجه لتحصيلها جمهول‬
‫ومل يتم ضبطه وتعيينه‪ ،‬بينما يلزم يف اإلجارة التعيني والضبط للعمل‪.‬‬
‫‪ 2.2‬إن عقد اجلعالة غري الزم فيصح للعامل الفسخ متى شاء‪ ،‬والعمل‬
‫الزم عليه يف عقد اإلجارة‪.‬‬
‫‪ 3.3‬وإذا فسخ العقد قبل متام العمل سقط كل العوض يف اجلعالة‪ ،‬وال‬
‫يسقط كله يف عقد اإلجارة بل يلزم العوض عما مضى‪.‬‬
‫‪-1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪ .389‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪ .333‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.250‬‬
‫‪ -2‬الدردير‪ ،‬أبو الربكات سيدي أمحد (الشرح الكبري) حتقيق حممد عليش‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ .61‬الشربيين (مغين‬
‫احملتاج) ج‪ 2‬ص‪ .430‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 6‬ص‪.21‬‬
‫‪41‬‬
‫‪ 4.4‬ويصح يف اإلجارة أخذ األجرة قبل إمتام العمل‪ ،‬بينما ال يستحق‬
‫العامل اجلعل إال بعد متام العمل‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء على مشروعية اجلعالة على مذهبني‪:‬‬
‫‪1 .1‬مذهب اجلمهور‪ :‬وهم الشافعية واملالكية واحلنابلة قالوا جبواز‬
‫اجلعالة ودليلهم يف ذلك(‪:)1‬‬
‫َََْ‬
‫{ول َِمن َجاء بهِ مِحْ ُل بَ‬
‫من القرآن الكريم‪ :‬قول اهلل عز وجل‪َ :‬‬
‫ع‬
‫ري وأنا بِهِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ع ٌ‬
‫يم } [يوسف‪ ،]72 :‬وهذا تصريح يف جواز اجلعالة ألن ما ذكره القرآن‬
‫َز ِ‬
‫شرعاً ملن قبلنا فهو شرع لنا ما مل يرد دليل بنسخه‪.‬‬
‫ومن السنة النبوية‪ :‬ما روى أن ناسا من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم أتوا حيا من أحياء العرب فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ‬
‫سيد أولئك فقالوا هل فيكم راق فقالوا مل تقرونا فال نفعل حتى جتعلوا‬
‫لنا جعالً فجعلوا هلم قطيع شياه فجعل رجل يقرأ بأم القرآن وجيمع بزاقه‬
‫ويتفل فربأ الرجل فأتوهم بالشاء فقالوا ال نأخذها حتى نسأل عنها رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فسألوا النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال‪« :‬وما‬
‫أدراك أهنا رقية خذوها واضربوا يل معكم بسهم»(‪ ،)2‬وهو إقرار منه صلى‬
‫اهلل عليه وسلم على صحة عقد اجلعالة‪.‬‬
‫وإلمجاع علماء األمة على صحة اجلعالة يف رد اآلبق(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬الدردير (الشرح الكبري) ج ‪ 4‬ص‪ .61‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪ .430‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 6‬ص‪.20‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 2‬ص ‪ ،795‬رقم احلديث‪.2156:‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 6‬ص‪.23‬‬
‫‪42‬‬
‫عن أبي عمرو الشيباني(‪ )1‬أنه قال‪( :‬كنت قاعداً عند عبد اهلل بن مسعود‬
‫(‪)2‬‬
‫فجاء رجل فقال قدم فالن بإباق من القوم فقال القوم لقد أصاب أجرًا‪،‬‬
‫فقال عبد اهلل رضي اهلل عنه وجعالً إن شاء من كل رأس درمها(‪« )3‬ومل‬
‫ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون إمجاعاً)(‪ )4‬إضافة ملا عرف من (إمجاع‬
‫الصحابة على أصل اجلعل)(‪.)5‬‬
‫وأما من املعقول‪ :‬فإن الناظر يف عقود اجلعالة يالحظ أهنا ال تندرج ضمن‬
‫عقود اإلجارة؛ وذلك لصعوبة ضبط مقدار العمل‪ ،‬وهذه اجلهالة تفسد‬
‫عقد اإلجارة على الرغم من حاجة الناس إىل هذا التعاقد‪.‬‬
‫ومبا أن اجلعالة ال تدخل يف العقود املنهي عنها كالربا‪ ،‬فهي باقية على‬
‫اإلباحة األصلية‪ ،‬إضافة إىل إن التشريع اإلسالمي قد حفظ مصاحل‬
‫العباد ودفع عنهم املفاسد وعقد اجلعالة من مصاحل العباد‪ ،‬فهو موافق‬
‫لروح التشريع‪ ،‬وهو من العقود املباحة بال ريب‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة‪( :‬ألن احلاجة تدعو إىل ذلك فإن العمل قد يكون جمهوال‪،‬‬
‫كرد اآلبق والضالة وحنو ذلك‪ ،‬وال تنعقد اإلجارة فيه واحلاجة داعية إىل‬
‫ردمها‪ ،‬وقد ال جيد من يتربع به فدعت احلاجة إىل إباحة بذل اجلعل فيه‬
‫‪-1‬أبو عمرو‪ :‬سعد بن إياس بن أبي إياس الشيباني‪ ،‬التابعي‪ ،‬أدرك النيب صلى اهلل عليه وسلم وقدم بعده ثم نزل الكوفة‬
‫واتفقوا على توثيقه‪ ،‬عاش مائة وعشرين سنة‪ ،‬مات سنة ست وتسعني‪ ،‬وهو مشهور بكنيته‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة‬
‫(ج‪ 3‬ص ‪.)254‬‬
‫‪ -2‬أبو عبد الرمحن عبد اهلل بن مسعود بن غافل اهلذيل‪ ،‬أحد السابقني األولني أسلم قدميا وهاجر اهلجرتني وشهد بدرا‬
‫واملشاهد بعدها والزم النيب صلى اهلل عليه وسلم وكان صاحب نعليه‪ ،‬وحدث بالكثري‪ ،‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫«من سره أن يقرا القرآن غضا كما نزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد «‪ ،‬مات باملدينة سنة اثنتني وثالثني‪( .‬اإلصابة يف‬
‫متييز الصحابة ‪( -‬ج‪ 4‬ص‪.)233‬‬
‫‪ -3‬الزيلعي‪ ،‬أبو حممد عبداهلل بن يوسف احلنفي ‪762‬هـ (نصب الراية ألحاديث اهلداية) حتقيق حممد يوسف البنوري‪,‬‬
‫القاهرة‪ ،‬نشر دار احلديث ‪ 1357‬هـ ج‪ 3‬ص‪.470‬‬
‫‪ -4‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 6‬ص‪.203‬‬
‫‪ -5‬الزيلعي (نصب الراية ألحاديث اهلداية) ج‪ 3‬ص‪.470‬‬
‫‪43‬‬
‫مع جهالة العمل)(‪ .)1‬وقال‪( :‬ما جاز العوض عليه يف اإلجارة من األعمال‬
‫جاز أخذه عليه يف اجلعالة وما ال جيوز أخذ األجرة عليه يف اإلجارة مثل‬
‫الغناء والزمر وسائر احملرمات ال جيوز أخذ اجلعل عليه)(‪.)2‬‬
‫‪2 .2‬وقال احلنفية‪ :‬بعدم جواز اجلعالة إال يف رد اآلبق‪ ،‬واستدلوا حبديث‬
‫ابن مسعود السابق يف رد اآلبق‪.‬‬
‫وإذا وقعت اإلجارة يف غري رد اآلبق جتري عليها أحكام اإلجارة وال تصح‬
‫جعالة‪ ،‬فقالوا‪( :‬كل شيء عدا جعل االبق فهو اجارة)(‪.)3‬‬
‫وألن اجلعالة يف رد اآلبق وردت على خالف القياس فال يقاس عليها‬
‫غريها‪ ،‬وذكر احلنفية‪( :‬وجوب اجلعل لرد األبق حكم ثبت نصاً خبالف‬
‫القياس بقول الصحابة رضي اهلل عنهم فال يلحق به ما ليس يف معناه من‬
‫كل وجه)(‪.)4‬‬
‫وال خيفى أن مذهب اجلمهور فيه توسعة على الناس إضافة ملا اعتمد‬
‫عليه من أدلة قوية‪ ،‬فاألخذ به يف عقد اخلدمة يف البيت فيه تيسري‬
‫وخاصة يف بعض الصور اليت حتتاج إىل أن تكون صيغتها جعالة ال إجارة‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 6‬ص‪.20‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج ‪ 6‬ص‪.22‬‬
‫‪ -3‬الشيباني‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن احلسن‪189‬هـ (احلجة على أهل املدينة) حتقيق مهدي حسن الكيالني القادري‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬نشر عامل الكتب‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1403‬هـ ج‪ 2‬ص ‪.734‬‬
‫‪ -4‬السرخسي‪ ،‬أبو بكر حممد بن أبي سهل‪483‬هـ (املبسوط) بريوت‪ ،‬دار املعرفة ‪1406‬هـ‪ ،‬ج ‪11‬ص ‪.9‬‬
‫‪44‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬حكم اخلدمة يف البيوت‬
‫للخدمة يف البيوت أحكام خمتلفة قد تصل يف بعض أحواهلا للوجوب‪ ،‬مثل‬
‫خدمة الرجل ألبويه‪ ،‬وخدمة املرأة لبيت زوجها‪ ،‬وخدمة العبد لسيده‪،‬‬
‫وذلك لتعلق حق اخلدمة يف عنق كل من الرجل جتاه أبويه‪ ،‬أو املرأة جتاه‬
‫بيتها‪ ،‬أو العبد جتاه سيده‪.‬‬
‫ورمبا كانت هذه اخلدمة من املباحات يف األحوال العادية وذلك عندما‬
‫ختلو عن أي شبهة شرعية أو منكر‪.‬‬
‫وقد يكون العقد على اخلدمة يف البيوت حمرماً أو مكروهاً إذا دخل عليه‬
‫شبهة أو أمر حمرم‪ ،‬كأن يكون الدافع له املفاخرة والرياء أو جمارات أهل‬
‫البذخ والرتف‪ ،‬أو نتج عنه أذى ألهل البيت سواء يف دينهم أو دنياهم‪ ،‬أو‬
‫رافقه ظلم وتعد على اخلدم وحرماهنم من حقوقهم‪ ،‬وفيما يلي تفصيل‬
‫ِ‬
‫الوجوب أو اإلباحة أو عدم اجلواز‪:‬‬
‫هلذه األحوال مجيعها‬
‫أ ‪ -‬األحوال اليت جتب اخلدمة فيها‪:‬‬
‫‪ 1.1‬خدمة الرجل ألبويه‪:‬‬
‫اخلدمة املقدمة من الولد ‪-‬ذكراً أو أنثى‪ -‬ألحد أبويه أو كليهما واجبة‬
‫عليه؛ وذلك عندما حيتاجان هلا أو بطلب منهما ولو عن غري حاجة‪ ،‬ويقدم‬
‫عندها ما استطاع من أنواع الرعاية فضالً عن اإلكرام والتأدب معهما‪،‬‬
‫ومستند وجوب تقديم اخلدمة هذه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن الشرع اإلسالمي احلنيف أمر االبن برب أبويه واإلحسان إليهما‪،‬‬
‫َ َ ىَ َ ُّ َ َ َّ َ ْ ُ ُ ْ َّ‬
‫اليْن إ ْ‬
‫ال إيَّاهُ َوبال ْ َو دَِ‬
‫ح َسانًا إ َّما َيبْلُ َغنَّ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫قال تعاىل‪{ :‬وقض ربك أال تعبدوا إ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫‪45‬‬
‫َ َ ْ برََ َ َ ُ ُ َ َ ْ الَِ ُ َ َ َ َ ُ َّ ُ َ ُ ّ َ َ‬
‫ال َتنْ َه ْر ُه َما َوقُل ل َّ ُهماَ‬
‫ك أحدهما أو كهما فال تقل لهمآ أ ٍف و‬
‫عِندك ال ِ‬
‫َْ ً َ‬
‫َ ْ ْ َ ُ َ َ َ َ ُّ‬
‫الر مَْ‬
‫حةِ َوقُل َّر ّب ْ‬
‫ار مَحْ ُه َما َكماَ‬
‫ً‬
‫اذل ّل م َِن َّ‬
‫قوال ك ِريما * واخفِض لهما جناح ِ‬
‫ِ‬
‫َر َّب َيان َصغِ ً‬
‫ريا} [اإلسراء‪ ،]23-24:‬وأدنى درجات الرب واإلحسان هو قيام‬
‫يِ‬
‫الولد على خدمة أبويه عند حاجتهما لذلك‪ ،‬أو طل ِبهما للخدمة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬قرن حقهما هذا حبقه سبحانه يف اآليات السابقة وجعله باملرتبة‬
‫الثانية بعده‪ ،‬ومعناه ترتب الوجوب على االبن بطاعة أمرمها إذا طلبا‬
‫خدمته كما جيب طاعة أوامر اخلالق عز وجل‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أوجب اإلسالم على الولد طاعة أبويه وحذر من معصيتهما‪ ،‬وهذا‬
‫خيوهلما طلب اخلدمة من الولد ولو من غري حاجة أو اضطرار هلا‪ ،‬وهو‬
‫ملزم شرعاً ببذهلا هلم من غري تردد‪ ،‬إال إذا أمراه مبعصية‪ ،‬ولقد ألزم‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم عبد بن عمر رضي اهلل عنهما بطاعة أبيه‬
‫عندما أمره أن يطلق زوجته‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمر قال‪( :‬كانت حتيت‬
‫امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أبي أن أطلقها فأبيت فذكرت ذلك‬
‫للنيب صلى اهلل عليه وسلم فقال‪« :‬يا عبد اهلل بن عمر طلق امرأتك»)(‪،)1‬‬
‫قال العلماء‪( :‬فيه دليل صريح يقتضي أنه جيب على الرجل إذا أمره أبوه‬
‫بطالق زوجته أن يطلقها وإن كان حيبها فليس ذلك عذرًا له يف اإلمساك‬
‫ويلحق باألب األم ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قد بني أن هلا من احلق‬
‫على الولد ما يزيد على حق األب)(‪.)2‬‬
‫رابعاً‪ :‬مل يسمح الشرع للولد اخلروج للجهاد إذا مل يأذن له أبواه بذلك ‪-‬إذا‬
‫مل يكن اجلهاد فرض عني عليه‪ -‬وإمنا ذلك حفظاً حلقهما يف اخلدمة(‪،)3‬‬
‫‪ -1‬الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج‪ 3‬ص‪ 494‬احلديث رقم ‪.1189‬‬
‫‪ -2‬املباركفوري (حتفة األحوذي) ج‪ 4‬ص‪.309‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 7‬ص‪ .98‬الشريازي‪ ,‬أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف (املهذب يف فقه اإلمام‬
‫الشافعي) بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ .‬ج‪ 2‬ص‪ .229‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 9‬ص‪.170‬‬
‫‪46‬‬
‫وأوجب عليه قطع صالته النافلة عند نداء أحد أبويه له‪ ،‬ومنع الرجل من‬
‫اجلهاد إذا كان حمبوساً خلدمة أبويه كما يف احلديث‪( :‬أقبل رجل إىل نيب‬
‫ال َّله صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلم فقال‪ :‬أبايعك على اهلجرة واجلهاد أبتغي األجر‬
‫من ال َّله تعاىل‪ ،‬فقال‪« :‬فهل من والديك أحد حي؟» قال‪ :‬نعم بل كالمها‪،‬‬
‫قال‪« :‬فتبتغي األجر من ال َّله تعاىل؟» قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬فارجع إىل والديك‬
‫فأحسن صحبتهما»)(‪.)1‬‬
‫وألجل هذه اخلدمة كان لألبوين حتى منع ابنهما من حج التطوع لكون‬
‫اخلدمة فرض عني يف حق االبن فهي مقدمة على التطوع وفرض الكفاية‪،‬‬
‫قال العلماء‪( :‬وهلما أي األبوين منعه من احلج التطوع ومن كل سفر‬
‫مستحب كاجلهاد أي كما أن هلما منعه من اجلهاد مع أنه فرض كفاية‪ ،‬ألن‬
‫بر الوالدين فرض عني وهو مقدم على املستحب وعلى فرض الكفاية)(‪.)2‬‬
‫خامساً‪ :‬إن امتناع الولد عن اخلدمة عند حاجتهما هلا أو عند طلبها‬
‫منه من أوضح أشكال العقوق اليت جعلها الدين من الذنوب العظيمة اليت‬
‫تستحق سخط اهلل والنقمة منه يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬يقول ابن حجر(‪:)3‬‬
‫(والعقوق بضم العني املهملة مشتق من العق وهو القطع واملراد به صدور‬
‫ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل‪ ،‬إال يف شرك أو معصية‪...‬‬
‫بوجوب طاعتهما يف املباحات فعالً وتركاً واستحباهبا يف املندوبات وفروض‬
‫الكفاية كذلك ومنه تقدميهما عند تعارض االمرين وهو كمن دعته أمه‬
‫ليمرضها مثالً حبيث يفوت عليه فعل واجب إن استمر عندها ويفوت ما‬
‫‪ -1‬مسلم (صحيح مسلم) ج ‪ 4‬ص ‪ 1975‬رقم احلديث ‪.2549‬‬
‫‪ -2‬البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس بن إدريس (كشاف القناع عن منت اإلقناع) حتقيق هالل مصيلحي ومصطفى هالل‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫دار الفكر‪1402‬هـ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.386‬‬
‫‪ -3‬ابن حجر العسقالني‪ :‬هو أمحد بن علي بن حممد الكناني شهاب الدَّيْن‪ ،‬أصله من عسقالن بفلسطني‪ ،‬مولده ووفاته‬
‫بالقاهرة‪ ،‬بدأ أديباً وشاعراً‪ ،‬ثم أقبل على احلديث ورحل يف طلبه‪ ،‬ويل قضاء مصر مرات عديدة ثم اعتزل‪ ،‬مصنفاته‬
‫كثرية جداً منها‪ :‬الدرر الكامنة يف أعيان املئة الثامنة‪ ،‬لسان امليزان‪ ،‬هتذيب التهذيب‪ ،‬فتح الباري (تويف‪ 852‬هـ)‪( .‬األعالم‬
‫للزركلي (ج ‪ 1‬ص ‪.)119‬‬
‫‪47‬‬
‫قصدته من تأنيسه هلا وغري ذلك لو تركها وفعله وكان مما ميكن تداركه‬
‫مع فوات الفضيلة كالصالة أول الوقت أو يف اجلماعة)(‪.)1‬‬
‫سادساً‪ :‬قال مجهور العلماء بأن اخلدمة واجبة ديانة على الولد جتاه أبويه‬
‫وال حيق له أخذ األجرة عليها ولو تعاقدا على ذلك‪ ،‬يقول السرخسي(‪:)2‬‬
‫(وخدمة األب مستحق على االبن دينا وإن مل تكن مستحقا عليه قضاءً‬
‫وهلذا لو استأجر ابنه خلدمته مل يستوجب األجر سواء كان يف عياله أو‬
‫مل يكن فكذلك ال يستوجب اجلعل برد آبقه)(‪.)3‬‬
‫وعند املالكية يستحق األجرة‪ ،‬جاء يف املدونة‪( :‬قلت أرأيت لو أن رجالً‬
‫استأجر ابنه ليخدمه ففعل أتكون لالبن اإلجارة يف قول مالك أم ال قال‬
‫إن كان ابنه هذا قد احتلم فإن اإلجارة لالبن إذا كان قد أجره نفسه ألن‬
‫مالكا قال ال تلزم األب نفقة االبن إذا احتلم)(‪.)4‬‬
‫سابعاً‪ :‬ومن عجائب ما يُلزم اإلسالم الولد خبدمة أبويه ما قاله العلماء‪:‬‬
‫(من الفرائض بر الوالدين وإن كانا فاسقني بالعمل أو االعتقاد وإن كانا‬
‫مشركني أي فيقود األعمى منهما للكنيسة وحيملهما هلا ويعطيهما ما‬
‫ينفقانه يف أعيادمها‪ ،‬فليقل هلما قوال لينا بأن ال يرفع صوته فوق صوهتما‬
‫وليعاشرمها باملعروف أي بكل ما عرف من الشرع اإلذن فيه وال يطعهما‬
‫َ َ َ َ ىلَ َ ُ رْ‬
‫َ‬
‫شك يِب‬
‫يف معصية كما قال اهلل سبحانه وتعاىل {ِإَون جاهداك ع أن ت ِ‬
‫ْ ٌ َلاَ ُ‬
‫َ َْ َ َ َ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫(‪)5‬‬
‫ما ليس لك بِهِ عِلم ف ت ِطعهما} [ لقمان‪. )]15 :‬‬
‫‪ -1‬ابن حجر العسقالني (فتح الباري شرح صحيح البخاري) ج‪10‬ص‪.406‬‬
‫‪ -2‬أبو بكر السرخسي‪ :‬حممد بن أمحد بن أبي سهل مشس األئمة‪ ،‬صاحب (املبسوط) وغريه‪ ،‬أحد فحول األئمة الكبار‪،‬‬
‫كان إماماً عالمة حجة متكلماً فقياً أصولياً مناظراً‪ ،‬أمال املبسوط حنو مخسة عشر جملداً وهو يف السجن بأوزجند‪،‬‬
‫بسبب كلمة حق قاهلا‪ ،‬تويف سنة‪483‬هـ (اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية ص‪.)29‬‬
‫‪ -3‬السرخسي (املبسوط) ج‪11‬ص‪.33‬‬
‫‪ -4‬مالك بن أنس األصبحي (املدونة الكربى) رواية اإلمام سحنون‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪.429‬‬
‫‪ -5‬اآلبي األزهري‪ ،‬صاحل عبد السميع (الثمر الداني يف تقريب املعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القريواني) بريوت‪ ،‬املكتبة‬
‫الثقافية‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.671‬‬
‫‪48‬‬
‫من خالل ما سبق من األدلة يتضح لنا وجوب قيام الولد اخلدمة ألبويه‬
‫إن احتاجا هلا أو طلباها منه ولو من غري حاجة ولكن يشرتط لرتتب‬
‫َ ُ َ َّ ُ َ ْ‬
‫الوجوب‪ :‬أن تكون حبدود استطاعته قال اهلل تعاىل‪{ :‬ال تكلف نف ٌس‬
‫هَّ ُ َ ْ لاَّ‬
‫َّ‬
‫َ ُّ‬
‫الل نف ًسا إ ِ َما‬
‫إِال ُو ْس َع َها} [البقرة‪ ]233:‬وقال سبحانه‪{ :‬ال يُكلِف‬
‫َ َ‬
‫آتاها} [الطالق‪ ،]7:‬وأن ال تكون تلك اخلدمة يف معصية اهلل‪ ،‬قال اهلل‬
‫َ َ َ َ ُ رْ َ َ َ‬
‫َ َ َّ ْ َ لإْ َ َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ً‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫دَِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫شك يِب ما ليس‬
‫سبحانه‪{ :‬ووصينا ا ِ نسان بِواليهِ حسنا ِإَون جاهداك ل ِت ِ‬
‫ْ َلاَ ُ‬
‫َ َ‬
‫لك بِهِ عِل ٌم ف ت ِط ْع ُه َما} [العنكبوت‪ ،]8:‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ال‬
‫طاعة يف املعصية إمنا الطاعة يف املعروف»(‪.)1‬‬
‫‪ 2.2‬خدمة املرأة لبيت زوجها‪:‬‬
‫خدمة املرأة لبيت زوجها من طبخ وكنس ورعاية األوالد يف النظافة‬
‫واإلرضاع مسألة انقسم علماء املسلمني بني ملزم للمرأة باخلدمة وغري‬
‫ملزم أو من يفرق بني امرأة وأخرى‪:‬‬
‫فاملذهب املوجب على املرأة خدمة بيت زوجها‪ :‬هم أبو بكر بن أبي شيبة‬
‫وأبو إسحاق اجلوزجاني وابن تيمية(‪ ،)2‬ويستدل على مذهبهم باألدلة‬
‫التالية(‪:)3‬‬
‫َ َ َ‬
‫َ َّ حَِ ُ َ َ ٌ َ َ ٌ ّ ْ َ‬
‫ْ‬
‫ب بِما حفِظ‬
‫من القرآن قوله تعاىل‪{ :‬فالصالات قان ِتات حاف ِظات ل ِلغي ِ‬
‫اللُ} [النساء‪ ]34:‬قانتات‪ :‬طائعات‪ ،‬فكما جيب على الزوجة حفظ غيبة‬
‫زوجها جيب عليها الطاعة‪.‬‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 6‬ص‪ 2649‬رقم احلديث‪.6830:‬‬
‫‪ -2‬ابن تيمية‪ :‬اإلمام العالمة املفسر عامل حران‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أبي القاسم اخلضر بن حممد بن اخلضر بن علي‬
‫بن عبد اهلل ابن تيمية احلراني‪ ،‬ولد يف حران سنة ‪42‬هـ‪ ،‬وتفقه يف بغداد‪ ،‬تويف سنة ‪622‬هـ (سري أعالم النبالء‪ ،‬ج‪22‬‬
‫ص‪.)290‬‬
‫‪ -3‬ابن تيمية‪ ،‬أبو العباس أمحد عبد احلليم احلراني ‪728‬هـ (فتاوى ابن تيمية يف الفقه) حتقيق عبد الرمحن بن قاسم‬
‫النجدي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬ج‪ 32‬ص‪.260‬‬
‫‪49‬‬
‫َ ْ َ دَِ ُ ُ ْ ْ َ َ ْ َ َ ُ َّ َ ْ َينْ اَ‬
‫ضعن أوالدهن حول ِ كمِلَيِ} [البقرة‪،]233 :‬‬
‫وقوله تعاىل‪{ :‬والوالات ير ِ‬
‫معناه‪( :‬لريضعن فهو أمر بصيغة اخلرب واألمر يفيد الوجوب فظاهره‬
‫يقتضي أن يكون اإلرضاع واجبا عليها شرعا)(‪ ،)1‬فالرضاع من اخلدمة‬
‫الواجبة على الزوجة‪.‬‬
‫كما دل على وجوهبا سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(‪:)2‬‬
‫‪ 1.1‬قصة علي وفاطمة فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم قضى على ابنته‬
‫فاطمة رضي اهلل عنها خبدمة البيت وعلى علي رضي اهلل عنه ما كان‬
‫خارجا من البيت من عم ٍل فقال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬اتقي اهلل يا‬
‫فاطمة وأدي فريضة ربك واعملي عمل أهلك‪.)3(»...‬‬
‫‪ 2.2‬وقول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد ألحد‬
‫ألمرت النساء أن يسجدن ألزواجهن ملا جعل اهلل هلم عليهن من احلق»(‪،)4‬‬
‫وزاد يف رواية أخرى‪« :‬ولو أن رجالً أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إىل‬
‫جبل أمحر أو من جبل أمحر إىل جبل أسود كان عليها أن تفعل»(‪ ،)5‬قال‬
‫ابن قدامة‪( :‬فهذه طاعته فيما ال منفعة فيه فكيف مبؤونة معاشه)(‪.)6‬‬
‫‪ 3.3‬كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يأمر نساءه خبدمته فقال يا عائشة‬
‫اسقينا يا عائشة أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة واشحذيها حبجر(‪،)7‬‬
‫وهذه سنة عملية تدل على حق الزوج يف طلب اخلدمة و بالتايل وجوب‬
‫بذهلا من الزوجة‪.‬‬
‫‪ -1‬السرخسي (املبسوط) ج ‪ 15‬ص ‪.128‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 7‬ص‪.225‬‬
‫‪ -3‬ابو داود (السنن) ج ‪ 3‬ص ‪ 150‬برقم‪ .2988 :‬سبق خترجيه ص‪.37‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق ج ‪ 2‬ص ‪ ،244‬رقم‪.2140 :‬‬
‫‪ -5‬ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويين ‪ 275‬هـ (سنن ابن ماجه) حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫الفكر ج ‪ 1‬ص ‪ 595‬رقم احلديث‪.1852 :‬‬
‫‪ -6‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 7‬ص ‪.225‬‬
‫‪ -7‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 3‬ص ‪ 1557‬برقم‪.1967 :‬‬
‫‪50‬‬
‫‪ 4.4‬وتعظيم األحاديث حلق الرجل على زوجته يف أحاديث كثريةً دالل ٌة‬
‫على وجوب اخلدمة عليها فعن معاذ بن جبل رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬لو تعلم املرأة حق الزوج ما قعدت‪ ،‬ما‬
‫حضر غداؤه وعشاؤه حتى يفرغ »(‪.)1‬‬
‫وعن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬اثنان ال جتاوز‬
‫صالهتما رؤوسهما‪ :‬عبد آبق من مواليه حتى يرجع‪ ،‬وامرأة عصت زوجها‬
‫حتى ترجع»(‪.)2‬‬
‫فهذه األحاديث تدل على حق الزوج على زوجته يف اخلدمة ووجوب الطاعة‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫ومن املعقول‪:‬‬
‫‪ 1.1‬إحتاد املصاحل بني الزوجني وعودة املنافع الناجتة عن العمل يف املنزل‬
‫لكليهما‪ :‬فإن املقصود من عقد النكاح التعاقد على حصول املطلوب‬
‫من الزواج من استعفاف وقيام كل منهما ملا يصلح له‪ ،‬فيصلح الزوج‬
‫للكسب واملرأة لشؤون املنزل ومجيع هذه املنافع تعود لكال الزوجني‬
‫قال السرخسي‪( :‬وهذا ألن بعقد النكاح يثبت االحتاد بينهما فيما هو‬
‫املقصود من النكاح والولد مقصود بالنكاح فكانت هي يف اإلرضاع عاملة‬
‫لنفسها معنىً فال تستوجب األجر على الزوج بالشرط كما يف التقبيل‬
‫واللمس واجملامعة‪ ،‬وهكذا نقول يف سائر أعمال البيت من الطبخ واخلبز‬
‫والغسل وما يرجع منفعته إليهما)(‪.)3‬‬
‫‪ 2.2‬وجوب الطاعة للزوج وحرمة املعصية يستلزم وجوب اخلدمة‪ :‬إذ‬
‫‪ -1‬الطرباني‪ ،‬أبو القاسم سليمان بن أمحد بن أيوب ‪ 360‬هـ (املعجم الكبري) حتقيق محدي بن عبد اجمليد السلفي‪ ،‬املوصل‪،‬‬
‫مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1404‬هـ‪ ،‬ج‪20‬ص ‪ 160‬رقم احلديث‪.333 :‬‬
‫‪ -2‬احلاكم‪ ،‬أبو عبداهلل حممد بن عبداهلل النيسابوري ‪405‬هـ (املستدرك على الصحيحني) حتقيق مصطفى عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1411‬هـ ‪1990‬م‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ 191‬رقم احلديث‪.7330 :‬‬
‫‪ -3‬السرخسي (املبسوط) ج ‪ 15‬ص ‪.128‬‬
‫‪51‬‬
‫ليس من املعقول أن يوجب الشرع طاعة الزوجة لزوجها ثم ال يلزمها‬
‫باخلدمة‪ ،‬ألن الطاعة تتضمن معنى اخلدمة لبيت الزوج‪.‬‬
‫‪ 3 .3‬وكما ترتب على وجوب طاعة األبوين وجوب خدمتهما؛ فإن هذه‬
‫الطاعة انتقلت بعقد النكاح للزوج فانتقلت اخلدمة كذلك للزوج بانتقاله‪،‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬كما جتب طاعة األبوين فإن كل طاعة كانت للوالدين‬
‫انتقلت إىل الزوج ومل يبق لألبوين عليها طاعة)(‪.)1‬‬
‫أما املذهب الذي ال يوجب على املرأة خدمة بيت زوجها‪ :‬وهم الشافعية‬
‫واحلنابلة فإن عملت يف خدمة منزهلا كانت متربعة وليس الزما عليها‪،‬‬
‫واستدلوا على ذلك بأدلة منها‪:‬‬
‫‪ 1 .1‬أن الشرع مل يأمر املرأة باخلدمة‪ :‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬حق‬
‫الزوج على الزوجة أن ال هتجر فراشه وأن ترب قسمه وأن تطيع أمره وأن‬
‫ال خترج إال بإذنه وأن ال تدخل عليه من يكره»(‪ ،)2‬جاء يف فيض القدير‪:‬‬
‫(ويؤخذ من اقتصاره على هذه اخلمسة أنه ال جيب عليها أن ختدمه‬
‫اخلدمة اليت اضطردت هبا العادة‪ ،‬وهو مذهب الشافعية‪ ...‬وأما ما‬
‫جرت به عادة النساء‪ ،‬يف األعصار واألمصار‪ ،‬والبالد والقرى‪ ،‬والعجم‬
‫والعرب‪ ،‬من زمن املصطفى صلى اهلل عليه وسلم إىل اآلن‪ ،‬فهو بر‬
‫وإحسان من جانب النساء‪ ،‬ومساحم ُة صُحْبَةٍ منهن لألزواج)(‪.)3‬‬
‫‪ 2.2‬ال ميكن االستدالل مبا كان عليه النساء يف زمن التشريع فإنه كان‬
‫مكرمة منهن ال يدل على الوجوب‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬فأما قسم النيب‬
‫‪ -1‬ابن تيمية (فتاوى ابن تيمية يف الفقه) ج ‪ 32‬ص‪.261‬‬
‫‪ -2‬الطرباني (املعجم الكبري) ج‪ 2‬ص‪ 52‬رقم احلديث‪.1258 :‬‬
‫‪ -3‬املناوي‪ ،‬عبد الرؤوف (فيض القدير شرح اجلامع الصغري) مصر‪ ،‬املكتبة التجارية الكربى‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1356‬هـ‪ ،‬ج‬
‫‪ 3‬ص ‪.391‬‬
‫‪52‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بني علي وفاطمة فعلى ما تليق به األخالق املرضية‬
‫وجمرى العادة ال على سبيل اإلجياب كما قد روي عن أمساء(‪ )1‬بنت أبي‬
‫بكر أهنا كانت تقوم بفرس الزبري وتلتقط له النوى وحتمله على رأسها‬
‫ومل يكن ذلك واجبا عليها وهلذا ال جيب على الزوج القيام مبصاحل خارج‬
‫البيت وال الزيادة على ما جيب هلا من النفقة والكسوة ولكن األوىل هلا‬
‫فعل ما جرت العادة بقيامها به ألنه العادة وال تصلح احلال إال به وال‬
‫تنتظم املعيشة بدونه)(‪ .)2‬وقال ابن حجر‪( :‬ال جيب عليها لكن يؤخذ منه‬
‫أن العادة جارية بذلك فلذلك مل ينكره النيب صلى اهلل عليه وسلم)(‪.)3‬‬
‫‪ 3.3‬الالزم بعقد النكاح االستمتاع فقط‪ :‬وهو مقتضى عقد النكاح‪ ،‬قال‬
‫ابن قدامة‪( :‬ولنا إن املعقود عليه من جهتها االستمتاع فال يلزمها غريه‬
‫كسقي دوابه وحصاد زرعه)(‪.)4‬‬
‫‪ 4.4‬من طبع املرأة القيام على خدمة بيتها فال حتتاج إللزام الشرع‪ ،‬قال‬
‫الشربيين(‪( :)5‬فإن قيل الزوجة ال يلزمها خدمة زوجها وإن وعدت رمبا‬
‫ال تفي‪ ،‬أجيب بأن طبعها يدعوها إىل خدمته والوازع الطبعي أقوى من‬
‫الشرعي فقدم عليه)(‪.)6‬‬
‫‪ 5.5‬وردوا عن االستدالل حبديث فاطمة رضي اهلل عنه بأنه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم أمر مبا هو معتاد أو مبا تدعوا إليه مكارم األخالق‪ ،‬قال ابن‬
‫قدامة‪( :‬فأما قسم النيب صلى اهلل عليه وسلم بني علي وفاطمة فعلى‬
‫‪ -1‬أمساء بنت أبي بكر الصديق‪ ،‬والدة عبد اهلل بن الزبري بن العوام‪،‬أسلمت قدميا مبكة قال بن إسحاق بعد سبعة عشر‬
‫نفسا وتزوجها الزبري بن العوام‪،‬وكانت تلقب ذات النطاقني‪ ،‬بلغت أمساء مائة سنة مل يسقط هلا سن ومل ينكر هلا عقل ماتت‬
‫بعد ابنها بعشرين يوما (اإلصابة يف متييز الصحابة ج‪ 7‬ص ‪.)486‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 7‬ص ‪225‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬ابن حجر العسقالني‪( ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري) ج ‪ 9‬ص ‪123‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 7‬ص ‪.225‬‬
‫‪ -5‬اخلطيب الشربيين‪ :‬حممد بن امحد الشربيين مشس الدين‪ ،‬تويف ‪ 977‬هـ‪ ،‬فقيه شافعي‪ ،‬مفسر‪،‬من أهل القاهرة‪ ،‬له‬
‫تصانيف منها (السراج املنري) يف تفسري القرآن‪ ،‬و(اإلقناع يف حل ألفاظ أبي شجاع)‪( .‬األعالم للزركلي ‪( -‬ج ‪ 6‬ص ‪.)6‬‬
‫‪ -6‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 3‬ص ‪.160‬‬
‫‪53‬‬
‫ما تليق به األخالق املرضية وجمرى العادة ال على سبيل اإلجياب‪ ...‬ومل‬
‫يكن ذلك واجبا عليها‪ ...‬ولكن األوىل هلا فعل ما جرت العادة بقيامها به‬
‫ألنه العادة وال تصلح احلال إال به وال تنتظم املعيشة بدونه)(‪.)1‬‬
‫واملذهب الثالث التفريق حبسب حال املرأة‪ :‬وهم احلنفية واملالكية وبعض‬
‫الشافعية(‪:)2‬‬
‫فقالوا إن كانت من أهل املكانة‪ ،‬حيتاج مثلها خلادمة وجب على زوجها‬
‫إحضار خادمة هلا‪ ،‬ودليلهم‪:‬‬
‫ُ‬
‫{لُنفِ ْق ذو َس َع ٍة ّمِن َس َعتِهِ} [الطالق‪ ]7:‬يبني اهلل‬
‫‪ 1.1‬قوله تعاىل‪ :‬يِ‬
‫سبحانه أن النفقة الواجبة على الزوج هي حبدود استطاعته‪ ،‬وباملقدار‬
‫الذي مكنه اهلل منه ووسع عليه فيه‪ ،‬فإذا كان باستطاعته إخدام زوجته‬
‫كان عليه أن حيضر هلا من يقوم على خدمتها‪ ،‬حيث أوجب الشرع على‬
‫الرجل أن ينفق من وسعه وال حيق له التقتري عن ذلك بإنفاق نفقة املقل‬
‫مع توسيع اهلل عليه باملال‪ ،‬فإن كان مثله لزوجته خادم حق لزوجته أن‬
‫تلزمه خبادم‪ ،‬وال ننسى أن حال املرأة صار من حال زوجها بعد انتقاهلا‬
‫إىل بيته‪.‬‬
‫َ اَ ُ ُ َّ ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وف} [النساء‪ ]19:‬ومن حسن‬
‫‪ 2.2‬وقوله تعاىل‪{ :‬وع رِشوهن بِالمعر ِ‬
‫املعاشرة بني الزوج وزوجه أن يكفيها مؤونة خدمة البيت خبادمة تتحمل‬
‫عنها مشا ّقه‪ ،‬ولتأذيها باخلدمة ألهنا مل تعتدها يقول الشربيين‪( :‬وجيب‬
‫عليه ملن ‪-‬أي لزوجة حرة‪ -‬ال يليق هبا خدمة نفسها بأن كانت ممن‬
‫تُخدم يف بيت أبيها مثال لكوهنا ال يليق هبا خدمة نفسها يف عادة البلد‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 7‬ص ‪.225‬‬
‫‪ -2‬الشريازي (املهذب) ج ‪ 2‬ص ‪.162‬‬
‫‪54‬‬
‫كمن خيدمها أهلها أو ختدم بأمة أو حبرة أو مستأجرة أو حنو ذلك‪...‬‬
‫ألنه من املعاشرة باملعروف وذلك إما حبرة أو أمة له)(‪،)1‬‬
‫َُْ ْ ْ‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫‪ 3.3‬وقوله تعاىل‪{ :‬وأمر بِالعر ِف} [األعراف‪ ]199:‬فقد أمر الشرع باألخذ‬
‫بالعرف ألن فيه حفاظاً على مصاحل العباد‪ ،‬فإن كان العرف أال تعمل‬
‫هذه الزوجة يف خدمة بيت زوجها لزم على زوجها إخدامها خبادم يقوم‬
‫على شؤون بيتها‪.‬‬
‫‪ 4.4‬يف تكليف املرأة الشريفة خدمة البيت إيذاءٌ هلا ألهنا ليس من عادهتا‬
‫أن تتحمل خدمة املنزل‪ ،‬وقيامها على اخلدمة بنفسها جتريح ملكانتها‬
‫ومكانة زوجها‪ ،‬فيلزم إحضار خادم هلا دفعاً لألذى عنها‪ ،‬يقول الدردير‬
‫(‪)2‬‬
‫يف شرحه‪( :‬وجيب عليه إخدام أهله أي أهل اإلخدام بأن يكون الزوج‬
‫ذا سعة وهي ذات قدر ليس شأهنا اخلدمة أو هو ذا قدر تزري خدمة‬
‫زوجته به فإهنا أهل لإلخدام هبذا املعنى فيجب عليه أن يأتي هلا خبادم‬
‫وإن بكراء ولو بأكثر من واحدة إذا مل تكف الواحدة)(‪.)3‬‬
‫‪ 5.5‬للعرف قوة الشرط يف العقود‪ ،‬فزواج الرجل من امرأة شريفة مل‬
‫يعتد مثلها اخلدمة‪ ،‬جيعل للعرف هذا حكم اشرتاط اإلخدام يف عقد‬
‫نكاحها وهو شرط ملزم للزوج‪.‬‬
‫• •وشرط املالكية قدرة الزوج فإن عجز عن اإلخدام مل يلزم‪ ،‬يقول‬
‫احلطاب(‪( :)4‬بشرط أن يكون الزوج متسعا له خدام كما قال يف الرسالة‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 3‬ص ‪.434‬‬
‫‪ -2‬الدردير‪ :‬أمحد بن حممد بن أمحد العدوي‪ ،‬أبو الربكات الشهري بالدردير‪ :‬فاضل‪ ،‬من فقهاء املالكية‪ .‬ولد يف بين عدي‬
‫(مبصر) وتعلم باالزهر‪ ،‬وتويف بالقاهرة‪ .‬من كتبه (أقرب املسالك ملذهب االمام مالك) و جملدان يف شرح خمتصر خليل‬
‫يف الفقه (تويف ‪ 1201‬هـ) (األعالم للزركلي (ج ‪ 1‬ص ‪.)244‬‬
‫‪ -3‬الدردير (الشرح الكبري) ج ‪ 2‬ص ‪.510‬‬
‫‪ -4‬احلطاب‪ :‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن الرعينى‪ ،‬املعروف باحلطاب‪ :‬فقيه مالكي‪ ،‬من علماء‬
‫املتصوفني‪ ،‬أصله من املغرب ولد واشتهر مبكة‪ ،‬ومات يف طرابلس الغرب‪ .‬من كتبه (قرة العني بشرح ورقات إمام احلرمني)‬
‫يف االصول‪ ،‬و(حترير الكالم يف مسائل االلتزام) و(مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل) ست جملدات‪ ،‬يف فقه املالكية‬
‫(تويف ‪ 954‬هـ)‪( .‬األعالم للزركلي (ج ‪ 7‬ص ‪.)58‬‬
‫‪55‬‬
‫وإن اتسع فعليه إخدام زوجته‪ ...‬فيعلم أنه إمنا جيب حيث تكون له‬
‫قدرة عليه)(‪.)1‬‬
‫ومل يشرط ذلك الشافعية فأوجبوه على الزوج يف كل األحوال ألهنم‬
‫جعلوها كسائر النفقات الواجبة على الزوج‪ ،‬قال الشربيين‪( :‬وسواء يف‬
‫هذا أي وجوب اإلخدام موسر ومتوسط ومعسر ومكاتب وعبد‪ ،‬كسائر‬
‫املؤن ألن ذلك من املعاشرة باملعروف املأمور هبا)(‪.)2‬‬
‫• •وفيما سوى هذه احلالة _أي وجوب اإلخدام على الزوج_ فخدمة‬
‫منزل الزوج تلزم هبا تديناً وال تلزم هبا قضاءً يف املذهب احلنفي‪ ،‬قال‬
‫السرخسي‪( :‬وأن أبت أن ترضع مل تكره على ذلك ألن املستحق عليها‬
‫بالنكاح تسليم النفس إىل الزوج لالستمتاع وما سوى ذلك من األعمال‬
‫تؤمر به تدينا وال جترب عليه يف احلكم حنو كنس البيت وغسل الثياب‬
‫والطبخ واخلبز فكذلك أرضاع الولد)(‪.)3‬‬
‫بينما يطلب منها اخلدمة يف املذهب املالكي استحباباً وندباً‪ ،‬يقول‬
‫احلطاب‪( :‬وال خالف يف استحباب خدمتها بنفسها تربعا ألنه معونة‬
‫للزوج وهي مندوب إليها أيضا)(‪.)4‬‬
‫أما اختالفهم بني الندب والوجوب فيما دون ذلك فكل فريق مشى يف‬
‫محل أدلة األمر باخلدمة السابقة على الوجوب ديانة أو على الندب‪.‬‬
‫ويتعلق باالستخدام بعض األمور منها(‪:)5‬‬
‫• •املسؤول عن تعيني اخلادم هو الزوج ألنه هو صاحب القوامة يف‬
‫البيت‪ ،‬وألنه ال حيق هلا أن تأذن يف دخول املنزل ألحد إال بإذن زوجها‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج ‪ 4‬ص ‪.184‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 3‬ص ‪.433‬‬
‫‪ -3‬السرخسي (املبسوط) ج ‪ 5‬ص ‪.209‬‬
‫‪ -4‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج ‪ 4‬ص ‪.184‬‬
‫‪ -5‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 3‬ص ‪ ،434‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 8‬ص ‪.160‬‬
‫‪56‬‬
‫لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬وال تأذن يف بيته إال بإذنه»(‪ ،)1‬لكن‬
‫يستثنى من ذلك فيما إذا أحضرت خادمتها معها اليت ألفتها قبل النكاح‪،‬‬
‫فمن املعاشرة باملعروف أن يدعها هلا‪ ،‬إال إن ظهرت له ريبة أو خيانة‬
‫فله اإلبدال‪.‬‬
‫• •وال تستطيع أن تلزم زوجها بأكثر من خادم‪ ،‬ولو كان من نفقتها‬
‫اخلاصة ألهنا احتاجت ملن ينوب عنها باخلدمة وهذا حيصل بشخص‬
‫واحد‪ ،‬إال إذا رضي بذلك زوجها‪ ،‬إال أن املالكية قالوا‪ :‬إن احتاجت ألكثر‬
‫من خادم كان على الزوج أن خيدمها مبا يصلح أمرها‪.‬‬
‫وبعد النظر يف املذاهب السابقة واالطالع على أدلتها أالحظ‪:‬‬
‫أن املذهب احلنفي أخذ جبميع النصوص واألدلة ومجع بينها‪ ،‬فحملوا أدلة‬
‫وجوب خدمة املنزل على الزوجة على الوجوب ديان ًة ال قضاءً حبيث ال‬
‫يستطيع الزوج إجبارها على ذلك‪.‬‬
‫ثم أعطوا العرف قوة الشرط يف إلزام الزوج يف عقد الزواج بإخدام زوجته‬
‫لكوهنا ممن اعتادت االعتماد على اخلدم يف شؤون املنزل‪.‬‬
‫وقد مر معنا قول ابن قدامة وهو يرد على من يقول بوجوب اخلدمة على‬
‫الزوجة شارحاً حديث فاطمة رضي اهلل عنها‪( :‬فأما قسم النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم بني علي وفاطمة فعلى ما تليق به األخالق املرضية وجمرى‬
‫العادة ال على سبيل اإلجياب) إىل أن قال‪( :‬ولكن األوىل هلا فعل ما جرت‬
‫العادة بقيامها به ألنه العادة وال تصلح احلال إال به وال تنتظم املعيشة‬
‫بدونه)(‪ )2‬فإن كان صالح حال الناس ال يتحقق إال هبذه اخلدمة فكيف يرى‬
‫‪ -5‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج ‪ 5‬ص ‪ ،1994‬رقم احلديث‪.4899 :‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 7‬ص ‪.225‬‬
‫‪57‬‬
‫عدم وجوهبا؟! وشرْعُ اهلل إمنا جاء لصيانة مصاحل العباد‪.‬‬
‫وهبذا يظهر يل أن أعدل املذاهب يف هذه املسألة وأرجح للعمل به هو‬
‫مذهب احلنفية‪.‬‬
‫‪3 .3‬إخدام الزوجة عندما حتتاج للخدمة‪:‬‬
‫أما إن احتاجت املرأة للخدمة فقد اتفقت مذاهب العلماء على وجوب‬
‫إخدامها‪ ،‬إذ رمبا حتتاج املرأة إىل اخلدمة بسبب مرض أو غريه فيشق‬
‫عليها القيام بشؤون بيتها وحتى بشؤون نفسها وليس مثة من يكفيها ذلك‬
‫ممن يلزمه خدمتها كابن أو عبد‪ ،‬وعندها يكون هلا احلق بأن تلزم زوجها‬
‫ّ‬
‫املشاق‪ ،‬بغض النظر عن حال املرأة سواءٌ كانت‬
‫بإحضار خادم يكفيها تلك‬
‫ممن ختدم عادةً أم ال‪.‬‬
‫ودليل ذلك‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أن اخلدمة صارت من حاجة الزوجة بسبب مرضها وعجزها‪،‬‬
‫وأصبحت من مجلة النفقة الواجبة على الزوج وحاجتها إليها كحاجتها‬
‫إىل الطعام والشراب‪.‬‬
‫‪ 2.2‬إن األذى الالحق بالزوجة من خدمتها بيت زوجها مع املرض أعظم‬
‫من الضرر الناشئ عن خدمة من ال تليق هبا اخلدمة‪ ،‬يقول الشربيين‪:‬‬
‫(فإن احتاجت حرة كانت أو أمة إىل خدمة ملرض هبا أو زمانة وجب‬
‫إخدامها‪ ،‬ألهنا ال تستغين عنه فأشبهت من ال تليق هبا خدمة نفسها بل‬
‫أوىل ألن احلاجة أقوى)(‪.)1‬‬
‫‪ 3.3‬إن من املعاشرة باملعروف أن يكفي الزوج زوجته املريضة مشاق‬
‫اخلدمة بإحضار من خيدمها‪ ،‬يقول ابن قدامة‪( :‬فإن كانت املرأة ممن‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 3‬ص ‪.434‬‬
‫‪58‬‬
‫ال ختدم نفسها لكوهنا من ذوي األقدار أو مريضة وجب هلا خادم لقوله‬
‫َ اَ ُ ُ َّ ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وف} [النساء‪ ]19:‬ومن العشرة باملعروف أن‬
‫تعاىل‪{ :‬وع رِشوهن بِالمعر ِ‬
‫يقيم هلا خادما وألنه مما حتتاج إليه يف الدوام فأشبه النفقة)(‪.)1‬‬
‫‪ 4.4‬خدمة العبد لسيده‪:‬‬
‫خدمة العبد واجبة عليه جتاه سيده‪ ،‬وذلك ضمن الضوابط الشرعية‬
‫هلذه اخلدمة‪ ،‬وقد عد الشرع اإلسالمي هروبه من اخلدمة ذنب عظيم‬
‫وكبرية من الكبائر وتوعده على هذه الفعلة بعقوبات منها‪ :‬وقوعه بسخط‬
‫اهلل وعدم قبوله لصالته حتى يعود لسيده واستحقاقه للعقوبة الدنيوية‬
‫واألخروية‪.‬‬
‫ففي احلديث عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬أميا عبد أبق‬
‫فقد برئت(‪ )2‬منه الذمة»(‪ )3‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إذا أبق العبد مل‬
‫تقبل(‪ )4‬له صالة»(‪ )5‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬أميا عبد أبق من مواليه‬
‫فقد كفر(‪)6‬حتى يرجع إليهم»(‪.)7‬‬
‫وهلذا فقد عدها اإلمام الذهيب(‪ )8‬الكبرية السابعة واخلمسون من كتابه‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 8‬ص ‪.160‬‬
‫‪( -2‬أي استحقاقه العقوبة)‪ ،‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن شرف بن مري ‪ 676‬هـ ( صحيح مسلم بشرح النووي ) بريوت‪،‬‬
‫دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1392‬هـ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.58‬‬
‫‪ -3‬مسلم (صحيح مسلم) ج ‪ 1‬ص ‪ 83‬رقم احلديث‪.69 :‬‬
‫‪( -4‬وال يلزم من عدم القبول عدم الصحة فصالة اآلبق صحيحة غري مقبولة‪ ...‬صحيحة ال ثواب فيها) النووي (صحيح‬
‫مسلم بشرح النووي) ج ‪ 2‬ص ‪.58‬‬
‫‪ -5‬مسلم (صحيح مسلم) ج ‪ 1‬ص ‪ 83‬رقم احلديث‪.70 :‬‬
‫‪ -6‬قال النووي يف معنى الكفر هنا‪( :‬وفيه أقوال أصحها أن معناه هنا من أعمال الكفار وأخالق اجلاهلية والثانى أنه يؤدى‬
‫إىل الكفر والثالث أنه كفر النعمة واإلحسان والرابع أن ذلك فى املستحل)‪ ،‬النووي (صحيح مسلم بشرح النووي ) ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.57‬‬
‫‪ - 7‬مسلم ( صحيح مسلم ) ج‪ 1‬ص ‪ 83‬رقم احلديث‪.68 :‬‬
‫‪ -8‬الذهيب‪ :‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز الرتكماني األصل ثم الدمشقي‪ ،‬احلافظ مشس الدين‬
‫الذهيب‪ ،‬مهر يف فن احلديث ومجع فيه اجملاميع املفيدة الكثري حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا‪ ،‬مثل‪(:‬سري النبالء)‬
‫و(ملخص التاريخ) وغري ذلك‪ ،‬وويل تدريس احلديث‪ ،‬كان عالمة زمانه يف الرجال وأحوهلم حديد الفهم ثاقب الذهن‬
‫وشهرته تغين عن اإلطناب فيه‪ ،‬مات سنة ‪ 748‬هـ‪(.‬طبقات احلفاظ ص‪.)521‬‬
‫‪59‬‬
‫الكبائر(‪.)1‬‬
‫‪5 .5‬اخلدمة لتحصيل واجب‪:‬‬
‫وهي صورة أخرى لوجوب االستخدام‪ ،‬فإذا تعلق يف ذمة املسلم واجب‬
‫شرعي وعجز عن أدائه بنفسه لزمه أن يستخدم من يعينه على أداء ذلك‬
‫الواجب‪ ،‬كمن مل يتمكن من الوضوء بنفسه فعليه أن يستعني مبن تلزمه‬
‫طاعته كزوجته أو ولده أو عبده ليوضئه فإن مل يوجد فإن استطاع أن‬
‫يستأجر خادماً وجب عليه أن يستأجر وإال تيمم‪ ،‬و هذا ما اتفق عليه‬
‫الفقهاء(‪ ،)2‬قال ابن اهلمام(‪( :)3‬أو كان ال جيد من يوضئه وال يقدر بنفسه‬
‫فإن وجد خادمًا له أو ما يستأجر به أجريًا‪ ،‬أو عنده من لو استعان به‬
‫أعانه فعلى ظاهر املذهب ال يتيمم ألنه قادر)(‪.)4‬‬
‫أما لزوم استئجار األعمى خلادم ليعينه يف أداء فريضة احلج؛ فقال أبو‬
‫حنيفة رضي اهلل عنه ال يلزمه االستئجار ألنه غري قادر على احلج وهو‬
‫غري مكلف بأداء حجه بنفسه‪.‬‬
‫‪ -1‬الذهيب‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز ‪748‬هـ (الكبائر) بريوت‪ ،‬دار الندوة اجلديدة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.218‬‬
‫‪ -2‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 1‬ص‪ ،432‬وابن قدامة (املغين) ج‪ 1‬ص‪ .151‬النووي‪ ،‬أبو زكريا‬
‫حييى بن شرف بن مري ‪ 676‬هـ (اجملموع شرح املهذب) حتقيق حممود مطرحي‪ ،‬بريوت‪ ,‬دار الفكر‪،‬الطبعة األوىل‪1417‬هـ‬
‫‪1996‬م‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،276‬واحلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 1‬ص ‪.326‬‬
‫‪ -3‬ابن اهلمام‪ :‬حممد بن عبد الواحد بن عبد احلميد‪ ،‬السيواسي ثم االسكندري‪ ،‬كمال الدين‪ ،‬املعروف بابن اهلمام‪ ،‬من‬
‫علماء احلنفية‪ ،‬لد باالسكندرية‪ ،‬ونبغ يف القاهرة‪.‬وكان معظما عند امللوك تويف بالقاهرة‪ .‬من كتبه (فتح القدير) مثاني‬
‫جملدات يف فقه احلنفية‪ ،‬و(التحرير) يف أصول الفقه (تويف ‪ 861‬هـ)‪ .‬انظر (األعالم للزركلي‪ .‬ج ‪ 6‬ص‪ )255‬الضوء الالمع‬
‫للسخاوي (ج ‪ 4‬ص‪.)145‬‬
‫‪ -4‬ابن اهلمام‪ ،‬حممد بن عبد الواحد السيواسي ‪ 861‬هـ (شرح فتح القدير) بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.123‬‬
‫‪60‬‬
‫وقال بوجوب استئجار األعمى ملن خيدمه ألداء فريضة احلج اجلمهور‪:‬‬
‫أبو يوسف(‪ )1‬وحممد(‪ )2‬من احلنفية والشافعية واحلنابلة واملالكية(‪ ،)3‬وقالوا‬
‫إن األعمى بقدرته على استئجار من خيدمه بأداء فريضة احلج أصبح‬
‫قادراً ومكلفاً باحلج‪.‬‬
‫والفرق بني املسألتني عند أبي حنيفة أن األعمى ال يضمن بقاء اخلادم‬
‫على خدمته طوال مدة احلج وهو معرض هلروب اخلادم أو تقصريه أو‬
‫نقض عقد اإلجارة لعذر من األعذار مما يعرضه خلطر عدم إمتام حجه‬
‫يقول ابن اهلمام‪( :‬فاحلاصل أن عنده ال يعترب املكلف قادرًا بقدرة غريه ألن‬
‫اإلنسان إمنا يعد قادرًا إذا اختص حبالة هتيئ له الفعل متى أراد وهذا ال‬
‫يتحقق بقدرة غريه وهلذا قلنا إذا بذل االبن املال والطاعة ألبيه ال يلزمه‬
‫احلج ‪ ...‬ملا قلنا وعندمها تثبت القدرة بآلة الغري ألن آلته صارت كآلته‬
‫باإلعانة)(‪.)4‬‬
‫والذي يظهر يل تساوي احلالتني يف القدرة على أداء الواجب باالستعانة‬
‫باخلادم أو القدرة بالنفس‪ ،‬فاألخذ بقول اجلمهور أرجح يف هذه املسألة‪،‬‬
‫ويلزم املكلف االستعانة خبادم على أداء واجباته اليت عجز عنها بنفسه‪،‬‬
‫وذلك مع اشرتاط قدرته على أجرة هذا اخلادم‪.‬‬
‫‪ -1‬أبو يوسف‪ :‬يعقوب بن إبراهيم بن حبيب االنصاري الكويف البغدادي‪ ،‬صاحب االمام أبي حنيفة‪ ،‬وتلميذه‪ ،‬وأول من نشر‬
‫مذهبه‪ ،‬كان فقيها عالمة‪ ،‬من حفاظ احلديث‪ ،‬ولد بالكوفة ومات يف خالفة الرشيد ببغداد‪ ،‬وهو أول من دعي "قاضي‬
‫القضاة"‪ ،‬من كتبه (اخلراج) و(اآلثار) و(النوادر) وغريها (تويف ‪ 182‬هـ) (اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية‪ ،‬ص‪.)220‬‬
‫‪ -2‬حممد بن احلسن‪ :‬بن فرقد الشيباني أبو عبد اهلل‪ ،‬إمام بالفقه واالصول‪ ،‬وهو الذي نشر علم أبي حنيفة‪ ،‬أصله من‬
‫قرية حرستة يف غوطة دمشق‪ ،‬ولد بواسط ونشأ بالكوفة فسمع من أبي حنيفة‪ ،‬واله الرشيد القضاء بالرقة ثم عزله‪ ،‬مات‬
‫يف الري سنة ‪ 189‬هـ‪ ،‬له كتب كثرية يف الفقه واالصول‪ ،‬منها (املبسوط) يف الفقه‪ ،‬و(اجلامع الكبري) و(املوطأ)‪( .‬اجلواهر‬
‫املضية يف طبقات احلنفية‪ ،‬ص‪.)42‬‬
‫‪ -3‬السمرقندي‪ ،‬أبو بكر عالء الدين حممد بن أمحد ‪ 450‬هـ (حتفة الفقهاء) بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1405‬هـ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ ،384‬واحلطاب (مواهب اجلليل) ج ‪ 2‬ص‪ .498‬الغمراوي‪ ،‬حممد الزهري (السراج الوهاج على منت‬
‫املنهاج)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ 2001‬م‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.153‬املرداوي‪( ،‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف) ج‪ 3‬ص‪.408‬‬
‫‪ -4‬ابن اهلمام (شرح فتح القدير) ج‪ 1‬ص ‪.123‬‬
‫‪61‬‬
‫ب‪ -‬األحوال اليت تكون اخلدمة غري جائزة‪:‬‬
‫وذلك إذا اشتملت اخلدمة على حمظور شرعي سواء كان مكروهاً أو حمرماً‪،‬‬
‫واألحوال اليت تنطوي فيها اخلدمة يف البيوت على تلك احملظورات هي‪:‬‬
‫‪ -1‬احلالة األوىل‪ :‬أن يكون الدافع للخدمة حمرماً وإن كانت مشروع ًة‬
‫بأصلها‪ ،‬كمن يستأجر اخلدم للرياء واملفاخرة بني الناس وجمارات‬
‫املتكربين‪ ،‬فهذا بفعله وقع يف ذنب عظيم وارتكب كبريةً من الكبائر‪ ،‬وقد‬
‫َّ َهّ َ حُ ُّ َ اَ َ خُ ْ َ ً َ ُ‬
‫ً‬
‫قال تعاىل‪{ :‬إِن الل ال يِب من كن متاال فخورا} [النساء‪ ،]36:‬وقال‬
‫لأَْ‬
‫َ َ ً َّ‬
‫َلاَ َ‬
‫َلاَ ُ َ ّ ْ َ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫هََّ‬
‫سبحانه‪{ :‬و تص ِعر خدك ل ِلن ِ‬
‫اس و تم ِش يِف ا ر ِض مرحا إِن الل ال‬
‫حُ ُّ لُ َّ خُ ْ َ َ ُ‬
‫ال فخور} [لقمان‪ ،]18:‬ويف احلديث عن ابن عمر أن النيب‬
‫يِب ك مت ٍ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬بينما رجل جير إزاره من اخليالء خسف به‬
‫فهو يتجلجل يف األرض إىل يوم القيامة»(‪.)1‬‬
‫وقد ذكر القرآن مثا ًال على الكبْر قصة قارون وأشار إىل جرميته النكراء‬
‫اليت أعقبها خسف اهلل به و بداره وأمواله األرض‪ ،‬وكانت هذه اجلرمية‬
‫{ َ َ َ لَىَ َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫‪79‬‬
‫}‬
‫كما أخربنا سبحانه‪ :‬خرج ع قو ِمهِ يِف زِينتِه [القصص‪ ،] :‬جاء يف‬
‫تفسريها‪( :‬قيل خرج على بغلة شهباء عليها األرجوان وعليها سرج من‬
‫ذهب ومعه أربعة آالف خادم عليهم وعلى خيوهلم الديباج األمحر وعلى‬
‫ميينه ثالمثائة غالم وعلى يساره ثالمثائة جارية بيض عليهن احللي‬
‫والديباج )(‪.)2‬‬
‫من خالل هذه األدلة يتضح أن من املنكرات احملرمة ما يفعله بعض‬
‫املسلمني اآلن من استئجار اخلادمات خيالءً وكرباً (للتباهي)‪.‬‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 3‬ص ‪ 1285‬احلديث برقم‪.3297 :‬‬
‫‪ -2‬األلوسي‪ ،‬أبو الفضل حممود (روح املعاني يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاني) بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬ج‬
‫‪ 20‬ص ‪.121‬‬
‫‪62‬‬
‫‪ -2‬احلالة الثانية‪ :‬أن تكون منفعة اخلدمة حمرمة(‪ ،)1‬سواء كان العقد‬
‫إجارةً أو جعال ًة‪ ،‬فما دامت املنفعة املعقود عليها حمرم ًة ومنهي عنها‬
‫شرعاً كالغناء و النوح فإن االستخدام حمرم‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬ما منفعته‬
‫حمرمة كالزنا والزمر والنوح والغناء فال جيوز االستئجار لفعله)(‪ ،)2‬ومثله‬
‫كل خدمة هنى الشرع عنها كالقيام على خدمة كلب زينةٍ مثالً(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬احلالة الثالثة‪ :‬عندما تتالزم اخلدمة مع حمظور‪ ،‬فان لزم من اخلدمة‬
‫حصول أمر منكر حرمت اخلدمة وإن كانت املنفعة يف هذه اخلدمة مباحة‬
‫يف األصل فإن العقد حيرم ملا رافقه كخلوةٍ بأجنبيةٍ أو كتقدي ٍم مخ ٍر مثالً‪،‬‬
‫قال احلطاب‪( :‬وال جيوز استئجار األعزب املرأة لتخدمه يف بيته مأمونا‬
‫كان أو غريه)(‪ ،)4‬وقال أيضاً‪( :‬أن يؤاجر املسلم نفسه‪ ...‬لريعى اخلنازير أو‬
‫ليعصر له مخرًا فإنه ال جيوز ويؤدب املسلم)(‪ ،)5‬فاخلدمة يف هذه احلالة‬
‫صارت حمرمة ملا الزمها من حمرم ال ينفك عنها كاخللوة والنظر احملرم‪،‬‬
‫أو مشاركة يف منكر كتقديم مخر أو غريه‪.‬‬
‫‪ -4‬احلالة الرابعة‪ :‬أن تكون اخلدمة ذريع ًة حملرم‪ ،‬كمن غلب على ظنه‬
‫أو تيقن وقوع الظلم للخادمة‪ ،‬أو رمبا تكون اخلدمة سبباً لإلساءة ألهل‬
‫املنزل يف دينهم ودنياهم كمن يستخدم ش َّغالة وثنية تتوىل رعاية األوالد‬
‫وتربيتهم مع غياب األبوين عن البيت معظم اليوم‪ ،‬فهذا االستخدام‬
‫سيحرف األوالد عن دينهم وعقيدهتم وسلوكهم‪ ،‬وعندها يكون رب البيت‬
‫آمثاً ومضيعاً ألسرته هبذا االستخدام‪.‬‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج ‪ 5‬ص ‪ 409‬وابن قدامة (املغين) ج ‪ 6‬ص ‪ .22‬والشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 2‬ص ‪.336‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 5‬ص ‪.320‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.337‬‬
‫‪ -4‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.393‬‬
‫‪ -5‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص ‪.424‬‬
‫‪63‬‬
‫‪ -5‬احلالة اخلامسة‪ :‬عند عدم صحة عقد اخلدمة‪ ،‬ويف هذه احلالة‬
‫حيرُم عقد االستخدام لكونه وقع باطالً أو فاسداً؛ كاجلهالة الفاحشة يف‬
‫املنفعة أو العوض مثالً‪ ،‬أو لوقوع اإلكراه على العقد‪ ،‬أو الستخدام الفتاة‬
‫بغري إذن وليها أو املرأة بدون إذن زوجها(‪.)1‬‬
‫ورمبا اقرتن عقد اخلدمة بشروط مفسدة‪ ،‬وعندها جيب على العاقدين‬
‫فسخ العقد االستخدام الفاسد أو تصحيحه‪ ،‬وإلغاؤه إذا كان باطالً‪.‬‬
‫ومن خالل األحوال السابقة تبني لنا أن عقد اخلدمة يكون حمرماً إذا كان‬
‫الدافع له حمرماً كالرياء أو املفاخرة‪ ،‬أو كانت منفعة اخلدمة حمرم ًة‪ ،‬أو‬
‫اقرتنت اخلدمة مبنكر من املنكرات‪ ،‬أو كان االستخدام ذريعة ملنهي شرعاً‪،‬‬
‫أو كان العقد فاسداً أو باطالً بأصله‪ ،‬ففي كل هذه األحوال تكون اخلدمة‬
‫غري جائزة وعلى املسلم أن يتجنب تعاطيها سواء كان خادماً أو خمدوماً‪.‬‬
‫ج – األحوال اليت تكون فيها خدمة البيوت مباحة‪:‬‬
‫وهي تشمل سائر األحوال اليت أفلتت من األنواع السابقة‪ ،‬وهي احلالة‬
‫األصلية ألن األصل يف األشياء اإلباحة‪ ،‬فإذا أراد املسلم أن يتعاقد على‬
‫خدمة معينة ومل تقرتن تلك اخلدمة مبنهي شرعاً‪ ،‬مل يكن عليه حرج يف‬
‫ذلك أبداً‪ ،‬وهذا ما كان شائعاً بني الناس على مر التاريخ اإلسالمي‪ ،‬منذ‬
‫العهد النبوي على صاحبه أفضل الصالة والسالم‪ ،‬وهذا ما سنطلع عليه‬
‫من خالل املطلب التايل‪.‬‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 2‬ص‪.337‬‬
‫‪64‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اخلدمة يف زمن التشريع‬
‫إن الكالم عن اخلدمة يف زمن التشريع يتضمن استقراء اخلدمة زمن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم وزمن الصحابة رضوان اهلل عليهم أمجعني‬
‫من بعده‪ ،‬ألن هذين الزمنني ميثالن الصورة النقية لإلسالم احلق الذي‬
‫ارتضاه اهلل لنا‪ ،‬ففي وصية رسول ال َّله صلى ال َّله عليه وسلم ألصحابه‬
‫قال‪ ...« :‬وإنه من يعش منكم فسريى اختالفاً كثرياً! فعليكم بسنيت‬
‫وسنة اخللفاء الراشدين املهديني عضوا عليها بالنواجذ‪ .)1(» ...‬ويف زمن‬
‫الصحابة وخاصة يف اخلالفة الراشدة حدثت أكثر اإلمجاعات يف املسائل‬
‫الشرعية‪ ،‬إضافة إىل أن بعض العلماء عدَّ جمرد عمل الصحابي مصدراً‬
‫تشريعياً مستقالً‪.‬‬
‫ويف زمن التشريع هذا أخذت اخلدمة أشكاالً متعددة حبسب نوع املنفعة‬
‫املبذولة أو حبسب اختالف عقد اخلدمة وفق ما يأتي‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أنواع اخلدمة املبذولة‪:‬‬
‫لشخص‪:‬‬
‫أ‪ .‬اخلدمة املبذولة‬
‫ٍ‬
‫هي خدمة موجهة لشخص حمدد يقوم اخلادم من خالهلا بتلبية طلبات‬
‫املخدوم وتأمني حاجاته‪ ،‬وخري مثا ٍل عليها هو سيدنا أنس بن مالك‬
‫(‪)2‬‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬حيث بذل نفسه خلدمة النيب صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫سفره وحضره وغزواته كلها‪ ،‬وقد حكى رضي اهلل عنه عن ذلك فقال‪:‬‬
‫‪ -1‬ابو داود (السنن) ج ‪ 4‬ص ‪ 200‬برقم‪ 4607:‬النواجذ‪ :‬األنياب وقيل األضراس‪.‬‬
‫‪ -2‬أنس بن مالك‪ :‬بن النضر‪ ،‬أبو محزة األنصاري اخلزرجي خادم رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم واحد املكثرين من‬
‫الرواية عنه‪ ،‬قطن البصرة ومات هبا قال علي بن املديين كان آخر الصحابة موتا بالبصرة‪ ،‬مات أنس سنة تسعني وكان‬
‫عمره مائة سنة إال سنة (اإلصابة يف متييز الصحابة (ج ‪ 1‬ص ‪.)126‬‬
‫‪65‬‬
‫(قدم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املدينة ليس له خادم‪ ،‬فأخذ أبو‬
‫طلحة بيدي‪ ،‬فانطلق بي إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬إن أنساً غالم كيّس فليخدمك‪ ،‬قال‪ :‬فخدمته يف السفر‬
‫واحلضر‪ ،‬ما قال يل لشيء صنعته مل صنعت هذا هكذا‪ ،‬وال لشيء مل‬
‫أصنعه مل تصنع هذا هكذا(‪.)1‬‬
‫وهناك خَدَمٌ غريه كانوا خيدمون النيب صلى اهلل عليه وسلم كابن مسعود‬
‫رضي اهلل عنه وغريه‪ ،‬وقد أفرد ابن كثري(‪ )2‬يف تارخيه املسمى‪( :‬البداية‬
‫والنهاية) باباً يف ذكر عبيده عليه الصالة والسالم وإمائه وخدمه(‪ ،)3‬حيث‬
‫عدَّ أربعني امساً من مواليه صلى اهلل عليه وسلم من الرجال أكثرهم‬
‫أعتقه واشتغلوا يف خدمته قبل العتق وبعده‪ ،‬ومخساً وعشرين من اإلماء‬
‫اللواتي خدمن يف بيوت النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وخصص فصالً‬
‫خلدَّامه ص َّلى اهلل عليه وس َّلم الذين خدموه من الصحابة ‪-‬يقصد من غري‬
‫العبيد‪ -‬فبلغوا تسعة عشر صحابياً رضوان اهلل عليهم أمجعني(‪.)4‬‬
‫وأما استخدام الصحابة رضي اهلل عنهم للخدم فكثري‪ ،‬منها ما دل عليه‬
‫حديث يعلى بن أمية رضي اهلل عنه قال‪ :‬أذن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم بالغزو وأنا شيخ كبري ليس يل خادم‪ ،‬فألتمس أجريا يكفيين‪ ،‬وأجري‬
‫له سهمه‪ ،‬فوجدت رجالً‪ ،‬فلما دنا الرحيل أتاني‪ .‬فقال‪ :‬ما أدري ما‬
‫السهمان‪ ،‬وما يبلغ سهمي؟ فسم يل شيئا كان السهم‪ ،‬أو مل يكن‪ .‬فسميت‬
‫له ثالثة دنانري‪ ،‬فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه‪ ،‬فذكرت‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح)‏ ج ‪ 3‬ص ‪ 1018‬احلديث رقم‪( .2616 :‬كيس) عاقل ومتزن‪ ،‬وهو ضد األمحق ‏‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن كثري‪ :‬أبو الفداء إمساعيل بن عمر بن كثري الدمشقي‪ ،‬عماد الدين‪ ،‬حافظ مؤرخ فقيه‪ .‬ولد يف بصرى الشام‪ ،‬ثم‬
‫انتقل دمشق وتويف هبا سنة ‪ 774‬هـ‪ .‬من كتبه‪( :‬البداية والنهاية) يف التاريخ‪ ،‬و(تفسري القرآن الكريم)‪( ،‬األعالم للزركلي‪،‬‬
‫ج‪1‬ص‪.)320‬‬
‫‪ -3‬ابن كثري‪ ،‬اإلمام احلافظ ابي الفداء امساعيل الدمشقي ‪ 774‬هـ (البداية والنهاية) حتقيق علي شريي‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العربي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1408‬هـ ‪1988‬م‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.332‬‬
‫‪ -4‬ابن كثري (البداية والنهاية) ج ‪ 5‬ص‪.353‬‬
‫‪66‬‬
‫الدنانري‪ .‬فجئت النيب صلى اهلل عليه وسلم فذكرت له أمره‪ .‬فقال‪« :‬ما‬
‫أجد له يف غزوته هذه يف الدنيا إال دنانريه اليت مسى»(‪.)1‬‬
‫من خالل ما سبق نرى أن اخلدمة الشخصية كانت أمراً معتاداً ومقبوالً‬
‫يف زمن التشريع أقره النيب صلى اهلل عليه وسلم بل عمل به والصحابة‬
‫من بعده‪.‬‬
‫ب‪ .‬اخلدمة املبذولة لبيتٍ‪:‬‬
‫ويف هذه احلالة ال تكون اخلدمة مرتبطة بشخص معني أو بعمل معني بل‬
‫تعين القيام بشؤون املنزل كامل ًة من كنس وإعداد طعام وغري ذلك‪.‬‬
‫ولو نظرنا يف كتب تراجم الصحابة لوجدنا العشرات من الرجال والنساء‬
‫ممن تشرفوا باخلدمة يف بيوت أمهات املؤمنني يف حياة النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم من اجلواري والعبيد واألحرار كما أسلفنا‪.‬‬
‫وقد روي أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل‬
‫دعا جارية له يقال هلا بريرة بالسواك(‪.)2‬‬
‫وعن أنس رضي اهلل عنه قال‪( :‬كان النيب صلى اهلل عليه وسلم عند‬
‫بعض نسائه‪ ،‬فأرسلت إحدى أمهات املؤمنني بصحفة فيها طعام‪ ،‬فضربت‬
‫اليت النيب صلى اهلل عليه وسلم يف بيتها يد اخلادم‪ ،‬فسقطت الصحفة‬
‫فانفلقت‪ ،‬فجمع النيب صلى اهلل عليه وسلم فِلَقَ الصفحة ثم جعل جيمع‬
‫فيها الطعام الذي كان يف الصحفة‪ ،‬ويقول‪« :‬غارت أمكم» ثم حبس اخلادم‬
‫حتى أتي بصحفة من عند اليت هو يف بيتها‪ ،‬فدفع الصحفة الصحيحة‬
‫‪ -1‬سبق خترجيه ص‪.35‬‬
‫‪ -2‬ابن حجر‪ ،‬أبو الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالني الشافعي ‪ 852‬هـ (اإلصابة يف متييز الصحابة) حتقيق علي‬
‫حممد البجاوي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬الطبعة األوىل‪1412‬هـ ‪1992‬م‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.535‬‬
‫‪67‬‬
‫إىل اليت ُكسرت صحفتها‪ ،‬وأمسك املكسورة يف بيت اليت كسر(‪.)1‬‬
‫وكذلك بيوت أكثر الصحابة كان فيها اخلدم من العبيد واجلواري واألجراء‬
‫يف اخلدمة‪ ،‬ففي قصة الثالثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك يقول الراوي‪:‬‬
‫(فجاءت امرأة هالل بن أمية(‪ )2‬رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقالت له‪:‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬إن هالل بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم‪ ،‬فهل تكره أن‬
‫أخدمه؟ قال‪« :‬ال ولكن ال يقربنك»)(‪ ،)3‬ففي هذا اخلرب داللة على أن وجود‬
‫اخلدم يف البيوت عادة أهل ذلك الزمان‪.‬‬
‫ج – اخلدمة املبذولة يف عمل معني‪:‬‬
‫(كماشطة أو مرضعة أو حاضنة مثالً)‪.‬‬
‫يف هذه احلالة جند أن اخلدمة خمصوصة فيها بعمل معني واخلادمة غري‬
‫مطالبة بعمل سواه كالرضاعة أو احلضانة أو التزيني‪ ،‬وكانت مثل هذه‬
‫األعمال منتشرة يف اجملتمع يف عصر التشريع‪.‬‬
‫فالنيب صلى اهلل عليه وسلم يدفع بابنه إبراهيم إىل أم سيف(‪ )4‬لرتضعه‬
‫كما يف احلديث عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال‪( :‬دخلنا مع رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم على أبي سيف القني‪ ،‬وكان ظئراً إلبراهيم عليه‬
‫السالم‪ ،‬فأخذ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إبراهيم فقبله ومشه‪،‬‬
‫ثم دخلنا عليه بعد ذلك‪ ،‬وإبراهيم جيود بنفسه‪ ،‬فجعلت عينا رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم تذرفان‪ ،‬فقال له عبد الرمحن بن عوف رضي‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج ‪ 5‬ص ‪ ،2003‬احلديث رقم‪( 4927 :‬بصحفة) إناء كالقصعة املبسوطة‪( .‬فانفلقت)‬
‫تكسرت‪( .‬فلق) قطع‪ ،‬مجع فلقة‪.‬‬
‫‪ -2‬هالل بن أمية‪ :‬بن عامر بن قيس األنصاري‪ ،‬شهد بدرًا وما بعدها وقد تقدم خربه يف ترمجة مرارة بن الربيع وهو أحد‬
‫الثالثة الذين تاب اهلل عليهم‪(.‬اإلصابة يف متييز الصحابة (ج ‪ 6‬ص ‪.)546‬‬
‫‪ -3‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 4‬ص ‪ 2120‬احلديث رقم‪.2769 :‬‬
‫‪ -4‬أم سيف‪ :‬مرضعة ابن النيب صلى اهلل عليه و سلم امرأة أبي سيف القني وهو احلداد كان من األنصار (اإلصابة يف‬
‫متييز الصحابة (ج ‪ 8‬ص ‪.)235‬‬
‫‪68‬‬
‫اهلل عنه‪ :‬وأنت يارسول اهلل؟ فقال‪« :‬يا ابن عوف‪ ،‬إهنا رمحة»‪ .‬ثم أتبعها‬
‫بأخرى‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إن العني تدمع والقلب حيزن وال‬
‫نقول إال ما يرضي ربنا‪ ،‬وإنا بفراقك يا إبراهيم حملزنون»)(‪.)1‬‬
‫وكان اإلرضاع سائداً يف زمنهم ومشهوراً عند العرب بل حرصوا عليه‬
‫رغبة يف جنابة الولد وتشريفاً ألمه‪ ،‬جاء يف فيض القدير‪( :‬إمنا دفع‬
‫أشراف العرب أوالدهم إىل املراضع يف القبائل ومل يرتكوهم عند أمهاهتم‬
‫لينشأ الطفل يف األعراب فيكون أفصح للسانه وأجلد جلسمه وأجدر أن‬
‫ال تفارقه اهليئة املعربة كما قال يف احلديث‪ :‬متعددوا واخشوشنوا(‪ )2‬فكان‬
‫ذلك حيملهم على الرضعاء إىل املراضع األعرابيات وكان عبد امللك بن‬
‫مروان يقول‪ :‬أضرنا حب الوليد ألن الوليد كان َّ‬
‫حلاناً لكونه أقام مع أمه‬
‫وغريه من إخوته أسكنوا البادية فتعربوا ثم أدِّبوا فتأدَّبوا)(‪.)3‬‬
‫أما احلضانة فكانت تتوىل رعاية الصغار وخدمتهم ورمبا تبقى مع الفتاة‬
‫حتى تتزوج وقد جاء ذكر احلاضنة يف حديث املستعيذة‪ ،‬فعن أبي أسيدٍ‬
‫رضي ال َّله عنه قال‪( :‬خَرَجْنَا مَعَ النَّ ِبيِّ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ حَ َّتى انْ َطل َ ْقنَا‬
‫(‪)4‬‬
‫إِلَى حَائِطٍ يُ َقا ُل لَهُ الشَّو ُْط حَ َّتى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائ َِطي ِْن َفجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا‪،‬‬
‫َف َقا َل النَّ ِبيُّ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ اجْلِسُوا هَا هُنَا وَدَخَ َل وَ َقدْ أُتِيَ ِبالْجَوْنِيَّةِ‬
‫َف ُأنْ ِزلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَ ْخ ٍل فِي بَيْتِ أُمَيْمَ َة‪ِ 5‬بنْتِ النُّعْمَا ِن ب ِْن شَرَاحِي َل وَمَعَهَا‬
‫دَايَتُهَا حَاضِنَ ٌة لَهَا َفلَمَّا دَخَ َل عَلَيْهَا النَّ ِبيُّ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيْهِ وَسَ َّلمَ َقا َل هَ ِبي‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 1‬ص‪ ،439‬احلديث رقم‪( .1241:‬ظئرا) زوج مرضعته‪ ،‬وهي خولة بنت املنذر األنصارية‬
‫النجارية‪( .‬وأنت) تفعل كما يفعل الناس عند املصائب‪( .‬بأخرى) أتبع الدمعة بأخرى‪ ،‬أو الكلمة اليت قاهلا بأخرى)‪.‬‏‬
‫‪ -2‬الطرباني(املعجم الكبري) ج‪ 19‬ص‪ 40‬برقم‪.84 :‬‬
‫‪ -3‬املناوي (فيض القدير) ج‪ 3‬ص‪.38‬‬
‫‪ -4‬أبو أسيد‪ :‬مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر األنصاري الساعدي مشهور بكنيته‪ ،‬شهد بدرا واحدا وما بعدها وكان‬
‫معه راية بين ساعدة يوم الفتح‪ ،‬كان قصريا أبيض الرأس واللحية كثري الشعر وكان قد ذهب بصره‪ ،‬مات سنة ‪60‬هـ وهو‬
‫بن مثان وسبعني‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة (ج‪ 5‬ص‪.)723‬‬
‫‪ -5‬أميمة بنت النعمان بن شراحيل اجلونية‪ ،‬تزوجها رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم فكأهنا كرهت ذلك فأمر أبا أسيد‬
‫أن جيهزها ويكسوها ثوبني‪ ،‬وهي املستعيذة‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة (ج‪ 7‬ص‪.)515‬‬
‫‪69‬‬
‫نَ ْفسَكِ لِي َقالَتْ وَهَ ْل تَهَبُ الْمَلِ َك ُة نَ ْفسَهَا لِلسُّو َقةِ َقا َل َف َأهْوَى ِبيَدِهِ ي َ‬
‫َضعُ‬
‫يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْ ُكنَ َف َقالَتْ أَعُو ُذ ِبال َّلهِ مِنْكَ َف َقا َل َقدْ عُ ْذتِ ِبمَعَاذٍ ثُمَّ خَرَجَ‬
‫عَلَيْنَا َف َقا َل يَا أَبَا أُسَيْدٍ ا ْكسُهَا رَا ِزقِيَّتَي ِْن وَأَلْحِ ْقهَا ِب َأهْلِهَا)(‪.)1‬‬
‫وأم أمين(‪ )2‬حاضنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وقد روي عنه صلى‬
‫اهلل عليه وسلم إنه كان يقول عنها‪« :‬هي أمي بعد أمي»(‪.)3‬‬
‫أما املاشطة فهي املرأة اليت متتهن تزيني النساء وتسريح شعورهن وهي‬
‫مهنة كانت قبل اإلسالم وأقرها اإلسالم وقد ذكر العلماء أمساء عدد‬
‫منهن‪ :‬كآمنة بنت عفان أخت عثمان وكانت ماشطة(‪،)4‬‏‏وبسرة بنت صفوان‬
‫بن نوفل بن أسد كانت ماشطة تقني النساء مبكة(‪ ،)5‬‏وأم زفر ماشطة‬
‫خدجية(‪.)6‬‬
‫وورد ذكر املاشطة يف أحاديث منها حديث أم سلمة(‪( :)7‬أهنا مسعت النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يقول على املنرب‪ ،‬وهي متتشط‪« :‬أيها الناس» فقالت‬
‫ملاشطتها‪ :‬كفي رأسي‪.)8()...‬‬
‫وذكر ابن حجر يف قصة زواجه صلى اهلل عليه وسلم من زينب (وقوله‪:‬‬
‫«ملا أهديت» أي ملا زينتها املاشطة وزفت إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم)‬
‫(‪)9‬‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 3‬ص‪ ,2011‬احلديث رقم‪( .4956:‬حائط) بستان من خنيل له جدار‪( .‬دايتها) املرأة اليت‬
‫ولدهتا وتسمى القابلة‪( .‬حاضنة) مربية وكفيلة‪( .‬هيب نفسك) زوجيين نفسك‪( .‬فأهوى بيده) أماهلا عليها‪( .‬لتسكن) لتهدأ‬
‫وتطمئن نفسها‪( .‬مبعاذ) بالذي يستعاذ به ويستجار‪( .‬رازقيتني) مثنى رازقة‪ .‬وهي ثياب بيض طوال من الكتان‪.‬‬
‫‪ -2‬أم أمين‪ :‬بركة بنت ثعلبة بن عمرو‪ ،‬موالة النيب صلى اهلل عليه و سلم وحاضنته‪،‬وكان يقال هلا أم الظباء‪ ،‬تزوجت زيد‬
‫بن حارثة فولدت له أسامة‪ ،‬ماتت يف خالفة عثمان (اإلصابة يف متييز الصحابة (ج‪8‬ص‪.)169‬‬
‫‪ -3‬ابن حجر العسقالني‪(،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري) ج‪ 7‬ص‪.88‬‬
‫‪ -4‬ابن حجر العسقالني (اإلصابة يف متييز الصحابة) ج‪ 7‬ص‪.475‬‬
‫‪ -5‬املرجع السابق ج‪ 7‬ص‪.536‬‬
‫‪ -6‬املرجع السابق ج ‪ 8‬ص‪.211‬‬
‫‪ -7‬أم سلمة‪ :‬هند بنت أبي أمية حذيفة زاد الركب بن املغرية املخزومية‪ ،‬أم املؤمنني‪ ،‬كانت زوج بن عمها أبي سلمة بن عبد‬
‫األسد فمات عنها‪ ،‬فتزوجها النيب صلى اهلل عليه و سلم‪،‬وكانت ممن أسلم قدميا هي وزوجها وهاجرا إىل احلبشة‪ ،‬ماتت‬
‫يف سنة ‪56‬هـ‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة (ج ‪ 8‬ص ‪.)221‬‬
‫‪ -8‬مسلم (صحيح مسلم)‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ 1795‬احلديث رقم‪(،2295:‬كفي رأسي) أي امجعيه وضمي شعره بعضه إىل بعض‪.‬‬
‫‪ -9‬ابن حجر العسقالني (فتح الباري شرح صحيح البخاري )‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.529‬‬
‫‪70‬‬
‫ففي هذا داللة على وجود مهنة املاشطة واعتياد الناس اإلتيان هبا لتزيني‬
‫النساء وخاصة العروس يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫فاألعمال الثالثة السابقة‪ :‬املرضعة واحلاضنة واملاشطة مهن معروفة‬
‫زمن النبوة وبعده وهي مثال على اخلدمة املتخصصة‪.‬‬
‫‪ 2.2‬أنواع عقود اخلدمة‪:‬‬
‫أخذ تعاطي اخلدمة زمن التشريع أشكا ٌال متعددة وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬بذل اخلدمة بال مقابل (تربعاً)‪:‬‬
‫وذلك تربعاً من اخلادم يرجو به التقرب من املخدوم أو األجر من اهلل عزو‬
‫جل أو كال األمرين معاً كما فعل كثري من الصحابة يف خدمة النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم فقد ذكرت فيما سبق أن مَن خدمه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫من األحرار بلغ تسعة عشر رجالً من أشهرهم‪ :‬أنس بن مالك وعبد اهلل‬
‫بن مسعود رضي اهلل عنهما‪ .‬فعن أنس رضي اهلل عنه قال‪ :‬قدم رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم املدينة ليس له خادم‪ ،‬فأخذ أبو طلحة بيدي‪،‬‬
‫فانطلق بي إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن‬
‫أنساً غالم كيِّس فليخدمك‪ ،‬قال‪ :‬فخدمته يف السفر واحلضر‪ ،‬ما قال يل‬
‫لشيء صنعته مل صنعت هذا هكذا‪ ،‬وال لشيء مل أصنعه مل تصنع هذا‬
‫هكذا)(‪.)1‬‬
‫حتى أن أكثر العبيد الذين خدموا النيب صلى اهلل عليه وسلم كانت معظم‬
‫خدمتهم بعد عتقه هلم تربعا منهم‪.‬‬
‫كسفينة(‪ )2‬وكان موىل ألم سلمة فأعتقته‪ ،‬واشرتطت عليه أن خيدم رسول‬
‫‪ -1‬سبق خترجيه ص ‪.66‬‬
‫‪ -2‬سفينة‪ :‬موىل رسول اهلل (ص) دعاه سفينة‪ ،‬وكان أصله من فارس فاشرتته أم سلمة ثم أعتقته واشرتطت عليه أن خيدم‬
‫النيب (ص)‪ ،‬كان يسكن بطن خنلة‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة (ج‪ 3‬ص‪.)132‬‬
‫‪71‬‬
‫اهلل ص َّلى اهلل عليه وس َّلم ح َّتى ميوت‪ ،‬فقبل ذلك وقال‪( :‬لو مل تشرتطي‬
‫عليَّ ما فارقته)(‪.)1‬‬
‫ب– اخلدمة الالزمة بالرق‪ :‬الرقيق ملزم بطاعة مواله مبقتضى ملكه له‪،‬‬
‫وكان الرقيق متداوالً بقصد اخلدمة يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وقد مر معنا أن من تشرف خبدمته صلى اهلل عليه وسلم حوايل أربعني‬
‫من العبيد ومخساً وعشرين من اإلماء كلهم خدموا يف بيوت النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وكان كذلك يف بيوت الصحابة اخلدم من العبيد وهو أمر معتاد عندهم‪،‬‬
‫ففي حديث ابن عمر‪ ...( :‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬يا أبا‬
‫اهليثم أما لك من خادم» قال‪ :‬ال والذي بعثك باحلق ما لنا خادم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«فإذا بلغك أنه جاءنا سيب فائتنا نُخدِمك»‪.)2()...‬‬
‫ج– اخلدمة الثابتة باإلعارة‪ :‬وهي بأن يرسل اإلنسان خادمه لغريه‬
‫ليستعني به ثم يرده إليه‪ ،‬مثال ذلك بريرة موالة عائشة رضي اهلل عنها‬
‫كانت ختدم عائشة قبل أن تشرتيها وكانت موالة آلل أبي أمحد بن جحش‬
‫فكاتبوها‪ ،‬فاشرتهتا عائشة منهم فأعتقتها(‪.)3‬‬
‫وع َّد النيب صلى اهلل عليه وسلم إعارة اخلادم من أبواب الصدقة فعن‬
‫أبي أُمام َة(‪ )4‬قال‪َ :‬قا َل رَسُو ُل ال َّلهِ صَ َّلى ال َّلهُ عَلَيهِ وسَ َّلم‪« :‬أفض ُل الصَّدقاتِ‬
‫‪ -1‬ابن كثري (البداية والنهاية) ج‪ 5‬ص‪.337‬‬
‫‪ -2‬الطرباني (املعجم الكبري) ج‪ 19‬ص ‪ ،255‬رقم احلديث‪.269 :‬‬
‫‪ -3‬ابن حجر العسقالني (اإلصابة يف متييز الصحابة) ج‪ 7‬ص‪.535‬‬
‫‪ -4‬أبو أمامة‪ :‬صُديّ بن عجالن بن احلارث الباهلي‪ ،‬الصحابي ممن بايع حتت الشجرة‪ ،‬مات أبو أمامة سنة‪ 86‬ه‪( .‬‬
‫اإلصابة يف متييز الصحابة ‪( -‬ج ‪ 3‬ص ‪.)420‬‬
‫‪72‬‬
‫ُّ‬
‫هلل ومنيح ُة خاد ٍم يف سبي ِل ا ِ‬
‫ظل ُفسطاطٍ يف سبي ِل ا ِ‬
‫هلل»(‪( .)1‬أي هبة عبد‬
‫للمجاهد ليخدمه أو عاريته له)(‪.)2‬‬
‫د‪ -‬اخلدمة الثابتة بعقد اإلجارة‪:‬‬
‫وهذه من طرق تعاطي اخلدمة يف زمن التشريع‪ ،‬حيث يتم باتفاق الطرفني‬
‫اخلادم واملخدوم على أجر معلوم‪ ،‬وتكون اخلدمة املستأجر عليها إما‬
‫خمصصة (كماشطة أو مرضعة أو حاضنة)‪ ،‬وقد تكون على اخلدمة بشكل‬
‫عام كما ورد معنا يف حديث يعلى بن أمية رضي اهلل عنه قال‪( :‬أذن رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالغزو وأنا شيخ كبري ليس يل خادم‪ ،‬فألتمس‬
‫أجريا يكفيين‪ ،‬وأجري له سهمه‪ ،)3()...‬من خالل هذه احلادثة نرى أن‬
‫اخلدمة كانوا يستأجرون عليها يف زمن التشريع‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬سبق خترجيه ص‪.35‬‬
‫‪ -2‬املباركفوري (حتفة األحوذي)‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.210‬‬
‫‪ -3‬سبق خترجيه ص ‪.35‬‬
‫‪73‬‬
‫‪‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬‬
‫دور اخلدمة االجتماعي‬
‫املطلب األول‪ :‬حاجة الفرد للخدمة‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬حاجة اجملتمع للخدمة‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬دور اخلدمة االجتماعي‬
‫املطلب األول‪ :‬حاجة الفرد للخدمة‬
‫َ ُ َ ً‬
‫َ ُ َ‬
‫نسان ضعِيفا} [النساء‪ ]28:‬اإلنسان‬
‫اإل‬
‫يقول سبحانه وتعاىل‪{ :‬وخلِق ِ‬
‫خملوق ضعيف يف جسده ويف علمه وخربته باإلضافة إىل تكاثر مطالبه‬
‫وتنامي أحالمه وطموحاته‪ ،‬فيجد نفسه أحيانا حمتاجاً ملساعدة وعون‬
‫غريه‪.‬‬
‫فقد يكون الفرد مصاباً بعج ٍز جسدي دائم‪ ،‬سواء كان خلقياً أو طارئً‬
‫بسبب شيخوخة أو زمانةٍ‪ ،‬فاألعمى حباجة إىل من يقوده‪ ،‬واملقعد مضطر‬
‫لالستعانة باآلخرين‪ ،‬ثم إن بقية أهل املنزل قد ينشغلوا أو يعجزوا عن‬
‫أداء تلك املعونة مما جيعل اخلادم يف البيت أمراً ال مفر منه ليتحمل عنهم‬
‫بعض أو كل تلك األعباء‪ ،‬بل إن عدم اعتمادهم على اخلادم يف تلك احلالة‬
‫فيها هدر لكرامة اإلنسان املبتلى وإضاعة له‪.‬‬
‫إن قدرة الفرد املالية وعجزه اجلسدي جتعل من احلكمة واملنطق أن‬
‫يستعني خبادم حيفظ له حياةً كرمي ًة‪ ،‬بل قد يصل إىل درجة الضرورة‪ ،‬إذ‬
‫أنه قد يعجز عن تأمني بعض ضرورياته من طعام وشراب ودواء وتنظيف‬
‫وغريها من دون أن يكون عال ًة على من حوله ممن هم غري ملزمني شرعاً‬
‫أو قضاءً خبدمته‪.‬‬
‫ويف بعض األحيان يكون العجز حال ًة عارض ًة كضعف املرأة عن القيام‬
‫بشؤون منزهلا بسبب والدهتا أو بسبب عملية جراحية وتكون بعدها املرأة‬
‫حباجة لقسط من الراحة لفرتة حمددة‪ ،‬وإذا مل تعتمد خالهلا على خادمة‬
‫‪75‬‬
‫فسوف تضيّع حقوق الزوج واألوالد والطفل الوليد بل وصحة جسدها‪.‬‬
‫ورمبا حيتاج البيت إىل خدمةٍ متخصصةٍ أو خربة معينة يفتقدها أهل‬
‫املنزل كخدمة املمرضة للمريض يف بيته‪ ،‬أواملاشطة (اليت تزيِّن النساء)‪،‬‬
‫أواملربية لألطفال‪ ،‬أوالطاهية أو السائق أو البواب أو احلارس أو عامل‬
‫التنظيف أو عامل احلديقة وغري ذلك من األعمال املتخصصة اليت يتطلبه‬
‫املنزل وأهله ورمبا ال يستطيعوا حتصيله بأنفسهم على الوجه الصحيح‪.‬‬
‫وقد ينشغل أهل البيت عن القيام بشؤونه كاملرأة اليت تعمل خارج املنزل‬
‫طبيب ًة كانت أو معلم ًة أو غري ذلك من املهن اليت ال ختالف اإلسالم يف‬
‫طبيعتها وظروفها‪ ،‬فمثل هذه املرأة ال تقدر على القيام بشؤون منزهلا‬
‫وأطفاهلا مما يدفعها إلحضار خادمة لبيتها لتسد تلك الفجوة اليت خلفتها‬
‫وراءها بسبب غياهبا عن املنزل وعودهتا إليه متعبة‪.‬‬
‫ورمبا جتد املرأة نفسها مطالبة بأعمال مل تعتد عليها يف بيئتها قبل‬
‫الزواج فال ترى بداً من اإللقاء بتلك األعمال على عاتق خادمةٍ تستأجرها‬
‫لرتيح نفسها من عنائها‪.‬‬
‫فالدافع يف هذه احلالة هو الرتفه أو أعراف البيئة السائدة وهذا أمر ال‬
‫يعارضه اإلسالم إذا مل يكن حيمل يف طياته الرياء والكرب‪ ،‬فال اإلسالم‬
‫وال احلكمة والتفكري السليم يقتضيان أن يقتصر اإلنسان يف معاشه على‬
‫حاجاته الضرورية وامللحة فقط‪ ،‬بل اإلسالم دائماً يسعى إىل أن يرتفع‬
‫باإلنسان يف درجات الكمال والرفاهية‪ ،‬ونعود فنقول‪ :‬بشرط أال حيتوي‬
‫هذا الرتفه على مفاسد دينية أو أخالقية‪.‬‬
‫ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ هّ َّ يَِ َ ْ َ َ َ َ ْ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ات‬
‫فاهلل سبحانه يقول‪{ :‬قل من حرم زِينة اللِ الت أخرج لِعِبادِه ِ والطيِب ِ‬
‫َ ّ‬
‫الر ْز ِق} [األعراف‪ ]32:‬وزينة احلياة الدنيا ومتعها ليست من احملرمات‪،‬‬
‫مِن ِ‬
‫‪76‬‬
‫بل قد يكون اإلعراض عنها من غري سبب أمراً مرفوضاً ومنكرُ شرعاً ففي‬
‫احلديث قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إن اهلل حيب أن يرى أثر‬
‫نعمته على عبده»(‪ ،)1‬ورمبا حصل للمرء يف بذل ماله للخدم حتصيل‬
‫منافع أعظم من املال املبذول‪ ،‬وقد يكون اشتغال الرجل ببعض األعمال‬
‫أعظم منفعة له من اشتغاله يف بعض توافه األمور اليت هتدر الوقت‬
‫واجلهد ويتوالها اخلدم عادة‪ ،‬جاء يف كتاب أجبد العلوم حتت عنوان‬
‫(علم آفات املال)‪( :‬وله منافع كما قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬نعم‬
‫املال الصاحل للرجل الصاحل»(‪ ،)2‬ومضاره وهي كثرية مذكورة يف القرآن‬
‫واحلديث أما منافعه فهي اإلنفاق على نفسه ليعني على الطاعة كاملطعم‬
‫وامللبس واملسكن واملنكح وسائر ضروريات املعيشة واإلنفاق يف سبيل اهلل‬
‫تعاىل كالزكاة واحلج وحنومها واإلنفاق لوقاية العرض كدفع هجو الشاعر‬
‫وقطع ألسنة السفهاء فإن ذلك صدقة ألن فيه منعهم عن الغيبة واإلنفاق‬
‫على اخلدم فإن ذلك منفعة دينية إذ لو توىل اإلنسان مجيع مصاحلة بذاته‬
‫لفاته كثري من الطاعات)(‪.)3‬‬
‫فاخلدمة يف البيوت أمر ال يستغين اإلنسان عنه يف كل زمان ومكان‪،‬‬
‫فتارة مضطراً وتارة حمتاجاً وأخرى مرتفهاً متنعماً‪ ،‬وهو من احلاجات‬
‫الفردية اليت أقرهتا الرساالت السماوية والتشريعات الوضعية‪ ،‬ومشى‬
‫عليها الناس على مر الزمان‪.‬‬
‫‪ -1‬الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج‪ 5‬ص‪ 123‬رقم ‪ 2819‬قال أبو عيسى هذا حديث حسن‪.‬‬
‫‪ -2‬احلاكم (املستدرك على الصحيحني) ج ‪ 2‬ص ‪ 3‬برقم‪.2130:‬‬
‫‪ -3‬القنوجي‪ ،‬صديق بن حسن ‪1307‬هـ (أجبد العلوم الوشي املرقوم يف بيان أحوال العلوم) حتقيق عبد اجلبار زكار‪ ,‬بريوت‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪1978‬م‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.90‬‬
‫‪77‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬حاجة اجملتمع للخدمة‬
‫اخلدمة حاجة بشرية على مرِّ الزمان لكوهنا ناشئة عن حاجة الناس‬
‫َ ُ ْ َ ْ ُ َ َ مَْ َ َ ّ َ‬
‫سمون رحة ربِك‬
‫لبعضهم كما يوضحه قول اخلالق سبحانه‪{ :‬أهم يق ِ‬
‫حَْ َ ُّ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ‬
‫حَ ْ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َّ َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫نن قسمنا بينهم معِيشتهم يِف الياة ِ ادلنيا ورفعنا بعضهم فوق بع ٍض‬
‫يَِ َّ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ً ُ ْ‬
‫َ‬
‫جَ ْ‬
‫َ‬
‫خر ًّيا َو َر مَْ‬
‫َد َر َ‬
‫ح ُ‬
‫ت َر ّبِك خَيرْ ٌ ّم َِّما ي َم ُعون}‬
‫س‬
‫ا‬
‫ض‬
‫ع‬
‫ب‬
‫م‬
‫ه‬
‫ض‬
‫ع‬
‫ب‬
‫ذ‬
‫خ‬
‫ت‬
‫ل‬
‫ات‬
‫ج‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫[الزخرف‪.]32:‬‬
‫فالبشر خمتلفو املواهب والقدرات على مرّ الدهور وهذه سنة اخلالق عز‬
‫وجل بل السر احملرك للمجتمعات اإلنسانية‪ ،‬وهذا التفاوت بني البشر يف‬
‫مستويات املعاش وظروف احلياة والبيئات والقدرات اجلسدية واملواهب‬
‫العقلية أمر ملحوظ على مر التاريخ ال خيتلف عليه اثنان وهو مسة يف‬
‫البشرية إىل قيام الساعة‪.‬‬
‫ولكن ما احلكمة من ذلك؟ جند اجلواب يف قول اخلالق سبحانه يف تتمة‬
‫يَِ َّ َ‬
‫ْ‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫خذ َب ْعض ُهم َب ْعضا ُسخ ِر ًّيا} كل واحد حمتاج خلدمة‬
‫اآلية الكرمية‪{ :‬لت ِ‬
‫اآلخر ومسخر حقيقة له‪ .‬وحتى نفهم معنى التسخري يف اآلية علينا أن‬
‫نعلم أن دوالب احلياة حني يدور يسخر بعض الناس لبعض حتما‪ ،‬وليس‬
‫التسخري هو االستعالء‪ ،‬استعالء طبقة على طبقة‪ ،‬أو استعالء فرد على‬
‫فرد‪ ...‬كال! إن هذا معنى قريب ساذج‪ ،‬ال يرتفع إىل مستوى القول اإلهلي‬
‫اخلالد‪ .‬كال! إن مدلول هذا القول أبقى من كل تغري أو تطور يف أوضاع‬
‫اجلماعة البشرية؛ وأبعد مدى من ظرف يذهب وظرف جييء‪..‬‬
‫ّ‬
‫ويسخر‬
‫إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض‪ .‬ودوالب احلياة يدور باجلميع‪،‬‬
‫بعضهم لبعض يف كل وضع ويف كل ظرف‪ .‬املقدر عليه يف الرزق مسخر‬
‫‪78‬‬
‫للمبسوط له يف الرزق‪ .‬والعكس كذلك صحيح‪ .‬فهذا مسخر ليجمع املال‪،‬‬
‫فيأكل منه ويرتزق ذاك‪ .‬وكالمها مسخر لآلخر سواء بسواء‪ .‬والتفاوت‬
‫يف الرزق هو الذي يسخر هذا لذاك‪ ،‬ويسخر ذاك هلذا يف دورة احلياة‪..‬‬
‫العامل مسخر للمهندس ومسخر لصاحب العمل‪ .‬واملهندس مسخر‬
‫للعامل ولصاحب العمل‪ .‬وصاحب العمل مسخر للمهندس وللعامل على‬
‫السواء‪ .‬وكلهم مسخرون للخالفة يف األرض هبذا التفاوت يف املواهب‬
‫واالستعدادات‪ ،‬والتفاوت يف األعمال واألرزاق‪ ،‬ولو كان مجيع الناس نسخاً‬
‫مكرورة ما أمكن أن تقوم احلياة يف هذه األرض هبذه الصورة‪ ،‬ولبقيت‬
‫أعمال كثرية جداً ال جتد هلا مقابالً من الكفايات‪ ،‬وال جتد من يقوم هبا‪.‬‬
‫والذي خلق احلياة وأراد هلا البقاء والنمو‪ ،‬خلق الكفايات واالستعدادات‬
‫متفاوتة تفاوت األدوار املطلوب أداؤها‪.‬‬
‫وهذه احلكمة اإلهلية ال تتناقض مع عدله سبحانه وتعاىل ألن هذه املوازين‬
‫ال عالقة هلا باملكانة والثواب عند اهلل الذي أساسه التنافس يف التقرب‬
‫إليه جل وعلى‪ ،‬واهلل خيتار لرمحته من يشاء‪ ،‬ممن يعلم أهنم هلا أهل‪،‬‬
‫وال عالقة بينها وبني عرض احلياة الدنيا؛ وال صلة هلا بقيم هذه احلياة‬
‫الدنيا‪ ،‬فهذه القيم عند اهلل زهيدة زهيدة ومن ثم يشرتك فيها األبرار‬
‫والفجار‪ ،‬ويناهلا الصاحلون‪ ،‬لذلك لفتت اآلية القرآنية هلذه احلقيقة‪:‬‬
‫َ‬
‫جَ ْ‬
‫َ‬
‫{و َر مَْ‬
‫ح ُ‬
‫َ‬
‫ت َر ّبِك خَيرْ ٌ ّم َِّما ي َم ُعون}‪.‬‬
‫وبعد أن سلمنا بوجود هذا الواقع الذي قرره اخلالق سبحانه وشاهدته‬
‫العيون املبصرة نقرر أن‪:‬‬
‫‪ 1.1‬طريقة التخصص يف األعمال تعطي إنتاجا أفضل وتوفر الوقت‬
‫‪79‬‬
‫واجلهد وتقضي على اهلدر‪ ،‬وهو املنحى احلضاري الذي الزمته البشرية‬
‫منذ نشأهتا األوىل إىل وقتنا احلايل وحتى يرث اهلل األرض ومن عليها‪،‬‬
‫حيث أن التطور يؤدي إىل التنوع يف األعمال وكثرهتا حتى ضمن املضمار‬
‫الواحد وهذا جيعل اإلنسان عاجزاً عن القيام به حق القيام؛ مثال ذلك‬
‫الفلسفة عند ابن رشد(‪ )1‬كانت تشكل جانباً واحداً من نشاطه العلمي‬
‫إضافة للعربية والفقه واألصول وعلم احليوان وعلم النفس والفلك وغري‬
‫ذلك‪ ،‬أو الطبيب الفيلسوف األديب الواعظ ابن سينا(‪ )2‬بينما يعجز‬
‫الطبيب أن يتقن يف وقتنا احلايل أكثر من اختصاص واحد بسبب التطور‬
‫اهلائل للعلوم‪ ،‬بل نشا ما يسمى حتت االختصاص‪ ،‬فهل من املقبول‬
‫أن يضم إىل دراسته مهنة أخرى خمتلفة‪ ،‬سيكون ذلك سبب التشتت‬
‫والضياع وعدم التمكن من مهنته‪.‬‬
‫وهذا الكالم ينطبق على كل مهنة واختصاص مبا فيها اخلدمة يف البيوت‬
‫وخصوصاً إذا كانت من النوع املتخصص كاملمرضة (تقوم خبدمة مقعدة‬
‫يف منزهلا) أو مربية أو عاملة تنظيف‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن رشد احلفيد‪ :‬حممّد بن أمحد بن مُحَمَّدٍ ال ُقر ُْط ِبيُّ‪ :‬وَلَهُ (شرح أُرْجُوزَة ابْنِ سِيْنَا) فِي ِّ‬
‫الطبّ‪ ،‬وَ(امل ُ َقدِّمَات) فِي‬
‫الفِ ْقه‪ ،‬كِتَاب (احليوَان)‪ ،‬كِتَاب (جَوَامع كتب أ َ ِرس ُْط َ‬
‫وطاليس)‪( ،‬شرح كِتَاب النَّ ْفس)‪ ،‬كِتَاب (فِي املنطق)‪ ،‬كِتَاب (تلخيص‬
‫اإلِالَهيَات) لنِيَ ُقوْالَوس‪ ،‬كِتَاب (تلخيص مَا بَعْد ّ‬
‫جلالينوس‪ ،‬وَ ّ‬
‫الطبيعَة) ألَ ِرس ُْطو‪ ،‬كِتَاب (تلخيص االسْتقصَات) َ‬
‫خلص لَهُ‬
‫حلمّيَات)‪ ،‬وَكِتَاب (حِيْلَة الربء)‪ ،‬وَ ّ‬
‫كِتَاب (املِزَاج)‪ ،‬وَكِتَاب (القوَى)‪ ،‬وَكِتَاب (العلل)‪ ،‬وَكِتَاب (التعرِيف)‪ ،‬وَكِتَاب (ا ُ‬
‫خلص كِتَاب‬
‫(السَّمَاع ّ‬
‫الطبيعِي)‪ ،‬وَلَهُ كِتَاب (تَهَافت ال ّتهَافت)‪ ،‬وَكِتَاب (منَاهج األَد َّلة) أُصُوْل‪ ،‬وَكِتَاب ( َفصل امل َ َقا ِل‪ ،‬فِيمَا بَيْنَ الشرِيعَة‬
‫وَاحلِ ْكمَة مِنَ االتصَال)‪ ،‬كِتَاب (شرح القيَاس) ألَ ِرس ُْطو‪( ،‬مَ َقالَة فِي العَ ْقل)‪( ،‬مَ َقالَة فِي القيَاس)‪ ،‬كِتَاب (الفحص فِي أَمر‬
‫العَ ْقل)‪( ،‬الفحص عَنْ مَسَائِل فِي الشّ َفاء)‪( ،‬مَسْ َألَة فِي الزَّمَان)‪( ،‬مَقالة فيما يعتقده املشَّاؤون وما يعتقده املتكلمون يف‬
‫كيفية وجود العامل)‪( ،‬مقالة يف نظر الفارابيّ يف املنطق ونظر أرسطو)‪( ،‬مقالة يف اتصال العقل املفارق لإلنسان)‪( ،‬مقالة‬
‫يف وجود املادَّة األوىل)‪( ،‬مقالة يف الرّدّ على ابن سينا)‪( ،‬مقالة يف املزاج)‪( ،‬مسائل حكميَّة)‪( ،‬مقالة يف حركة الفلك)‪ ،‬كتاب‬
‫(ما خالف فيه الفارابي أرسطو)‪.‬انظر‪ :‬الذهيب (سري أعالم النبالء ) ج‪ 21‬ص‪.308‬‬
‫هلل البَلْخِيُّ‪ .‬يقول‪َ :‬صنَّ ْفتُ(اجملموع)‪َ ،‬ف َأتيتُ فِيْهِ عَلَى علو ٍم‪ ،‬وَس َألنِي جَارُنَا أَبُو بَك ٍرْ‬
‫حلسَيْنُ بنُ عَبْدِ ا ِ‬
‫‪ -2‬ابْنُ سِيْنَا‪ ،:‬أَبُو عَل ٍِّي ا ُ‬
‫البَرْقِيّ وَ َكانَ مَائِالً إِلَى الفِ ْقهِ وَال َّت ْفسِيْ ِر وَالزُّهْد‪ ،‬فصنَّ ْفتُ لَهُ(ا َ‬
‫حلاصل وَاملَحْصُوْل)فِي عِشْ ِريْنَ مُج َّلدَة‪...‬وصنف ُكتُباً َكثِيْرَةً‪،‬‬
‫مِنْهَا(اإلِنصَاف)؛ عِشْرُوْنَ مُجَ َّلداً‪( ،‬ال ِبرّ وَاإلِثم)؛مُجَ َّلدَان‪( ،‬الشِّ َفاء)‪ ،‬ثَمَانِيَة عَشْرَة مُجَ َّلداً‪( ،‬ال َقانُوْنَ)؛مُجَ َّلدَات‪(.‬اإلِرصَاد)‪،‬‬
‫مُجَ َّلد‪( ،‬النَّجَاة)ثَالَث مُجَ َّلدَات‪( ،‬اإلِشَارَات)مُجَ َّلد‪( ،‬القولنج)مُجَ َّلد‪(،‬ال ُّل َغة)عشر مُجَ َّلدَات‪( ،‬أَدويَة ال َقلْب)مُجَ َّلد‪( ،‬املوجز)‬
‫مُجَ َّلد‪( ،‬املعَاد)مُجَ َّلد‪ ،‬وَأَشْيَاء َكثِيْرَة وَرسَائِل‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب (سري أعالم النبالء) ج‪17‬ص‪.531‬‬
‫‪80‬‬
‫‪ 2.2‬اختالف املواهب واإلمكانات يدفعنا إىل توزيع األعمال‪ :‬حيث أن اهلل‬
‫وزع املواهب على العباد فمنهم من فضله بالفهم والفطنة وليس له نصيب‬
‫وافر من القوة البدنية‪ ،‬وميز غرية بقوة البدن من غري فطانة‪ ،‬وفتح على‬
‫ثالث من أبواب رزقه الواسعة و قرت على غريه‪ ،‬و هذا يلزمنا أن نوزع على‬
‫كل واحد منهم دوره املناسب يف اجملتمع لتسري احلياة وفق منهج صحيح‪،‬‬
‫وإذا مل يقرَّ املرء هبذه احلقيقة و يعرتف هبا فلسوف يتصادم مع الواقع‬
‫ولن يتمكن من املخالفة بل سرتميه نواميس احلياة يف متاهات الفشل‬
‫والضياع‪ ،‬وهذا أمر مشاهد وملموس يف مثال األبوين الذين ال حيسنون‬
‫اختيار النمط املناسب البنهم فيدفعونه لدراسة الطب مثالً على الرغم‬
‫من ظهور عجزه عن تلك الدراسة‪ ،‬بداللة حياته العلمية اململوءة بتجارب‬
‫الفشل واإلحباط‪ ،‬هذه اجلرمية اليت قام هبا األبوان وأنفقا عليها األموال‬
‫الطائلة مل تثمر إال عن تدمري فلذة كبدهم وجعله عالة يشعر طيلة حياته‬
‫بالعجز والنقص‪ ،‬ولو أهنم نظرا يف مواهبه وإمكاناته ووجهوه وفقها؛‬
‫عامالً كان أو تاجراً أو غري ذلك لكان عنصراً مبدعاً إجيابياً جتاه نفسه‬
‫وأبويه بناءً جملتمعه وأمته‪.‬‬
‫هذا املثال ينطبق على أفراد اجملتمع كلهم وعلى األعمال كلها ومنها‬
‫اخلدمة يف البيوت بشتى صورها‪ ،‬حيث جند فيهم من يتقن هذه املهنة‬
‫دون غريها ويستطيع أن يكسب قوته منها ولو وجِّه لغريها من األعمال‬
‫لفشل وأساء بدل أن ينفع‪.‬‬
‫‪ 3.3‬اخلدمة يف ظل الشريعة اإلسالمية ليست ظلماً وال تسلطاً وال عاراً‪:‬‬
‫وهذا أمر مهم‪ ،‬فالعمل بشكل عام واخلدمة بشكل خاص ال تعد عاراً‬
‫‪81‬‬
‫يف اإلسالم وليست باباً لتسلط القوي على الضعيف واستذالله‪ ،‬أليس‬
‫من عظمائنا األطهار بالل بن رباح وأنس بن مالك وعبد اهلل بن مسعود‬
‫رضي اهلل عنهم الذين هم خدم النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وسامل خادم‬
‫عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهم‪ ،‬هل مست اخلدمة كرامتهم أم حطت‬
‫من قدرهم؟!!! مهما كان نوع هذه اخلدمة رقاً أم تربعاً أم إجارةً‪ ،‬بل كانوا‬
‫وسيظلوا سادة الناس وقد زادهتم هذه اخلدمة رفع ًة وكرام ًة‪.‬‬
‫إن اإلساءات اليت يتلقاها اخلدم يف البيوت بكافة أشكاهلا ليست إال تقصرياً‬
‫من الناس بأمور دينهم وتعدياً على حقوق بعضهم وظلماً يطال اخلدم‬
‫وسواهم من ضعفاء اجملتمع سواء اخلدم أو األيتام أو األرامل أو الفقراء‪،‬‬
‫فاإلنسان الذي أُشرب الظلم يف نفسه ال فرق عنده يف التطاول على‬
‫خادمه أو ابن أخيه اليتيم الذي يف كنفه‪ ،‬وهنا يأتي دور العقوبات الرادعة‬
‫والقوانني اليت تقيد سلوك أمثال هؤالء السيئني وحتفظ للضعيف حقه‪،‬‬
‫إننا جند كثرياً من الدول هتتم حبماية حق اليتيم واملرأة و هتمل حقوق خدم‬
‫البيوت سواء بسن القوانني أو يف تطبيقها‪ ،‬لكن اخلطأ احلاصل ليس يف‬
‫ذات اخلدمة بل يف التقصري يف ردع الظامل و املعتدي‪ ،‬وهذا غري حاصل‬
‫يف اجملتمع اإلسالمي الصحيح‪.‬‬
‫يعلق السلطان عبد احلميد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف مذكراته على مسألة الرق‬
‫واخلدم بقوله‪( :‬عجبا لألوربيني كم جيهلون أعرافنا وقوانيننا إهنم عندما‬
‫يتكلمون عن الرق يف الشرق يتصورون احلالة احملزنة اليت يعيش فيها‬
‫األرقاء يف أمريكا مع أننا ال جنوِّز تسمية العالقة احلميمة بني السيد‬
‫واخلادم عندنا بأهنا رق‪ ،‬فالقرآن الكريم يأمرنا مبعاملة اخلدم معاملة‬
‫حسنة والواقع أن اخلدم تبع لسادهتم حياهتم حمدودة لكن قوانيننا‬
‫‪82‬‬
‫الصارمة حتول بني السيد واملعاملة السيئة للخادم وليس هناك رق يف‬
‫إمرباطوريتنا مبعناه احلقيقي وال شك أن اجلواري عندنا أسعد حاال من‬
‫اخلادمات األوربيات‪ ،‬إهنن يرتبطن بالبيت الذي يعشن فيه حتمي حقوقهن‬
‫األعراف والعادات املتبعة‪ ......‬وهبذه الوسيلة جيد كثري من األطفال الذين‬
‫يعيشون يف األزقة حتت رمحة اجلوع واملرض جيدون بيتا دافئا ينعمون‬
‫فيه باحلياة ويعاملون فيه أفرادًا يف أسرة واحدة وعندما يكربون يعمل‬
‫الذكور كمساعدين لسادهتم يف أعماهلم أما اإلناث فيتزوجن ويصرن‬
‫أمهات ألوالد سادهتن)(‪.)1‬‬
‫‪ 4.4‬تسد اخلدمة النقص واخللل لتوزيع األعمال يف اجملتمع‪ :‬لنتخيل‬
‫جمتمعاً مكوناً من املثقفني األغنياء فقط فمن سيقوم باألعمال الدنيا؟‬
‫من سيتجشم عناء العمل والتعب؟ حتماً ال أحد‪ ،‬هذا جمتمع ميت‬
‫ستتوقف فيه عجلة احلياة‪ ،‬هل من املنطق واحلكمة أن يقضي طبيب‬
‫جراح مثالً كل يوم وقتاً يف تنظيف مكتبه وعيادته وهناك عدد من‬
‫املرضى بانتظاره؟ أم هل يدع الغبار والقمامة ترتاكم أمامه؟ اجلواب‬
‫الصحيح‪ :‬أن كال اخليارين خطأ فادح‪ ،‬والعمل السديد هو وجود خادم‬
‫يقوم مبثل هذه األعمال‪.‬‬
‫إن عمل اخلدمة وأمثاهلا من املهن تسد فجوة عظيمة يف اجملتمع ال‬
‫يستغين عنها اجملتمع يف كثري من املواضع‪ ،‬فاملعامل ال تنتج خبربائها من‬
‫دون عماهلا وكذلك اجملتمع ال يستغين عن وجود اخلدم يف البيوت لتستمر‬
‫احلياة فيه سواء ضرورة أو حاجة أو رفاهية‪.‬‬
‫‪ -1‬السلطان عبد احلميد الثاني ‪1842‬هـ ‪1918‬م (مذكراتي السياسية) بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة اخلامسة‬
‫‪1406‬هـ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.183‬‬
‫‪83‬‬
‫‪ 5.5‬هناك احتياج من كال الطرفني لآلخر (اخلادم واملخدوم) فاألول‬
‫حمتاج للخدمة وخاصة إذا كان الدافع لالستخدام هو أمر ضروري‪،‬‬
‫وباملقابل فاخلادم حمتاج ملال املخدوم ال يستغين عنه وبه قوام حياته‬
‫وحياة أسرته‪ ،‬فالغين حمتاج للفقري لينتفع من عمله‪ ،‬وتظهر هذه احلاجة‬
‫بوضوح عندما حياول العامل إرغام رب العمل على الرضوخ ملطالبه‬
‫بامتناعه عن القيام بعمله ليظهر الغين رب العمل حمتاجاً إليه بل مضطراً‬
‫إىل إرضاءه ويسمى هذا العمل (اإلضراب)‪ ،‬كما أن الفقري حيتاج للغين‬
‫لينتفع من ماله وقد يستخدم نقطة الضعف هذه ليضغط على عماله‬
‫فيماطل براتبهم ويقصر يف تأمني حقوقهم‪.‬‬
‫هذه النظرة املتكاملة من كال اجلانبني توضح لنا مدى حاجة اجملتمع‬
‫لعمل كاخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫ومن خالل الفقرات السابقة يتضح لنا أن اخلدمة يف البيوت هي نوع من‬
‫التخصص يف األعمال الذي هو ضرورة يف تطور اجملتمع‪ ،‬ثم إن اخلدمة‬
‫مبنية على أساس اختالف الناس يف املواهب والقدرات‪ ،‬وإن التنكر هلذه‬
‫احلقيقة خروج عن الواقع‪ ،‬أما الظلم الذي يقع يف ظله كثري من اخلدم‬
‫فليست اخلدمة بطبيعتها مسؤول ًة عن ذلك‪ ،‬بل اجملتمع هو املسؤول عن‬
‫مكافحته من خالل مؤسساته املختصة بذلك‪.‬‬
‫كما أن اخلدمة تسد ثغراً كبرياً يف اجملتمع ال ميكن جتاهله حبال‪ ،‬علماً‬
‫بأن املخدوم حمتاج لعمل خادمه كحاجة خادمه له‪ ،‬فال ينبغي لواحد منهم‬
‫أن يقصر حبق اآلخر‪.‬‬
‫وبعد هذا البيان ملدى حاجة اجملتمع خلدمة البيوت ينبغي أن نذكر أن‬
‫بعض العلماء نظر ملهنة اخلدمة أهنا ناشئة عن الرتف والبذخ وهي عالمة‬
‫‪84‬‬
‫احنطاط اجملتمع‪ ،‬منهم العالمة ابن خلدون(‪ )1‬حيث يقول يف مقدمته‪:‬‬
‫(الفصل الثالث يف أن اخلدمة ليست من الطبيعي‪ :‬اعلم أن السلطان ال‬
‫بد له من اختاذ اخلدمة يف سائر أبواب اإلمارة وامللك الذي هو بسبيله‬
‫من اجلندي والشرطي والكاتب ويستكفي يف كل باب مبن يعلم غناءه فيه‬
‫ويتكفل بأرزاقهم من بيت ماله وهذا كله مندرج يف اإلمارة ومعاشها إذ‬
‫كلهم ينسحب عليهم حكم اإلمارة وامللك األعظم هو ينبوع جداوهلم‪.‬‬
‫وأما ما دون ذلك من اخلدمة فسببها أن أكثر املرتفني يرتفع عن مباشرة‬
‫حاجاته أو يكون عاجزًا عنها ملا ربِّي عليه من خلق التنعم والرتف فيتخذ‬
‫من يتوىل ذلك له ويقطعه عليه أجراً من ماله وهذه احلالة غري حممودة‬
‫حبسب الرجولية الطبيعية لإلنسان إذ الثقة بكل أحد عجز وألهنا تزيد‬
‫يف الوظائف واخلرج وتدل على العجز واخلنث الذي ينبغي يف مذاهب‬
‫الرجولية التنزه عنهما)(‪.)2‬‬
‫فكالم ابن خلدون يبني أن اخلدمة من شأن السلطان فقط‪ ،‬وأما اخلدمة‬
‫لسواه فهي نوع من الرتف وداللة النقص عند اإلنسان‪.‬‬
‫ولكن كالم ابن خلدون يعكس واقعه فقط وال يعكس حقيقة علمية مطلقة‬
‫القيود من الزمان واملكان‪ ،‬فليس السلطان وحده حباجة إىل التفرغ للقيام‬
‫مبصاحل جمتمعه‪ ،‬فهناك املهن الكثرية اليت حيتاج اجملتمع ألعماهلم‬
‫وجهدهم ووقتهم من أصحاب اخلربة واملختصني يف ميادين خمتلفة‪.‬‬
‫نقص يف‬
‫واألمر الثاني أنه ليس من الالزم أن يكون الرتفه عن بز ٍخ أو‬
‫ٍ‬
‫‪ -1‬ابن خلدون‪ :‬أبو زيد عبد الرمحن بن حممد ويل الدين‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬احلضرمي االشبيلي‪ ،‬الفيلسوف املؤرخ‪ ،‬العامل‬
‫االجتماعي البحاثة‪ .‬أصله من إشبيلية‪ ،‬ومولده ومنشأه بتونس‪ ،‬وتويف فجأة يف القاهرة ‪808‬هـ‪ ،‬اشتهر بكتابه (العرب‬
‫وديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ العرب والعجم والرببر) يف سبعة جملدات‪ ،‬أوهلا (املقدمة) وهي تعد من أصول علم االجتماع‪.‬‬
‫(األعالم للزركلي ‪( -‬ج ‪ 3‬ص ‪.)330‬‬
‫‪ -2‬ابن خلدون‪ ،‬ويل الدين عبد الرمحن ‪ 808‬هـ (املقدمة) حتقيق عبد اهلل حممد درويش‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار البلخي‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪2004‬م‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.70‬‬
‫‪85‬‬
‫صاحبه‪ ،‬فما املانع منه إذا كان بضوابطه الشرعية‪ ،‬أمل يقل اخلالق عز‬
‫ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ هّ َّ يَِ َ ْ َ َ َ َ ْ‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫الرز ِق}‬
‫وجل‪{ :‬قل من حرم زِينة اللِ الت أخرج لِعِبادِه ِ والطيِب ِ‬
‫ات مِن َِ‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ْ َ حَُ ّ ُ ْ‬
‫َ َ َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ات ما أحل‬
‫[األعراف‪ ]32:‬وقال تعاىل‪{ :‬يا أيها ا ِين آمنوا ال ت ِرموا طيِب ِ‬
‫ُهّ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ َّ َهّ َ‬
‫ال حُيِ ُّ‬
‫ب ال ْ ُم ْع َت ِد َ‬
‫ين} [املائدة‪ ،]87:‬أمل تكن‬
‫الل لكم وال تعتدوا إِن الل‬
‫اخلدمة يف بيوت النيب صلى اهلل عليه وسلم والصحابة رضي اهلل عنهم؟‬
‫إن إنكار دور اخلدمة يف اجملتمع وجعلها نقصاً هو جتنٍ رمبا الدافع إليه‬
‫السخط على واق ٍع سيئ كان يعيشه العالمة ابن خلدون‪ ،‬ولكن احلق أن‬
‫اخلدمة يف البيوت حاجة اجتماعية‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪86‬‬
‫‪‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫عقد اخلدمة يف البيوت‬
‫املبحث األول‪ :‬أنواع عقد اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬انعقاد عقد اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬إهناء عقد اخلدمة‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫املبحث األول‬
‫أنواع عقد اخلدمة يف البيوت‬
‫املطلب األول‪ :‬عقد اخلدمة اخلاصة (إجارة عني)‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عقد اخلدمة يف عمل معني (إجارة‬
‫متعلقة بالذمة)‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬عقد اخلدمة يف عمل معني مرتبط‬
‫بزمن‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬اجلعالة يف عقد اخلدمة‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أنواع عقد اخلدمة يف البيوت‬
‫متهيد‪ :‬عقد اخلدمة يف البيوت يتم حبسب احلاجة الدافعة له واملنفعة‬
‫املقصودة منه على أشكال متعددة‪ ،‬ويكون شكل اخلدمة املتعاقد عليها‬
‫خمتلفاً بني حالة وأخرى‪ ،‬كالتعاقد على حراسة منزل أو تنظيفه أو تعهد‬
‫نباتاته بالرعاية أو األمور الثالثة جمتمعة‪ ،‬أو العناية باألطفال فقط والقيام‬
‫بشؤوهنم‪ ،‬أو الطهي وتعهد املنزل وحجره بالرتتيب والتنظيف وإحضار‬
‫حوائجه من السوق‪ ،‬وغري ذلك من خدمة املنزل‪.‬‬
‫وهذه العقود تضبط اخلدمة املقدمة فيها تارة بالزمن وتارة بعمل حمدد‪،‬‬
‫كما قال العلماء‪( :‬اإلجارة على ضربني أحدمها أن يعقدها على مدة‬
‫والثاني أن يعقدها على عمل)(‪ .)1‬وقالوا‪( :‬جيوز استئجار اآلدمي بغري‬
‫خالف بني أهل العلم‪ ...‬كإجارة موسى عليه السالم نفسه مثاني حجج‪...‬‬
‫والثاني استئجاره على عمل معني يف الذمة كاستئجار النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم وأبي بكر دليالً يدهلما على الطريق واستئجار رجل خلياطة‬
‫قميص أو بناء حائط)(‪.)2‬‬
‫ويقول الشربيين‪«( :‬وهي» أي اإلجارة «قسمان» أحدمها إجارة «واردة على‬
‫عني» أي على منفعة مرتبطة بعني «كإجارة العقار ودابة أو شخص» وقوله‬
‫«معينني» صفة دابة أو شخص‪ ...‬والقسم الثاني إجارة واردة «على الذمة‬
‫كاستئجار دابة موصوفة» حلمل مثالً «وبأن يلزم ذمته» أي الشخص عمالً‬
‫«خياط ًة أو بناءً» أو غري ذلك ويقول اآلخر قبلت أو اكرتيت(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.253‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص ‪.266‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.333‬‬
‫‪89‬‬
‫وميكننا أن نصنف كل هذه العقود يف أنواع‪:‬‬
‫‪ 1.1‬نوع يكون فيه التعاقد على اخلدمة منضبطة مبدة زمنية حمددة‬
‫ويكون فيها األجر شهرياً أو سنوياً أو غري ذلك ويسمى هذا النوع عند‬
‫العلماء (إجارة عني)‪.‬‬
‫‪ 2.2‬نوع آخر يكون التعاقد على عمل ما‪ ،‬ويستحق اخلادم األجرة مقابل‬
‫تنفيذ ذلك العمل بغض النظر عن املدة الزمنية اليت يؤدى خالهلا‪،‬‬
‫كالتعاقد مع اخلادم على تنظيف حُجَ ِر املنزل مقابل أجر معني سواء ن َّفذ‬
‫عمله خالل يومني أو ثالث‪.‬‬
‫‪ 3.3‬والنوع الثالث من التعاقد على اخلدمة يكون تقييد اخلدمة فيه‬
‫بالضابطني السابقني معاً‪ ،‬ويكون على اخلادم أن يقدم خدمة حمددة‬
‫يف فرتة زمنية معينة‪ ،‬فال يستحق األجرة إال إذا نفذ العمل ضمن املدة‬
‫املتفق عليها‪.‬‬
‫‪ 4.4‬اجلعالة‪ :‬وهي مشارطة العامل على حتصيل منفعةٍ معينة مع جهالة‬
‫يف العمل و الزمن‪ ،‬وال يستحق العامل شيئاً إال إذا حتقق األمر املشروط‪،‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬ال بأس مبشارطة الطبيب على الربء ألن أبا سعيد‬
‫(‪)1‬‬
‫حني رقى الرجل شارطه على الربء والصحيح ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬أن هذا‬
‫جيوز لكن يكون جعالة ال إجارة فإن اإلجارة ال بد فيها من مدة أو عمل‬
‫‪ -1‬أبو سعيد اخلدري‪ :‬سعد بن مالك بن سنان األنصاري اخلزرجي مشهور بكنيته استصغر بأحد وغزا ما بعدها روى عن‬
‫النيب صلى اهلل عليه و سلم الكثري‪ ،‬كان من أفقه أحداث الصحابة وقال اخلطيب كان من أفاضل الصحابة وحفظ حديثا‬
‫كثريا و هو أحد الستة الذين بايعوا النيب صلى اهلل عليه وسلم على أال تأخذهم يف اهلل لومة الئم فاستقال السادس فأقاله‪،‬‬
‫مات سنة أربع وسبعني(اإلصابة يف متييز الصحابة (ج‪ 3‬ص‪.)78‬‬
‫‪90‬‬
‫معلوم فأما اجلعالة فتجوز على عمل جمهول كرد اللقطة واآلبق وحديث‬
‫أبي سعيد يف الرقية إمنا كان جعالة فيجوز ها هنا)(‪.)1‬‬
‫وميكن أن خيتص كل عقد اعتاده الناس بنوع من األنواع السابقة وقد يقبل‬
‫العقد الواحد أكثر من شكل منها(‪.)2‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص ‪.314‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.253‬‬
‫‪91‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عقد اخلدمة اخلاصة (إجارة عني)‬
‫ويقصد من هذا العقد أن حيبس اخلادم نفسه يف خدمة معينة جتاه‬
‫املخدوم مقابل أجر حمدد‪ ،‬وميتنع خالل اخلدمة عن ممارسة عمل غريه‪،‬‬
‫يقول ابن قدامة‪( :‬وجيوز أن يستأجر خلدمته من خيدمه كل شه ٍر بشيء‬
‫معلوم وسواء كان األجري رجال أو امرأة حرا أو عبدا)(‪.)1‬‬
‫يتصف هذا النوع من عقود اخلدمة‪:‬‬
‫‪ 1.1‬يستحق اخلادم األجر مقابل تسليم نفسه‪ :‬ففي هذا النوع من اخلدمة‬
‫يضع اخلادم نفسه يف اخلدمة مقابل أجرٍ‪ ،‬وهذا األجر يستحقه مبجرد‬
‫حبس نفسه على تلك اخلدمة‪ ،‬سواء طلب منه املستخدم حاج ًة أم ال‪،‬‬
‫يقول الكاساني‪( :‬يقام فيه تسليم النفس مقام االستيفاء كما يف أجري‬
‫الوحد حتى لو سلم نفسه يف املدة ومل يعمل يستحق األجر)(‪.)2‬‬
‫‪ 2.2‬يستثنى من املدة اليت يلزم فيها باخلدمة‪ :‬الصالة وحاجاته الطبيعية‪،‬‬
‫فال حيتاج إلذن خمدومه حتى يستطيع أن يؤدي صالته‪ ،‬أو حيصِّل‬
‫حاجاته الطبيعية من طعام وشراب وغريها‪ ،‬ألن هذه األمور ال حتتاج‬
‫الشرتاط يف العقد‪ ،‬وأوقاهتا مستثاة من أوقات اخلدمة أصالً‪ ،‬أما أداء‬
‫اخلادم للنوافل فأمر خمتلف فيه عند العلماء‪ ،‬قال أمحد بن حنبل‪:‬‬
‫(أجري املشاهرة يشهد األعياد واجلمعة وال يَشرتط ذلك قيل له فيتطوع‬
‫بالركعتني قال ما مل يضر بصاحبه إمنا أباح له ذلك ألن أوقات الصالة‬
‫مستثناة من اخلدمة وهلذا وقعت مستثناة يف حق املعتكف برتك معتكفه‬
‫هلا)(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.270‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص ‪.175‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.270‬‬
‫‪92‬‬
‫‪ 3.3‬ال جتوز النيابة فيه لعام ٍل غريه‪ :‬ألنه يتعني العامل املعقود عليه‪،‬‬
‫وقد وقع العقد على خدمته بالذات‪ ،‬ويف تغيري اخلادم بتوكيل غريه بكل‬
‫اخلدمة أو بعضها خمالفة للعقد‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬فأما إن كانت اإلجارة‬
‫على عبده يف مدة و غريها فمرض مل يقم غريه مقامه ألن اإلجارة وقعت‬
‫على عمله بعينه ال على شيء يف ذمته وعمل غريه ليس معقودًا عليه)(‪.)1‬‬
‫من صور هذا النوع من اخلدمة‪:‬‬
‫َّ‬
‫الشغالة(‪ :))2‬وتكون خدمتها مشتملة على‬
‫‪ 1.1‬خادمة منزل (وتسمى‬
‫رعاية املنزل بتنظيفه وترتيبه وطهي الطعام وإحضار بعض حوائج البيت‬
‫من السوق‪ ،‬وغري ذلك من متطلبات البيت وأهله‪ ،‬وختتلف هذه اخلدمات‬
‫زيادة ونقصا وشكالً بني بيت وآخر‪ ،‬فمن البيوت من يطلبون من اخلادمة‬
‫اخلدمة الشخصية ألفراد املنزل‪ ،‬ومن ربات املنازل من متنع اخلادمة‬
‫من خمالطة أهل البيت أصالً‪ ،‬ومنهم من حيدد ساعات العمل‪ ،‬ومنهم‬
‫من يطالب اخلادمة بعمل يف أي حلظة ليالً أو هناراً‪ ،‬والقاسم املشرتك‬
‫بني تلك األحوال أن اخلدمة املطلوبة هي قضاء حوائج البيت وأهله‪،‬‬
‫قال اإلمام أمحد‪( :‬جيوز للرجل أن يستأجر األمة واحلرة للخدمة ولكن‬
‫يصرف وجهه عن النظر)(‪.)3‬‬
‫‪ 2.2‬تعليم األوالد‪ :‬وكانوا يسمَّون قدمياً باملؤدبني‪ ،‬وعملهم تلقني العلم‬
‫لألوالد وتوجيههم‪ ،‬حيث يلتقي املؤدب مع األوالد يف أوقات حمددة‪،‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.267‬‬
‫‪ -2‬الش َّغال‪ :‬الكثري الشغل ومن يقوم بأي من أنواع العمل غري الصناعي مثل (شغالة الزراعة)‪ .‬املعجم الوسيط‪ ،‬مادة‪( :‬‬
‫شغل) ج‪ 1‬ص‪.486‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص ‪.270‬‬
‫‪93‬‬
‫ويستحق أجراً مقابلها يقول الشربيين‪«( :‬ويقدر تعليم القرآن مبدة»‬
‫كشهر)(‪.)1‬‬
‫وقد كثرت العناية هبذه النوع من اخلدمة يف وقتنا احلايل‪ ،‬رمبا لكثرة العلوم‬
‫يف عصرنا أو لضعف اهلمم يف التحصيل العلمي‪ ،‬أو النشغال األبوين عن‬
‫متابعة أبنائهم علمياً مما دفعهم لالستعانة مبعلمني يقومون على تلقني‬
‫العلم لألوالد ومتابعة حتصيلهم العلمي‪ ،‬على شكل حصص درسية يف‬
‫املنزل‪ ،‬وقد تلتزم املعلمة مبجرد مساعدة األوالد يف مراجعة دروسهم‬
‫اليومية وكتابة واجباهتم البيتية من خالل زيارات يومية‪.‬‬
‫‪3 .3‬املربية‪ :‬تسمى احلاضنة‪ ،‬وعملها رعاية الصغار وخدمتهم وتربيتهم‬
‫حتى يستطيعوا االعتماد على أنفسهم(‪ ،)2‬وهذه اخلدمة مرتبطة برتبية‬
‫األوالد ورعايتهم يف حاجاهتم الشخصية وال عالقة هلا بشؤون املنزل‬
‫األخرى‪ ،‬وهي خدمة جائزة يف الشرع‪ ،‬قال الشافعية‪( :‬وتصح اإلجارة‬
‫حلضانة‪ ...‬وجه صحة اإلجارة على احلضانة أهنا نوع خدمة)(‪.)3‬‬
‫واالستئجار للحضانة واجب للطفل إن مل يوجد من يلزمه التطوع هبذه‬
‫اخلدمة كاألم‪ ،‬قال احلنابلة‪( :‬واحلاضنة اليت تربي الطفل مسيت به ألهنا‬
‫تضم الطفل إىل حضنها وهي واجبة ألنه يهلك برتكه فوجب حفظه عن‬
‫اهلالك كما جيب اإلنفاق عليه وإجناؤه من املهالك)(‪.)4‬‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص ‪.340‬‬
‫‪ -2‬األنصاري‪ ،‬أبو حييى زكريا بن حممد بن أمحد بن زكريا ‪926‬هـ (فتح الوهاب بشرح منهج الطالب) بريوت‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1418‬هـ ج‪ 2‬ص‪.212‬‬
‫‪ -3‬البجريمي‪ ،‬سليمان بن عمر بن حممد (التجريد لنفع العبيد) وهو‪( :‬حاشية البجريمي على شرح منهج الطالب) ديار‬
‫بكر – تركيا‪ ،‬املكتبة اإلسالمية ج‪ 3‬ص‪.176‬‬
‫‪ -4‬ابن مفلح‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن حممد بن عبد اهلل احلنبلي‪884‬هـ (املبدع يف شرح املقنع) بريوت‪ ،‬نشر املكتب‬
‫اإلسالمي ‪1400‬هـ ج‪ 8‬ص‪.230‬‬
‫‪94‬‬
‫‪ 4.4‬التمريض اخلاص‪ :‬وهو نوع من أنواع اخلدمة‪ ،‬حيتاجه املرضى‬
‫واملقعدون وذوي االحتياجات اخلاصة‪ ،‬فمثل هؤالء يضطرُّون إىل‬
‫متريض دائم وهذا حيوجهم إىل خادم منقطع خلدمتهم إضافة لتمتعه‬
‫خبربة طبيِّة‪ ،‬من تقديم الدواء بوقته إضافة الستخدام بعض األدوات‬
‫الطبية اليت تلزم املريض بشكل متكرر‪ ،‬وال عالقة هلذه اخلدمة بشؤون‬
‫املنزل األخرى‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬وجيوز أن يستأجر كحاالً ليكحل عينه‬
‫ألنه عمل جائز وميكن تسليمه‪ ،‬وحيتاج أن يقدر ذلك باملدة ألن العمل‬
‫غري مضبوط فيقدر به‪ ...‬وإذا استأجره مدة فكحله فيها فلم تربأ عينه‬
‫استحق األجر)(‪.)1‬‬
‫‪ 5.5‬السائق‪ :‬وخدمة السائق جاءت يف العصر احلديث بسبب كثافة‬
‫االلتزامات امللقاة على عاتق األبوين مع تعقيد احلياة اليومية لألسرة‪،‬‬
‫فرب األسرة غري متفرغ للقيام بتوصيل األبناء مثالً ملدارسهم البعيدة‬
‫عن املنزل بعداً جيعل الصغار أحياناً عاجزين عن االعتماد على أنفسهم‬
‫يف ذلك‪ ،‬فال جيد األب عندها بداً من استخدام سائق يقوم على هذه‬
‫اخلدمة وما يتبعها من تنقالت أفراد األسرة األخرى؛ كالتسوق أو التنزه‬
‫أو غري ذلك‪ ،‬سواء كان مضطرينً أو مرت ّفهني فيها‪ ،‬ويكون السائق متفرغاً‬
‫خلدمة أهل املنزل‪ ،‬ليتمكن من تلبية مطالبهم طيلة مدة اإلجارة املتعاقد‬
‫عليها‪.‬‬
‫وخيتلف حكم هذه اخلدمة وفقاً للظروف اليت تالزمها أو تعرتضها‪،‬‬
‫وسنتعرف على أحكامها يف الفصل الثالث من هذا البحث إن شاء اهلل‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص ‪.314‬‬
‫‪95‬‬
‫‪6 .6‬البواب (حرس البيوت)‪ :‬وهي خدمة تعين بأن يقوم البواب باحملافظة‬
‫على أمن وراحة أهل البيوت مبراقبة الداخلني واخلارجني من املبنى‪،‬‬
‫وإغالق األبواب يف أوقات حمددة‪ ،‬ويضاف غالباً لتلك اخلدمة مهمة‬
‫العناية بنظافة مدخل البناء وممراته‪.‬‬
‫ويعد البواب مشغوالً يف هذه اخلدمة طيلة مدة العقد وال يستطيع أن‬
‫جيمع معها عمالً آخر‪.‬‬
‫‪7 .7‬املؤنسة‪ :‬وهي خدمة ذكرها العلماء يف كتبهم‪ ،‬والغاية منها دفع‬
‫الوحشة عن الزوجة يف غيبة زوجها‪ ،‬وعدها العلماء من النفقة الواجبة‬
‫على الزوج إذا احتاجت الزوجة لذلك‪ ،‬وال يطلب من اخلادمة سوى‬
‫إيناس ربة املنزل بوجودها معها يف البيت‪ ،‬يقول العلماء‪( :‬وتلزمه مؤنسة‬
‫حلاجة كخوف مكاهنا وعدو ختاف على نفسها منه ألنه ليس من املعاشرة‬
‫باملعروف إقامتها مبكان ال تأمن فيه على نفسها)(‪.)1‬‬
‫ولزوم املؤنسة لدفع الوحشة عن الزوجة قال به مجهور العلماء(‪ )2‬إال‬
‫الشافعية وبعض احلنفية وحجتهم يف ذلك أن املسكن الذي ال تأمن‬
‫فيه الزوجة ليس مسكناً شرعياً أصالً وجيب على الزوج إبداله مبسكن‬
‫آخر تأمن فيه‪ ،‬قال الشافعية‪( :‬ال جيب عليه أن يأتي هلا مبؤنسة حيث‬
‫أمنت على نفسها فلو مل تأمن أبدل هلا املسكن مبا تأمن على نفسها‬
‫‪ -1‬ابن ضويان‪ ،‬إبراهيم بن حممد بن سامل ‪1353‬هـ (منار السبيل يف شرح الدليل) حتقيق عصام القلعجي‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة‬
‫املعارف‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1405‬هــ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.267‬‬
‫‪ -2‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 3‬ص‪ .602‬النفراوي‪ ،‬أمحد بن غنيم بن سامل املالكي‪1125‬هـ‬
‫(الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القريواني) بريوت‪ ،‬دار الفكر ‪1415‬هـ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،22‬البهوتي (الروض املربع) ج‪3‬‬
‫ص‪.227‬‬
‫‪96‬‬
‫فيه(‪ ،)1‬وقال احلصكفي(‪)2‬من احلنفية‪( :‬وال يلزمه إتياهنا مبؤنسة ويأمره‬
‫بإسكاهنا بني جريان صاحلني حبيث ال تستوحش‪ ...‬ومفاده أن البيت‬
‫بال جريان ليس مسكنا شرعيا‪ ...‬وظاهره وجوهبا لو البيت خاليًا عن‬
‫اجلريان السيما إذا خشيت على عقلها من سعته قلت لكن نظر فيه‬
‫«الشرنباليل(‪ »)3‬مبا مر أن ما ال جريان له غري مسكن شرعي)(‪.)4‬‬
‫وبالنتيجة أن العلماء متفقون على أن الرجل إذا أمكن أن يُسكن زوجته يف‬
‫مكان ال تستوحش فيه فال يُلزم مبؤنسة‪ ،‬وإال فاجلمهور يوجبها عليه ولو‬
‫مع وجود اجلريان وهذا خيتلف بني حال وأخرى‪ ،‬كما ذكر ابن عابدين‬
‫(‪)5‬‬
‫حيث قال‪( :‬فاحلاصل أن اإلفتاء بلزوم املؤنسة وعدمه خيتلف باختالف‬
‫املساكن ولو مع وجود اجلريان)(‪ ،)6‬وهو احلكم الذي يبدو يل رجحانه‪.‬‬
‫‪ 8.8‬املرضعة‪ :‬مهمتها هي إرضاع الطفل‪ ،‬و خدمته فرتة الرضاع فقط يف‬
‫ْ‬
‫حاجاته من تنظيف وترتيب‪ ،‬وتفقده يف يقظته ونومه‪ ،‬قال تعاىل‪ِ{ :‬إَون‬
‫َ َ ُّ ْ َ َ ْ رَ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ‬
‫ك ْم إ َذا َس َّل ْم ُتم َّمآ آتَيْتمُ‬
‫ضعوا أوالدكم فال جناح علي‬
‫أردتم أن تست ِ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وف} [البقرة‪.]233:‬‬
‫بِالمعر ِ‬
‫واملرضعة إما متفرغة للرضيع يف بيت أبيه وإما أن تشرتط أن ترضعه يف‬
‫‪ -1‬الدمياطي‪ ،‬أبو بكر السيد البكري بن السيد حممد شطا (حاشية إعانة الطالبني على حل ألفاظ فتح املعني) بريوت‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.73‬‬
‫‪ -2‬عالء الدين احلصكفي‪ :‬حممد بن علي بن حممد احلصين‪ ،‬مفيت احلنفية يف دمشق‪ ،‬مولده ووفاته فيها‪ ،‬كان فاضال‬
‫عايل اهلمة‪ ،‬عاكفا على التدريس واالفادة‪ ،‬من كتبه‪( :‬الدر املختار يف شرح تنوير االبصار) يف فقه احلنفية‪ ،‬و(إفاضة االنوار‬
‫على أصول املنار) أصول‪ ،‬و(شرح قطر الندى) يف النحو‪ ،‬تويف ‪1088‬هـ‪( .‬األعالم للزركلي ‪( -‬ج ‪ 6‬ص ‪.)294‬‬
‫‪ -3‬الشرنباليل‪ :‬أبو االخالص حسن بن عمار بن يوسف الوفائي املصري الشُرُنبُاليل‪ ،‬احلنفي الفقيه األصويل تويف مبصر‬
‫سنة ‪ 1069‬هـ من تصانيفه نور اإليضاح‪ ،‬ومراقي السعادات‪ ،‬وشرح درراحلكام‪( .‬هدية العارفني يف أمساء املؤلفني وآثار‬
‫املصنفني ‪.)330 / 1( -‬‬
‫‪ -4‬احلصكفي‪( ،‬الدر املختار شرح تنوير األبصار) ج‪ 3‬ص‪.602‬‬
‫‪ -5‬ابن عابدين‪ :‬حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي‪ ،‬فقيه الديار الشامية وإمام احلنفية يف عصره‪،‬‬
‫مولده يف دمشق ووفاته هبا سنة ‪1252‬هـ‪ ،‬له (رد احملتار على الدر املختار) يف الفقه يعرف حباشية ابن عابدين‪ ،‬وله كتب‬
‫يف األصول والبالغة والتفسري وغريها‪(.‬األعالم للزركلي(ج‪ 6‬ص‪.)42‬‬
‫‪ -6‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 3‬ص‪.602‬‬
‫‪97‬‬
‫بيتها وذلك حبسب اتفاق الطرفني‪ ،‬وتكون يف احلالة األوىل مقيمة مع أهل‬
‫املنزل‪.‬‬
‫وبإمكاننا القول بأن هذه اخلدمة صارت يف زمننا معدومة بسبب ما توفر‬
‫من وسائل اإلرضاع احلديثة‪.‬‬
‫ما يثبت هبذا النوع من العقود‪:‬‬
‫يثبت مبقتضى هذا النوع من العقود حبس اخلادم نفسه يف اخلدمة‬
‫املتعاقد عليها طيلة فرتة العقد‪ ،‬ليقوم بالواجبات اليت متليها عليه هذه‬
‫اخلدمة‪ ،‬فوقته خالل تلك الفرتة ملك للمخدوم ال يستطيع أن يقوم بعمل‬
‫غري تلك اخلدمة إال بإذن‪ ،‬ويستثنى من وقت اخلدمة حتصيله حلاجاته‬
‫الطبيعية من أكل وشرب وغريها‪ ،‬أو صالته‪.‬‬
‫وليس بإمكانه العمل خالهلا جلهة أخرى‪ ،‬كما أنه ليس له أن يوكل غريه‬
‫بالقيام باخلدمة املرتتبة عليه‪ ،‬ألن العقد يلزمه شخصياً القيام به‪ ،‬قال‬
‫الشافعية‪( :‬ولو قال «شخص آلخر» استأجرتك لتعمل «يل» كذا فإجارة‬
‫عني» يف األصح لإلضافة إىل املخاطب)(‪.)1‬‬
‫كما يثبت للخادم األجر كامالً جبرد حبس نفسه للخدمة طيلة مدة العقد‪،‬‬
‫سواء ُطلبت منه خدم ٌة أم ال‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬لو سلم نفسه يف املدة ومل‬
‫يعمل يستحق األجر)(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪2‬ص‪.334‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص ‪.175‬‬
‫‪98‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عقد اخلدمة يف عمل معني‬
‫(إجارة متعلقة بالذمة)‬
‫وهو تعاقد بني الطرفني على أن يقدم اخلادم عمالً معيناً مقابل أجر‬
‫حمدد‪ ،‬ويكون اخلادم غري ملزم أن يقدم عمله ضمن فرتة زمنية حمددة‪،‬‬
‫وبالتايل ال يستطيع املستخدِم أن حيبسه على أداء عمله‪ ،‬وبإمكان اخلادم‬
‫أن يتعاقد على خدمةٍ غريها مع مستخدِم آخر ما مل تؤثر على اخلدمة‬
‫األوىل‪.‬‬
‫وهذه اخلدمة الطارئة يف البيت أقل أخطاراً وسلبيات على البيت املسلم‬
‫من النوع األول (أي إجارة العني) لقلة احتكاك اخلادم مع أهل البيت‪،‬‬
‫ولكنها مع ذلك رمبا تنطوي على بعض تلك الشرور‪.‬‬
‫يتصف هذا النوع من عقود اخلدمة‪:‬‬
‫‪ 1.1‬يلزم يف اخلادم بتقديم املنفعة املتعاقد عليها غري مقرتنة بزمن‪،‬‬
‫فسواء قام عامل التنظيف بتنظيف املنزل بيوم أو يومني‪ ،‬أو بساعتني أو‬
‫ثالث‪ ،‬فهو غري ملزم بزمن معني‪.‬‬
‫‪ 2.2‬يستطيع اخلادم أن حيصِّل اخلدمة بنفسه أو بغريه ألن العقد وقع‬
‫على ذات اخلدمة ال على شخص اخلادم‪ ،‬قال الشربيين‪«( :‬إجارة» ذمة‬
‫«نظرًا إىل املعنى ألن املقصود حصول العمل من جهة املخاطب فكأنه‬
‫قال استحقيت كذا عليك فله حتصيله بغريه وبنفسه)(‪ ،)1‬وقال‪( :‬خبالف‬
‫إجارة الذمة ألن األجري فيها ميكنه حتصيل العمل بغريه)(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 2‬ص ‪.334‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج ‪ 2‬ص ‪.9‬‬
‫‪99‬‬
‫‪ 3.3‬ال يستحق اخلادم األجر مبرور الزمن‪ ،‬ولكن يستحقها بتمام حتصيل‬
‫اخلدمة‪.‬‬
‫‪ 4.4‬جيب على اخلادم أن ينيب غريه عند مرضه أو عجزه عن أداء‬
‫اخلدمة بنفسه ألنه حق تعلق بذمته فوجب عليه حتقيقه بنفسه أو بغريه‪،‬‬
‫يقول ابن قدامة‪( :‬فمتى كانت على عمل يف ذمته فمرض وجب عليه أن‬
‫يقيم مقامه من يعمله ألنه حق وجب يف ذمته فوجب عليه إيفاؤه)(‪.)1‬‬
‫ومن أمثلة هذه اخلدمة‪:‬‬
‫‪1 .1‬عامل تنظيف املنازل‪ :‬يقوم رب املنزل بطلب هذه اخلدمة عندما‬
‫حيتاج املنزل للتنظيف يف موعد حمدد مقابل أج ٍر معنيٍ‪ ،‬ويستغرق‬
‫تنفيذ تلك اخلدمة وقتا قد يطول أو يقصر‪ ،‬واجلهة املتعاقد معها هي‬
‫اليت حتدد العامل أو العاملة أو جمموعة عمال‪.‬‬
‫وهذه اخلدمة حتتاجها ربة املنزل يف الغالب عندما يكون بيتها واسعاً أو‬
‫عندما تنشغل بوظيفة أو عمل خارج البيت‪.‬‬
‫‪2 .2‬متريض (عام)‪ :‬يقوم املمرض بزيارة املريض ملرة أو مرات لفرتة‬
‫تطول أو تقصر‪ ،‬الغرض منها تقديم خدمة معينة للمريض حتتاج خلربة‬
‫طبية (كحقنٍ وريديةٍ‪ ،‬أو سحب دم إلجراء حتاليل طبية مثالً) مقابل‬
‫أجر حمدد يستحقه مبجرد إمتامه لعمله‪.‬‬
‫وهو غري حمتبس على خدمة ذلك املريض‪ ،‬ولكنه يزور املريض كلما‬
‫احتاج للخدمة‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.267‬‬
‫‪100‬‬
‫‪ 3.3‬بستاني املنزل‪ :‬عمله تفقد أزهار ومزروعات حديقة املنزل‪ ،‬وتقديم‬
‫ما حتتاجه من الرعاية‪ ،‬وهو غري ملزم بساعات عمل حمدد وال زيارات‬
‫معينة ولكن يقوم بزيارة حديقة املنزل حبسب احلاجة‪.‬‬
‫وعمله هذا ال مينعه من أن يتعاقد على هذه اخلدمة مع جهات أخرى‪.‬‬
‫‪ 4.4‬إصالح األعطال (املنزلية)‪ :‬كالتعاقد مع ورشة صيانة املصاعد‬
‫الكهربائية‪ ،‬أو صيانة أجهزة التدفئة والتكييف‪ ،‬ويكون التعاقد معها‬
‫إما على أجر شهري مقابل زيارات دورية للصيانة واإلصالح‪ ،‬ورمبا‬
‫ال حتضر تلك الورش إال عند حصول عطل ما وعندها تستحق أجراً‬
‫مستقالً عند كل زيارة إصالح‪.‬‬
‫وبالطبع فمثل هذه الورش ال ترتبط بالعمل جبهة حمددة ولكن بإمكاهنا‬
‫أن ترتبط بالعمل مع جهات متعددة‪.‬‬
‫ما يثبت هبذا النوع من العقود‪:‬‬
‫يثبت هبذا النوع من عقود اخلدمة كامل األجر للخادم بإمتامه العمل‬
‫املتعاقد عليه بغض النظر عن املدة اليت يستغرقها إهناء هذا العمل‪.‬‬
‫كما يثبت للمخدوم حق استيفاء كامل املنفعة املتعاقد عليها‪ ،‬واخلادم ملزم‬
‫بتحقيق اخلدمة سواء بنفسه أو بغريه‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬عقد اخلدمة يف عمل معني مرتبط بزمن‬
‫يلتزم اخلادم من خالل هذا النوع من التعاقد بضابطني معاً العمل والزمن‪،‬‬
‫فيتعاقد رب املنزل مع اخلادم على أن يقدم له خدمة منزلية معينة خالل‬
‫فرتة حمددة من الزمن‪ ،‬كأن يطلب من عامل التنظيف أن ينظف له غرف‬
‫املنزل خالل يوم واحد فقط‪.‬‬
‫يتصف هذا النوع من عقود اخلدمة‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أن العامل ملزم بتقديم خدمة حمددة يف فرتة زمنية معينة‪ ،‬فأن مل‬
‫يتم عمله يف الفرتة املتفق عليها مل يستحق أجرته املتفق عليها‪.‬‬
‫‪ 2.2‬ال يستطيع أن يعمل جلهة أخرى غري املتعاقد معها ألنه حبس نفسه‬
‫لصاحل اخلدمة اليت تعاقد عليها‪.‬‬
‫‪ 3.3‬ال يلزم بتأدية اخلدمة بنفسه إال إذا شُرطت يف العقد أو كانت طبيعة‬
‫اخلدمة تقتضي ذلك‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف جواز هذا النوع من العقود‪ :‬على مذاهب ثالثة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬القائلون بعدم اجلواز‪ :‬وهم علماء الشافعية وأبو حنيفة وأقره ابن‬
‫قدامة من احلنابلة‪ ،‬ألن اجلمع بني العمل واملدة فيه غرر وهو مفسد‬
‫للعقد فقد يفرغ اخلادم من العمل قبل انقضاء املدة‪ ،‬وقد ال يتمّ العمل يف‬
‫املدة احملددة‪ ،‬يقول ابن قدامة‪( :‬ومتى تقدّرت املدة مل جيز تقدير العمل‬
‫وهبذا قال أبو حنيفة والشافعي ألن اجلمع بينهما يزيدها غررًا‪ ،‬ألنه قد‬
‫يفرغ من العمل قبل انقضاء املدة‪ ،‬فإن استعمل يف بقية املدة فقد زاد على‬
‫ما وقع عليه العقد‪ ،‬وإن مل يعمل كان تاركا للعمل يف بعض املدة وقد ال‬
‫‪102‬‬
‫يفرغ من العمل يف املدة‪ ،‬فإن أمته عمل يف غري املدة‪ ،‬وإن مل يعمله مل يأت‬
‫مبا وقع عليه العقد‪ ،‬وهذا غرر أمكن التحرز عنه ومل يوجد مثله يف حمل‬
‫الوفاق فلم جيز العقد معه)(‪.)1‬‬
‫وقال الشافعية‪( :‬فلو مجعهما «أي الزمان والعمل» فاستأجره «أي شخصا»‬
‫ليخيطه «أي الثوب» بياض النهار مل يصح يف األصح )(‪ ،)2‬و قال الكاساني‬
‫من احلنفية‪( :‬أن اإلجارة فاسدة يف قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف‬
‫وحممد جائزة وعلى هذا اخلالف إذا استأجر الدابة إىل الكوفة أياما‬
‫مسماة فاإلجارة فاسدة عنده وعندمها جائزة)(‪.)3‬‬
‫ثانياً‪ :‬أما القائلني باجلواز‪ :‬فهم احلنابلة والصاحبني من احلنفية‪ ،‬فروي‬
‫عن أمحد‪( :‬فيمن اكرتى دابة إىل موضع على أن يدخله يف ثالث فدخله‬
‫يف ست فقال‪ :‬قد أضر به فقيل‪ :‬يرجع عليه بالقيمة؟ قال‪ :‬ال يصاحله‪.‬‬
‫وهذا يدل على جواز تقديرمها مجيعًا وهو قول أبي يوسف وحممد بن‬
‫احلسن)(‪.)4‬‬
‫ودليل جواز العقد على العمل والزمن يف اخلدمة هو عدم وجود الغرر‪،‬‬
‫ألن املعقود عليه هو العمل فقط وإمنا ذكر الزمن للتعجيل‪ ،‬حيث ذكر‬
‫احلنابلة‪( :‬ألن اإلجارة معقودة على العمل‪ ،‬واملدة مذكورة للتعجيل فال‬
‫ميتنع ذلك‪ ،‬فعلى هذا إذا فرغ العمل قبل انقضاء املدة مل يلزمه العمل يف‬
‫بقيتها‪ ،‬ألنه وفى ما عليه قبل مدته فلم يلزمه شيء آخر‪ ،‬كما لو قضى‬
‫الدين قبل أجله‪ ،‬وإن مضت املدة قبل العمل فللمستأجر فسخ اإلجارة ألن‬
‫األجري مل يف له بشرطه‪ ،‬وإن رضي بالبقاء عليه مل ميلك األجري الفسخ‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص ‪.253‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 2‬ص‪.341‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص ‪.185‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 5‬ص ‪.253‬‬
‫‪103‬‬
‫ألن اإلخالل بالشرط منه فال يكون ذلك وسيلة له إىل الفسخ‪ ...‬فإن‬
‫اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل ال غري‪ ...‬وإن فسخ العقد قبل عمل‬
‫شيء من العمل سقط األجر والعمل‪ ،‬وإن كان بعد عمل شيء منه فله أجر‬
‫مثله ألن العقد قد انفسخ فسقط املسمى ورجع إىل أجر املثل)(‪.)1‬‬
‫وقد اختلف يف ذلك اإلمام أمحد عن الصاحبني من وجه‪ ،‬حيث أعطى‬
‫املستأجر خيار الفسخ بينما مل يعط الصاحبني خيار الفسخ للمستأجر‬
‫وإمنا أثبتوا للعامل أجر مثله وليس األجر املسمى‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬فإن‬
‫فرغ منه قبل متام املدة أي اليوم فله كمال األجر وإن مل يفرغ منه يف اليوم‬
‫فعليه أن يعمله يف الغد‪ ...‬ثم إن وفى بالشرط أخذ املسمى وإن مل يف به‬
‫فله أجر مثله ال يزاد على ما شرطه)(‪.)2‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وقال املالكية بالتفصيل‪ :‬حيث قالوا إن كان الزمن احملدد ال يتسع‬
‫للعمل املتفق عليه فالعقد غري جائز‪ ،‬وإن كان الزمن يتسع هلذا العمل جاز‬
‫العقد‪ ،‬واختلفوا يف ترجيح املتساوي فقالوا‪( :‬أن الزمن الذي قيدت به‬
‫اإلجارة إن كان أوسع من العمل بكثري فال خيتلف يف اجلواز وإن كان أضيق‬
‫بكثري فال خيتلف يف املنع وإن كان الزمن مساويا ملقدار العمل ففيه قوالن‬
‫اختلف الشيوخ يف تعيني املشهور منها)(‪.)3‬‬
‫لزم من هذا التفصيل عندهم أن العقد إن كان جائزاً ‪-‬أي يف الزمن‬
‫الواسع وقول يف املساوي ‪ -‬استحق العامل أجره املتفق عليه‪ ،‬وإن إن كان‬
‫العقد فاسدا ‪-‬أي يف الضيق وقول يف املساوي‪ -‬استحق أجر مثله‪ ،‬وبينوا‬
‫ذلك بقوهلم‪( :‬فعلى القول بأن ذلك ال جيوز يكون لألجري إن فاتت اإلجارة‬
‫بالعمل أجرة مثله بالغة ما بلغت على تعجيلها أو تأخريها‪.‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.253‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج ‪ 4‬ص ‪.185‬‬
‫‪ -3‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.410‬‬
‫‪104‬‬
‫فأما على القول بأن ذلك جائز فإن فرغ منه يف اليوم الذي مسى كانت له‬
‫اإلجارة املسماة‪ ،‬وإن مل يفرغ منه إال بعد ذلك كانت له إجارته على غري‬
‫التعجيل‪ ،‬ألن املستأجر إمنا رضي به من األجرة على التعجيل فإذا أعطاه‬
‫ذلك مل ينبغ أن يأخذ ماله باطال انتهى)(‪.)1‬‬
‫واخلالصة‪ :‬أن الذي يظهر أن أصحاب القول الثاني اجمليزين قالوا إن‬
‫املقصود من هذا العقد هو العمل فقط‪ ،‬وأما ذكر الزمن فهو الشرتاط‬
‫التعجيل يف العمل‪ ،‬وإن تأخر إمتام العمل فهو إخالل بالشرط يعطي‬
‫املستأجر اخليار بالفسخ أو اإلمضاء كتخلف أي شرط صحيح مقرتن‬
‫بالعقد‪.‬‬
‫والذي يبدو يل رجحان هذا املذهب لكونه أعمل القواعد األساسية للعقد‬
‫يف الفقه اإلسالمي وهذا ما أشار إليه بعض الشافعية بقوهلم‪( :‬أنه لو‬
‫قصد التقدير بالعمل وذكر اليوم أي شرطه للتعجيل فينبغي أن يصح‪...‬‬
‫إذ املدة مذكورة للتعجيل فال تورث الفساد)(‪.)2‬‬
‫ولذا أرى أن مذهب اإلمام أمحد يف هذه املسألة أرجح‪ ،‬وفيه توسعة‬
‫على الناس يف معامالهتم‪ ،‬وأحفظ حلق املستخدم الذي مل حيصل على‬
‫اخلدمة يف وقت حاجته هلا‪ ،‬ويف إلزامه بإمتام العقد مع التأخري –كما‬
‫يقول الصاحبان من احلنفية– إجحاف حبقه‪.‬‬
‫صور هذا العقد‪:‬‬
‫هناك صور كثرية هلذا النوع من التعاقد يف خدمة البيوت‪ ،‬حيث جند نفس‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.411‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 2‬ص‪.341‬‬
‫‪105‬‬
‫اخلدمات املوجودة يف التعاقد على عمل متعلق يف الذمة‪ ،‬ولكن يدخلها‬
‫حتديد الزمن كشرط إضايف‪ ،‬مثل عمال تنظيف املنزل أو عامل إصالح‬
‫أعطال املنزلية إذا كانت خدماهتم مضبوطة بالعمل والزمن يف آن واحد‪.‬‬
‫ما يثبت هبذا النوع من العقود‪:‬‬
‫يُلزم اخلادم بتقديم اخلدمة املتعاقد عليها ضمن الزمن احملدد‪.‬‬
‫يَلزم املخدوم تقديم األجر املتفق عليه إذا حصَّل املنفعة ضمن املدة املتفق‬
‫عليها‪.‬‬
‫إذا مضت املدة ومل يتم اخلادم العمل فاملخدوم باخليار إن شاء فسخ‬
‫العقد ويدفع أجر املثل ملا مت حتصيله من منفعة‪ ،‬وإذ شاء أمت العمل‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪106‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬اجلعالة يف عقد اخلدمة‬
‫وقد يأخذ عقد اخلدمة يف املنزل شكل اجلعالة‪ ،‬كمشارطة املمرض على‬
‫الربء من املرض‪ ،‬أو مشارطة معلم األوالد على حفظ القرآن مثالً‪.‬‬
‫ويقصد من هذا العقد حتصيل منفعة معينة بغض النظر عن العمل أو‬
‫الوقت الذي حيتاجه ذلك التحصيل‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬فأما إن شارطه‬
‫على الربء فإنه يكون جعالة فال يستحق شيئا حتى يوجد الربء سواء وجد‬
‫قريبًا أو بعيدًا)(‪.)1‬‬
‫وقد مر سابقاً حكم اجلعالة عند العلماء(‪ ،)2‬مع بيان أدلتهم اليت اعتمدوا‬
‫عليها‪ ،‬وبينت عندها ترجيح مذهب اجلمهور يف جواز العمل باجلعالة يف‬
‫عقد اخلدمة‪.‬‬
‫يتميز هذا النوع من العقود عن غريه من عقود اخلدمة مبا يأتي‪:‬‬
‫إن عقد اجلعالة غري الزم فيصح للعامل الفسخ متى شاء‪ ،‬خبالف عقود‬
‫اخلدمة السابقة فهي ملزمة لكل من الطرفني جتاه اآلخر‪.‬‬
‫إذا فسخ العامل العقد قبل متام العمل سقط كل العوض‪ ،‬وال قيمة ملا قدم‬
‫من عمل‪.‬‬
‫ال يستحق العامل اجلعل إال بعد متام العمل‪ ،‬وال حيق له املطالبة بتعجيل‬
‫اجلعل‪.‬‬
‫للعامل أن يستعني بغريه إال أن يشرتط عليه املتعاقد أن يقوم على العمل‬
‫بنفسه‪.‬‬
‫وإن فسخ اجلاعل العقد بعد العمل استحق اخلادم األجر‪ ،‬قال ابن قدامة‪:‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص ‪.314‬‬
‫‪ -2‬ص ‪39‬‬
‫‪107‬‬
‫(لو عمل العامل يف اجلعالة ثم فسخ العقد وإن امتنع ألمر من جهة الكحال‬
‫أو غري اجلاعل فال شيء له وإن فسخ اجلاعل اجلعالة بعد عمل الكحال‬
‫فعليه أجر عمله فإن فسخ الكحال فال شيء له ألهنا جعالة فثبت فيها ما‬
‫ذكرناه)(‪.)1‬‬
‫من صور هذا العقد‪:‬‬
‫التعاقد مع طبيب على املعاجلة حتى الشفاء‪ :‬فإن شُفي املريض ‪-‬بإذن‬
‫اهلل‪ -‬استحق الطبيب اجلعالة املشروطة وإال مل يستحق شيئاً‪ ،‬يقول ابن‬
‫قدامة‪( :‬ال بأس مبشارطة الطبيب على الربء ألن أبا سعيد حني رقى‬
‫الرجل شارطه على الربء‪ ،‬والصحيح ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬أن هذا جيوز لكن‬
‫يكون جعالة ال إجارة‪ ،‬فإن اإلجارة ال بد فيها من مدة أو عمل معلوم‪ ،‬فأما‬
‫اجلعالة فتجوز على عمل جمهول كرد اللقطة واآلبق‪ ،‬وحديث أبي سعيد‬
‫يف الرقية إمنا كان جعالة فيجوز هاهنا)(‪.)2‬‬
‫وكالتعاقد مع املعلم على حفظ الولد القرآن أو حتصيله شهادة معينة أو‬
‫تعليمه منهاج مرحلة صفية بشرط جناحه‪ ،‬فإن حصل الشرط من حفظ‬
‫القرآن أو النجاح أو حتصيل الشهادة احملددة استحق املعلم األجر اجملاعل‬
‫عليه‪.‬‬
‫ويثبت هبذا التعاقد‪:‬‬
‫يثبت اجلعل املتفق عليه للخادم بتمام حتصيل املنفعة املتفق عليها‪.‬‬
‫وال يُلزم اخلادم بإمتام العقد وله الفسخ متى شاء‪ ،‬ألن عقد اجلعالة ال‬
‫يُل ِزم إال طرف اجملاعل‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص ‪.314‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص ‪.314‬‬
‫‪108‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫انعقاد عقد اخلدمة يف البيوت‬
‫املطلب األول‪ :‬أركان عقد اخلدمة‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬شروط عقد اخلدمة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬انعقاد عقد اخلدمة‬
‫ال بد يف عقد اخلدمة حتى ينعقد من توفر مقوماتٍ أساسيةٍ؛ من عاقدين‬
‫وصيغة عقد معينة وخدمة حمددة‪ ،‬ولكل من هذه املقومات شروط ال‬
‫يستغنى عنها‪.‬‬
‫ومن ثمَّ ختتلف النتائج املرتتبة على وقوع العقد حسب توفر تلك املقومات‬
‫والشروط‪.‬‬
‫ويكون عقد اخلدمة يف البيوت يف صورته الغالبة وجهاً من وجوه اإلجارة‬
‫وحالة من أحواهلا وال يشذ عنها إال يف اجلعالة كحالة استثنائية من أحوال‬
‫اخلدمة؛ لذلك سنتعامل معها كعقد إجارة ثم نلمح إىل بعض الفوارق إذا‬
‫كانت اخلدمة جعالة‪.‬‬
‫وفيما يأتي منر على أركان عقد اخلدمة مع التعرف على حقيقة هذه‬
‫األركان وظروفها‪ ،‬ثم ننتقل للكالم على شروط عقد اخلدمة‪ ،‬وبعدها‬
‫نتعرف على النتائج املرتتبة على وقوع عقد اخلدمة سواء كان صحيحاً أم‬
‫فاسداً‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أركان عقد اخلدمة‬
‫األركان وهي املقومات األساسية لعقد اخلدمة إذا َفقد منها شيئاً حكم‬
‫على العقد بالبطالن والعدم وكان لغواً من الكالم ال يرتتب عليه شيء‪ ،‬وقد‬
‫اختلف العلماء يف حتديد تلك األركان على مذهبني‪:‬‬
‫املذهب األول جيعل العقد منحصراً يف ركن واحد وهو الصيغة‪ ،‬وما تبقى‬
‫من مقومات أخرى للعقد فهي عبارة عن شروط ملحقة بالصيغة وهذا‬
‫مذهب علماء احلنفية‪.‬‬
‫الثاني وهو مذهب اجلمهور(‪ )1‬الذي يعد األركان أربعة‪ :‬العاقدان والصيغة‬
‫واملنفعة املتعاقد عليها (وهي اخلدمة املتفق عليها) والعوض املبذول مقابل‬
‫املنفعة‪.‬‬
‫وسأ ِّتبع طريقة اجلمهور يف تقسيم األركان ألهنا أسهل يف عرض مقومات‬
‫العقد‪.‬‬
‫الركن األول‪ :‬العاقدان‬
‫العاقدان يف عقد اخلدمة مها اللذان يتفقان على أن يبذل أحدمها اخلدمة‬
‫احملددة بنفسه أو بغريه مقابل عوض يبذله العاقد الثاني‪.‬‬
‫والبد من توافر شروط حمددة يف العاقدين حتى يقبل التعاقد بينهما‬
‫ويعد ملزماً لكال الطرفني وترتتب عليه نتائجه‪ ،‬وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫‪ .‬أاإلسالم‪:‬‬
‫هل يشرتط يف اخلادم أو املخدوم أن يكونا مسلمني ليصح عقد اخلدمة؟‬
‫أما اشرتاط إسالم املخدوم فهو حبسب نوع اخلدمة‪ ،‬فإن كانت اخلدمة‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج ‪ 5‬ص‪ .389‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.333‬‬
‫‪111‬‬
‫متعلق ًة بالذمة فهي جائزة عند مجهور الفقهاء(‪ ،)1‬وقد مر أمثلة هذا النوع‬
‫من اخلدمة سابقاً(‪.)2‬‬
‫وإذا كانت اخلدمة متعلقة بعني اخلادم فقد اختلف فيها العلماء على‬
‫مذاهب‪:‬‬
‫األول‪ :‬الصحة مع الكراهة وقال بذلك الشافعية واحلنفية‪ ،‬ودليلهم على‬
‫ذلك أن عقد اخلدمة عقد معاوضة تامُّ األركان فهو عقد صحيح‪ ،‬ولكن‬
‫الكراهة فيه لكون اخلدمة تتضمن إذالالً للمسلم حببسه نفسه على خدمة‬
‫كافر‪ ،‬قال الشافعية‪( :‬فيصح من الكافر استئجار املسلم كما يف قصة علي‬
‫رضي اهلل تعاىل عنه إجارة ذمة وكذا إجارة عني على األصح مع الكراهة‬
‫كما نص عليه الشافعي رضي اهلل تعاىل عنه لكن يؤمر بإزالة ملكه عن‬
‫املنافع على األصح‪ ..‬بأن يؤجره ملسلم)(‪ .)3‬وكذلك قال احلنفية‪( :‬ولو‬
‫استأجر ذمي مسلما ليخدمه ذكر يف األصل أنه جيوز وأكره للمسلم خدمة‬
‫الذمي أما الكراهة فألن االستخدام استذالل فكان إجارة املسلم نفسه‬
‫منه إذالالً لنفسه وليس للمسلم أن يذل نفسه خصوصا خبدمة الكافر‬
‫وأما اجلواز فألنه عقد معاوضة فيجوز كالبيع)(‪.)4‬‬
‫واملذهب الثاني‪ :‬عدم اجلواز مطلقاً وهو مذهب احلنابلة‪ ،‬ودليلهم على‬
‫ذلك أن فيه حبساً للمسلم عند الكافر وإذالالً له فبهذا خيتلف عن إجارة‬
‫الذمة‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬وال جتوز إجارة املسلم للذمي خلدمته نص عليه‬
‫أمحد‪ ...‬فقال إن أجر نفسه من الذمي يف خدمته مل جيز وإن كان يف عمل‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪ .189‬الدردير (الشرح الكبري) ج‪ 4‬ص‪ .19‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪2‬ص‪ .333‬ابن‬
‫قدامة (املغين) ج ‪ 5‬ص‪.322‬‬
‫‪ -2‬ص‪.93‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪2‬ص‪.333‬‬
‫‪ -4‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.189‬‬
‫‪112‬‬
‫شيء جاز‪ ،‬وهذا أحد قويل الشافعي وقال يف اآلخر جتوز ألنه جتوز له‬
‫إجارة نفسه يف غري اخلدمة فجاز فيها كإجارته من املسلم‪.‬‬
‫ولنا إنه عقد يتضمن حبس املسلم عند الكافر وإذالله له‪ ،‬واستخدامه‬
‫أشبه البيع حيققه أن عقد اإلجارة للخدمة يتعني فيه حبسه مدة اإلجارة‬
‫واستخدامه والبيع ال يتعني فيه ذلك فإذا منع منه فألن مينع من اإلجارة‬
‫أوىل فأما إن أجر نفسه منه يف عمل معني يف الذمة كخياطة ثوب وقصارته‬
‫جاز بغري خالف نعلمه ألن عليا رضي اهلل عنه أجر نفسه من يهودي يسقي‬
‫له كل دلو بتمرة وأخرب النيب صلى اهلل عليه وسلم بذلك فلم ينكره وكذلك‬
‫األنصاري وألنه عقد معاوضة ال يتضمن إذالل املسلم وألن استخدامه‬
‫أشبه مبايعته)(‪.)1‬‬
‫والثالث قول املالكية‪ :‬التفريق بني أن تكون اخلدمة املتعاقد عليها حتت يد‬
‫املخدوم ويغيب يف بيته وحكمها التحريم‪ ،‬وإما أن تكون اخلدمة املتعاقد‬
‫عليها ال يغيب فيها اخلادم يف بيت املخدوم فحكمها الكراهة‪ ،‬قال املالكية‪:‬‬
‫(يكره للمسلم أن يكري عبده أو نفسه أو ولده لكافر حيث كان الكافر‬
‫يستبد بعمل املسلم ومل يكن حتت يده ومل يكره يف فعل حمرم فإن مل‬
‫يستبد الكافر يعمل املسلم كخياط يرد عليه املسلم والكافر فيجوز وإن‬
‫كان حتت يده كأجري خدمة بيته وظئر حرم وفسخت وله أجرة ما عمل(‪.)2‬‬
‫ودليلهم أن اخلدمة اليت يغيب فيها اخلادم املسلم يف بيت املخدوم غري‬
‫َ َ جَ ْ َ ُهّ‬
‫{ولن ي َعل الل‬
‫املسلم يكون فيها استيالء للكافر على املسلم وقال تعاىل‪:‬‬
‫َ لَىَ ْ ُ ْ َ َ ً‬
‫ْ اَ‬
‫ِّ‬
‫ل ِلكف ِِرين ع المؤ ِمنِني سبِيال} [النساء‪ ،]141:‬وملا متكن من إهانة املسلم‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج ‪ 5‬ص ‪.322‬‬
‫‪ -2‬الدردير (الشرح الكبري) ج ‪ 4‬ص‪.19‬‬
‫‪113‬‬
‫وإذايته‪ ،‬وملا فيه من فتنة املسلم عن دينه واحتمال وقوعه يف احملرمات‬
‫وإضاعته للطاعات‪ ،‬واستدل املالكية بقوهلم‪( :‬إجارة العبد املسلم للكافر‬
‫مكروهة فإمنا ذلك إذا مل يغب عليه وأما إن كان يغيب عليه يف بيته فال‬
‫جيوز ملا يف ذلك من املفاسد منها استيالء الكافر على املسلمني وإهانتهم‬
‫َ لَىَ‬
‫َ َ جَ ْ َ َ ُهّ ْ اَ‬
‫والتمكن من إذايتهم وقد قال اهلل تعاىل‪{ :‬ولن يعل الل ل ِلكف ِِرين ع‬
‫ُْ ْ َ َ ً‬
‫المؤ ِمنِني سبِيال} ومنها ما خيشى أهنم يفتنوهنم عن دينهم والعياذ باهلل‬
‫لتمكنهم منهم ومنها رمبا أطعموهم شيئا من احملرمات كاخلمر واخلنزير‬
‫ومنها أهنم مينعوهنم من الواجبات ومنها ما خيشى من وطء اإلماء فإن‬
‫وقعت اإلجارة على الصفة املذكورة فسخت)(‪.)1‬‬
‫فمثال اخلدمة اليت يغيب فيها اخلادم يف بيت املخدوم غري املسلم شغاالت‬
‫البيوت‪ ،‬واالستذالل يف هذه اخلدمة واضح إضافة إىل أهنن رمبا أكرهن‬
‫من قبل أهل البيت على فعل احلرام من تقديم مسكر أو تناول طعا ٍم‬
‫حمر ٍم‪ ،‬وعدم اجلواز فيه ظاهر بيّن‪.‬‬
‫وأما مثال اخلدمة اليت ال يغيب فيها اخلادم يف بيت املخدوم غري املسلم‬
‫خدمة البواب فمخالطته ألهل املنزل قليلة ويستطيع أن يتحاشى مواقف‬
‫الذل وخدمتهم يف احملرمات‪.‬‬
‫وملّا احتج مذهب املالكية باآلية الكرمية وبسدِّ ذريعةِ الفتنةِ للمسل ِم وخاصة‬
‫يف زماننا الذي ضعف فيه اإلميان وعظمت فيه الفنت على املسلم؛ لذلك‬
‫أرى رجحان هذا املذهب واشرتاط إسالم املخدوم إذا كان اخلادم مسلماً‬
‫يف هذا النوع من اخلدمة‪.‬‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.418‬‬
‫‪114‬‬
‫أما اشرتاط إسالم اخلادم فسار العلماء يف هذه املسألة على مذاهب‪:‬‬
‫‪ 1.1‬فمنهم من فرق بني اخلدمة الظاهرة واخلدمة الباطنة فمنع الباطنة‬
‫وأجاز الظاهرة‪ ،‬وهم الشافعية حيث قلوا‪( :‬وال بذمية ملسلمة إذ ال تؤمن‬
‫عداوهتا الدينية ولتحريم النظر‪ ...‬وهذا يف اخلدمة الباطنة أما الظاهرة‬
‫كقضاء احلوائج من السوق فيتوالها الرجال وغريهم)(‪.)1‬‬
‫‪ 2.2‬ومنهم من فرق بني اخلدمة املتعلقة بأمور الدين فمنعها‪ ،‬واخلدمة‬
‫غري املتعلقة بأمور الدين فأباحها‪ ،‬وهم احلنفية حيث قالوا‪( :‬وإن استأجر‬
‫املسلم ذميًا أو مستأمنًا خلدمته كان جائزًا‪ ،‬ولكن ال ينبغي أن يستخدمه‬
‫يف أمور دينه من أمر الطهور وحنوه فرمبا ال يؤدي األمانة)(‪.)2‬‬
‫‪ 3.3‬ومنهم من أباحها مطلقاً وهو ظاهر كالم املالكية(‪ )3‬وأصح الوجهني‬
‫عند احلنابلة فقالوا‪( :‬وهل جيوز أن يكون من أهل الكتاب فيه وجهان‪،‬‬
‫الصحيح منهما جوازه ألن استخدامهم مباح وقد ذكرنا فيما مضى أن‬
‫الصحيح إباحة النظر هلم‪ ،‬والثاني ال جيوز ألن يف إباحة نظرهم اختالفا‬
‫وتعافهم النفس و ال يتنظفون من النجاسة )(‪.)4‬‬
‫‪ 4.4‬ومنهم من منعها مطلقاً وهو قول عند احلنابلة كما يف النص السابق‪.‬‬
‫من خالل سرد هذه املذاهب نرى أن مذهب الشافعية فرق بني اخلدمة‬
‫الظاهرة واخلدمة الباطنة وهذا تقسيم جيد لكون املفاسد املذكورة عند‬
‫املذاهب األخرى حمصورة يف اخلدمة الباطنة كاملربية مثالً أما الظاهرة‬
‫كالبواب فهي بعيدة عن هذه املفاسد بشكل عام‪ ،‬إضافة إىل أن إطالق‬
‫اإلباحة وغض النظر عن األخطار املذكورة سابقاً وعدم سد ذريعتها‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪3‬ص‪.433‬‬
‫‪ -2‬السرخسي (املبسوط) ج‪ 16‬ص‪.56‬‬
‫‪ -3‬الدردير (الشرح الكبري) ج‪ 4‬ص‪.18‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 8‬ص‪.160‬‬
‫‪115‬‬
‫وجتاهلها يعد إضاعة لبيوت اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬هلذا أرى ترجيح مذهب‬
‫الشافعية يف هذه التقسيم‪.‬‬
‫‪.‬بالبلوغ‪:‬‬
‫واملقصود بالبلوغ يف الفقه اإلسالمي‪ :‬هو (انتهاء حد الصغر يف اإلنسان‪،‬‬
‫ليكون أهالً للتكاليف الشرعية)(‪.)1‬‬
‫ويكون البلوغ بالعالمة أو بالسن(‪.)2‬‬
‫أما بالعالمة‪ :‬فعالمة البلوغ عند الغالم االحتالم وأدنى املدة اثنتا عشرة‬
‫سنة من عمره‪ ،‬وعالمة بلوغ الفتاة احليض واالحتالم واحلبل وأدنى املدة‬
‫تسع سنني من عمرها‪.‬‬
‫وهناك عالمات خمتلف فيها‪ :‬مثل نبات شعر العانة قال به اإلمام مالك‬
‫وأمحد‪ ،‬وهو رواية عن أبي يوسف من احلنفية‪.‬‬
‫وأما بالسن‪ :‬ففي بلوغ مخس عشرة سنة عند مجهور العلماء من الشافعية‬
‫واملالكية واحلنابلة والصاحبني من احلنفية وهو املفتى به يف املذهب‪،‬‬
‫وقال أبو حنيفة يبلغ الغالم إذا أمت الثامنة عشرة ودخل يف التاسعة عشرة‪،‬‬
‫ويف الفتاة إذا دخلت يف السابعة عشرة‪.‬‬
‫هل يشرتط البلوغ يف العاقدين؟ وبكالم أدق هل يشرتط بلوغ اخلادم‬
‫واملخدوم ليتم عقد اخلدمة؟‬
‫البد من شرط البلوغ يف العاقدين حتى ينعقد عقد اخلدمة‪ ،‬ولكن علينا‬
‫‪( -1‬املوسوعة الفقهية الكويتية)‪ ،‬إصدار وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ‪ -‬الكويت‪ ،‬طباعة ذات السالسل الكويت‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1406‬هـ ‪ ،1986‬مادة (بلغ) ج‪ 8‬ص‪.186‬‬
‫‪ -2‬األسروشين‪ ،‬حممد بن حممود بن احلسني بن أمحد احلنفي ت ‪632‬هـ (جامع أحكام الصغار) حتقيق‪ :‬د‪.‬أبو مصعب‬
‫البدري و حممود عبد الرمحن عبد املنعم‪ .‬دار الفضيلة القاهرة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ .177‬اجلمل‪ ،‬العالمة الشيخ سليمان (حاشية‬
‫اجلمل على املنهج لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري) بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ .336‬ابن عبد الرب‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد‬
‫اهلل القرطيب ‪463‬هـ (الكايف يف فقه أهل املدينة) بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1407‬هـ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ .118‬ابن قدامة‬
‫(املغين) ج‪ 4‬ص‪.297‬‬
‫‪116‬‬
‫أن نعلم أن املقصود بالبلوغ هو البلوغ الشرعي أي البلوغ الفعلي أو بالسن‬
‫وهو ال يتجاوز اخلامسة عشر من العمر عند مجهور العلماء كما مر معنا‬
‫سابقاً‪ ،‬بالتايل فلو وقع عقد اخلدمة وكان اخلادم مثالً بلغ اخلامسة‬
‫عشر من عمره‪ ،‬انعقد العقد شرعاً‪ ،‬غري أن القوانني املعمول هبا يف دول‬
‫العامل –مبا فيها الدول اإلسالمية– ال تعطي األهلية إلجراء العقود إال‬
‫فيمن بلغ الثامنة عشر من عمره‪ ،‬وبإمكاننا القول أن هذا القانون يعد‬
‫ملزماً يف عقود اخلدمة يف اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬ألن الشرع يعطي احلاكم‬
‫حق إلزام الناس باألمور اليت حتفظ مصاحل اجملتمع وتسد ذريعة التسلط‬
‫والظلم‪ ،‬وخاصة يف زمن قل فيه الوازع الديين واألمانة‪ ،‬واخلادم يغيب يف‬
‫بيت املخدوم‪ ،‬ثم إن صغر اخلادم يكون حمط طمع أهل املنزل الستغالله‬
‫وهضم حقه‪.‬‬
‫بل من واجب احلكومات أن تفرض القوانني اليت متنع استغالل اخلدم‬
‫وظلمهم ومن مسؤوليتها احليلولة دون وقوع ذلك‪ ،‬وقد سئل الدكتور‬
‫يوسف القرضاوي –حفظه اهلل‪ -‬عن خروج الكثري عن هذه األنظمة‪:‬‬
‫(على ذكر تدخل الدول وواجبات احلكومات هنا بعض الدراسات تشري إىل‬
‫أن كثرياً من الفتيات القاصرات يقدمن وثائق مزورة على أهنن يبلغن من‬
‫األعمار ما تسمح به القوانني للعمل يف اخلارج وهناك ربات بيوت يعين‬
‫متزوجات هلن أبناء ويقدمن أوراق ثبوتية مزورة على أهنن عازبات مع أهنن‬
‫متزوجات وذلك طبعاً حبثاً عن مصدر رزق‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬هذه مسؤولية البالد اليت تصدر العمالة‪ ،‬املفروض تضبط هذا(‪..)1‬‬
‫فإن كان اخلادم قاصرًا ناب عنه وليه بإجراء عقد اخلدمة أو يأذن له‬
‫‪ -1‬اجلزيرة الفضائية ‪ -‬برامج القناة ‪ -‬الشريعة واحلياة ‪ -‬حقوق العمال وواجباهتم ‪25/6/2006‬م‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫بالعقد(‪ ،)1‬ألنه هو املسؤول عن تقدير مدى مناسبة العمل هلذا القاصر‪،‬‬
‫يقول األسروشين(‪( :)2‬إذا أجر األب أو اجلد أبو األب أو وصيهما الصغري‬
‫يف عمل من األعمال فهو جائز؛ ألن هلؤالء والية استعمال الصغري من غري‬
‫عوض بطريق التهذيب والرياضة‪ ،‬فمع العوض أوىل)(‪ .)3‬وقال املالكية‪( :‬أن‬
‫الصيب املميز إذا أجر نفسه بغري إذن وليه صح ووقف على رضاه ‪ ...‬وليس‬
‫لذي األب والوصي أن يؤاجر أنفسهما دون إذهنما فإن فعال نظر يف ذلك‬
‫فما رأياه من رد أو إمضاء فعاله ما مل يعمال فإن عمال كان هلما األكثر‬
‫من املسمى وأجرة املثل)(‪.)4‬‬
‫ويكون قبض األجر من حق الويل ألنه املسؤول عن حفظ املال للصيب‬
‫حتى يبلغ‪ ،‬ذكر األسروشين عن قبض أجرة الصغري واإلنفاق منها‪( :‬وللذي‬
‫ويلِّ اإلجارة على الصغري أن يقبض األجرة‪،‬ألنه من حقوق العقد فيتعلق‬
‫بالعاقد‪ ،‬وليس له أن ينفقها عليه ألهنا مال الصغري‪ ،‬وليس لغري األب واجلد‬
‫ووصيهما والية التصرف يف مال الصغري‪ ...‬وعن حممد‪ :‬أنه يستحسن أن‬
‫ينفق عليه ماال بد له منه‪ ،‬ألن يف تأخري ذلك ضرراً بالصغري)(‪.)5‬‬
‫ويشرتط الستخدام الصيب‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أن يكون بأجر املثل‪ :‬قال األسروشين‪( :‬إذا أجَّر األب أو اجلد أو‬
‫القاضي الصغري يف عمل من األعمال فهو جائز‪ ،‬قال بعض املشائخ‪:‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪ .272‬األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج‪ 2‬ص‪ .5‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪11‬‬
‫ص‪ ،429‬الشربيين (مغين احملتاج ) ج‪2‬ص‪.362‬‬
‫‪ -2‬االسروشين‪ :‬حممد بن حممود بن حسني‪ ،‬جمد الدين االسروشنى‪ ،‬فقيه حنفى‪ ،‬نسبته إىل (أسروشنة) شرقي‬
‫مسرقند‪ ،‬له كتب منها‪( :‬الفصول) و(أحكام الصغار) وغريها(تويف ‪ 632‬هـ )‪ .‬انظر‪( :‬األعالم للزركلي ج ‪ 7‬ص ‪.)86‬‬
‫‪ -3‬األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج‪ 2‬ص‪.5‬‬
‫‪ -4‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص ‪.392‬‬
‫‪ -5‬األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج‪ 2‬ص‪.5‬‬
‫‪118‬‬
‫هذا إذا أجره بأجر املثل‪ ،‬وأما إذا أجره بأقل منه فإنه ال جيوز)(‪ ،)1‬وعن‬
‫مالك‪( :‬وإن عمل قال له اإلجارة اليت مسي له إال أن تكون إجارة مثله‬
‫أكثر فتكون له إجارة مثله)(‪.)2‬‬
‫‪ 2.2‬أن تناسب اخلدمة الصغري‪ :‬يقول األسروشين‪( :‬ال يؤجر الصغري‬
‫يف خسائس احلرف‪ :‬فإن مل يكن أبو الصغري حائكا مل يكن ملن هو يف‬
‫حجره أن يسلمه حلائك ألن التصرف بالصغري مقيد بالنظر‪ ،‬ويف هذا‬
‫ضرر‪ ،‬ألنه من خسائس احلرف‪ ،‬ودناءة املكاسب تضيِّع املناصب‪ ،‬وخسة‬
‫احلرف يبقى عارها و تسوء آثارها‪ ،‬ألهنا مما تعري به األعقاب على مر‬
‫األحقاب‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب)(‪ ،)3‬فإن كانت اخلدمة ال تناسبه فسخت‪،‬‬
‫قال علماء املالكية‪( :‬وإن آجر الرجل ابنه من نفسه أو من غريه ومثله ال‬
‫يؤاجر فسخت اإلجارة وأنفق األب عليه إن كان األب غنيا واالبن عدميا‬
‫ال مال له فإن كان له مال أنفق عليه منه وله أن يؤاجره فيما ال معرة‬
‫على االبن فيه )(‪.)4‬‬
‫‪ 3.3‬أن يكون يف اخلدمة مصلحة للصيب‪ :‬كحاجة الصيب للكسب ليتمكن‬
‫من حتصيل نفقته‪ ،‬أو بقصد التعلم حلرفة ينتفع هبا‪.‬‬
‫‪ .‬جالرشد‪:‬‬
‫يشرتط الرشد وعدم احلجر يف جانب املستخدِم ألن اخلدمة يف حقه‬
‫تصرف مايل وهو ممنوع منه بسبب سفهه‪ ،‬الحتمال تبديد املال وقد‬
‫َ َ ُ ْ ُ ْ ُّ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُهّ َ ُ ْ َ ً‬
‫قال اهلل تعاىل‪{ :‬وال تؤتوا السفهاء أموالكم ال يِت جعل الل لكم قِياما‬
‫‪ -1‬األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج‪ 2‬ص‪.7‬‬
‫‪ -2‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪429‬‬
‫‪ -3‬األسروشين (جامع أحكام الصغار ) ج‪ 2‬ص‪.6‬‬
‫‪ -4‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪392‬‬
‫‪119‬‬
‫َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ُ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ ً َّ ْ ُ ً َ ْ َ ُ ْ يَْ َ ىَ َ ىََّ َ‬
‫وارزقوهم فِيها واكسوهم وقولوا لهم قوال معروفا‪ .‬وابتلوا التام حت إِذا‬
‫َ َ ُ ْ ّ اَ َ َ ْ َ ْ ُ ّ ْ ُ ْ ُ ْ ً َ ْ َ ُ ْ يَ ْ ْ َ ْ َ َ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫بلغوا انل ِكح فإِن آنستم مِنهم رشدا فادفعوا إِل ِهم أموالهم} [النساء‪.]5-6:‬‬
‫أما يف جانب اخلادم فال يشرتط الرشد‪ ،‬يقول الشربيين‪( :‬يرد على طرده‬
‫السفيه فإنه جيوز له إجارة نفسه فيما ليس مبقصود من عمله كما مر يف‬
‫باب احلجر ألنه ملا جاز أن يتطوع على غريه بالعمل فأوىل بعوض خبالف‬
‫املقصود من عمل مثله)(‪.)5‬‬
‫‪ .‬دالعقل‪:‬‬
‫حكم اجملنون يف عقد اخلدمة كحكم الصيب غري البالغ‪ ،‬فيحق للويل أن‬
‫يؤاجره أو يأذن له باخلدمة بنفس شروط خدمة الصيب‪ ،‬قال الشافعية‪:‬‬
‫(ولو أجر الويل مال اجملنون فأفاق يف أثناء املدة فكبلوغ الصيب باالحتالم‬
‫أما إذا بلغ الصيب سفيها فهو كالصيب يف استمرار الوالية عليه)(‪.)6‬‬
‫‪ .‬هأن يكون من أهل القربة‪:‬‬
‫يشرتط يف اخلادم أن تصح منه القربة شرعاً حتى يصح التعاقد معه على‬
‫اخلدمة اليت حتمل معنى العبادة‪ ،‬أما غريها من اخلدمات فال يشرتط‬
‫ذلك‪ ،‬فال يصح أن يستأجر غري املسلم أو احلائض املسلمة لتعليم القرآن‬
‫مثالً‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬أن يكون من أهل القرب‪ :‬القرب اليت خيتص فاعلها بكونه‬
‫من أهل القربة يعين أنه يشرتط كونه مسلما كاإلمامة واألذان واحلج وتعليم‬
‫القرآن)(‪ ،)7‬وقال الشافعية‪( :‬وال «استئجار مسلمة» حائض «أو نفساء أو‬
‫‪ -5‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.333‬‬
‫‪ -6‬املرجع السابق ج‪ 2‬ص‪.357‬‬
‫‪ -7‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.323‬‬
‫‪120‬‬
‫مستحاضة إجارة عني» خلدمة مسجد ‪ ...‬ويف معنى خدمة املسجد تعليم‬
‫القرآن)(‪.)1‬‬
‫الركن الثاني الصيغة‬
‫عقد اخلدمة كعقد اإلجارة البد له من إجياب وقبول يعرب فيهما كل‬
‫من املتعاقدين عن تراضيهما مبحتوى العقد وهو املقصود بكلمة (صيغة‬
‫العقد)‪ ،‬والكالم يف صيغة اإلجياب والقبول وصفتهما يف عقد اخلدمة‬
‫كالكالم فيهما يف كل عقود املعاوضة يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫ألفاظ صيغة عقد اخلدمة‪ :‬لفظ صريح أو كناية(‪ ،)2‬فاللفظ الصريح هو‬
‫اللفظ الذي يدل بنفسه على املعنى‪ ،‬أما لفظ الكناية فهي الصيغ احملتمِلة‬
‫للمعنى غري املقصود من العقد‪ ،‬و هذه الصيغ ال يلزم هبا عقد حتى يقرتن‬
‫هبا عرف أو عادة أو لفظ آخر يدل على املقصود منها‪ ،‬قال املالكية‪( :‬وكل‬
‫لفظ أو إشارة فهم منها اإلجياب والقبول لزم به البيع وسائر العقود‬
‫إال أن يف األلفاظ ما هو صريح مثل بعتك بكذا فيقول قبلت أو ابتعت‬
‫منك فيقول بعت فهذا يلزمهما‪ ،‬وأما األلفاظ احملتملة فال يلزم البيع هبا‬
‫مبجردها حتى يتنزل هبا عرف أو عادة أو ما يدل على البيع)(‪.)3‬‬
‫فتنعقد بلفظ اإلجارة (أو الكراء)‪ ،‬واإلعارة بعوض‪ ،‬والبي ِع إذا وجد التوقيت‪،‬‬
‫أو ملكتك منافعه سنة بكذا‪ ،‬أي تنعقد بغري لفظ اإلجارة عند احلنفية‬
‫وقول عند الشافعية وهو وجه عند احلنابلة(‪ ،)4‬وعرب املالكية عن صيغتها‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.337‬‬
‫‪ -2‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 6‬ص‪ ،4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪ ،333‬ابن قدامة (املغين)‬
‫ج‪ 5‬ص‪.251‬‬
‫‪ -3‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 4‬ص‪.229‬‬
‫‪ -4‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 6‬ص‪ ،4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪ ،333‬ابن قدامة (املغين)‬
‫ج‪ 5‬ص‪.251‬‬
‫‪121‬‬
‫بقوهلم‪( :‬هي لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على متليك املنفعة بعوض)(‪ ،)1‬وال‬
‫تنعقد بلفظ البيع يف األصح عند الشافعية ووجه عند احلنابلة(‪.)2‬‬
‫صيغة العقد‪ :‬عقد اخلدمة كأي عقد إجارة ينعقد باإلجياب والقبول‪،‬‬
‫ونعين باإلجياب‪ :‬ما بينته املادة ‪ /101/‬من جملة األحكام‪( :‬اإلجياب أول‬
‫كالم يصدر من أحد العاقدين ألجل إنشاء التصرف وبه يوجب ويثبت‬
‫التصرف وال فرق بني أن يقع الكالم من البائع أو يقع من املشرتي فإذا قال‬
‫البائع قد بعتك هذا املتاع واملشرتي قال اشرتيته أو قال املشرتي اشرتيت‬
‫منك هذا املتاع بكذا فقال البائع وأنا قد بعتك إياه فكما أن كالم البائع يف‬
‫الصورة األوىل إجياب ويف الثانية قبول فكالم املشرتي يف الصورة الثانية‬
‫إجياب ويف األوىل قبول أيضا)(‪.)3‬‬
‫أما القبول فذكرته جملة األحكام يف املادَّة ‪( :/102/‬القبول ثاني كالم‬
‫يصدر من أحد العاقدين ألجل إنشاء التصرف وبه يتم العقد‪ ،‬أي أن كل‬
‫كالم جاء بعد اإلجياب إلنشاء التصرف وبقصد إمتام العقد مسي قبوالً‬
‫وسواءٌ يف ذلك أكان املشرتي هو املتكلم أم كان البائع‪ ،‬فلو قال البائع‬
‫للمشرتي بعتك مايل هذا بكذا قرشا فقال املشرتي اشرتيته أو قال املشرتي‬
‫ابتعت مالك الفالني بكذا ‪ -‬فقال البائع بعته لك فكما أن كالم املشرتي يف‬
‫الصورة األوىل قبول فكالم البائع يف الصورة الثانية قبول أيضا)(‪.)4‬‬
‫شروط الصيغة‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أن تكون بألفاظ تدل على الرضا‪ :‬يف العقد فال تصح أن تكون معلقة‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.390‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪ ،333‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.251‬‬
‫‪( -3‬جملة األحكام العدلية) حتقيق جنيب هواويين‪ ،‬تركيا‪ ،‬كارخانه جتارت كتب ص‪.29‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق ص‪.29‬‬
‫‪122‬‬
‫على املشيئة‪ ،‬أو على صيغة الوعد‪ ،‬أو االستفهام فهذه صيغ ال ينعقد هبا‪،‬‬
‫قال املالكية‪( :‬وأما صيغة اإلجارة فهي كل ما يدل على الرضا)(‪.)1‬‬
‫‪ 2.2‬إحتاد جملس اإلجياب والقبول‪ :‬فإن افرتق اإلجياب عن القبول فكان‬
‫كل واحد منهما يف جملس مل ينعقد العقد‪ ،‬سواء كان احتاد اجمللس‬
‫حقيقياً أو حكمياً‪ ،‬وقد بني ذلك علماء احلنفية بقوهلم‪( :‬احتاد جملس‬
‫العقد شرط سواء أكان احتادًا حقيقيًا كأن يقول املؤجر آجرتك واملستأجر‬
‫يقول قبلت يف جملس واحد فال تنعقد اإلجارة إذا قيل اإلجياب يف جملس‬
‫والقبول يف آخر‪ ،‬أو كان حكميا كأن يكون اإلجياب والقبول بالكتابة أو‬
‫الرسالة‪ ،‬ويكون القابل خمريًا يف القبول بعد اإلجياب حتى انفضاض‬
‫اجمللس)(‪.)2‬‬
‫‪ 3.3‬موافقة اإلجياب للقبول‪ :‬ال بد من موافقة فحوى صيغة القبول‬
‫ملعنى صيغة اإلجياب‪ ،‬وإال ال ينعقد العقد‪ ،‬يقول علماء احلنفية‪( :‬جيب‬
‫أن يكون القبول مبا يوجبه املوجب يف إجيابه عينًا وليس ل َّلذي يقبل أن‬
‫يغيِّر املأجور أو املدَّة أو يفرِّق املنفعة أو يُبَعِّضها أو يبدهلا بشيءٍ ما)(‪.)3‬‬
‫دخول الشروط على صيغة العقد (الشروط التقييدية)‪:‬‬
‫وهي أن يضيف العاقدان على صيغة العقد شروطاً إضافية على عقد‬
‫اخلدمة‪ ،‬كأن يشرط اخلادم لنفسه أجرة الطريق على املخدوم‪ ،‬وبنفس‬
‫املعنى ما تُلزم به القوانني السائدة ألحد املتعاقدين أو كليهما من التزامات‬
‫جتاه اآلخر كاشرتاط الضمان الصحي للخادمة‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف مسألة الشروط املضافة للعقد على مذاهب‪،‬‬
‫‪ -1‬النفراوي (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القريواني)ج‪ 2‬ص‪.110‬‬
‫‪ -2‬حيدر‪،‬علي (درر احلكام شرح جملة األحكام)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬طبعة‪1991‬م‪.‬ج‪ 1‬ص‪.421‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 1‬ص‪.421‬‬
‫‪123‬‬
‫فاتفقوا على بعضها واختلفوا يف البعض اآلخر وكانوا بني موسع ومضيق‪،‬‬
‫على التفصيل اآلتي‪:‬‬
‫أما حمل اتفاقهم فكان‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أن الشرط الذي يقتضيه العقد جائز‪ ،‬كشرط حسن معاملة اخلادمة‬
‫وأداء األجرة هلا‪ ،‬ألهنا أشياء تثبت بالعقد أصالً من دون اشرتاط‪.‬‬
‫‪ 2.2‬أن الشرط الذي ينايف مقتضى العقد هو شرط باطل‪ ،‬كاشرتاط‬
‫عدم استخدام اخلادمة خالل فرتة اخلدمة‪ ،‬يقول اإلمام الشاطيب(‪( :)1‬أو‬
‫شرط الصانع على املستصنع أن ال يضمن املستأجر عليه إن تلف وأن‬
‫يصدقه يف دعوى التلف وما أشبه ذلك فهذا القسم أيضا ال إشكال يف‬
‫إبطاله ألنه مناف حلكمة السبب فال يصح أن جيتمع معه)(‪.)2‬‬
‫‪ 2.2‬أن الشرط املنايف لنص الشرع باطل وال اعتبار له‪ ،‬يقول اإلمام‬
‫السيوطي(‪( :)3‬ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط)(‪.)4‬‬
‫‪ 4.4‬أن الشرط الذي ورد يف الشرع جائز بالنص‪ ،‬كاشرتاط اخليار‪،‬‬
‫والرؤية‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيما عدا ذلك من الشروط التقييدية‪:‬‬
‫فجعل مجهور العلماء من احلنفية واملالكية والشافعية األصل يف الشروط‬
‫‪ -1‬الشاطيب‪ :‬إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي الشهري بالشاطيب‪ :‬أصويل حافظ من أهل غرناطة كان من‬
‫أئمة املالكية‪ ،‬من كتبه‪( :‬املوافقات يف أصول الفقه) و(اجملالس) و(أصول النحو) و غريها(تويف ‪ 790‬هـ) (األعالم للزركلي‬
‫ (ج ‪ 1‬ص ‪.)75‬‬‫‪ -2‬الشاطيب‪ ،‬إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي املالكي ‪790‬هـ ( املوافقات يف أصول الفقه ) حتقيق عبد اهلل دراز‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬ج‪.284 1‬‬
‫‪ -3‬السيوطي‪ :‬عبد الرمحن بن أبي بكر بن حممد ابن سابق الدين اخلضريي السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ :‬إمام حافظ مؤرخ‬
‫أديب‪ .‬له حنو ‪ 600‬مصنف‪ ،‬نشأ يف القاهرة‪ ،‬من كتبه‪( :‬االتقان يف علوم القرآن) و(االشباه والنظائر) و(تفسري اجلاللني)‬
‫تويف‪ 911‬هـ‪ .‬انظر(الكواكب السائرة بأعيان املئة العاشرة ص‪( ,)142‬األعالم للزركلي ‪( -‬ج ‪ 3‬ص‪.)301‬‬
‫‪ -4‬السيوطي‪ ،‬عبد الرمحن بن أبي بكر‪911‬هـ (األشباه والنظائر) بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1403‬هـ‬
‫ج‪1‬ص‪.149‬‬
‫‪124‬‬
‫املنع وعدم اإلباحة‪ ،‬ثم استثنى كل مذهب منهم بعض الشروط فأباحها‪:‬‬
‫فأباح احلنفية(‪ )1‬الشرط إن كان مالئماً ملقتضى العقد كاشرتاط الرهن‬
‫أو الكفيل‪ ،‬وهذه شروط مؤ ِّكدة ملقتضى العقد‪ ،‬أو إن كان مما جرى فيه‬
‫العرف كاشرتاط الصيانة على البائع للمبيع لفرتة حمددة بعد البيع‪.‬‬
‫وأباح الشافعية الشرط إن كان مالئماً ملقتضى العقد‪ ،‬أي الشرط الذي يف‬
‫مصلحة العقد‪ ،‬أو الشرط الذي ال يقتضيه العقد وال ينايف العقد وليس‬
‫فيه مضرة‪ ،‬أو شرط وصف خاص للمعقود عليه(‪.)2‬‬
‫وأباح املالكية الشرط إن كان مالئماً ملقتضى العقد‪ ،‬أو أن يكون مما جرى‬
‫فيه العرف‪ ،‬أو الشرط الذي ال ينايف مقتضى العقد‪ ،‬أو الذي ال خيل‬
‫بالثمن بأن يورث جهالة(‪.)3‬‬
‫أما احلنابلة فاألصل يف الشروط عندهم اإلباحة‪ ،‬إال ما كان منافياً للعقد‬
‫أو منافياً للشرع(‪ ،)4‬واستدلوا على ذلك بأدلة منها‪:‬‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫قوله تعاىل آمراً بااللتزام مبقتضى العقود‪{ :‬يا أيها ا ِين آمنوا أوفوا‬
‫ُُْ‬
‫بِالعقود} [املائدة‪.]1:‬‬
‫وعموم اآليات اليت توجب الوفاء العهد‪ ،‬والشرط عهد ألنه يتضمن تعهداً‬
‫َ َ ْ هّ َ ْ ُ ْ‬
‫بالوفاء مبا أوجبه من االلتزام‪ ،‬منها قوله سبحانه‪{ :‬وبِعه ِد اللِ أوفوا‬
‫َ َ َّ ُ ْ َ َ َّ ُ َ‬
‫ُ‬
‫َ ُ‬
‫ذل ِك ْم َو َّصاكم بِهِ لعلكم تذكرون} [األنعام‪ ،]152:‬وقوله عز وجل‪:‬‬
‫ََُْ ْ‬
‫هّ َ اَ َ ُّ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ َ‬
‫ان َب ْع َد تَ ْوكِيد َها َوقَدْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫{وأوفوا بِعه ِد اللِ إِذا عهدتم وال تنقضوا األيم‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫َْ ُ‬
‫َهّ َ ُ َ ً َّ َهّ‬
‫َج َعل ُت ُم الل َعليْك ْم كفِيال إِن الل َي ْعل ُم َما تف َعلون} [النحل‪.]91:‬‬
‫‪ -1‬ابن جنيم‪ ،‬زين بن إبراهيم بن حممد بن حممد بن بكر‪970‬هـ‪( ،‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق) بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫ج‪6‬ص‪ ،92‬والكاساني (بدائع الصنائع) ج‪5‬ص‪.175‬‬
‫‪ -2‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد بن حممد ‪505‬هـ (الوسيط يف املذهب)‪ ،‬حتقيق أمحد حممود إبراهيم‪ ،‬حممد حممد‬
‫تامر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار السالم‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417‬هـ‪ ،‬ج‪3‬ص‪ .73‬والشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.31‬‬
‫‪ -3‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 4‬ص‪.372‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 4‬ص‪.156‬‬
‫‪125‬‬
‫وما روي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬املسلمون عند شروطهم إال‬
‫شرط حرم حالالً أو أحل حراماً»(‪ ،)1‬وقول عمر(‪ )2‬رضي اهلل عنه‪« :‬مقاطع‬
‫احلقوق عند الشروط»(‪.)3‬‬
‫وبذلك يرتجح لدينا أن األصل يف التعاقد عقوداً وشروطاً هو اإلباحة‪ ،‬كما‬
‫بني ذلك الدكتور فتحي الدريين حفظه اهلل‪( :‬لقوة أدلته‪ ،‬وأن الضابط‬
‫الشرعي للشرط الصحيح هو عدم املنافاة ملقتضى العقد‪ ،‬أو للنظام‬
‫الشرعي العام‪ ،‬يف قواعده ومقاصده مجلة وتفصيالً‪ ،‬من مثل اجلهالة‬
‫والربا والغرر‪ ،‬وألن التحريم هو االستثناء الذي ُفصِّلت مواقعه الحنصارها‪،‬‬
‫وما عداها فعلى أصل احلل العام)(‪.)4‬‬
‫عقد اخلدمة باملعاطاة من دون صيغة‪ :‬وهو تعاقد بالفعل دون صيغة‬
‫إجياب وقبول‪ ،‬وقد قال بصحته مجهور العلماء(‪ )5‬من احلنفية واملالكية‬
‫واحلنابلة ومتأخري الشافعية كأي عقد إجارة‪ ،‬سُئل أبو يوسف رمحه اهلل‬
‫تعاىل (عن الرجل يدخل السفينة أو حيتجم أو يفتصد أو يدخل احلمام أو‬
‫يشرب املاء من السقاء ثم يدفع األجرة ومثن املاء‪ ،‬قال‪ :‬جيوز استحسانا‬
‫وال حيتاج إىل العقد قبل ذلك اه)(‪ ،)6‬ودليلهم يف ذلك‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أن املعروف عرفاً كاملشروط شرطاً‪ ،‬فإن جرى تعامل بني الناس على‬
‫‪ -1‬للبيهقي (السنن الكربى) ج‪ 6‬ص‪ ،79‬والبخاري (اجلامع الصحيح) ذكره تعليقاً بلفظ‪« :‬املسلمون عند شروطهم» ج‪2‬‬
‫ص‪.794‬‬
‫‪ -2‬عمر بن اخلطاب‪ :‬بن نفيل القرشي العدوي أبو حفص أمري املؤمنني اخلليفة الثاني الراشد‪ ،‬ولد قبل املبعث النبوي‬
‫بثالثني سنة‪ ،‬كان إسالمه فتحا على املسلمني وفرجا هلم‪ ،‬ومساه رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم يومئذ الفاروق‪( .‬إلصابة‬
‫يف متييز الصحابة ج‪ 4‬ص‪.)588‬‬
‫‪ -3‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 5‬ص‪ 1978‬ذكره تعليقا‪ً.‬‬
‫‪ -4‬الدريين‪ ،‬د‪ .‬حممد فتحي(الفقه اإلسالمي املقارن) منشورات جامعة دمشق‪ ،‬الطبعة اخلامسة ‪1414‬هـ ‪1995‬م‪ ،‬ص‪.640‬‬
‫‪ -5‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 6‬ص‪ ،6‬واحلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪ ،390‬والشربيين (مغين‬
‫احملتاج) ج‪ 2‬ص‪ ،353‬وابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.326‬‬
‫‪ -6‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 6‬ص‪.6‬‬
‫‪126‬‬
‫خدمة معينة معاطاة بأجر حمدد‪ ،‬كان كما لو شرط األجر فيه‪ ،‬فيصح‬
‫العقد ويلزم أجر املثل‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬إن العرف اجلاري بذلك يقوم‬
‫مقام القول كنقد البلد وكما لو دخل محاما أو جلس يف سفينة مع مالح‪،‬‬
‫وألن شاهد احلال يقتضيه فصار كالتعريض فأما إن مل يكونا منتصبني‬
‫لذلك مل يستحقا أجرًا إال بعقدٍ أو شرطِ العوض أو تعريض به ألنه‬
‫مل جير عرف يقوم مقام العقد فصار كما لو تربع به أو عمله بغري إذن‬
‫مالكه)(‪.)1‬‬
‫َُْ ْ ْ‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫‪ 2.2‬العرف‪ :‬يقول اهلل تعاىل‪{ :‬وأمر بِالعر ِف} [األعراف‪ ،]199:‬قال‬
‫الشربيين‪( :‬جتب له األجرة اليت جرت هبا العادة لذلك العمل وإن زادت‬
‫على أجرة املثل‪« ،‬وإال» أي وإن مل يكن معروفا بذلك العمل «فال» أجرة‬
‫له‪.‬‬
‫«وقد يستحسن» هذا الوجه لداللة العرف على ذلك وقيامه مقام اللفظ‬
‫كما يف نظائره وعلى هذا عمل الناس‪ ...‬وأفتى به خالئق من املتأخرين(‪.)2‬‬
‫‪ 3.3‬دفع احلرج عن الناس‪ :‬ألن يف االلتزام بالتعاقد اللفظي يف عقودهم‬
‫املعتادة واملتكررة حرج ومشقة‪ ،‬إذ رمبا حتتاج ربة املنزل بني حني وآخر‬
‫استخدام من ينظف هلا بيتها‪ ،‬وهي ال تشرتط أجراً وال يتم تبادل صيغة‬
‫العقد من إجياب وقبول‪ ،‬وإمنا يتحدد أجرها باملتعارف‪ ،‬قال املالكية‪:‬‬
‫(ألن الناس استجازوه ومضوا عليه وهو حنو ما يعطى احلجام من غري‬
‫أن يشارط على عمله قبل أن يعمله وما يعطى يف احلمام‪ ،‬واملنع من هذا‬
‫‪ -1‬ابن قدامة ( املغين ) ج‪5‬ص‪.326‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج)ج‪ 2‬ص‪.53‬‬
‫‪127‬‬
‫وشبهه تضييق على الناس وحرج يف الدين وغلو فيه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫َ ََْ‬
‫ََ َ ََ َ َْ ُ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ِين مِن حر ٍج} [احلج‪ ]78:‬وقال‪{ :‬يا أهل‬
‫{وما جعل عليكم يِف ادل ِ‬
‫َ َُْ ْ‬
‫ُ‬
‫الْك َ‬
‫اب ال تغلوا يِف دِينِك ْم} [النساء‪.)1()]171:‬‬
‫ِت‬
‫ِ‬
‫‪ 4.4‬ومما يدل على جوازه من السنة ما ثبت عن أنس رضي اهلل عنه أنه‬
‫سئل عن أجر احلجام فقال‪( :‬احتجم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعني من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه)(‪.)2‬‬
‫ولكن العلماء ‪-‬وهم اجلمهور‪ -‬الذين قالوا جبواز املعاطاة يف اإلجارة‬
‫اشرتطوا‪:‬‬
‫• •أن يوجد عرف باملعاطاة هبذا العقد وإال فال يصح إال بإجياب وقبول‪،‬‬
‫• •وأن يكون قد انتصب هلذا العمل حتى يستحق األجر‪ ،‬وأن يكون ذلك‬
‫العمل مهن ًة له وإال كان االستخدام بال تعاقد تربعاً بال أجر لعدم وجود‬
‫سبب اإللزام إما اللفظ أو العرف(‪.)3‬‬
‫وقال متقدمو الشافعية بعدم صحة العقد باملعاطاة يف اإلجارة‪( :‬واخلالف‬
‫يف املعاطاة يف البيع جار هنا ويف الرهن واهلبة‪ ...‬هل خيتار النووي‬
‫(‪)4‬‬
‫صحة املعاطاة فيها كما اختاره يف البيع أو ال واألظهر ال فإنه ال عرف‬
‫فيها خبالف البيع)(‪.)5‬‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.390‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 5‬ص‪ 2156‬برقم‪.5371 :‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج)ج‪ 2‬ص‪.53‬‬
‫‪ -4‬النّووي‪ :‬حييى بن شرف بن مري‪ ،‬الفقيه احلافظ‪ ،‬الزّاهد‪ ،‬شيخ اإلسالم‪ ،‬حميي الدّين‪ ،‬أبو زكريّا‪ ،‬أخذ عن مجاعة من‬
‫العلماء الكبار منهم أبو إسحاق املرادي‪ ،‬واإلربيلي‪ ،‬له مصنّفات كثرية منها‪:‬اجملموع شرح امله ّذب‪ ،‬منهاج ّ‬
‫الطالبني‪ ،‬روضة‬
‫ّ‬
‫الطالبني تويف ‪676‬هـ‪ .‬انظر(طبقات الشّافعية للسبكي ج‪ 8‬ص‪.)395‬‬
‫‪ -5‬الشربيين (مغين احملتاج)ج‪2‬ص‪.34‬‬
‫‪128‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬املنفعة‬
‫املقصود باملنفعة‪ :‬وهي اخلدمة اليت يطلبها املستخدم من عقد اخلدمة‬
‫من تنظيف أو حراسة أو رعاية أطفال أو غري ذلك من اخلدمات املنزلية‪،‬‬
‫وهي املقصودة من العقد بل هي أهم أركانه‪.‬‬
‫قال املالكية‪( :‬الْمَنْ َفعَ ُة مَا لاَ تُمْكِنُ الإْ ِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إ َقامَةٍ يُمْكِنُ‬
‫اسْتِي َفاؤُهُ َغيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ)(‪ ،)1‬أي أن املنفعة شيء غري مستقل‬
‫عن العني املنتفع هبا‪ ،‬وال ميكن حتديده إال من خالهلا‪.‬‬
‫ويشرتط يف املنفعة يف عقد اخلدمة‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أن تكون منفعة اخلدمة معلومة‪ :‬وتكون املنفعة معلومة بتحديد‪:‬‬
‫نوعها وصفتها ومقدارها‪ ،‬فإن كانت املنفعة جمهولة يف عقد اخلدمة‬
‫فسد العقد(‪.)2‬‬
‫فنوعها كحراسة بيت أو تنظيفه مثالً‪.‬‬
‫وصفتها كحراسة ليلية أو الليل مع النهار وبكيفية معينة‪.‬‬
‫ومقدارها يضبط إما بالزمن كحراسة شهر أو سنة‪ ،‬أو باإلشارة للمنفعة‬
‫املتعاقد عليها كتنظيف حجرتني أو ثالث‪ ،‬ويُعتمد على الزمن يف حتديد‬
‫املنفعة عندما يتعذر ضبط مقدار النفع املبذول‪.‬‬
‫وليس للزمن حتديد معني كحد أقصى يف الشرع وإمنا يرجع فيه للعرف‪،‬‬
‫قال الشربيين‪( :‬يصح عقد اإلجارة مدة معلومة تبقى فيها العني املؤجرة‬
‫غالبا‪ ،‬إلمكان استيفاء املعقود عليه وال يقدر مبدة إذ ال توقيف فيه‪،‬‬
‫واملرجع يف املدة اليت تبقى فيها العني غالبا إىل أهل اخلربة‪ ،‬فيؤجر الدار‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.421‬‬
‫‪ -2‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 6‬ص‪.4‬‬
‫‪129‬‬
‫والرقيق ثالثني سنة والدابة عشر سنني والثوب سنة أو سنتني على ما‬
‫يليق به واألرض مائة سنة أو أكثر)(‪.)1‬‬
‫وجيوز أن حيدد للخدمة زمناً متسعاً‪ :‬بتحديد أجرة معينة لكل شهر‪،‬‬
‫كاستئجار خادم مدة مرضه كل شهر بكذا وهو قول مجهور الفقهاء‪ ،‬وقال‬
‫شافعي بعدم اجلواز للجهالة‪ ،‬يقول ابن قدامة‪( :‬أن من اكرتى فرسا مدة‬
‫غزوه كل يوم بدرهم فاملنصوص عن أمحد صحته وقال الشافعي هذا‬
‫فاسد ألن مدة اإلجازة جمهولة ولنا إن عليا رضي اهلل عنه أجر نفسه كل‬
‫دلو بتمرة وكذلك األنصاري ومل ينكره النيب صلى اهلل عليه وسلم وألن‬
‫كل يوم معلوم مدته وأجرته فصح ‪ ...‬وألن كل عمل معلوم له عوض معلوم‬
‫فجاز)(‪.)2‬‬
‫وبني اجلمهور أنه إذا مت العقد على شهر لزمت بقية الشهور بالتلبس هبا‪،‬‬
‫يقول ابن قدامة يف ذلك‪( :‬وإذا وقعت اإلجارة على كل شهر بشيء معلوم‬
‫مل يكن لواحد منهما الفسخ إال عند تقضي كل شهر‪ ،‬ومجلة ذلك أنه إذا‬
‫قال أجرتك هذا كل شهر بدرهم ‪ ...‬أن الشهر األول تلزم اإلجارة فيه‬
‫بإطالق العقد ألنه معلوم يلي العقد وله أجر معلوم‪ ،‬وما بعده من الشهور‬
‫يلزم العقد فيه بالتلبس به ‪ ...‬وإن مل يتلبس به أو فسخ العقد عند انقضاء‬
‫األول انفسخ وكذلك حكم كل شهر يأتي)(‪.)3‬‬
‫ودليلهم‪:‬‬
‫• •حديث علي رضي اهلل عنه أنه استقى لرجل من اليهود كل دلو بتمرة‬
‫وجاء به إىل رسول اهلل ليأكل منه «‪ ...‬فمررت بيهودي يف مال له وهو‬
‫يسقي ببكرة له فأطلعت عليه من ثلمة يف احلائط فقال مالك يا أعرابي‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.350‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.294‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.258‬‬
‫‪130‬‬
‫هل لك يف كل دلو بتمرة قلت نعم فافتح الباب حتى أدخل ففتح فدخلت‬
‫فأعطاني دلوه فكلما نزعت دلوا أعطاني مترة حتى إذا امتألت كفي‬
‫أرسلت دلوه وقلت حسيب فأكلتها ثم جرعت من املاء فشربت ثم جئت‬
‫املسجد فوجدت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيه»(‪.)1‬‬
‫• •وحديث األنصاري‪ ...« :‬فقال األنصاري لليهودي أسقي خنلك؟ قال‬
‫نعم قال كل دلو بتمرة واشرتط األنصاري أن ال يأخذ خدرة وال تارزة وال‬
‫حشفة وال يأخذ إال جلدة فاستقى بنحو من صاعني فجاء به إىل النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم»(‪.)2‬‬
‫• •وكما أن العقد ثبت بالصيغة يف الشهر األول فيثبت بالتلبس ببقية‬
‫الشهور باملعاطاة‪ ،‬كما بينه ابن قدامة يف قوله‪( :‬وألن شروعه يف كل شهر‬
‫مع ما تقدم يف العقد من االتفاق على تقدير أجره والرضا ببذله به جرى‬
‫جمرى ابتداء العقد عليه وصار كالبيع باملعاطاة إذا جرى من املساومة‬
‫وما دل على الرتاضي هبا‪ ،‬فعلى هذا متى ترك التلبس به يف شه ٍر مل‬
‫تثبت اإلجارة فيه لعدم العقد وإن فسخ فكذلك وليس بفسخ يف احلقيقة‬
‫ألن العقد يف الشهر الثاني ما ثبت)(‪.)3‬‬
‫‪ 2.2‬أن تكون املنفعة متقومة‪ :‬يقصد باملنفعة املتقومة يعين أن اخلدمة‬
‫املتعاقد عليها هلا بدل مايل‪ ،‬أما إذا مل يكن هلا بدل مايل يف عرف الناس‬
‫أو يف الشرع أو خلستها فال يصح التعاقد عليها‪ ،‬ومثال غري املتقوم‬
‫عرفاً‪ :‬استئجار رجل ليطرَب لسماع حديثه‪ ،‬أو على طرد الذباب عن‬
‫املخدوم مثالً‪ ،‬ومثال غري املتقومة شرعاً‪ :‬االستئجار على إحضار ميتة‬
‫‪ -1‬سبق خترجية ص‪.38‬‬
‫‪ -2‬ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج‪ 2‬ص‪ 818‬برقم‪.2448:‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.258‬‬
‫‪131‬‬
‫أو جناسة‪ ،‬فهذا عمل ال قيمة له شرعاً‪.‬‬
‫قال الشربيين‪( :‬و«يشرتط كون املنفعة متقومة» مل يرد باملتقومة هنا مقابلة‬
‫املثلية بل ما هلا قيمة ليحسن بدل املال يف مقابلتها كاستئجار دار للسكنى‬
‫واملسك والرياحني للشم فإهنا إذا مل تكن هلا قيمة إما حلرمتها أو خلستها‬
‫أو قلتها يكون بذل املال يف مقابلتها سفهًا وتبذيرًا)(‪.)1‬‬
‫‪ 3 .3‬أن تكون منفعة اخلدمة مشروع ًة‪ :‬فال بد أن تكون منفعة اخلدمة‬
‫جائزةٌ شرعاً وغري حمرمةٍ أو مكروهةٍ‪ ،‬فعن أبي مسعود رضي اهلل عنه‬
‫قال‪« :‬هنى النيب صلى اهلل عليه وسلم عن مثن الكلب وحلوان الكاهن‬
‫ومهر البغي»(‪.)2‬‬
‫وم َّثل لذلك احلنابلة بقوهلم‪( :‬ما منفعته حمرمة كالزنا والزمر والنوح‬
‫والغناء فال جيوز االستئجار لفعله وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة‬
‫وصاحباه)(‪.)3‬‬
‫وبني ذلك املالكية بقوهلم‪( :‬أن يؤاجر املسلم نفسه لكنس كنيسة أو حنو‬
‫ذلك أو لريعى اخلنازير أو ليعصر له مخراً فإنه ال جيوز ويؤدب املسلم إال‬
‫أن يتعذر جبهالة)(‪.)4‬‬
‫وم َّثل احلنفية لالستخدام احملرم بقوهلم‪( :‬وال جيوز استئجار الرجل أباه‬
‫ليخدمه ألنه مأمور بتعظيم أبيه ويف االستخدام استخفاف به فكان حراماً‬
‫فكان هذا استئجاراً على املعصية وسواء كان األب حراً أو عبداً استأجره‬
‫ابنه من مواله ليخدمه ألنه ال جيوز استئجار األب حراً كان أو عبداً وسواء‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج)ج‪ 2‬ص‪.36‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 5‬ص‪ 2045‬برقم‪.5031:‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.320‬‬
‫‪ -4‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.424‬‬
‫‪132‬‬
‫كان األب مسلماً أو ذمياً ألن تعظيم األب واجب وإن اختلف الدين قال‬
‫ً‬
‫ُّ ْ‬
‫اهلل تعاىل‪َ :‬‬
‫ادلن َيا َم ْع ُروفا} [ لقمان‪ ]15:‬وهذا يف األبوين‬
‫حبْ ُه َما يِف‬
‫{و َصا ِ‬
‫َ َ‬
‫اك ىلَع أَن ت ُ رْشكَ‬
‫اه َد َ‬
‫الكافرين ألنه معطوف على قوله عز وجل‪{ :‬وَإِن ج‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ َلاَ ُ‬
‫َ َ‬
‫يِب َما ليْ َس لك بِهِ عِل ٌم ف ت ِط ْع ُه َما})(‪.)1‬‬
‫‪ 4.4‬أال تكون اخلدمة واجب ًة‪ :‬فإن وجبت هذه اخلدمة عليه شرعاً مل‬
‫يصح التعاقد عليها وأخذ األجر عليها‪ ،‬هذا فيما إذا كانت جتب على‬
‫العني أما إذا وجبت على الكفاية فيجوز التعاقد عليها‪.‬‬
‫ومن أمثلة اخلدمة الواجبة اليت ال جيوز االستئجار عليها فكخدمة املرأة‬
‫لبيتها على خالف بني العلماء وكخدمة االبن ألبيه‪ ،‬قال احلنفية‪( :‬إذا‬
‫استأجر الرجل ابنه وهو حر بالغ ليخدمه أنه ال جيوز ألن خدمة األب‬
‫احلر واجبة على االبن احلر‪ ...‬ولو استأجر امرأته لتخدمه كل شهر بأجر‬
‫مسمى مل جيز ألن خدمة البيت عليها فيما بينها وبني اهلل تعاىل(‪.)2‬‬
‫وقالوا يف استئجار الزوجة لرضاع طفلها‪( :‬وال جيوز استئجار الزوجة‬
‫على رضاع ولده منها ألن ذلك استئجار على خدمة الولد وإمنا اللنب‬
‫يدخل فيه تبعا على ما ذكرنا فكان االستئجار على أمر عليها فيما بينها‬
‫وبني اهلل تعاىل وألن الزوجة مستحقة للنفقة على زوجها وأجرة الرضاع‬
‫جتري جمرى النفقة فال تستحق نفقتني على زوجها)(‪.)3‬‬
‫واألمثلة السابقة اختلف فيها العلماء حبسب اختالفهم يف وجوب تلك‬
‫اخلدمة فإن تعني وجوهبا على اخلادم شرعاً مل يصح التعاقد عليها وإال‬
‫جاز‪.‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.190‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪.192‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪.192‬‬
‫‪133‬‬
‫ومن أهم تلك املسائل هي مسألة خالف العلماء يف جواز االستئجار على‬
‫العبادات‪:‬‬
‫اإلجارة على الطاعات‪ :‬حبثها الفقهاء يف مسألة (جواز أخذ األجرة على‬
‫الطاعات)‪ :‬وانقسموا يف جواز هذا التعاقد على مذاهب‪:‬‬
‫املذهب األول‪ :‬قال بعدم جواز التعاقد على اإلجارة يف العبادات مطلقاً‪،‬‬
‫والقائلني بذلك أبو حنيفة ورواية عن أمحد ومجهور التابعني‪ ،‬يقول‬
‫الكاساني من احلنفية‪( :‬ومنها أن ال يكون العمل املستأجر له فرضاً وال‬
‫واجباً على األجري قبل اإلجارة فإن كان فرضا أو واجبا عليه قبل اإلجارة‬
‫مل تصح اإلجارة ألن من أتى بعمل يُستحَقُّ عليه ال يَستحِقُّ األجرة‪ ...‬وعلى‬
‫هذا خيرج االستئجار على الصوم والصالة واحلج أنه ال يصح ألهنا من‬
‫فروض األعيان وال يصح االستئجار على تعليم العلم ألنه فرض عني وال‬
‫على تعليم القرآن عندنا)(‪.)1‬‬
‫وقال احلنابلة‪( :‬القرب اليت خيتص فاعلها بكونه من أهل القربة يعين‬
‫أنه يشرتط كونه مسلما كاإلمامة واألذان واحلج وتعليم القرآن نص عليه‬
‫أمحد وبه قال‪ ...‬أبو حنيفة والزهري(‪ )2‬وكره الزهري وإسحاق تعليم‬
‫القرآن بأجر)(‪.)3‬‬
‫ودليلهم‪:‬‬
‫حديث عثمان بن أبي العاص(‪ )4‬قال‪« :‬إن من آخر ما عهد إىل رسول اهلل‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.191‬‬
‫‪ -2‬الزهري‪ :‬حممد بن مسلم بن عبيداهلل بن عبد اهلل بن شهاب‪ ،‬االمام العلم‪ ،‬حافظ زمانه أبو بكر القرشي الزهري املدني‬
‫نزيل الشام‪.‬روى عن كثري من الصحابة‪،‬عن الليث بن سعد قال‪ :‬ما رأيت عاملا قط أمجع من ابن شهاب‪ ،‬تويف الزهري سنة‬
‫‪124‬هـ‪( ،‬سري أعالم النبالء ‪( -‬ج ‪ 5‬ص ‪.)326‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج ‪5‬ص‪323.‬‬
‫‪ -4‬عثمان بن أبي العاص‪ :‬بن بشر الثقفي أبو عبد اهلل نزيل البصرة أسلم يف وفد ثقيف فاستعمله النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم على الطائف‪ ،‬ثم سكن البصرة حتى مات هبا يف خالفة معاوية سنة مخسني‪ ،‬وكان هو الذي منع ثقيفا عن الردة‬
‫خطبهم فقال‪ :‬كنتم آخر الناس إسالما فال تكونوا أوهلم ارتدادا‪(.‬اإلصابة يف متييز الصحابة (ج ‪ 4‬ص‪.)451‬‬
‫‪134‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أن اختذ مؤذنا ال يأخذ على أذانه أجرًا»(‪.)1‬‬
‫وحديث عبادة بن الصامت(‪ )2‬قال‪ :‬علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب‬
‫والقرآن فأهدى إيلَّ رجل منهم قوسًا فقلت ليست مبا ٍل وأرمي عنها يف‬
‫سبيل اهلل عز وجل‪ ،‬آلتني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فألسألنه‬
‫فأتيته فقلت يا رسول اهلل رجل أهدى إيلَّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب‬
‫والقرآن وليست مبال وأرمي عنها يف سبيل اهلل قال‪« :‬إن كنت حتب أن‬
‫تطوق طوقا من نار فاقبلها»(‪.)3‬‬
‫وحديث أبي بن كعب(‪ :)4‬أنه علم رجالً سورةً من القرآن فأهدى إليه ثوباً‬
‫أو قال مخيص ًة قال فذكر ذلك للنيب صلى اهلل عليه وسلم فقال‪« :‬لو أنك‬
‫أخذته ‪-‬أو قال إن أخذته‪ -‬ألبست ثوباً من النار»(‪.)5‬‬
‫وحديث عبد الرمحن بن شبل(‪ )6‬رضي اهلل عنه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يقول‪« :‬اقرؤوا القرآن وال تغلوا فيه وال جتفوا عنه‬
‫وال تأكلوا به وال تستكثروا به»(‪.)7‬‬
‫وألن هذه األفعال عبادات البد أن تكون خالصة هلل تعاىل فال جيوز أخذ‬
‫األجرة على أدائها‪ ،‬يقول ابن قدامة‪ :‬وألن من شرط صحة هذه األفعال‬
‫‪ -1‬الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج‪1‬ص‪ 409‬برقم‪ ،209:‬قال حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ -2‬عبادة بن الصامت‪ :‬بن قيس بن أصرم بن األنصاري اخلزرجي أبو الوليد‪ ،‬كان أحد النقباء بالعقبة‪ ،‬وروى عن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم كثريا‪ ،‬أول من ويل قضاء فلسطني‪ ،‬ومات بالرملة سنة ‪34‬هـ‪( ،‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪( -‬ج ‪3‬‬
‫ص ‪.)624‬‬
‫‪ -3‬ابو داود (السنن) ج‪ 3‬ص‪ 264‬برقم‪.3416 :‬‬
‫‪ -4‬أبي بن كعب‪ :‬بن قيس بن عبيد األنصاري أبو املنذر وأبو الطفيل سيد القراء كان من أصحاب العقبة الثانية وشهد بدرا‬
‫واملشاهد كلها قال له النيب صلى اهلل عليه وسلم ليهنك العلم أبا املنذر وقال له إن اهلل أمرني أن أقرأ عليك‪ ،‬وعده مسروق‬
‫يف الستة من أصحاب الفتيا‪ ،‬وهو أول من كتب للنيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬مات يف خالفة عثمان سنة ثالثني‪( .‬اإلصابة‬
‫يف متييز الصحابة ‪( -‬ج ‪ 1‬ص ‪.)27‬‬
‫‪ -5‬عبد بن محيد بن نصر‪249‬هـ (املنتخب من مسند عبد بن محيد) حتقيق صبحي البدري السامرائي‪ ،‬حممود حممد‬
‫خليل الصعيدي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نشر مكتبة السنة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1408‬هـ‪،‬ج‪1‬ص‪ 91‬برقم‪.175:‬‬
‫‪ -6‬عبد الرمحن بن شبل‪ :‬بن عمرو بن زيد األنصاري األوسي أحد نقباء األنصار‪ ،‬نزل محص‪( .‬اإلصابة يف متييز‬
‫الصحابة ‪( -‬ج ‪ 4‬ص ‪.)315‬‬
‫‪ -7‬ابن حنبل‪ ،‬أبو عبد اهلل أمحد بن حنبل الشيباني‪241‬هـ (مسند اإلمام أمحد بن حنبل) القاهرة‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬ج‪3‬‬
‫ص‪ 428‬برقم‪15568 :‬‬
‫‪135‬‬
‫كوهنا قربة إىل اهلل تعاىل فلم جيز أخذ األجر عليها‪ ،‬كما لو استأجر قومًا‬
‫يصلون خلفه اجلمعة أو الرتاويح)(‪.)1‬‬
‫املذهب الثاني‪ :‬وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أمحد وقول‬
‫متأخري احلنفية حيث قالوا بالتفريق حبسب نوع العبادة‪:‬‬
‫‪ 1.1‬أما العبادات احملضة اليت ال يتعدى نفعها فاعلها فال جيوز االستئجار‬
‫عليها‪ :‬قال ابن قدامة‪( :‬وأما ما ال يتعدى نفعه فاعله من العبادات احملضة‬
‫كالصيام وصالة اإلنسان لنفسه وحجه عن نفسه وأداء زكاة نفسه فال‬
‫جيوز أخذ األجر عليها بغري خالف ألن األجر عوض االنتفاع ومل حيصل‬
‫لغريه ها هنا انتفاع فأشبه إجارة األعيان اليت ال نفع فيها)(‪.)2‬‬
‫‪ 2.2‬جواز االستئجار على العبادات العينية اليت جتوز اإلنابة فيها‪ ،‬وما‬
‫ال جتوز اإلنابة فيها فال يصح االستئجار عليها‪ ،‬ومثاله ما ذكره املالكية‬
‫من أخذ األجرة على اإلنابة باحلجَّ حيث قالوا‪( :‬ودليلنا أنه عمل تدخله‬
‫النيابة فجاز األجرة عليه)(‪.)3‬‬
‫وقال الشربيين‪«( :‬إال» االستئجار لقربة من «حج» أو عمرة وركعيت طواف‬
‫تبعا هلما عن ميت أو عاجز كما مر يف كتابه‪« ،‬وتفرقة زكاة» وصوم عن‬
‫ميت وذبح هدي وأضحية وحنوها فيجوز‪ ،‬وضابط هذا أن كل ما تدخله‬
‫النيابة من العبادة جيوز االستئجار عليه وما ال فال)(‪.)4‬‬
‫‪ 3.3‬جواز االستئجار على فروض الكفاية‪ :‬وملا مل يتعني الفرض على‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.323‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.325‬‬
‫‪ -3‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 2‬ص‪.546‬‬
‫‪ -4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.344‬‬
‫‪136‬‬
‫الشخص جاز استئجاره على القيام به‪ ،‬ألنه لو مل يقم به مل يأثم‪ ،‬يقول‬
‫الشربيين‪( :‬وتصح اإلجارة لتجهيز ميت كغسله وتكفينه ودفنه وتعليم‬
‫القرآن أو بعضه وحنو ذلك مما هو فرض كفاية)(‪.)1‬‬
‫واستدلوا على مذهبهم بأدلة منها‪:‬‬
‫• •حديث ابن عباس(‪ :)2‬أن نفرا من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫مروا مباء فيهم لديغ أو سليم فعرض هلم رجل من أهل املاء فقال هل‬
‫فيكم من راق إن يف املاء رجالً لديغاً أو سليماً فانطلق رجل منهم فقرأ‬
‫بفاحتة الكتاب على شاءٍ فربأ فجاء بالشاء إىل أصحابه فكرهوا ذلك‬
‫وقالوا أخذت على كتاب اهلل أجرًا حتى قدموا املدينة فقالوا يا رسول‬
‫اهلل أخذ على كتاب اهلل أجراً فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إن‬
‫أحق ما أخذمت عليه أجرا كتاب اهلل»(‪ .)3‬واحلديث صريح يف جواز أخذ‬
‫األجرة‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫َ ََ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫• •مشروعية األجرة لعامل الصدقة بقوله تعاىل‪{:‬والعا ِملِني عليها}‬
‫[التوبة‪ ]60:‬قال الشربيين‪( :‬احتج بعضهم على جواز أخذ األجرة على‬
‫فرض الكفاية بعامل الصدقة فإهنا أجرة على األصح)(‪.)4‬‬
‫• •وألهنا إجارة تامة األركان فيستحق العامل األجرة على متام أداءها‪،‬‬
‫قال احلنفية‪( :‬ألهنا إجارةٌ وقد وفى العمل بناءً على قول املتأخرين‬
‫املفتى به من جواز االستئجار على اإلمامة والتدريس وتعليم القرآن)(‪.)5‬‬
‫• •جعل النيب صلى اهلل عليه وسلم تعليم القرآن عوضاً يف عقد النكاح‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 2‬ص‪.345‬‬
‫‪ -2‬عبد اهلل بن العباس‪ :‬بن عبد املطلب بن هاشم‪ ،‬أبو العباس بن عم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ولد وبنو هاشم‬
‫بالشعب قبل اهلجرة بثالث‪ ،‬وكان يقال له حرب العرب وترمجان القرآن‪ ،‬دعا له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اللهم فقهه‬
‫يف الدين وعلمه التأويل‪ ،‬غزا إفريقية‪ ،‬مات بالطائف سنة مثان وستني‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪( -‬ج‪ 4‬ص‪.)141‬‬
‫‪ -3‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 5‬ص‪ 2166‬برقم‪.5405 :‬‬
‫‪ -4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.345‬‬
‫‪ -5‬ابن جنيم (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) ج‪ 5‬ص‪.249‬‬
‫‪137‬‬
‫كما يف حديث سهل بن سعد الساعدي(‪ :)1‬فقال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪« :‬هل معك من القرآن شيء قال معي سورة كذا وسورة كذا‬
‫قال اذهب فقد أنكحتكها مبا معك من القرآن»(‪.)2‬‬
‫• •إن اإلجارة على مثل هذه الفرائض ضرورة‪ ،‬وإن ترك االستئجار عليها‬
‫قد يؤدي إىل تعطيلها النشغال الناس بكسب معاشهم‪ ،‬ورمبا ال جند من‬
‫يتفرغ ألدائها تطوعاً ممن يتقنها‪ ،‬قال ابن عابدين‪( :‬على أن املفتى به‬
‫مذهب املتأخرين من جواز االستئجار على تعليم القرآن واإلمامة واألذان‬
‫للضرورة)(‪ ،)3‬وقال ابن قدامة‪( :‬وألنه جيوز أخذ الرزق عليه من بيت املال‬
‫فجاز أخذ األجر عليه كبناء املساجد والقناطر وألن احلاجة تدعو إىل‬
‫ذلك فإنه حيتاج إىل االستنابة يف احلج عمن وجب عليه احلج وعجز عن‬
‫فعله واليكاد يوجد متربع بذلك فيحتاج إىل بذل األجر فيه)(‪.)4‬‬
‫ورأى بعض العلماء أن يكون أجر مثل هذه األعمال من بيت املال قال‬
‫املالكية‪( :‬وجيوز للمفيت أن يكون له أجر من بيت املال وال يأخذ أجراً ممن‬
‫يفتيه)(‪.)5‬‬
‫وقال اإلمام أمحد‪( :‬التعليم أحب إىل من أن يتوكل هلؤالء السالطني ومن‬
‫أن يتوكل لرجل من عامة الناس يف ضيعة ومن أن يستدين ويتجر لعله ال‬
‫يقدر على الوفاء فيلقى اهلل تعاىل بأمانات الناس‪ ،‬التعليم أحب إيل وهذا‬
‫يدل على أن منعه منه يف موضع منعه للكراهة ال للتحريم)(‪.)6‬‬
‫‪ -1‬سهل بن سعد‪ :‬بن مالك بن خالد األنصاري الساعدي من مشاهري الصحابة‪ ،‬كان امسه حزنا فغريه النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬مات سنة إحدى وتسعني‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪( -‬ج ‪ 3‬ص ‪.)200‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 5‬ص‪1977‬برقم‪.4854 :‬‬
‫‪ -3‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 1‬ص‪.562‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.323‬‬
‫‪ -5‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.418‬‬
‫‪ -6‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.323‬‬
‫‪138‬‬
‫املذهب الثالث‪ :‬منع جواز اإلجارة يف العبادات إال يف الرقية ألهنا نوع‬
‫مداواة وليس جمرد عبادة تالوة القرآن‪ ،‬وهذا املذهب منقول عن اإلمام‬
‫أمحد‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬فأما األخذ على الرقية فإن أمحد اختار جوازه‬
‫وقال ال بأس وذكر حديث أبي سعد والفرق بينه وبني ما اختلف فيه أن‬
‫الرقية نوع مداواة واملأخوذ عليها جعل واملداواة يباح أخذ األجر عليها)(‪.)1‬‬
‫ورد االستدالل حبديث تزويج النيب صلى اهلل عليه و سلم للرجل مبا معه‬
‫من القرآن بأن يف تعليل هذا الصداق عند العلماء خالف‪ ،‬فرمبا زوجه‬
‫إياها بال مهر إكراماً له فقال ابن قدامة‪( :‬وأما جعل التعليم صداقا ففيه‬
‫اختالف وليس يف اخلرب تصريح بأن التعليم صداق إمنا قال زوجتكها على‬
‫ما معك من القرآن فيحتمل أنه زوجه إياها بغري صداق إكراما له كما زوج‬
‫أبا طلحة أم سليم على إسالمه)(‪.)2‬‬
‫املذهب الرابع‪ :‬جواز أخذ األجرة على الطاعات من غري مشارطة وعدم‬
‫جوازه مع الشرط‪ ،‬وقد روي هذا املذهب عن اإلمام أمحد(‪:)3‬‬
‫واستدل حبديث عمر رضي اهلل عنه قال كان رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يعطيين العطاء فأقول‪ :‬أعطه من هو أفقر إليه مين‪ ،‬فقال‪« :‬خذه‪،‬‬
‫إذا جاءك من هذا املال شيءٌ وأنت غري مشرف وال سائل فخذه وما ال فال‬
‫تتبعه نفسك»(‪.)4‬‬
‫وألنه هبة وليس أجرة لعدم االشرتاط فجاز أخذها‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬فإن‬
‫أعطى املعلم شيئا من غري شرط فظاهر كالم أمحد جوازه‪ ...‬ال يطلب وال‬
‫يشارط فإن أعطى شيئا أخذه‪ ...‬وألنه إذا كان بغري شرط كان هبة جمردة‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.323‬‬
‫‪ - 2‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.323‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.323‬‬
‫‪ -4‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 2‬ص‪ 536‬برقم‪.1404:‬‬
‫‪139‬‬
‫فجاز كما لو مل يعلمه شيئا)(‪.)1‬‬
‫‪5 .5‬أن ال يتضمن عقد اخلدمة استيفاء عني قصداً‪ :‬أي بقصد املستخدِم‬
‫استهالك العني اليت تضمنها عقد اخلدمة‪ ،‬كاستخدام طاهية تتكفل‬
‫بتقديم الطعام‪ ،‬فهذا ال ميكن أن يكون عقد خدمة ألن عقد اخلدمة‬
‫ينعقد على استيفاء املنافع ال األعيان قصداً‪.‬‬
‫أما استهالك العني إن كان تبعاً جاز كاستخدام من ينظف البيت على أن‬
‫يكون مواد التنظيف على اخلادم‪ ،‬فهذا عقد صحيح‪ ،‬ألن األصل املعقود‬
‫عليه هو العمل يف التنظيف أما املواد املنظفة فهي تبع‪ ،‬ومثله عقد‬
‫االسرتضاع‪ ،‬فليس املقصود منه شراء احلليب من املرأة وإمنا املقصود‬
‫به فعل اإلرضاع وما يتبعه من رعاية للصغري‪ ،‬يقول الشربيين‪( :‬وإذا‬
‫استأجر للرضاع فقط فاألصح أن املعقود عليه احلضانة الصغرى واللنب‬
‫َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُ ُ َّ ُ ُ َ ُ‬
‫ّ‬
‫ن} [الطالق‪]6:‬‬
‫تابع لقوله تعاىل‪{ :‬فإِن أرضعن لكم فآتوهن أجوره َ‬
‫علق األجرة بفعل اإلرضاع ال باللنب وألن اإلجارة موضوعة للمنافع كما‬
‫مر وإمنا األعيان تبعٌ للضرورة)(‪.)2‬‬
‫‪6 .6‬القدرة على تسليم املنفعة‪ :‬ال يصح التعاقد على منفعة ال ميكن‬
‫تسليمها وقت العقد كما ذكر الفقهاء فقد قال احلنابلة‪( :‬وال جتوز‬
‫إجارة ما ال يقدر على تسليم منفعته)(‪ )3‬وعدم القدرة على التسليم يكون‬
‫سببه إما املانع احلسي أو الشرعي‪ ،‬قال الشافعية‪( :‬ويشرتط يف املنفعة‬
‫أيضا «كون املؤجر قادراً على تسليمها» حسًا أو شرعًا ليتمكن املستأجر‬
‫‪ -1‬ابن قدامة ( املغين ) ج‪ 5‬ص‪323‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.346‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.321‬‬
‫‪140‬‬
‫منها‪ ...‬واالمتناع الشرعي «لتسليم املنفعة» «كاحلسي» يف حكمه‪.)1().‬‬
‫أما االمتناع احلسي – أي املادي –‪ :‬فهو عدم القدرة على حتصيل اخلدمة‬
‫املتعاقد عليها يف احلال ملانع حسي‪ ،‬كالتعاقد مع شغالة إذا كانت ممنوعة‬
‫سلفاً من دخول بلد املستأجر‪ ،‬أو أن يتعاقد مع رجل على خدمة ال حيسنها‪،‬‬
‫قال الشربيين‪( :‬وال يصح استئجار «أعمى» إجارة عني «للحفظ» فيما‬
‫حيتاج للنظر وال أخرس للتعليم ‪ ...‬وال استئجار غري القارئ لتعليم القرآن‬
‫يف إجارة لعني ولو اتسعت املدة ليعلمه قبل تعليمه‪ ،‬ألن املنفعة مستحقة‬
‫من عينه والعني ال تقبل التأجيل خبالفها يف إجارة الذمة)(‪.)2‬‬
‫وأما االمتناع الشرعي‪ :‬فهو عدم القدرة على حتصيل اخلدمة املتعاقد عليها‬
‫يف احلال ملانع شرعي كاستئجار احلائض لتعليم القرآن‪ ،‬يبني الشربيين‬
‫هذا بقوله‪( :‬وال «استئجار مسلمة» حائض «أو نفساء أو مستحاضة إجارة‬
‫عني» خلدمة مسجد‪ ...‬ويف معنى خدمة املسجد تعليم القرآن)(‪ ،)3‬ويَضرب‬
‫مثاالً آخر بالتعاقد مع اخلادمة من دون إذن زوجها فيقول‪( :‬وكذا حرة‬
‫منكوحة لغري املستأجر متلك منافع نفسها وال جتوز إجارهتا إجارة عني‪...‬‬
‫لرضاع أو غريه مما ال يؤدي خللوة حمرمة بغري إذن الزوج يف األصح ألن‬
‫أوقاهتا مستغرقة حبقه)(‪.)4‬‬
‫وإن كان وقت اخلدمة املتعاقد عليها مشغول خبدمة أخرى مل يصح‬
‫للخادم التعاقد ألن الوقت من حق العاقد األول‪ ،‬إال إذا كان وقت اخلدمة‬
‫األوىل غري وقت اخلدمة الثانية كأن تكون األوىل هناراً والثانية ليالً‪ ،‬ويبني‬
‫ذلك الشربيين بقوله‪( :‬لو كانت مستأجرة العني فال يصح أن تؤجر نفسها‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.337‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.337‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 2‬ص‪.337‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق ج‪ 2‬ص‪.337‬‬
‫‪141‬‬
‫قطعا)‪.‬‬
‫فإن قيل قد عمت البلوى باستئجار العكامني(‪ )1‬للحج‪ ...‬ألن اإلجارة وقعت‬
‫على أعينهم للعكم فكيف يستأجرون بعد ذلك أجيب بأنه ال مزامحة بني‬
‫أعمال احلج والعكم إذ ميكنه فعلها يف غري أوقات العكم ألنه ال يستغرق‬
‫األزمنة)(‪.)2‬‬
‫‪7 .7‬أن تكون املنفعة مقصودةً عادةً‪ :‬فاملنفعة املتعاقد عليها ال بد أن تكون‬
‫مقصودة بني الناس عادة أو يف الشرع قال احلنفية‪( :‬حتى لو استأجر‬
‫ثيابا أو أواني ليتجمل هبا أو داب ًة ليجنبها بني يديه أو داراً ال ليسكنها أو‬
‫عبداً أو دراهم أو غري ذلك ال ليستعمله بل ليظن الناس أنه له فاإلجارة‬
‫فاسدة يف الكل وال أجر له ألهنا منفعة غري مقصودة من العني)(‪.)3‬‬
‫واملراد باملنفعة املقصودة عادةً أي اليت يقبلها الشرع واعتادها العقالء من‬
‫الناس‪ ،‬يبني ذلك ابن عابدين بقوله‪( :‬مقصودة من العني أي يف الشرع‬
‫ونظر العقالء ‪ ...‬فإنه وإن كان مقصوداً ملستأجر لكنه ال نفع فيه وليس‬
‫من املقاصد الشرعية)(‪.)4‬‬
‫وقصد املنفعة من اخلدمة خيتلف باختالف أعراف الناس وأحواهلم‪،‬‬
‫فاستئجار خادمة للرد على مكاملات اهلاتف منفعة مقصودة بني الناس يف‬
‫املكاتب مثالً ال يف املنازل‪.‬‬
‫وهذا شرط متفق عليه بني العلماء(‪.)5‬‬
‫‪ -1‬العكامني‪ :‬أي احلمالني‪.‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.337‬‬
‫‪ -3‬احلصكفي (الدر املختار شرح تنوير األبصار) ج‪ 6‬ص‪.4‬‬
‫‪ -4‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 6‬ص‪.4‬‬
‫‪ -5‬احلصكفي (الدر املختار شرح تنوير األبصار) ج‪ 6‬ص‪ ،4‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪ ،423‬الشربيين (مغين‬
‫احملتاج) ج‪ 2‬ص‪ ،336‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.319‬‬
‫‪142‬‬
‫الركن الرابع األجرة‬
‫تعدُّ األجرة بدل اخلدمة اليت يقدمها اخلادم ملخدومه‪ ،‬وحتى نفهم حقيقة‬
‫هذا الركن املهم من أركان عقد اخلدمة ال بد لنا من أن نعرف شرط‬
‫األجرة ووقت استحقاقها‪ ،‬وهل ميكن أن جتتمع مع بدل آخر كاجلعل أو‬
‫غريه؟‬
‫‪ 1.1‬يشرتط يف األجرة أن تكون معلومة‪:‬‬
‫وتندفع اجلهالة عن األجرة بأن يُبني مقدارها يف العقد كألف أو ألفني‪،‬‬
‫ويذكر جنسها كلرية أو دوالر أو غري ذلك‪ ،‬قال الشافعية‪«( :‬ويشرط كون‬
‫األجرة اليت يف الذمة معلومة جنساً وقدراً وصف ًة كالثمن يف البيع(‪ )1‬وهذا‬
‫أمر متفق عليه بني العلماء(‪.)2‬‬
‫فأن سكت العقد عن تبيان القدر أو اجلنس رجعنا لتبياهنا إىل العرف‬
‫َّ‬
‫احملكم يف العقد هو عرف إبرام العقد زماناً ومكاناً‪.‬‬
‫السائد‪ ،‬والعرف‬
‫أما مكان تسليم األجرة فاملكان املتفق عليه يف العقد‪ ،‬فإن مل يتعني فمكان‬
‫إبرام العقد‪ ،‬قال الشربيين‪( :‬ثم إن عني ملكان التسليم مكانا تعني وإال‬
‫فموضع العقد)(‪.)3‬‬
‫‪ 2.2‬متى ُتستحَق األجرة‪:‬‬
‫الستحقاق اخلادم لألجر حالتني؛ فإما أن يستحق األجرة عند العقد وإما‬
‫أن يستحقها عند استيفاء املنفعة املتعاقد عليها‪:‬‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.335‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪ ,179‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪ ،391‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪،334‬‬
‫ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.255‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.334‬‬
‫‪143‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬يكون استحقاق األجرة عند العقد‪:‬‬
‫باشرتاط التعجيل يف نفس العقد عند احلنفية واملالكية‪ ،‬مع أن للعرف قوة‬
‫الشرط يف تعجيل األجر‪ ،‬أو إذا عجل األجرة من غري شرط‪ ،‬قال املالكية‪:‬‬
‫(واعلم أنه يقضى بتعجيل األجرة إذا شرط التعجيل‪ ...‬وكذلك يقضى‬
‫بالتعجيل إذا كانت العادة التعجيل)(‪.)1‬‬
‫وال تتعجل األجرة عند احلنفية واملالكية من غري اشرتاط‪ ،‬وال يستحقها‬
‫اخلادم إال بتمام أداء املنفعة واستدلوا على مذهبهم باألدلة اآلتية‪:‬‬
‫َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُ ُ َّ ُ ُ َ ُ‬
‫َّ‬
‫• •أن اهلل تعاىل قال {فإِن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطالق‪]6:‬‬
‫فأمر بإيتائهن أجورهن بعد اإلرتضاع‪.‬‬
‫• •وحديث أبي هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال‪« :‬قال اهلل تعاىل ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم‬
‫غدر ورجل باع حراً فأكل مثنه ورجل استأجر أجرياً فاستوفى منه ومل‬
‫يعط أجره»(‪ ،)2‬حيث رتب اإلثم على منع األجرة عند االستيفاء وليس‬
‫عند العقد‪.‬‬
‫• •وحديث عبد اهلل بن عمر قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫«أعطوا األجري أجره قبل أن جيف عرقه»(‪ ،)3‬قال شراح احلديث يف تبيان‬
‫املراد منه‪( :‬فاألمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إمنا هو كناية عن وجوب‬
‫املبادرة عقب فراغ العمل)(‪ ،)4‬أي ال يلزم عند العقد من غري شرط‪ ،‬وإمنا‬
‫يلزم بالفراغ من العمل‪.‬‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.394‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 2‬ص‪ 776‬برقم‪.2114 :‬‬
‫‪ -3‬ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج‪ 2‬ص‪ 817‬برقم‪.2443 :‬‬
‫‪ -4‬املناوي (فيض القدير) ج‪ 1‬ص‪.562‬‬
‫‪144‬‬
‫• •وألن الثمن يثبت بثبوت ملك العوض‪ ،‬والعوض يف اإلجارة وهي املنفعة‬
‫تثبت شيئا فشيئاً‪ ،‬وال يتم تسليمها إال بتمام استيفاءها وال حيصل هذا‬
‫فور انعقاد العقد‪ ،‬وال يلزم األجر إال بشرط التعجيل‪ ،‬قال احلنفية‪( :‬أن‬
‫األجرة ال متلك عندنا إال بأحد معان ثالثة أحدها‪ :‬شرط التعجيل يف‬
‫نفس العقد‪ ،‬والثاني التعجيل من غري شرط‪ ،‬والثالث استيفاء املعقود‬
‫عليه‪.‬‬
‫أما ملكها بشرط التعجيل فألن ثبوت امللك يف العوضني يف زمان واحد‬
‫لتحقيق‪ ،‬معنى املعاوضة املطلقة وحتقيق املساواة اليت هي مطلوب‬
‫العاقدين ومعنى املعاوضة واملساواة ال يتحقق إال يف ثبوت امللك فيهما‬
‫يف زمان واحد فإذا شرط التعجيل فلم توجد املعاوضة املطلقة بل املقيدة‬
‫بشرط التعجيل فيجب اعتبار شرطهما لقوله «املسلمون عند شروطهم»‬
‫فيثبت امللك يف العوض قبل ثبوته يف املعوَّض)(‪.)1‬‬
‫وأما عند احلنابلة والشافعية فتجب األجرة مبطلق العقد‪ ،‬يقول ابن قدامة‪:‬‬
‫(أن املؤجر ميلك األجرة مبجرد العقد إذا أطلق ومل يشرتط املستأجر أجال‬
‫كما ميلك البائع الثمن باملبيع وهبذا قال الشافعي)(‪.)2‬‬
‫ودليلهم فيما ذهبوا إليه‪:‬‬
‫• •قياساً على البيع ألن اإلجارة يف حقيقتها بيع ولكن للمنافع بدل‬
‫األعيان‪ ،‬فيثبت استحقاق األجرة فيها مبجرد العقد كما يثبت الثمن‬
‫يف البيع بالعقد‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬ولنا أنه عوض أطلق ذكره يف العقد‬
‫معاوضة فيستحق مبطلق العقد كالثمن والصداق‪ ،‬أو نقول عوض يف‬
‫عقد يتعجل بالشرط فوجب أن يتعجل مبطلق العقد كالذي ذكرنا)(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.202‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.256‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪256‬‬
‫‪145‬‬
‫• •وردوا استدالل الفريق األول بآية الرضاع بأن اآلية أمرت بإيتاء األجر‬
‫عند الشروع يف الرضاع وليس عقب اإلمتام‪ ،‬وكذلك االستدالل باحلديث‪،‬‬
‫فقال ابن قدامة‪( :‬فأما اآلية فيحتمل أنه أراد اإليتاء أو تسليم نفسها كما‬
‫َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ْ هّ َ َّ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫جي ِم}‬
‫قال تعاىل‪{ :‬فإِذا قرأت القرآن فاست ِعذ بِاللِ مِن الشيط ِ‬
‫ان الر ِ‬
‫[النحل‪ ]98:‬أي إذا أردت القراءة‪ ...‬وهذا هو اجلواب عن احلديث ويدل‬
‫عليه أنه إمنا توعَّد على ترك اإليفاء بعد الفراغ من العمل وقد قلتم جيب‬
‫األجر شيئا فشيئا وحيتمل أنه توعده على ترك اإليفاء يف الوقت الذي‬
‫تتوجه املطالبة فيه عادة)(‪.)1‬‬
‫وأضاف الشافعية شرط تعجيل األجرة يف جملس العقد يف إجارة الذمة‪،‬‬
‫ألهنم أجروا عليها أحكام السلم‪ ،‬ومن املعلوم أن السلم ال يصح إال إذا تعجل‬
‫الثمن يف جملس العقد‪ ،‬وبينوا ذلك بقوهلم‪( :‬ويشرتط يف صحة إجارة‬
‫الذمة تسليم األجرة يف اجمللس قطعاً‪ ...‬فال جيوز فيها تأخري األجرة وال‬
‫االستبدال عنها وال احلوالة هبا وال عليها وال اإلبراء منها‪ ،‬وإجارة العني‬
‫ال يشرتط يف صحتها ذلك أي تسليم األجرة فيها يف اجمللس معينة كانت‬
‫األجرة أو يف الذمة كالثمن يف البيع)(‪.)2‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬يف استحقاق األجرة يكون بتمام استيفاء املنفعة حيث‬
‫تستقر األجرة وهذا باتفاق العلماء(‪ ،)3‬عرب عنه علماء الشافعية بقوهلم‪:‬‬
‫(أما استقرار مجيعها فباستيفاء املنفعة أو بتفويتها)(‪ ،)4‬وقد مر سابقاً‬
‫قول علماء احلنفية‪( :‬أن األجرة ال متلك عندنا إال بأحد معان ثالثة‪:‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.256‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.334‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪ ،202‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪ ،395‬والشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪،334‬‬
‫وابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.257‬‬
‫‪ -4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.334‬‬
‫‪146‬‬
‫أحدها شرط التعجيل‪ ،‬والثاني التعجيل من غري شرط‪ ،‬والثالث استيفاء‬
‫املعقود عليه)(‪.)1‬‬
‫والذي يبدو يل من األدلة السابقة ترجيح أن األصل يف اإلجارة استحقاق‬
‫األجرة عند متام استيفاء املنفعة‪ ،‬وال تلزم عند العقد إال بالشرط أو‬
‫عرف‪.‬‬
‫ ولكن هل يشرتط متام استيفاء املنفعة املتعاقد عليها حتى يستحق‬‫اخلادم األجر‪ ،‬أم يستحق األجر بتحصيل جزء منها؟‬
‫فلو أن اخلادمة أرادت ترك اخلدمة وسط الشهر فهل تستحق أجرة ما‬
‫عملت؟ أم يسقط أجرها بعدم إمتام الشهر؟ اجلواب عن هذا األمر يرجع‬
‫إىل نوع اخلدمة‪:‬‬
‫• •فإن كانت اإلجارة خاصة كما يف املثال السابق فال يشرتط متام‬
‫استيفاء املنفعة ليستحق األجري األجرة سواء كانت إجارة عني أو عمل‪،‬‬
‫فلو عمل نصف العمل ثم توقف عن العمل استحق قيمة ما عمل‪ ،‬وسئل‬
‫اإلمام مالك عن الرجل يستأجر من يبين يل حائطا ووصفه له فلما بنى‬
‫نصف احلائط اهندم‪ ،‬أيكون على الباني أن يبنيه ثانية؟ قال‪( :‬ليس عليه‬
‫أن يبنيه لك ثانية وله من األجر بقدر ما عمل)(‪.)2‬‬
‫وتعليله بأن املنفعة املقدمة قد استلمها املستأجر ألنه حدثت حتت يده‬
‫فهو مستلم هلا حقيق ًة‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬فإن كان يف يد املستأجر فقدر‬
‫ما أوقعه من العمل فيه يصري مسلماً إىل املستأجر قبل الفراغ منه‪ ...‬بأن‬
‫استأجره ليبين له بناءً يف داره أو يعمل له ساباطاً أو جناحاً أو حيفر له‬
‫بئراً أو قناةً أو هنرًا أو ما أشبه ذلك يف ملكه أو فيما يف يده فعمل بعضه‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.202‬‬
‫‪ -2‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪.449‬‬
‫‪147‬‬
‫فله أن يطالبه بقدره من األجرة لكنه جيرب على الباقي‪ ،‬حتى لو اهندم‬
‫البناء أو إهنارت البئر أو وقع فيها املاء والرتاب وسواها مع األرض أو سقط‬
‫الساباط فله أجر ما عمله حبصته ألنه إذا كان يف ملك املستأجر أو يف يده‬
‫فكلما عمل شيئا حصل يف يده قبل هالكه وصار مسلماً إليه فال يسقط‬
‫بدله باهلالك)(‪.)1‬‬
‫ولكن يشرتط أن يكون العمل املنجز ذو منفعة‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬وكذلك‬
‫اخلياط الذي خييط له يف منزله قميصاً فإن خاط له بعضه مل يكن له‬
‫أجرته ألن هذا العمل ال ينتفع ببعضه دون بعضه فال تلزم األجرة)(‪.)2‬‬
‫• •وإن كانت اخلدمة إجارةً مشرتك ًة فال يستحق األجري األجرة إال بتمام‬
‫العمل باتفاق العلماء‪ ،‬وسئل اإلمام مالك عن اخلياط إن خاط نصف‬
‫القميص ثم جاء يطلبه بنصف إجارته أيكون له ذلك قال‪( :‬ال يكون له‬
‫ذلك حتى يفرغ من عمله‪ ...‬ألنه مل يأخذ الثوب على أن خييط نصفه‬
‫ويرتك نصفه)(‪ ،)3‬وقال الكاساني‪( :‬حيث أهنا معقودٌ عليها شيءٌ واحدٌ‬
‫فما مل يستوفها كلها ال جيب شيء من بدهلا كمن استأجر خياطا خييط‬
‫ثوبا فخاط بعضه أنه ال يستحق األجرة حتى يفرغ منه)(‪.)4‬‬
‫ويكون متام االستيفاء بتمام املدة املتفق عليها إذا سلم اخلادم نفسه يف‬
‫إجارة العني‪ ،‬ألن استحقاق األجرة مرتبط مبجرد احتباس اخلادم نفسه‬
‫على اخلدمة سواء عمل أو مل يعمل‪ ،‬قال احلنفية‪( :‬رجل استأجر رجالً‬
‫ليعلم غالمه‪ ،‬أو ولده شعراً أو أدباً أو خطاً أو حساباً أو حرفة أو اخلياطة‬
‫وحنوها‪ ،‬إن بني لذلك وقتاً معلوماً‪ ،‬ستة أشهر وما أشبه ذلك جاز‪ ،‬وجيب‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.204‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.205‬‬
‫‪ -3‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪.451‬‬
‫‪ -4‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.201‬‬
‫‪148‬‬
‫املسمى‪ ،‬تعلم أو مل يتعلم يف تلك املدة‪ ،‬إذا سلم األستاذ نفسه لذلك)(‪.)1‬‬
‫هل تلزم األجرة على عمل يف الذمة بتفويت املخدوم للمنفعة املبذولة من‬
‫غري حتصيلها؟‬
‫إذا بذل اخلادم العمل ففوت املخدوم املنفعة فقد اختلف العلماء بلزوم‬
‫األجر‪ :‬فقال أبو حنيفة ومالك بعدم استحقاق األجر ألن األجر مقابل‬
‫املنفعة ومل تتم‪ ،‬وأيد هذا القول ابن قدامة‪( :‬وإن بذل تسليم العني وكانت‬
‫اإلجارة على عمل فقال أصحابنا إذا مضت مدة ميكن االستيفاء فيها‬
‫استقر عليه األجر وهبذا قال الشافعي ألن املنافع تلفت باختياره‪ ،‬وقال‬
‫أبو حنيفة ال أجر عليه وهو أصح عندي ألنه عقد على ما يف الذمة فلم‬
‫يستقر ببذل التسليم كاملسلم فيه وألنه عقد على منفعة غري مؤقتة بزمن‬
‫فلم يستقر عوضها بالبذل كالصداق إذا بذلت تسليم نفسها وامتنع الزوج‬
‫من أخذها(‪.)2‬‬
‫وقال الشافعي وأمحد باستحقاق األجر ألن التفويت حصل بسبب املخدوم‪،‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬وإن كانت اإلجارة على عمل فتسلم املعقود عليه ومضت‬
‫مدة ميكن استيفاء املنفعة فيها‪ ...‬فقال أصحابنا يستقر عليه األجر وهو‬
‫مذهب الشافعي ألن املنافع تلفت حتت يده باختياره فاستقر الضمان‬
‫عليه كما لو تلفت العني يف يد املشرتي وكما لو كانت اإلجارة على مدة‬
‫فمضت)(‪ ،)3‬وقال الشربيين من الشافعية‪( :‬أن املؤجر استقر ملكه من‬
‫األجرة على ما يقال ذلك إما باستيفاء املنفعة أو بتفويتها)(‪.)4‬‬
‫وإن كان عقد اخلدمة جعالة فمن املؤكد أن ال يستحق من األجر شيئاً‬
‫‪ -1‬األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج‪ 2‬ص‪.13‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.257‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.257‬‬
‫‪ -4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.344‬‬
‫‪149‬‬
‫حتى يتم عمله املتفق عليه‪.‬‬
‫‪3 .3‬مقدار األجرة‪:‬‬
‫حيدد مقدار األجرة مبا اتفق عليه املتعاقدان يف عقد اخلدمة‪ ،‬أما إذا‬
‫سكت املتعاقدان عن األجرة ثبت أجر املثل حبسب املتعارف عليه‪ ،‬وم َّثل‬
‫لذلك احلنفية بقوهلم‪( :‬رجل جاء مبراهق إلىل داره بقرار أن يعطيه اخلبز‬
‫واللباس وهو يشتغل خبدمة الرجل‪ ،‬وقرر أيضاً تعليمه املهنة واشتغل‬
‫عنده سنتني ثم تفارقا‪ ،‬جتب أجرة مثل عمل هذا املراهق على الرجل‪،‬‬
‫جيب عليه أجر املثل)(‪ ،)1‬وجاء يف جملة األحكام العدلية‪( :‬لو خدم أحد‬
‫آخر على طلبه من دون مقاولة أجرة فله أجر املثل إن كان ممن خيدم‬
‫باألجرة وإال فال)(‪.)2‬‬
‫اشرتاط أجرتني واحدة للتعجيل واألخرى للتأخري‪ :‬فإذا حدد العقد أجرة‬
‫يف تعجيل املنفعة وأقل منها يف تأخريها جاز عند أبي يوسف وحممد من‬
‫احلنفية ورواية عن أمحد ألن منفعة التعجيل أكثر أجراً من املؤجلة يف‬
‫العادة‪ ،‬وألنه عقد مسي فيه عمل معلوم وبدل معلوم فال معنى لفساد‬
‫اإلجارة فيه‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬ولو أعطى خياطاً ثوباً فقال إن خطته اليوم‬
‫فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم قال أبو حنيفة الشرط‬
‫األول صحيح والثاني فاسد حتى لو خاطه اليوم فله درهم وإن خاطه‬
‫غدا فله أجر مثله‪ ...‬وقال أبو يوسف وحممد الشرطان جائزان)(‪ ،)3‬وقال‬
‫ابن قدامة‪( :‬وإن قال إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته‬
‫غدا فلك نصف درهم فعن أمحد فيه روايتان إحدامها ال يصح وله أجر‬
‫‪ -1‬األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج‪ 2‬ص‪.13‬‬
‫‪( -2‬جملة األحكام العدلية) ص ‪.105‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.186‬‬
‫‪150‬‬
‫املثل‪ ...‬ألنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخري فلم يصح‬
‫كما لو قال بعتك نقداً بدرهم أو بدرمهني نسيئة‪ .‬والثانية يصح)(‪.)1‬‬
‫وقال مجهور العلماء بفساد هذا العقد‪ ،‬كأن قال للخادم إذا أهنيت تنظيف‬
‫البيت اليوم فلك مئتان وإذا أهنيتها غداً فلك مئة‪ ،‬ألن يف معنى بيعتني‬
‫يف بيعة وللجهالة‪ ،‬وكالمها مفسد لإلجارة‪ ،‬قال النووي‪( :‬ولو أعطاه ثوباً‬
‫وقال إن خطته اليوم فلك درهم أو غداً فنصف فسد العقد ووجبت أجرة‬
‫املثل متى خاطه)(‪.)2‬‬
‫وعند اإلمام مالك إن دخلت الزيادة مقابل التعجيل يف أصل العقد فهو‬
‫غري جائز ألنه بيعتني يف بيعة‪ ،‬وإن أحلقت بالعقد ففيه تفصيل‪ :‬إن أمكن‬
‫التعجيل جاز‪ ،‬وإن كان ال يدري أيقدر على التعجيل أم ال كره العقد‪ ،‬قال‬
‫املالكية‪( :‬إذا استأجره على خياطة ثوب بدرهم ثم قال له عجله يل اليوم‬
‫وأزيدك نصف درهم فإن كان على يقني من أنه ميكنه تعجيله فذلك‬
‫جائز وإن كان ال يدري إذا أجهد نفسه هل يتم أم ال فكرهه مالك‪ ،‬ومثله‬
‫استئجار رسول على تبليغ كتاب لبلد بكذا ثم زيادته على أن يسرع يف‬
‫السري فيبلغه يف يوم كذا يفصل فيه كما تقدم)(‪.)3‬‬
‫اشرتاط تغري األجرة بتغري وصف العمل‪ :‬وأن شرط تغري األجرة بتغري‬
‫وصف العمل فسد العقد عند اجلمهور(‪ )4‬وجاز عند احلنفية‪ ،‬مثاله أن‬
‫يقول رب املنزل للبستاني إن غرست حديقة املنزل شتالً فلك ألف وإن‬
‫زرعتها أزهاراً فلك ألفان‪ ،‬بينه النووي بقوله‪( :‬ولو قال إن خطته روميًا‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.295‬‬
‫‪ -2‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن شرف بن مري ‪676‬هـ (روضة الطالبني وعمدة املفتني) بريوت‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1405‬هـ ج‪ 5‬ص‪.175‬‬
‫‪ -3‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.403‬‬
‫‪ -4‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪ ،403‬والنووي (روضة الطالبني) ج‪5‬ص‪ ،175‬وابن قدامة (املغين) ج‪5‬ص‪.295‬‬
‫‪151‬‬
‫فلك درهم أو فارسيًا فنصف فسد)(‪.)1‬‬
‫وهذه املسألة يف اخلالف بني الفقهاء واالستدالل كاليت قبلها إال أن أبا‬
‫حنيفة وافق صاحبيه يف اجلواز‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬وكذلك إذا دفع إىل‬
‫خياط ثوبا فقال له إن خطته فارسياً فلك درهم وإن خطته رومياً فلك‬
‫درمهان‪ ،‬أو قال لصباغ إن صبغت هذا الثوب بعصفر فلك درهم وإن‬
‫صبغته بزعفران فلك درمهان فذلك جائز)(‪.)2‬‬
‫‪4 .4‬اجتماع األجرة مع بدلٍ غريها يف اخلدمة‪:‬‬
‫جلعل‪ :‬حبيث جيعل للخادم يف عقد اخلدمة أجراً حمدداً‬
‫اجتماع األجرة وا ُ‬
‫ويزيده جعالً على إهناء العمل‪ ،‬مثاله أن يقول رب املنزل للمعلم لك على‬
‫تعليم الولد القران ألفا لرية كل شهر‪ ،‬ولك مخسة أالف أخرى إذا ختم‬
‫حفظ القرآن‪ ،‬فاأللفني إجارة واخلمسة جعالة فهذا عقد فاسد يفسد‬
‫به العقد ويستحق به أجر املثل قال املالكية‪( :‬وكذلك تفسد اإلجارة إذا‬
‫مجعها مع اجلعل وقاله يف أول كتاب اجلعل من املدونة)(‪.)3‬‬
‫اجتماع اإلجارة والبيع‪ :‬حبيث يتعاقد على عمل وشراء سلعة بثمنها يف‬
‫نفس العقد‪ ،‬فيستحق اخلادم أجرة عمله ومثن سلعته‪ ،‬وهو تعاقد مشروع‪،‬‬
‫مثاله أن يتعاقد مع شركة مصاعد على شراء مصعد بثمنه وصيانته‬
‫بشكل دوري مقابل أجرة حمددة‪ ،‬أو كالتعاقد مع عامل يقوم بصيانة‬
‫كهرباء املنزل بشكل دوري مقابل أجر حمدد مع استبدال األشياء التالفة‬
‫جبديدة بثمنها قال املالكية‪( :‬أن اإلجارة مع البيع ليست بفاسدة بل جيوز‬
‫‪ -1‬والنووي (روضة الطالبني) ج‪5‬ص‪.175‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪4‬ص‪.185‬‬
‫‪ -3‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪5‬ص‪.396‬‬
‫‪152‬‬
‫اجتماعها معه)(‪.)1‬‬
‫‪ 5.5‬استئجار اخلادم بنفقته من طعام وشراب وكساء‪:‬‬
‫هل جيوز استئجار اخلادم بنفقته من طعام وغريه؟ العلماء يف حكمها على‬
‫مذاهب‪:‬‬
‫املذهب األول باجلواز‪ :‬قاله املالكية ورواية عن أمحد‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬اختلفت الرواية عن أمحد فيمن استأجر أجريًا بطعامه‬
‫وكسوته أو جعل له أجرًا وشرط طعامه وكسوته فروي عنه جواز ذلك وهو‬
‫مذهب مالك وإسحاق وروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى رضي اهلل‬
‫عنهم أهنم استأجروا األجراء بطعامهم وكسوهتم)(‪.)2‬‬
‫ورجح ابن قدامة هذا املذهب لقوة وكثرة أدلته‪:‬‬
‫• •حديث عتبة بن املنذر قال‪ :‬كنا عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فقرأ {طس} [النمل‪ ]1:‬حتى بلغ قصة موسى قال‪« :‬إن موسى آجر‬
‫نفسه مثاني حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه»(‪ )3‬وشرع من‬
‫قبلنا شرع لنا ما مل يثبت نسخه‪.‬‬
‫• •وحديث أبي هريرة رضي اهلل عنه أنه قال‪« :‬كنت أجريًا البنة غزوان‬
‫(‪)4‬‬
‫بطعام بطين وعقبة رجلي‪ ،‬أحطب هلم إذا نزلوا وأحدوا هبم إذا ركبوا»(‪.)5‬‬
‫• •وبالقياس على التعاقد مع املرضعة الثابت باآلية القرآنية‪.‬‬
‫• •وانتفاء اجلهالة عن العوض بالعمل بالعرف السائد‪.‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪5‬ص‪.396‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.285‬‬
‫‪ -3‬ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج‪ 2‬ص‪ 817‬برقم‪.2444 :‬‬
‫‪ -4‬بسرة بنت غزوان‪ :‬اليت كان أبو هريرة أجريها ثم تزوجها‪ ،‬وهي أخت عتبة بن غزوان املازني الصحابي املشهور أمري‬
‫البصرة وقصة أبي هريرة معها صحيحة كانت قد استأجرته يف العهد النبوي ثم تزوجها بعد ذلك ملا كان مروان يستخلفه‬
‫يف إمرة املدينة (اإلصابة يف متييز الصحابة ج‪ 7‬ص‪.)537‬‬
‫‪ -5‬ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج‪2‬ص‪ 817‬برقم‪.2445 :‬‬
‫‪153‬‬
‫• •وإمجاع الصحابة على صحة العمل به كما ذكر ابن قدامة‪( :‬وألن من‬
‫ذكرنا من الصحابة وغريهم فعلوه فلم يظهر له نكري فكان إمجاعاً‪...‬‬
‫وألنه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة وألن‬
‫للكسوة عرفاً وهي كسوة الزوجات ولإلطعام عرف وهو اإلطعام يف‬
‫الكفارات فجاز إطالقه كنقد البلد وخنص أبا حنيفة بأن ما كان عوضا‬
‫يف الرضاع جاز يف اخلدمة كاألمثان)(‪.)1‬‬
‫• •وتقدر حبسب العرف والعادة يف الطعام والشراب واللباس وبقية‬
‫احلوائج(‪.)2‬‬
‫املذهب الثاني بعدم اجلواز‪ :‬قاله الصاحبني من احلنفية والشافعية ورواية‬
‫أخرى عن أمحد‪ .‬يقول الكاساني‪( :‬لو استأجر عبداً بأجر معلوم وبطعامه‬
‫أو استأجر دابة بأجر معلوم وبعلفها مل جيز ألن الطعام أو العلف يصري‬
‫أجرة وهو جمهول فكانت األجرة جمهولة والقياس يف استئجار الظئر‬
‫بطعامها وكسوهتا أنه ال جيوز وهو قول أبي يوسف وحممد جلهالة األجرة‬
‫وهي الطعام والكسوة)(‪ .)3‬وذكر ابن قدامة الرواية عن اإلمام أمحد بقوله‪:‬‬
‫(وروي عنه رواية ثالثة ال جيوز ذلك حبال ال يف الظئر وال يف غريها و به‬
‫قال الشافعي وأبو يوسف وحممد وأبو ثور وابن املنذر ألن ذلك خيتلف‬
‫اختالفاً كثرياً متبايناً فيكون جمهوالً واألجر من شرطه أن يكون معلوماً(‪.)4‬‬
‫املذهب الثالث باجلواز يف املرضعة فقط للنص‪ :‬قاله أبو حنيفة ورواية‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.285‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 3‬ص‪.434‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪4‬ص‪.193‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج‪5‬ص‪.285‬‬
‫‪154‬‬
‫ثالثة عن أمحد‪ .‬قال الكاساني‪( :‬إال أن أبا حنيفة استحسن اجلواز بالنص‬
‫َلعىَ ْ َ ْ ُ هَ ُ ْ ُ ُ َّ َ ْ َ ُ ُ َّ ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وف}‬
‫وهو قوله عز وجل‪{ :‬و المولودِ ل رِزقهن وك ِسوتهن بِالمعر ِ‬
‫[البقرة‪ ]233:‬من غري فصل بني ما إذا كانت الوالدة منكوحة أو مطلقة‬
‫وقوله عز وجل وعلى الوارث مثل ذلك أي الرزق والكسوة وذلك يكون بعد‬
‫ْ َ َ ُّ ْ َ َ ْ رَ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫ال ُج َناحَ‬
‫ضعوا أوالدكم ف‬
‫موت املولود وقوله تعاىل‪ِ{ :‬إَون أردتم أن تست ِ‬
‫َ َ ْ ُ ْ َ َ َّ ْ ُ َّ َ ْ ُ ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وف} [البقرة‪ ]233:‬نفى اهلل سبحانه‬
‫عليكم إِذا سلمتم مآ آتيتم بِالمعر ِ‬
‫وتعاىل اجلناح عن االسرتضاع مطلقا‪ ،‬وقوهلما األجرة جمهولة مسلم لكن‬
‫اجلهالة ال متنع صحة العقد لعينها بل إلفضائها إىل املنازعة وجهالة‬
‫األجرة يف هذا الباب ال تفضي إىل املنازعة ألن العادة جرت باملساحمة مع‬
‫األظآر والتوسيع عليهن شفقة على األوالد)(‪.)1‬‬
‫أما إذا كانت النفقة موصوف ًة يف الذمة جاز باإلمجاع‪ ،‬وال دخل هلا هبذا‬
‫اخلالف ألن النفقة يف هذه احلالة مضبوطة وليس فيها جهالة‪ ،‬كأن‬
‫يستأجر اخلادم كل يوم بثالث وجبات طعام كل يوم من طعام كذا‪ ،‬ويصبح‬
‫طعامه حقاً له سواء أكله أم مل يأكله وال بد من تسلمه‪ ،‬كما ذكر ابن قدامة‬
‫بقوله‪( :‬وإن شرط األجري كسوة ونفقة معلومة موصوفة كما يوصف يف‬
‫املسلم جاز ذلك عند اجلميع ‪ ...‬وإن استغنى األجري عن طعام املؤجر‬
‫بطعام نفسه أو غريه أو عجز عن األكل ملرض أو غريه مل تسقط نفقته‬
‫وكان له املطالبة هبا ألهنا عوض فال تسقط بالغنى عنه كالدارهم)(‪.)2‬‬
‫معنى تسليم الطعام‪ :‬فإن كان اخلادم مستأجراً بطعامه وجب على‬
‫املستأجر أن يدفع له طعامه املستحق له‪ ،‬فإن قدم له الطعام على وجه‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.193‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.286‬‬
‫‪155‬‬
‫اإلباحة فلم يستطع حتصيله وجب عليه أن يقدم له بدله‪ ،‬كأن يشارك‬
‫أهل البيت أو خداماً غريه يف الطعام فال يبقون له ما يكفي‪ ،‬عندها جيب‬
‫على رب البيت أن خيصه بطعام لوحده‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬إن قدم إليه‬
‫طعاما فنهب أو تلف قبل أكله نظرت فإن كان على مائدة ال خيصه فيها‬
‫بطعامه فهو من ضمان املستأجر‪ ،‬ألنه مل يسلمه إليه فكان تلفه من ماله‪،‬‬
‫وإن خصه بذلك وسلمه إليه فهو من ضمان األجري‪ ،‬ألنه تسليم عوض على‬
‫وجه التمليك أشبه البيع)(‪.)1‬‬
‫املقصود بالنفقة‪ :‬تضبط النفقة بالنص يف العقد أوالً‪ ،‬وإال فيحددها‬
‫العرف‪ ،‬وهي تشمل األمور اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬الطعام والشراب‪ :‬جيب أن يكون من جنس طعام أهل البيت‪ ،‬والدليل‬
‫قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إخوانكم خولكم جعلهم اهلل حتت أيديكم‬
‫فمن كان أخوه حتت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس وال تكلفوهم‬
‫ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم»(‪ ،)2‬ثم إن األصل يف استحقاق الطعام‬
‫أجرةً هو ما اتفق عليه املتعاقدان‪ ،‬وما سكت عنه العقد فسره العرف وهو‬
‫ما اعتاده الناس من طعام وشراب‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬وقد قالوا يف توابع‬
‫العقود اليت ال ذكر هلا يف العقود إهنا حتمل على عادة كل بلد)(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬املسكن‪ :‬واملقصود باملسكن املكان الذي حيقق للخادم أمنه وراحته‬
‫ونومه‪ ،‬ويتبع السكن كل حاجات السكن من تدفئة وإنارة‪ ،‬والبد من أن‬
‫يكون مكاناً يبيت يف مثله عادة‪ ،‬فال جيوز أن يكون حظريةً مع البهائم‪،‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.286‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪1‬ص‪ 20‬عن أبي ذر برقم‪.30:‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.209‬‬
‫‪156‬‬
‫أو يف العراء كشرفة املنزل أو زاوية حديقته‪ .‬وإن عني املطبخ مثالً مبيتاً‬
‫للخادمة كما يفعل كثريٌ من الناس جاز إن كان يليق لذلك‪ ،‬وإن تركوا‬
‫اخلادمة تشاركهم املنزل وتنام مع األطفال يف غرفهم جاز بشرط االلتزام‬
‫بضوابط احلجاب والنظر الشرعية‪ ،‬كأن يكونوا إناثاً فقط أو صغاراً‪ ،‬مع‬
‫حتفظات كثرية منر عليها يف الفصل الثالث بإذن اهلل‪.‬‬
‫‪ -3‬اللباس‪ :‬يستحق اخلادم اللباس إن كان مثة شرط أو عرف فيه‪ ،‬وجيب‬
‫عند ذلك على رب البيت أن يكسو اخلادم ما يناسبه من لباس ذكراً أو‬
‫أنثى‪ ،‬صيفاً وشتاءً‪.‬‬
‫‪ -4‬الدواء‪ :‬وهو من مجلة النفقة اليت حيتاجها اخلادم وتلزم املخدوم كذلك‬
‫بالشرط أو بالعرف‪ ،‬وقد ألزمت معظم احلكومات الناس باشرتاط هذا‬
‫احلق يف عقد خدمة املنزل اخلاصة (الشغاالت) حيث ألزمت املستخدم‬
‫سلفاً بدفع التأمني الصحي للخادمة‪.‬‬
‫والدواء الذي يلزم املخدوم أن يقدمه للخادم هو الدواء الذي يتعاطاه‬
‫اإلنسان يف أحواله املعتادة كصداع مثالً أو زكام أو مداواة جرح بسيطة‪.‬‬
‫وهو غري ملزم أن ينفق عليه أجرة عملية جراحية مثالً‪ ،‬ألنه أجرة جمهولة‬
‫تفسد العقد‪ ،‬ثمَّ إن مرضاً كهذا يعجز اخلادم عن اخلدمة ويؤدي لفسخ‬
‫العقد‪ ،‬وهذا ما سنذكره –إن شاء اهلل‪ -‬يف حبث عوارض اخلدمة‪ ،‬ومل تبق‬
‫خدمة أصالً‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬وإن احتاج لدواء ملرضه مل يلزم املستأجر‬
‫ذلك ألنه مل يشرط له اإلطعام إال صحيحا)(‪.)1‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.286‬‬
‫‪157‬‬
‫أما سبب عدم جعل الدواء من النفقة عند معظم الفقهاء فهذه مسألة‬
‫ترجع ألحوال الناس وأعرافهم‪ ،‬وقد تغري هذا األمر كثرياً وتطور(‪.)1‬‬
‫أما زكاة الفطر‪ :‬فال تلزم ألن نفقة اخلادم وجبت بسبب عقد اخلدمة فهي‬
‫عوض مثل النقود‪ ،‬وليست نفقة اخلادم واجبة على رب املنزل بالشرع‬
‫حتى نلزمه بزكاة فطر اخلادم‪ ،‬قال النووي‪( :‬وإن اكرتى هلا خادماً حرة‬
‫أو أمة مل يلزمه فطرة اخلادم كما ال يلزمه نفقته فإن اإلجارة ال تقتضي‬
‫النفقة)(‪ ،)2‬وقال ابن قدامة‪( :‬وإن استأجر هلا خادما فليس عليه نفقته وال‬
‫فطرته سواء شرط عليه مؤونته أو مل يشرط ألن املؤونة إذا كانت أجرة‬
‫فهي من مال املستأجر‪ ،‬وإن تربع باإلنفاق على من ال تلزمه نفقته فحكمه‬
‫حكم من تربع باإلنفاق على أجنيب)(‪.)3‬‬
‫‪6 .6‬أال يكون األجر شيئا حيصل بعمل األجري‪ :‬هل جيوز أن تكون أجرة‬
‫بستاني املنزل مبا ميكن أن حيصله من مثار حديقة املنزل؟‬
‫يف احلقيقة أن هذا العقد ال جيوز عند مجهور العلماء للحديث النبوي الذي‬
‫رواه أبو سعيد اخلدري رضي اهلل عنه قال (هنى عن عسب الفحل وعن‬
‫قفيز الطحان)(‪ )4‬فسره العلماء بقوهلم‪( :‬هو أن يقول للطحان اطحنه بكذا‬
‫وقفيز منه أو اطحن هذه الصربة اجملهولة بقفيز منها)(‪ ،)5‬ويفسد العقد‬
‫‪ -1‬وقد حبث مسألة "كون التداوي من النفقة" الشيخ حممد أديب كلكل ‪-‬حفظه اهلل‪ -‬يف رسالة بعنوان‪( :‬تطبيب املرأة‬
‫ومثن عالجها)‪.‬‬
‫‪ -2‬النووي (اجملموع شرح املهذب) ج‪ 6‬ص‪.95‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 2‬ص‪.360‬‬
‫‪ -4‬الدارقطين‪ ،‬أبو احلسن علي بن عمر البغدادي ‪385‬هـ (سنن الدارقطين) حتقيق عبد اهلل هاشم مياني املدني‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫نشر دار املعرفة ‪1386‬هـ ‪1966‬م‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 47‬برقم‪ .195 :‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي بن موسى ‪458‬هـ‬
‫(السنن الكربى) حتقيق حممد عبد القادر عطا‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬مكتبة دار الباز‪1414،‬هـ ‪1994‬م‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ 339‬برقم‪.10636:‬‬
‫‪ -5‬املناوي (فيض القدير) ج‪ 6‬ص‪.335‬‬
‫‪158‬‬
‫جلهالة األجرة‪ ،‬ولعدم القدرة على تسليم األجرة حاالً‪ ،‬قال الشربيين‪:‬‬
‫(وال يصح أيضا استئجار سالخ ليسلخ الشاة باجللد الذي عليها‪ ،‬وال‬
‫طحان على أن يطحن الرب مثالً ببعض الدقيق منه كربعه أو بالنخالة منه‪،‬‬
‫للجهل بثخانة اجللد وبقدر الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على األجرة‬
‫حاال‪.‬‬
‫وقد روي ‪ ...‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن قفيز الطحان و ُفسر‬
‫بأن جيعل أجرة الطحن قفيزًا مطحو ًنا‪ .‬والضابط يف هذا أن جتعل األجرة‬
‫شيئا حيصل بعمل األجري)(‪.)1‬‬
‫وأفتى باجلواز علماء بلخ من احلنفية‪ ،‬وخصوا احلديث مبسألة الطحان‬
‫فقط ومل يقيسوا عليها غريها‪( :‬أن يستأجر رجال ليحمل له طعاما أو‬
‫يطحنه بقفيز منه فاإلجارة فاسدة وجيب أجر املثل ال يتجاوز به املسمى‪...‬‬
‫عدم اجلواز منصوص عليه بالنهى عن قفيز الطحان‪ ...‬لكن مشايخ بلخ‬
‫استحسنوه وأجازوه لتعامل الناس‪ ،‬قال وبه نأخذ)(‪.)2‬‬
‫ولعل يف هذه الفتوى عند احلنفية سعة وتيسري للناس‪.‬‬
‫‪ 7.7‬مكان تسليم األجرة‪ :‬األصل يف تسليم األجرة هو املكان املتفق عليه‬
‫فإن مل ينص العقد على مكان فمكان العقد هو مكان تسليم األجرة‪ ،‬قال‬
‫الشربيين‪( :‬إن عني ملكان التسليم مكانا تعني وإال فموضع العقد)(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.336‬‬
‫‪ -2‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 5‬ص‪.280‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.335‬‬
‫‪159‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬شروط عقد اخلدمة‬
‫عقد اخلدمة يف البيوت مثل البيع وكأي عقد معاوضة له شروط انعقاد‬
‫وشروط صحة وشروط نفاذ وشروط لزوم‪ ،‬وسأتناول كل منها على حدة‪:‬‬
‫‪1 .1‬شروط االنعقاد عقد اخلدمة‪:‬‬
‫عقد اخلدمة هو عقد كالبيع ال بد من توفر شروط االنعقاد فيه حتى‬
‫يصبح عقداً له وجود وقيمة يف الشرع‪ ،‬وإن ختلف أحدها عد العقد باطالً‬
‫كأن مل يكن‪ ،‬ومل يرتتب عليه شيء وصار التعاقد لغو‪.‬‬
‫ومن أهم شروط االنعقاد‪:‬‬
‫‪ -1‬أهلية العاقدين‪ :‬فال بد حتى ينعقد عقد اخلدمة من أن يكون كال‬
‫العاقدين أهالً للتصرف‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬وال تصح إال من جائز التصرف‬
‫ألهنا عقد متليك يف احلياة فأشبه البيع)(‪ ،)1‬وقال الكاساني‪( :‬حتى ال‬
‫تنعقد اإلجارة من اجملنون والصيب الذي ال يعقل كما ال ينعقد البيع‬
‫منهما)(‪ )2‬فال بد أن يكون عاقال ً وغري حمجور عليه‪ ،‬فإن صدر العقد من‬
‫جمنون مثالً مل يقع‪.‬‬
‫‪ -2‬موافقة اإلجياب للقبول‪ :‬قال ابن عابدين‪( :‬وشرط العقد اثنان أيضا‬
‫موافقة اإلجياب للقبول فلو قبل غري ما أوجبه أو بعضه أو بغري ما أوجبه‬
‫أو ببعضه مل ينعقد)(‪ ،)3‬فإن مل يتوافق حمتوى اإلجياب مع حمتوى القبول‬
‫مل ينشأ تعاقد أصالً‪ ،‬فإن قال املستخدم للخادم استأجرتك على حراسة‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.251‬‬
‫‪ -2‬الكاساني ( بدائع الصنائع ) ج‪ 4‬ص‪.176‬‬
‫‪ -3‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 4‬ص‪.505‬‬
‫‪160‬‬
‫املنزل بأجر معني فقال اخلادم قبلت الطهي يف منزلك على األجر املذكور‪،‬‬
‫ال يعد هذا عقداً الختالف العاقدين على اخلدمة‪.‬‬
‫‪ -3‬وأن يكون اإلجياب والقبول بصيغة جازمة‪ ،‬كأن يكونا بصيغة املاضي‬
‫كاستأجرتك ويقول اخلادم قبلت‪ ،‬وال يصح بصيغة الطلب‪ ،‬قال الكاساني‪:‬‬
‫(وألن هذه الصيغة مساومة حقيقة فال تكون إجياباً وقبوالً حقيقة‪ ،‬بل‬
‫هي طلب اإلجياب والقبول فال بد لإلجياب والقبول من لفظ آخر يدل‬
‫عليهما)(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬إحتاد جملس اإلجياب والقبول‪ :‬ألن اجمللس جيمع املتفرقات فإن‬
‫انفض اجمللس عن إجياب من غري قبول‪ ،‬مل يعد هنالك تعاقد أصالً‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تكون املنفعة مقدور على تسليمها‪ :‬فال ميكن استخدام ضرير على‬
‫حراسة منزل ألن املنفعة املتعاقد عليها ال ميكن تسليمها‪ ،‬وال ينعقد العقد‬
‫وهو لغو من القول‪ ،‬وعدم إمكانية التسليم قد تكون حسية كاملثال السابق‬
‫أو تكون شرعية كاستئجار حائض لتحفيظ القرآن يف مدة حيضها كما‬
‫مر يف املطلب السابق(‪.)2‬‬
‫‪ 2 .2‬شروط صحة عقد اخلدمة‪:‬‬
‫شروط الصحة هذه ختتلف عن شروط االنعقاد‪ ،‬بأن العقد إذا افتقد أحد‬
‫شروط الصحة حكم عليه بالفساد ال بالبطالن‪ ،‬ويظهر الفرق بينهما عند‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 5‬ص‪.134‬‬
‫‪ -2‬ص‪.132‬‬
‫‪161‬‬
‫الكالم عن النتائج املرتتبة على كل منهما‪ ،‬وأهم هذه الشروط ما يأتي(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬رضا املتعاقدين‪ :‬فال يصح العقد بإكراه أحد املتعاقدين على العقد‪،‬‬
‫ويفسد العقد عندها لفقدانه شرط الرضا‪ ،‬كما ذكر الكاساني‪( :‬رضا‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ َ ُ‬
‫كمْ‬
‫املتعاقدين لقوله عز وجل‪{ :‬يا أيها ا ِين آمنوا ال تأكلوا أموال‬
‫َّ َ َ ُ َ جَِ َ ً َ َ‬
‫ّ ُ‬
‫ََْ ُ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫اض مِنكم} [النساء‪]29:‬‬
‫بينك ْم بِالبَْا ِط ِل إِال أن تكون تارة عن تر ٍ‬
‫واإلجارة جتارة ألن التجارة تبادل املال باملال واإلجارة كذلك)(‪ ،)2‬فأي عقد‬
‫تكره عليه اخلادمة فهو عقد غري صحيح‪ ،‬وأي تعديل تلزم به اخلادمة‬
‫جرباً يكون فاسداً‪.‬‬
‫‪ -2‬معلومية اخلدمة املتعاقد عليها‪ :‬فال بد من ذكر املنفعة املتعاقد عليها‪،‬‬
‫ببيان نوع اخلدمة ومدهتا وصفتها‪ ،‬وهذا أمر خيتلف باختالف اخلدمة‪،‬‬
‫يقول الكاساني‪( :‬أن يكون املعقود عليه وهو املنفعة معلوماً علماً مينع من‬
‫املنازعة‪ ...‬وأما يف األجري اخلاص فال يشرتط بيان جنس املعمول فيه‬
‫ونوعه وقدره وصفته وإمنا يشرتط بيان املدة فقط‪ ...‬ومنها بيان العمل‬
‫يف استئجار الصناع والعمال ألن جهالة العمل يف االستئجار على األعمال‬
‫جهالة مفضية إىل املنازعة فيفسد العقد)(‪ ،)3‬وقال ابن قدامة‪( :‬فمن شرط‬
‫صحة العقد معرفة املتعاقدين ما عقدا عليه ألنه عقد معاوضة حمضة‬
‫فكان من شرطه املعرفة للمعقود عليه كالبيع)(‪.)4‬‬
‫وال بد من بيان املدة إذا كان عقد اخلدمة مرتبط بزمن‪ ،‬وجاء يف املغين‪:‬‬
‫(أن اإلجارة إذا وقعت على مدة جيب أن تكون معلومة كشهر وسنة وال‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص ‪.179‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص ‪.184‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص ‪.184‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪297‬‬
‫‪162‬‬
‫خالف يف هذا نعلمه وألن املدة هي الضابطة للمعقود عليه املعرِّفة له‬
‫فوجب أن تكون معلومة)(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬العلم باألجرة‪ :‬ألن اجلهالة مفضية ملنازعة وهي مفسدة للعقد يف أي‬
‫ركن من أركانه‪ ،‬كما يقول الكاساني‪( :‬واألصل يف شرط العلم باألجرة قول‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ « :‬من استأجر أجرياً فليعلمه أجره»(‪.)3())2‬‬
‫‪ -4‬أن تكون املنفعة ممكنة االستيفاء‪ :‬وذلك أن حيول أمر دون إمكان‬
‫استيفاء املنفعة املتعاقد عليها‪ ،‬سواء كان هذا املانع حسياً أو شرعياً‪ ،‬قال‬
‫الكاساني‪( :‬ومنها أن يكون مقدور االستيفاء حقيقة وشرعاً ألن العقد ال‬
‫يقع وسيلة إىل املعقود بدونه فال جيوز استئجار اآلبق ألنه ال يقدر على‬
‫استيفاء منفعته حقيقة لكونه معجوز التسليم حقيقة وهلذا مل جيز بيعه‬
‫وال جتوز إجارة املغصوب من غري الغاصب كما ال جيوز بيعه من غريه ملا‬
‫قلنا)(‪.)4‬‬
‫والفرق بني هذا الشرط وشرط القدرة على تسليم املنفعة يف االنعقاد‪ ،‬أن‬
‫املنفعة يف شرط االنعقاد كانت معدومة يف األصل لسبب حسي أو شرعي‬
‫أما يف شرط الصحة فاملنفعة موجودة ولكن منع من تسليما مانع حسي‬
‫أو شرعي‪ ،‬فاستئجار األعمى للحراسة لغو وباطل‪ ،‬أما استئجار اخلادمة‬
‫اليت هربت من اخلدمة فاسد لتصور وجود أركان العقد مع وجود املانع‬
‫من تطبيقه‪.‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.251‬‬
‫‪ -2‬البيهقي (السنن الكربى) ج‪ 6‬ص‪ 120‬برقم‪ 11431 :‬عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.193‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪.187‬‬
‫‪163‬‬
‫‪ -5‬أال ينتفع األجري بعمله‪ :‬كأن يستأجر الرجل زوجته يف خدمة بيتها ألنا‬
‫تعمل لنفسها فاإلجارة فاسدة‪ ،‬يشري إىل ذلك الكاساني بقوله‪( :‬ومنها أن‬
‫ال ينتفع األجري بعمله فإن كان ينتفع به مل جيز ألنه حينئذ يكون عامالً‬
‫لنفسه فال يستحق األجر وهلذا قلنا إن الثواب على الطاعات من طريق‬
‫اإلفضال ال االستحقاق ألن العبد فيما يعمله من القربات والطاعات عامل‬
‫َ ْ َ َ َ ً َ َْ‬
‫لنفسه قال سبحانه وتعاىل‪{ :‬من ع ِمل ص حِ‬
‫سهِ} [ اجلاثية‪]15:‬‬
‫الا فلِنف ِ‬
‫ومن عمل لنفسه ال يستحق األجر على غريه وعلى هذه العبارة أيضا‬
‫خيرج االستئجار على الطاعات فرضا كانت أو واجبة أو تطوعا ألن الثواب‬
‫موعود للمطيع على الطاعة فينتفع األجري بعمله فال يستحق األجر)(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬أن تكون املنفعة مقصودةً‪ :‬فال يصح استئجار خادم ملنفعة ال يقصدها‬
‫الناس عادة‪ ،‬كما نص على ذلك احلنفية فقالوا‪( :‬ومنها أن تكون املنفعة‬
‫مقصودة يعتاد استيفاؤها بعقد اإلجارة وجيري هبا التعامل بني الناس‬
‫ألنه عقد شرع خبالف القياس حلاجة الناس وال حاجة فيما ال تعامل فيه‬
‫للناس فال جيوز استئجار األشجار لتجفيف الثياب عليها واالستظالل هبا‬
‫ألن هذه منفعة غري مقصودة من الشجر)(‪.)2‬‬
‫‪ -7‬تسليم األجرة‪ :‬يف جملس عقد اخلدمة عند الشافعية يف إجارة الذمة‬
‫كما لو استأجر خادماً لينظف له حجرات املنزل بأجر معني فالبد له‬
‫من دفع تلك األجر يف نفس اجمللس‪ ،‬ألن اإلجارة كالسلم سواء كان العقد‬
‫بلفظ السلم أو غريه ألنه مبعنى السلم‪ ،‬وبينوا ذلك بقوهلم‪( :‬ويشرتط يف‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.192‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪.192‬‬
‫‪164‬‬
‫صحة إجارة الذمة تسليم األجرة يف اجمللس قطعاً إن عقدت بلفظ السلم‬
‫كرأس مال السلم ألهنا سلم يف املنافع وكذا إن عقدت بلفظ اإلجارة يف‬
‫األصح نظراً إىل املعنى فال جيوز فيها تأخري األجرة وال االستبدال عنها‬
‫وال احلوالة هبا وال عليها وال اإلبراء منها)(‪.)1‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.335‬‬
‫‪165‬‬
‫‪‬‬
‫‪3 .3‬شروط نفاذ عقد اخلدمة‪:‬‬
‫وهي شروط ال بد منها حتى يعد العقد نافذاً‪ ،‬وإن ختلف منها شرط صحَّ‬
‫العقد لكنه وقع موقوفاً على حصول ذلك الشرط‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬امللك أو الوالية على املعقود عليه‪ :‬يف التصرف به فلو تعاقد القاصر‬
‫على خدمةٍ ما مل ينفذ العقد حتى يقبل وليه به‪ ،‬ولو تعاقد خادم على‬
‫إجارة عمل وكان وقته مشغول خبدمة غريها‪ ،‬يعد عقده موقوفا على‬
‫إذن املخدوم الذي ميلك منافع العمل للخادم طيلة مدة اخلدمة فيحق‬
‫له منعه من ممارسة عمل آخر خالهلا‪ ،‬ومثاهلا كذلك يف إجارة الفضويل‬
‫لغريه‪ ،‬حيث يتوقف عقده على موافقة اخلادم املؤجَّر‪ ،‬قال احلنفية‪( :‬امللك‬
‫والوالية فال تنفذ إجارة الفضويل لعدم امللك والوالية لكنه ينعقد موقوفا‬
‫على إجازة املالك عندنا خالفا للشافعي كالبيع ‪ ...‬إذ اإلجازة الالحقة‬
‫كالوكالة السابقة)(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬تسليم املستأجَر‪ :‬البد من تسليم اخلادم نفسه حتى ينفذ العقد‪ ،‬فإذا‬
‫مل يبذل اخلادم املنفعة املتعاقد عليها فاإلجارة موقوفة‪ ،‬وبني هذا الشرط‬
‫الكاساني بقوله‪( :‬ومنها تسليم املستأجَر ‪ ...‬ونعين بالتسليم التخلية‬
‫والتمكني من االنتفاع برفع املوانع يف إجارة املنازل وحنوها وعبيد اخلدمة‬
‫وأجري الواحد حتى لو انقضت املدة من غري تسليم املستأجر على التفسري‬
‫ِ‬
‫املستأجر مل ميلك من املعقود‬
‫الذي ذكرنا ال يستحق شيئاً من األجر ألن‬
‫عليه شيئاً فال ميلك هو أيضا شيئا من األجر ألنه معاوضة مطلقة)(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص ‪.177‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص ‪.179‬‬
‫‪166‬‬
‫‪ -3‬تسليم األجرة‪ :‬ويلزم تسليمها قبل اخلدمة بالشرط عن احلنفية‬
‫ومالك(‪ )1‬وبالعقد عند الشافعي وأمحد(‪ ،)2‬يقول الكاساني‪( :‬إذا كان العقد‬
‫مطلقاً عن شرط التعجيل بأن مل يشرط تعجيل األجرة يف العقد ومل‬
‫يوجد التعجيل أيضا من غري شرط عندنا خالفا للشافعي بناء على أن‬
‫احلكم يف اإلجارة املطلقة ال يثبت بنفس العقد عندنا ألن العقد يف حق‬
‫احلكم ينعقد على حسب حدوث املنفعة فكان العقد يف حق احلكم مضافا‬
‫إىل حني حدوث املنفعة فيثبت حكمه عند ذلك وعنده جتعل منافع املدة‬
‫موجودة يف احلال تقديراً كأهنا عني قائمة فيثبت احلكم بنفس العقد كما‬
‫يف بيع العني)(‪.)3‬‬
‫‪ 4 .4‬شروط لزوم عقد اخلدمة‪:‬‬
‫مينع لزوم عقد اخلدمة وجود أحد اخليارات اآلتية اليت تعطي أحد‬
‫املتعاقدين أو كليهما خيار الفسخ‪:‬‬
‫‪ -1‬خيار العيب‪ :‬األصل أن تكون العني املؤجرة خالية من العيب الذي خيل‬
‫بأداء اخلدمة أو ينقص من أجرهتا‪ ،‬كأن توجد باخلادمة عاهة متنع من‬
‫حسن أداء خدمتها‪ ،‬وعندها يكون العقد غري الزم وللمخدوم فسخ العقد‬
‫بالعيب‪ ،‬يقول ابن قدامة‪( :‬وإذا اكرتى عينا فوجد هبا عيبا مل يكن علم به‬
‫فله فسخ العقد بغري خالف نعلمه ‪ ...‬يف املكرتي للخدمة ضعف البصر‬
‫واجلنون واجلذام والربص)(‪ ،)4‬وبني ذلك الكاساني بقوله‪( :‬أن ال يكون‬
‫باملستأجَر عيب يف وقت العقد أو وقت القبض خيل باالنتفاع به فإن كان‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪ ،202‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.394‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪ ،334‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.256‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.179‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.264‬‬
‫‪167‬‬
‫مل يلزم العقد حتى قالوا يف العبد املستأجر للخدمة إذا ظهر أنه سارق له‬
‫أن يفسخ اإلجارة ألن السالمة مشروطة داللة فتكون كاملشروط نصا كما‬
‫يف بيع العني)(‪.)1‬‬
‫واألمر ال خيتلف بني أن يكون العيب قدمياً أو ناشئاً ولو بعد املباشرة يف‬
‫بشخص‪ ،‬إما إذا كانت اخلدمة‬
‫اخلدمة‪ ،‬هذا فيما إذا كانت اخلدمة متعينة‬
‫ٍ‬
‫متعلقة بالذمة وجب على العاقد إبدال اخلادم بغرية‪ ،‬ألنه ملزم بتقديم‬
‫اخلدمة من غري تعينها بشخص حمدد‪ ،‬مثل أن يتعاقد رب املنزل مع جهةٍ‬
‫ما على تنظيف منزله كل أسبوع مرة فيصاب اخلادم أويضعف عن أداء‬
‫عمله عندها جيب إبداله وال يفسخ العقد‪ ،‬ألن املتعاقد عليه العمل وليس‬
‫اخلادم‪ ،‬يقول ابن قدامة‪( :‬ومتى حدث شيء من هذه العيوب بعد العقد‬
‫ثبت للمكرتي خيار الفسخ ألن املنافع ال حيصل قبضها إال شيئا فشيئا‪...‬‬
‫فأثبت الفسخ فيما بقي منها‪ ...‬وإن رضي املقام ومل يفسخ لزمه مجيع‬
‫العوض ألنه رضي به ناقصاً فأشبه ما لو رضي باملبيع معيباً‪ ...‬هذا إذا‬
‫كان العقد يتعلق بعينها فأما إن كانت موصوفة يف الذمة مل ينفسخ العقد‬
‫وعلى املكري إبداهلا‪ ...‬فإن عجز عن إبداهلا أو امتنع منه ومل ميكن إجباره‬
‫عليه فللمكرتي الفسخ أيضا)(‪.)2‬‬
‫ويثبت للمستأجر الفسخ فور حدوث العيب‪ ،‬ويستحق اخلادم أجر ما مضى‬
‫قبل حدوث العيب‪ ،‬أما لو وجد املستأجر العيب قبل مباشرة اخلدمة إن‬
‫شاء فسخ العقد وليس للخادم شيء‪ ،‬وإن شاء رضي باخلدمة مع العيب‪.‬‬
‫‪ -2‬خيار الرؤية‪ :‬يعطي خيار الرؤية حق فسخ العقد بسبب عدم رؤية‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.195‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.265‬‬
‫‪168‬‬
‫املعقود عليه أثناء انعقاد العقد‪ ،‬فرمبا خيتلف املعقود عليه يف الواقع عن‬
‫تصور العاقد‪ ،‬وللعاقد حق الفسخ عند رؤية اخلادم‪.‬‬
‫ودليله ما روي‪( :‬أن عثمان(‪ )1‬ابتاع من طلحة بن عبيد اهلل(‪ )2‬أرضا باملدينة‬
‫نَا َقلَهُ بأرض له بالكوفة فلما تباينا ندم عثمان ثم قال بايعتك ما مل أره‬
‫فقال طلحة إمنا النظر يل إمنا ابتعت مَغِيباً وأما أنت فقد رأيت ما ابتعت‬
‫فجعال بينهما حكماً‬
‫َّ‬
‫فحكما جبري بن مطعم(‪ )3‬فقضى على عثمان أن‬
‫البيع جائز وان النظر لطلحة أنه ابتاع مغيبا)(‪ ،)4‬يقول ابن قدامة يف ثبوت‬
‫ِ‬
‫املستأجر حتى‬
‫خيار الرؤية يف عقد اإلجارة‪( :‬أن يكون املستأجَر مرئي‬
‫لو استأجر داراً مل يرها ثم رآها فلم يرض هبا أنه يردها ألن اإلجارة بيع‬
‫املنفعة فيثبت فيها خيار الرؤية كما يف بيع العني فإن رضي هبا بطل خياره‬
‫كما يف بيع العني‪.)5().‬‬
‫قال املالكية واحلنابلة وقول عند الشافعية يسقط خيار الرؤية إذا كان‬
‫الوصف مطابقاً‪ ،‬يقول ابن قدامة‪( :‬أمجع كل من حنفظ عنه من أهل‬
‫العلم على أن استئجار املنازل والدواب جائز وال جتوز إجارهتا إال يف مدة‬
‫معينة معلومة والبد من مشاهدته وحتديده فإنه ال يصري معلوماً إال بذلك‬
‫وال جيوز إطالقه وال وصفه وهبذا قال الشافعي وقال أبو ثور إذا ضبط‬
‫‪ -1‬عثمان بن عفان‪ :‬بن أبي العاص بن أمية أمري املؤمنني أبو عبد اهلل‪ ،‬ولد بعد الفيل بست سنني‪ ،‬أسلم قدميا‪ ،‬وزوجه‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ابنته رقية وماتت عنده‪ ،‬فزوجه بعدها أختها أم كلثوم فلذلك كان يلقب ذا النورين‪ ،‬بشره رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه و سلم باجلنة وشهد له بالشهادة‪ ،‬قتل سنة مخس وثالثني‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة (ج‪ 4‬ص‪.)456‬‬
‫‪ -2‬طلحة بن عبيد اهلل‪ :‬بن عثمان بن عمرو القرشي التيمي أبو حممد أحد العشرة وأحد الثمانية الذين سبقوا إىل‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأحد الستة أصحاب الشورى‪ ،‬قيل له طلحة الفياض‪ ،‬مات يوم اجلمل سنة ست وثالثني من اهلجرة‪( .‬اإلصابة‬
‫يف متييز الصحابة ‪( -‬ج ‪ 3‬ص ‪.)529‬‬
‫‪ -3‬جبري بن مطعم‪ :‬بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي‪ ،‬وكان انسب قريش لقريش والعرب قاطبة‪ ،‬مات سنة سبع‬
‫ومخسني‪( .‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪( -‬ج‪ 1‬ص ‪.)462‬‬
‫‪ -4‬البيهقي (السنن الكربى) ج‪ 5‬ص‪ .268‬الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة‪ 321‬هـ (شرح معاني اآلثار)‬
‫حتقيق حممد زهري النجار‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬الطبعة األوىل‪1399‬هـ ج‪4‬ص‪.10‬‬
‫‪ -5‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.195‬‬
‫‪169‬‬
‫بالصفة أجزأ وقال أصحاب الرأي له خيار الرؤية)(‪.)1‬‬
‫وقال احلنفية وقول عند الشافعية ال يسقط خيار الرؤية سواء طابق‬
‫الوصف الواقع أم مل يطابقه(‪ ،)2‬وتعليله أن الوصف لنفي اجلهالة اليت هي‬
‫شرط لصحة العقد‪ ،‬فال يصح العقد أصالً مع اجلهالة‪ ،‬أما الرؤية فهي‬
‫من لزوم العقد‪ ،‬قال ابن عابدين‪( :‬إذ ال يصح بيع ما مل يعلم جنسه أصالً‬
‫أي ال بوصف وال بإشارة)(‪.)3‬‬
‫وهذا اخليار يثبت للمخدوم برؤية اخلادم‪ ،‬وال يكفي رؤية صورة اخلادمة‬
‫وذكر أوصافها‪ ،‬ألن املطلوب من اخلادمة ليس صورهتا بل عملها ومهتها‬
‫ونشاطها وفطنتها وهذا أمر يشاهد على الواقع‪ ،‬لذلك يثبت للمخدوم حق‬
‫الفسخ برؤية اخلادمة‪ ،‬إال إذا ترتب على ذلك ضرر كاستقدام اخلادمة‬
‫ونفقات سفرها فإن تسبب العاقد به فال بد أن يلزم إما بإمتام العقد أو‬
‫يضمن نفقات االستقدام‪.‬‬
‫وكذلك هذا اخليار يثبت للخادم عند رؤية املنزل املتعاقد على خدمته‪ ،‬فلو‬
‫دخل عامل التنظيف املنزل الذي تعاقد على تنظيفه ورأى الفسخ للعقد‬
‫عند مشاهدته للبيت كان له ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬خيار البلوغ‪ :‬يثبت خيار البلوغ للخادم عند بلوغه إن أجَّره وليِّه قبل‬
‫بلوغه‪ ،‬قال احلنفية‪( :‬ولو أجر األب أو اجلد ‪-‬أبو األب‪ -‬أو وصيهما‬
‫الصغري ثم بلغ يف املدة فهو باخليار‪ ،‬إن شاء مضى على اإلجارة وإن شاء‬
‫فسخ‪ ،‬ألن إبقاء اإلجارة ضرراً على حقه‪.‬‬
‫علل أبو حنيفة ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬فقال‪ :‬أرأيت لو تفقه فوُ ِّلي القضاء أكنت‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.260‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 5‬ص‪.298‬‬
‫‪ -3‬ابن عابدين ( حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 4‬ص‪.593‬‬
‫‪170‬‬
‫ترتكه خيدم الناس وقد أجره أبوه؟ فهذا قبيح جداً)(‪ ،)1‬وسئل اإلمام مالك‪:‬‬
‫أرأيت لو أن يتيما يف حجري آجرته ثالث سنني وأنا أظنه ال حيتلم إىل‬
‫ثالث سنني فاحتلم بعد سنة أو سنتني فأراد أن ينقض اإلجارة حني‬
‫احتلم أيكون ذلك له أم ال‪ ،‬قال‪( :‬ال أرى أن تَلزمه اإلجارة بعد احتالمه إال‬
‫أن يكون الشيء اخلفيف حنو األيام والشهر وما أشبهه)(‪ )2‬وهذا اخليار‬
‫مذهب احلنفية واملالكية‪.‬‬
‫وأما الشافعية فقالوا ببطالن العقد مبجرد بلوغ اخلادم‪ ،‬ألن العقد يبطل‬
‫فيما زاد عن والية الويل على القاصر‪ ،‬قال الشربيين‪( :‬أجَّر الويل صبياً‬
‫أو ماله مدةً ال يبلغ فيها الصيب بالسن فبلغ فيها باالحتالم وهو رشيد‪...‬‬
‫فاألصح انفساخها فيما بقي من املدة)(‪.)3‬‬
‫وقال احلنابلة بلزوم العقد وعدم اخليار‪ ،‬ألن العقد نشأ بأصله صحيحاً‬
‫الزماً فال يعطى اخلادم حق الفسخ بعد البلوغ‪( ،‬وإن أجر الويل الصيب أو‬
‫ماله مدة فبلغ يف أثنائها‪ ...‬ليس له فسخ اإلجارة‪ ،‬ألنه عقد الزم عقده‬
‫حبق الوالية فلم يبطل بالبلوغ كما لو باع دارَه أو زوَّجه)(‪.)4‬‬
‫‪ -4‬خيار الشرط‪ :‬واملقصود به أن يشرط أحد العاقدين أو كليهما أن‬
‫يكون له فسخ العقد أو إمضاؤه خالل مدة حمددة‪ ،‬قال ابن عابدين‪( :‬فإن‬
‫األصل يف العقد اللزوم من الطرفني وال يثبت ألحدمها اختيار اإلمضاء‬
‫أو الفسخ ولو يف جملس العقد عندنا إال باشرتاط ذلك)(‪ ،)5‬ويسقط هذا‬
‫اخليار بإسقاطه دالل ًة أو صراح ًة أو مبضي مدة اخليار‪.‬‬
‫‪ -1‬األسروشين ( جامع أحكام الصغار ) ج‪ 2‬ص‪.7‬‬
‫‪ -2‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪11‬ص‪.455‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.357‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.272‬‬
‫‪ -5‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 4‬ص‪.565‬‬
‫‪171‬‬
‫ودليله حديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رجالً ذكر للنيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم أنه خيدع يف البيوع فقال‪« :‬إذا بايعت فقل ال خالبة»(‪،)1‬‬
‫ويف رواية أخرى‪« :‬ثم أنت يف كل سلعة ابتعتها باخليار ثالث ليال‪ ،‬فإن‬
‫رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها»(‪.)2‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف مدة اخليار فكان أوسعهم فيه احلنابلة والصاحبني‬
‫من احلنفية‪ ،‬فرتكوه التفاق الطرفني ومل يقيدوه مبدة حمددة‪ ،‬قال ابن‬
‫قدامة‪( :‬وجيوز اشرتاط اخليار ما يتفقان عليه من املدة املعلومة قلت‬
‫مدته وكثرت وبذلك قال أبو يوسف وحممد)(‪.)3‬‬
‫وقيد الشافعي وأبو حنيفة املدة بثالثة أيام اعتماداً على احلديث السابق‪،‬‬
‫قال الشربيين‪( :‬وإمنا جيوز شرط اخليار يف مدة معلومة متصلة بالعقد‬
‫املشروط فيه اخليار متوالية ال تزيد على ثالثة أيام)(‪.)4‬‬
‫وقال املالكية باختالف املدة بقدر احلاجة ال تزيد عليها‪ ،‬وبينوا ذلك‬
‫بقوهلم‪( :‬وملا كانت مدة اخليار ختتلف خبالف املبيع بينها بقوله ومدته‬
‫كشهر أي شهر وستة أيام يف دار ومثلها بقية أنواع العقار)(‪.)5‬‬
‫‪ -5‬خيار اجمللس‪ :‬وهو جملس العقد واملقصود به اجمللس املكاني‪ ،‬فلكل من‬
‫املتعاقدين حق الرجوع عن العقد ما دام يضمهم جملس العقد‪ ،‬فإن تفرقا‬
‫لزم العقد‪ ،‬وهذا مذهب كثري من الصحابة والتابعني وقال به الشافعية‬
‫واحلنابلة ودليلهم حديث بن عمر رضي اهلل عنهما عن رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬إذا تبايع الرجالن فكل واحد منهما باخليار ما‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 2‬ص‪ 745‬برقم‪.2011:‬‬
‫‪ -2‬ابن ماجه (سنن ابن ماجه) ج‪ 2‬ص‪ 789‬برقم‪.2355 :‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 4‬ص‪.18‬‬
‫‪ -4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.47‬‬
‫‪ -5‬الدردير (الشرح الكبري) ج‪ 3‬ص‪.91‬‬
‫‪172‬‬
‫مل يتفرقا وكانا مجيعاً أو خيري أحدمها اآلخر فتبايعا على ذلك فقد وجب‬
‫البيع وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ومل يرتك واحد منهما البيع فقد وجب‬
‫البيع»(‪.)1‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬أن البيع يقع جائزًا ولكل من املتبايعني اخليار يف فسخ‬
‫البيع ما داما جمتمعني مل يتفرقا‪ ،‬وهو قول أكثر أهل العلم‪ ،‬يروى ذلك عن‬
‫عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي برزة(‪ )2‬و‪.)3()...‬‬
‫ومل يأخذ احلنفية واملالكية هبذا اخليار‪ ،‬وقالوا يلزم العقد باإلجياب‬
‫والقبول وال خيار للعاقدين‪ ،‬قال ابن عابدين‪( :‬حديث ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما املتبايعان باخليار ما مل يتفرقا أو يكون البيع خيار‪...‬حممول على‬
‫تفرق األقوال هو أن يقول اآلخر بعد اإلجياب ال أشرتي أو يرجع املوجب‬
‫قبل القبول‪ ،‬وإسناد التفرق إىل الناس مراداً به تفرق أقواهلم كثريٌ يف‬
‫اب إلاَّ مِن َب ْع ِد ماَ‬
‫ِين أُوتُوا الْك َِت َ‬
‫الشرع والعرف قال تعاىل‪َ :‬‬
‫{و َما َت َف َّر َق الذَّ َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫َجاءت ُه ُم البَْ ّي ِ َنة} [البينة‪.)4()]4:‬‬
‫‪ -6‬خيار فوات الوصف‪ :‬قد يتعاقد اإلنسان مع خادم معني لصفة فيه‪،‬‬
‫ويذكر ذلك الوصف يف العقد‪ ،‬ولكنه يكتشف بعد ذلك فقدان هذا‬
‫الوصف‪ ،‬مما يعطيه خيار فسخ العقد بسبب فوات ذلك الوصف‪ ،‬ومثاله‬
‫أن يستأجر خادمة تتقن اللغة العربية فيظهر جهلها املطلق هبا‪ ،‬فيكون‬
‫ِ‬
‫للمستأجر خيار فسخ عقد اخلدمة‪ ،‬وهذا ما أطلق عليه احلنفية (خيار‬
‫فوات الوصف)‪ ،‬قال احلنفية‪( :‬اشرتى عبداً بشرط خبزه أو كتبه أي‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 2‬ص‪ 744‬برقم‪.2006 :‬‬
‫‪ -2‬أبو برزة‪ :‬نضلة بن عبيد األسلمي أبو برزة مشهور بكنيته‪ ،‬نزل مرو ومات هبا‪،‬كان إسالمه قدميا‪ ،‬ووقع االختالف يف‬
‫سنة موته‪ (.‬اإلصابة يف متييز الصحابة (ج‪ 6‬ص‪.)433‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 4‬ص‪.5‬‬
‫‪ -4‬ابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 4‬ص‪.528‬‬
‫‪173‬‬
‫حرفتُهُ كذلك فظهر خبالفه بأن مل يوجد معه أدنى ما ينطلق عليه اسم‬
‫الكتابة أو اخلبز أخذه بكل الثمن إن شاء أو تركه لفوات الوصف املرغوب‬
‫فيه)(‪.)1‬‬
‫وجعله بعض العلماء من خيار العيب كالشافعية واملالكية‪ ،‬سئل مالك‪:‬‬
‫أرأيت إن استأجرت ثوراً يطحن يل كل يوم إردبني بدرهم فوجدته ال‬
‫يطحن إال إردبا واحدا‪ ،‬فقال‪( :‬لك أن ترده)(‪.)2‬‬
‫فيثبت هبذه اخليارات السابقة‪ :‬عند وجود أحدها حق الفسخ أو إمضاء‬
‫عقد اخلدمة‪ ،‬على التفاصيل اليت مرت سابقاً‪.‬‬
‫ويسقط اخليار‪ :‬بالرضا صراحة كأن يقول قبلت اخلادمة اليت خريتين‬
‫بقبوهلا أو عدمه أو رضيت بالعيب الفالني‪ ،‬وذلك حبسب نوع اخليار‪.‬‬
‫أو بالرضا دالل ًة بتصرف املستخدِم تصرفاً يدل على رضاه بإمتام العقد‪،‬‬
‫كاستمرار استخدامه (الشغالة) بعدما ثبت له أحد اخليارات السابقة‪،‬‬
‫قال احلنفية‪( :‬واالستخدام ليس بإجازة ألنه ميتحن به واالستخدام‬
‫ثانيًا إجازة)(‪ ،)3‬فال حيق له بعد ذلك الفسخ باخليار الذي ثبت له‪ ،‬قال‬
‫الشربيين‪ :‬وحيصل الفسخ للعقد واإلجازة له يف زمن اخليار بلفظ يدل‬
‫عليهما‪ ...‬وحيصالن بالكناية أيضا)(‪.)4‬‬
‫‪ -1‬احلصكفي (الدر املختار شرح تنوير األبصار) ج‪ 4‬ص‪.587‬‬
‫‪ -2‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪.475‬‬
‫‪ -3‬ابن اهلمام (شرح فتح القدير) ج‪ 6‬ص‪.313‬‬
‫‪ -4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.49‬‬
‫‪174‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة‬
‫عندما ينعقد عقد اخلدمة يرتتب عليه أمور والتزامات لكال املتعاقدين‪،‬‬
‫وختتلف هذه االلتزامات بني أن ينعقد العقد صحيحاً أو ينعقد فاسداً‪،‬‬
‫أما العقد الباطل فال حكم له أصالً وال يرتتب عليه شيء وليس مثة عقد‪،‬‬
‫لذلك لن أتناول البطالن يف هذا املطلب بشيء‪ ،‬وكما يقول الكاساني‪:‬‬
‫(وأما اإلجارة الباطلة وهي اليت فاهتا شرط من شرائط االنعقاد فال حكم‬
‫هلا رأسا ألن ما ال ينعقد فوجوده يف حق احلكم وعدمه مبنزلة واحدة(‪.)1‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ -‬ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة صحيحاً‪:‬‬
‫يرتتب على وقوع عقد اخلدمة مستكمالً لشرائط الصحة األمور الثمانية‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬ثبوت امللك يف املنفعة للمستأجر‪ :‬فيملك املستأجر منافع اخلدمة‬
‫بانعقاد العقد صحيحاً‪ ،‬وقد ذكره الكاساني أول أحكام اإلجارة الصحيحة‬
‫فقال‪ :‬ثبوت امللك يف املنفعة للمستأجر)(‪.)2‬‬
‫وملا ملك املستخدم منفعة اخلدمة‪ ،‬كان له استيفاء املنفعة بنفسه أو بغريه‬
‫إجارة أو إعارة‪ ،‬فلو أرادت ربة املنزل السفر فرأت أن ترسل خادمتها لتعمل‬
‫يف بيت أختها مدة غياهبا نفس العمل الذي تعاقدت عليه يف البيت األول‬
‫سواء طالت هذه املدة أو قصرت‪ ،‬على سبيل اإلعارة أو اإلجارة‪ ،‬كل ذلك‬
‫جائز شرعاً‪ ،‬قال الشربيين‪( :‬وللمكرتي استيفاء املنفعة بنفسه وبغريه‪ ،‬كما‬
‫جيوز أن يؤجر ما استأجره من غريه لكن يشرتط أمانة من سلمها إليه(‪،)3‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.218‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪.201‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.265‬‬
‫‪175‬‬
‫وقال املالكية‪( :‬لو شرط رب الدابة على املكرتي أنه ال يكريها لغريه‪...‬‬
‫والظاهر أنه جيوز له أن يكريها ملثله أو أخف ويبطل الشرط)(‪.)1‬‬
‫وال بد من بيان أن استيفاء املنفعة من املستأجر سواء بنفسه أو بغريه أن‬
‫تكون ضمن اخلدمة املتفق عليها يف العقد من غري زيادة‪ ،‬كأن تلزم ربة‬
‫البيت اخلادمة بعمل يف بيت آخر إضافة لعملها سواء إجارة أو إعارة‪،‬‬
‫فهذا تعد وظلم ال جيوز اإلكراه عليه‪ ،‬ألنه عمل زائد عن العقد‪ ،‬قال اإلمام‬
‫مالك‪( :‬إذا استأجر الرجل األجري على أن خيدمه يف منزله أو يبعثه يف‬
‫سفره إن احتاج إليه أو يرحل به إن احتاج إىل ذلك أو حيرث له أو حيصد‬
‫له إن احتاج إىل ذلك قال‪ :‬أما كل عمل كان يشبه بعضه بعضاً أو بعضه‬
‫قريب من بعض مثل كنس البيت أو اخلبز أو العجني وما أشبه هذه الوجوه‬
‫فال بأس بذلك)(‪.)2‬‬
‫ولكن هل حيق للمستأجر األول أن يأخذ زيادة على األجرة األوىل من‬
‫املستأجر الثاني؟ قال جبواز ذلك مطلقاً أمحد والشافعي وكثري من‬
‫التابعني‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬وجيوز للمستأجر إجارة العني مبثل األجر‬
‫وزيادة نص عليه أمحد وروي ذلك عن عطاء(‪ )3‬واحلسن(‪ )4‬والزهري وبه‬
‫قال الشافعي(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬ثبوت األجرة املسماة‪ :‬أي األجرة املذكورة يف العقد للخادم قال علماء‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.417‬‬
‫‪ -2‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪11‬ص‪.435‬‬
‫‪ -3‬عطاء بن يسار‪ :‬وكان إماما فقيها واعظا مذكرا ثبتا حجة كبري القدر‪،‬حدث عن أبي أيوب وزيد وعائشة وأبي هريرة‬
‫وأسامة بن زيد وعدة‪ ،‬مات سنة ثالث ومئة‪( .‬سري أعالم النبالء ‪( -‬ج ‪ 4‬ص ‪.)448‬‬
‫‪ -4‬احلسن البصري‪ :‬أبو سعيد احلسن بن أبي احلسن يسار‪ ،‬موىل زيد بن ثابت االنصاري‪ ،‬وكان سيد أهل زمانه علما‬
‫وعمال‪ ،‬شيخ أهل البصرة‪ ،‬ولد لسنتني بقيتا من خالفة عمر‪ ،‬وكان كثري اجلهاد‪ ،‬وعن أبي بردة‪ ،‬قال‪ :‬ما رأيت أحدا أشبه‬
‫بأصحاب حممد صلى اهلل عليه وسلم منه‪ ،‬مات سنة عشر ومئة‪(.‬سري أعالم النبالء ج‪ 4‬ص‪.)563‬‬
‫‪ -5‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.278‬‬
‫‪176‬‬
‫احلنابلة‪( :‬وإذا وقعت اإلجارة على مدة معلومة بأجرة معلومة فقد ملك‬
‫املستأجر املنافع وملكت عليه األجرة كاملة يف وقت العقد إال أن يشرتطا‬
‫أجالً)(‪.)1‬‬
‫وقد تبني سابقاً أن األجرة يستحقها اخلادم باستيفاء املنفعة عند مجهور‬
‫العلماء‪ ،‬وبنفس العقد عند الشافعي واحلنابلة‪ ،‬وأوجب الشافعي تسليمها‬
‫عنده يف جملس العقد يف إجارة الذمة‪.‬‬
‫صحيح أن األجرة تثبت بالعقد ولكن ال يستحقها إال بأحد األمور اآلتية(‪:)2‬‬
‫مبجرد العقد عند الشافعي واحلنابلة مطلقاً وباشرتاط التعجيل عند‬
‫غريهم‪ ،‬وال بد من تسليم األجرة يف جملس العقد يف إجارة الذمة عند‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫بتمام استيفاء املنفعة املتعاقد عليها باالتفاق‪.‬‬
‫إذا سلم اخلادم نفسه طيلة مدة اخلدمة املعقود عليها استحق كامل األجر‬
‫ولو مل يعمل‪.‬‬
‫وإذا سلم اخلادم نفسه يف بعض املدة وامتنع يف البعض اآلخر استحق‬
‫األجر يف املدة اليت سلم نفسه فيها دون ما تبقى من متام مدة العقد‪.‬‬
‫ولكن ال يستحق اجلعل املسمى يف عقد اجلعالة إال بتمام حتصيل املنفعة‪:‬‬
‫ألن العقد يف اإلجارة على العمل والعقد يف اجلعالة على املنفعة‪ ،‬فإن مل‬
‫حيصِّل متام املنفعة املتعاقد عليها مل يستحق اجلعل لعدم وجود العوض‪،‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬فأما إن شارطه على الربء فإنه يكون جعالة فال يستحق‬
‫شيئاً حتى يوجد الربء سواء وجد قريباً أو بعيداً)(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.251‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪4‬ص‪ ،201‬احلطاب ( مواهب اجلليل ) ج‪5‬ص‪ ،394‬الشربيين ( مغين احملتاج ) ج‪ 2‬ص‪،335‬‬
‫ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.262‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة ( املغين ) ج‪ 5‬ص‪.314‬‬
‫‪177‬‬
‫‪ -3‬لزوم إمتام العقد بني الطرفني‪ :‬وهذا عند خلو العقد عن أحد‬
‫اخليارات‪ ،‬فكل واحد من أطراف العقد مطالب أمام اآلخر بإمتام عقد‬
‫اخلدمة‪ ،‬وهو قول مجهور العلماء‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬اإلجارة عقد الزم‬
‫يقتضي متليك املؤجر األجر واملستأجر املنافع فإذا فسخ املستأجر اإلجارة‬
‫قبل انقضاء مدهتا وترك االنتفاع اختياراً منه مل تنفسخ اإلجارة واألجر‬
‫الزم له ومل يزل ملكه عن املنافع)(‪.)1‬‬
‫وعند احلنفية عقد اإلجارة يفسخ باألعذار‪ ،‬يقول الكاساني‪( :‬حدوث‬
‫عذر بأحد العاقدين أو باملستأجر فإن حدث بأحدمها أو باملستأجر عذر‬
‫ال يبقى العقد الزما وله أن يفسخ)(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬حق احتباس اخلادم‪ :‬طيلة فرتة اخلدمة املتعاقد عليها يف اإلجارة‬
‫اخلاصة‪ ،‬فال حيق للخادم إجراء عقد آخر أثناء انشغاله بعقد خدمة؛ ألن‬
‫املخدوم ملك منفعة اخلدمة طيلة املدة احملددة‪ ،‬قال املالكية‪( :‬أجريك‬
‫للخدمة يؤاجر نفسه من غريك يوماً أو أكثر فلك أخذ األجر أو تركه‬
‫وإسقاط حصة ذلك اليوم من األجر عنك)(‪.)3‬‬
‫وإن كانت إجارة ذمة أو عمل جاز للخادم التعاقد مع أخر‪ ،‬ألن املتعاقد‬
‫عليه العمل وليس الزمن فال حيق للمخدوم حبس اخلادم‪.‬‬
‫‪ -5‬ثبوت حق حتصيل لوازم اخلدمة للخادم‪ :‬فيثبت للخادم بعض‬
‫احلقوق الالزمة ليتمكن من تأدية خدمته‪ ،‬كحق دخول البيت للخادم من‬
‫أجل قيامه باخلدمة املطلوبة منه‪ ،‬وحق استخدام أدوات البيت احملتاج‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.260‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.197‬‬
‫‪ -3‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.426‬‬
‫‪178‬‬
‫إليها‪ ،‬ويضبط ذلك كله العقد والعرف و طبيعة اخلدمة‪ ،‬فعامل التنظيف‬
‫ملزم وفق صيغة عقد اخلدمة بأن حيضر أدوات التنظيف معه‪ ،‬بينما‬
‫شغالة املنزل تستخدم أدوات املنزل يف عملها‪ ،‬وال تكون متعدي ًة بفعلها ألن‬
‫عقد اخلدمة يعطيها هذا احلق بنصه أو بالعرف‪ ،‬وال تلزم بتأمني حوائج‬
‫اخلدمة ألهنا تعاقدت على عملها فقط‪ ،‬وكذلك احلكم يف كل أجري خاص‪،‬‬
‫ومثاله ما ذكر النووي بقوله‪( :‬جيب تسليم مفتاح الدار إىل املكرتي)(‪.)1‬‬
‫ومثاله كذلك يثبت للمؤدب حق ضرب الولد إن احتاج‪ ،‬ضربَ التأديب‬
‫املشروع‪ ،‬ألنه حيتاج إليه عند أدائه خلدمته وهو مأذون به حبكم طبيعة‬
‫خدمته‪ ،‬إال أن ينص العقد على خالفه‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬وللمعلم ضرب‬
‫الصبيان للتأديب ‪ ...‬على قدر ذنوهبم ويتوقى جبهده الضرب وإذا كان‬
‫صغريًا ال يعقل فال يضربه ‪ ...‬ولو أمكن التأديب بدون الضرب ملا جاز‬
‫الضرب إذ فيه ضرر وإيالم مستغنى عنه وإن أسرف يف هذا كله أو زاد‬
‫على ما حيصل الغنى به أو ضرب من ال عقل له من الصبيان فعليه‬
‫الضمان ألنه متعد حصل التلف بعدوانه)(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬يلزم اخلادم بتأمني كل ما حتتاجه اخلدمة‪ :‬وهذا يكون يف إجارة‬
‫الذمة أو العمل‪ ،‬دون األجري اخلاص‪ ،‬حيث يُلزم اخلادم بتأمني أدوات‬
‫اخلدمة ومستهلكاهتا بنص العقد أو بالعرف‪ ،‬فإن شارط عمال التنظيف‬
‫على تنظيف حجرات املنزل بأجر معلوم فال بد من أن حيضروا أدوات‬
‫ومواد التنظيف معهم‪ ،‬وهذا خيتلف باختالف طبيعة اخلدمة وحبسب‬
‫العرف‪ ،‬وإن كان مثة شرط فال قيمة للعرف‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬فإن الكحل‬
‫‪ -1‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن شرف بن مري ‪676‬هـ (منهاج الطالبني وعمدة املفتني) بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬ج‪1‬ص‪.77‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.312‬‬
‫‪179‬‬
‫إن كان من العليل جاز‪ ،‬ألن آالت العمل تكون من املستأجر كاللنب يف البناء‬
‫والطني واآلجر وحنوها وإن شارطه على الكحل جاز‪.‬‬
‫ولنا إن العادة جارية‪ ،‬ويشق على العليل حتصيله وقد يعجز عنه بالكلية‬
‫فجاز كالصبغ من الصباغ واللنب من الرضاع واحلرب واألقالم من الورَّاق(‪،)1‬‬
‫وهذا يثبت بالشرط أو بالعرف‪ ،‬قال الشربيين‪( :‬وعلى األجري لغسل الثياب‬
‫أجرة من حيملها إليه ألن محلها إليه من متام الغسل إال إن شرطت األجرة‬
‫فتلزمه)(‪ ،)2‬ثم أضاف رمحه اهلل‪( :‬ويلحق مبا ذكر قلم النساخ ومرود‬
‫الكحال وإبرة اخلياط)(‪.)3‬‬
‫‪ -7‬إعطاء األجري اخلاص حقه من االسرتاحة والعطل‪ :‬فيثبت للخادم‬
‫حق االسرتاحة املعتادة أثناء العمل‪ ،‬وكذلك العطل املشروطة بالعقد أو‬
‫املتعارف عليها من غري شرط‪ ،‬هذا يف اإلجارة اخلاصة‪ ،‬أما إجارة الذمة‬
‫فليس هناك إلزام مبتابعة العمل أصالً‪ ،‬ألن الزمن ال يدخل يف عقد إجارة‬
‫الذمة‪ ،‬قال الشربيين‪( :‬فإذا قدر التعليم مبدة كشهر هل يدخل اجلميع‬
‫أو ال؟ أفتى الغزايل(‪ )4‬بأن أيام السبوت مستثناة يف استئجار اليهودي‬
‫شهرًا الطراد العرف به‪ ... ،‬ويقاس عليه األحد للنصارى واجلمع يف حق‬
‫املسلمني كذلك‪ ،)5().‬ونقل ابن قدامة عن اإلمام أمحد‪( :‬أجري املشاهرة‬
‫يشهد األعياد واجلمعة وال يَشرتط ذلك‪ ،‬قيل له‪ :‬فيتطوع بالركعتني؟ قال‪:‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.314‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.361‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 2‬ص‪.347‬‬
‫‪ -4‬الغزايل‪ :‬أبو حامد حممد بن حممد بن حممد الغزايل الطوسي‪ ،،‬حجة االسالم‪ ،‬فيلسوف متصوف‪ ،‬له حنو مئيت‬
‫مصنف‪ ،‬مولده ووفاته يف طوس خبراسان‪ ،‬رحل إىل نيسابور ثم إىل بغداد فاحلجاز فبالد الشام فمصر‪ ،‬وعاد إىل بلدته‪،‬‬
‫من كتبه (إحياء علوم الدين) و(هتافت الفالسفة ) وغريها(تويف ‪ 505‬هـ)‪ .‬انظر (طبقات الشافعية) ألبي بكر ابن قاضي‬
‫شهبة ج‪ 2‬ص‪.273‬‬
‫‪ -5‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.341‬‬
‫‪180‬‬
‫ما مل يضر بصاحبه إمنا أباح له ذلك ألن أوقات الصالة مستثناة من‬
‫اخلدمة وهلذا وقعت مستثناة يف حق املعتكف برتك معتكفه هلا)(‪.)1‬‬
‫فال جيوز أن يبخس املخدوم اخلادمَ حقه يف نوم الليل أو اسرتاحة وسط‬
‫النهار‪ ،‬أو العطل األسبوعية أو األعياد‪ ،‬واألساس يف ذلك العرف وطبيعة‬
‫العمل‪.‬‬
‫‪ -8‬عدم اإلرهاق بالعمل‪ :‬صحيح أنه احتبس اخلادم يف اإلجارة اخلاصة‬
‫خلدمته ولكن ليس معنى هذا أن يكلفه فوق طاقته من العمل و اخلدمة‪،‬‬
‫أو يوقعه يف مشقة غري معتادة‪ ،‬قال املالكية‪( :‬آجر أجريًا للخدمة استعمله‬
‫على عرف الناس من خدمة الليل والنهار‪ ،‬كمناولته إياه ثوبه أو املاء يف‬
‫ليله‪ ،‬وليس مما مينعه النوم إال يف أمر يفرض مرة بعد املرة يستعمله فيه‬
‫بعض ليلة‪ ،‬كما ال ينبغي ألرباب العبيد إجهادهم‪ ،‬فمن عمل منهم يف هناره‬
‫ما جيهده فال يستطحن يف ليله إال أن خيف عمل هناره فليستطحنه ليله‬
‫إن شاء من غري إفداح ويكره ما أجهد أو قل منه)(‪.)2‬‬
‫ثانياً‪ -‬ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة فاسداً‪:‬‬
‫قبل احلديث عن ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة فاسداً ال بد من أن‬
‫نعلم ما هو املقصود بالعقد الفاسد‪ ،‬فالعقد الفاسد هو الذي فقد شرطاٌ‬
‫من شروط الصحة عند احلنفية‪ ،‬وعلى تقسيمهم سيكون التفصيل اآلتي‪:‬‬
‫حيث أن عقد اخلدمة الفاسد له حالتني‪ :‬األوىل قبل املباشرة باخلدمة‪،‬‬
‫والثانية بعد املباشرة باخلدمة‪ ،‬أما قبل املباشرة به فحكمه حكم العقد‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.270‬‬
‫‪ -2‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 4‬ص‪.208‬‬
‫‪181‬‬
‫الباطل ال يرتتب عليه أي حكم من األحكام‪ ،‬وأما بعد املباشرة به فيرتتب‬
‫عليه األحكام التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب إهناء العقد أو تصحيحة‪ :‬وذلك رعاية جلانب الشرع بفسخ‬
‫العقد أو تصحيحه بإزالة الفساد منه للتخلص من خمالفة وسخط اخلالق‬
‫عز وجل‪ ،‬سواء كان فساد العقد لتفويت حق اهلل أو حق اخللق‪ ،‬ألن يف كل‬
‫منها إقراراً للفساد وخمالف ًة ملا شرع اهلل‪.‬‬
‫قال علماء األصول‪( :‬كل منهي يتعلق باخللق فلله تعاىل فيه أيضا حق وهو‬
‫امتثال أمره و هنيه‪ ،‬لكن من املناهي ما يتمحض احلق فيه هلل سبحانه و‬
‫منها ما جيتمع فيه احلقان‪ ،‬و مقتضى هذه الطريقة أيضا عدم التفرقة‬
‫بني املنهي عنه لعينه واملنهي عنه لغريه)(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬يثبت للخادم أجر املثل‪ :‬ألن فساد العقد ألغى األجر املذكور يف العقد‪،‬‬
‫وقد قال العلماء‪( :‬كل عقد فسد سقط فيه املسمى)(‪.)2‬‬
‫فإن قدَّم اخلادم اخلدمة رغم فساد العقد وجب على املخدوم أجر املثل‬
‫مقابل ما انتفع به‪ ،‬وإن مل يقدم اخلدمة مل يستحق شيئاً‪ ،‬قال األسروشين‬
‫يف املعلم الذي فسدت إجارته لعدم بيان الوقت‪( :‬إذا فسدت اإلجارة‬
‫جلهالة الوقت جتب أجرة املثل‪ ،‬وإن مل يبني لذلك وقتاً كانت اإلجارة‬
‫فاسدة‪ ،‬حتى لو تعلم يستحق أجر املثل وإن مل يتعلم ال جيب شيء)(‪.)3‬‬
‫هل يثبت بفساد العقد األقل من املسمى وأجر املثل؟ أم األكثر؟ أم أجر املثل‬
‫بالغاً ما بلغ؟‪ :‬ذهب العلماء يف هذا على أقوال‪:‬‬
‫‪ -1‬العالئي‪ ،‬خليل بن كيكلدي‪761‬هـ (حتقيق املراد يف أن النهي يقتضي الفساد) حتقيق د‪ .‬إبراهيم حممد السلفييت‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬دار الكتب الثقافية‪ ،‬ج‪1‬ص‪.210‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج ‪ 2‬ص‪.360‬‬
‫‪ -3‬األسروشين (جامع أحكام الصغار) ج‪ 2‬ص‪.14‬‬
‫‪182‬‬
‫قال احلنفية يثبت بفساد العقد األقل من املسمى وأجر املثل‪ ،‬ألن اخلادم‬
‫رضي باملسمى فال يزاد عليه‪ ،‬يقول الكاساني‪( :‬اإلجارة الفاسدة وهي‬
‫اليت فاهتا شرط من شروط الصحة فحكمها األصلي هو ثبوت امللك‬
‫للمؤاجر يف أجر املثل ال يف املسمى مبقابلة استيفاء املنافع اململوكة ملكاً‬
‫فاسداً‪ ...‬إال أنه ال يزاد على املسمى يف عقد فيه تسمية عند أصحابنا‬
‫الثالثة‪ ...‬هذا إذا كان يف العقد تسمية فأما إذا مل يكن فيه تسمية فإنه‬
‫جيب أجر املثل بالغاً ما بلغ باإلمجاع)(‪.)1‬‬
‫وعند الشافعي وأمحد يستحق أجر املثل بالغاً ما بلغ‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬وإن‬
‫استوفى املنفعة يف العقد الفاسد فعليه أجر املثل وبه قال مالك والشافعي‪...‬‬
‫أن ما ضمن باملسمى يف العقد الصحيح وجب ضمانه جبميع القيمة يف‬
‫الفاسد)(‪ ،)2‬وكذلك يقول الشربيين‪( :‬وتستقر يف اإلجارة الفاسدة سواء‬
‫أقدرت بعمل أم مبدة أجرة املثل سواء أكانت أكثر من املسمى أم ال)(‪.)3‬‬
‫وعند مالك جتري عليه األحوال السابقة كال‪ ،‬فقد يكون له األقل وقد‬
‫يكون له األكثر وقد يكون له أجر املثل بالغاً ما بلغ يف تفصيل ال جمال‬
‫لبيانه‪ ،‬قال املالكية‪( :‬وتلزم بالفاسدة أجرة املثل‪ ...‬وقد يكون له األقل‬
‫من املسمى وأجرة املثل يف بعض الصور الفاسدة وقد يكون له األكثر وقد‬
‫حيكم باملسمى فقط لشبه الصحيحة وقد تسقط النتفاء املوجب)(‪.)4‬‬
‫وهل يثبت األجر يف تفويت املنفعة يف اإلجارة الفاسدة؟‪ :‬حبيث يبذل‬
‫اخلادم اخلدمة ثم ال ينتفع هبا املستخدم‪ ،‬عندها جيب أجر املثل بتفويت‬
‫املنفعة يف هذه اإلجارة الفاسدة عند الشافعي(‪ )5‬ومالك وقول عند أمحد‪،‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.218‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.257‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.359‬‬
‫‪ -4‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.428‬‬
‫‪ -5‬الشربيين‪( ،‬اإلقناع) ج‪ 2‬ص‪.350‬‬
‫‪183‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬وإن كان هذا يف إجارة فاسدة ففيما إذا عرضها على‬
‫املستأجر فلم يأخذها ال أجر عليه ألهنا مل تتلف حتت يده وال يف ملكه‬
‫وإن قبضها ومضت املدة أو مدة ميكن استيفاء املنفعة فيها أو ال ميكن‬
‫فعن أمحد روايتان إحدامها عليه أجر املثل ملدة بقائها يف يده وهو قول‬
‫الشافعي ألن املنافع تلفت حتت يده بعوض مل يسلم له فرجع إىل قيمتها‬
‫كما لو استوفاها)(‪.)1‬‬
‫وال جيب هبذا التفويت شيء عند أبي حنيفة وقول عند أمحد‪ ،‬ألنه عقد‬
‫فاسد مل تستوف فيه املنافع فلم يثبت به شيء‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬إذا استأجر‬
‫دارا مدة معلومة بأجرة مسماة على أن ال يسكنها فاإلجارة فاسدة وال‬
‫أجرة على املستأجر إذا مل يسكنها وإن سكنها فعليه أجر مثلها ال ينقص‬
‫مما مسى)(‪ ،)2‬وذكر ابن قدامة الرواية الثانية عند اإلمام أمحد بقوله‪:‬‬
‫(والثانية ال شيء له وهو قول أبي حنيفة ألنه عقد فاسد على منافع مل‬
‫يستوفها فلم يلزمه عوضها)(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬الضمان يف العقد الفاسد‪ :‬يثبت يف عقد اخلدمة الفاسد الضمانُ‬
‫وعدمُه كما يثبت يف العقد الصحيح‪ ،‬وذكر الشربيين حني تكلم عن اإلجارة‬
‫الفاسدة قوله‪( :‬أن فاسد كل عقد كصحيحه يف الضمان وعدمه)(‪ ،)4‬ألنه‬
‫قبضٌ برتاضي العاقدين فال يضمن إال بالتعدي‪ ،‬يقول الكاساني‪( :‬اإلجارة‬
‫الفاسدة وهي اليت فاهتا شرط من شروط الصحة فحكمها األصلي هو‬
‫ثبوت امللك للمؤاجر يف أجر املثل ال يف املسمى مبقابلة استيفاء املنافع‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.257‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.195‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.257‬‬
‫‪ -4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.359‬‬
‫‪184‬‬
‫اململوكة ملكاً فاسداً‪ ...‬وال يثبت يف هذه اإلجارة شيءٌ من األحكام اليت‬
‫هي من التوابع إال ما يتعلق بصفة املستأجر له فيه وهي كونه أمانة يف‬
‫يد املستأجر حتى لو هلك ال يضمن املستأجر حلصول اهلالك يف قبض‬
‫مأذون فيه من قبل املؤاجر)(‪.)1‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.218‬‬
‫‪185‬‬
‫‪‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫إهناء عقد اخلدمة يف البيوت‬
‫املطلب األول‪ :‬إهناء عقد اخلدمة بسبب املستخدِم‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬إهناء عقد اخلدمة بسبب األجري‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬إهناء عقد اخلدمة بسبب الطرفني‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ما يرتتب على إهناء عقد اخلدمة‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬إهناء عقد اخلدمة يف البيوت‬
‫مر سابقاً أن عقد اخلدمة ينتهي بتمام حتصيل املنفعة املتفق عليها أو‬
‫بانقضاء املدة املعقود عليها(‪ ،)1‬ولكن يف بعض األحيان يتوقف حتصيل‬
‫املنفعة حتى هنايتها املتفق عليها‪ ،‬وهذا التوقف وعدم إمتام تنفيذ مقتضى‬
‫العقد تتعدد أسبابه فمنها ما يكون سببه اخلادم ومنها ما يكون سببه‬
‫املخدوم ومنها ما يكون بسبب الطرفني املتعاقدين‪.‬‬
‫وال بد لنا أن نتذكر أن عقد اخلدمة إذا وقع خالياً عن اخليارات وقع‬
‫الزماً‪ ،‬ولكل من الطرفني أن يلزم اآلخر املضيَّ بالعقد‪ ،‬ولكن رمبا أن‬
‫حدوث بعض األسباب تعطي أحد العاقدين أو كليهما حق إهناء عقد‬
‫اخلدمة‪.‬‬
‫يقول الكاساني‪( :‬اإلجارة عقد الزم إذا وقعت صحيحة عريَّة عن خيار‬
‫الشرط والعيب والرؤية عند عامة العلماء فال تفسخ من غري عذر ولنا‬
‫َُْ ْ‬
‫أهنا متليك املنفعة بعوض فأشبهت البيع وقال سبحانه وتعاىل {أوفوا‬
‫ُُْ‬
‫بِالعقودِ} [املائدة‪ ]1:‬والفسخ ليس من اإليفاء بالعقد‪.‬‬
‫وقال عمر رضي اهلل عنه‪« :‬البيع صفقة أو خيار»(‪ )2‬جعل البيع نوعني نوعاً‬
‫ال خيار فيه ونوعاً فيه خيار‪ ،‬واإلجارة بيع فيجب أن تكون نوعني‪ :‬نوعاً‬
‫ليس فيه خيار الفسخ ونوعاً فيه خيار الفسخ‪ ،‬وألهنا معاوضة عقدت‬
‫مطلقة فال ينفرد أحد العاقدين فيها بالفسخ إال عند العجز عن املضي‬
‫يف موجب العقد‪ ،‬من غري حتمل ضرر كالبيع)(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.223‬‬
‫‪ -2‬البيهقي (السنن الكربى) ج‪ 5‬ص‪ 272‬عن عبد اهلل بن عمر‪ ...‬وروي تارة عن الشعيب عن عمر وتارة عن عطاء بن أبي‬
‫رباح عن عمر رضي اهلل عنه وكالمها مع األول ضعيف النقطاع ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.201‬‬
‫‪187‬‬
‫فأصبح لدينا إلهناء عقد اخلدمة أحوال متعددة‪ ،‬وحتى تسهل علينا دراسة‬
‫تلك األحوال نقسمها إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول يف إهناء اخلدمة بسبب املخدوم‪.‬‬
‫والقسم الثاني يف إهناء اخلدمة بسبب اخلادم‪.‬‬
‫والقسم الثالث يف إهناء اخلدمة بسبب الطرفني‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪188‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب األول‪ :‬إهناء عقد اخلدمة بسبب املخدوم‬
‫حيصل إهناء للعقد من طرف املخدوم ألسباب خمتلفة نتناوهلا فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلفالس (أو اإلعسار)‪ :‬من األسباب الداعية إلهناء عقد اخلدمة هو‬
‫إعسار املخدوم وعجزه عن دفع أجور اخلدمة‪ ،‬يقول الكاساني‪( :‬أما الذي‬
‫يف جانب املستأجر فنحو أن يفلس فيقوم من السوق‪ ...‬ألن املفلس ال‬
‫ينتفع باحلانوت فكان يف إبقاء العقد من غري استيفاء املنفعة إضرار به‬
‫ضررًا مل يلتزمه العقد فال جيرب على عمله)(‪.)1‬‬
‫ويقول الشربيين‪( :‬وإفالس املستأجر قبل تسليم األجرةِ ومضيِّ املدة فإنه‬
‫يوجب للمؤجر الفسخ)(‪.)2‬‬
‫ويف هذه احلالة حيق للمؤجر أو اخلادم فسخ العقد صيانة حلقه‪ ،‬وكذلك‬
‫منعاً من إضرار املستأجر‪.‬‬
‫‪ -2‬املوت‪ :‬إذا مات املخدوم انتهى عقد اخلدمة عند احلنفية‪ ،‬ويعربون‬
‫عن ذلك (مبوت من وقعت له اإلجارة) فلو مات رب املنزل ال تنفسخ‬
‫إجارة خادمة املنزل‪ ،‬ألن اإلجارة كانت ملنفعة أهل املنزل وهي مستمرة‬
‫بعد وفاة رب األسرة‪ ،‬يقول الكاساني‪( :‬ومنها موت من وقع له اإلجارة إال‬
‫لعذر عندنا‪ ...‬ولو مات أبو الصيب يف استئجار الظئر ال تنقض اإلجارة‬
‫ألن اإلجارة وقعت للصيب والظئر ومها قائمان‪ ،‬ولو مات الظئر انتقضت‬
‫اإلجارة وكذا لو مات الصيب ألن كل واحد منهما معقود له واألصل أن‬
‫اإلجارة تبطل مبوت املعقود له وال تبطل مبوت العاقد)(‪.)3‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.197‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص ‪.356‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.222‬‬
‫‪189‬‬
‫وقال مجهور الفقهاء ال ينتهي عقد اخلدمة ولكن ينتقل حق اخلدمة‬
‫لورثته‪ ،‬قال املالكية‪( :‬أن الراكب إذا تعذر ركوبه فإنه ال ينفسخ الكراء‬
‫ويلزمه أو ورثته إن مات أن يأتوا باخللف أو يدفعوا مجيع األجرة فإنه ال‬
‫يتعني بالتعيني واهلل أعلم)(‪.)1‬‬
‫فإن مل يكن له وارث يقوم مقامه يف استيفاء املنفعة‪ ،‬أو ال تقبل اخلدمة‬
‫االنتقال للوارث ُفسخ العقد‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬وإن مات املكرتي ومل يكن‬
‫له وارث يقوم مقامه يف استيفاء املنفعة أو كان غائبا كمن ميوت يف طريق‬
‫مكة وخي ِّلف جَمَلَهُ الذي اكرتاه وليس له عليه شيء حيمله وال وارث له‬
‫حاضر يقوم مقامه فظاهر كالم أمحد أن اإلجارة تنفسخ فيما بقي من‬
‫املدة ألنه قد جاء أمر غالب مينع املستأجر عن منفعة العني)(‪ ،)2‬ثم ذكر‬
‫مثاالً لعدم إمكان انتقال اخلدمة للوارث خبدمة املداواة فقال‪( :‬وإن برئت‬
‫عينه يف أثناء املدة انفسخت اإلجارة فيما بقي من املدة ألنه قد تعذر‬
‫العمل فأشبه ما لو حجز عنه أمر غالب وكذلك لو مات)(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬عارض خوف األذى‪ :‬وإن اعرتض اخلدمة خوف املستأجر األذى أو‬
‫اهلالك وامتنع استيفاء اخلدمة لذلك ُفسخ عقد اخلدمة‪ ،‬قال احلنابلة‪:‬‬
‫(لو حدث خوف عام مينع من سكنى املكان الذي فيه العني املستأجرة‪ ،‬أو‬
‫حصر البلد‪ ،‬فامتنع خروج املستأجر إىل األرض ثبت له خيار الفسخ)(‪،)4‬‬
‫وم َّثل لذلك الشافعية بقوهلم‪( :‬ولو ذهب مستأجر الدابة هبا والطريق آمن‬
‫فحدث خوف فرجع هبا ضمن أو مكث هناك ينتظر األمن مل حتسب عليه‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.414‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.271‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.314‬‬
‫‪ -4‬املرداوي‪( ،‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف) ج‪ 6‬ص‪.65‬‬
‫‪190‬‬
‫مدته وله حينئذ حكم الوديع يف حفظها)(‪.)1‬‬
‫ولكن شرط مجهور علماء أن يكون اخلوف عاماً حتى حيق للمستأجر‬
‫فسخ العقد‪ ،‬أما إن كان اخلوف خاصاً باملستأجر فليس له حق الفسخ ألن‬
‫السبب منه‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬فأما إن كان اخلوف خاصا باملستأجر مثل‬
‫أن خياف وحده لقرب أعدائه من املوضوع املستأجر أو حلوهلم يف طريقه‬
‫مل ميلك الفسخ ألنه عذر خيتص به ال مينع استيفاء املنفعة بالكلية فأشبه‬
‫مرضه)(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬تعذر االنتفاع‪ :‬فلو صار استيفاء املنفعة غري ممكنٍ النتهاء سبب‬
‫اخلدمة انفسخ العقد كانفساخ عقد املمرضة بشفاء املريض‪ ،‬قال ابن‬
‫قدامة‪( :‬وظاهر هذا أنه حكم بفسخ العقد فيما بقي من املدة إذا مات‬
‫املستأجر ومل يبق به انتفاع ألنه تعذر استيفاء املنفعة بأمر من اهلل تعاىل‬
‫فأشبه ما لو اكرتى من يقلع له ضرسه فربأ أو انقلع قبل قلعه أو اكرتى‬
‫كحاال ليكحل عينيه فربأت أو ذهبت)(‪ ،)3‬ويقول املالكية‪( :‬وتنفسخ مبنع‬
‫استيفاء املنفعة شرعًا كسكون أمل السن املستأجر على قلعها)(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬االستغناء عن اخلدمة‪ :‬حبدوث عذر للمخدوم جيعله بغنى عن‬
‫اخلدمة هو سبب لفسخ عقد اخلدمة‪ ،‬كتخلي ربة املنزل عن عملها خارج‬
‫املنزل وبالتايل استغنت عن خدمة املربية ألوالدها‪ ،‬وهذا مذهب احلنفية‬
‫خبالف مجهور الفقهاء‪ ،‬يقول الكاساني يف شروط لزوم عقد اإلجارة‪:‬‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 5‬ص‪.302‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.264‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.271‬‬
‫‪ -4‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.432‬‬
‫‪191‬‬
‫(عدم حدوث عذر بأحد العاقدين أو باملستأجر فإن حدث بأحدمها أو‬
‫باملستأجر عذر ال يبقى العقد الزمًا وله أن يفسخ وهذا عند أصحابنا‪...‬‬
‫ولقب املسألة أن اإلجارة تفسخ باألعذار عندنا)(‪.)1‬‬
‫وال تنفسخ اخلدمة باألعذار عند مجهور العلماء‪ ،‬قال املالكية‪( :‬وإن سافر‬
‫األبوان فليس هلما أخذ الصيب إال أن يدفعا إىل الظئر مجيع األجرة‪...‬‬
‫ك َّلما صنعت الظئر أو والد الصيب ممَّا تنفسخ به اإلجارة فليس له ذلك إال‬
‫بالطوع من اآلخر)(‪.)2‬‬
‫ويقول الشافعية‪( :‬ال تنفسخ اإلجارة عينًا كانت أو ذمة وال تفسخ بعذر‪...‬‬
‫كتعذر وقود محام على مستأجر‪ ...‬و كعروض مرض مستأجر دابة السفر‬
‫عليها‪ ،‬واملعنى يف اجلميع أنه ال خلل يف املعقود عليه واالستنابة من كل‬
‫منهما ممكنة)(‪.)3‬‬
‫وقال احلنابلة‪( :‬واإلجارة عقد الزم من الطرفني ليس لواحد منهما فسخها‬
‫وهبذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك ألهنا عقد معاوضة فكان‬
‫الزما كالبيع‪ ...‬وسواء كان له عذر أو مل يكن)(‪.)4‬‬
‫وكما ينفسخ العقد باألعذار عند احلنفية كذلك ميدد عقد اخلدمة عندهم‬
‫باألعذار‪ ،‬فلو استمرت حاجة املخدوم للخدمة بعد انتهاء مدة اخلدمة‪،‬‬
‫جيب متديد عقد اخلدمة حلني االستغناء عنها‪ ،‬كما لو انتهت مدة عقد‬
‫استخدام املمرضة ملريض‪ ،‬ميدد عقدها ما دام مضطراً خلدمتها ومل‬
‫يتمكن بعدُ من استئجار غريها‪ ،‬يقول الكاساني‪( :‬ألن احلكم ببطالن‬
‫اإلجارة ههنا يؤدي إىل الضرر باملستأجر ملا فيه من تعريض ماله ونفسه‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.197‬‬
‫‪ -2‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.413‬‬
‫‪ -3‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.356‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.259‬‬
‫‪192‬‬
‫إىل التلف فجعل ذلك عذراً يف بقاء اإلجارة وهذا معنى قوهلم إنَّ اإلجارة‬
‫كما تفسخ بالعذر تبقى بالعذر‪ ...‬ولو مات أحد ممن وقع له عقد اإلجارة‬
‫قبل انقضاء املدة ويف األرض املستأجرة زرع مل يستحصد يرتك ذلك يف‬
‫األرض إىل أن يستحصد ويكون على املستأجر أو على ورثته ما مسَّى من‬
‫األجر ألن يف احلكم باالنفساخ وقلع الزرع ضررًا باملستأجر ويف اإلبقاء من‬
‫غري عوض ضررًا بالوارث وميكن توفري احلقني من غري ضرر بإبقاء الزرع‬
‫إىل أن يستحصد باألجر فيجب القول به وإمنا وجب املسمى استحسانا(‪.)1‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع ) ج‪ 4‬ص‪.223‬‬
‫‪193‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬إهناء عقد اخلدمة بسبب األجري‬
‫وكذلك مثة أسباب من طرف األجري تؤدي إلهناء عقد اخلدمة أتناوهلا فيما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬تعذر أداء اخلدمة‪ :‬كأن مينع الفتاة أهلها من مباشرة عقد اخلدمة اليت‬
‫تعاقدت عليه‪ ،‬وذلك خلوفهم من حلوق العار ببذهلا نفسها خلدمة البيوت‪،‬‬
‫قال الكاساني‪( :‬أو كانت امرأة أجرت نفسها ظئرًا وهي ممن تعاب بذلك‬
‫فألهلها أن خيرجوها‪ ،‬وكذلك إن أبت هي أن ترضعه ألن من ال يكون من‬
‫أهل الصنائع الدنيئة إذا دخل فيها يلحقه العار)(‪.)1‬‬
‫ويذكر املالكية مثا ًال للتعذر بقوهلم‪( :‬آجرت نفسها بغري إذن زوجها ومل‬
‫يعلم إال بعد مدة فتنازعت معه ملن يكون ما أخذت يف أجرة رضاعها فوقع‬
‫احلكم بأن ما مضى من املدة هلا حبسابه وله فسخ اإلجارة فيما يستقبل(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬موت األجري‪ :‬ينفسخ عقد اخلدمة فور موت اخلادم إذا كان معيّناً يف‬
‫اخلدمة‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬وتنفسخ اإلجارة مبوت املرضعة لفوات املنفعة‬
‫هبالك حملها‪ ...‬وإذا انفسخ العقد عقيبه بطلت اإلجارة من أصلها ورجع‬
‫املستأجر باألجر كله وإن كان يف أثناء املدة رجع حبصة ما بقي)(‪.)3‬‬
‫أما إذا كان عقد اخلدمة إجارة ذمة مل ينفسخ العقد‪ ،‬ولزم إبدال اخلادم‬
‫بغريه‪ ،‬ويذكر الكاساني مثا ًال على هذا النوع من اإلجارة بقوله‪( :‬وإن كانت‬
‫اإلجارة على دواب بغري أعياهنا فسلم إليه دواب فقبضها فماتت ال تبطل‬
‫اإلجارة وعلى املؤاجر أن يأتيه بغري ذلك ألنه هلك ما مل يقع عليه العقد‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.199‬‬
‫‪ -2‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.411‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.290‬‬
‫‪194‬‬
‫ألن الدابة إذا مل تكن معينة فالعقد يقع على منافع يف الذمة وإمنا تسلم‬
‫العني ليقيم منافعها مقام ما يف ذمته فإذا هلك بقي ما يف الذمة حباله‬
‫فكان عليه أن يعني غريها)(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬خوف األذى‪ :‬فإن خاف اخلادم حصول أذى أثناء خدمته حق له فسخ‬
‫عقد اخلدمة كأن ختشى اخلادمة من تعرض أهل البيت هلا باألذى أثناء‬
‫أدائها للخدمة مهما كان نوع الضرر الذي تتعرض له‪ ،‬سواء يف النيل‬
‫من دينها أو عرضها وكرامتها أو إيذاء جسدها‪ ،‬قال احلنفية‪( :‬واملرأة‬
‫تتضرر‪ ...‬فإن كانوا يؤذوهنا بألسنتهم أمروا أن يكفوا عنها فإن مل يكفوا‬
‫كان هلا أن خترج ألن األذية حمظورةٌ فعليهم تركها فإن مل يرتكوها كان يف‬
‫إبقاء العقد ضررٌ غري ملتزم بالعقد فكان عذراً)(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬املرض املعجِ ز‪ :‬فإن أصيب اخلادم مبرض أعجزه عن اخلدمة ُفسخ‬
‫عقد اخلدمة لعدم إمكان إمتامه النعدام املنفعة‪ ،‬قال احلنفية‪( :‬لو استأجر‬
‫عبداً خيدمه أو دابة يركبها أو دارا يسكنها فمرض العبد أو عرجت الدابة‬
‫أو اهندم بعض بناء الدار فاملستأجر باخليار إن شاء مضى على اإلجارة‬
‫وإن شاء فسخ)(‪ ،)3‬وكذلك قال الشافعية‪( :‬ولو ادعى املستأجر مرض‬
‫العبد املؤجر أو إباقه أو شرود الدابة املؤجرة أو موهتا بعد فراغ املدة أو‬
‫فيها أي املدة أو ادعى تلف احملمول قبل قوله ألنه مؤمتن وال أجرة عليه‬
‫إذا حلف أنه ما انتفع بالعني املؤجرة)(‪ ،)4‬وقال املالكية‪( :‬وكذلك لو مرض‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.223‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.200‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪.195‬‬
‫‪ -4‬البهوتي (كشاف القناع) ج‪ 4‬ص‪.39‬‬
‫‪195‬‬
‫العبد املستأجر مرضاً بيناً انفسخت اإلجارة بينهما)(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬حبس اخلادم أو منعه من دخول البلد‪ :‬فلو منعت اخلادمة من دخول‬
‫بلد املخدوم بعد إجراء عقد اخلدمة‪ ،‬فعند ذلك حيق للمخدوم أن يفسخ‬
‫عقد اخلدمة ألن املنفعة املتعاقد عليها ال ميكن قبضها فسقط عوضها‬
‫وهي األجرة‪ ،‬وكذلك لو حبس اخلادم جبناية مثالً سواء كان يف بداية‬
‫العقد أو أثناءه‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬فإن جاء أمر غالب حيجز املستأجر عن‬
‫منفعة ما وقع عليه العقد لزمه من األجر مبقدار مدة انتفاعه‪.‬‬
‫ومجلته أن من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبني االنتفاع هبا‪ ...‬فإن‬
‫اإلجارة تنفسخ فيما بقي من املدة دون ما مضى ويكون للمؤجر من األجر‬
‫بقدر ما استوفى من املنفعة‪ ...‬وذلك ملا ذكرنا من أن املعقود عليه املنافع‬
‫وقد تلف بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيما تلف دون ما قبض)(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬أن حيدث على اخلادم ما مينع نفعه‪ :‬أو يقلله كحمل اخلادمة مثالً‪،‬‬
‫فرمبا يتضرر أهل املنزل حبمل اخلادمة ألهنا تضعف عن القيام بأعمال‬
‫اخلدمة‪ ،‬وعندها يكون من حقهم فسخ عقد اخلدمة‪ ،‬وكالسائق يعاقب‬
‫من الشرطة بسحب رخصة القيادة منه فال يقدر أهل البيت بعدها على‬
‫االنتفاع خبدمته‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬أن حيدث على العني ما مينع نفعها كدار‬
‫اهندمت وأرض غرقت أو انقطع ماؤها فهذه ينظر فيها إن مل يبق فيها‬
‫نفع أصالً فهي كالتالفة سواءٌ وإن بقي فيها نفع غري ما استأجرها له‪...‬‬
‫وأما إن أمكن االنتفاع بالعني فيما اكرتاها له على نعت من القصور‪ ...‬مل‬
‫تنفسخ اإلجارة ألن املنفعة املعقود عليها مل تزل بالكلية فأشبه ما لو تعبت‬
‫‪ -1‬العبدري‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يوسف بن أبي القاسم ‪ 897‬هـ (التاج واإلكليل ملختصر خليل) بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1398‬هـ ج‪5‬ص‪.433‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.262‬‬
‫‪196‬‬
‫وللمتسأجر خيار الفسخ على ما ذكرنا)(‪ .)1‬وقال املالكية‪( :‬وإذا محلت‬
‫الظئر فخيف على الولد فلهم فسخ اإلجارة)(‪.)2‬‬
‫‪ -7‬فسق اخلادم‪ :‬وهو سبب يف إهناء العقد‪ ،‬فإن ظهر فسق اخلادمة‬
‫كسرقة أو زنى جاز لرب املنزل فسخ عقد اخلدمة ألن يف بقاء اخلادمة‬
‫يف املنزل مع فسقها ضرر ألهل املنزل ومن واجبه إزالته‪ ،‬وقد عده العلماء‬
‫من أعذار فسخ العقد فقالوا‪( :‬وأما العذر يف استئجار الظئر فنحو أن ال‬
‫يأخذ الصيب من لبنها‪ ...‬أو تكون سارقة ألهنم خيافون على متاعهم أو‬
‫تكون فاجرة بيِّنة الفجور ألهنا تتشاغل بالفجور عن حفظ الصيب)(‪.)3‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.263‬‬
‫‪ -2‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.432‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.200‬‬
‫‪197‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬إهناء عقد اخلدمة من الطرفني‪:‬‬
‫كما قد يكون إهناء عقد اخلدمة من طرف واحد من املتعاقدين‪ ،‬فقد يكون‬
‫اإلهناء من كال الطرفني‪ ،‬وذلك بأشكال خمتلفة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬حصول سبب مشروط يف العقد‪ :‬قد تراضا عليه الطرفان‪ ،‬كما لو‬
‫شُرط يف العقد أن غياب اخلادم عن املنزل لثالثة أيام من غري إذن رب‬
‫املنزل يفسخ عقد اخلدمة‪.‬‬
‫وهذا السبب ينتمي إىل الشروط التقييدية املضافة لصيغة العقد وقد‬
‫تبينا عند الكالم عنها رجحان مذهب احلنابلة القائلني باجلواز(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬أو تراضي بعد العقد‪ :‬وهو مبعنى إقالة عقد اخلدمة وهو أمر مشروع‪،‬‬
‫كما يقول الكاساني‪( :‬ألنه معاوضة املال باملال فكان حمتمال لإلقالة‬
‫كالبيع)(‪ ،)2‬فيحق هلم أن يتفقا على إهناء عقد اخلدمة ولو من غري سبب‪،‬‬
‫سواء حصل الرتاضي قبل املباشرة باخلدمة أو أثناءها‪.‬‬
‫وقال املالكية‪( :‬وجاز إقالة بزيادة من مكر أو مكرت قبل النقد للكراء وبعده‬
‫بشرط تعجيل الزيادة وإال لزم فسخ ما يف الذمة يف مؤخر‪ ...‬وأما اإلقالة‬
‫على رأس مال الكراء فجائزة مطلقا بال تفصيل)(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬عارض خوف األذى‪ :‬وإن اعرتض العاقدين خوف األذى أو اهلالك‬
‫ُفسخ عقد اخلدمة‪ ،‬كانعدام األمن لوقوع حرب أو خلوف لصوص وغري‬
‫ذلك مما مينع استيفاء اخلدمة‪ ،‬وهذا سبب ال دخل لواحد من العاقدين‬
‫‪ -1‬عند الكالم عن (الصيغة) ص‪.97‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.222‬‬
‫‪ -3‬الدردير (الشرح الكبري) ج‪ 4‬ص‪.37‬‬
‫‪198‬‬
‫به وكالمها سواء يف الضرر‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬أن حيدث خوف عام مينع‬
‫من سكنى ذلك املكان الذي فيه العني املستأجرة أو حتصر البلد‪ ...‬ألنه‬
‫أمر غالب مينع املستأجر استيفاء املنفعة فأثبت اخليار كغصب العني‪...‬‬
‫ولو استأجر دابة لريكبها أو حيمل عليها إىل مكان معني فانقطعت الطريق‬
‫إليه خلوف حادث‪ ...‬فلكل واحد منهما فسخ اإلجارة وإن أحب إبقاءها إىل‬
‫حني إمكان استيفاء املنفعة جاز ألن احلق هلما ال يعدومها)(‪.)1‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.264‬‬
‫‪199‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ما يرتتب على إهناء عقد اخلدمة‬
‫من املعلوم أن العقد إذا وقع تام الشروط واألركان صار الزماً للطرفني‪،‬‬
‫إال أن األسباب املذكورة يف املطالب الثالثة السابقة قد حتول دون إمتامه‪،‬‬
‫وعندها ينتهي االلتزام بإكمال العقد بعد حصول أحد تلك األسباب‪ ،‬وهذا‬
‫اإلهناء للخدمة قبل إمتامها يرتتب عليه أمور ثالثة وهي‪:‬‬
‫األول‪ :‬ثبوت أجرة ما مضى من اخلدمة‪ :‬إن كانت اخلدمة املقدمة ذات‬
‫قيمة و إذا كانت مس َّلم ًة للمخدوم‪ ،‬فإن أدى اخلادم بعض اخلدمة املتعاقد‬
‫عليها ومل تكن ذات قيمة أو هلك العمل قبل تسليمه للمخدوم فال يستحق‬
‫عليه أجراً‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬فعمل بعضه فله أن يطالبه بقدره من األجرة‪...‬‬
‫فكلما عمل شيئاً حصل يف يده قبل هالكه وصار مسلماً إليه فال يسقط‬
‫بدله باهلالك إال بتمامه فإذا فرغ منه ثم هلك فله األجرة يف قول أبي‬
‫حنيفة ألن العمل حصل مسلماً إليه حلصوله يف ملكه)(‪ ،)1‬فإن هلكت‬
‫املنفعة قبل التسليم ال يستحق أجراً‪ ،‬ويقول الكاساني‪( :‬وكذلك اخلياط‬
‫الذي خييط له يف منزله قميصاً فإن خاط له بعضه مل يكن له أجرته ألن‬
‫هذا العمل ال ينتفع ببعضه دون بعضه فال تلزم األجرة)(‪.)2‬‬
‫وقال ابن قدامة‪( :‬وذلك ملا ذكرنا من أن املعقود عليه املنافع وقد تلف‬
‫بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيما تلف دون ما قبض)(‪.)3‬‬
‫وقال املالكية بالتفصيل‪:‬‬
‫‪ -1‬فإن كان سبب إهناء اخلدمة من اخلادم استحق أجر ما مضى جاء يف‬
‫املدونة‪( :‬من اكرتى أرضا فلم جيد بذرًا أو سجنه سلطان باقي املدة فالكراء‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.205‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪.205‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.262‬‬
‫‪200‬‬
‫يلزمه وال يعذر هبذا ولكن ليكريها إن مل يقدر هو على أن يزرعها(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬وإن كان بسبب املخدوم أو بسبب قسري ليس للخادم فيه دخل استحق‬
‫كامل األجر قال املالكية‪( :‬إن منع أجري البناء أو احلصد أو عمل ما مطرٌ‬
‫مل يكن له حبساب ما عمل من النهار‪ ،‬بل له كل األجر ألن املنع مل يكن‬
‫منه)(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬وإن كان مثة عرف أخذنا به‪ ،‬كما يقول احلطاب من املالكية‪( :‬ال يدخل‬
‫هذا اخلالف يف نوازل وقعت يف بلدنا بتونس ألن العرف تقرر عندهم‬
‫بفسخ اإلجارة بكثرة املطر ونزول اخلوف انتهى‪ ،‬ذكره يف الكالم على ما‬
‫تفسخ به اإلجارة )(‪.)3‬‬
‫الثاني‪ :‬عدم ثبوت شيء من األجر إذا كانت إجارة ذمة ومل يتم حتصيلها‪:‬‬
‫ألن املعقود عليه هو العمل ومل يتحصل ال بتسليم العامل نفسه وال مبرور‬
‫الوقت‪ ،‬فال تستحق األجرة إال بتحقق ذلك العمل املتعلق بذمة األجري‪ ،‬قال‬
‫ابن قدامة‪( :‬ومن استؤجر على عمل موصوف يف الذمة كخياطة أو بناء‬
‫أو قلع ضرس فبذل األجري نفسه للعمل فلم ميكنه املستأجر مل تستقر‬
‫األجرة بذلك ألنه عقد على املنفعة من غري تقدير فلم يستقر بدهلا بالبذل‬
‫كالصداق ال يستقر ببذل املرأة نفسها ويفارق حبس الدابة مدة اإلجارة‬
‫ألن املنافع تلفت حتت يده خبالف مسألتنا)(‪.)4‬‬
‫الثالث‪ :‬انتهاء عالقة االلتزام بني العاقدين‪ :‬فلم يعد أي واحد منهم ملزم‬
‫‪ -1‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.443‬‬
‫‪ -2‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.432‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.432‬‬
‫‪ -4‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.315‬‬
‫‪201‬‬
‫بإمتام مقتضى العقد بعد إهنائه أي (بفسخه)‪ ،‬مثاله أن يفسخ رب املنزل‬
‫العقد بسبب مرض اخلادمة‪ ،‬فليس من حقه أن يلزمها بإمتام العقد بعد‬
‫شفاءها‪ ،‬ألنه بالفسخ قد أهنى االلتزام معها‪.‬‬
‫ولكن هل تنفسخ اخلدمة حبصول السبب؟ أم بالفسخ الصادر ممن له‬
‫الفسخ؟‪ :‬للعلماء يف حصول الفسخ ثالثة أقوال‪ :‬وقد وردت هذه األقوال‬
‫مجيعها عند احلنفية‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ينفسخ العقد من غري حاجة لفسخه‪ :‬فبمجرد ما وقع سبب‬
‫الفسخ عد العقد منتهياً‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬فيمن استأجر رحى ماء سنة‬
‫فانقطع املاء بعد ستة أشهر فأمسك الرحى حتى مضت املدة فعليه أجر‬
‫للستة أشهر املاضية وال شيء عليه ملا بقي ألن منفعة الرحى قد بطلت‬
‫فانفسخ العقد)(‪.)1‬‬
‫وقال ابن قدامة‪( :‬وإذا وقعت اإلجارة على عني مثل أن يستأجر عبداً‬
‫للخدمة أو لرعاية الغنم أو مجالً للحمل أو للركوب فتلفت انفسخ العقد‬
‫بتلفها وإن خرجت مستحقة تبينا أن العقد باطل وإن وجد هبا عيباً فردها‬
‫انفسخ العقد ومل ميلك إبداهلا ألن العقد على معني فثبتت هذه األحكام‬
‫كما)(‪.)2‬‬
‫فسخ يتبع السبب‪ :‬وال يفسخ العقد من ذاته‪،‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ال بد من‬
‫ٍ‬
‫وهذا الفسخ يكون صادراً ممن له حق الفسخ‪ ،‬فإن مل يصدر الفسخ منه‬
‫صراح ًة أو دالل ًة‪ ،‬بقي العقد قائماً واألجرة مستحق ًة‪ ،‬فلو استأجر مريضٌ‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪4‬ص‪.197‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.275‬‬
‫‪202‬‬
‫من يقوم على إعطائه الدواء فشفي املريض ال ينفسخ العقد ويستمر‬
‫اخلادم يف أخذ األجرة حتى يفسخ املخدوم العقد‪ ،‬يقول الكاساني‪( :‬قال‬
‫بعض مشاخينا تنفسخ بنفسها وقال بعضهم ال تنفسخ)(‪.)1‬‬
‫القول الثالث‪ :‬التفصيل حبسب السبب الفاسخ للعقد‪ :‬فإن كان العذر‬
‫يوجب العجز عن املضي يف العقد‪ ،‬كموت اخلادم املعني أو منع اخلادمة‬
‫من دخول بلد املستخدِم‪ ،‬مل حيتج العقد لفسخ بل ينفسخ مبجرد حصول‬
‫السبب الفاسخ كاملوت هنا أو املنع‪.‬‬
‫وإن كان العذر ال يوجب العجز عن املضي يف العقد‪ ،‬مل ينفسخ العقد إال‬
‫بالفسخ‪ ،‬كما لو مرضت اخلادمة مرضاً أعجزها عن اخلدمة فال ينفسخ‬
‫عقد اخلدمة فلو شاء رب املنزل أبقاء العقد وحتمَّل تقصري اخلادمة‪،‬‬
‫قال الكاساني‪( :‬والصواب أنه ينظر إىل العذر إن كان يوجب العجز عن‬
‫املضي يف موجب العقد شرعاً بأن كان املضي فيه حراماً فاإلجارة تنتقض‬
‫بنفسها كما يف اإلجارة على قلع الضرس إذا اشتكت ثم سكنت وعلى قطع‬
‫اليد املتآكلة إذا برأت وحنو ذلك‪ .‬وإن كان العذر حبيث ال يوجب العجز‬
‫عن ذلك لكنه يتضمن نوع ضرر مل يوجبه العقد ال ينفسخ إال بالفسخ)(‪.)2‬‬
‫ومن الفسخ ما حيتاج لقضاء قاض‪ :‬فصاحب احلق بالفسخ يستطيع أن‬
‫يفسخ العقد إن كان السبب ظاهراً وإن كان السبب خفياً مل يفسخ إال‬
‫قاض‪ ،‬فمثال السبب الظاهر كسحب الشرطة لرخصة القيادة من‬
‫بقضاء ٍ‬
‫قاض‬
‫السائق‪ ،‬عندها يستطيع رب املنزل أن يفسخ العقد من غري قضاء ٍ‬
‫لكون سبب الفسخ ظاهراً‪.‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.200‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 4‬ص‪.200‬‬
‫‪203‬‬
‫أما سبب الفسخ غري الظاهر كادعاء رب املنزل سرقة اخلادم فال بد من‬
‫قضاء القاضي إلثبات السبب وفسخ العقد‪ ،‬فرمبا كانت دعوى رب املنزل‬
‫باطلة يقصد منها ظلم اخلادم وهضمه حلقه‪ ،‬ومثله ادعاء املستخدم‬
‫اإلعسار‪ ،‬يقول الكاساني‪( :‬ومن مشاخينا من فصل فيه تفصيال فقال‬
‫إن كان العذر ظاهرًا ال حاجة إىل القضاء وإن كان خفيا كالدين يشرتط‬
‫القضاء ليظهر العذر فيه ويزول االشتباه وهذا حسن)(‪.)1‬‬
‫والذي يظهر يل ترجيح القول الثالث القائل بالتفصيل بالفسخ ويف احلاجة‬
‫لقضاء القاضي لألدلة اليت ساقها‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.200‬‬
‫‪204‬‬
‫‪‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫عوارض اخلدمة يف البيوت وأخطارها وآداهبا‬
‫املبحث األول‪ :‬عوارض اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أخطار اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬آداب اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫‪205‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫عوارض اخلدمة يف البيوت وأخطارها و آداهبا‬
‫يف هذا الفصل أتكلم عن اجلانب العملي للخدمة يف البيوت‪ ،‬حيث قد‬
‫يعرتض اخلدمة بعض املشكالت اليت تغري من االلتزامات بني املتعاقدين‬
‫أو ترتب بعض االلتزامات اجلديدة‪.‬‬
‫ورمبا جلبت اخلدمة بعض األخطار على املنزل وأهله‪ ،‬ومن الضروري‬
‫دراستها والتعرف على أسباهبا‪.‬‬
‫إضافة إىل استعراض أهم اآلداب الالزمة لكل من اخلادم واملخدوم حتى‬
‫يتم حتصيل اخلدمة وفق ما يرضاه اهلل سبحانه وجنتنب املفاسد والفنت‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫املبحث األول‬
‫عوارض اخلدمة يف البيوت وأخطارها وآداهبا‬
‫املطلب األول‪ :‬عوارض اخلدمة بسبب‬
‫اخلادم‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عوارض اخلدمة بسبب‬
‫املستخدِم‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التعديل يف عقد اخلدمة يف‬
‫البيوت‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫املبحث األول‪ :‬عوارض اخلدمة يف البيوت‬
‫قد يعرتض اخلادم خالل أداءه لعمله يف املنزل كثريٌ من األخطاء واملشكالت‪،‬‬
‫سواء كانت هذه األمور من طرف اخلادم أو املخدوم‪ ،‬أو كان تغيرياً يف‬
‫وضع اخلدمة‪ ،‬وحدوث أحد هذه العوارض غالباً ما يغري من املسؤوليات‬
‫وااللتزامات لكال الطرفني‪.‬‬
‫وفيما يلي أستعرض أهم العوارض والتعديالت اليت تطرأ على اخلدمة يف‬
‫البيوت‪ ،‬و من مثة أتتبع االلتزامات املرتتبة على تلك العوارض‪.‬‬
‫‪208‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عوارض اخلدمة بسبب اخلادم‬
‫‪ -1‬عارض أذية اإلنسان أثناء اخلدمة يف البيوت‪ :‬جبميع أشكال األذية‬
‫اليت تنال جسد اآلدمي‪ ،‬سواء بأذيته اخلفيفة أو إزهاق روحه‪ ،‬هذا العارض‬
‫من أخطر العوارض‪ ،‬وهو حمتمل الوقوع‪ ،‬فقد يتسبب اخلادم باإلضرار‬
‫بأحد أفراد املنزل جسدياً‪ ،‬فمن املسؤول عن ضمان هذا الضرر؟‬
‫وبكالم أوضح هل يضمن اخلادم ما حصل أثناء خدمته من أذى على‬
‫النفس اآلدمية سواء أودت حبياته أو آذت جسده؟‬
‫قال الفقهاء أن ابن آدم ال يُضمن بالعقد وإمنا يضمن باجلناية‪ ،‬فعقد‬
‫اخلدمة يف املنزل ال حيمِّل اخلادم مسؤولية ضمان اآلدمي ولو اشرتط‬
‫املتعاقدان الضمان‪ ،‬ألن ضمان اآلدمي ال يثبت إال باجلناية أي بالتعدي‪،‬‬
‫قال الكاساني‪( :‬وال يُضمن بنو آدم من وجه اإلجارة وال يشبه هذا املتاع‬
‫ألن ضمان بين آدم ضمان جناية وضمان اجلناية ال جيب بالعقد)(‪.)1‬‬
‫واملقصود بالتعدي‪ :‬أن يكون يف عمله الذي تسبب فيه باألذى غري مأذون‬
‫فيه بأصله أو جتاوز حد اإلذن‪ ،‬فمثال العمل غري املأذون به ككسر السائق‬
‫للطفل لضربه إياه بقصد التأديب‪ ،‬فخدمة السائق ال تتضمن تأديب‬
‫أطفال املنزل‪ ،‬فهو ضامن بسبب تعديه‪.‬‬
‫ومثال جتاوز احلد املأذون به كالطاهية تقوم بإصالح بعض أدوات املطبخ‬
‫الكهربائية فتعطبها وتؤذي أحد أفراد األسرة بالتيار الكهربائي‪ ،‬تضمن‬
‫ألن عقد خدمتها يبيح هلا استخدام أدوات املطبخ ال إصالحها‪ ،‬يقول ابن‬
‫قدامة‪( :‬وجيوز أن يستأجر من يقلع ضرسه ألهنا منفعة مباحة مقصودة‬
‫فجاز االستئجار على فعلها كاخلتان‪ ،‬فإن أخطأ فقلع غري ما أمر بقلعه‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.212‬‬
‫‪209‬‬
‫ضمنه ألنه من جنايته)(‪.)1‬‬
‫ورمبا يكون اخلادم غري حاذق يف خدمته فيتسبب أثناء أدائها بأذية آدمي‪،‬‬
‫فعندها يعد عمله جناية يتكلف بضماهنا‪ ،‬ويقول ابن قدامة‪( :‬وال ضمان‬
‫على حجام وال ختان وال متطبب إذا عرف منهم حذق الصنعة ومل جتن‬
‫أيديهم‪ ،‬ومجلته أن هؤالء إذا فعلوا ما أمروا به مل يضمنوا بشرطني أحدمها‬
‫أن يكونوا ذوي حذق يف صناعتهم وهلم هبا بصارة ومعرفة‪ ،‬ألنه إذا مل‬
‫يكن كذلك مل حيل له مباشرة القطع وإذا قطع مع هذا كان فعالً حمرماً‬
‫فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً‪.‬‬
‫الثاني أن ال جتين أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع فإذا وجد هذان‬
‫الشرطان مل يضمنوا ألهنم قطعوا قطعاً مأذوناً فيه فلم يضمنوا سرايته(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬ضمان إتالف املتاع‪ :‬خيتلف األمر هنا يف ضمان اإلتالف عن الضمان‬
‫يف أذية اآلدمي السابقة‪ ،‬فعندنا حالتني خمتلفتني يف ضمان ما أتلف‬
‫اخلادم من متاع‪ :‬األوىل حالة األجري اخلاص والثانية حالة األجري املشرتك‬
‫على التفصيل اآلتي‪:‬‬
‫األجري اخلاص‪ :‬أو ما يسمى بأجري الوحدة فحكمه عدم ضمان ما أتلف‬
‫إال إذا ثبت تقصريه أو تعديه‪ ،‬ألن ما يف يده أمانة‪ ،‬يقول الكاساني‪( :‬وإن‬
‫كان األجري خاصاً فما يف يده يكون أمانة يف قوهلم مجيعاً حتى لو هلك‬
‫يف يده بغري صنعه ال يضمن)(‪ ،)3‬وقال ابن قدامة‪( :‬األجري اخلاص هو‬
‫الذي يستأجره مدة فال ضمان عليه ما مل يتعد‪ ...‬وألن األجري اخلاص‬
‫نائب عن املالك يف صرف منافعه إىل ما أمره به فلم يضمن من غري‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.315‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.312‬‬
‫‪ -3‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.211‬‬
‫‪210‬‬
‫تعد كالوكيل واملضارب فأما ما يتلف بتعديه فيجب ضمانه مثل اخلباز‬
‫الذي يسرف يف الوقود أو يلزقه قبل وقته أو يرتكه بعد وقته حتى حيرتق‬
‫ألنه تلف بتعديه فضمنه كغري األجري)(‪ ،)1‬وقال اإلمام مالك‪( :‬ما رأيت‬
‫أحداً يضمن األجري احليوان وليس على الراعي ضمان إمنا الضمان على‬
‫الصناع‪ ...‬وليس على العبد الراعي ضمان ما دفع إليه من ذلك إال أن‬
‫يكون انتحر شيئا مما دفع إليه)(‪.)2‬‬
‫وال اعتبار الشرتاط الضمان على األجري اخلاص ألنه شرط فاسد‪ ،‬سئل‬
‫اإلمام مالك عن اشرتاط الضمان على الراعي األجري فقال‪( :‬اإلجارة‬
‫فاسدة ويكون له كراء مثله ممن ال ضمان عليه وال ضمان عليه فيما‬
‫تلف(‪.)3‬‬
‫وشرط الشافية لضمان اخلادم انفراده باملال‪ ،‬أما لو تلف املتاع حبضور‬
‫مالكه أو يف منزله ال ضمان عليه‪ ،‬قال الشربيين‪( :‬لو تلف املال أو بعضه‬
‫يف يد أجري قبل العمل فيه أو بعده بال تعد منه فيه‪ ...‬مل يضمن إن مل‬
‫ينفرد ذلك األجري باليد‪ ...‬بأن قعد املستأجر معه أو أحضر منزله)(‪.)4‬‬
‫أما األجري املشرتك‪ :‬وهو األجري الذي التزم عمالً بذمته فيضمن ما أتلف‬
‫من متاع بأحد األمور التالية(‪ :)5‬إما بالتعدي‪ ،‬أي أن يفعل فعالً غري املأذون‬
‫به عادة‪.‬‬
‫أو تعدى شرط املخدوم‪.‬‬
‫أو بالتقصري يف احلفظ‪.‬‬
‫أو هبالك املتاع قبل التسليم‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.306‬‬
‫‪ -2‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪.440‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪11‬ص‪.439‬‬
‫‪ -4‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.351‬‬
‫‪ -5‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪ ،211‬واحلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪ ،396‬وابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.305‬‬
‫‪211‬‬
‫فلو أضاعت اخلادمة بعض مشرتياهتا من السوق قبل وصوهلا املنزل ال‬
‫ضمان عليها إن مل تقصر ألن إجارهتا خاصة‪ ،‬أما لو كان حيضر حاجات‬
‫املنزل أجري مشرتك يعمل ألكثر من جهة يضمن كل ما أضاعه ولو من غري‬
‫تقصري‪ ،‬ومن حق أهل املنزل أن يغرموه ما أتلف وما أضاع قبل استالمهم‬
‫حاجاهتم‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬ما يغريه من صفة األمانة إىل الضمان فاملغري‬
‫له أشياء‪ :‬منها ترك احلفظ ألن األجري ملا قبض املستأجر فيه فقد التزم‬
‫حفظه وترك احلفظ امللتزم سبب لوجوب الضمان ‪ ...‬ومنها اإلتالف‬
‫واإلفساد إذا كان األجري متعدياً فيه ‪ ...‬وإن مل يكن متعدياً يف اإلفساد بأن‬
‫أفسد الثوب خط ًأ بعمله من غري قصده فإن كان األجري خاصاً مل يضمن‬
‫باإلمجاع‪ ،‬وإن كان مشرتكاً‪ ...‬فإنه يضمن)(‪.)1‬‬
‫أما لو تلف املتاع بعد التسلم فال ضمان عليه‪ ،‬ألن ذمة اخلادم برئت‬
‫باستالم أهل املنزل املتاع‪ ،‬وإن كان عمل األجري املشرتك يف نفس املنزل‬
‫فإنَّ عَمَلَهُ مُسَ َّلمٌ حكماً‪ ،‬فال ضمان عليه إن مل يكن متعدياً‪ ،‬قال الكاساني‪:‬‬
‫(رجل استأجر خبازاً ليخبز له قفيزاً من دقيق بدرهم‪ ،‬فخبز فاحرتق‬
‫اخلبز يف التنور قبل أن خيرجه أو ألزقه يف التنور ثم أخذه ليخرجه فوقع‬
‫من يده يف التنور فاحرتق فال أجرة له‪ ،‬ألنه هلك قبل متام العمل‪ ،‬ألن‬
‫عَمَل اخلبز ال يتم إال باإلخراج من التنور فلم يكن قبل اإلخراج خبز‪ ...‬ولو‬
‫أخرجه من التنور ووضعه وهو خيبز يف منزل املستأجر فاحرتق من غري‬
‫جنايته فله األجر وال ضمان عليه يف قول أبي حنيفة أما استحقاق األجر‬
‫فألنه فرغ من العمل بإخراج اخلبز من التنور وحصل مسلماً إىل املستأجر‬
‫لكونه يف ملك املستأجر‪ ،‬وأما عدم وجوب الضمان فألن اهلالك من‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.211‬‬
‫‪212‬‬
‫غري صنع األجري املشرتك ال يتعلق به الضمان عنده)(‪ ،)1‬وقال ابن قدامة‪:‬‬
‫(األجري املشرتك إمنا يضمن إذا كان يعمل يف ملك نفسه مثل اخلباز خيبز‬
‫يف تنوره وملكه والقصار واخلياط يف دكانيهما قال ولو دعا الرجل خبازاً‬
‫فخبز له يف داره أو خياطاً أو قصاراً ليقصر وخييط عنده ال ضمان عليه‬
‫فيما أتلف ما مل يفرط‪ ،‬ألنه سلم نفسه إىل املستأجر فيصري كاألجري‬
‫اخلاص)‪ ،‬وهو القول املفتى به عند الشافعية(‪.)2‬‬
‫ويف أي مكان مل يوجب الشرع الضمان على اخلادم يفسد اشرتاط الضمان‬
‫باإلمجاع‪ ،‬ألنه شرط خمالف للشرع(‪.)3‬‬
‫وإن كانت اإلجارة فاسدة فحكمها يف الضمان وعدمه كحكم اإلجارة‬
‫الصحية يف مجيع أحواهلا(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬ضمان ما سرق على احلرس‪ :‬قال العلماء بعدم تضمني ما سرق على‬
‫اخلادم أو البواب أو احلارس(‪ ،)5‬ألن احلارس مل يكن املال املسروق يف‬
‫يده فال ضمان عليه‪ ،‬سواء كان متخصصاً خبدمة بيت أو لعمارة أو عدة‬
‫بيوت‪ ،‬قال الشربيين‪( :‬األجري حلفظ الدكان مثالً ال ضمان عليه إذا أُخذ‬
‫ما فيه ألنه ال يد له على املال ‪ ...‬وهو مبنزلة احلارس يف الس َِّكة لو سرق‬
‫من بيت من بيوت السكة مل يكن عليه شيءٌ‪ ،‬ويعلم منه ‪ ...‬أن اخلفراء ال‬
‫ضمان عليهم)(‪.)6‬‬
‫‪ -1‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.205‬‬
‫‪ -2‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.353‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.311‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.312‬‬
‫‪ -5‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪ ,391‬وابن عابدين (حاشية رد احملتار على الدر املختار) ج‪ 6‬ص‪ ،71‬والشربيين (مغين‬
‫احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.353‬‬
‫‪ -6‬املرجع السابق ج‪ 2‬ص‪.353‬‬
‫‪213‬‬
‫‪ -4‬استعانة اخلادم بغريه‪ :‬إن كانت اخلدمة إجارة ذمة جاز أن يستعني‬
‫اخلادم بغريه يف أداء عمله‪ ،‬ويستحق بذلك أجره املتعاقد عليه‪ ،‬ألن العقد‬
‫مت على العمل فيصح أن حيصله اخلادم بنفسه أو بغريه‪ ،‬قال ابن قدامة‪:‬‬
‫(ال بأس أن يتقبَّل اخلياط الثياب بأجر معلوم ثم يَقبَلها بعد ذلك‪ ...‬سواء‬
‫أعان فيها بشيء أو مل يعن)(‪.)1‬‬
‫وإن كان اخلادم أجرياً خاصاً مل جيز له أن يستعني بغريه يف خدمته ألنه‬
‫تعني عليه العمل بالعقد‪ ،‬ولكن إن فعل ذلك استحق األجر عند احلنفية‬
‫استحساناً‪ ،‬قال الكاساني‪( :‬فإن استأجرت الظئر ظئراً أخرى فأرضعته‬
‫أو دفعت الصيب إىل جاريتها فأرضعته فلها األجر استحسانا)(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬توكيل غرية مبتابعة اخلدمة‪ :‬حبيث يرتك أداء أعمال اخلدمة لغريه‬
‫ويبقى التزام العقد متعلقاً به إىل متام استيفاء العمل‪ ،‬وهذا خيتلف‬
‫باختالف عقد اخلدمة؛ فإن كان العقد على عمل يف الذمة جاز له ذلك‬
‫ألن العقد يلزمه بالعمل سواء بنفسه أو بغريه‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬فمتى كانت‬
‫على عمل يف ذمته فمرض وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله ألنه حق‬
‫وجب يف ذمته فوجب عليه إيفاؤه)(‪.)3‬‬
‫وإن وقع عقد اخلدمة على اخلادم بعينه مل جيز له أن يوكل غريه مبتابعة‬
‫اخلدمة ألن العقد وقع على عمله ال على عمل غريه‪ ،‬يقول ابن قدامة‪:‬‬
‫(فأما إن كانت اإلجارة على عبده يف مدة و غريها فمرض مل يقم غريه‬
‫مقامه ألن اإلجارة وقعت على عمله بعينه ال على شيء يف ذمته وعمل‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.278‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.209‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.266‬‬
‫‪214‬‬
‫غريه ليس معقوداً عليه)(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬التقصري يف اخلدمة‪ :‬بأن انشغل بأمر آخر غري اخلدمة وأثناءها فأدى‬
‫به إىل تقصري يف أداءه للخدمة‪ ،‬سواء كان هذا االنشغال يف مصاحل اخلادم‬
‫نفسه أو يف مصاحل غريه‪ ،‬ويكون للمخدوم احلق يف أن يرجع على اخلادم‬
‫بقيمة ما تضرر بسبب تقصريه يف اخلدمة‪ ،‬فان مل تتأثر اخلدمة بعمله‬
‫اآلخر ال حيق للمخدوم أن يرجع عليه بقيمة شيءٍ‪ ،‬فلو كانت اخلادمة‬
‫تغزل الصوف يف أوقات فراغها وتبيعه ال جيوز أن ينقص من أجرها بسببه‬
‫شيءٌ‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬يرجع على األجري بقيمة ما استضر باشتغاله عن‬
‫عمله ألنه قال إن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة فاعترب الضرر‬
‫وظاهر هذا أن مل يستضر ال يرجع بشيء ألنه اكرتاه لعمل فوفاه على‬
‫التمام فلم يلزمه شيء كما لو استأجره لعمل فكان يقرأ القرآن يف حال‬
‫عمله فإن ضرَّ املستأجر يرجع عليه بقيمة ما فوت عليه)(‪.)2‬‬
‫‪ -7‬التأخر عن اخلدمة‪ :‬حيث يتأخر اخلادم عن وضع نفسه يف اخلدمة‬
‫املتعاقد عليها‪ ،‬مهما كان نوع اخلدمة‪ ،‬وهنا أحوال متعددة خيتلف احلكم‬
‫الشرعي للخدمة حبسب تلك احلالة‪:‬‬
‫احلالة األوىل أن تكون اخلدمة على مدة‪:‬‬
‫فإن تأخر اخلادم عن اخلدمة حتى مضت املدة انفسخ عقد اخلدمة‬
‫لفوات املنفعة املتعاقد عليها‪ ،‬قال الشربيين‪( :‬ولو أكرى عينا مدة ومل‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.266‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.269‬‬
‫‪215‬‬
‫يسلمها املكري حتى مضت تلك املدة انفسخت تلك اإلجارة لفوات املعقود‬
‫عليه قبل قبضه)(‪.)1‬‬
‫وإن مضى بعض املدة سقط حق اخلادم يف أجرة ما مضى‪ ،‬وثبت اخليار‬
‫للمخدوم فيما بقي من مدة اخلدمة إما باإلمتام أو بالفسخ‪ ،‬ويقول‬
‫الشربيين‪( :‬فإن مضى بعض املدة ثم سلمها انفسخت يف املاضي وثبت‬
‫اخليار يف الباقي)(‪.)2‬‬
‫احلالة الثانية إن كان عقد اخلدمة على عمل متعلق بالذمة‪:‬‬
‫فال حق للمخدوم بالفسخ بسبب تأخر اخلادم عن أداء خدمته‪ ،‬ألن حكمه‬
‫كحكم الدين الذي تأخر عن سداده‪ ،‬قال الشافيعة‪( :‬إجارة الذمة إذا مل‬
‫يسلم ما تستويف منه املنفعة حتى مضت املدة اليت ميكن فيها استيفاؤها‬
‫فال فسخ وال انفساخ قطعا ألهنا دين تأخر وفاؤه)(‪ ،)3‬إال إذا كان العقد قد‬
‫قرن هذه اخلدمة بزمن‪ ،‬فكانت إجارة على عمل مقرتنة بزمن‪ ،‬فإن تأخر‬
‫عن الزمن املذكور يف العقد كان عيباً يف اخلدمة لفوات وصف يعطي‬
‫املخدوم خيار الفسخ بسبب التأخر‪.‬‬
‫‪ -8‬هروب اخلادم‪ :‬إذا هرب اخلادم وكان أجرياً خاصاً كش َّغالة البيت‬
‫مثالً كان للمخدوم خيار الفسخ فإن مل يفسخ عادت اخلدمة بعودهتا‪،‬‬
‫وإن مل تعد حتى انتهت مدة العقد انفسخت اخلدمة لفوات املعقود عليه‪،‬‬
‫وللخادمة أجر ما عملت‪.‬‬
‫وإن كان عقد اخلدمة على عمل يف الذمة فهرب اخلادم قبل إمتام العمل؛‬
‫فإن شاء فسخ وللخادم أجر ما عمل إن كان ذا قيمة وإن شاء صرب حتى‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.360‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ج‪ 2‬ص‪.360‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 2‬ص‪.360‬‬
‫‪216‬‬
‫يتمكن من االستيفاء‪ ،‬ألن العمل دين ال يفوت مبرور الزمن‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬إذا هرب األجري‪ ...‬أو منعه استيفاء املنفعة منها من غري‬
‫هرب مل تنفسخ اإلجارة لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فإن فسخ فال‬
‫كالم وإن مل يفسخ انفسخت اإلجارة مبضي املدة يوماً فيوماً‪ ،‬فإن عادت‬
‫العني يف أثناء املدة استوفى ما بقي منها فإن انقضت املدة انفسخت‬
‫اإلجارة لفوات املعقود عليه‪.‬‬
‫وإن كانت اإلجارة على موصوف يف الذمة‪ ...‬فإن فسخ فال كالم وإن مل‬
‫يفسخ وصرب إىل أن يقدر عليه فله مطالبته بالعمل ألن ما يف الذمة ال‬
‫يفوت هبربه)(‪.)1‬‬
‫‪ -9‬اخليانة‪ :‬إذا ثبت عند املخدوم خيانة اخلادم بسرقة مثالً كان له خيار‬
‫الفسخ؛ ألنه عيب شنيع يف اخلدمة‪ ،‬سئل اإلمام مالك عن فسخ عقد‬
‫اخلدمة خبيانة اخلادم‪( :‬أرأيت إن استأجرت عبداً للخدمة فإذا هو سارق‬
‫هل تراه عيباً يرده به على سيده وتفسخ اإلجارة قال نعم كذلك هذا يف‬
‫البيوع عندي واإلجارة مثله سواء)(‪.)2‬‬
‫‪ -10‬مرض اخلادم‪ :‬كأن يعرتض اخلدمة مرض اخلادم لبضعة أيام‪ ،‬فإن‬
‫كان املرض ال يضعفه عن اخلدمة مل يؤثر على عقد اخلدمة‪ ،‬وإن كان‬
‫املرض العارض قليالً يتسامح به يف العرف مل يؤثر كذلك على العقد‪ ،‬فأن‬
‫طال املرض كان للمخدوم أن يفسخ أو ينتظر شفاء اخلادم أو ينيب اخلادم‬
‫غريه يف اخلدمة إن رضي املخدوم‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.262‬‬
‫‪ -2‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪.436‬‬
‫‪217‬‬
‫أما يف اخلدمة املتعلقة يف الذمة كعامل التنظيف إن مرض وجب عليه أن‬
‫يرسل بدله‪ ،‬ألنه مل يتعني شخصه للخدمة‪ ،‬قال ابن قدامة‪( :‬ومن استؤجر‬
‫لعمل شيء بعينه فمرض أقيم مقامه من يعمله واألجرة على املريض‪...‬‬
‫وال جيب على املستأجر إنظاره ألن العقد بإطالقه يقتضي التعجيل ويف‬
‫التأخري إضرار به‪.‬‬
‫فأما إن كانت اإلجارة على عبده يف مدة و غريها فمرض مل يقم غريه‬
‫مقامه ألن اإلجارة وقعت على عمله بعينه ال على شيء يف ذمته وعمل‬
‫غريه ليس معقوداً عليه)(‪.)1‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة ( املغين ) ج‪ 5‬ص‪.266‬‬
‫‪218‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عوارض اخلدمة بسبب املستخدِم‬
‫‪ -1‬أذية اخلادم أو إهالكه‪ :‬إذا تسبب املخدوم للخادم بأذية أو هالك أثناء‬
‫اخلدمة كأن أمر اخلادمة بعمل فسقطت أثناء عملها فكسرت أو عطبت‪،‬‬
‫ال يضمن املستخدم إال إذا تعدى بأن ألزمها بعمل غري معتاد أو غري متفق‬
‫عليه يف العقد(‪ ،)1‬سُئل مالك‪( :‬أرأيت إن استأجرت عبدا للخياطة‪ ...‬فإن‬
‫استعملته يف غري اخلياطة فعطب أأضمن أم ال‪ ،‬قال‪ :‬إن كان عمالً يعطب‬
‫يف مثله ضمنت)(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬أتالف بعض متاع اخلادم‪ :‬فإن أتلف املستخدِم بعض متاع اخلادم‬
‫ضمن ألنه غري مأذون باستخدامها فيضمن بسبب التعدي‪ ،‬سواء تلفت‬
‫بيد رب املنزل أو بعبث صغاره هبا‪.‬‬
‫‪ -3‬إرهاق اخلادم‪ :‬لو أرهق املخدوم اخلادم مبشقة غري معتادة يف العمل‪،‬‬
‫كأن استخدمه ساعات عمل أكثر مما هو متعارف عليه‪ ،‬أو استخدمه يف‬
‫وقت اسرتاحته‪ ،‬وحتديد املشقة مرجعه العادة و العرف‪ ،‬فإن حصل هذا‬
‫اإلرهاق كان تعدياً من املخدوم يُحمِّله ضمان ما حيصل من أذى‪ ،‬وإخالالً‬
‫بعقد اخلدمة يعطي اخلادم خيار الفسخ أو أجرة املثل فيما زاد عليه من‬
‫عم ٍل غري معقود عليه‪ ،‬جاء يف املدونة‪( :‬قلت أرأيت من استأجر أجرياً‬
‫للخدمة أيل أن استخدمه الليل والنهار‪ ،‬قال‪ :‬تستخدمه كما يستخدم‬
‫الناس األجراء لليل خدمة وللنهار خدمة وخدمة الليل ما قد عرفها الناس‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.355‬‬
‫‪ -2‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪.434‬‬
‫‪219‬‬
‫من سقيه املاء للمؤاجر ومن قيامه الليل يناوله حلافا وما أشبه هذا‪.‬‬
‫فأما أن يستخدمه خدمة متنعه النوم فليس له ذلك إال أن تعرض له‬
‫احلاجة هي من خدمة العبد املرة بعد املرة فال بأس أن يستعمله فيها يف‬
‫بعض ليله وإمنا هذا على ما يعرف الناس)(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬تشغيل اخلادم عند غريه‪ :‬ملا ملك املخدوم منافع اخلدمة طيلة مدة‬
‫العقد كان له احلق باستيفائها بنفسه أو بغريه سواء باإلجارة واإلعارة‪،‬‬
‫جاء يف املدونة‪( :‬قلت أرأيت إن استأجرت عبدا خيدمين فآجرته من غريي‬
‫أجيوز هذا يف قول مالك قال إن آجرته يف مثل عمله الذي كان يعمل لك‬
‫فال بأس به)(‪ ،)2‬فمن حق ربة املنزل أن ترسل خادمتها إىل بيت أختها مثالً‬
‫لتعمل فيه إن مل حيتج البيت الثاني خلدمة أكثر‪ ،‬و بشرط أال جتمع عليها‬
‫خدمة بيتني معاً ألنه عمل زائد غري متعاقد عليه‪ ،‬فلو أرسلت خادمتها‬
‫شهراً خلدمة أختها ملرضها على سبيل املثال جاز هلا‪ ،‬أما أن تعمل عندها‬
‫هناراً وتعمل يف بيت أختها ليالً فال جيوز إال إذا أعطيت أجرة العمل‬
‫الزائد(‪.)3‬‬
‫‪ -5‬تشغيل اخلادم يف عمل غري خدمته املتعاقد عليها‪ :‬فان استأجر‬
‫خادمة للطهي وعمل املطبخ‪ ،‬فليس للمستخدم أن يلزم اخلادمة برعاية‬
‫أطفاله إال برضاها وأن يزيد هلا باألجر إن زاد العمل‪ ،‬إال أن تكون الزيادة‬
‫بالعمل ألمر طارئ ومؤقت‪ ،‬حبيث يتسامح به يف العادة‪ ،‬جاء يف املدونة‪:‬‬
‫(قلت أرأيت إن استأجرت عبداً للخياطة كل شهر بكذا وكذا أيكون يل أن‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪11‬ص‪.434‬‬
‫‪ -2‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪11‬ص‪.434‬‬
‫‪ -3‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.277‬‬
‫‪220‬‬
‫أستعمله غري اخلياطة يف قول مالك قال‪ :‬ال يكون لك أن تستعمله إال يف‬
‫اخلياطة)(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬حبس اخلادم من غري سبب‪ :‬أو من غري شرط إذا كانت إجارة ذمة‪،‬‬
‫كعامل التنظيف الذي دخل املنزل لتنظيفه خالل يوم مثالً‪ ،‬قال الكاساني‪:‬‬
‫(وليس للمسرتضع أن حيبس الظئر يف منزله إذا مل يشرتط ذلك عليها(‪.)2‬‬
‫أما إجارة العني فللمخدوم حبس اخلادم طيلة مدة اخلدمة الحتمال‬
‫احتياجه للخدمة يف غيبته‪ ،‬واألجرة مستحقة أصالً باالحتباس ومضي‬
‫الوقت‪.‬‬
‫ولكن ال ننسى أن من حق اخلادمة اخلروج من املنزل يف أوقات حمددة‬
‫بالشرط أو بالعرف كأيام اجلمع أو األعياد‪ ،‬أو األحد أو السبت إن كانت‬
‫اخلادمة غري مسلمة‪ ،‬لالسرتاحة وقضاء احلوائج اخلاصة‪ ،‬وذلك ضمن‬
‫ضوابط الشرع‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪.434‬‬
‫‪ -2‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.209‬‬
‫‪221‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التعديل يف عقد اخلدمة‬
‫يف هذه احلالة يبقى املتعاقدان حمافظان على عقد اخلدمة بشكل عام‬
‫ولكن مع بعض التعديل على صيغته‪ ،‬فيكون التعديل يف نوع اخلدمة أو‬
‫صفتها أو ينزل املستخدِم مكانه يف العقد مستخدِماً آخر‪ ،‬أو ينقل اخلادم‬
‫التزام اخلدمة خلادم آخر‪.‬‬
‫وغالباً ما تبقى صيغة العقد املكتوبة نفسها فال جيد املتعاقدان حاجة‬
‫لتغيريها‪:‬‬
‫‪ -1‬تعديل يف نوع اخلدمة‪ :‬بأن تطلب ربة املنزل من الطاهية أن تتخلى‬
‫عن طهوها وتقوم برعاية األطفال‪ ،‬فإن كان العقد نص على الطهو ال‬
‫جيوز أن تلزم اخلادمة بالعمل اجلديد‪ ،‬ألن العقد ال يلزمها به‪ ،‬إال إن‬
‫رضيت فحكمه حكم التعاقد األول ألنه مبين على الرتاضي‪ ،‬أما إن كانت‬
‫صيغة العقد عامة يف خدمة املنزل فليس للخادمة خيار إن أرادت ربة‬
‫املنزل تغيري عمل اخلادمة من طهو إىل حضانة أو غري ذلك‪ ،‬سئل مالك‪:‬‬
‫(أرأيت إن آجرت عبداً يل أو آجرت نفسي يف اخلياطة شهراً فأردت أن‬
‫أحول إجارتي تلك يف عمل الطني أو يف الصباغة أو يف القصارة أجيوز‬
‫هذا أم ال‪ ...‬قال مالك‪ :‬ال يصلح إال أن يكون الشيء اليسري)(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬تعديل يف صفة اخلدمة‪ :‬كتغيري ساعات العمل أو نظام اخلدمة‪،‬‬
‫كالتبديل بني خدمة النهار خبدمة الليل بسبب تغري ظروف عمل ربة‬
‫املنزل مثالً‪ ،‬فهذا من حق املستخدِم ألن اخلادم حمبوس على خدمة من‬
‫تعاقد على خدمته‪ ،‬وال مينع ربة املنزل من ذلك إال إذا نص عقد اخلدمة‬
‫على صفة حمددة للخدمة‪ ،‬عندها يكون من حق اخلادمة أن متتنع على‬
‫‪ -1‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪11‬ص‪433‬‬
‫‪222‬‬
‫اخلدمة إال على الصفة اليت حددها العقد‪ ،‬وللعرف قوة الشرط يف هذا‪،‬‬
‫تراض على التعديل فهو جائز قطعاً‪.‬‬
‫وأما إن حصل‬
‫ٍ‬
‫‪ -3‬نقل االلتزام باخلدمة ملسخدِم آخر‪ :‬مع بقاء عقد اخلدمة األول‪،‬‬
‫حبيث تستغين ربة املنزل عن اخلادمة‪ ،‬فتنقلها ملنزل آخر ضمن عقد‬
‫اخلدمة نفسه‪ ،‬فهذا جائز ألن املخدوم ملك منفعة اخلادم طيلة مدة عقد‬
‫اخلدمة ومن حقه التصرف هبا‪ ،‬وقد مر معنا قول اإلمام مالك حني سئل‪:‬‬
‫(إن استأجرت عبداً خيدمين فآجرته من غريي أجيوز هذا يف قول مالك‬
‫قال‪ :‬إن آجرته يف مثل عمله الذي كان يعمل لك فال بأس به)(‪ ،)1‬فاألمر‬
‫سيان فيما لو ختلى عن جزء من اخلدمة أو كلها‪.‬‬
‫وختتلف حال اخلدمة هنا عن إجارة اخلادم(‪ ،)2‬بأن االلتزامات اليت كانت‬
‫متعلقة بذمة املخدوم األول انتقلت مجيعها إىل املخدوم الثاني من أجرة‬
‫وغريها يف احلالة هذه‪.‬‬
‫‪ -4‬نقل اإللزام باخلدمة خلادم آخر‪ :‬وال يصح إال برضا املستخدِم إن‬
‫كانت اخلدمة إجارة خاص ًة أو إجارة ذمةٍ وكان اخلادم معيناً بالعقد‪ ،‬ورد‬
‫يف املدونة عن مالك‪( :‬أرأيت إن استأجرت أجرياً يرعى يل غنمي هذه‬
‫فأتاني بغريه يرعى مكانه؟ قال‪ :‬ال يكون له ذلك وإمنا رضي أمانتَه ربُ‬
‫الغنم وجزاءه وكفايته إمنا استأجره ببدنه)(‪.)3‬‬
‫أما إن كان اخلادم غري معني جاز أن يستبدل اخلادم بغريه ولو من غري رضا‬
‫املخدوم ألن املتعاقد عليه منفعة اخلدمة وهي حتصل به وبغريه‪.‬‬
‫‪ -1‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪.434‬‬
‫‪ -2‬املذكورة يف الفقرة الرابعة من املطلب السابق‪.‬‬
‫‪ -3‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪.438‬‬
‫‪223‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫أخطار اخلدمة يف البيوت‬
‫املطلب األول‪ :‬العوامل املسببة ألخطار اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬األخطار الناشئة عن اخلدمة يف البيوت‪.‬‬
‫‪224‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أخطار اخلدمة يف البيوت‬
‫البيت هو مكان سكن اإلنسان وطمأنينته يتجلى فيه معنى السكن املادي‬
‫واملعنوي‪ ،‬ففيه يسرتيح من متاعب عمل اليوم‪ ،‬وفيه يسعد أفراد األسرة‬
‫باجتماعهم على الطعام أو السمر‪.‬‬
‫من خالل هذا احلصن األمني يتعرف الفرد على احلياة ويفهمها‪ ،‬وفيه‬
‫يتلقى الطفل العقيدة منذ اللحظات األوىل ليبقى مصطبغاً هبا بعد ذلك‬
‫طيلة حياته‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪« :‬ما من مولود إال يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو‬
‫ميجسانه»(‪.)1‬‬
‫وكذلك اآلداب واألخالق والسلوك‪ ،‬وكل جوانب شخصيته تُسبك ضمن‬
‫هذه املؤسسة الصغرية يف حجمها الكبرية يف عملها‪ ،‬قراراهتا يف نظره‬
‫صحيحة وقيمها مطلقة وأحكامها مربمة‪ ،‬تبقى مع الفرد منذ والدته حتى‬
‫يصلب عوده وتكتمل شخصيته ويعتمد على نفسه‪.‬‬
‫هذه املؤسسة اخلطرة اليت تصنع األفراد وتصوغ عقائدهم وسلوكهم تُدار‬
‫من قبل شخصني قد فطرمها اهلل سبحانه على حب أطفاهلما واحلرص‬
‫على مصاحلهم‪ ،‬املديران مها األم واألب‪.‬‬
‫ولكن ظروف احلياة قد ال تدع هلما االنفراد هبذا العمل بل تسمح ليد‬
‫أخرى أن متتد لتشاركهم مهامهم يف املنزل‪ ،‬ورمبا لتنفرد هذه اليد الغريبة‬
‫بتلك املهام‪ ،‬سواء كانت مربية أو خادمة أو أي شخص يقوم بعمل آخر‬
‫داخل املنزل ويشارك أهل البيت حياهتم‪.‬‬
‫فهل هذه اليد اخلادمة –على اختالف أشكاهلا‪ -‬على مستوى من األمانة‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 1‬ص‪ 456‬برقم‪.1292 :‬‬
‫‪225‬‬
‫واحلرص على مصاحل األسرة واإلدراك ألبعاد خطورة هذه املشاركة؟‬
‫اجلواب حتماً‪ :‬ال‪ !.‬بل رمبا محلت اخلدمة يف طياهتا كثرياً من الشرور‬
‫على األبوين أنفسهم‪ ،‬وقد جتر أحدمها إىل مهاوي الضالل والرزيلة‪ ،‬إن‬
‫مل يعتصم بدين اهلل سبحانه‪.‬‬
‫معنى هذا الكالم أن دخول اخلادم أو اخلادمة املنزل بشكل غري مقيد أو‬
‫مضبوط يعين زعزعة كيان األسرة ورمبا دمارها‪ ،‬وإن أخطاراً عظيمة‬
‫ستنتج عن ترك هذه اخلدمة تؤدى بشكل غري مضبوط‪ ،‬وهذه األخطار ال‬
‫بد لنا من التعرف على أسباهبا أو ًال وعلى مدى ضررها ثانياً لكي نتمكن‬
‫من ضبطها وتقييدها لعلنا ننجو من شرها‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪226‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب األول‪ :‬العوامل املسببة ألخطار اخلدمة‬
‫يعد دخول اخلدم للبيوت مشكلة كبرية يف واقعنا املعاصر‪ ،‬بسبب عدم‬
‫خضوع معظم الناس لضوابط دينية أو أخالقية‪ ،‬ولسيطرة األفكار اإلحلادية‬
‫والنفعية على معظم سكان املعمورة‪ ،‬حتى وإن دفعتهم عصبياهتم إلعالن‬
‫االنتماء لشريعة مساوية أو غري مساوية‪ ،‬فهذه العقيدة املعلنة ال تعدو أن‬
‫تكون مظهراً عصبياً و (فلكلوراً) شعبياً يف طقوسه وعباداته‪.‬‬
‫وبالتايل قل العدل وكثر الظلم‪ ،‬وصرنا نرى أشكاالً من االضطهاد‬
‫واالستغالل متارس ضد اخلدم يف البيوت بسبب ذلك‪ ،‬وباملقابل فليس‬
‫اخلدم أحسن حاالً من خمدوميهم بل يقوم كثري من اخلدم بالتعدي وخيانة‬
‫األمانة اليت أوكلت إليهم من صيانة البيت ورعاية األوالد‪ .‬ووسائل اإلعالم‬
‫بشتى أشكاهلا تبني كثرياً من جوانب هذه املشكلة(‪.)1‬‬
‫وجمتمعاتنا اإلسالمية ليست مبنأى عن هذا الضياع والتخبط العاملي(‪،)2‬‬
‫فالدراسات امليدانية اليت أجريت على اخلادمات يف البيوت يف دول اخلليج‬
‫العربي ‪-‬حيث تنتشر فيه هذه الظاهرة أكثر من الدول العربية األخرى‪-‬‬
‫تبني هذه الدراسات كثري من اجلوانب اخلطرة يف هذا االستخدام‪ ،‬إضافة‬
‫إىل تزايد أعداد تلك اخلادمات‪ ،‬حيث وصل تعداده يف عام ‪1990‬م إىل‪:‬‬
‫(«مليون ونصف مليون مربية أطفال يف اخلليج»)(‪.)3‬‬
‫وأنا بدوري سأستفيد من بعض هذه الدراسات من خالل نظرة حتليلية‬
‫الستخالص أهم األخطار الناشئة عن اخلدمة يف البيوت ومعرفة العوامل‬
‫‪ -1‬راجع موقع "منظمة حقوق اإلنسان" على الرابط‪http:hrw.orgarabic :‬‬
‫‪ -2‬راجع كتاب "يف بيوتنا قنابل موقوتة‪ ،‬السائق واخلادمة" إعداد حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬جدة‪ ،‬اخلدمات احلديثة‬
‫للنشر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1418‬هـ ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪.‬ص‪ 16‬عن صحيفة "املسلمون" يف عددها‬
‫رقم‪ 303 :‬الصادر يوم ‪1990/11/9‬م‪.‬‬
‫‪227‬‬
‫املسببة هلا‪.‬‬
‫وكان اعتمادي يف هذه الدراسة بشكل أساسي على حبثني‪:‬‬
‫األول حبث بعنوان (خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم) للمؤلف‬
‫الدكتور خالد أمحد الشنتوت‪ ،‬مجع من خالله نتائج عدة دراسات سابقة‬
‫موزعة على عدة أماكن من دول اخلليج ثم قام بدراسة عليها‪ ،‬ووصل إىل‬
‫أهم أخطار املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم يف جمتمعاتنا‪.‬‬
‫والبحث الثاني للباحثة (نورة إبراهيم العيدان) بعنوان (ظاهرة اخلدم يف‬
‫األسرة السعودية) وهو حبث اجتماعي ميداني لظاهرة اخلدم يف مدينة‬
‫الرياض‪.‬‬
‫مع بعض الفروق بني إحصائيات اململكة السعودية مقارنة بغريها من دول‬
‫اخلليج كون األسرة السعودية حمافظة نسبياً‪.‬‬
‫وانطالقاً من هذه الدراسات سأقوم بعرض األسباب قبل ذكر األخطار‬
‫ليكون الربط بينهما ربطاً واقعياً‪.‬‬
‫وأهم هذه األسباب‪:‬‬
‫‪ -1‬االختالط‪ :‬املقصود باملخالطة هي مشاركة اخلادمة ألهل املنزل اليت‬
‫ختدم فيه يف جملسها أو مأكلها أو مشرهبا وحتى مبيتها يف غرفة نوم‬
‫األوالد كما حيصل يف أكثر األحيان‪ ،‬ولو كان من غري خلوة‪.‬‬
‫فهذا االختالط يدفع لكثري من احملرمات؛ كالنظ ِر احملرم‪ ،‬واخلضو ِع‬
‫بالقول الذي هنى عنه سبحانه بقوله‪َ { :‬فلاَ تَ ْخ َ‬
‫ضعْنَ ِبالْ َقوْ ِل َفي َْطمَعَ‬
‫ا َّلذِي فِي َقل ْ ِبهِ مَرَضٌ وَ ُقلْنَ َقوْلاً مَّعْرُو ًفا } [األحزاب‪ ،]32:‬وكاالطال ِع على‬
‫العورات خاصة عند املخالطة يف املبيت يف غرفة النوم‪ ،‬مع ضعف الوازع‬
‫‪228‬‬
‫الديين‪ ،‬إضافة إىل أن اخلادمة لو كانت مسلمة فهي من بيئة جاهلة بدينها‬
‫على أقل تقدير‪ ،‬فكيف إذا كانت غري مسلمة ليس عندها أحكام عورة أو‬
‫حجاب أو فكرة احلالل واحلرام؟!‬
‫مع ذلك فإن حتاشي االختالط يبدو أنه ليست مسألة حتظى باهتمام كثري‬
‫من ذوي اخلدم‪ ،‬وظاهرة ختصيص غرفة مستقلة للخادمة ال تظهر إال يف‬
‫اململكة العربية السعودية لكوهنا بيئة حمافظ ٌة نسبياً‪ ،‬حيث أن ‪ ٪60.7‬من‬
‫هذه األسر هناك ختصص للخادمة غرفة مستقلة كي ال ختالط األبناء(‪.)1‬‬
‫والواقع املُر يبدو مثالً‪( :‬يف مقابلة مع بعض األسر أشرن إىل أن تواجد‬
‫(‪)2‬‬
‫السائق يف املنزل أهم من تواجد رب األسرة‪ ،‬ألن غياب األول يعطل حيزاً‬
‫من املصاحل‪،‬حتى إن بعضهن قلن‪ :‬ال يهمين سفر زوجي إذا كان متوفراً‬
‫لدي السائق)(‪.)3‬‬
‫وقد نبه فقهاء املسلمني على عدم جواز االستخدام إذا كان ينطوي على‬
‫مشكلة االختالط بني اخلادمة والرجال األجانب أو بني اخلادم والنساء‬
‫غري احملارم(‪ ،)4‬يقول الكاساني‪( :‬أما اخللوة فألن اخللوة باملرأة األجنبية‬
‫معصية وأما االستخدام فألنه ال يؤمن معه االطالع عليها والوقوع يف‬
‫املعصية)(‪ .)5‬وهذا الكالم ينطبق على الشغالة و املربية والسائق والبواب‬
‫وغريهم من اخلدم‪.‬‬
‫‪ -2‬اخللوة‪ :‬املقصود خبلوة الرجل باملرأة األجنبية يف املنزل هو انفرادمها‬
‫‪ -1‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ -2‬هكذا وردت (تواجد) والصواب (وجود)‬
‫‪ -3‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم‪( ،‬ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية )‪ ،‬ص‪145‬‬
‫‪ -4‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪ ،189‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪ ،432‬والشربيين (مغين احملتاج) ج‪3‬‬
‫ص‪ ،433‬وابن قدامة (املغين) ج‪ 8‬ص‪.160‬‬
‫‪ -5‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪.189‬‬
‫‪229‬‬
‫فيه أو يف إحدى حجره حبيث يأمنان دخول أحد عليهما ولو لوقت قصري‪،‬‬
‫وهذا أمر متوقع احلدوث يف كل البيوت اليت تستأجر اخلدم‪ ،‬ألن اصطحاب‬
‫ربة املنزل للخادمة معها يف كل خروج هلا من املنزل عبءٌ ثقي ٌل مت ُّله على‬
‫مر األيام‪ ،‬ثم ترتكه وتفتح الفرص الكثرية للخلوة بني اخلادمة وأحد أفراد‬
‫األسرة الذكور‪ ،‬هذه الفرص احملفوفة بكثري من حسن الظن املتزايد على‬
‫مر األيام ال يرضى الشيطان بتفويتها أبداً‪ ،‬فعن عمر بن اخلطاب رضي‬
‫اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬أال ال خيلون رجل‬
‫بامرأة إال كان ثالثهما الشيطان»(‪.)1‬‬
‫ونفس هذا احلال ينطبق على اخلادم سائقاً كان أو غريه خبلوته مع ربة‬
‫املنزل أو إحدى بناهتا‪ ،‬وهذه اخللوة من اخلطورة مبكان وخاصة إذا علمنا‬
‫أن ‪ ٪68.3‬من اخلادمات يف منطقة اخلليج تقل أعمارهن عن العشرين(‪،)2‬‬
‫إضافة إىل أن متوسط أعمار ربات األسر ‪31‬عاماً ومتوسط أعمار أرباب‬
‫األسر ‪ 37‬عاماً(‪ ،)3‬وقد جزم العلماء بعدم جواز االستخدام إذا كان ينطوي‬
‫على اخللوة(‪ ،)4‬قال احلطاب‪( :‬وال جيوز استئجار األعزب املرأة لتخدمه‬
‫يف بيته مأموناً كان أو غريه‪ ،‬فإن كان له أهل جاز إن كان مأموناً وكانت‬
‫املرأة متجالة(‪ )5‬ال أرب للرجال فيها)(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬تربية األوالد‪ :‬من األسباب اليت تزيد من خطورة االستخدام يف واقعنا‬
‫هو استئمان فلذات أكبادنا عند اخلادمات‪ ،‬ليقمن برتبيتهم ورعايتهم وفق‬
‫‪ -1‬الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج‪ 4‬ص‪ 465‬برقم‪.2165 :‬‬
‫‪ -2‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ -3‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم‪( ،‬ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫‪ -4‬الكاساني (بدائع الصنائع) ج‪ 4‬ص‪ ،189‬مالك بن أنس (املدونة الكربى) ج‪ 11‬ص‪ ،432‬والشربيين (مغين احملتاج) ج‪3‬‬
‫ص‪ ،433‬وابن قدامة (املغين) ج‪ 8‬ص‪.160‬‬
‫‪ -5‬جاء يف لسان العرب‪( :‬امرأة قد جتالت أي أسنت وكربت) ج‪ 11‬ص‪.166‬‬
‫‪ -6‬احلطاب (مواهب اجلليل) ج‪ 5‬ص‪.393‬‬
‫‪230‬‬
‫معايري ومبادئ مشوهة تنتمي إىل جمتمعات ختالفنا يف القيم والسلوك‬
‫والعقيدة‪ ،‬أو من جمتمعات جاهلة على أحسن تقدير‪.‬‬
‫وهكذا تنشأ أجيال غريبة عن أمتنا شكالً ومضموناً‪ ،‬تشري دراسة (إبراهيم‬
‫خليفة) بعنوان (املربيات األجنبيات يف البيت العربي اخلليجي(‪ )1‬أن ‪٪68.3‬‬
‫من املربيات تقل أعمارهن عن العشرين وليس هلن دراية بالرتبية‪ ،‬إضافة‬
‫إىل أن استقدام املربيات يتم وفق شروط غري كافية من الناحية الصحية‪.‬‬
‫وقد أرخت األسرة –يف جممعاتنا‪ -‬للخادمة العنان يف تويل أمور األوالد‬
‫فإن ‪ ٪50‬من األسر املدروسة تقوم فيها املربيات باإلشراف الكامل على‬
‫إفطار األبناء وارتداء مالبسهم‪ ،‬و‪ ٪41‬من األسر تركت للمربيات حتى‬
‫اإلشراف على لعب األطفال‪.‬‬
‫ويف األسرة السعودية ‪ ٪56‬من اخلادمات جيلسن مع األطفال يف غياب‬
‫األم و‪ ٪41.3‬يتولني إطعامهم‪ ،‬و‪ ٪38.7‬يتولني لباسهم(‪.)2‬‬
‫كل هذا يتم والطفل ال يزل يف مراحل حياته األوىل يتلقى كل ما يأخذ‬
‫من اخلادمة مبطلق التسليم‪ ،‬وقد أشارت الدراسات السابقة أن استقدام‬
‫املربيات ينتشر عند األسر اليت لديها أكثر من طفل واحد‪ ،‬وتقل أعمارهم‬
‫عن ست سنوات‪ ،‬ويف دراسة (نورة العيدان) بلغ ‪ ٪50,3‬من أطفال األسر‬
‫املخدومة يف السعودية ال يتجاوز عمرهم اخلامسة عشر(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬اختالف الدين‪ :‬دلت الدراسات امليدانية يف أحد أقطار اخلليج(‪)4‬على‬
‫أن‪ ٪43 :‬من هذه املربيات هنديات و‪ ٪34‬سريالنكيات و‪ ٪9‬فيلبينيات و‪٪8‬‬
‫‪ -1‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪ -2‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم‪( ،‬ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫ال عن صحيفة «املسلمون» يف‬
‫‪ -4‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪ 16‬نق ً‬
‫(‪1991 / 1 / 25‬م)‪.‬‬
‫‪231‬‬
‫عربيات و‪ ٪3‬كرديات و‪ ٪1.5‬إنكليزيات‪ .‬أما دين هؤالء املربيات فعلى‬
‫النحو التايل‪ ٪42 :‬مسيحيات و‪ ٪34‬بوذيات و‪ ٪19‬وثنيات و‪ ٪5‬مسلمات‪.‬‬
‫أما يف السعودية فبلغت نسبة اخلادمات املسلمات ‪ ٪41‬لكوهنا بيئة‬
‫حمافظة(‪.)1‬‬
‫تُرى على أي أساس ستقوم هذه اخلادمة على رعاية البيت وصيانته بعد‬
‫أن أوكل األبوان هلا هذه املهمة اخلطرية؟! هل يُربى األوالد على الديانة‬
‫البوذية وينظف البيت على الطريقة الوثنية؟ رمبا مل خيطر ببال األبوين‬
‫هذا السؤال‪ !.‬أو رمبا وجدا أن (األتكيت) يستحق كل هذه التضحية!!‬
‫‪ -5‬غياب األبوين‪ :‬إن املصيبة ستكون أدهى وأمر إذا كانت اخلادمة تعمل‬
‫بغياب األبوين عن البيت‪ ،‬ويبدو هذا واضحاً إذا علمنا أن من أهم أسباب‬
‫استقدام اخلادمات يف جمتمعاتنا هو خروج املرأة من املنزل‪ ،‬ويف دراسة‬
‫ميدانية أجريت يف الكويت تبني أن من أهم الدوافع الستقدام اخلادمات‬
‫هو خروج املرأة للعمل خارج املنزل وغياهبا عن أطفاهلا(‪ ،)2‬ويف السعودية‬
‫كان الدافع ‪ ٪60‬لالستقدام بسبب اخلروج من البيت للعمل والدراسة(‪،)3‬‬
‫من ثَم ترتك األطفال واملنزل يف عهدة أولئك اخلدم‪ ،‬ليتسنى هلم حرية‬
‫التصرف يف البيت وأهله وفق ما متلي عليهم معتقداهم وأهواؤهم بال‬
‫رقيب وال حسيب‪.‬‬
‫واألسرة السعودية هي أسرة حمافظة نسبياً يرتك فيها ‪ ٪57.4‬من ربات‬
‫البيوت أبناءهم يف غيبتم بعهدة اخلادمات(‪ ،)4‬بل إن معظم األطفال تبقى‬
‫‪ -1‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم‪( ،‬ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)‪ ،‬ص‪.102‬‬
‫‪ -2‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ -3‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم‪( ،‬ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)‪ ،‬ص‪.130‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫‪232‬‬
‫مع اخلادمة بني ‪ 8 - 4‬ساعات يومياً(‪.)1‬‬
‫كيف تُرى سيتعاملون هؤالء اخلدم مع األوالد؟ هل سيحفظون حرمة‬
‫البيت؟‬
‫إن النتيجة املتوقعة يف ضوء الدراسة اليت تقول أن ‪ ٪14‬من اخلادمات‬
‫يستقبلن أصدقاءهن من الرجال يف البيوت اليت يعملن فيها‪ ،‬و‪٪8.7‬‬
‫يزرن أصدقاءهن الرجال يف منازهلم‪ ،‬و‪ ٪58.6‬حيبذن ممارسة اجلنس‬
‫قبل الزواج‪ ،‬و‪ ٪51.18‬يشرحن عن حياة األطفال يف جمتمعاهتن ألطفال‬
‫البيوت اليت يعملن فيها‪ ،‬كما أن ‪ ٪2.5‬قالت إن شرب اخلمور يف جمتمعاهتن‬
‫مباح حتى لألطفال(‪.)2‬‬
‫ماذا عسى أولئك اخلدم سيفعلون يف غيبة األبوين عن املنزل؟! إن مجيع‬
‫تلك اهلوايات ستمارس بال ريب داخل جدران تلك البيوت‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪ -2‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪233‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬األخطار الناشئة عن اخلدمة يف البيوت‬
‫من خالل األخطار الواردة يف املطلب السابق نستطيع القول أن اخلدمة‬
‫صارت يف صيغتها احلالية تشكل خطراً يهدد األسر املسلمة يف دينها‬
‫ودنياها حلد تشويه معامل شخصيتها من لغة ودين وسلوك‪ ،‬وخاصة‬
‫عندما صارت اخلدمة تعتمد على أفراد غرباء عن األمة يف دينهم ولغتهم‬
‫وسلوكهم وعاداهتم‪.‬‬
‫وما األخطار السابقة من خمالطة وخلوة وغيبة األبوين عن املنزل واختالف‬
‫دين اخلدم وتوكيل تربية األوالد إليهم ما هي إال معاول هدامة يف البيت‬
‫املسلم‪ ،‬ختلف فيه الكوارث والدمار‪.‬‬
‫ومنر على أهم هذه األخطار فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬خطر اخلدمة يف البيوت على عقيدة أفراد األسرة‪:‬‬
‫يبدو أن احنراف أفراد األسرة عن العقيدة اإلسالمية الصحيحة هو‬
‫نتيجة مؤكدة لقيام اخلادمات غري املسلمات(‪)1‬على تربية األوالد‪ ،‬حيث‬
‫يوجهن األطفال بالقول والفعل إىل عقائدهن املغايرة لعقيدتنا‪ ،‬حتى إن‬
‫‪ ٪25‬من اخلادمات يكلمن األوالد بصراحة يف قضايا الدين والعقيدة(‪،)2‬‬
‫أما اخلادمات األخريات فيغرسن عقائدهن يف األوالد من خالل األساطري‬
‫والقصص اليت حيكينها هلم‪ ،‬أما الدعوة الفعلية فيتجلى يف ممارسة ‪٪97.5‬‬
‫منهن لطقوسهن الدينية(‪)3‬على مرأى من األوالد‪.‬‬
‫كل هذا حيدث والطفل بعيد عن توجيه أبويه ورعايتهم‪ ،‬فهو مل يعرف دينه‬
‫‪ -1‬مر سابقاً يف دراسة ميدانية يف إحدى الدول اخلليجية أن نسبة اخلادمات املسلمات ‪.٪ 5‬‬
‫‪ -2‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪234‬‬
‫أصالً حتى يتمكن من الدفاع عنه أو التمسك به‪ ،‬رمبا حيالفه احلظ يف‬
‫شبابه بلقاء من يبني له عقيدته اإلسالمية الصحيحة‪ ،‬ويكنس له شبهات‬
‫كثريةً جتول خباطرته‪ ،‬وإن مل حيالفه هذا احلظ ‪-‬وهو األرجح– فأي فرد‬
‫عساه يكون؟ مسلماً بروتستنتياً؟ أم مسلماً هندوسياً؟ أم مسلماً بوذياً؟ إن‬
‫عقالً بشرياً واحداً لن جيمع هذه التناقضات‪ ،‬ويف هذه احلالة لن تكون‬
‫العقيدة والدين عنده إال طالسم وأساطري‪ ،‬واألسلم _ يف نظره _ رفضها‬
‫مجل ًة من غري تفصيل‪ ،‬سواء كان هذا الرفض معلناً أم خفياً وحبسب ما‬
‫تسمح به ظروف الفرد وقوانني جمتمعه‪ ،‬وهكذا ينشأ بسبب استخدام‬
‫هؤالء املربيات جيل ينتمي بظاهرة إىل جمتمعه‪ ،‬ومنسلخٌ حقيقة عن دينه‬
‫وأمته وجممعه‪.‬‬
‫‪ -2‬خطر اخلدمة يف البيوت على سلوك أفراد األسرة‪:‬‬
‫إن دور القدوة يف السلوك متارسه اخلادمات واملربيات يف البيوت املسلمة‬
‫علمن أو جهلن بذلك‪ ،‬ألن اخلادمة هي مصدر التعليم القريب واملوثوق‬
‫لدى الطفل بل واألوحد يف حالة غياب األبوين‪ ،‬إن سلوك هذه اخلادمة‬
‫سيكون موافقاً ملا تربت عليه‪ ،‬بعيداً غاية البعد عن ديننا وأخالقنا‬
‫وقيمنا‪ ،‬ولفرض أهنا أرادت أن تؤدي واجب اخلدمة بشكل صحيح فبأي‬
‫املؤهالت ستعمل‪ ،‬ويف السعودية كان نسبة من مل تصل التعليم الثانوي‬
‫من اخلادمات ‪ ٪69.9‬منهن ‪ ٪7.3‬أميات(‪ ،)1‬و‪ ٪69‬من املربيات ال ميلكن أي‬
‫خربة سابقة عن عملن(‪ ،)2‬وتقول الدراسات يف غري السعودية‪( :‬إن أكثر من‬
‫نصف العامالت األجنبيات "مربيات وخادمات" مل يكن يعملن يف بالدهن‬
‫‪ -1‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم‪( ،‬ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق ص‪.110‬‬
‫‪235‬‬
‫األصلية العمل نفسه الذي يقمن به حالياً‪ ،‬باإلضافة إىل أن ثلث املربيات‬
‫أميات‪ ،‬والثلثني اآلخرين ينتميان إىل مستويات تعليمية هابطة‪ ،‬قد تزود‬
‫األطفال بأفكار خاطئة)(‪ ،)1‬هذا إذا أحسنَّا الظن بنواياهن‪ ،‬ولكن يف الواقع‬
‫أن هذه اخلادمات ال جيدن حرجاً يف ممارسة أي سلوك نشأن عليه ولو‬
‫مل يوافق جمتمعنا وديننا‪ ،‬ويف إحصائيات مرت معنا دلت على أن ‪ ٪14‬من‬
‫اخلادمات يستقبلن أصدقاءهن من الرجال يف البيوت اليت يعملن فيها‪،‬‬
‫و‪ ٪8.7‬يزرن أصدقاءهن الرجال يف منازهلم‪ ،‬و‪ ٪58.6‬حيبذن ممارسة‬
‫اجلنس قبل الزواج‪ ٪51.18 ،‬يشرحن عن حياة األطفال يف جمتمعاهتن‬
‫ألطفال البيوت اليت يعملن فيها‪ ،‬كما أن ‪ ٪2.5‬قالت إن شرب اخلمور يف‬
‫جمتمعاهتن مباح لألطفال(‪.)2‬‬
‫يف ظل تربية أمثال هذه اخلادمات يرتعرع الطفل على سلوك غري إسالمي‬
‫ألن اخلادمة لقنته هذا السلوك بفعلها ورمبا شاركته معها فيه‪ ،‬فريى‬
‫املنكرات يف الشرع أمراً مألوفاً واحملرمات شيئاً مباحاً‪ ،‬وواجباته الشرعية‬
‫ممل ًة ومكروه ًة‪ ،‬والعادات الدخيلة حمبب ًة حيرص على أدائها‪ ،‬ففي دراسة‬
‫على أطفال املخدومني أجرهتا اململكة العربية السعودية _وهي أحسن‬
‫حاالً بكثري من دول اخلليج األخرى_ دلت على نتائج خطرية جداً منها(‪:)3‬‬
‫‪ 1.1‬رغبة األطفال يف االحتفال ببعض املناسبات كأعياد امليالد وغريها‪.‬‬
‫‪ 2.2‬عدم حرصهم على أداء الصالة يف أوقاهتا حبجج خمتلفة!‪.‬‬
‫‪ 3.3‬حرصهم على مشاركة اخلادمة االستماع إىل الربامج األجنبية احملببة‬
‫إليها‪.‬‬
‫‪ 4.4‬عزوفهم عن املالبس الوطنية املألوفة‪.‬‬
‫‪ -1‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم )‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪236‬‬
‫‪ 5.5‬إثارهتم لبعض التساؤالت واجلدل حول قضايا األديان‪.‬‬
‫‪ 6.6‬حتبيذهم لالختالط بني اجلنسني‪.‬‬
‫ثم إن جمرد اعتماد الطفل على اخلادمة يف حياته اليومية يوقعه يف‬
‫مشاكل تربويه وكما أشارت دراسة (اعتدال عطيوي) بعنوان «أطفالنا‬
‫واخلادمات» إىل نتائج أمهها‪:‬‬
‫‪ 1.1‬وجود اخلادمة يعيق النمو الذاتي لألطفال وينمي فيهم االتكالية‪.‬‬
‫‪ 2.2‬وجود اخلادمة يعيق ارتباط الطفل بوالديه(‪.)1‬‬
‫ألن اخلادمة تسعى لتلبية مجيع رغبات الطفل إرضاءً ألبويه وحفاظاً على‬
‫مصاحلها‪ ،‬فيعتاد الطفل االتكالية‪ ،‬وجيد يف اخلادمة استجابة له أكثر من‬
‫أبويه فيزداد ارتباطه خبادمته على حساب ارتباطه بأبويه‪ ،‬وهذا يرسخ‬
‫اقتداءه هبا ويزيد تأثريها عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬دور اخلدمة يف البيوت يف انتشار فاحشة الزنى‪:‬‬
‫إن ظروفاً كثرية تتيح الفرص لوقوع فاحشة الزنى يف البيوت املسلمة‬
‫منها‪ :‬االختالط بني اخلادمة وأفراد املنزل بل واخللوة معها يف كثري من‬
‫األحيان‪ ،‬وخاصة عندما تشارك اخلادمة األوالد املبيت يف غرف النوم‪،‬‬
‫ويرافق هذا اطالع على عورات خادمة غالباً تكون غري مسلمة ال تؤمن‬
‫بفكرة حالل وحرام‪ ،‬إضافة إىل أهنا يف األغلب ال ترى يف الزواج شرطاً‬
‫ملمارسة احلياة اجلنسية كما مر يف إحصائيات سابقة‪ ،‬مع العلم أن ‪٪68.3‬‬
‫من اخلادمات يف منطقة اخلليج تقل أعمارهن عن العشرين(‪ ،)2‬أي يف‬
‫قمة نضارة شباهبن‪ ،‬واألخريات لسن بعيدين كثرياً عن هذا السن‪ ،‬كل‬
‫‪ -1‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ -2‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪237‬‬
‫هذه الظروف جتعل اخلدمة يف واقعنا عامل على انتشار الفاحشة أحبت‬
‫اخلادمات أم كرهت ذلك‪.‬‬
‫إن األبوين الذين مل يتخذوا تدابري احلشمة وعدم االختالط يف أسرهتم‬
‫جيب أن ينتظروا حصول الفاحشة بني أبنائهم واخلادمة أو بني بناهتم‬
‫واخلادم‪ ،‬ألن الفتنة خطريةٌ جداً‪ ،‬وإن حسن الظن بعفة النفوس بعيدة عن‬
‫تفكري اإلنسان العاقل‪ ،‬بل هي داللة على غباء الشخص إذا مل يكن معها‬
‫أخذ باألسباب‪ ،‬إن الذي يرتك ولده املراهق أو البالغ يف هذه الفتنه ثم‬
‫يتوقع منه العفة ينطبق عليه قول الشاعر‪:‬‬
‫رماه يف اليمِّ مكتوفاً وقال له‬
‫إياك إياك أن تبتل باملاء‬
‫وقد نبهنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل خطر ذلك مبا روى أسامة‬
‫بن زيد رضي اهلل عنهما‪ :‬عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ما تركت‬
‫بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»(‪ ،)1‬وحديث أبى سعيد اخلدري‬
‫عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إن الدنيا حلوة خضرة وإن اهلل‬
‫مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول‬
‫فتنة بين إسرائيل كانت يف النساء»(‪.)2‬‬
‫هذا االستهتار من األبوين بضبط بيتهم بالشرع اإلهلي يوقع جمتمعنا يف‬
‫داء عظيم هو داء فاحشة الزنى‪ ،‬الذي ينخر جسد اجملتمع حتى يوصله‬
‫للدمار ملا يستنزل من سخط اهلل وغضبه على أهل الزنى بل على اجملتمع‬
‫كله صاحلهم وطاحلهم‪ ،‬فعن زينب أم املؤمنني رضي اهلل عنها‪ :‬أن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول‪« :‬ال إله إال اهلل ويل للعرب‬
‫من شر اقرتب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلق بإصبعه‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج ‪ 5‬ص ‪ 1959‬برقم‪.4808 :‬‬
‫‪ -2‬مسلم (صحيح مسلم) ج ‪ 8‬ص‪ 89‬احلديث برقم‪.7124 :‬‬
‫‪238‬‬
‫اإلهبام واليت تليها قالت زينب بنت جحش فقلت يا رسول اهلل أهنلك وفينا‬
‫الصاحلون؟ قال‪« :‬نعم إذا كثر اخلبث»(‪ ،)1‬وقد فسر أكثر العلماء اخلبث يف‬
‫هذا احلديث بالزنا(‪ ،)2‬يعين إذا شاع هذا الداء يف اجملتمع املسلم استحق‬
‫اجملتمع اهلالك‪ ،‬وال يرد ذلك البالء وجود الصاحلني فيه‪ ،‬أعاذنا اهلل من‬
‫سخطه‪.‬‬
‫وقصص اغتصاب اخلادمات أو تعدي السائق على ربة املنزل أو إحدى‬
‫بناهتا تضج به وسائل اإلعالم وهيئات حقوق اإلنسان(‪ ،)3‬هذا عندما‬
‫يرتفع صوت املظلوم ُ‬
‫بظالمته‪ ،‬أما ما حيصل برتاضي الطرفني فشيء‬
‫أدهى وأمر‪.‬‬
‫‪ -4‬دور اخلدمة يف البيوت يف تشويه اللغة العربية‪:‬‬
‫اللغة هي األداة اليت يتواصل هبا األفراد مع بعضهم‪ ،‬وتوحِّد معارف األمة‬
‫وثقافتها وتراثها‪ ،‬ومتيزها عن األمم األخرى اليت ال تشاركها لغتها‪ ،‬ألن‬
‫اللغة وعاء املعارف والعلوم وكل أمة تصب علومها وجتارهبا وخرباهتا يف‬
‫ِّ‬
‫فتسطر إنتاجها الفكري بلغتها‪ ،‬ويكون هذا النتاج يف متناول‬
‫وعائها‪،‬‬
‫أفراد هذه األمة ألهنم يستطيعون فتح خزائن هذا النتاج الفكري بإتقاهنم‬
‫للغتهم‪.‬‬
‫واختالف اللغة بني أمة وأخرى‪ ،‬أو بني شعب وأخر يعد سداً وعائقاً يفصل‬
‫بينهما‪ ،‬ومينع من تبادل املعارف والثقافة واخلربات والتجارب إال من‬
‫خالل جسور من املرتمجني وحبدود ضيقة‪.‬‬
‫وهلذا نرى اللغة توحد ثقافة األفراد إذا احتدت‪ ،‬وختتلف الثقافة بينهما‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج ‪ 3‬ص ‪ 1221‬برقم‪.3168 :‬‬
‫‪ -2‬ابن حجر العسقالني‪(،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري) ج ‪ 13‬ص ‪.109‬‬
‫‪ -3‬راجع موقع "منظمة حقوق اإلنسان" على الرابط‪.http:hrw.orgarabic :‬‬
‫‪239‬‬
‫إذا اختلفت‪ ،‬هذا االختالف من املعتاد أن نراه بني األمم‪ ،‬ولكن من العجيب‬
‫جداً أن نراه يف جمتمع واحد ورمبا يف أسرة واحدة‪ ،‬وهو بالضبط ما‬
‫حصل يف بعض جمتمعاتنا‪ ،‬وخاصة عندما انفردت خادمات من لغات‬
‫شتى برتبية أطفال املسلمني‪ ،‬وراح يتعرف على احلياة منذ سنوات حياته‬
‫األوىل من خالل لغة غريبة عن جمتمعه‪ ،‬فإن اضطر بعدها إال خمالطة‬
‫جمتمعه وجد نفسه عاجزاً عن املشاركة اآلخرين ممن حوله‪ ،‬فهو إما‬
‫أن حياول استعمال اللغة اليت اعتاد عليها مع بعض التعديالت ويتحمل‬
‫استهجان آخرين له‪ ،‬وإما أن ينطوي على نفسه وينعزل عن جمتمعه‪ ،‬وقد‬
‫تبني من دراسة يف البحرين أن ‪ ٪25‬من أطفال أسر العينة يقلدون املربيات‬
‫يف اللهجة‪ ،‬وأكثر من ‪ ٪40‬منهم تشوب لغتهم لُكنة أجنبية‪ ،‬ويتعرضون‬
‫ملضايقات من أقراهنم بسبب ذلك(‪ ،)1‬مما يؤكد هذا ما جاء يف دراسة جامعة‬
‫للدراسات امليدانية اليت قامت هبا وزارات العمل والشؤون االجتماعية يف‬
‫دول اخلليج العربية‪ :‬أن ‪ ٪8‬من جمموع املربيات هلن إملام باللغة العربية‪،‬‬
‫واتضح أن اللغة اإلنكليزية األكثر شيوعاً(‪ ،)2‬و مل تتجاوز نسبة اخلادمات‬
‫اليت تتكلم العربية ‪ ٪13‬يف دراسة األسر السعودية(‪.)3‬‬
‫وقد شاع هذا املرض يف جمتمعات بأكملها نتيجة لكثرة اخلادمات يف‬
‫البيوت‪ ،‬كما حصل يف منطقة اخلليج العربي حيث شاعت فيها تراكيب‬
‫يف اللغة العربية الدارجة‪ ،‬غريبة عن روح اللغة العربية‪ ،‬إىل درجة إقبال‬
‫الراشدين على استعماهلا‪ ،‬ومن هذه الرتاكيب‪« :‬بابا يف» ويقصد منه‪:‬‬
‫هل يوجد رب األسرة؟ واملالحظ أن املربية األجنبية تنادي رب األسرة‬
‫بلفظ «بابا» كما تنادي ربة األسرة بلفظ «ماما» وهـكذا شاعت هذا‬
‫‪ -1‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪ -3‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم‪( ،‬ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫‪240‬‬
‫الرتكيب بسرعة واستخدمت على نطاق واسع‪ ،‬حتى أن من حيسن الكالم‬
‫راح يستخدم مثل هذه العبارات ألن اخلادمة ال تفهم إال هذه الرتاكيب‬
‫املختزلة(‪.)1‬‬
‫املصيبة أن الفرد عندما يعجز عن استخدام لغته سواء يف كالمه أو‬
‫مساعه لآلخرين يغدو فرداً منفكاً عن جمتمعه منسلخاً عن أمته‪ ،‬كيف‬
‫سيفهم دينه؟! أمن موعظة اخلطيب على املنرب؟ أم من درس ديين؟ أم من‬
‫كتاب يشقُّ عليه أن يفك طالمسه؟‬
‫كيف سيتعرف على أحوال أمته؟ رمبا جيد أن مساعه لقناة فضائية‬
‫أجنبية ولو معادية لدينه وأمته أيسر عليه من مساعه ألخبار عربية!‬
‫كيف سيعرف تارخيه؟ كيف سيكشف ما شوه فيه؟ إنه حتماً سيعجز عن‬
‫الوصول ملصادر تارخيه الصحيحة‪.‬‬
‫لقد أصبح فرداً آخر غريباً عن أمته‪ ،‬يتسول ثقافات األمم أخرى وال‬
‫ينتمي لواحدة منها‪.‬‬
‫ولقد كان العرب يف اجلاهليه حريصني على إتقان الطفل للغتهم العربية‪،‬‬
‫فكانوا يرسلونه للبادية ليتلقاها بصفائها نقية من الشوائب‪ ،‬ألن من العار‬
‫أن يلحن املرء يف لغته‪.‬‬
‫ومل يكن هذا األمر غائباً عن أعدائنا‪ ،‬فكان املستعمر يسعى دائماً يف‬
‫تضييع لغة البالد اليت حيتلها‪ ،‬ويفرض على الشعوب املستعمرة لغته‬
‫ليمحو شخصيتها ويربطها بنفسه‪ ،‬وهذا ماحصل بالفعل فكثري من الدول‬
‫ختلت عن لغتها األصلية وجعلت لغة املستعمر لغة البالد الرمسية حتى‬
‫بعد استقالهلا‪.‬‬
‫إن توهني الصلة بني أبناء جمتمعنا ولغتهم أمر حرص عليه أعداؤنا وبذلوا‬
‫‪ -1‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم )‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪241‬‬
‫من أجله الكثري‪ ،‬وفشلوا يف حتقيق هذه األماني واألحالم‪.‬‬
‫أما اليوم فنحن نقدم هلم وعلى حسابنا اخلاص ما عجزوا عن حتقيقه‬
‫سابقاً‪ ،‬عن طريق اسخدام مربيات أعجمات‪ ،‬ليلقن أبناء جمتمعنا لغاهتن‪،‬‬
‫أو لغة معوجة هجينة ال تنتمي ألمة‪.‬‬
‫وهو أمر جد خطري‪ ،‬يوجب على اآلباء أن يقلصوا من العالقة بني اخلادمة‬
‫والطفل ضمن حدود احلاجة‪ ،‬وعدم االعتماد املطلق يف تربية األوالد على‬
‫اخلادمة‪ ،‬ففي ‪ ٪50‬من األسر املدروسة يف دول اخلليج تقوم فيها املربيات‬
‫باإلشراف الكامل على إفطار األبناء وارتداء مال بسهم‪ ،‬و‪ ٪41‬من األسر‬
‫تركت للمربيات اإلشراف حتى على لعب األطفال(‪.)1‬‬
‫وهذا يعين أن األبوين مل يبق هلما دور يف الرتبية‪ ،‬أو تأثري حقيقي على‬
‫أبناءمها فهل أدركا هذا اخلطر؟!‬
‫هذه األخطار األربعة اليت مررنا عليها هي أهم األخطار اليت نتجت عن‬
‫االستخدام يف واقعه احلايل‪ ،‬سواء على عقيدة أبنائنا أو على سلوكهم أو‬
‫على أعراضهم أو على لغتهم‪ ،‬هذه األخطار جديرة بالتنبيه إليها حتى‬
‫نبذل قصارى جهدنا يف تفاديها‪ ،‬بانتقاء اخلادمة املسلمة وبتأمني أجواء‬
‫من احلشمة وعدم الفوضى يف االختالط بني اخلادمة أو اخلادم وأفراد‬
‫األسرة املخدومة‪ ،‬وعدم ختلي األمهات عن مهمة تربية األوالد للخادمات‪،‬‬
‫ألن مهمة الرتبية واجب األم وال ميكن أن ينوب عنها أحد أبداً بعطفها‬
‫وحناهنا وحرصها على مصلحتهم‪ ،‬وجيب اال ينسى كل أب وأم قول اهلل‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ ْ‬
‫ُ ْ َ ً َُ ُ‬
‫ود َها انلَّاسُ‬
‫تعاىل‪{ :‬يا أيها ا ِين آ َمنوا قوا أنفسكم وأهلِيكم نارا وق‬
‫َ حْ َ َ ُ َ َ ْ َ َلاَ َ ٌ لاَ ٌ َ ٌ لاَ َ ْ ُ َ هََّ َ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫وال ِجارة عليها م ئِكة ِغ ظ ِشداد يعصون الل ما أمرهم ويفعلون‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َما يُؤ َم ُرون} [ التحريم‪ ،]6:‬وحديث النيب صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬كفى‬
‫‪ -1‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪242‬‬
‫باملرء إمثا أن يضيع من يعول»(‪.)1‬‬
‫وميكن أن تستعني األسرة خبادمة من بلدها عند احلاجة إليها‪ ،‬وهبذا‬
‫تكون قد حتاشت كل أو أغلب األخطار السابقة‪.‬‬
‫ومن خالل مقابالت أجريتها لبعض األسر اليت تستعني باخلدم احملليني‬
‫يف منازهلا واألسر اليت استقدمت خادمة من أجنبية‪ ،‬وكانت مخس عينات‬
‫لكل منهما‪ ،‬تَبني يل املقارنة اآلتية‪:‬‬
‫‪ 1.1‬من ناحية خطر اخلدمة على العقيدة فقد املستقدمات (‪ )1‬مسيحية‬
‫و (‪ )4‬مسلمات‪ .‬بينما اخلادمات احملليات اخلمس مسلمات‪.‬‬
‫‪ 2.2‬من ناحية خطر السلوك فاملستقدمات (‪ )4‬منهن تصلي و (‪ )2‬فقط‬
‫ترتدين احلجاب‪ ،‬أما احملليات فكلهن مصليات ويرتدين احلجاب‪ ،‬وليس‬
‫هلن عادات غريبة‪.‬‬
‫‪ 3.3‬من ناحية تشويه اللغة العربية فلغة املستقدمات (‪ )3‬أندنوسية و (‪)1‬‬
‫فيلبينية (‪ )1‬حبشية‪ ،‬ومع احملليات ال توجد هذه املشكلة‪.‬‬
‫‪ 4.4‬أما من ناحية انتشار فاحشة الزنى فقد كانت أسباهبا متوفرة يف‬
‫املستقدمات فأعمارهن (‪ )43-30-27-22‬سنة‪ ،‬بينما احملليات كن أكرب‬
‫سناً (‪ )60-52- 45 -40‬سنة‪ ،‬واملستقدمات خيالطن كلهن أفراد األسرة‪،‬‬
‫و (‪ )3‬منهن تشاركن أفراد األسرة طعامهم‪ ،‬وواحدة يرتكها األبوين‬
‫عمرها(‪ )22‬سنة مع أفراد األسرة ومها طالبني بعمر (‪ )23-20‬سنة‪ ،‬مع‬
‫تأكيد مجيع أفراد األسرة هذه على متيزها باجلمال والذكاء واللطافة‪،‬‬
‫وهي مسيحية وغري حمتشمة‪.‬‬
‫بينما اخلادمات احملليات اخلمس يعملن بإشراف ربة املنزل وغياب‬
‫‪ -1‬النسائي‪ ،‬أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب ‪ 303‬هـ (السنن الكربى) حتقيق د‪.‬عبد الغفار سليمان البنداري‪ ،‬سيد‬
‫كسروي حسن‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1411‬هـ ‪1991‬م ج‪ 5‬ص‪ 374‬برقم‪.9176 :‬‬
‫‪243‬‬
‫أفراد األسرة‪.‬‬
‫‪ 5.5‬ومن ناحية سبب االستخدام يف املستقدمات فكان يظهر فيه دافع‬
‫الرتف فمنهن (‪ )3‬حاالت سبب االستخدام فيها تقدم ربة املنزل بالسن‪،‬‬
‫و (‪ )2‬الرفاهية فقط‪.‬‬
‫وكان سبب استخدام احملليات (‪ )2‬بسبب مرض ربة األسرة (‪ )2‬عملها‬
‫خارج البيت (‪ )1‬كثرة األوالد‪.‬‬
‫‪ 6.6‬وأجرة املستقدمة قد تكلف أكثر من مخسة أضعاف أجرة احمللية‪،‬‬
‫فراتب املستقدمات الشهري (‪ )2‬منهن ‪ ،100$‬و (‪ ،125$ )2‬و (‪،185$ )1‬‬
‫إضافة لكلفة االستقدام والتأمني اليت قد تصل إىل (‪ 185$‬تأمني و‬
‫‪ 4200$‬استقدام)‪.‬‬
‫وأجرة احملليات باليوم‪ )4( :‬منهن‪ 10$‬مقابل ‪ 7‬ساعات عمل‪ ،‬و (‪8$ )1‬‬
‫مقابل ‪5‬ساعات عمل‪( ،‬حوايل ‪ 4‬أيام بالشهر) ودون تكاليف أخرى‪.‬‬
‫وهذا يؤكد تفضيل اخلادمات احملليات على املستقدمات من مجيع‬
‫النواحي الدينية واإلجتماعية واالقتصادية وغريها‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪244‬‬
‫‪‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫آداب اخلدمة يف البيوت‬
‫املطلب األول‪ :‬آداب اخلادم‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬آداب املستخدم‪.‬‬
‫‪245‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬آداب اخلدمة يف البيوت‬
‫يف املبحث السابق تعرفنا على بعض األخطار اليت نتجت عن اخلدمة يف‬
‫البيوت بواقعها احلايل‪ ،‬وبدت صورةً مظلم ًة وخميف ًة توحي بدمار ماحق‬
‫جملتمعاتنا‪ ،‬ورمبا يتبادر لبعض األذهان أن مشاكل جمتمعنا ستحل إذا‬
‫أوقفنا اخلدمة يف البيوت‪ ،‬ولكن احلقيقة أن ما شاهدناه من مفاسد ليس‬
‫منبعها اخلدمة يف البيوت‪ ،‬ولكن منبعها فساد اجملتمع ذاته وبعده عن‬
‫تعاليم الدين اإلسالمي احلنيف‪ ،‬واملفاسد ليست يف اخلدمة فحسب بل‬
‫تعم مجيع أعمال الفرد؛ يف السوق ويف الطريق ويف البيت ويف مكان العمل‬
‫وغريه‪ ،‬مع التأكيد أن اخلطورة تكون أشد إذا دامهت الفرد يف بيته‪.‬‬
‫معنى هذا أن الفساد ال يزول إال بعودة الفرد املسلم إىل صوابه واصطالحه‬
‫مع ربه‪ ،‬ظاهراً وباطناً‪ ،‬بإصالح سريرته وبالعمل مبا أمره اهلل به‪ ،‬سواء‬
‫كان خادماً أم خمدوماً‪ ،‬عندها تعود اخلدمة نعمة يف اجملتمع بعد أن‬
‫أصبحت نقمة‪ ،‬وفيما يلي تبيان ألهم آداب اخلدمة‪:‬‬
‫‪246‬‬
‫املطلب األول‪ :‬آداب اخلادم‬
‫منر على بعض اآلداب العملية للخادم يف بيت املخدوم‪:‬‬
‫‪ -1‬البعد عن مواطن التهم(‪:)1‬‬
‫ينبغي للمسلم أن يبعد نفسه عن املواقف اليت جتعله َّ‬
‫حمل هتمة وإن كان‬
‫بريئاً منها‪ ،‬وخاصة إذا كان غريباً عن البيت كاخلادمة‪ ،‬ألن سوء الظن من‬
‫وسائل الشيطان إليقاع الفنت بني الناس‪ ،‬فالنيب صلى اهلل عليه و سلم‬
‫سارع يف دفع شبة عن نفسه عندما مشى ليالً مع أحد زوجاته‪ ،‬كما يف‬
‫حديث صفية أم املؤمنني رضي اهلل عنها قالت‪ :‬كان رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم معتك ًفا فأتيته أزوره ليالً فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي‬
‫ليقلِبَين وكان مسكنها يف دار أسامة بن زيد فمر رجالن من األنصار فلما‬
‫رأيا النيب صلى اهلل عليه وسلم أسرعا فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫«على رسلكما إهنا صفية بنت حيي»‪ ،‬فقاال سبحان اهلل يا رسول اهلل‪،‬‬
‫قال‪« :‬إن الشيطان جيري من اإلنسان جمرى الدم وإني خشيت أن يقذف‬
‫يف قلوبكما سوءاً أو قال شيئاً»(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬حفظ األمانة‪:‬‬
‫وهي احملافظة على ودائع الناس مادي ًة ومعنوي ًة‪ ،‬وهي عالمة صدق‬
‫اإلميان‪ ،‬فعن أنس بن مالك قال‪ :‬ما خطبنا نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫إال قال‪« :‬ال إميان ملن ال أمانة له وال دين ملن ال عهد له»(‪ ،)3‬ألن عاقبة‬
‫‪ -1‬الغزايل‪ ،‬أبي حامد حممد بن حممد الغزايل ‪505‬هـ (إحياء علوم الدين)‪ ،‬مراجعة صدقي حممد مجيل العطار‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫دار الفكر ‪1423‬هـ ‪2003‬م ج‪ 2‬ص‪.167‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج ‪ 3‬ص ‪ 1195‬برقم‪.3107 :‬‬
‫‪ -3‬ابن حنبل (مسند اإلمام أمحد بن حنبل) ج‪ 3‬ص‪ 135‬برقم‪.12406 :‬‬
‫‪247‬‬
‫تضييع األمانة وخيم‪ ،‬وعدم اخلوف من عاقبة تضييع األمانة عالمة نفاقٍ‬
‫وعد ِم خشيةٍ للحساب‪ ،‬فعن أبي هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال‪« :‬آية املنافق ثالث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤمتن خان»(‪.)1‬‬
‫واخلادمة مؤمتنة على ما يف البيت من أمتعة وال حيل هلا التصرف بشيء‬
‫منها إال بإذن أهل البيت‪ ،‬كاستخدام هاتف املنزل‪ ،‬ورمبا جتد أثناء تنظيف‬
‫البيت نقوداً أو حلياً أضاعها أهل البيت فتكتمها عنهم‪ ،‬أو تقوم هبدر املاء‬
‫ومواد التنظيف على حنو غري معتاد‪ ،‬كل هذه األعمال خيانة لألمانة‬
‫حياسب اهلل عليها أشد احلساب‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمر قال‪ :‬مسعت‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪« :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن‬
‫رعيته‪ ...‬واخلادم راع يف مال سيده ومسؤول عن رعيته»(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬النصيحة (األمر باملعروف والنهي عن املنكر)‪:‬‬
‫فعن متيم الدَّا ِريِّ أن النبى صلى اهلل عليه وسلم قال «الدِّين النَّصيحة»‬
‫قلنا ملن قال‪« :‬لِ َّله ولكتابه ولرسوله وألئمّة املسلمني وعامّتهم»(‪ ،)3‬واملقصود‬
‫بالنصيحة أي إرشاد اآلخرين ملصاحلهم يف آخرهتم ودنياهم(‪.)4‬‬
‫ومن واجب اخلادم النصيحة ألهل البيت الذي خيدم فيه بأمرهم باملعروف‬
‫وهنيهم عن املنكر باحلكمة واملوعظة احلسنة‪ ،‬وتنبيههم إىل ما فيه اخلري‬
‫من أمور دنياهم‪ ،‬وحتذيرهم من شرورها‪ ،‬فاخلادمة مسؤولة أمام اهلل يف‬
‫تنبيه ربة املنزل على أخطاء األوالد‪ ،‬بل تقوم هي بتحذيرهم وإبعادهم عن‬
‫املعاصي وتدهلم على طريق الصواب‪.‬‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج ‪ 1‬ص ‪ 21‬برقم‪.33:‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج ‪ 1‬ص ‪ 304‬برقم‪.853 :‬‬
‫‪ -3‬مسلم (صحيح مسلم)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ 53‬احلديث برقم‪.205 :‬‬
‫‪ -4‬النووي (صحيح مسلم بشرح النووي) ج ‪ 2‬ص ‪39‬‬
‫‪248‬‬
‫‪ -4‬عدم تتبع عورات املنزل‪ :‬حيث أمرنا اإلسالم بالسرت على عباد اهلل إذا‬
‫انكشفت لنا زلة من أحدهم‪ ،‬فعن ابن عمر رضي اهلل عنه أن رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬املسلم أخو املسلم ال يظلمه وال يسلمه من كان‬
‫يف حاجة أخيه كان اهلل يف حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج اهلل عنه‬
‫هبا كربة من كرب يوم القيامة ومن سرت مسلما سرته اهلل يوم القيامة»(‪.)1‬‬
‫وحذرنا من تقصي عورات الناس‪ ،‬فعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪:‬‬
‫(صعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املنرب فنادى بصوت رفيع فقال‪:‬‬
‫«يا معشر من قد أسلم بلسانه ومل ي ِ‬
‫ُفض اإلميان إىل قلبه ال تؤذوا املسلمني‬
‫وال تعريوهم وال ت َّت ِبعوا عوراهتم فإنه من تتبع عورة أخيه املسلم تتبع اهلل‬
‫عورته ومن تتبع اهلل عورته يفضحه ولو يف جوف رحلة» قال ونظر ابن‬
‫عمر يوما إىل البيت أو إىل الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك‬
‫واملؤمن أعظم حرمة عند اهلل منك)(‪.)2‬‬
‫واخلادم قريب من أهل البيت َّ‬
‫مطلع على كثري من هفواهتم وزالهتم‪ ،‬ومن‬
‫واجبه سرتها ال تتبعها والتنقيب عنها‪.‬‬
‫‪ -5‬الصدق يف احلديث‪:‬‬
‫وهي خصلة تزرع الطمأنينة يف تعامل األفراد فيما بينهم‪ ،‬وفقداهنا يزرع‬
‫الشك والريبة‪ ،‬والكذب من أقبح صفات اخلدم والصدق من أعظمها‪،‬‬
‫وعندما جيرِّب املخدوم الكذب من اخلادم ولو مرة يصبح كثري الشك به‬
‫سيئ الظن مبقاصده‪ ،‬حيتمل الكذب يف كل حديثه والسوء بكل فعله‪،‬‬
‫وهذا ينعكس على اخلادم بالضرر‪ ،‬فرمبا مرض واحتاج إىل راحة فال‬
‫‪ -1‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 8‬ص‪ 18‬احلديث برقم‪.6743 :‬‬
‫‪ -2‬الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج ‪4‬ص ‪ 378‬برقم‪.2032 :‬‬
‫‪249‬‬
‫يصدقه املخدوم‪ ،‬إضافة للكراهية واالزدراء احلاصل للخادم‪ ،‬وقد بني لنا‬
‫النيب صلى اهلل عليه و سلم أن الكذب عالمة من عالمات النفاق وذهاب‬
‫اإلميان من القلب‪ ،‬فعن أبي هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«آية املنافق ثالث‪ :‬إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤمتن خان»(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬عدم التذلل إال هلل‪:‬‬
‫ديننا يأمرنا بالتواضع وهو ترك التكرب على عباد اهلل‪ ،‬ولكن هذا ال يعين‬
‫أن يرضى املؤمن بالذل و املهانة‪ ،‬ألن عزة النفس خصلة مالزمة لإلميان‬
‫َللِهَّ ْ‬
‫َ ُْ ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫قال عز وجل‪{ :‬و ِ العِزة ول ِرس هِ‬
‫ولِ ول ِلمؤ ِمنِني} [املنافقون‪.]8:‬‬
‫وعلى اخلادم أن حيذر أن تدفعه حاجته للخدمة أن يرضى بالذل واملهانة‬
‫ملخدومه‪ ،‬من استخدام ألفاظ التعظيم والتقديس ملخدومة ووضع نفسه‬
‫يف مواقف الذل‪ ،‬أو قبول التحقري أو السب من أهل البيت الذي خيدم‬
‫فيه‪ ،‬كل هذا يأباه اإلسالم‪ ،‬وال يرضى للخادم أن يقبل تلك احلال‪ ،‬فكيف‬
‫مبن يسعى هبا ظناً منه أنه مي ِّكن من عالقته مبخدوميه؟ علماً أنه ال يزيد‬
‫بأعينهم إال مهان ًة‪ ،‬وعن قلوهبم إال بعداً‪ ،‬ويف دينه إال ضعفاً‪ ،‬وهذا املرض‬
‫يف الدين مساه الرسول صلى اهلل عليه وسلم (الوهن) وسببه شدة تعلق‬
‫النفس بالدنيا فريضى املرء بالذل ويتطاول عليه الناس‪ ،‬فعن ثوبان رضي‬
‫اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ...« :‬ولينزعن اهلل من‬
‫صدور عدوكم املهابة منكم‪ ،‬وليقذفن اهلل يف قلوبكم الوهن»‪ .‬فقال قائل‬
‫يا رسول اهلل وما الوهن قال‪« :‬حب الدنيا وكراهية املوت»(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬سبق خترجيه ص‪.248‬‬
‫‪ -2‬ابو داود (السنن) ج ‪ 4‬ص ‪ 111‬برقم‪.4297 :‬‬
‫‪250‬‬
‫‪ -7‬ال يطيع إال يف املعروف‪:‬‬
‫اخلادم يف البيت ذكراً أم أنثى عرضة ألن تطلب منه خدمات حمرمة‬
‫شرعاً كتقديم املسكرات‪ ،‬أو مشروعة باألصل ولكن يشوهبا بعض املنكرات‪،‬‬
‫كاصطحاب اخلادمة حلفلة فيها اختالط أو غريه من املنكرات‪ ،‬أو يُلزمها‬
‫أهل املنزل بلباس غري ساتر سواء كان قصرياً أو ضيقاً‪ ،‬أو يدفعوها لفعل‬
‫فيه إيذاء ألحد املسلمني‪ ،‬هذه األعمال وأمثاهلا ال جيوز أن تصدر من‬
‫اخلادم‪ ،‬وال عذر له أمام اهلل‪ ،‬بأنه مأمور ويف موقف ضعيف‪ ،‬ألن املؤمن ال‬
‫يكون أبداً ضعيفاً أمام مصاحلة‪ ،‬وليس هذا عذر للمحافظة على أجرته‪،‬‬
‫فعن علي رضي اهلل عنه‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ال طاعة يف‬
‫املعصية إمنا الطاعة يف املعروف»(‪.)1‬‬
‫أما إذا أُجرب اخلادم على فعل منكر بإكراه ملجئ‪ ،‬وبتهديده بإحلاق أذى‬
‫به فهذا أمر خارج عن موضوع كالمنا‪ ،‬حتكمه قاعدة (الضرورات تبيح‬
‫احملظورات)(‪ ،)2‬أو(الضرر األشد يزال بالضرر األخف)(‪ ،)3‬أو (الضرر ال‬
‫يُزال مبثله)(‪ ،)4‬وغريها من أحكام الضرر‪.‬‬
‫‪ -8‬أ َّ‬
‫ال يطلب ما ليس له (ما زاد على األجر)‪:‬‬
‫بعض األجراء الذين يقومون بأعمال اخلدمة حياولون إحراج رب املنزل‬
‫بدفع زيادة على األجر املستحق بأمساء وطرق خمتلفة تشبه التسول أحياناً‪،‬‬
‫وحيدث هذا غالباً من أجراء األعمال وليس اخلاصني‪.‬‬
‫هذا املال الزائد عن األجرة مال حرام‪ ،‬ألن شرط الرضا معدوم يف حتصيله‪،‬‬
‫‪ -1‬سبق خترجية ص‪.49‬‬
‫‪ -2‬الزرقا‪،‬أمحد بن حممد‪ 1357‬هـ (شرح القواعد الفقهية) دمشق‪ ،‬دار القلم‪.‬ج‪ 1‬ص‪( 180‬القاعدة العشرون)‪.‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 1‬ص‪(193‬القاعدة السادسة والعشرون)‪.‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق ج‪1‬ص‪(194‬القاعدة الرابعة والعشرون)‪.‬‬
‫‪251‬‬
‫لاَّ‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ‬
‫َْ ُ ُ َْ َ َ ُ ْ ََْ ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫بَْ‬
‫قال تعاىل‪{ :‬يا أيها ا ِين آَمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بِالا ِط ِل إ ِ‬
‫َ ْ َ ُ َ جَِ َ ً َ ْ َ‬
‫ْ ُ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫اض مِنكم} [النساء‪ ،]29:‬أما الزيادة اليت يقدمها‬
‫أن تكون تارة عن تر ٍ‬
‫املخدوم من تلقاء نفسه فهي جائزة بال شك‪ ،‬بل هي من السنة‪.‬‬
‫‪ -9‬عدم إفشاء أسرار البيت‪:‬‬
‫بيوت الناس ختفي كثرياً من أمور حياهتم اخلاصة‪ ،‬واخلدم لكثرة خمالطتهم‬
‫ألهل البيت يطلعون على كثري من أسرارهم‪ ،‬مع أن اخلادمة مؤمتنة على‬
‫عورات البيت وما حيدث فيه من أمور وأسرار ال يرغب أهل البيت باطالع‬
‫أحد عليه‪ ،‬وهي من األمانة اليت حذر النيب صلى اهلل عليه وسلم من‬
‫إضاعتها‪ ،‬فعن عبد اهلل بن عمر قال‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يقول‪« :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ‪ ...‬واخلادم راع يف مال‬
‫سيده ومسؤول عن رعيته»(‪.)1‬‬
‫ويف حديث خادم النيب صلى اهلل عليه وسلم أنس رضي اهلل عنه مثال‬
‫كتمان سر املخدوم حتى عن أمه رضي اهلل عنها‪ ،‬قال‪( :‬أتى عليَّ رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان ‪-‬قال‪ -‬فسلم علينا فبعثين‬
‫إىل حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت ما حبسك‪ ،‬قلت‪ :‬بعثين‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حلاجة‪ ،‬قالت‪ :‬ما حاجته‪ ،‬قلت‪ :‬إهنا سر‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ال حتدثن بسر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أحداً‪ ،‬قال أنس‪:‬‬
‫واهلل لو حدثت به أحداً حلدثتك يا ثابت)(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬سبق خترجيه ص ‪.248‬‬
‫‪ -2‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 7‬ص‪ 160‬احلديث برقم‪.6533:‬‬
‫‪252‬‬
‫‪ -10‬عدم التدخل فيما ال يعنيه‪:‬‬
‫اخلادم شخص غريب عن أهل البيت‪ ،‬وعالقته معهم حمصورةٌ يف أداء‬
‫خدمته فقط‪ ،‬فال يليق به أن يتدخل بأمور ال متت لعمله بصلة‪ ،‬وإال أصبح‬
‫شخصاً فضولياً مبغوضاً لدى أهل البيت‪ ،‬وقد حذر النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم من هذا اخللق حيث قال‪« :‬إن من حسن إسالم املرء تركه ما ال‬
‫يعنيه»(‪.)1‬‬
‫واخلادم الذي حسن إسالمه وترك ما ال يعنيه حمبب إىل خمدومه وإىل‬
‫مجيع الناس‪.‬‬
‫‪ -11‬التفرغ ألداء اخلدمة‪:‬‬
‫وقت اخلادم ليس ملك له‪ ،‬ألنه حبس نفسه على خدمة من استأجره‪،‬‬
‫فال حيل له التشاغل عن واجبه بعمل آخر‪ ،‬ألن التقصري احلاصل بسبب‬
‫ذلك غش للمخدوم‪ ،‬حتى لو أن تالوة القرآن أثرت على خدمته مل يكن له‬
‫تالوته يف أوقات عمله‪ ،‬يقول ابن قدامة‪( :‬لو استأجره لعمل فكان يقرأ‬
‫القرآن يف حال عمله فإن ضر املستأجر يرجع عليه بقيمة ما فوت عليه(‪،)2‬‬
‫وقال أيضاً‪( :‬وليس له حمادثة غريه حالة النسخ وال التشاغل مبا يشغل‬
‫سره ويوجب غلطه وال لغريه حتديثه وشغله وكذلك كل األعمال اليت ختتل‬
‫بشغل السر والقلب كالقصارة والنساجة وحنومها)(‪.)3‬‬
‫‪ -12‬احلذر من وقوع حمرم يف العقد وسؤال أهل العلم عن ذلك‪:‬‬
‫ومن مظاهر بعد املسلمني عن دينهم هو أهنم ال حيتكمون إال شرع اهلل إال‬
‫‪ -1‬الرتمذي (اجلامع الصحيح «سنن الرتمذي») ج ‪ 4‬ص ‪ 558‬برقم‪.2318:‬‬
‫‪ -2‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.269‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ج‪ 5‬ص‪.268‬‬
‫‪253‬‬
‫عندما يقعون يف معضلة أو ينشب اخلالف بني املتعاقدين‪ ،‬وإال فهم سائرون‬
‫وفق ما متلي عليهم مصاحلهم‪ ،‬وقد بني القرآن أن هذا السلوك عالمة‬
‫َ َ ْ َ َ ىَ لذَّ َ َ ْ ُ ُ َ‬
‫النفاق وذهاب اإلميان‪ ،‬يقول سبحانه وتعاىل‪{ :‬ألم تر إِل ا ِين يزعمون‬
‫َ َّ ُ ْ َ ُ َ ُ ْ َ يَ ْ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ىَ‬
‫أنهم آَمنوا بِما أن ِزل إِلك وما أن ِزل مِن قبلِك ي ِريدون أن يتحاكموا إِل‬
‫َ ُ ُ َّ ْ َ ُ َ ْ ُ َّ ُ ْ َلاَلاً‬
‫َّ ُ‬
‫ََْ ُ ُ َْ َ ُْ‬
‫ُ‬
‫ضلهم ض‬
‫الطاغ ِ‬
‫وت وقد أمِروا أن يكفروا بِهِ وي ِريد الشيطان أن ي ِ‬
‫َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ ىَ َ َ ْ َ َ هَّ ُ ىَ‬
‫الر ُسول َر َأي ْ‬
‫ت ال ْ ُم َنافِقنيَ‬
‫بَع ً‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫يدا * ِإَوذا قِيل لهم تعالوا إِل ما أنزل الل ِإَول‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫َ َْ َ‬
‫يَ ُص ُّدون عنك ُص ُدودا} [النساء‪ ]60-61:‬يقول ابن كثري يف تفسريها‪( :‬هذا‬
‫إنكار من اهلل عز وجل‪ ،‬على من يدعي اإلميان مبا أنزل اهلل على رسوله‬
‫وعلى األنبياء األقدمني‪ ،‬وهو مع ذلك يريد التحاكم يف فصل اخلصومات‬
‫إىل غري كتاب اهلل وسنة رسوله)(‪ ،)1‬ولكنهم لألسف سيجدون أنفسهم‬
‫َ ََْ‬
‫مضطرين للرجوع يف كثري من املعضالت إىل شرع اهلل عز وجل‪{:‬فكيف‬
‫َ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ َّ َ ْ َ ْ ْ ُ َّ َ ُ َ حَ ْ ُ َ هَّ ْ َ َ ْ َ‬
‫إِذا أصابتهم م ِصيبة بِما قدمت أي ِدي ِهم ثم جاءوك يلِفون بِاللِ إِن أردنا‬
‫لاَّ ْ َ ً َ َ ْ ً‬
‫إ ِ إِحسانا وتوفِيقا} [النساء‪ ]62:‬يتعذرون بأعذار واهية وحبسن النية‪،‬‬
‫ولكنها مجيعها أعذار مرفوضة‪ ،‬بل ويقسم سبحانه مييناً مغلظة بأن‬
‫َلاَ َ َ ّ َ‬
‫اإلميان الصحيح ال يكون إال باالحتكام لشرع اهلل عز وجل‪{ :‬ف وربِك‬
‫لاَ ُ ْ ُ َ َ ىَّ حَُ ّ ُ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ لاَ جَ‬
‫َُْ‬
‫سه ْم َح َرجاً‬
‫ُ‬
‫يؤمِنون حت يكِموك فِيما شجر بينهم ثم‬
‫ِ‬
‫يدوا يِف أنف ِ ِ‬
‫م َِّما قَ َضيْ َ‬
‫ت َوي ُ َس ّل ِ ُموا ت َ ْسل ِ ً‬
‫يما} [النساء‪.]65:‬‬
‫بعد مساع املسلم هلذا البيان الواضح يف القران الكريم مؤكداً ضرورة‬
‫االلتزام بشرع اهلل يف مجيع معامالتنا‪ ،‬البد للمسلم بعدها من سؤال أهل‬
‫العلم عن شرعية أي عقد يقوم به ومن ذلك عقد اخلدمة يف البيوت‪،‬‬
‫فرمبا كانت صيغة العقد باطل ًة أو فاسدةً واحتاجت لتصحيح أو إلغاء‪،‬‬
‫‪ -1‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء إمساعيل بن عمر الدمشقي‪774‬هـ (تفسري القرآن العظيم) بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬سنة النشر‪1401‬هـ‬
‫ج‪ 2‬ص‪.346‬‬
‫‪254‬‬
‫ويكون بفعله هذا قد حتقق شرط اإلميان فيه كما يف اآليات السابقة‪.‬‬
‫‪ -13‬االلتزام بآداب االستئذان‪:‬‬
‫آداب االستئذان الذي أمر هبا ديننا احلنيف هي عبارة عن سياج يقي‬
‫أعراض الناس‪ ،‬وحيافظ على الود واالحرتام فيما بينهم‪ ،‬فإن قصروا‬
‫هبا وجدوا أنفسهم أمام مواقف كثرية من االطالع على عورات وأسرار‬
‫بعضهم‪ ،‬وهذا يورث الكراهية ورمبا أوقع الفنت‪ ،‬مهما كان الشخص اآلخر‬
‫قريباً‪ ،‬حتى الزوج ربُّ األسرة ال جيوز أن يدخل على زوجته فجأة من دون‬
‫إعالم يف وقت ال تتوقع قدومه‪ ،‬ألنه رمبا وجدها على حال ينقص من‬
‫قدرها يف نفسه‪ ،‬وسترتك مثل هذه املواقف أثراً سيئاً يف نفس الطرفني‪،‬‬
‫ويف احلديث قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إذا قدم أحدكم ليالً‬
‫فال يأتني أهله طروقا حتى تستحد املغيبة ومتتشط الشعثة»(‪ .)1‬أما غري‬
‫الزوج فروي أنه (جاء رجل إىل عبد اهلل قال‪ :‬أأستأذن على أمي فقال‪ :‬ما‬
‫على كل أحياهنا حتب أن تراها)(‪.)2‬‬
‫هذه األحاديث يف حق الزوج واالبن فكيف خلادم غريب عن أهل املنزل‬
‫ال تربطه بينهم قرابة أن يفتح باباً من دون استئذان؟! ثم إن عَدَم التزام‬
‫اخلادم أو اخلادمة بآداب االستئذان تورث الكراهية هلما وتوقعهما يف‬
‫مواقف ال حتمد عقباها‪.‬‬
‫‪ -14‬غض النظر عما ال حيل‪:‬‬
‫َ‬
‫ُ ْ ْ ُ ْ َ َ ُ ُّ‬
‫ْ ََ َْ ُ ُُ َ ُ ْ َ َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫قال تعاىل‪{ :‬قل ل ِلمؤ ِمنِني يغضوا مِن أبصارِهِم ويحفظوا فروجهم ذل ِك‬
‫‪ -1‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 6‬ص‪ 55‬احلديث برقم‪ .5074 :‬قال النووي يف شرح احلديث‪(:‬والطروق بضم الطاء هو االتيان‬
‫فى الليل وكل آت فى الليل فهو طارق‪ ،‬ومعنى تستحد املغيبة أى تزيل شعر عانتها واملغيبة التى غاب زوجها واالستحداد‬
‫استفعال من استعمال احلديدة وهى املوسى واملراد ازالته) النووي (صحيح مسلم بشرح النووي) ج‪ 13‬ص‪.71‬‬
‫‪ -2‬البخاري‪ ،‬أبو عبداهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي ‪256‬ه (األدب املفرد) حتقيق حممد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1409‬هـ‪ .‬ص ‪ 364‬برقم‪.1059 :‬‬
‫‪255‬‬
‫َ ْ ُ ْ‬
‫َُْ ُْ ْ‬
‫َ ْ ىَ َ ُ ْ َّ هََّ َ ٌ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫َ‬
‫ض َن مِنْ‬
‫ات يغض‬
‫أزك لهم إِن الل خبِري بِما يصنعون * وقل ل ِلمؤمِن ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫أبصارِهِن} [النور‪ ،]30-31:‬حذر القرآن من النظر احملرم‪ ،‬وأكد على غض‬
‫البصر وبني أنه فيه تزكية للنفس عن احلرام‪.‬‬
‫يقول األلوسي عن احلكمة من تقديم غض النظر عن حفظ الفرج‪( :‬بدأ‬
‫سبحانه باإلرشاد إىل غض البصر ملا يف ذلك من سد باب الشر‪ ،‬فإن النظر‬
‫باب إىل كثري من الشرور وهو بريد الزنا ورائد الفجور‪ ،‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫كل احلوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر‬
‫واملرء ما دام ذا عني يقلبها يف أعني العِي ِْن موقوف على اخلطر‬
‫كم نظرة فعلت يف قلب فاعلها فعل السهام بال قوس وال وتر‬
‫يسر ناظره ما ضر خاطره ال مرحبا بسرور عاد بالضرر)(‪.)1‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪« :‬إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها خمافيت‬
‫أبدلته إميانا جيد حالوته يف قلبه»(‪.)2‬‬
‫واخلادم ذكراً كان أم أنثى أجنيب عن أهل البيت‪ ،‬وفتنة النظر عنده شديدة‬
‫مع احتمال كثرة املخالطة واخللوات‪ ،‬فيجب أن يكون اخلادم واخلادمة‬
‫أحرص على غض البصر من غريهم‪.‬‬
‫‪ -15‬حتاشي وقوع اخللوة‪:‬‬
‫فقد يتعرض اخلادم أو اخلادمة ملواقف اخللوة بأحد أفراد األسرة‪ ،‬إما‬
‫بانفراد رب األسرة أو أحد أبناءه باخلادمة‪ ،‬أو بانفراد اخلادم بسيدة املنزل‬
‫أو أحد بناهتا‪ ،‬وهذا موقف خطري جداً ال يقبله الشرع اإلسالمي‪ ،‬على‬
‫‪ -1‬األلوسي‪ ،‬أبو الفضل حممود (روح املعاني يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاني) ج ‪ 18‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -2‬الطرباني (املعجم الكبري) ج ‪10‬ص‪ 173‬برقم‪.10384 :‬‬
‫‪256‬‬
‫اخلادم أن يتحاشى وقوع مثل هذه املواقف ويأخذ االحتياطات الالزمة‪،‬‬
‫فعن ابن عباس عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ال خيلون رجل بامرأة‬
‫إال مع ذي حمرم»‪ ،‬فقام رجل فقال‪ :‬يا رسول اهلل امرأتي خرجت حاجَّة‬
‫واكتتبت يف غزوة كذا كذا‪ ،‬قال‪ « :‬ارجع فحج مع امرأتك»(‪.)1‬‬
‫وعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إياكم والدخول على النساء»‪،‬‬
‫فقال رجل من األنصار‪ :‬يا رسول اهلل أفرأيت احلمو‪ ،‬قال‪« :‬احلمو املوت»(‪.)2‬‬
‫هذه اآلداب اإلسالمية السامية اآلنفة الذكر لو أن اخلدم التزموا هبا‬
‫لسلموا وغنموا يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 5‬ص‪ 2005‬برقم‪.4935 :‬‬
‫‪ -2‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 7‬ص‪ 7‬برقم‪.5803 :‬‬
‫‪257‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬آداب املستخدِم‬
‫هناك بعض اآلداب اليت ينبغي للمخدوم أن يراعيها ويلتزم هبا ضمن‬
‫عالقته مع خادمه ليسلم له دينه ودنياه‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم التكرب على اخلادم(‪:)1‬‬
‫فبعض أصحاب النفوس الضعيفة عندما يشعر أن له سلطاناً على أحدٍ‪،‬‬
‫ينتابه إحساس بالعلو واالستكبار‪ ،‬ويؤثر هذا اإلحساس على سلوكه‬
‫بأفعال تشبع هذا املرض لديه‪ ،‬فيطلب من خادمه أن يناديه بألقاب‬
‫التقديس والتعظيم‪ ،‬أو أن يقوم على بابه أو بني يديه‪ ،‬أو يُسمع خادمه‬
‫ألفاظ السخرية واالستهزاء‪ ،‬أو يطلب منه خدمات تافهة‪ ،‬املقصد منها‬
‫التكرب على عباد اهلل ليس إال؛ كمسح حذائه أو إلباسه جلوربيه وغريها‬
‫من خدمات االستذالل‪ ،‬وهو بفعله هذا قد وقع بسخط اهلل وعمل ذنباً‬
‫لأَْ‬
‫َلاَ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫عظيماً‪ ،‬يقول اهلل سبحانه‪{ :‬وال ت َص ّ ِع ْر خ َّد َك ل َِّلن ِ‬
‫اس و ت ْم ِش يِف ا ر ِض‬
‫َّ‬
‫َ َ ً َّ هََّ لاَ حُ ُّ لُ َّ خُ ْ َ َ ُ‬
‫ُ‬
‫ور} [ لقمان‪ ،]18:‬وقوله‪{ :‬إِنه ال‬
‫مرحا إِن الل يِب ك مت ٍ‬
‫ال فخ ٍ‬
‫َ َ َ َ ْ َ ُ هَّ ُ لَىَ لُ ّ َ ْ‬
‫حُ ُّ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫ك قل ِ‬
‫يِب المستكبرِ ِين} [النحل‪ ،]23:‬وقوله‪{ :‬كذل ِك يطبع الل ع ِ‬
‫ُم َت ّ‬
‫كَب َج َّبار} [غافر‪ ،]35:‬ألن الكربياء هلل تعاىل وحده قال عز وجل‪َ :‬‬
‫{و هَلُ‬
‫رِ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫لأَْ‬
‫ْ‬
‫الْكبرْ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ات َوا ْر ِض َو ُه َو ال َعز ُ‬
‫الك ُ‬
‫ُ‬
‫يز حَْ‬
‫او‬
‫م‬
‫الس‬
‫ف‬
‫اء‬
‫ي‬
‫ِيم} [ اجلاثية‪ ،]37:‬ويف‬
‫ِ‬
‫ِ ِ يِ‬
‫ِ‬
‫احلديث عن أبى هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬قال‬
‫اهلل عز وجل‪ :‬الكربياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعين واحداً منهما‬
‫قذفته يف النار»(‪ ،)2‬كما أن الكرب سبب يف حرمان العبد من اجلنة‪ ،‬فعن‬
‫‪ -1‬الغزايل (إحياء علوم الدين) ج‪ 3‬ص ‪.336‬‬
‫‪ -2‬ابو داود (السنن) ج ‪ 4‬ص ‪ 59‬برقم‪.4090 :‬‬
‫‪258‬‬
‫عبد اهلل بن مسعود قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ال يدخل‬
‫اجلنة من كان يف قلبه مثقال حبة من خردل من كرب»(‪.)1‬‬
‫ومن التواضع املأمور به أنه ال مينع كونه خمدوماً أن يعتذر من اخلادم عند‬
‫صدور إساءة حبقه‪ ،‬وهذا ال حيط من قدره‪.‬‬
‫ومن التكرب أن يكون املخدوم صعب العشرة‪ ،‬دائماً حيوج اخلادم إىل املداراة‬
‫ويلجئه إىل االعتذار‪ ،‬فعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬أال‬
‫أخربكم بأكملكم إميانا؛ أحاسنكم أخالقا املوطؤن أكنافا الذين يألفون‬
‫ويؤلفون»(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬النصيحة‪:‬‬
‫للمخدوم دور مهم يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر جتاه اخلادم‪ ،‬ألمور‬
‫كثرية؛ منها أن اخلادم أو اخلادمة غالباً قادم من بيئة بعيدة عن نور العلم‪،‬‬
‫والنصيحة أقرب للتطبيق ألن اخلادم يسعى دائماً إلرضاء خمدومه‪ ،‬وجهل‬
‫اخلادم أو اخلادمة بآداب الدين والدنيا ميكن إزالته بتعهده بالنصيحة‬
‫سواء مبا خيص النظافة أو الطهارة أو االستئذان‪ ،‬أو جهله بعباداته أو عدم‬
‫إدراكه لعاقبة التقصري بالعبادات إن كان اخلادم مسلماً‪ ،‬وقد قال رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‪.)3(»...‬‬
‫‪ -3‬العفو عن الزلة‪:‬‬
‫اإلنسان بضعفه عرضة للخطأ والسهو‪ ،‬وال ينبغي للمخدوم أن حياسب‬
‫‪ -1‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 1‬ص‪ 65‬احلديث برقم‪.275 :‬‬
‫‪ -2‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي بن موسى ‪458‬هـ (شعب اإلميان) حتقيق حممد السعيد بسيوني زغلول‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1410‬هـ‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪ 270‬برقم‪.8118 :‬‬
‫‪ -3‬سبق خترجيه ص‪.248‬‬
‫‪259‬‬
‫اخلادم على كل سقطاته وهفواته‪ ،‬ثم إنه من املستحيل أن جيد خادماً‬
‫معصوماً عن األخطاء‪.‬‬
‫فإن كانت الزلة ناجتة عن تقصري واضح فينبغي تنبيه اخلادم ليتالفى‬
‫غلطه يف املرات القادمة‪ ،‬أما الغلط غري املقصود فالبد من غض النظر‬
‫عنه هنائياً بل من األدب هتدئة روع اخلادم‪ ،‬فلو انكسرت آنية بيد اخلادمة‬
‫ووجدت ربة املنزل عالمات اخلوف عليها فاألفضل أن ختربها أن األمر‬
‫هني‪ ،‬واحلمد هلل أنه مل يتسبب هذا الكسر بإيذائها وعليها أن تنتبه يف‬
‫املرة القادمة‪ ،‬وال تعنفها عليه‪ ،‬وهذا أبلغ من التوبيخ‪ ،‬ويف احلديث عن‬
‫عبد اهلل بن عمر قال‪ :‬جاء رجل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل كم نعفوا عن اخلادم؟ فصمت‪ ،‬ثم أعاد عليه الكالم فصمت‪،‬‬
‫فلما كان يف الثالثة قال‪« :‬اعفوا عنه يف ِّ‬
‫كل يو ٍم سبعني مرَّةً»(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬أن يطعم اخلادم مما يأكل ويلبسه مما يلبس‪:‬‬
‫على املخدوم أن ينظر للخادم أنه أخ له يف اإلنسانية على أقل تقدير‪ ،‬هذا‬
‫إذا مل يكن أخ له يف الدين‪ ،‬فال يصح منه مطلقاً أن يطعمه من فضالت‬
‫طعامه أو مما يأبى أن يأكل أو يطعم منه أهل بيته‪ ،‬أو يلبسه ماال يليق‬
‫من اللباس ألنه بشر له كرامة وأحاسيس وذوق‪ ،‬قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪« :‬إن إخوانكم خولكم‪ ،‬جعلهم اهلل حتت أيديكم‪ ،‬فمن كان أخوه حتت‬
‫يده‪ ،‬فليطعمه مما يأكل‪ ،‬وليلبسه مما يلبس‪.)2(»...‬‬
‫بل يرتقي اإلسالم ألعظم درجات الذوق الرفيع بأن يطلب من املخدوم‬
‫أن يبادر بدعوة اخلادم إىل مائدته إن مل يوجد مانع شرعي أو حرج على‬
‫‪ -1‬أبو داود (السنن) ج‪ 4‬ص‪ 341‬برقم‪.5164 :‬‬
‫‪ -2‬سبق خترجيه ص ‪.156‬‬
‫‪260‬‬
‫اخلادم‪ ،‬وإال فال بد أن يغرف له منه كما يف احلديث عن أبى هريرة قال‪:‬‬
‫قال رسول ال َّله صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إِ َذا صَنَعَ ألَحَدِ ُكمْ خَادِمُهُ َطعَامَهُ‬
‫ثُمَّ جَاءَهُ ِبهِ وَ َقدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ َفلْيُ ْقعِدْهُ مَعَهُ َفلْيَ ْأ ُك ْل َفإِنْ َكانَ َّ‬
‫الطعَامُ‬
‫مَشْ ُفوهًا َقلِيالً َفلْي َ‬
‫َضعْ فِى يَدِهِ مِنْهُ أ ُ ْكل َ ًة أَوْ أ ُ ْكلَتَي ِْن»(‪ ،)1‬قال الراوي‪ :‬يعنى‬
‫لقمة أو لقمتني‪.‬‬
‫‪ -5‬ال يكلف اخلادم فوق طاقته‪:‬‬
‫كما يف حديث أبي ذر رضي اهلل عنه الذي مر سابقاً قال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪« :‬إن إخوانكم خولكم‪ ،‬جعلهم اهلل حتت أيديكم‪ ،‬فمن كان‬
‫أخوه حتت يده‪ ،‬فليطعمه مما يأكل‪ ،‬وليلبسه مما يلبس‪ ،‬وال تكلفوهم ما‬
‫يغلبهم‪ ،‬فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم»(‪ ،)2‬فال حيل للمخدوم تشغيل‬
‫اخلادم بعمل يفوق طاقته ويشق عليه مستغالً حاجته للمال فهذا ظلم‬
‫ومتادي على اخللق‪ ،‬فإن كان وال بد أعان املخدوم اخلادم بنفسه أو بغريه‪.‬‬
‫حتى أن املسلم إذا الحظ مثل هذا الظلم عند أحد وجب عليه أن يزيل‬
‫هذا املنكر بالنصيحة للمخدوم فإن مل يرتدع عليه أن يستعني بالقضاء‬
‫إلنصاف اخلادم‪.‬‬
‫ومن الظلم كذلك أن يكلف اخلادم مبا ليس من عمله‪ ،‬كأن يستغل السائق‬
‫يف تنظيف البيت‪ ،‬أو ترسل ربة املنزل خادمتها لتعمل يف بيت ابنتها‬
‫فتجمع عليها عمل بيتني‪ ،‬بينما تعاقدت يف احلقيقة معها على خدمة‬
‫بيت واحد‪ ،‬ففي هذه األمثلة جيوز تشغيلها بالعمل الزائد بشرط رضاها‬
‫وبأجرة ذلك العمل اإلضايف‪.‬‬
‫‪ -1‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 5‬ص‪ 94‬احلديث برقم‪ .4407 :‬املشفوه‪ :‬القليل ألن الشفاه تكاثرت عليه‪ .‬أي من حق من وىل‬
‫حرَّ شيء وشدته‪ ،‬أن يلي قرّه وراحته‪ .‬فقد تعلقت به نفسه‪ ،‬وشمَّ رائحته‪.‬‬
‫‪ -2‬سبق خترجيه ص ‪.156‬‬
‫‪261‬‬
‫وإضافة ملا سبق جيب مراعاة حال اخلادم يف حال مرضه‪ ،‬أو يف فرتة‬
‫صيامه‪ ،‬وعدم إكثار العمل عليه‪ ،‬روي يف فضل رمضان‪« :‬من خفف عن‬
‫مملوكه فيه غفر اهلل له وأعتقه من النار»(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬املسارعة لدفع األجر‪:‬‬
‫ألن من حق األجري أن يستويف أجرته فور فراغه من عمله‪ ،‬فعن عبد اهلل‬
‫بن عمر قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬أعطوا األجري أجره‬
‫قبل أن جيف عرقه»(‪ ،)2‬وليست هذه املسارعة فضيلة جيود هبا الكرماء‬
‫بل هي حق الزم على املستخدِم‪ ،‬واملماطلة يف دفعه ظلم وخاصة يف حق‬
‫الضعفاء كاخلادم‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬مطل الغين ظلم»(‪.)3‬‬
‫ومن أشنع أشكال الظلم والتعدي انتقاص األجري أجرته أو عدم دفعها‬
‫مطلقاً‪ ،‬فهذه جرمية حذر اهلل منها وتك َّفل بذاته العلية االنتقام من فاعلها‬
‫وحتصيل احلق منهم لصاحبه يوم القيامة كما بني ذلك احلديث الذي‬
‫رواه أبو هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬قال‬
‫اهلل‪ :‬ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة‪ :‬رجل أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورجل باع‬
‫حراً فأكل مثنه‪ ،‬ورجل استأجر أجرياً فاستوفى منه ومل يعطه أجره»(‪.)4‬‬
‫وعلى العكس مما سبق يسن أن يكرم اخلادم بزيادة على أجره املستحق‪،‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬ويستحب أن تعطى عند الفطام عبداً أو أمة كما جاء‬
‫يف اخلرب إذا كان املسرتضع موسرا يعين باخلرب ما روى أبو داود(‪ ...)5‬عن‬
‫‪ -1‬صحيح ابن خزمية ‪( -‬ج‪ 3‬ص‪ )191‬باب فضائل شهر رمضان إن صح اخلرب برقم‪.1887:‬‬
‫‪ -2‬سبق خترجيه ص‪.144‬‬
‫‪ -3‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج‪ 2‬ص‪ 845‬برقم‪.2270:‬‬
‫‪ -4‬سبق خترجيه ص‪37‬‬
‫‪ -5‬أبو داود (السنن) ج‪ 2‬ص‪ 224‬برقم‪.2064 :‬‬
‫‪262‬‬
‫حجاج بن حجاج األسلمي عن أبيه قال قلت‪ :‬يا رسول اهلل ما يذهب عين‬
‫مذمة الرضاع قال‪« :‬الغرة العبد أو األمة»)(‪.)1‬‬
‫‪ -7‬االستئذان يف الدخول على اخلادم‪:‬‬
‫آداب االستئذان يف اإلسالم عامة تشمل مجيع الناس اخلادم ومجيع‬
‫أفراد األسرة‪ ،‬ألهنا شرعت للمحافظة على سرت العورات وصيانة األسرار‬
‫والكرامات ورعاية املشاعر‪ ،‬وكل هذه األشياء حق جلميع الناس وخاصة‬
‫اخلادمة‪ ،‬فلها شؤوهنا اخلاصة ومن حقها أن يكون هلا حجرة خاصة هبا‪،‬‬
‫ال يدخلها أحد من أهل البيت من غري استئذان‪ ،‬يقول يف ذلك الدكتور‬
‫يوسف القرضاوي‪( :‬الضوابط الشرعية ال شك للحماية الكاملة خصوصاً‬
‫للنساء والفتيات‪ ...‬يعين جيب أن تصان أعراضهن وأن تصان حرمتهن وأن‬
‫يكون هلا بيتها‪ ،‬يعين حجرهتا املستقلة اليت‪ ...‬ال جيوز ألحد أن يقتحمها‬
‫عليها أبداً وهذا أمر حيرمه اإلسالم كل التحريم)(‪.)2‬‬
‫إضافة إىل ضرورة مراعاة بقية اآلداب من إلقاء السالم على اخلادم‬
‫واملصافحة بضوابطها الشرعية‪ ،‬ثم إن التزام هذه اآلداب تزرع االحرتام‬
‫واحملبة يف النفوس‪ ،‬فعن أبى هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪« :‬والذي نفسي بيده ال تدخلوا اجلنة حتى تؤمنوا وال تؤمنوا حتى‬
‫حتابوا أفال أدلكم على أمر إذا فعلتموه حتاببتم أفشوا السالم بينكم»(‪.)3‬‬
‫‪ -8‬هتنئته يف فرحه وتعزيته ومواساته يف املصائب‪:‬‬
‫إن للخادم حقوق أدناها حق اجلوار‪ ،‬ثم األخوة يف الدين إن كان مسلماً‪،‬‬
‫‪ -1‬ابن قدامة (املغين) ج‪ 5‬ص‪.290‬‬
‫‪ -2‬اجلزيرة الفضائية ‪-‬برامج القناة‪ -‬الشريعة واحلياة ‪ -‬حقوق العمال وواجباهتم ‪25/6/2006‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪1‬ص‪ 74‬احلديث برقم‪.54 :‬‬
‫‪263‬‬
‫والنيب صلى اهلل عليه وسلم يقول فيما روى أبو هريرة رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫«حق املسلم على املسلم ست»‪ ،‬قيل‪ :‬ما هن يا رسول اهلل قال‪« :‬إذا لقيته‬
‫فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس‬
‫فحمد اهلل فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه»(‪ ،)1‬وروي مرفوعاً‬
‫من حقوق اجلوار‪« :‬إن أصابه خري هنأه أو مصيبة عزاه أو مرض عاده»(‪.)2‬‬
‫ويضاف إىل ذلك اخللق رعاية مشاعر اخلادم‪ ،‬فهو إنسان له أحاسيس‬
‫ومشاعر جيب على املخدوم رعايتها‪ ،‬فللخادمة أهل ورمبا أوالد يف بلد‬
‫بعيدة ومن حقها أن َّ‬
‫متكن من االتصال هبم هاتفياً كل فرتةٍ وخاصة يف أيام‬
‫األعياد‪ ،‬وللخادمة حق اخلروج من البيت للتنزه ولو بصحبة ربة املنزل‪،‬‬
‫وال جيوز حبسها بني جدران املنزل‪.‬‬
‫ورمبا كان يف هذه اآلداب إكرام للخادم أعظم من زيادة أجرته‪ ،‬وجيب‬
‫أال ننسى أن هذه حقوق ألزم هبا الشرع وليست نوافل خييَّر اإلنسان بني‬
‫فعلها وتركها‪.‬‬
‫‪ -9‬صيانة نفسه وماله وعرضه‪:‬‬
‫على رب البيت وأسرته أن يعلموا أن اخلادم أمانة يف بيتهم‪ ،‬وقد دخل‬
‫حبرزهم ومحايتهم‪ ،‬فيجب عليهم أن يصونوا نفسه من األذى وماله من‬
‫الضياع وعرضه أن يناله أحد‪ ،‬وعندما يعلموا مثالً أن اخلادمة قد تتعرض‬
‫للفسّاق بسبب خروجها إلحضار حاجات البيت حيرم عليهم إخراجها ثانية‬
‫دون اختاذ األسباب للحيلولة دون وقوع تعدٍ عليها‪ ،‬كأن خيرج بصحبتها‬
‫أحد أفراد األسرة‪.‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق ج‪ 7‬ص‪ 3‬احلديث برقم‪.5778 :‬‬
‫‪ -2‬السخاوي‪ ،‬مشس الدين حممد بن عبد الرمحن‪ 902‬هـ (املقاصد احلسنة يف بيان كثري من األحاديث املشتهرة على‬
‫األلسنة)‪ ،‬دار الكتاب العربي ج‪ 1:‬ص‪ .271:‬ومل حيكم على احلديث‪.‬‬
‫‪264‬‬
‫واخلادمة عندما وضعت نفسها يف خدمة البيت وأهله هذا ال يعين أهنا‬
‫صارت مباحة املال والنفس والعرض‪ ،‬فعن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪:‬‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال‪« :‬يا‬
‫أيها الناس أي يوم هذا»‪ ،‬قالوا‪ :‬يوم حرام‪ ،‬قال‪« :‬فأي بلد هذا»‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫بلد حرام‪ ،‬قال‪« :‬فأي شهر هذا»‪ ،‬قالوا‪ :‬شهر حرام‪ ،‬قال‪« :‬فإن دماءكم‬
‫وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا يف بلدكم هذا يف‬
‫شهركم هذا»‪ ،‬فأعادها مراراً ثم رفع رأسه فقال‪« :‬اللهم هل بلغت اللهم‬
‫هل بلغت»(‪.)1‬‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ لاَ خَ ُ ُ‬
‫وحيذر سبحانه من خيانة األمانة فيقول‪{ :‬يا أيها ا ِين آ َمنوا تونوا‬
‫هََّ َ َّ ُ َ َ خَ ُ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫الل والرسول وتونوا أمانات ِكم وأنتم تعلمون} [ األنفال‪ ،]27:‬فليحذر‬
‫أهل البيت أن ينالوا من اخلادم أو أن يتهاونوا حبفظ نفسه وماله وعرضه‪،‬‬
‫كضرب اخلادم أوشتمه فعن أبى مسعود األنصاري قال‪ :‬كنت أضرب‬
‫غالماً يل فسمعت من خلفي صوتاً‪« :‬اعلم أبا مسعود هلل أقدر عليك منك‬
‫عليه»‪ ،‬فالتفت فإذا هو رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل هو حر لوجه اهلل‪ ،‬فقال‪« :‬أما لو مل تفعل للفحتك النار أو ملستك‬
‫النار»(‪ ،)2‬وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬مسعت أبا القاسم صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يقول‪« :‬من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد يوم القيامة‬
‫إال أن يكون كما قال»(‪.)3‬‬
‫وكذلك التضييق على اخلادم بطعام أو شراب‪ ،‬وقد أدخل اهلل النار امرأة‬
‫َََ‬
‫{ولق ْد‬
‫يف هرة حبستها(‪ ،)4‬فكيف بإنسان كرمه اهلل بنص القران الكريم‪:‬‬
‫‪ -1‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج ‪ 2‬ص ‪ ،619‬برقم‪.1652:‬‬
‫‪ -2‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 5‬ص‪ 92‬احلديث برقم‪.4398 :‬‬
‫‪ -3‬البخاري‪( ،‬اجلامع الصحيح) ج ‪ 6‬ص ‪ ،2515‬برقم‪.6466 :‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق ج ‪ 2‬ص ‪ ،834‬برقم‪.2236 :‬‬
‫‪265‬‬
‫َ َّ ْ َ َ َ‬
‫َ‬
‫كرمنا ب يِن آ َدم} [اإلسراء‪.]70:‬‬
‫‪ -10‬أن حيذر أن خيلو مع من ال حيل له من أهل البيت‪:‬‬
‫فال جيوز لربة املنزل أن تغادر البيت لتخلو اخلادمة مع ولدها البالغ‬
‫أو زوجها‪ ،‬أو يرتك رب األسرة السائق أو غريه من اخلدم خيلو بربة‬
‫املنزل أو ابنتها‪ ،‬وال بد من اختاذ التدابري الالزمة ملنع وقوع هذه اخللوات‪،‬‬
‫كتخصيص مكان خاص للخادمة أو السائق حبيث ال ختتلط بأهل املنزل‬
‫إال يف أوقات حمددة‪ ،‬ولتتمكن من اعتزاهلم عندما ال يكون الوقت مناسباً‬
‫لقيامها بأعماهلا‪.‬‬
‫‪ -11‬إعطاء اخلادم حقه من االسرتاحة‪:‬‬
‫يف أوقاهتا املعتادة‪ ،‬من النوم يف الليل أو اسرتاحة وسط النهار اليت أشار‬
‫ْ َ ْ َلاَ ِ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ ُ‬
‫ك ْم مِنَ‬
‫حني تضعون ثِياب‬
‫إليها القرآن الكريم‪{ :‬مِن قب ِل ص ة الفج ِر و ِ‬
‫َّ َ ِ َ ْ َ ْ َلاَ ِ ْ َ ِ َلاَ ُ َ ْ َ َ ُ‬
‫ْ‬
‫ات لكم} [ النور‪.]58:‬‬
‫الظ ِهرية ومِن بع ِد ص ة العِشاء ث ث عور ٍ‬
‫وكذلك العطل املعروفة كيوم اجلمعة مثالً‪ ،‬وأوقات قضاء احلاجات‬
‫الطبيعية وأداء عباداته مسلماً كان أو غري مسلم‪ ،‬وهذه األوقات مستثناة‬
‫أصالً من عقد اخلدمة(‪.)1‬‬
‫‪ -12‬اختيار اخلادم من ذوي اخللق والدين‪:‬‬
‫ألن عمله أمانة وقال تعاىل حكاية عن ابنة شعيب عليه السالم‪{ :‬قَالَ ْ‬
‫ت‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُّ لأَْ‬
‫ْ َ َُ َ َ‬
‫ْ َ ْ ْ ُ َّ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َيرَْ‬
‫جره إِن خ م ِن استأجرت القوِي ا مِني}‬
‫إِحداهما يا أب ِ‬
‫ت استأ ِ‬
‫‪ -1‬الشربيين (مغين احملتاج) ج‪ 2‬ص‪.349‬‬
‫‪266‬‬
‫[القصص‪ ،]26:‬ألن اخلادم يستأمن على أهل البيت وأمواهلم وأسرارهم‬
‫وأعراضهم‪ ،‬وإن مل يكن أميناً عليها يناهلا ما يناهلا‪.‬‬
‫ومن أخطر األمانات هي فلذات األكباد اليت توضع أمانة بأيدي املربيات‪،‬‬
‫تلك املربيات اليت بينت اإلحصائيات اليت مرت معنا فقدان معظمهم‬
‫للدين واألخالق والعلم وكل مقومات الرتبية‪ ،‬فليتق اهلل اآلباء فيما أوالهم‬
‫اهلل وال يضيعوا األمانة‪ ،‬ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪« :‬ما من‬
‫عبد يسرتعيه اهلل رعية ميوت يوم ميوت وهو غاش لرعيته إال حرم اهلل‬
‫عليه اجلنة»(‪ ،)1‬أعاذنا اهلل من ذلك‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬مسلم (صحيح مسلم) ج‪ 1‬ص‪ 87‬احلديث برقم‪.380 :‬‬
‫‪267‬‬
‫‪‬‬
‫اخلامتة‬
‫وبعد أن تعرفنا على أحكام اخلدمة يف البيوت يف الشرع اإلسالمي‪ ،‬ثم‬
‫نظرنا يف واقعنا الذي نعيشه يتبني لنا النتائج اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن اخلدمة يف البيوت بأشكاهلا املتنوعة مارسها اإلنسان يف كل‬
‫األزمان‪ ،‬وما دامت ال تنطوي على فعل حمرم فهي من األمور املشروعة يف‬
‫ديننا احلنيف بنصوص القرآن الكريم والسنة املطهرة‪ ،‬حتى أن النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم كان له خدم منهم حمتسبني ومنهم مأجورين‪.‬‬
‫أما إذا كانت اخلدمة على منفعة حمرمة كتقديم اخلمور‪ ،‬أو كانت مباحة‬
‫ولكن اقرتنت مبحرم كخلوة بأجنبية‪ ،‬فال جيوز التعاقد عليها يف اإلسالم‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ليس معنى قولنا أن اخلدمة يف البيوت من األمور املشروعة يعين‬
‫احلث عليها وجعلها من املندوبات أو املستحبات‪ ،‬ولكنها من املباحات‬
‫فحسب‪ ،‬مع أنه يتغري حكمها بتغري أحواهلا وظروفها وأمور اليت تقرتن‬
‫فيها‪ ،‬ولكن حكمها األصلي اإلباحة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أخذت اخلدمة يف البيوت يف واقعنا احلايل شكالً معقداً لتعقد‬
‫حياتنا من جانب وبعدنا عن ديننا من جانب آخر‪ ،‬مما أوجد لنا كمَّا من‬
‫األخطار اليت تكتنف اخلدمة يف البيوت وجتعل إجياد صيغة شرعية هلا‬
‫أمراً شاقاً قد ال يتيسر لغالب املسلمني‪ ،‬يبدأ من اختيار اخلادمة ذات‬
‫الدين واللغة الصحيحة والسلوك السوي واخللق النبيل‪ ،‬ثم تأمني مكان‬
‫‪268‬‬
‫خاص لسكناها منعزل عن أفراد األسرة لتبتعد عن اخللوة واالختالط‬
‫احملرم‪ ،‬مع حتديد ساعات عملها‪ ،‬وضبط سلوك أفراد األسرة باآلداب‬
‫اإلسالمية املتعلقة باخلدمة‪.‬‬
‫كل هذا جيعل اخلدمة يف واقعنا احلايل أمراً غري مرغوب فيه شرعاً إال‬
‫ملن تيقن من نفسه القدرة على مراعاة األحكام الشرعية فيها‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬إن الشرع اإلسالمي أمر املسلم أن ال يزيد يف ترفيه نفسه وتنعيمها‬
‫رغبة يف زيادة األجر يف الدار اآلخرة‪ ،‬وأبو داود يف سننه حتت عنوان‬
‫«احلرص على زيادة األجر عند اهلل مبكابدة الواجبات» ذكر قصة فاطمة‬
‫رضي اهلل عنها عندما أرادت طلب خادم هلا حيث كان جواب النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم هلا‪« :‬ا ّتقي اهلل يا فاطمة‪ ،‬وأدِّي فريضة ربِّك‪ ،‬واعملي‬
‫عمل أهلك‪ ،‬فإِذا أخذت مضجعك فسبِّحي ثالثاً وثالثني‪ ،‬وامحدي ثالثاً‬
‫وثالثني‪ ،‬وكبِّري أربعاً وثالثني‪ ،‬فتلك مائ ٌة فهي خريٌ لك من خاد ٍم»(‪،)1‬‬
‫فلم يرض النيب صلى اهلل عليه وسلم البنته الزهراء رضي اهلل عنها أن‬
‫يُنتقص مقامها يف سبقها على النساء أو يُغلق عليها بابٌ من أبواب األجر‪.‬‬
‫وهذا يبني لنا أن استغناء املسلم عن اخلدم ومكابدته الشاق بنفسه فيه‬
‫أجر كبري‪ ،‬ومن اخلري للمؤمن أن ال يضيِّعه‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬كان خروج املرأة من بيتها للعمل من أهم أسباب استقدام‬
‫اخلادمات للبيوت‪ ،‬وهو املثال األخطر يف خدمة البيوت‪ ،‬حيث رأت أن‬
‫تتالفى تقصريها يف القيام بشؤون بيتها وأطفاهلا بتوكيل مهامها البيتية‬
‫للخادمة‪ ،‬فكان حل املشكلة مبشكلة أشد خطراً وأعظم وبا ًال‪ ،‬ولكن الصواب‬
‫‪ -1‬سبق خترجيه ص‪.37‬‬
‫‪269‬‬
‫أن نعلم أن ميدان عمل املرأة احلقيقي اليت خلقها اهلل له هو بيتها‪ ،‬وأن‬
‫أي أم ٍر يؤدي للتفريط به جرمية حبق نفسها وزوجها وأطفاهلا‪ ،‬ستحاسب‬
‫عليها حساباً عسرياً‪ ،‬و«كفى باملرء إمثا أن يضيع من يعول»(‪ ،)1‬وكل من‬
‫حيثها على خالف ذلك إمنا عدو يريد هلا وجملتمعها الدمار واهلالك‪،‬‬
‫يقول الشنقيطي رمحه اهلل موضحاً ذلك‪( :‬هذه الفكرة الكافرة اخلاطئة‬
‫اخلاسئة املخالفة للحس والعقل وللوحي السماوي وتشريع اخلالق البارئ‬
‫من تسوية األنثى بالذكر يف مجيع األحكام وامليادين فيها من الفساد‬
‫واإلخالل بنظام اجملتمع اإلنساني ما ال خيفى على أحد‪ ،‬إال من أعمى‬
‫اهلل بصريته وذلك ألن اهلل جل وعال جعل األنثى بصفاهتا اخلاصة هبا‬
‫صاحلة ألنواع من املشاركة يف بناء اجملتمع اإلنساني‪ ،‬صالحاً ال يصلحه‬
‫هلا غريها كاحلمل والوضع واإلرضاع وتربية األوالد وخدمة البيت والقيام‬
‫على شؤونه من طبخ وعجن وكنس وحنو ذلك وهذه اخلدمات اليت تقوم‬
‫هبا للمجتمع اإلنساني‪ ،‬داخل بيتها يف سرت وصيانة وعفاف وحمافظة‬
‫على الشرف والفضيلة والقيم اإلنسانية‪ ،‬ال تقل عن خدمة الرجل‬
‫باالكتساب‪ ،‬فزعم أولئك السفلة اجلهلة من الكفار وأتباعهم أن املرأة هلا‬
‫من احلقوق يف اخلدمة خارج بيتها مثل ما للرجل‪ ،‬مع أهنا يف زمن محلها‬
‫ورضاعها ونفاسها ال قدرة هلا على مزاولة أي عمل فيه أي مشقة كما هو‬
‫مشاهد‪ ،‬فإذا خرجت هي وزوجها بقيت خدمات البيت كلها ضائعة من‬
‫حفظ األوالد الصغار وإرضاع من هو يف زمن الرضاع منهم وهتيئة األكل‬
‫والشرب للرجل إذا جاء من عمله‪ ،‬فلو أجروا إنساناً يقوم مقامها لتعطل‬
‫ذلك اإلنسان يف ذلك البيت التعطل الذي خرجت املرأة فراراً منه فعادت‬
‫‪ -1‬سبق خترجيه ص‪.243‬‬
‫‪270‬‬
‫النتيجة يف حافرهتا)(‪.)1‬‬
‫سادساً‪ :‬يبدو أن االستخدام يف واقعه احلايل وعلى األغلب ليس إال مظهراً‬
‫من مظاهر الرتف يف جمتمعاتنا‪ ،‬الرتف الذي أخرب عنه اهلل تعاىل بقوله‪:‬‬
‫َ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ‬
‫َ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ً َ َ ْ َ ُ رَْ َ َ َ َ ُ‬
‫{ِإَوذا أردنا أن نهلِك قرية أمرنا متفِيها ففسقوا فِيها فحق عليها القول‬
‫َ َ َّ ْ َ َ‬
‫اها تَ ْدم ً‬
‫ِريا} [ اإلسراء‪.]16:‬‬
‫فدمرن‬
‫حيث إن إحدى الدراسات يف الكويت تشري إىل أن‪( :‬نصيب كل أسرة‬
‫كويتية حوايل ‪ 3‬خادمات‪ ،‬وهناك أكثر من ‪ 20‬ألف أسرة كويتية تستخدم‬
‫املربيات األجنبيات‪ ،‬باستثناء اخلادم والسائق والبستاني والطباخ وغري‬
‫ذلك)(‪ ،)2‬و (أن ‪ ٪40‬من أولياء األمور قالوا عن آثار املربية‪ :‬ظهور األسرة‬
‫مبظهر الئق)(‪.)3‬‬
‫وتقول الباحثة نورة‪( :‬نالحظ التفاخر يف تصرفات األفراد‪ ...‬التفاخر مبا‬
‫لديهم من اخلدم وجنسية هؤالء اخلدم‪ ،‬وهذا أمر ميكن إثبات من خالل‬
‫ما نراه منتشراً يف األماكن العامة‪ ،‬من عيادات األطباء واملستشفيات‬
‫واألسواق و املالهي‪ ،‬حيث جند أن النساء حيضرون خادماهتن معهن حتى‬
‫ومل يكن يف حاجة إىل خدماهتن)(‪.)4‬‬
‫إذاً فالرتف هو الذي يدفع معظم األسر لالستخدام وليست احلاجة‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬ال بأس ملن حيتاج للخدمة أن يستعني مبن خيدمه ولكن يقلص‬
‫من تلك اخلدمة ما أمكن‪ ،‬فلو متكن من االستعانة خبادم لتنظيف بيته‬
‫‪ -1‬الشنقيطي‪ ،‬حممد األمني بن حممد بن املختار اجلكين ‪1393‬هـ (أضواء البيان)‪ ،‬حتقيق مكتب البحوث و الدراسات‪،‬‬
‫دار الفكر بريوت‪1415 ،‬هـ ‪1995‬م ج‪3‬ص‪.27‬‬
‫‪ -2‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد‪( ،‬خطر املربيات غري املسلمات على الطفل املسلم)‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق ص‪.72‬‬
‫‪ -4‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم‪( ،‬ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪271‬‬
‫كل شهر أو كل أسبوع مثالً‪ ،‬فال مربر خلادم دائم مقيم يف البيت‪ ،‬وإن‬
‫اضطرت ربة البيت خلادمة كل يوم فال حاجة ملبيتها عندها وميكنها‬
‫االستعانة خبادمة تعرفها من أهايل بلدها وليست مستقدمة من اخلارج‪،‬‬
‫تقوم باخلدمة يف النهار وتأوي لزوجها وأطفاهلا ليالً‪ ،‬وهكذا نقلل من‬
‫حدوث األخطار واملصائب‪ ،‬ونريح بالنا من مهوم اخلدم اليت نسمع كثرياً‬
‫من قصصها‪ ،‬واليت فتكت بكثري من بيوت املسلمني‪.‬‬
‫ومما سبق أقرتح التوصيات التالية‪:‬‬
‫‪ 1.1‬حبذا لو أن الدول اإلسالمية سنت قوانني صارمة خاصة باخلدم‬
‫للمحافظة على اجملتمع املسلم وعلى حقوق اخلدم‪ ،‬كاشرتاط تأمني‬
‫مكان مستقل ملبيت اخلادمة كشرط الستقدامها‪ ،‬ملنع مبيتها مع األوالد‬
‫واختالطها بشكل غري مشروع مع أفراد األسرة خوفاً من حصول تعدي‬
‫على اخلادمة أو منها‪ ،‬و كوضع نظام للخدمة من حتديد أوقات العطل‬
‫واالسرتاحات‪ ،‬وعدم تشغيلها خارج البيت املتعاقد عليه‪ ،‬وغريها من‬
‫القيود اليت حتافظ على سالمة قيم وعقيدة وأخالق ولغة جمتمعاتنا‪.‬‬
‫‪ 2.2‬إقامة محالت توعية لكل من اخلدم واملخدومني‪ ،‬لتبيني حقوق‬
‫وواجبات اخلدم واملخدومني‪ ،‬وتبيني العقوبات الشرعية والقانونية لكل‬
‫نوع من أنواع التعديات‪ ،‬عن طريق وسائل اإلعالم املرئية واملسموعة‬
‫والنشرات‪.‬‬
‫‪ 3.3‬إقامة جلان رمسية سواء كانت خريية أو مأجورة خاصة خبدم‬
‫البيوت‪ ،‬إلحصاء وتسجيل مجيع اخلدم يف البيوت املستقدمني بشكل‬
‫خاص وغري املستقدمني بشكل عام‪ ،‬ولتفقد أحوال اخلدم بنظام دوري‬
‫يف أماكن عملهم (يف بيوت خمدوميهم) وكتابة تقرير ملتابعة كل خادمة‬
‫‪272‬‬
‫على حدة‪ ،‬واستقبال اللجان لشكايات اخلدم ومتابعتها أمام اجلهات‬
‫الرمسية‪ ،‬واهلدف من عمل هذه اللجان ضمان مشروعية االستخدام‪،‬‬
‫واحملافظة على سالمة اجملتمع من األضرار اخلطرية الناشئة عن سوء‬
‫االستخدام‪.‬‬
‫‪ 4.4‬إعطاء أمهية للدراسات اليت تعنى يف جمال اخلدمة يف البيوت‬
‫سواء كانت دراسة شرعية يف عقود االستخدام وااللتزامات الناجتة‬
‫عنها‪ ،‬أو دراسة اآلداب الشرعية الناظمة للعالقة بني اخلادم واملخدوم‪،‬‬
‫أو دراسة اجتماعية ميدانية لواقع االستخدام واآلثار الناجتة عنه على‬
‫تربية األطفال وعلى العالقة بني الزوجني وعلى األسرة واجملتمع‪ ،‬وال‬
‫أظن أن الدراسات االقتصادية لظاهرة اخلدمة املعاصرة أقل شأن من‬
‫بقية الدراسات من ناحية تأثريها على البطالة‪ ،‬أو استنزاف الدخل‬
‫الوطين لبلدنا عن طريق العمالة األجنبية‪ ،‬وغريها من الدراسات اليت‬
‫تكشفت لنا أخطاء االستخدام احلايل ليستفاد منها يف خلق وعي عند‬
‫املسلمني ويتمكنوا من حتسني أحواهلم والتخلص من أغالطهم اليت‬
‫توردهم وجمتمعاهتم املهالك‬
‫وأخرياً أسأل اهلل العلي القدير أن يتقبل مين هذا العمل خالصاً لوجهه‬
‫الكريم‪ ،‬وجيعلنا أدالء على اخلري عاملني به‪ ،‬وحيفظنا واملسلمني مجيعاً‬
‫من الفنت ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬ويلهمهم رشدهم أمجعني‪ ،‬آمني واحلمد‬
‫هلل رب العاملني‪.‬‬
‫إبراهيم حممود عثمان آغا‬
‫محاة يف ‪ 17‬صفر ‪1431‬هـ‬
‫املوافق لـــ ‪2010 / 2 / 1‬م‬
‫‪273‬‬
‫الفهارس العامة‬
‫‪ 1.1‬فهرس اآليات القرآنية‪.‬‬
‫‪ 2.2‬فهرس األحاديث النبوية الشريفة‪.‬‬
‫‪ 3.3‬فهرس األعالم‪.‬‬
‫‪ 4.4‬فهرس املراجع واملصادر‪.‬‬
‫‪ 5.5‬فهرس املوضوعات‪.‬‬
‫‪274‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬
‫م‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫ال�سورة ورقم‬
‫الآية‬
‫الآية‬
‫َ َ‬
‫آت َِنا غ َداءنا‬
‫َ َ ْ َ َ ىَ لذَّ َ ُ َ َ َّ‬
‫ِين يَ ْزع ُمون أن ُه ْم آ ََم ُنوا‪...‬‬
‫ألم تر إِل ا‬
‫َ َ ْ خَ ْ ُ ُّ‬
‫قكم ّمِن َّماء َّ‬
‫ني‬
‫ه‬
‫م‬
‫ألم نل‬
‫ِ ٍ‬
‫َّ َهّ َ حُ ُّ َ اَ َ خُ ْ َ ً َ ُ‬
‫خ ً‬
‫ورا‬
‫إِن الل ال يِب من كن متاال ف‬
‫َّ ُ حُ ُّ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫ك َ‬
‫ين‬
‫إِنه ال يِب المست برِ ِ‬
‫َ ُ ْ َ ْ ُ َ َ مَْ َ َ ّ َ‬
‫أهم يقسِمون رحة ربِك‪...‬‬
‫ُ ْ ْ ُ‬
‫أ َْوفوا بِال ُعقودِ‬
‫الكهف‪62 :‬‬
‫النساء‪60-61 :‬‬
‫املرسالت‪20 :‬‬
‫النساء‪36 :‬‬
‫النحل‪23 :‬‬
‫الزخرف‪32 :‬‬
‫املائدة‪1 :‬‬
‫النمل‪1 :‬‬
‫‪ 8‬طس‬
‫ْ‬
‫‪ 9‬لَىَ َ َ ُ َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫يَِ‬
‫ع أن تأجر يِن ثمان حِج ٍج‬
‫‪10‬‬
‫‪11‬‬
‫‪12‬‬
‫‪13‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬
‫‪16‬‬
‫‪17‬‬
‫‪18‬‬
‫‪19‬‬
‫‪20‬‬
‫فإذا قرأت القرآن فاستعذ باهلل‪...‬‬
‫َ ْ َْ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُ ُ‬
‫ور ُهنَّ‬
‫وه َّن أُ ُج َ‬
‫فإِن أرضعن لكم فآت‬
‫ْ‬
‫ّ‬
‫َ َّ حَِ ُ َ َ ٌ َ َ ٌ َ ْ‬
‫ب‪...‬‬
‫فالصالات قان ِتات حاف ِظات ل ِلغي ِ‬
‫لَىَ َ‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫فخ َر َج ع ق ْو ِمهِ يِف زِينتِه‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ َّ َ ْ َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫فكيف إِذا أصابتهم م ِصيبة بِما قدمت أيدِي ِهم‪...‬‬
‫لذَّ‬
‫َْ‬
‫َْ َ‬
‫ٌ‬
‫َلاَ خَ ْ َ‬
‫ف تض ْع َن بِالق ْو ِل ف َي ْط َم َع ا ِي يِف قلبِهِ َم َرض‪...‬‬
‫َلاَ‬
‫ُ ْ ُ َ َ ىَّ حَُ ّ‬
‫َ‬
‫ك ُِم َ‬
‫ِيما َش َ‬
‫وك ف َ‬
‫ج َر‪..‬‬
‫ف َو َر ّبِك ال يؤمِنون حت ي‬
‫ََ َ َ َ َ ً ُ ُ َْ َ َ‬
‫نق َّض فَأَقَ َ‬
‫امهُ‪...‬‬
‫جدارا ي ِريد أن ي‬
‫فوجدا فِيها ِ‬
‫َْْ‬
‫َ َ ْ ْ َ َُ َ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫جره‪...‬‬
‫قالت إِحداهما يا أب ِ‬
‫ت استأ ِ‬
‫ْ َ‬
‫ُ ْ ْ ُ ْ َ ُ ُّ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ِني َيغضوا مِن أبصارِهِم‪...‬‬
‫قل ل ِلمؤ ِمن‬
‫َ‬
‫ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ هّ َّ يَِ ْ‬
‫ت أخ َر َج لِعِ َبادِه ِ‪..‬‬
‫قل من حرم زِينة اللِ ال‬
‫‪ 21‬قل يا أهل الكتاب ال تغلوا يف دينكم‬
‫َّ‬
‫َ ُ َ َّ ُ َ ْ‬
‫‪ 22‬ال تكلف نف ٌس إِال ُو ْس َع َها‬
‫ُ َ ّ ُ هَّ ُ َ ْ لاَّ‬
‫َ َ‬
‫الل نف ًسا إ ِ َما آتاها‬
‫‪ 23‬ال يكل ِف‬
‫القصص‪27 :‬‬
‫النحل‪98 :‬‬
‫الطالق‪6 :‬‬
‫النساء‪34 :‬‬
‫القصص‪79 :‬‬
‫النساء‪62 :‬‬
‫األحزاب‪32 :‬‬
‫‪23‬‬
‫‪254‬‬
‫‪29‬‬
‫‪62‬‬
‫‪258‬‬
‫‪78‬‬
‫‪187‬‬
‫‪153‬‬
‫‪33 - 21‬‬
‫‪146‬‬
‫‪144 - 140‬‬
‫‪49‬‬
‫‪62‬‬
‫‪254‬‬
‫‪228‬‬
‫النساء‪65 :‬‬
‫‪254‬‬
‫الكهف‪77 :‬‬
‫‪33‬‬
‫القصص‪26 :‬‬
‫النور‪30-31 :‬‬
‫األعراف‪32 :‬‬
‫النساء‪171 :‬‬
‫البقرة‪233 :‬‬
‫الطالق‪7 :‬‬
‫‪275‬‬
‫املو�ضع‬
‫‪- 32 - 28‬‬
‫‪266 - 33‬‬
‫‪255‬‬
‫‪86 - 76‬‬
‫‪128‬‬
‫‪49‬‬
‫‪49‬‬
‫‪24‬‬
‫‪25‬‬
‫‪26‬‬
‫‪27‬‬
‫‪28‬‬
‫‪29‬‬
‫‪30‬‬
‫‪31‬‬
‫‪32‬‬
‫‪33‬‬
‫‪34‬‬
‫‪35‬‬
‫‪36‬‬
‫‪37‬‬
‫‪38‬‬
‫‪39‬‬
‫‪40‬‬
‫‪41‬‬
‫‪42‬‬
‫‪43‬‬
‫‪44‬‬
‫‪45‬‬
‫‪46‬‬
‫‪47‬‬
‫‪48‬‬
‫‪49‬‬
‫‪50‬‬
‫َْ َ َ َْ ُ ْ ُ َ ٌ َ ََْ ُ ْ َ ْ‬
‫ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضالً‪...‬‬
‫ْ ُ‬
‫يِلُنفِق ذو َس َع ٍة ّمِن َس َعتِهِ‬
‫َّما فَ َّر ْط َنا يِف الك َِتاب مِن يَ ْ‬
‫ش ٍء‬
‫ِ‬
‫َ ْ َ َ َ ً َ َْ‬
‫من ع ِمل ص حِ‬
‫سهِ‬
‫الا فل ِنف ِ‬
‫ْ‬
‫َلاَ‬
‫َ‬
‫َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ُ‬
‫ِني تض ُعون ث َِيابَك ْم‪...‬‬
‫م ِْن قبْ ِل ص ة ِ الفج ِر وح‬
‫َُْ ْ ْ‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫وأمر بِالعر ِف‬
‫َ‬
‫َ َ َ َ ىلَ‬
‫ُ رْ‬
‫ش َك ب‪...‬‬
‫ِإَون جاهداك ع أن ت ِ‬
‫َ ُ ْ‬
‫هّ َ َ ُّ‬
‫َوأ ْوفوا ب ِ َع ْه ِد اللِ إِذا اَعهدت ْم‪...‬‬
‫َ َ ْ هّ َ ْ ُ ْ َ ُ ْ َ َّ ُ‬
‫وبِعه ِد اللِ أوفوا ذل ِكم وصاكم بِهِ‪...‬‬
‫َ َ َ َ ُ ْ لَىَ ْ ّ َ َّ ْ‬
‫اتلق َوى‪...‬‬
‫رب و‬
‫وتعاونوا ع ال ِ‬
‫َ ُ َ ً‬
‫َ ُ َ‬
‫نسان ضعِيفا‬
‫اإل‬
‫وخل ِق ِ‬
‫َ اَ ُ ُ‬
‫ْ ْ‬
‫وف‬
‫شوه َّن بِال َمع ُر ِ‬
‫وع رِ‬
‫َ‬
‫ْ َّ‬
‫َ َّ َ‬
‫َ ىَ‬
‫َوقض َر ُّبك أال ت ْع ُب ُدوا إِال إِيَّاهُ‪...‬‬
‫َ َ ُ ْ ُ ْ ُّ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُهّ َ ُ‬
‫كمْ‬
‫وال تؤتوا السفهاء أموالكم ال يِت جعل الل ل‬
‫ً‬
‫ق َِياما‪...‬‬
‫َلاَ ُ‬
‫َ‬
‫و ت َص ّ ِع ْر خ َّد َك ل َِّلن ِ‬
‫اس‪...‬‬
‫ْ‬
‫َ َ‬
‫ِني َعليْ َها‬
‫َوال َعا ِمل‬
‫َََْ‬
‫َ‬
‫َ َ َ‬
‫ُْ َ‬
‫ري وأنا بِهِ زعِيمٌ‪...‬‬
‫ول ِمن جاء بِهِ مِحل بعِ ٍ‬
‫َ لَىَ‬
‫ً‬
‫َ جَ ْ َ ُهّ ْ اَ‬
‫ع ال ْ ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ِني َسبِيال‬
‫َولن ي َعل الل ل ِلكف ِِرين‬
‫َ ْ َ دَِ ُ ُ ْ ْ َ َ ْ َ َ ُ َّ َ ْ َينْ اَ‬
‫ضعن أوالدهن حول ِ كمِلَي‪...‬‬
‫والوالات ير ِ‬
‫ََ َ ََ َ َْ ُ‬
‫ك ْم ف ّ‬
‫ِين م ِْن َح َر ٍج‬
‫ادل‬
‫وما جعل علي‬
‫يِ‬
‫ِ‬
‫َ َ َّ ْ َ لإْ َ َ‬
‫ان ب َو دَِ‬
‫اليْهِ ُح ْس ًنا‪...‬‬
‫ووصينا ا ِ نس ِ‬
‫َ ََ َْ َ ْ ُ ْ َ ًََْ ََ َْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫رَْ‬
‫ِإَوذا أردنا أن نهل ِك قرية أمرنا متفِيها‪...‬‬
‫ِإَوذْ قَ َال ُم ىَ‬
‫وس ل َِف َتاهُ‬
‫ْ َ َ ُّ‬
‫َْ ََ ُ‬
‫دت ْم أَن ت َ ْس رَ ْ‬
‫ض ُعوا أ ْوالدك ْم‪...‬‬
‫َإِن أر‬
‫ت ِ‬
‫ََ َ‬
‫َ‬
‫َولق ْد ك َّر ْم َنا بَ يِن آ َد َم‬
‫َللِهَّ ْ‬
‫ولِ َول ِلْ ُم ْؤ ِمن َ‬
‫و ِ العِ َّزةُ َول َِر ُس هِ‬
‫ِني‬
‫لأَْ‬
‫اء ف َّ‬
‫الس َم َ‬
‫َو هَ ُل الْ ِبرْ َ ُ‬
‫ات َوا ْر ِض‪...‬‬
‫او ِ‬
‫ك ِي يِ‬
‫البقرة‪198:‬‬
‫‪34‬‬
‫الطالق‪7 :‬‬
‫‪54‬‬
‫األنعام‪38 :‬‬
‫اجلاثية‪15 :‬‬
‫النور‪58 :‬‬
‫األعراف‪199 :‬‬
‫لقمان‪15 :‬‬
‫النحل‪91:‬‬
‫األنعام‪152 :‬‬
‫املائدة‪2 :‬‬
‫النساء‪28 :‬‬
‫النساء‪19:‬‬
‫‪164‬‬
‫‪266‬‬
‫‪127 - 55‬‬
‫‪133 - 48‬‬
‫‪125‬‬
‫‪125‬‬
‫‪40‬‬
‫‪75‬‬
‫‪59 - 54‬‬
‫اإلسراء‪23-24 :‬‬
‫‪45‬‬
‫النساء‪5-6 :‬‬
‫‪119‬‬
‫لقمان‪18 :‬‬
‫‪258 - 62‬‬
‫التوبة‪60 :‬‬
‫‪137‬‬
‫يوسف‪72 :‬‬
‫‪42‬‬
‫النساء‪141 :‬‬
‫‪114 - 113‬‬
‫البقرة‪233 :‬‬
‫احلج‪78 :‬‬
‫العنكبوت‪8 :‬‬
‫اإلسراء‪16 :‬‬
‫الكهف‪60 :‬‬
‫البقرة‪233 :‬‬
‫اإلسراء‪70 :‬‬
‫املنافقون‪8 :‬‬
‫اجلاثية‪37:‬‬
‫‪276‬‬
‫‪7‬‬
‫‪50‬‬
‫‪128‬‬
‫‪49‬‬
‫‪271‬‬
‫‪23‬‬
‫‪- 97 - 33‬‬
‫‪155‬‬
‫‪266‬‬
‫‪250‬‬
‫‪258‬‬
‫‪51‬‬
‫‪52‬‬
‫‪53‬‬
‫‪54‬‬
‫‪55‬‬
‫‪56‬‬
‫‪57‬‬
‫َ َ َ َ َّ َ لذَّ َ ُ ُ ْ َ َ لاَّ‬
‫اب إ ِ مِن َب ْع ِد َما‬
‫وما تفرق ا ِين أوتوا الكِت‬
‫ُ‬
‫ْ‬
‫َجاءت ُه ُم البَْ ّي ِ َنة‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ْ َ ُ ْ ْ ُ‬
‫آم ُنوا أ ْوفوا بِال ُعقود‬
‫يا أيها ا ِين‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُ ُْ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِيك ْم نَ ً‬
‫يَا َأ ُّي َها الذَّ َ‬
‫ارا‬
‫ِين آ ََم ُنوا قوا أنف َسك ْم َوأهل‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ‬
‫َْ ُ ُ َْ َ َ ُ ْ ََْ ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫كمْ‬
‫َ‬
‫يا أيها ا ِين آ َمنوا ال تأكلوا أموالكم بين‬
‫بِالبَْاط ِِل‪...‬‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ ْ َ حَُ ّ ُ ْ‬
‫َ َ َ َّ ُهّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ات ما أحل الل‬
‫يَا أيها ا ِين آمنوا ال ت ِرموا طيِب ِ‬
‫ُ‬
‫لك ْم‪...‬‬
‫َ َ ُّ َ لذَّ َ َ ُ لاَ خَ ُ ُ هََّ َ َّ ُ َ‬
‫يا أيها ا ِين آ َمنوا تونوا الل والرسول‪...‬‬
‫َُ ُ َ ُ ْ ُ ََ َْ َ‬
‫اب‬
‫ذ‬
‫يسومونكم سوء الع ِ‬
‫‪277‬‬
‫البينة‪4 :‬‬
‫‪173‬‬
‫املائدة‪1 :‬‬
‫‪125‬‬
‫التحريم‪6 :‬‬
‫‪242‬‬
‫النساء‪29 :‬‬
‫‪252 - 162‬‬
‫املائدة‪87 :‬‬
‫‪86‬‬
‫األنفال‪27 :‬‬
‫‪265‬‬
‫البقرة‪49 :‬‬
‫‪21‬‬
‫فهرس األحاديث النبوية الشريفة‬
‫م‬
‫األحاديث‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬
‫أأستأذن على أمي‪...‬‬
‫أتى عليَّ رسول اهلل ‪ ‬وأنا ألعب مع الغلمان‪...‬‬
‫اثنان ال جتاوز صالهتما رؤوسهما‪...‬‬
‫احتجم رسول اهلل ‪ ‬حجمه أبو طيبة‪...‬‬
‫إخوانكم خولكم جعلهم اهلل حتت أيديكم‪...‬‬
‫إذا أبق العبد مل تقبل له صالة‬
‫إذا تبايع الرجالن فكل واحد منهما باخليار‪...‬‬
‫إِ َذا صَنَعَ ألَحَدِ ُكمْ خَادِمُهُ َطعَامَهُ ثُمَّ جَاءَهُ‪...‬‬
‫إذا قدم أحدكم ليالً فال يأتني أهله طرو ًقا‪...‬‬
‫‪ 10‬أذن رسول اهلل ‪ ‬بالغزو‪...‬‬
‫‪11‬‬
‫‪12‬‬
‫‪13‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬
‫‪16‬‬
‫‪17‬‬
‫‪18‬‬
‫‪19‬‬
‫‪20‬‬
‫‪21‬‬
‫‪22‬‬
‫‪23‬‬
‫‪24‬‬
‫‪25‬‬
‫موضع‬
‫التخريج‬
‫‪255‬‬
‫‪252‬‬
‫‪51‬‬
‫‪128‬‬
‫‪156‬‬
‫‪59‬‬
‫‪172‬‬
‫‪261‬‬
‫‪255‬‬
‫‪35‬‬
‫استأجر رسول اهلل ‪ ‬وأبو بكر ‪ ‬رجال‪...‬‬
‫أعطوا األجري أجره قبل أن جيف عرقه‬
‫أفض ُل الصَّدقاتِ ُّ‬
‫ظل ُفسطاطٍ‪...‬‬
‫أقبل رجل إىل نيب ال َّله ‪ ‬فقال‪ :‬أبايعك‪...‬‬
‫اقرؤوا القرآن وال تغلوا فيه‪...‬‬
‫أال أحدثك عين وعن فاطمة‪...‬‬
‫أال أخربكم بأكملكم إميانا‪...‬‬
‫أال ال خيلون رجل بامرأة إال كان ثالثهما‬
‫الشيطان‬
‫إن أحق ما أخذمت عليه أجرا كتاب اهلل‬
‫إن أصابه خري هنأه أو مصيبة عزاه‪...‬‬
‫إن الدنيا حلوة خضرة وإن اهلل مستخلفكم‪...‬‬
‫أن رجال ذكر للنيب أنه خيدع يف البيوع‪...‬‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬خطب الناس يوم النحر‪...‬‬
‫أن عثمان ابتاع من طلحة بن عبيد اهلل‬
‫أرضا‪...‬‬
‫أن عليا أجر نفسه من‪...‬‬
‫‪278‬‬
‫‪38‬‬
‫‪144‬‬
‫‪35‬‬
‫‪47‬‬
‫‪135‬‬
‫‪36‬‬
‫‪259‬‬
‫موضع الورود‬
‫‪255‬‬
‫‪252‬‬
‫‪51‬‬
‫‪128‬‬
‫‪260 - 156‬‬
‫‪59‬‬
‫‪172‬‬
‫‪261‬‬
‫‪255‬‬
‫‪- 66 - 35‬‬
‫‪73‬‬
‫‪38‬‬
‫‪262 - 144‬‬
‫‪73 - 35‬‬
‫‪47‬‬
‫‪135‬‬
‫‪36‬‬
‫‪259‬‬
‫‪230‬‬
‫‪230‬‬
‫‪137‬‬
‫‪264‬‬
‫‪238‬‬
‫‪172‬‬
‫‪265‬‬
‫‪137‬‬
‫‪264‬‬
‫‪238‬‬
‫‪172‬‬
‫‪265‬‬
‫‪169‬‬
‫‪169‬‬
‫‪38‬‬
‫‪38‬‬
‫‪26‬‬
‫‪27‬‬
‫‪28‬‬
‫‪29‬‬
‫‪30‬‬
‫‪31‬‬
‫‪32‬‬
‫‪33‬‬
‫‪34‬‬
‫‪35‬‬
‫‪36‬‬
‫‪37‬‬
‫‪38‬‬
‫‪39‬‬
‫‪40‬‬
‫‪41‬‬
‫‪42‬‬
‫‪43‬‬
‫‪44‬‬
‫‪45‬‬
‫‪46‬‬
‫‪47‬‬
‫‪48‬‬
‫‪49‬‬
‫إن اهلل حيب أن يرى أثر نعمته على عبده‬
‫إن من آخر ما عهد إىل رسول اهلل ‪ ‬أن اختذ‬
‫مؤذناً ال يأخذ على أذانه أجراً‬
‫إن من حسن إسالم املرء تركه ما ال يعنيه‬
‫أن النيب ‪ ‬دخل عليها فزعا يقول‪...‬‬
‫إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم‪...‬‬
‫إ َّنما يَكفيكَ من مج ِع املا ِل خادمٌ‪...‬‬
‫أهنا مسعت النيب ‪ ‬يقول على املنرب‪ ،‬وهي‬
‫متتشط‪«:‬أيها الناس»‪...‬‬
‫أنه علم رجال سورة من القرآن فأهدى إليه‬
‫ثوبا أو قال مخيصة‪...‬‬
‫إياكم والدخول على النساء‬
‫آية املنافق ثالث إذا حدث كذب‪...‬‬
‫أميا عبد أبق فقد برئت منه الذمة‬
‫أميا عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى‪...‬‬
‫البيع صفقة أو خيار‬
‫بينما رجل جير إزاره من اخليالء‪...‬‬
‫متعددوا واخشوشنوا‬
‫حق الزوج على الزوجة أن الهتجر‪...‬‬
‫حق املسلم على املسلم ست‪...‬‬
‫خَرَجْنَا مَعَ النَّ ِبيّ ِ‪ ‬حَتَّى انْ َطل َ ْقنَا إِلَى حَائِطٍ‬
‫يُ َقا ُل لَهُ الشَّو ُْط‪...‬‬
‫خَيْرُكم َقرْنِي ثُمَّ ا َّلذِينَ يَلُونَهُمْ‪...‬‬
‫دخلنا مع رسول اهلل ‪ ‬على أبي سيف القني‪،‬‬
‫وكان ظئراً إلبراهيم‪...‬‬
‫الدِّين النَّصيحة‪...‬‬
‫صعد رسول اهلل ‪ ‬املنرب فنادى بصوت رفيع‬
‫فقال‪« :‬يا معشر من قد أسلم بلسانه«‪...‬‬
‫علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن‬
‫فأهدى إيل رجل‪...‬‬
‫فجاءت امرأة هالل بن أمية رسول اهلل ‪‬‬
‫فقالت له‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن هالل بن أمية‬
‫شيخ ضائع‪...‬‬
‫‪279‬‬
‫‪77‬‬
‫‪77‬‬
‫‪134‬‬
‫‪134‬‬
‫‪253‬‬
‫‪238‬‬
‫‪256‬‬
‫‪36‬‬
‫‪253‬‬
‫‪238‬‬
‫‪256‬‬
‫‪36‬‬
‫‪70‬‬
‫‪70‬‬
‫‪135‬‬
‫‪135‬‬
‫‪257‬‬
‫‪248‬‬
‫‪59‬‬
‫‪59‬‬
‫‪187‬‬
‫‪62‬‬
‫‪69‬‬
‫‪52‬‬
‫‪264‬‬
‫‪257‬‬
‫‪250 - 248‬‬
‫‪59‬‬
‫‪59‬‬
‫‪187‬‬
‫‪62‬‬
‫‪69‬‬
‫‪52‬‬
‫‪264‬‬
‫‪69‬‬
‫‪69‬‬
‫‪32‬‬
‫‪32‬‬
‫‪68‬‬
‫‪68‬‬
‫‪248‬‬
‫‪248‬‬
‫‪248‬‬
‫‪248‬‬
‫‪135‬‬
‫‪135‬‬
‫‪68‬‬
‫‪68‬‬
‫‪50‬‬
‫‪51‬‬
‫‪52‬‬
‫‪53‬‬
‫‪54‬‬
‫‪55‬‬
‫‪56‬‬
‫‪57‬‬
‫‪58‬‬
‫‪59‬‬
‫‪60‬‬
‫‪61‬‬
‫‪62‬‬
‫‪63‬‬
‫‪64‬‬
‫‪65‬‬
‫‪66‬‬
‫‪67‬‬
‫‪68‬‬
‫‪69‬‬
‫‪70‬‬
‫‪71‬‬
‫‪72‬‬
‫‪73‬‬
‫‪74‬‬
‫‪ ...‬فقال األنصاري لليهودي أسقي خنلك قال‬
‫نعم كل دلو بتمرة‪...‬‬
‫فقال رسول اهلل ‪ ‬يا أبا اهليثم أما لك من‬
‫خادم‪...‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ثالثة أنا خصمهم‪...‬‬
‫قدم رسول اهلل ‪ ‬املدينة ليس له خادم‪...‬‬
‫قال اهلل ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة‪...‬‬
‫قال اهلل عز وجل‪ :‬الكربياء ردائي‪...‬‬
‫كانت حتيت امرأة أحبها‪...‬‬
‫كان رسول اهلل ‪ ‬معتك ًفا فأتيته أزوره ليال‬
‫فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي‪...‬‬
‫كان رسول اهلل ‪ ‬يعطيين العطاء فأقول‪:‬‬
‫أعطه من هو أفقر إليه مين‪...‬‬
‫كان النيب ‪ ‬عند بعض نسائه‪ ،‬فأرسلت إحدى‬
‫أمهات املؤمنني بصحفة‪...‬‬
‫كان يكون يف مهنة أهله‪...‬‬
‫كفى باملرء إمثا أن يضيع من يعول‬
‫كنا عند رسول اهلل ‪ ‬فقرأ {طس} حتى بلغ‬
‫قصة موسى‪...‬‬
‫كنت أجريًا البنة غزوان بطعام بطين وعقبة‪...‬‬
‫كنت أضرب غالماً يل فسمعت من خلفي‪...‬‬
‫كنت رجال أكري يف هذا الوجه‪...‬‬
‫كنت قاعداً عند عبد اهلل بن مسعود فجاء‬
‫رجل فقال‪ :‬قدم فالن بإباق‪...‬‬
‫‪131‬‬
‫‪131‬‬
‫‪72‬‬
‫‪72‬‬
‫‪37‬‬
‫‪66‬‬
‫‪144‬‬
‫‪258‬‬
‫‪46‬‬
‫‪37‬‬
‫‪71 - 66‬‬
‫‪262 - 144‬‬
‫‪258‬‬
‫‪46‬‬
‫‪247‬‬
‫‪247‬‬
‫‪139‬‬
‫‪139‬‬
‫‪67‬‬
‫‪67‬‬
‫‪29‬‬
‫‪243‬‬
‫‪29‬‬
‫‪270 - 243‬‬
‫‪153‬‬
‫‪153‬‬
‫‪153‬‬
‫‪265‬‬
‫‪34‬‬
‫‪153‬‬
‫‪265‬‬
‫‪34‬‬
‫‪43‬‬
‫‪43‬‬
‫كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‬
‫‪248‬‬
‫ال طاعة يف املعصية إمنا الطاعة يف املعروف‬
‫ال خيلون رجل بامرأة إال مع ذي حمرم‪...‬‬
‫ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال‪...‬‬
‫ال يشكر اهلل من ال يشكر الناس‬
‫لَمْ يَ ْكذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَثَ َك َذبَاتٍ‪...‬‬
‫لو تعلم املرأة حق الزوج‪...‬‬
‫لو كنت آمرا أحدا أن يسجد ألحد‪...‬‬
‫‪49‬‬
‫‪257‬‬
‫‪259‬‬
‫‪5‬‬
‫‪22‬‬
‫‪51‬‬
‫‪50‬‬
‫‪280‬‬
‫‪252 - 248‬‬
‫ ‪259‬‬‫‪251 - 49‬‬
‫‪257‬‬
‫‪259‬‬
‫‪5‬‬
‫‪22‬‬
‫‪51‬‬
‫‪50‬‬
‫‪75‬‬
‫‪76‬‬
‫‪77‬‬
‫‪78‬‬
‫‪79‬‬
‫‪80‬‬
‫‪81‬‬
‫‪82‬‬
‫‪83‬‬
‫‪84‬‬
‫‪85‬‬
‫‪86‬‬
‫‪87‬‬
‫‪88‬‬
‫‪89‬‬
‫‪90‬‬
‫‪91‬‬
‫‪92‬‬
‫‪93‬‬
‫‪94‬‬
‫‪95‬‬
‫‪96‬‬
‫‪97‬‬
‫‪98‬‬
‫‪99‬‬
‫‪100‬‬
‫‪101‬‬
‫ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من‬
‫النساء‬
‫ما خطبنا نيب اهلل ‪ ‬إال قال‪« :‬ال إميان ملن ال‬
‫أمانة له‪...‬‬
‫ما من عبد يسرتعيه اهلل رعية ميوت‪...‬‬
‫ما من مولود إال يولد على الفطرة‪...‬‬
‫املسلم أخو املسلم ال يظلمه وال يسلمه‬
‫املسلمون عند شروطهم‪...‬‬
‫مطل الغين ظلم‬
‫مقاطع احلقوق عند الشروط‬
‫من استأجر أجرياً فليعلمه أجره‬
‫من خفف عن مملوكه فيه غفر اهلل له‪...‬‬
‫من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد‪...‬‬
‫من كان لنا عامالً فليكتسب‪...‬‬
‫نعم املال الصاحل للرجل الصاحل‬
‫هنى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان‬
‫هنى النيب ‪ ‬عن مثن الكلب‪...‬‬
‫هل معك من القرآن شيء قال معي سورة‬
‫كذا‪...‬‬
‫هي أمي بعد أمي‬
‫وإنه من يعش منكم فسريى اختالفاً‪...‬‬
‫وال تأذن يف بيته إال بإذنه‬
‫والذي نفسي بيده ال تدخلوا اجلنة حتى‬
‫تؤمنوا‪...‬‬
‫ولو أن رجال أمر امرأته أن تنقل‪...‬‬
‫‪ ...‬ولينزعن اهلل من صدور عدوكم املهابة‬
‫منكم‪...‬‬
‫وما أدراك أهنا رقية‪...‬‬
‫يا أم املؤمنني أي شيء كان يصنع‪...‬‬
‫يا عائشة هلمي‬
‫يا رسول اهلل كم نعفو عن اخلادم؟ فصمت‪...‬‬
‫يا رسول اهلل ما يذهب عين مذمة الرضاع‪...‬‬
‫‪281‬‬
‫‪238‬‬
‫‪238‬‬
‫‪247‬‬
‫‪247‬‬
‫‪267‬‬
‫‪225‬‬
‫‪249‬‬
‫‪126‬‬
‫‪262‬‬
‫‪126‬‬
‫‪163‬‬
‫‪262‬‬
‫‪265‬‬
‫‪36‬‬
‫‪77‬‬
‫‪158‬‬
‫‪132‬‬
‫‪267‬‬
‫‪225‬‬
‫‪249‬‬
‫‪126‬‬
‫‪262‬‬
‫‪126‬‬
‫‪163‬‬
‫‪262‬‬
‫‪265‬‬
‫‪36‬‬
‫‪77‬‬
‫‪158‬‬
‫‪132‬‬
‫‪138‬‬
‫‪138‬‬
‫‪70‬‬
‫‪65‬‬
‫‪57‬‬
‫‪70‬‬
‫‪65‬‬
‫‪57‬‬
‫‪263‬‬
‫‪263‬‬
‫‪50‬‬
‫‪50‬‬
‫‪250‬‬
‫‪250‬‬
‫‪42‬‬
‫‪29‬‬
‫‪50‬‬
‫‪260‬‬
‫‪263‬‬
‫‪42‬‬
‫‪29‬‬
‫‪50‬‬
‫‪260‬‬
‫‪263‬‬
‫فهرس األعالم‬
‫الرتجمة‬
‫مو�ضع الورود‬
‫م‬
‫‪ 8‬ابن عابدين‬
‫‪96‬‬
‫‪96-97-121-126-129-138-142‬‬‫‪159-160-170-171-173-213‬‬
‫‪ 9‬ابن قدامة املقدسي‬
‫‪42‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪10‬‬
‫‪11‬‬
‫‪12‬‬
‫‪13‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬
‫‪16‬‬
‫‪17‬‬
‫‪18‬‬
‫الأعالم‬
‫ابن أعبد (علي )‬
‫ابن تيمية‬
‫ابن حجر العسقالني‬
‫ابن حنبل (أبي عبد اهلل أمحد)‬
‫ابن خلدون‬
‫ابن رشد احلفيد‬
‫ابن سينا‬
‫ابن كثري (إمساعيل بن عمر)‬
‫ابن اهلمام (حممد بن عبد الواحد‬
‫السيواسي)‬
‫أبو أسيد (مالك بن ربيعة) رضي اهلل‬
‫عنه‪.‬‬
‫أبو أمامة التيمي‪.‬‬
‫أبو أمامة (صُديّ بن عجالن) رضي‬
‫اهلل عنه‪.‬‬
‫أبو برزة رضي اهلل عنه‬
‫أبو بكر األصم‬
‫أبو بكر السرخسي‬
‫أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه‬
‫‪36‬‬
‫‪49‬‬
‫‪39‬‬
‫‪39‬‬
‫‪85‬‬
‫‪80‬‬
‫‪80‬‬
‫‪36‬‬
‫‪52 - 49‬‬
‫‪394360‬‬
‫‪247 - 135 - 39‬‬
‫‪86 - 85‬‬
‫‪80‬‬
‫‪80‬‬
‫‪66‬‬
‫‪42-44-50-52-53-56-58-59‬‬‫‪60-63-89-90-91-92-93-95‬‬‫‪100-103-107-108-112-113‬‬‫‪115-116-122-125-126-130‬‬‫‪131-140-145-149-150-151‬‬‫‪155-160-171-181-190-200‬‬‫‪215-230-253-260-262-263‬‬‫‪254 - 66‬‬
‫‪60‬‬
‫‪174 - 61 - 60‬‬
‫‪69‬‬
‫‪70 - 69‬‬
‫‪34‬‬
‫‪34‬‬
‫‪72‬‬
‫‪72‬‬
‫‪173‬‬
‫‪38‬‬
‫‪48‬‬
‫‪36‬‬
‫‪173‬‬
‫‪38‬‬
‫‪56 - 51 - 48‬‬
‫‪155 - 90 - 39 - 36‬‬
‫‪- 132 - 116 - 102 - 60 - 39‬‬
‫‪170 - 154 - 150 - 149 - 134‬‬
‫ ‪172‬‬‫‪238 - 158 - 108 - 91 - 90‬‬
‫‪43‬‬
‫‪ 19‬أبو حنيفة النعمان‬
‫‪39‬‬
‫‪ 20‬أبو سعيد اخلدري رضي اهلل عنه‬
‫‪ 21‬أبو عمرو (سعد بن إياس الشيباني)‬
‫‪90‬‬
‫‪43‬‬
‫‪282‬‬
‫أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة رضي اهلل‬
‫‪22‬‬
‫عنه‬
‫‪36‬‬
‫‪ 23‬أبو هريرة رضي اهلل عنه‬
‫‪22‬‬
‫‪ 24‬أبو يوسف (يعقوب بن إبراهيم)‬
‫‪ 25‬أبي بن كعب رضي اهلل عنه‬
‫‪61‬‬
‫‪135‬‬
‫‪ 26‬األسروشين‬
‫‪116‬‬
‫‪27‬‬
‫‪28‬‬
‫‪29‬‬
‫‪30‬‬
‫‪31‬‬
‫‪32‬‬
‫‪33‬‬
‫‪34‬‬
‫‪35‬‬
‫‪36‬‬
‫أمساء بنت أبي بكر‬
‫أم أمين (بركة بنت ثعلبة) رضي اهلل‬
‫عنها‬
‫أم سلمة رضي اهلل عنها‬
‫أم سيف رضي اهلل عنها‬
‫أميمة بنت النعمان بن شراحيل‬
‫اجلونية‬
‫أنس بن مالك رضي اهلل عنه‬
‫بسرة بنت غزوان رضي اهلل عنهما‬
‫جبري بن مطعم رضي اهلل عنه‬
‫احلسن البصري‬
‫احلطاب الرعينى‬
‫‪ 37‬اخلطيب الشربيين‬
‫‪38‬‬
‫‪39‬‬
‫‪40‬‬
‫‪41‬‬
‫‪42‬‬
‫‪43‬‬
‫‪44‬‬
‫‪45‬‬
‫الدردير (أمحد بن حممد العدوي)‬
‫الذهيب (حممد بن أمحد بن عثمان)‬
‫الزهري (حممد بن مسلم)‬
‫سفينة موىل رسول اهلل ‪‬‬
‫سهل بن سعد رضي اهلل عنه‬
‫السيوطي (عبد الرمحن بن أبي بكر)‬
‫الشاطيب (إبراهيم بن موسى)‬
‫الشّافعي مُحَمَّد بن إدريس‬
‫‪ 46‬الشرنباليل حسن بن عمار‬
‫‪53‬‬
‫‪36‬‬
‫‪163 - 153 - 144 - 37 - 5 - 22‬‬
‫ ‪250 - 248 - 225 - 176 - 173‬‬‫ ‪265 - 264 - 262‬‬‫‪172 - 154 - 150 - 126 - 61‬‬
‫‪135‬‬
‫‪- 150 - 149 - 119 - 118 - 116‬‬
‫‪182 - 171‬‬
‫‪53‬‬
‫‪70‬‬
‫‪70‬‬
‫‪70‬‬
‫‪68‬‬
‫‪70‬‬
‫‪68‬‬
‫‪69‬‬
‫‪69‬‬
‫‪65‬‬
‫‪153‬‬
‫‪169‬‬
‫‪176‬‬
‫‪26‬‬
‫‪247 - 82 - 71 - 68 - 65‬‬
‫‪153‬‬
‫‪169‬‬
‫‪176‬‬
‫‪201 - 144 - 136 - 56 - 26‬‬
‫‪53-54-55-56-58-63-64-89‬‬‫‪64-89-94-105-112-115-118‬‬‫‪130-137-140-141-143-146‬‬‫‪154-159-165-167-171-174‬‬‫‪175-177-180-211-230-266‬‬
‫‪55‬‬
‫‪59‬‬
‫‪176 - 134‬‬
‫‪71‬‬
‫‪138‬‬
‫‪124‬‬
‫‪124‬‬
‫‪39-46-54-67-112-113-130‬‬‫‪132-136-145-149-154-167‬‬‫‪176-177-183‬‬
‫‪97‬‬
‫‪53‬‬
‫‪55‬‬
‫‪59‬‬
‫‪134‬‬
‫‪71‬‬
‫‪138‬‬
‫‪124‬‬
‫‪124‬‬
‫‪39‬‬
‫‪97‬‬
‫‪283‬‬
‫‪47‬‬
‫‪48‬‬
‫‪49‬‬
‫‪50‬‬
‫‪51‬‬
‫‪52‬‬
‫طلحة بن عبيد اهلل رضي اهلل عنه‬
‫عائشة رضي اهلل عنها‬
‫عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه‬
‫عبد الرمحن بن شبل رضي اهلل عنه‬
‫علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه‬
‫عبد اهلل بن العباس رضي اهلل عنهما‬
‫‪169‬‬
‫‪29‬‬
‫‪135‬‬
‫‪135‬‬
‫‪36‬‬
‫‪137‬‬
‫‪ 53‬عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنه‬
‫‪34‬‬
‫‪ 54‬عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‬
‫‪43‬‬
‫‪55‬‬
‫‪56‬‬
‫‪57‬‬
‫‪58‬‬
‫‪59‬‬
‫‪60‬‬
‫‪61‬‬
‫‪62‬‬
‫‪63‬‬
‫‪64‬‬
‫عثمان بن أبي العاص رضي اهلل عنه‬
‫عثمان بن عفان رضي اهلل عنه‬
‫عروة بن الزبري بن العوام‬
‫عطاء بن يسار‬
‫عالء الدين احلصكفي‬
‫عمران بن حصني رضي اهلل عنه‬
‫عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‬
‫الغزايل (أبو حامد)‬
‫فاطمة الزهراء رضي اهلل عنها‬
‫القرطيب (حممد بن أمحد)‬
‫‪ 65‬الكاساني (عالء الدين)‬
‫‪66‬‬
‫‪67‬‬
‫‪68‬‬
‫‪69‬‬
‫‪70‬‬
‫حممد بن احلسن (بن فرقد الشيباني)‬
‫معاوية بن أبي سفيان رضي اهلل عنه‬
‫النّووي (حييى بن شرف)‬
‫هالل بن أمية رضي اهلل عنه‬
‫يعلى بن أمية رضي اهلل عنه‬
‫‪134‬‬
‫‪169‬‬
‫‪53‬‬
‫‪176‬‬
‫‪97‬‬
‫‪32‬‬
‫‪34‬‬
‫‪125‬‬
‫‪36‬‬
‫‪21‬‬
‫‪33‬‬
‫‪43‬‬
‫‪36‬‬
‫‪59‬‬
‫‪68‬‬
‫‪35‬‬
‫‪284‬‬
‫‪169‬‬
‫‪176 - 72 - 50 - 38 - 35 - 29‬‬
‫‪135‬‬
‫‪135‬‬
‫‪36‬‬
‫‪265 - 257 - 173 - 137‬‬
‫‪- 172 - 144 - 82 - 46 - 34‬‬
‫‪262 - 260 - 252 - 248 - 187‬‬
‫‪256 - 82 - 71 - 66 - 44 - 43‬‬
‫ ‪259‬‬‫‪134‬‬
‫‪169‬‬
‫‪53‬‬
‫‪176‬‬
‫‪97‬‬
‫‪32‬‬
‫‪230 - 126 - 34‬‬
‫‪125‬‬
‫‪269 - 57 - 53 - 50 - 36‬‬
‫‪116 - 39 - 33 - 21‬‬
‫‪33-34-38-39-43-46-92-98‬‬‫‪103-104-112-125-133-134‬‬‫‪143-145-146-147-148-150‬‬‫‪152-154-155-156-160-161‬‬‫‪162-163-164-166-167-168‬‬‫‪169-170-175-177-178-183‬‬‫‪184-187-189-191-192-193‬‬‫‪194-195-197-198-200-202‬‬‫‪203-204-209-210-211-212‬‬‫‪213-214-221-229-230‬‬
‫‪135 - 103 - 61 - 44 - 43‬‬
‫‪36‬‬
‫‪179 - 151 - 128 - 60 - 59‬‬
‫‪68‬‬
‫‪73 - 66 - 35‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫ القرآن الكريم‪.‬‬‫‪ 1.1‬ابن األثري‪ ،‬أبو السعادات املبارك بن حممد اجلزري ‪ 606‬هـ (النهاية‬
‫يف غريب األثر)‪ ،‬حتقيق طاهر أمحد الزاوي وحممود حممد الطناحي‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬نشر املكتبة العلمية ‪1399‬هـ ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪ 2.2‬ابن تيمية‪ ،‬أبو العباس أمحد عبد احلليم احلراني ‪728‬هـ (فتاوى‬
‫ابن تيمية يف الفقه)‪ ،‬حتقيق عبد الرمحن بن قاسم النجدي‪ ،‬مكتبة ابن‬
‫تيمية‪.‬‬
‫‪ 3.3‬ابن حبان‪ ،‬حممد بن حبان بن أمحد أبو حامت التميمي البسيت‬
‫‪354‬هـ (صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان)‪ ،‬حتقيق شعيب األرنؤوط‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1414‬هـ ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ 4.4‬ابن حجر‪ ،‬أبو الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالني الشافعي‬
‫‪ 852‬هـ (اإلصابة يف متييز الصحابة)‪ ،‬حتقيق علي حممد البجاوي‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1412‬هـ ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ 5.5‬ابن حجر‪ ،‬أبو الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالني الشافعي‬
‫‪852‬هـ (فتح الباري شرح صحيح البخاري)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد‬
‫عبدالباقي‪ ،‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة ‪1379‬هـ‪.‬‬
‫‪ 6.6‬ابن حنبل‪ ،‬أبو عبداهلل أمحد بن حنبل الشيباني ‪241‬هـ (مسند‬
‫اإلمام أمحد بن حنبل)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪.‬‬
‫‪ 7.7‬ابن خلدون‪ ،‬ويل الدين عبد الرمحن ‪ 808‬هـ (املقدمة)‪ ،‬حتقيق عبد‬
‫اهلل حممد درويش‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار البلخي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪285‬‬
‫‪ 8.8‬ابن ضويان‪ ،‬إبراهيم بن حممد بن سامل ‪1353‬هـ‪( ،‬منار السبيل يف‬
‫شرح الدليل)‪ ،‬حتقيق عصام القلعجي‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ 9.9‬ابن عابدين‪ ،‬حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز الدمشقي املفتى‬
‫احلنفي ‪1252‬هـ (حاشية رد احملتار على الدر املختار شرح تنوير األبصار)‬
‫القاهرة‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي احلليب وأوالده‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1386‬هـ‬
‫‪1966‬م‪.‬‬
‫‪ 1010‬ابن عبد الرب‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل القرطيب ‪463‬هـ (الكايف‬
‫يف فقه أهل املدينة)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.1407‬‬
‫‪ 1111‬ابن قدامة‪ ،‬أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي ‪620‬هـ‬
‫(املغين يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل الشيباني) بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ 1212‬ابن كثري‪ ،‬اإلمام احلافظ ابي الفداء امساعيل الدمشقي ‪774‬هـ‪،‬‬
‫(البداية والنهاية)‪ ،‬حتقيق علي شريي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ 1408‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ 1313‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء إمساعيل بن عمر الدمشقي ‪774‬هـ (تفسري‬
‫القرآن العظيم)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬سنة النشر ‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ 1414‬ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويين ‪275‬هـ (سنن ابن‬
‫ماجه)‪ ،‬حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 1515‬ابن مفلح‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن حممد بن عبد اهلل احلنبلي‬
‫‪884‬هـ (املبدع يف شرح املقنع)‪ ،‬بريوت‪ ،‬نشر املكتب اإلسالمي ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ 1616‬ابن منظور‪ ،‬أبي الفضل مجال الدين بن مكرم األفريقي املصري‬
‫‪286‬‬
‫‪ 711‬هـ‪( ،‬لسان العرب)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 1717‬ابن جنيم‪ ،‬زين بن إبراهيم بن حممد بن حممد بن بكر‪970‬هـ‬
‫(البحر الرائق شرح كنز الدقائق)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪ 1818‬ابن اهلمام‪ ،‬كمال الدين حممد بن عبد الواحد السيواسي ‪861‬هـ‬
‫(شرح فتح القدير)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ 1919‬أبو إسحاق الشريازي (طبقات الفقهاء)‪ ،‬حتقيق إحسان عباس‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1970‬هـ‪.‬‬
‫‪ 2020‬أبو بكر ابن قاضي شهبة ‪851‬هـ (طبقات الشافعية)‪ ،‬حتقيق‬
‫د‪ .‬احلافظ عبد العليم خان‪ ،‬بريوت‪ ،‬عامل الكتب للنشر‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ 2121‬أبو حامت‪ ،‬أبو حممد عبد الرمحن بن أبي حامت الرازي التميمي‬
‫‪ 327‬هـ (اجلرح والتعديل)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1271‬هـ ‪1952 -‬م‪.‬‬
‫‪ 2222‬أبو احلسني حممد بن أبي يعلى ‪521‬هـ (طبقات احلنابلة)‪ ،‬حتقيق‬
‫حممد حامد الفقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪ 2323‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث السجستاني األزدي ‪275‬هـ (سنن أبي‬
‫داود) حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 2424‬اآلبي األزهري‪ ،‬صاحل عبد السميع (الثمر الداني يف تقريب املعاني‬
‫شرح رسالة ابن أبي زيد القريواني)‪ ،‬بريوت‪ ،‬املكتبة الثقافية‪.‬‬
‫‪ 2525‬أمحد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي ‪852‬هـ‪،‬‬
‫(لسان امليزان) حتقيق دائرة املعرف النظامية ‪ -‬اهلند‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة‬
‫األعلمي للمطبوعات‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1406‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪287‬‬
‫‪ 2626‬األسروشين‪ ،‬حممد بن حممود بن احلسني بن أمحد احلنفي ت‬
‫‪632‬هـ‪( ،‬جامع أحكام الصغار)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪.‬أبو مصعب البدري وحممود‬
‫عبد الرمحن عبد املنعم‪ .‬دار الفضيلة القاهرة‪.‬‬
‫‪ 2727‬األلوسي‪ ،‬أبو الفضل حممود (روح املعاني يف تفسري القرآن العظيم‬
‫والسبع املثاني)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪.‬‬
‫‪ 2828‬األنصاري‪ ،‬أبو حييى زكريا بن حممد بن أمحد بن زكريا ‪926‬هـ‬
‫(فتح الوهاب بشرح منهج الطالب)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ 2929‬البجريمي‪ ،‬سليمان بن عمر بن حممد (التجريد لنفع العبيد) وهو‪:‬‬
‫(حاشية البجريمي على شرح منهج الطالب)‪ ،‬ديار بكر – تركيا‪ ،‬املكتبة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 3030‬البخاري‪ ،‬أبو عبداهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي ‪256‬هـ‪،‬‬
‫(األدب املفرد)‪ ،‬حتقيق حممد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار البشائر‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1409‬هـ ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ 3131‬البخاري‪ ،‬أبو عبداهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي ‪256‬هـ‬
‫(اجلامع الصحيح)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار ابن كثري‪،‬‬
‫اليمامة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1407‬هـ ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ 3232‬البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس بن إدريس ‪1051‬هـ (الروض املربع شرح‬
‫زاد املستقنع)‪ ،‬الرياض‪ ،‬نشر مكتبة الرياض احلديثة ‪1390‬هـ‪.‬‬
‫‪ 3333‬البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس بن إدريس (كشاف القناع عن منت‬
‫اإلقناع)‪ ،‬حتقيق هالل مصيلحي ومصطفى هالل‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‬
‫‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪288‬‬
‫‪ 3434‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي بن موسى ‪458‬هـ‬
‫(السنن الكربى)‪ ،‬حتقيق حممد عبد القادر عطا‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬مكتبة‬
‫دار الباز‪1414 ،‬هـ ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ 3535‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي بن موسى ‪458‬هـ‬
‫(شعب اإلميان)‪ ،‬حتقيق حممد السعيد بسيوني زغلول‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ 3636‬الرتمذي‪ ،‬حممد بن عيسى أبو عيسى الرتمذي السلمي ‪279‬هـ‬
‫(اجلامع الصحيح سنن الرتمذي)‪ ،‬حتقيق أمحد حممد شاكر وآخرون‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪.‬‬
‫‪ 3737‬اجلمل‪ ،‬العالمة الشيخ سليمان (حاشية اجلمل على املنهج لشيخ‬
‫اإلسالم زكريا األنصاري)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 3838‬احلاكم‪ ،‬أبو عبداهلل حممد بن عبداهلل النيسابوري ‪405‬هـ (املستدرك‬
‫على الصحيحني)‪ ،‬حتقيق مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1411‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ 3939‬احلصكفي‪ ،‬عالء الدين حممد بن علي بن حممد بن علي ‪1088‬هـ‬
‫(الدر املختار شرح تنوير األبصار) (مع حاشية ابن عابدين)‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مطبعة مصطفى البابي احلليب وأوالده‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1386‬هـ ‪1966 -‬م‪.‬‬
‫‪ 4040‬احلطاب الرعيين‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن‬
‫‪ 994‬هـ (مواهب اجلليل)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ 4141‬حيدر‪ ،‬علي (درر احلكام شرح جملة األحكام)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬طبعة ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ 4242‬اخلرشي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل املالكي ‪1101‬هـ (حاشية‬
‫‪289‬‬
‫اخلرشي على خمتصر سيدي خليل)‪ ،‬حتقيق الشيخ زكريا عمريات‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ 4343‬اخلميس‪ ،‬د‪ .‬حممد (اخلادمات وأثرهن على األسرة واجملتمع)‪،‬‬
‫الرياض دار الوطن‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ 4444‬الدارقطين‪ ،‬أبو احلسن علي بن عمر البغدادي ‪385‬هـ (سنن الدار‬
‫قطين)‪ ،‬حتقيق عبد اهلل هاشم مياني املدني‪ ،‬بريوت‪ ،‬نشر دار املعرفة‬
‫‪1386‬هـ ‪1966 -‬م‪.‬‬
‫‪ 4545‬الدردير‪ ،‬أبو الربكات سيدي أمحد حتقيق حممد عليش (الشرح‬
‫الكبري)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 4646‬الدريين‪ ،‬د‪ .‬حممد فتحي (الفقه اإلسالمي املقارن) منشورات‬
‫جامعة دمشق‪ ،‬الطبعة اخلامسة ‪1414‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ 4747‬الدمياطي‪ ،‬أبو بكر السيد البكري بن السيد حممد شطا (حاشية‬
‫إعانة الطالبني على حل ألفاظ فتح املعني)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 4848‬الذهيب‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز ‪748‬هـ‬
‫(سري أعالم النبالء)‪ ،‬حتقيق شعيب األرناؤوط‪ ،‬حممد نعيم العرقسوسي‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة التاسعة ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ 4949‬الذهيب‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قامياز ‪748‬هـ‬
‫(الكبائر)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الندوة اجلديدة‪.‬‬
‫‪ 5050‬الزرقا‪ ،‬أمحد بن حممد ‪1357‬هـ (شرح القواعد الفقهية)‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫دار القلم‪.‬‬
‫‪ 5151‬الزركلي‪ ،‬خريالدين (األعالم)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬الطبعة‬
‫اخلامسة ‪1980‬م‪.‬‬
‫‪290‬‬
‫‪ 5252‬الزيلعي‪ ،‬أبو حممد عبداهلل بن يوسف احلنفي ‪762‬هـ (نصب‬
‫الراية ألحاديث اهلداية)‪ ،‬حتقيق حممد يوسف البنوري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نشر‬
‫دار احلديث ‪1357‬هـ‪.‬‬
‫‪ 5353‬السبكي‪ ،‬تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (طبقات الشافعية‬
‫الكربى)‪ ،‬حتقيق مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ 5454‬السحيباني‪ ،‬عبد احلميد بن عبد الرمحن (التنبيه إىل أضرار‬
‫وخماطر اخلادمات والسائقني) الرياض‪ ،‬دار ابن خزمية‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ 5555‬السخاوي‪ ،‬مشس الدين حممد بن عبد الرمحن ‪902‬هـ (املقاصد‬
‫احلسنة يف بيان كثري من األحاديث املشتهرة على األلسنة)‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي‪.‬‬
‫‪ 5656‬السرخسي‪ ،‬أبو بكر حممد بن أبي سهل مشس األئمة ‪483‬هـ‬
‫(املبسوط)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ 5757‬السلطان عبد احلميد الثاني ‪1842‬هـ ‪1918 -‬م (مذكراتي‬
‫السياسية)‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة اخلامسة ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ 5858‬السمرقندي‪ ،‬أبو بكر عالء الدين حممد بن أمحد ‪450‬هـ (حتفة‬
‫الفقهاء)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 5959‬السيوطي‪ ،‬عبد الرمحن بن أبي بكر ‪911‬هـ (األشباه والنظائر)‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ 6060‬السيوطي‪ ،‬عبد الرمحن بن أبي بكر ‪911‬هـ (طبقات احلفاظ)‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪291‬‬
‫‪ 6161‬السيوطي‪ ،‬عبد الرمحن بن أبي بكر ‪911‬هـ (طبقات املفسرين)‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ 6262‬الشاطيب‪ ،‬إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي املالكي ‪790‬هـ‬
‫(املوافقات يف أصول الفقه)‪ ،‬حتقيق عبد اهلل دراز‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪ 6363‬الشربيين‪ ،‬حممد بن امحد اخلطيب الشربيين ‪ 977‬هـ (اإلقناع يف‬
‫حل ألفاظ أبي شجاع)‪ ،‬حتقيق مكتب البحوث والدراسات‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ 6464‬الشربيين‪ ،‬حممد بن امحد اخلطيب الشربيين ‪977‬هـ (مغين احملتاج‬
‫إىل معرفة معاني ألفاظ املنهاج)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬طبعة‬
‫مصطفى البابي مبصر ‪1377‬هـ ‪1958 -‬م‪.‬‬
‫‪ 6565‬الشنتوت‪ ،‬خالد أمحد (خطر املربيات غري املسلمات على الطفل‬
‫املسلم)‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ 6666‬الشنقيطي‪ ،‬حممد األمني بن حممد بن املختار اجلكين ‪1393‬هـ‬
‫(أضواء البيان)‪ ،‬حتقيق مكتب البحوث والدراسات‪ ،‬دار الفكر بريوت‪،‬‬
‫‪1415‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ 6767‬الشيباني‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن احلسن ‪189‬هـ (احلجة على‬
‫أهل املدينة)‪ .‬حتقيق مهدي حسن الكيالني القادري‪ ،‬بريوت‪ ،‬نشر عامل‬
‫الكتب‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ 6868‬الشريازي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف (املهذب يف فقه‬
‫اإلمام الشافعي)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 6969‬الصويلح‪ ،‬أمل (اخلادمة أمانة فال تضيعيها)‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار الوطن‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1423‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪292‬‬
‫‪ 7070‬الطرباني‪ ،‬أبو القاسم سليمان بن أمحد بن أيوب ‪360‬هـ (املعجم‬
‫الكبري)‪ ،‬حتقيق محدي بن عبد اجمليد السلفي‪ ،‬املوصل‪ ،‬مكتبة العلوم‬
‫واحلكم‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1404‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪ 7171‬الطربي‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير بن يزيد بن خالد ‪310‬هـ‪(،‬جامع‬
‫البيان عن تأويل آي القرآن)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬طبعة ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ 7272‬الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة ‪321‬هـ (شرح‬
‫معاني اآلثار)‪ ،‬حتقيق حممد زهري النجار‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪ 7373‬عبد بن محيد بن نصر ‪249‬هـ (املنتخب من مسند عبد بن محيد)‪،‬‬
‫حتقيق صبحي البدري السامرائي‪ ،‬حممود حممد خليل الصعيدي‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬نشر مكتبة السنة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1408‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ 7474‬عبد احلميد‪ ،‬حميي الدين (يف بيوتنا قنابل موقوتة "السائق‬
‫واخلادمة")‪ ،‬جدة‪ ،‬اخلدمات احلديثة للنشر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1418‬هـ ‪-‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ 7575‬العبدري‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يوسف بن أبي القاسم ‪ 897‬هـ (التاج‬
‫واإلكليل ملختصر خليل)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ 7676‬العظيم آبادي‪ ،‬أبو الطيب حممد مشس احلق (عون املعبود شرح‬
‫سنن أبي داود)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ 7777‬العالئي‪ ،‬خليل بن كيكلدي ‪761‬هـ (حتقيق املراد يف أن النهي‬
‫يقتضي الفساد)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬إبراهيم حممد السلفييت‪ ،‬الكويت‪ ،‬دار الكتب‬
‫الثقافية‪.‬‬
‫‪ 7878‬العيدان‪ ،‬نورة ابراهيم (ظاهرة اخلدم يف األسرة السعودية)‪،‬‬
‫‪293‬‬
‫الرياض‪ ،‬دار الشواف ‪1414‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫‪ 7979‬الغزايل‪ ،‬أبي حامد حممد بن حممد الغزايل ‪505‬هـ (إحياء علوم‬
‫الدين)‪ ،‬مراجعة صدقي حممد مجيل العطار‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر ‪1423‬هـ‬
‫ ‪2003‬م‪.‬‬‫‪ 8080‬الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد بن حممد ‪505‬هـ (الوسيط يف‬
‫املذهب)‪ ،‬حتقيق أمحد حممود إبراهيم‪ ،‬حممد حممد تامر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫السالم‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ 8181‬الغمراوي‪ ،‬حممد الزهري (السراج الوهاج على منت املنهاج)‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ 8282‬القرطيب‪ ،‬أبو عبد اهلل محد بن أمحد بن أبي بكر بن فرح ‪671‬هـ‬
‫(اجلامع ألحكام القرآن)‪ ،‬حتقيق أمحد عبد العليم الربدوني‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫دار الشعب‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1372‬هـ‪.‬‬
‫‪ 8383‬القرشي‪ ،‬أبو حممد عبد القادر بن أبي الوفاء حممد بن أبي الوفاء‬
‫‪775‬هـ (اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية)‪ ،‬كراتشي‪ ،‬مري حممد كتب‬
‫خانه‪.‬‬
‫‪ 8484‬القنوجي‪ ،‬صديق بن حسن ‪1307‬هـ (أجبد العلوم الوشي املرقوم يف‬
‫بيان أحوال العلوم)‪ ،‬حتقيق عبد اجلبار زكار‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫‪ 8585‬الكاساني‪ ،‬عالء الدين الكاساني ‪587‬هـ (بدائع الصنائع يف ترتيب‬
‫الشرائع) بريوت‪ ،‬دار الكتاب العربي للنشر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ 8686‬مالك بن أنس األصبحي رواية اإلمام سحنون (املدونة الكربى)‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار صادر‪.‬‬
‫‪294‬‬
‫‪ 8787‬املباركفوري‪ ،‬أبو العال حممد عبد الرمحن بن عبد الرحيم ‪1353‬هـ‬
‫(حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪( 8888‬جملة األحكام العدلية) مجعية اجمللة‪ ،‬حتقيق جنيب هواويين‪،‬‬
‫تركيا‪ ،‬كارخانه جتارت كتب‪.‬‬
‫‪ 8989‬جممع اللغة العربية (املعجم الوسيط)‪ ،‬املؤلفني‪ :‬إبراهيم مصطفى‬
‫أمحد الزيات حامد عبد القادر حممد النجار‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪.‬‬
‫‪ 9090‬حممد بن سعد بن منيع أبو عبداهلل البصري الزهري (الطبقات‬
‫الكربى)‪ ،‬حتقيق إحسان عباس‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1968‬م‪.‬‬
‫‪ 9191‬املرداوي‪ ،‬أبو احلسن علي بن سليمان ‪ 885‬هـ (اإلنصاف يف معرفة‬
‫الراجح من اخلالف على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل)‪ ،‬حتقيق حممد‬
‫حامد الفقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪.‬‬
‫‪ 9292‬مسلم‪ ،‬أبو احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري ‪261‬هـ‬
‫(صحيح مسلم)‪ ،‬حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العربي‪.‬‬
‫‪ 9393‬املناوي‪ ،‬عبد الرؤوف (فيض القدير شرح اجلامع الصغري)‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫املكتبة التجارية الكربى‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1356‬هـ‪.‬‬
‫‪( 9494‬املوسوعة الفقهية الكويتية) إصدار وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية ‪ -‬الكويت‪ ،‬طباعة ذات السالسل الكويت‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪1406‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ 9595‬النسائي‪ ،‬أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب ‪ 303‬هـ (السنن الكربى)‬
‫حتقيق د‪ .‬عبد الغفار سليمان البنداري‪ ،‬سيد كسروي حسن‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫‪295‬‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1411‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪ 9696‬النفراوي‪ ،‬أمحد بن غنيم بن سامل املالكي ‪1125‬هـ (الفواكه الدواني‬
‫على رسالة ابن أبي زيد القريواني)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ 9797‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن شرف بن مري ‪676‬هـ (هتذيب األمساء‬
‫واللغات)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ 9898‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن شرف بن مري ‪676‬هـ (روضة الطالبني‬
‫وعمدة املفتني)‪ ،‬بريوت‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ 9999‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن شرف بن مري ‪676‬هـ (صحيح مسلم‬
‫بشرح النووي)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1392‬هـ‪.‬‬
‫‪ 10100‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن شرف بن مري ‪676‬هـ (اجملموع شرح‬
‫املهذب)‪ ،‬حتقيق حممود مطرحي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1417‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ 10101‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييى بن شرف بن مري ‪676‬هـ (منهاج الطالبني‬
‫وعمدة املفتني)‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪296‬‬
‫‪‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬
‫الموضوع‬
‫شكر وتقدير ‪4 ........................................................‬‬
‫املقدمة ‪5 .............................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم اخلدمة يف البيوت ومكانتها يف الشريعة اإلسالمية‬
‫‪17 ........................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اخلدمة يف البيوت ‪18 ...........................‬‬
‫متهيد‪ :‬حملة تارخيية عن اخلدمة يف البيوت ‪19 ..................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف اخلدمة لغ ًة واصطالحاً ‪23 ...............‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالبحث ‪27 ...................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬مشروعية اخلدمة وحكمها ‪30 ........................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مشروعية اخلدمة ‪31 .............................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬حكم اخلدمة يف البيوت ‪44 ......................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اخلدمة يف زمن التشريع ‪64 .....................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬دور اخلدمة االجتماعي ‪73 .........................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حاجة الفرد للخدمة ‪74 ...........................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬حاجة اجملتمع للخدمة ‪77 .......................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬عقد اخلدمة يف البيوت ‪86 ..............................‬‬
‫‪297‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أنواع عقد اخلدمة يف البيوت ‪88 ....................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عقد اخلدمة اخلاصة (إجارة عني) ‪91 ...........‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عقد اخلدمة يف عمل معني (إجارة متعلقة بالذمة) ‪..‬‬
‫‪98 .......................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬عقد اخلدمة يف عمل معني مرتبط بزمن ‪101 .....‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬اجلعالة يف عقد اخلدمة ‪106 .....................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬انعقاد عقد اخلدمة ‪109 .............................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أركان عقد اخلدمة ‪110 ............................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬شروط عقد اخلدمة ‪159 .........................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ما يرتتب على وقوع عقد اخلدمة ‪174 ............‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬إهناء عقد اخلدمة يف البيوت ‪186 ...................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬إهناء عقد اخلدمة بسبب املخدوم ‪188 .............‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬إهناء عقد اخلدمة بسبب األجري ‪193 ..............‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬إهناء عقد اخلدمة من الطرفني ‪197 ..............‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ما يرتتب على إهناء عقد اخلدمة ‪199 ..............‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬عوارض اخلدمة يف البيوت وأخطارها وآداهبا ‪205 .......‬‬
‫املبحث األول‪ :‬عوارض اخلدمة يف البيوت ‪207 .......................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عوارض اخلدمة بسبب اخلادم ‪208 ................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عوارض اخلدمة بسبب املستخدِم ‪218 ............‬‬
‫‪298‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التعديل يف عقد اخلدمة ‪221 .....................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أخطار اخلدمة يف البيوت ‪224 .......................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬العوامل املسببة ألخطار اخلدمة ‪226 .............‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬األخطار الناشئة عن اخلدمة يف البيوت ‪233 .....‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬آداب اخلدمة يف البيوت ‪245 ..........................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬آداب اخلادم ‪246 ...................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬آداب املستخدِم ‪257 ................................‬‬
‫اخلامتة ‪267 .............................................................‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية ‪274 ..............................................‬‬
‫فهرس األحاديث النبوية الشريفة ‪277 ...................................‬‬
‫فهرس األعالم ‪281 ......................................................‬‬
‫فهرس املراجع واملصادر ‪284 .............................................‬‬
‫فهرس املوضوعات ‪296 ..................................................‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪299‬‬
‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫اخلدمة يف البيوت أحكامها وضوابطها الشرعية‬
‫فقهي نادراً ما يتطرق إليه أحدٌ من املشتغلني بالدراسات الشرعية‪،‬‬
‫يتطرَّق هذا الكتاب إىل جما ٍل‬
‫ٍّ‬
‫وهو فقه التعامل مع اخلادمات يف البيوت وضوابطه الشرعية وذلك ضمن كتابٍ‬
‫إلكرتوني حيمل‬
‫ٍّ‬
‫عنوان‪" :‬اخلدمة يف البيوت ‪ ..‬أحكامها وضوابطها الشرعية" ملؤلفه الشيخ إبراهيم حممود العثمان‬
‫آغا‪ .‬والكتاب عبارة عن رسالة أعدت لنيل درجة املاجستري يف الدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫***‬
‫اجلميل يف موضوع الكتاب هو تصدِّيه ألمو ٍر ثالثة‪ :‬أوهلما‪ :‬أنه يغطي جانباً مهمَّاً ومعاصراً قد يهمُّ‬
‫بالدرجة األوىل أهل اخلليج العربي حيث تكاد ال ختلو أسرة خليجية من وجود خادمة أو خادم‪،‬‬
‫بينما هي عادة وافدة مع بداية هذا القرن على بالد الشام وبدأت تنتشر وتأخذ موضعاً من القبول‬
‫واالستساغة وتربير وجودها بل واستحسانه ضمن معايري بدأت بالتفاخر االجتماعي أوالً ورمبا‬
‫حتولت شيئاً فشيئاً إىل تغطية حاجة اجتماعية أسرية لدى شرحية غري قليلة من الناس‪ ،‬وصار‬
‫هناك مكاتب لتوريد العمالة إىل املنازل وخاصة العمالة اآلسيوية‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أنَّ املوضوع يُظهر مدى اهتمام اإلسالم باإلنسان أيَّاً كان خادماً أم خدوماً‪ ،‬االهتمام‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫***‬
‫د‪ .‬منقذ العقاد‬
‫الرئيس التنفيذي لدار أبي الفداء العاملية للنشر‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ولكننا "دين معاملة" واملعاملة هي احملك االختباري ملدى مصداقية عبادتنا وجدواها‪.‬‬
‫العاملية للن�شر والتوزيع والرتجمة‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪300‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫وثالث تلك األمور تشجيع الباحثني يف الشؤون الشرعيَّة على التطرق إىل مسائل معاصرة ‪..‬‬
‫تتمحور حول فقه املعامالت اإلنسانية بعد أن أُختِمَت رفوف مكتباتنا بفقه العبادات على أمهيتها‪،‬‬
‫‪‬‬
‫البيوت‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ونيل احلقوق وكم حنن حباجة ملعرفة هذه األحكام والضوابط املتعلقة بالتعامل مع اخلدم يف‬
‫‪‬‬
‫ِّ‬
‫ليوضح مدى اعتناء اإلسالم بتحقيق العدالة‬
‫حبقوقه وواجباته وعالقاته االجتماعية واألسرية‪،‬‬