تحميل الملف المرفق

‫العولمة االقتصادية‬
‫رؤى استشرافية في مطلع القرن الواحد والعشرين‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪1‬‬
‫ الكتاب‪ :‬العوملة االقتصادية‬‫ املؤلف‪ :‬د‪ .‬عبد احلليم عمار غربي‬‫ التصنيف‪ :‬اقتصاد‬‫ اإلصدار اإللكرتوني األول‪ :‬يناير ‪ /‬كانون الثاني ‪2013‬‬‫ الرقم الدويل املتسلسل للكتاب‪978-9933-9129-5-6 :‬‬‫اإلشراف الفين العام‪ :‬جمموعة دار أبي الفداء العاملية للنشر والتوزيع والرتمجة‬
‫جمموعة دار أبي الفداء العاملية للنشر والتوزيع والرتمجة‬
‫سوريا ‪ -‬محاة ‪ -‬ساحة العاصي ‪ -‬مقابل الربيد ‪ -‬ص‪ .‬ب‪132 :‬‬
‫هاتف‪00963-33-2224438 :‬‬
‫فاكس‪00963-33-2224439 :‬‬
‫جوال‪00963-95-1211079 :‬‬
‫الوكالء يف اخلارج‪:‬‬
‫ اإلمارات العربية املتحدة‪ :‬عبد اهلل العقاد ‪ -‬هاتف‪00971508289982 :‬‬‫ اململكة العربية السعودية‪ :‬هشام اخليواني ‪ -‬هاتف‪00966500886376 :‬‬‫اآلراء الواردة يف كتب الدار تعرب عن مؤلفيها وال تعرب بالضرورة عن رأي الدار‬
‫‪2‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫الرسالة والغاية‬
‫إن مشروع (كتاب االقتصاد اإلسالمي االلكرتوني اجملاني) يهدف إىل‪:‬‬
‫ ‪-‬تبــي نشــر مؤلفــات علــوم االقتصــاد اإلســامي يف الســوق العاملــي‬
‫لتصبــح متاحــة للباحثــن واملشــتغلني يف اجملــال البحثــي والتطبيقــي‪.‬‬
‫ ‪-‬يعترب النشر االلكرتوني أكثر فائدة من النشر الورقي‪.‬‬
‫ ‪-‬كما أن استخدام الورق مسيء للبيئة ومنهك هلا‪.‬‬
‫واهلل من وراء القصد‬
‫عن أسرة مشروع كتاب االقتصاد اإلسالمي االلكرتوني اجملاني‬
‫الدكتور سامر مظهر قنطقجي‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪3‬‬
‫توضيح‬
‫يُمنع نســخ أو اســتعمال أي جزء من هذا الكتاب بأي وســيلة تصويرية أو ميكانيكية‬
‫مبــا يف ذلــك التســجيل الفوتوغــرايف والتســجيل علــى أشــرطة أو أقــراص مدجمــة أو‬
‫أي وســيلة نشــر أخرى أو حفظ املعلومات واســرجاعها دون إذن خطي من الناشــر‪.‬‬
‫إن كل ما ورد يف الكتاب هو حقوق حبثية للمؤلف‬
‫ويسمح املؤلف باستخدام هذ الكتاب كمنهج أكادميي جماناً‬
‫‪www.kantakji.com‬‬
‫‪4‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫أصل هذا الكتاب‪:‬‬
‫ رســالة علميــة مقدَّمــة إىل كليــة العلــوم االقتصاديــة والتجاريــة وعلــوم التســيري‪،‬‬‫جبامعــة ســطيف‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬بعنــوان‪:‬‬
‫العوملة االقتصادية‬
‫أبعادها وآثارها وانعكاساهتا مع إشارة خاصة لالقتصاد اجلزائري‬
‫ وقد نال هبا الباحث درجة البكالوريوس بتقدير ممتاز‪ ،‬بتاريخ ‪.1999/07/01‬‬‫ وتكوّنت جلنة املناقشة من األعضاء‪:‬‬‫• • د‪ .‬الطاهر بن يعقوب رئيساً‬
‫مشرفاً‬
‫• • د‪ .‬صاحل صاحلـي‬
‫مناقشاً‬
‫• • د‪ .‬كمـال دمـدوم‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫إهداء‬
‫أمحــد اهلل عــز وجــل محــداً كثــراً ال يــوايف نعمــه‪ ،‬أن و ّفقــي يف أداء أحباثــي‪« ،‬يــا ربّ‬
‫لــك احلمــد كمــا ينبغــي جلــال وجهــك وعظيــم ســلطانك»‪.‬‬
‫إىل والــديّ الكرميــن‪ ،‬أمــي وأبــي‪ ،‬اللذيْــن تعبــا مــن أجــل تعليمــي‪ ،‬فلن أنســى فضلهما‬
‫عل ـيّ مادم ـتُ حي ـاً‪ ،‬كــم كانــا يل أب ـاً عظيم ـاً وأم ـاً فاضلــة‪« ،‬وقــل ربّ ارمحهمــا كمــا‬
‫ربّيانــي صغــراً»‪.‬‬
‫إىل إخوتي األعزاء وأخواتي العزيزات‪ ،‬ومجيع أفراد أسرتي الكبرية (أقاربي)‪.‬‬
‫إىل مجيــع املعلّمــن واألســاتذة األفاضــل الذيــن كان يل الشــرف أن تتلمــذتُ علــى‬
‫أيديهــم عــر مســرة دراســية بــدأت مــن ابتدائيــة عبــد احلميــد بــن باديــس إىل‬
‫متوســطة ‪ 8‬مــاي ‪ ،1945‬مــروراً بثانويــة ابــن خلــدون وأخــراً جامعــة فرحــات عبــاس‪.‬‬
‫إىل زميلــي «مســر بــن ســامل» الــذي أحيّيــه علــى جمهوداتــه وإســهاماته يف كتــاب‬
‫العوملــة – الشــيِّقة والشــاقة – متمنيــاً لــه الســعادة يف حياتــه العائليــة واملهنيــة‬
‫والعلميــة‪...‬‬
‫إىل كل أصدقاء وطلبة آخر دفعة للقرن العشرين‪.‬‬
‫إىل هؤالء مجيعاً أهدي باكورة جهدي املتواضع‪.‬‬
‫عبد احلليم‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪7‬‬
‫شكر وتقدير‬
‫أشكر اهلل سبحانه وتعاىل على توفيقه يل يف إمتام هذا الكتاب‪.‬‬
‫أشــكر األســتاذ املشــرف «د‪ .‬صــاحل صاحلــي» علــى جمهوداتــه اجلبّــارة‪ ،‬والــذي مل‬
‫يبخــل عل ـيّ بنصائحــه الثمينــة وتوجيهاتــه القيِّمــة‪ ،‬فــكان يل نِعــم املشــرف‪.‬‬
‫أشــكر كل األصدقــاء الذيــن أســهموا معــي يف البحــث علــى املراجــع واحلصــول علــى‬
‫مقــاالت وتقاريــر‪.‬‬
‫أشــكر حمافــظ وعمــال مكتبــة كليــة االقتصــاد ومكتبــة الدوريــات علــى مســاعدهتم‬
‫يل‪.‬‬
‫أشكر كل طلبة دفعة ‪ 1999‬لكلية االقتصاد جبامعة سطيف‪.‬‬
‫كمــا ال يفوتــي أن أتوجَّــه جبزيــل الشــكر إىل دار أبــي الفــداء العامليــة للنشــر والتوزيــع‬
‫والرتمجــة الــي أتاحــت هلــذا العمــل اخلــروج إىل النــور‪.‬‬
‫عبد احلليم‬
‫‪8‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫مقدمة‬
‫متهيد‪:‬‬
‫ال شــيء يشــغل املفكريــن والسياســيني واالقتصاديــن يف أرجــاء العــامل أكثــر مــن‬
‫احلديــث أو الكتابــة عــن القــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬وكثــراً مــا يــردّد التســاؤل‪ :‬ملــاذا‬
‫ك ّل هــذا االهتمــام واالنشــغال؟ أليــس القــرن الواحــد والعشــرون هــو قــرن آخــر مثــل‬
‫الــذي ســبقه والــذي ســيأتي بعــده يف س ـجّالت التاريــخ؟‬
‫فمَــن يتص ّفــح التاريــخ جيــد أن العــامل شــهد تغيُّــرات يف هنايــة كل قــرن؛ فمثلمــا هــو‬
‫اجلــدل قائــم اليــوم حــول أطروحــة صــراع احلضــارات للمف ّكــر األمريكــي «صاموئيــل‬
‫هانتنغتــون» طــرح املف ّكــر األملانــي «ماهــان» القضيــة نفســها يف هنايــة القــرن التاســع‬
‫عشر (‪.)1‬‬
‫ومــع ذلــك؛ فــإن القــرن احلــادي والعشــرين بالنســبة للعــامل ميلــك قــوة ذاتيــة يؤ ِّثــر‬
‫هبــا يف غــره مــن التواريــخ واألحــداث؛ حيــث تتميّــز بدايتــه بتحــوالت دوليــة وإقليميــة‬
‫وحمليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬فعلى الصعيد الدويل‪:‬‬
‫• •ســقوط املعســكر االشــراكي وتفـرُّد الــدول الرأمساليــة بقيــادة أمريــكا بــإدارة‬
‫العالقــات االقتصاديــة والدوليــة؛‬
‫• •تنامــي التكتــات االقتصاديــة الكــرى (كاإلحتــاد األوربــي‪ ،‬منطقــة التجــارة‬
‫احلــرة ألمريــكا الشــمالية‪)...‬؛‬
‫• •تزايــد االندماجــات املؤسّســية املتعــددة اجلنســيات يف الفــروع اإلســراتيجية‬
‫(كالطــران‪ ،‬االتصــاالت‪ ،‬الطاقــة‪.)...‬‬
‫ ‪-‬وعلى الصعيد اإلقليمي‪:‬‬
‫• •تع ُّثــر اجلهــود التكامليــة يف املغــرب العربــي واملشــرق العربــي ويف بلدان االحتاد‬
‫(‪ )1‬مجيل مطر‪« ،‬حدود على السياسة‪ ..‬يف عامل بال حدود»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1998/10( ،236‬ص‪.9 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪9‬‬
‫الســوفياتي السابق؛‬
‫• •إخفــاق السياســات املتمحــورة حــول إدارة أزمــة املديونيــة‪ ،‬وضحالــة نتائــج‬
‫التحريــر واالنفتــاح املرتبــط هبــا؛‬
‫• •تطــور األزمــات املاليــة يف البلــدان احلديثــة التصنيــع بشــرق آســيا بنمورهــا‬
‫وأشــباهلا‪ ،‬وتزايــد االختــاالت االقتصاديــة والسياســية املرتبطــة هبــا‪ ،‬وتوسُّــع‬
‫انعكاســاهتا الســلبية‪.‬‬
‫ ‪-‬أما على املستوى احمللي‪:‬‬
‫• •شهد تدهور األوضاع االقتصادية والسياسية واالجتماعية والثقافية‪...‬‬
‫وت ّتســم بدايــة هــذا القــرن كذلــك‪ ،‬بــوالدة مفاهيــم ومصطلحــات جديــدة كالنظــام‬
‫العاملــي اجلديــد‪ ،‬اقتصــاد الســوق‪ ،‬اخلوصصــة‪ ،‬االنفتــاح‪ ،‬العوملــة‪...‬؛ علــى حســاب‬
‫مصطلحــات أخــرى مثــل‪ :‬شــرق‪-‬غرب‪ ،‬مشال‪-‬جنــوب‪ ،‬العــامل الثالــث‪ ،‬التأميــم‪،‬‬
‫التنميــة االقتصاديــة‪...‬‬
‫فهــل ميكــن اعتبــار «العوملــة االقتصاديــة» خطــراً قادمـاً وإرادة للهيمنــة‪ ،‬ويتطلّــب مــن‬
‫فخهــا‪ ،‬أم أهنــا خيــار مســتقبلي‪ ،‬تفتــح آفاقـاً‬
‫دول العــامل مواجهتهــا لعــدم الوقــوع يف ِّ‬
‫وفرصـاً لتجــاوز واقــع التخلــف واللحــاق بالعصــر؟‬
‫ولإلجابة عن هذه اإلشكالية نطرح التساؤالت التالية‪:‬‬
‫ ‪-‬مــا مفهــوم العوملــة‪ ،‬ومــا جتلياهتــا املختلفــة؟ وهــل هــي ظاهــرة تارخييــة أم‬
‫تكنولوجيــة أم أيديولوجيــا جديــدة؟ ومــا الوهــم واحلقيقــة يف عوملــة االقتصــاد؟‬
‫ ‪-‬كيــف حتــدث ظاهــرة العوملــة؟ هــل تتشــكل تلقائي ـاً‪ ،‬أم أهنــا موجَّهــة؟ وإذا كانــت‬
‫كذلــك فمَــن يقودهــا ويتح ّكــم فيهــا؟ ومَــن املســتفيد مــن عوملــة العــامل؟‬
‫ ‪-‬مــا أمنــاط العوملــة‪ ،‬ومــا التحديــات الــي تفرضهــا؟ هــل هــدف العوملــة هــو توحيــد‬
‫العــامل أم تعميــق التبعيّــة والتخلــف؟ وهــل ســتصبح الــدول الغنيّــة أكثــر غنــىً‬
‫والــدول الفقــرة أكثــر فقــراً؟‬
‫وبناءً على ما سبق؛ فقد مت تقسيم الكتاب إىل احملاور األساسية التالية(‪:)1‬‬
‫(‪ّ )1‬‬
‫مت االستغناء عن فصل رابع هو‪ :‬اجلانب احمللي للعوملة اخلاص بدراسة حالة االقتصاد اجلزائري‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ ‪-‬اجلانــب املفاهيمــي للعوملــة‪ :‬وفيــه ســنتناول بالبحــث مضامــن املصطلــح‪،‬‬
‫وجتلّيــات الظاهــرة‪ ،‬وحتقيــب تطورهــا التارخيــي‪ ،‬ونتطرق إىل املميّــزات واألوهام‬
‫املتعلقــة هبــا؛‬
‫ ‪-‬اجلانــب الوظيفــي للعوملــة‪ :‬وفيــه ســنتعرّض إىل أجهــزة العوملــة الــي تشــ ِّكل‬
‫الظاهــرة والقنــوات الــي تســتفيد منهــا؛‬
‫ ‪-‬اجلانــب اإلســراتيجي للعوملــة‪ :‬وســنتناول فيــه مشــاريع العوملــة الــي تقــوم‬
‫هبــا الــدول املتقدمــة‪ ،‬والتحديــات الــي تفرضهــا أمــام الــدول املتخ ِّلفــة قصــد‬
‫مواجهتهــا‪.‬‬
‫ويعــود اختيارنــا هلــذا املوضــوع إىل مجلــة مــن األســباب كانــت مبثابــة دافــع شـجّعنا‬
‫علــى هــذا البحــث والــذي نتمنــى أن نكــون قــد و ِّفقنــا يف معاجلتــه ونذكــر منهــا‪:‬‬
‫ ‪-‬أن املوضوع يُعدّ ظاهرة جديدة حتتاج إىل املزيد من الفهم والتحليل والدراسة؛‬
‫ ‪-‬يوجــد اآلن مــا يُشــبه «التخصــص» يف تنــاول قضيــة العوملــة الــي مل جتلــب‬
‫اهتمــام االقتصاديــن والسياســيني واإلعالميــن فقــط؛ بــل وحتــى االجتماعيــن‬
‫والفالســفة والفنانــن‪ ...‬ومــن جانبنــا كجامعيــن أردنــا مــن خــال إطاللنــا عــر‬
‫نوافــذ اجلامعــة أن نعــرف مــاذا جيــري يف العــامل؟‬
‫ ‪-‬مبجــرد والدة لفــظ العوملــة شــاع يف االســتعمال اليومــي؛ حيــث جنــد أن النــاس‬
‫يتفوّهــون بــه‪ ،‬دون الوقــوف عنــد معانيــة وخلفياتــه‪ ،‬وقبــل أن يدخــل بصــورة‬
‫واضحــة يف القواميــس واملصطلحــات األكادمييــة؛ راح الــكل حيلــم «بعــامل بــا‬
‫حــدود»‪.‬‬
‫أما أمهية هذا الكتاب فتتجلى يف أنه مي ِّثل‪:‬‬
‫ ‪-‬رصــداً حتليلي ـاً ألهــم جوانــب العوملــة؛ هبــدف توفــر مــادة علميــة لظاهــرة باتــت‬
‫الشــغل الشــاغل يف مناطــق العــامل املختلفــة؛‬
‫ ‪-‬ومدخــاً هامــاً لإلســهام يف تلمُّــس تلــك املعــامل الــي تؤ ِّكــد بأننــا علــى عتبــة‬
‫ميــاد عصــر جديــد مل تتحــدّد معاملــه النهائيــة بعــد؛‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪11‬‬
‫ ‪-‬ومقدِّمــة ملزيــد مــن الدراســات قصــد اإلملــام باملوضــوع وفهــم حقيقتــه ومتابعــة‬
‫تطوراتــه‪.‬‬
‫وفيما خيص أهم الصعوبات اليت واجهناها يف مسرية حبثنا أنه‪:‬‬
‫ ‪-‬وســط الكــم اهلائــل مــن الكتابــات املتفرقــة‪ ،‬واجلــدل الواســع مــن النقاشــات‬
‫املتناقضــة‪ ،‬ونظــراً إىل مــا يعانيــه هــذا املفهــوم مــن «تشــوش فكــري»؛ األمــر الــذي‬
‫تؤطــر هــذه احلالــة ِّ‬
‫يوحــي لنــا بــأن املوضــوع حيتــاج إىل دراســة ِّ‬
‫وتنظمهــا‪ ،‬خاصــة‬
‫وأن كل كاتــب عــادة مــا ير ِّكــز علــى نقطــة معيّنــة يف حتليلــه للعوملــة؛ وهلــذا فقــد‬
‫وجدنــا صعوبــة يف معاجلــة تشـعُّب وتعقيــدات هــذا املوضــوع‪ ،‬وتســاءلنا مــن أيــن‬
‫نبــدأ ومتــى نتوقــف؟‬
‫ ‪-‬عانينــا يف العثــور علــى مراجــع تتنــاول العوملــة بطريقــة شــاملة‪ ،‬فبخصــوص مســح‬
‫أدبيــات هــذا املوضــوع فــا توجــد دراســات تناولــت فكرتنــا بذاهتــا‪ ،‬وكانــت يف‬
‫جمملهــا عبــارة عــن آراء شــخصية ختضــع ملعايــر إيديولوجيــة؛‬
‫ ‪-‬وبغــض النظــر عــن اجملهــود الذهــي واجلســمي واملــادي الــذي كلّفنــا إيــاه هــذا‬
‫البحــث‪ ،‬ودون األخــذ بعــن االعتبــار ضيــق مســاحة الوقــت املخصَّصــة للبحث‪...‬؛‬
‫إال أنــه وبــكل تواضــع تبقــى جمـرّد حماولــة منــا للدخــول إىل فهــم املســائل املهمّــة‬
‫والقضايــا الســاخنة‪.‬‬
‫وختام ـاً؛ فلقــد كان إجنــاز هــذا الكتــاب جتربــة ممتعــة بالنســبة لنــا‪ ،‬والــذي نأمــل‬
‫مــن خاللــه أن يكــون قيمــة مضافــة إلثــراء مكتبتنــا العربيــة‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫الـفـصـل األول‬
‫اجلانب املفاهيمي للعوملة االقتصادية‬
‫(اإلطار العام للعوملة)‬
‫ســوف نتعــرض ضمــن هــذا الفصــل إىل املباحــث األساســية‬
‫التاليــة‪:‬‬
‫‬
‫‪-‬املبحث األول‪ :‬ماهية العوملة‪.‬‬
‫‬
‫‪-‬املبحث الثاني‪ :‬النشأة التارخيية للعوملة‪.‬‬
‫‬
‫‪-‬املبحث الثالث‪ :‬خصائص وأوهام العوملة‪.‬‬
‫‬
‫‪-‬خالصة الفصل األول‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪13‬‬
‫املبحث األول‬
‫ماهية العوملة‬
‫سنتناول هذا املبحث بالدراسة من خالل احملاور التالية‪:‬‬
‫‪14‬‬
‫‬
‫‪-‬املواقف املتعددة من ظاهرة العوملة‬
‫‬
‫‪-‬مفهوم العوملة وتعاريفها‬
‫‬
‫‪-‬أبعاد العوملة وجتلياهتا‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املطلب األول‪ :‬املواقف املتعددة من ظاهرة العوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬مواقف الباحثني من ظاهرة العوملة‬
‫ثانياً‪ :‬وجهات النظر القطرية جتاه العوملة‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬مواقف الباحثني من ظاهرة العوملة‬
‫هنــاك معركــة إيديولوجيــة وسياســية واقتصاديــة وثقافيــة كــرى تــدور حتــت غطــاء‬
‫العوملــة‪ ،‬فلقــد تباينــت مواقــف الك ّتــاب والباحثــن‪ ،‬واختلفــت ردود أفعاهلــم إزاء‬
‫التعامــل مــع هــذه الظاهــرة الــي طبعــت املرحلــة الراهنــة‪.‬‬
‫وعموماً؛ ميكن حصر هذه املواقف يف ثالثة اجتاهات‪:‬‬
‫‪1-1‬اجتــاه القبــول الكامــل‪ :‬حيــث يقبــل أصحــاب هــذا االجتــاه العوملــة دون أيّ‬
‫حت ُّفــظ؛ باعتبارهــا حتميــة العصــر القــادم؛ ألن‪:‬‬
‫ ‪-‬تقدُّم اجملتمعات يف العامل مرتبط باندماجها يف حركة العوملة؛‬
‫ ‪-‬العوملــة أصبحــت حقيقــة وال جمــال لالختيــار فيهــا‪ ،‬خاصة بعــد هزمية النموذج‬
‫االشرتاكي‪.‬‬
‫‪2-2‬اجتــاه الرفــض الكامــل‪ :‬يرفــض أصحــاب هــذا االجتــاه العوملــة؛ باعتبارهــا‬
‫خدعــة إمربياليــة ‪ -‬اقتصاديــة ‪ -‬ثقافيــة‪ ،‬تســعى إىل جتريــد العــامل مــن‬
‫خصوصياتــه؛ ألهنــا‪:‬‬
‫ ‪-‬عملية تغريب‪ ،‬وهي جوهرها حماولة فرض النموذج الغربي؛‬
‫ ‪-‬تُعتــر العوملــة االســم احلركــي لألمركــة؛ أي مــن صنــع الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة‪.‬‬
‫‪3-3‬االجتــاه التوفيقــي‪ :‬يــرى أصحــاب هــذا االجتــاه ضــرورة التفاعــل مــع العوملــة‪،‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪15‬‬
‫بأخــذ اإلجيابيــات وتفــادي الســلبيات؛ مبعنــى «االندمــاج مــع الوقايــة»(‪)1‬؛ ألن‪:‬‬
‫ ‪-‬العوملــة تأتــي بفــرص اســتثمارية ومعرفيــة مــن جهــة؛ وتأتــي مبخاطــر سياســية‬
‫واقتصاديــة وثقافيــة مــن جهــة أخــرى؛‬
‫ ‪-‬اختــزال العوملــة يف الفــرص دون املخاطــر خطــأ‪ ،‬واختزاهلــا يف املخاطــر دون‬
‫الفــرص خطــأ أيض ـاً‪.‬‬
‫حقيقــة‪ ،‬إن اإلنــكار واالندفــاع إزاء العوملــة غــر مقبوليْــن‪ ،‬واملهــم هو تشــخيص العوملة‬
‫بــكل مــا هلــا ومــا عليهــا‪ ،‬وال بـدّ مــن استكشــاف القوانــن اخلفيــة الــي حتكمهــا قبــل‬
‫اختــاذ املوقــف جتاههــا‪ ،‬ويف هــذا الصــدد فــإن الباحثــن مــن خمتلــف دول العــامل ال‬
‫يزالــون يف مرحلــة فهــم الظاهــرة وحتليــل أبعادهــا وخصائصهــا؛ ألهنــا ظاهــرة غــر‬
‫مكتملــة املالمــح‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬وجهات النظر القطرية جتاه العوملة‬
‫خبصــوص وجهــات النظــر القوميــة جتــاه العوملــة‪ ،‬ميكــن التطــرق إىل رؤى ُطرحــت يف‬
‫جملــة الثقافــة العامليــة(‪ ،)2‬تبيِّــن دالالت العوملــة بالنســبة ألمريــكا والصــن واليابــان‬
‫وتايالنــدا وإفريقيــا‪ ،‬كمــا ســنضيف وجهــي النظــر العربيــة واإلســامية‪.‬‬
‫‪1-1‬الرؤيــة األمريكيــة‪ :‬يقــول «ميشــيل كلــوغ»‪« :‬ليــس للعوملــة علــى الواليــات‬
‫املتحــدة اآلثــار نفســها علــى البــاد األخــرى لســبب أساســي هــو أن الواليــات‬
‫املتحــدة هــي‪ ،‬يف آن مع ـاً‪ ،‬البــاد األكثــر انفتاح ـاً علــى العــامل واألكثــر حضــوراً‬
‫بــه (‪ )...‬ومــن املؤ ّكــد أن العوملــة عملــت كثــراً علــى انتشــار وانغــراس الواليــات‬
‫املتحــدة بالعــامل‪ ،‬وبالفعــل‪ ،‬ففــي كثــر مــن البلــدان يتوافــق مصطلــح العوملــة مــع‬
‫معنــى األمركــة (‪ )...‬والعوملــة ســتكون أكثــر فائــدة للواليــات املتحــدة منهــا لبقيــة‬
‫العــامل»(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬العرب والعوملة‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ص‪.390 :‬‬
‫(‪ )2‬راجــع‪ :‬حممــد ســيف‪« ،‬مخــس رؤى حــول العوملــة»‪ ،‬جملــة الثقافــة العامليــة‪ ،‬اجمللــس الوطــي للثقافــة والفنــون واآلداب‪ ،‬الكويــت‪ ،‬ع‪،85‬‬
‫نوفمــر – ديســمرب ‪ ،1997‬ص‪.91-55 :‬‬
‫(‪ )3‬ميشيل كلوغ‪« ،‬أربع أطروحات حول عوملة أمريكا»‪ ،‬جملة الثقافة العاملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.58-57 :‬‬
‫‪16‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪2-2‬الرؤيــة الصينيــة‪ :‬يقــول «الوســي» الصيــي‪« :‬بالنســبة لنــا‪ ،‬حنــن الصينيــن‪،‬‬
‫فالظاهــرة الــي يســميها الغربيّــون‪ :‬بالعوملــة أو الكونيــة ال تعين شــيئاً غري األمهية‬
‫املتناميــة آلســيا يف التجــارة العامليــة‪ ،‬وباحملصلــة‪ ،‬تؤ ِّكــد وضعهــا املركــزي يف قلــب‬
‫العالقــات الدوليــة (‪ ،)...‬إن املعــدل الســنوي لنمــو اإلقليــم اآلســياوي هــو ‪%7.4‬‬
‫أي أكثــر مــن ضعــف معــدل منــو املتوســط العاملــي ‪ )...( %2.7‬والصــن اليــوم‪،‬‬
‫وهــذا يتضمــن هونــغ كونــغ وتايــوان‪ ،‬هــي القــوة التجاريــة الثالثــة يف العــامل (‪)...‬‬
‫كمــا أن العوملــة ختفــي خلفهــا رغبــة الغــرب يف إخضــاع بقيــة الكوكــب»(‪.)1‬‬
‫‪3-3‬الرؤيــة اليابانيــة‪ :‬يقــول «هاماتانــو بــورو» اليابانــي‪« :‬مــن جانبنــا‪ ،‬حنــن‬
‫اليابانيــن‪ ،‬ال هتمنــا كثــراً مشــكلة العوملــة‪ ،‬فلدينــا اقتصــاد كونــي هــو يف القلــب‬
‫مــن االقتصــاد العاملــي‪ ،‬وهــذا التوجُّــه يتنامــى مبــرور األعــوام‪ ،‬وباألحــرى فــإن‬
‫مشــكلتنا هــي يف معرفــة أيــن ســيكون «مركــز» هــذا االقتصــاد‪ ...‬فهــل ســيكون‬
‫علــى ســواحل الصــن أم يف اليابــان؟»(‪.)2‬‬
‫‪4-4‬الرؤيــة التايالنديــة‪ :‬تقــول «مــاري ســيبيل دي فيــن» التايالنديــة‪« :‬أن العوملــة‬
‫ال تســتطيع أن مت ِّثــل رهانـاً؛ ألنــه ليــس «العــامل» الــذي يظــل يف ذاتــه جتريــداً هــو‬
‫اجملــال املالئــم‪ ،‬وإمنــا جمموعــة ماهــرة مــن العالقــات اإلقليميــة (‪)...‬؛ حيــث‬
‫مت ِّثــل نســبة تايالنــدا مــن الناتــج اإلمجــايل إلنتــاج جنــوب شــرقي آســيا‪ ،‬مــا‬
‫جمموعــة ‪ ،%17‬وقــد م ّثلــت نســبتها يف أواخــر ‪ 1995‬أكثــر مــن ‪ %25‬مــن الناتــج‬
‫اإلمجــايل اإلقليمــي»(‪.)3‬‬
‫‪5-5‬الرؤيــة اإلفريقيــة‪ :‬يقــول «جــورج تادونكــي»‪« :‬إن هنــاك ثــاث دالالت للعوملــة‬
‫ونتائجهــا بالنســبة لإلفريقيــن‪ :‬اخلــروج مــن حالــة التهميــش‪ ،‬واملزيد مــن التحرُّر‬
‫االقتصــادي والسياســي‪ ،‬والتكيُّــف مــع أمنــاط احليــاة ذات النفــوذ الكوني»(‪.)4‬‬
‫‪6-6‬الرؤيــة العربيــة‪ :‬يقــول «ســليمان العســكري»‪« :‬ولكــن مــا دالالت العوملــة‬
‫(‪ )1‬الوسي‪« ،‬نعم للعوملة‪ ...‬ال للغربنة»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.66-60 :‬‬
‫(‪ )2‬هاماتانو بورو وآالن جيلرم‪« ،‬اليابان هي العامل اآلن»‪ ،‬جملة الثقافة العاملية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.67 :‬‬
‫(‪ )3‬ماري سيبيل دي فيني‪« ،‬تايلند‪ ..‬أقلمة جارية»‪ ،‬جملة الثقافة العاملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.76-71‬‬
‫(‪ )4‬جورج تادونكي‪« ،‬إفريقيا ليست وحيدة يف العامل»‪ ،‬جملة الثقافة العاملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪17‬‬
‫بالنســبة لنــا حنــن (العــرب)؟ احلقيقــة أنــه أمــر مؤســف أن كل حواراتنــا تــدور يف‬
‫حلقــة هــل نرفــض العوملــة أم نقبلهــا؟! وهــو تســاؤل حيمــل درجــة مــن الســذاجة‬
‫بقــدر مــا حيمــل قــدراً مــن الكســل الفكــري‪ ...‬وكأن الدخــول إىل عصــر العوملــة‬
‫هــو أمــر بيدنــا وليــس بيــد العــامل الــذي حنــن يف قلبــه (‪ ،)...‬لقــد انطلــق الســباق‬
‫بالفعــل‪ ،‬بعــض املتســابقني انطلــق بأقصــى قوتــه‪ ،‬واحتــ ّل الصــدارة جبــدارة‪،‬‬
‫وخلفهــم الكتلــة األساســية للمتســابقني تعــدو بقــوة وإن كان بســرعة أقــل‪...‬‬
‫والبعــض اآلخــر حيــاول جاهــداً اللحــاق بتلــك الكتلــة األساســية‪ ...‬بينمــا حنــن ال‬
‫نــزال متحلقــن حــول بعضنــا البعــض خلــف خــط البدايــة نناقــش هــل نشــرك يف‬
‫الســباق أم ال؟!!»(‪.)1‬‬
‫‪7-7‬الرؤيــة اإلســامية‪ :‬يؤ ِّكــد املفكــر اإلســامي «أمحــد عبــد الرمحــن» أن الرؤيــة‬
‫اإلســامية نزاعــة إىل العامليــة فيقــول‪« :‬إن العوملــة مبعنــى وجــود أرضيــة مشــركة‬
‫بــن شــعوب األرض تســمح بقيــام عالقــات بينهــا‪ ،‬وتســمح بوجــود قوانــن كوكبيــة‬
‫ِّ‬
‫تنظمهــا خلــر اجلميــع‪ ،‬تُعتــر نظريــة مقبولــة مــن وجهــة النظــر اإلســامية؛ أمــا‬
‫«العوملــة» الــي تعــي فــرض الفلســفة الرباغماتيــة‪ ،‬النفعيــة‪ ،‬املاديــة‪ ،‬العلمانيــة‪،‬‬
‫ومــا يتصــل هبــا مــن قيــم وقوانــن ومبــادئ علــى ســكان الكوكــب؛ فهــي نظريــة‬
‫مرفوضــة رفضـاً باتـاً يف ضــوء اإلســام»(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬سليمان العسكري‪« ،‬التحرير»‪ ،‬جملة الثقافة العاملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6 :‬‬
‫(‪ )2‬أمحــد عبــد الرمحــن وآخــرون‪« ،‬العوملــة‪ :‬وجهــة نظــر إســامية»‪ ،‬يف اإلســام والعوملــة‪ ،‬الــدار القوميــة العربيــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬ط‪،1999 ،1‬‬
‫ص‪.100-99 :‬‬
‫‪18‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املطلب الثاني‪ :‬مفهوم العوملة وتعاريفها‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬املفهوم اللغوي واالصطالحي للعوملة‬
‫ثانياً‪ :‬قراءة نقدية لتعريفات العوملة‬
‫ثالثاً‪ :‬حنو تعريف أمشل للعوملة‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬املفهوم اللغوي واالصطالحي للعوملة‬
‫العوملة هي واحدة من بني عدة كلمات عربية جرى طرحها للكلمة اإلجنليزية‬
‫‬
‫‪ Globalization‬والكلمــة الفرنســية ‪ ،Mondialisation‬وهــي الكوكبــة‪ ،‬الكونيــة‪،‬‬
‫الشــمولية‪ ،‬التدويــل‪ ،‬وكلهــا أمســاء لظاهــرة واحــدة‪ ،‬ولفــظ العوملــة هــو األكثــر شــيوعاً‬
‫يف هــذه الفــرة‪.‬‬
‫ ‪-‬العوملــة‪ :‬هــي يف اللســان العربــي مــن «العــامل» ويتصــل هبــا فعــل «عــومل» علــى‬
‫صيغــة «فوعــل» وهــي مــن أبنيــة املوازيــن الصرفيــة العربيــة‪ ،‬ويُالحَــظ علــى داللــة‬
‫هــذه الصيغــة أهنــا تفيــد وجــود فاعــل يفعــل(‪ ،)1‬والعوملــة يف معناهــا اللغــوي تعــي‬
‫«تعميــم الشــيء وتوســيع دائرتــه ليشــمل العــامل كلــه»(‪ ،)2‬كمــا يرتبــط معناهــا‬
‫«باالنتقــال مــن اجملــال الوطــي‪ ،‬أو القومــي‪ ،‬إىل اجملــال الكونــي»(‪.)3‬‬
‫ ‪-‬الكوكبــة‪ :‬فهــي تشــر إىل «عمليــة بنــاء اقتصــاد عاملــي واحــد يف كوكــب األرض»(‪،)4‬‬
‫وهــو مصطلــح ّ‬
‫فضــل اســتعماله «إمساعيــل صــري عبــد اهلل» مشــراً إىل فعــل‬
‫«كوكــب» يف اللســان العربــي‪« ،‬فاالســم اإلجنليــزي مشــتق مــن ‪ Globe‬مبعنــى‬
‫الكــرة‪ ،‬واملقصــود هبــا هنــا الكــرة األرضيــة‪ ،‬الكوكــب الــذي نعيــش علــى ســطحه‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.62 :‬‬
‫(‪ )2‬حممد عابد اجلابري‪« ،‬العوملة واهلوية الثقافية‪ :‬عشرة أطروحات»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.300 :‬‬
‫(‪ )3‬عبد اإلله بلقزيز‪« ،‬عوملة الثقافة أم ثقافة العوملة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.309 :‬‬
‫(‪ )4‬حممــد الســيد ســعيد‪« ،‬الوطنيــة االقتصاديــة يف عصــر الكوكبــة»‪ ،‬جملــة العربــي‪ ،‬وزارة اإلعــام‪ ،‬الكويــت‪ ،‬ع ‪ ،454‬ســبتمرب ‪ ،1996‬ص‪:‬‬
‫‪.30‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪19‬‬
‫(‪ )...‬وكلمــة العــامل تعــي البشــرية‪ ،‬والنســبة إليهــا توحــي مبشــاركة النــاس مجيعـاً‬
‫يف انتشــار الظاهــرة»(‪ ،)1‬كمــا يَعتــر العوملــة «كلمــة مض ِّللــة ألهنــا توحــي بأننــا‬
‫شــركاء يف اخلــر (‪ )...‬وهــذا املعنــى مض ِّلــل متامــاً؛ ألن نتائــج الظاهــرة الــي‬
‫ندرســها هــي أن الفقــراء يزيــدون فقــراً وعــدداً وأن األثريــاء يزيــدون ثــراءً ويق ُّلــون‬
‫عــدداً»(‪.)2‬‬
‫ ‪-‬الكونيــة‪ :‬أول مــن أطلقــه معرفيـاً العــامل الكنــدي «مارشــال مــاك لوهــان» عندمــا‬
‫صــاغ يف هنايــة عقــد الســتينيات مفهــوم «القريــة الكونيــة»(‪ ،)3‬جاعـاً مــن العــامل‬
‫جمـرّد قريــة واحــدة جلميــع ســكان األرض‪.‬‬
‫ ‪-‬الشــمولية‪ :‬هــذا املصطلــح «جيــد أصلــه يف األدبيــات املخصّصــة للشــركات‬
‫املتعــددة اجلنســيات»(‪ )4‬الــي هتيمــن علــى حركــة االقتصــاد الــدويل وتتحكــم يف‬
‫أســواق املــال واخلدمــات‪.‬‬
‫ ‪-‬التدويــل‪ :‬ظهــر بعــد احلــرب العامليــة الثانيــة؛ حيــث «بــدأ التبــادل ينتقــل مــن‬
‫مرحلــة قطريــة أو إقليميــة (بــن بعــض الشــركات أو الــدول) إىل مرحلــة التدويــل‬
‫(ليشــمل مجيــع الــدول)»(‪)5‬؛ بســبب ازدهــار التجــارة الدوليــة‪ ،‬وتطــور تكنولوجيــا‬
‫اإلعــام واالتصــال‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬قراءة نقدية لتعريفات العوملة‬
‫ميكــن القــول أن صياغــة تعريــف حمــدّد‪ ،‬جامــع‪ ،‬مانــع‪ ...‬تبــدو مســألة شــاقة‬
‫نظــراً إىل تعـدُّد تعريفاهتــا‪ ،‬والــي تتأ ّثــر أساسـاً باحنيــازات الباحثــن اإليديولوجيــة‬
‫واجتاهاهتــم إزاء العوملــة رفضـاً أو قبــوالً‪ ،‬ويف هــذا اإلطــار ميكــن رصــد جمموعــة من‬
‫التعاريــف؛ إال أن ســامة أيّ تعريــف ال تعتمــد علــى مــا قالــه هــذا الباحــث أو ذاك؛‬
‫(‪ )1‬إمساعيــل صــري عبــد اهلل‪« ،‬الكوكبــة‪ :‬الرأمساليــة العامليــة يف مرحلــة مــا بعــد اإلمربياليــة»‪ ،‬جملة املســتقبل العربــي‪ ،‬ع ‪،)1997/8( ،222‬‬
‫ص‪.5 :‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيــل صــري عبــد اهلل‪« ،‬كلمــة العوملــة مضللــة‪ ،»..‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة والسياســية والعســكرية‪،‬‬
‫جهــاد للنشــر والتوزيــع‪ ،‬ط‪ ، 1‬مصــر‪ ،1999 ،‬ص‪.43 :‬‬
‫(‪ )3‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39 :‬‬
‫‪(4) ROBERT BOYER et al, Mondialisation au- delà des mythes, Casbah édition, Alger, 1997, p. 15.‬‬
‫(‪ )5‬س‪ .‬املانــدو أ‪ .‬وينربغــر‪« ،‬قريــة عامليــة أم حــرب أمــم»‪ ،‬جملــة معــامل‪ :‬االقتصــاد والتجــارة والعوملــة‪ ،‬دار مارينــور‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬ع‪ ،4‬د‪ .‬ت‪،‬‬
‫ص‪.155 :‬‬
‫‪20‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫وإمنــا علــى مــدى انســجام هــذا التعريــف مــع الوقائــع التارخييــة والوقائــع الراهنــة‪.‬‬
‫‪1.1‬العوملــة حســب األدبيــات الغربيــة‪« :‬هــي زيــادة درجــة االرتبــاط املتبــادل بــن‬
‫اجملتمعــات اإلنســانية مــن خــال عمليــات انتقــال الســلع ورؤوس األمــوال وتقنيــات‬
‫اإلنتــاج واألشــخاص واملعلومــات»(‪.)1‬‬
‫إن هــذا التعريــف يقــف موقف ـاً حمايــداً مــن طبيعــة هــذا االرتبــاط املتبــادل ســواء‬
‫كان ناشــئاً عــن عالقــة متكافئــة أم غــر متكافئــة‪ ،‬ومــن كيفيــة توزيــع عائــد عمليــات‬
‫انتقــال هــذه الوســائل واألدوات‪.‬‬
‫‪2.2‬العوملــة حســب صنــدوق النقــد الــدويل‪ :‬يف تقريــره عــن آفــاق االقتصــاد العاملــي‬
‫(مايــو ‪ )1997‬هــي‪« :‬التــواكل االقتصــادي املتنامــي جملمــوع بلــدان العــامل املدفــوع‬
‫بازديــاد حجــم وتن ـوُّع املبــادالت العابــرة للحــدود واخلدمــات ورؤوس األمــوال‪ ،‬مــع‬
‫االنتشــار املتســارع والشــامل للتكنولوجيــا»‪.‬‬
‫إن هــذا التعريــف يبيِّــن مــدى انفتــاح االقتصــادات الوطنيــة علــى بعضهــا البعــض‪،‬‬
‫والعوملــة هبــذا املفهــوم اشــتدّت وتريهتــا بعــد اهنيــار االحتــاد الســوفياتي‪ ،‬كمــا يشــر‬
‫إىل التطــورات التقنيــة احلديثــة واملتســارعة‪.‬‬
‫‪3.3‬العوملــة حســب برهــان غليــون‪« :‬هــي الدخــول بســبب تطــور الثــورة املعلوماتيــة‬
‫والتقنيــة االقتصاديــة معــاً يف طــور مــن التطــور احلضــاري‪ ،‬يصبــح فيــه مصــر‬
‫اإلنســانية موحَّــداً أو نازعــاً للتوحّــد‪ ،‬ولكــن الوحــدة هنــا ال يُعنــى هبــا التجانــس‬
‫والتســاوي بــن مجيــع أجــزاء العــامل واجملتمــع البشــري؛ ولكنهــا تعــي درجــة عاليــة‬
‫مــن التفاعــل بــن مناطــق وجمتمعــات بشــرية خمتلفــة ومتباينــة وبالتــايل ازديــاد‬
‫درجــة التأثــر والتأ ُّثــر املتبادلــن»(‪.)2‬‬
‫إن هــذا التعريــف يربــط مفهــوم العوملــة مبفهــوم «االعتمــاد املتبــادل»؛ مــن خــال‬
‫التفاعــل بــن اقتصــادات الــدول املتقدمــة والــدول املتخلفــة؛ حيــث تتجــه اجملتمعــات‬
‫حنــو التجانــس الــذي يرتبــط بالتطــور املتســارع للتكنولوجيــا‪ ،‬لكــن هــل ميكــن أن‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.35 :‬‬
‫(‪ )2‬نايف علي عبيد‪« ،‬العوملة والعرب»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1997/07( ،221‬ص‪.28 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪21‬‬
‫يكــون اعتمــاداً متبــادالً بــن طــرف قــوي وآخــر ضعيــف!؟‬
‫‪4.4‬العوملــة حســب الســيد ياســن‪ :‬هــي «ســهولة حركــة النــاس‪ ،‬املعلومــات‪ ،‬الســلع‬
‫[واخلدمــات ورؤوس األمــوال]‪ ،‬بــن الــدول علــى النطــاق الكونــي»(‪.)1‬‬
‫إن هــذا التعريــف يطــرح مجلــة مــن التســاؤالت حــول إمكانيــة حتقيــق هــذه الســهولة‬
‫يف حركــة الســلع؛ إذا كانــت أســواق العــامل تُفتــح ملنتجــات الــدول املتقدمــة وتُغلــق أمــام‬
‫منتجــات الــدول الناميــة‪ ،‬وحــول ســهولة حركــة النــاس إذا كانــت هــذه احلركــة مقيّــدة‬
‫يف البلــدان الصناعيــة بســبب تفاقــم نســب البطالــة فيهــا‪ ،‬وحــول ســهولة حركــة‬
‫املعلومــات إذا كان هنــاك مــن يســيطر علــى حمتواهــا فريســل منهــا مــا يريــد‪...‬‬
‫‪5.5‬العوملــة حســب حممــد األطــرش‪ :‬هــي «اندمــاج أســواق العــامل يف حقــول التجــارة‬
‫واالســتثمارات املباشــرة وانتقــال األمــوال والقــوى العاملــة والثقافــات والتقانة‪ ،‬ضمن‬
‫إطــار رأمساليــة حريــة األســواق‪ ،‬وتاليـاً خضــوع العــامل لقــوى الســوق العامليــة؛ ممــا‬
‫يــؤدي إىل اخــراق احلــدود القوميــة واىل اإلحنســار الكبــر يف ســيادة الدولــة وأن‬
‫العنصــر األساســي يف هــذه الظاهــرة هــي الشــركات الرأمساليــة الضخمــة املتخطيــة‬
‫القوميــات»(‪.)2‬‬
‫إن هــذا التعريــف ير ِّكــز علــى النواحــي االقتصاديــة؛ حيــث خيتلــف مفهــوم العوملــة‬
‫مــع مفهــوم االقتصــاد الــدويل‪ ،‬فهــذا األخــر ير ِّكــز علــى العالقــات بــن الــدول ذات‬
‫الســيادة‪ ،‬وقــد تكــون هــذه العالقــات منفتحــة يف حقــول التجــارة واالســتثمار ولكــن‬
‫يبقــى للدولــة دور يف إدارة اقتصادهــا‪ ،‬فبينمــا تشـ ِّكل الدولــة العنصــر األساســي يف‬
‫مفهــوم االقتصــاد الــدويل؛ فــإن الشــركات املتعــددة اجلنســيات تشـ ِّكل حمــوراً مركزياً‬
‫يف مفهــوم العوملــة‪ ،‬ويف هــذا الصــدد تثــار املناقشــة حــول دور الدولــة يف ظــل العوملــة‬
‫االقتصاديــة‪.‬‬
‫‪6.6‬العوملــة حســب صــادق جــال العظــم‪ :‬هــي «رمسلــة العــامل علــى مســتوى العمــق‬
‫(‪ )...‬فهــي حقبــة التحــول الرأمســايل العميــق لإلنســانية مجعــاء يف ظــل هيمنــة‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني‪« ،‬يف مفهوم العوملة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27 :‬‬
‫(‪ )2‬حممد األطرش‪« ،‬العرب والعوملة‪ :‬ما العمل؟»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.412 :‬‬
‫‪22‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫دول املركــز وبقيادهتــا وحتــت ســيطرهتا‪ ،‬ويف ظــل ســيادة نظــام عاملــي للتبــادل غــر‬
‫املتكافــئ»(‪.)1‬‬
‫إن هــذا التعريــف يبيِّــن عالقــة العوملــة بالنظــام الرأمســايل العاملــي «الرأمساليــة‬
‫العامليــة» فهــي مت ِّثــل مرحلــة تارخييــة متطــورة مــن الرأمساليــة‪ ،‬وتعبِّــر عــن الدرجــة‬
‫العليــا يف عالقــات اهليمنــة والتبعيــة وعــدم التكافــؤ‪.‬‬
‫‪7.7‬العوملــة حســب مســر أمــن‪ :‬هــي «بدايــة مرحلــة تارخييــة انطلقــت خــال األعــوام‬
‫(‪ ،)1991-1989‬مــن خــال اإلخفــاق التــام املــزدوج لطموحات أنظمة وبلدان الشــرق‬
‫املســماة بـــ «اإلشــراكية» وأنظمــة وبلــدان اجلنوب املســماة بـــ «اإلســتقاللية الوطنية»‪،‬‬
‫خمتتمــة عهــد احليــاد اإلجيابــي الــذي عــاش ثالثــن عام ـاً للفــرة (‪،)1985-1955‬‬
‫ويتوالــد اليــوم عهــد جديــد هــو «عهــد الســوق» الــذي ســيغدو حماولة جديــدة لتوحيد‬
‫العــامل (أي العوملة)»(‪.)2‬‬
‫إن هــذا التعريــف ير ِّكــز علــى النواحــي السياســية‪ ،‬ويضــع الظاهــرة يف ســياقها‬
‫التارخيــي؛ إذ تعــود بدايتهــا إىل اهنيــار املعســكر االشــراكي‪ ،‬لكــن هنــاك إشــارات مــن‬
‫قِبــل بعــض الباحثــن أن العوملــة قدميــة‪ ،‬كمــا يشــر هــذا التعريــف إىل مرحلــة تعميــم‬
‫االقتصــاد احلــر‪.‬‬
‫‪8.8‬العوملــة حســب حممــد إبراهيــم مــروك‪ :‬هــي‪« :‬تعاظــم شــيوع منــط احليــاة‬
‫االســتهالكي الغربــي وتعاظــم آليــات فرضــه سياســياً واقتصاديــاً وإعالميــاً‬
‫وعســكرياً‪ ،‬بعــد التداعيــات العامليــة الــي جنمــت عــن اهنيــار االحتــاد الســوفياتي‬
‫وســقوط املعســكر الشــرقي‪ ،‬وعلــى ذلــك فــإن العوملــة تكتســب عامليتهــا مــن مــدى‬
‫اتســاع قدرهتــا علــى فــرض هــذا النمــط علــى الشــعوب‪ ،‬وليــس علــى أســاس كوهنــا‬
‫واقعــاً فعليــاً حييــط بالشــعوب والبلــدان»(‪.)3‬‬
‫إن هــذا التعريــف يبيِّــن أن العوملــة مفروضــة هبــدف تعميــم منوذج االســتهالك الغربي‬
‫نتيجــة انتصــار النظــام الرأمســايل العاملــي كونيــاً‪ ،‬فالعوملــة ال تكتســب عامليتهــا‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني‪« ،‬يف مفهوم العوملة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28 :‬‬
‫(‪ )2‬سيار اجلميل‪« ،‬العوملة‪ :‬اخرتاق الغرب للقوميات اآلسيوية‪ ،»..‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1997/3( ،217‬ص‪.53 :‬‬
‫(‪ )3‬حممد إبراهيم مربوك‪« ،‬اإلسالم والعوملة»‪ ،‬يف اإلسالم والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.101 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪23‬‬
‫مــن الواقــع؛ ألن العامليــة تعــي أن هنــاك حضــارات متعــدِّدة ومتميــزة‪ ،‬لــكل منهــا‬
‫خصوصياهتــا‪.‬‬
‫‪9.9‬العوملــة حســب إمساعيــل صــري عبــد اهلل‪ :‬هــي‪« :‬أهــم مــا يتســم بــه عــامل اليــوم‬
‫مــن التداخــل الواضــح واملتزايــد ألمــور االقتصــاد واالجتمــاع والسياســة والســلوك‬
‫دون اعتــداد بذلــك باحلــدود السياســية للــدول ذات الســيادة‪ ،‬أو انتمــاء خالــص‬
‫لوطــن حم ـدّد أو لدولــة معيّنــة ودون إجــراءات حكوميــة»(‪.)1‬‬
‫إن هــذا التعريــف حيــاول إبــراز املفهــوم الشــامل للعوملــة الــذي حييــط باجلوانــب‬
‫مجيعهــا‪ ،‬ويتضــح أن دور الدولــة ووظائفهــا؛ بــل ووجودهــا ذاتــه حمـ ّل تســاؤل جـدّي‬
‫يف إطــار ظاهــرة العوملــة؛ حيــث مل يعــد للحــدود اجلغرافيــة أمهيــة تُذكــر‪ ،‬وأصبــح‬
‫االنتمــاء للعــامل ككل‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬حنو تعريف أمشل للعوملة‬
‫إن املفهــوم الفكــري للعوملــة مل يتبلــور ومل يســتقر بعــد‪ ،‬نظــراً لصعوبــة الوصــول إىل‬
‫تعريــف حمـدّد جامــع مانــع‪...‬؛ ومــع ذلــك ســنحاول صياغــة تعريــف للعوملــة يتضمــن‬
‫وجهــة نظرنــا‪ ،‬فنقــول‪:‬‬
‫إن «العوملــة املطروحــة» –املعلنــة– هــي زيــادة احلركيــة العامليــة يف انتقــال الســلع‬
‫واخلدمــات ورؤوس األمــوال وقــوة العمــل واألفــكار واملعلومــات عــر احلــدود القومية؛‬
‫هبــدف اندمــاج االقتصــادات يف ســوق عامليــة واحــدة‪ ،‬حتت شــعار‪« :‬االعتمــاد املتبادل‬
‫بــن االقتصــادات الوطنيــة‪ ،‬وتقــارب املســافات يف القريــة الكونيــة»؛ الشــيء الــذي‬
‫يوهــم أن مصــاحل الــدول املتقدمــة واملتخلفــة أصبحــت متوافقــة‪!!...‬‬
‫أمــا «العوملــة احلقيقيــة» ‪ -‬اخلفيــة – فهــي عمليــة مقنّنــة‪ ،‬يــراد هبــا فــرض وتعميــم‬
‫منــط احلضــارة الغربيــة‪ ،‬وتصديرهــا بصبغــة عامليــة هبــدف انفتــاح األســواق احمللية‪،‬‬
‫وتصريــف املنتجــات االقتصاديــة والسياســية واالجتماعيــة والثقافيــة واإلعالميــة؛‬
‫(‪ )1‬إمساعيــل صــري عبــد اهلل‪« ،‬كلمــة العوملــة مضللــة‪ ،»..‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة والسياســية والعســكرية‪،‬‬
‫مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.43 :‬‬
‫‪24‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫حيــث يصبــح كل شــيء عبــارة عــن ســلعة‪ ،‬حتت غطاء «ســوق املنافســة غــر املتكافئة‪،‬‬
‫وهيمنــة ثقافــة األقــوى»؛ الشــيء الــذي يعــي مضاعفــة فــرص األطــراف القويــة الــي‬
‫تســيطر علــى عناصــر القــوة االقتصاديــة والعلميــة والتكنولوجيــة والعســكرية‪...‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪25‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أبعاد العوملة وجتلياهتا‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬العوملة االقتصادية‬
‫ثانياً‪ :‬العوملة السياسية‬
‫ثالثاً‪ :‬العوملة الثقافية‬
‫رابعاً‪ :‬العوملة االجتماعية‬
‫خامساً‪ :‬العوملة االتصالية‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬العوملة االقتصادية‬
‫مــن الطبيعــي أن ختتلــف مفاهيــم العوملــة باختــاف أبعادهــا وجتلياهتــا‪ ،‬وميكــن أن‬
‫تتمظهــر يف األبعــاد األساســية التاليــة‪ :‬البعــد االقتصــادي‪ ،‬البعــد السياســي‪ ،‬البعــد‬
‫الثقــايف‪ ،‬البعــد االجتماعــي‪ ،‬البعــد االتصــايل‪.‬‬
‫ويُعتــر اجلانــب االقتصــادي أهــم أبعــاد العوملــة؛ حيــث ترتكــز العوملــة االقتصاديــة‬
‫علــى مفهــوم «اقتصــاد الســوق»‪ ،‬فهــي عمليــة ســيادة مذهبيــة الســوق وقوانينهــا علــى‬
‫كافــة الكــرة األرضيــة لتجعــل العــامل منطقــة جتــارة موحّــدة‪ ،‬يدخــل إليهــا األغنيــاء‬
‫والفقــراء؛ حيــث تكــون معايــر الســوق (العــرض والطلــب) هــي الفاصــل يف حتديــد‬
‫القــرارات‪ ،‬فالعــامل يتفتــح علــى بعضــه‪ ،‬وتــزداد ســرعة النقــل واملواصــات‪ ،‬وتتســع‬
‫الســوق؛ حيــث تــزول احلواجــز أمــام انتقــال الســلع واخلدمــات واألشــخاص ورؤوس‬
‫األمــوال‪ ،‬فالعوملــة االقتصاديــة «تدعــو إىل تعميــم االقتصــاد والتبــادل احلــر كنمــوذج‬
‫مرجعــي‪ ،‬وإىل قيــم املنافســة واإلنتاجيــة وهــي تَعِــد العــامل بالرفــاه والتقــدم»(‪.)1‬‬
‫وتظهــر العوملــة االقتصاديــة أساسـاً يف منــو وتعميق االعتماد املتبــادل بني اقتصادات‬
‫الــدول الوطنيــة‪ ،‬ويف وحــدة األســواق املاليــة‪ ،...‬هــذه التجليــات االقتصاديــة بــرزت‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44 :‬‬
‫‪26‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫بوضــوح مــن خــال التكتــات االقتصاديــة العامليــة (منطقــة التجــارة احلــرة ألمريــكا‬
‫الشــمالية‪ ،‬االحتــاد األوربــي‪ ،‬رابطــة دول جنــوب شــرق آســيا)‪ ،‬باإلضافــة إىل تنامــي‬
‫دور ونشــاط الشــركات املتعــددة اجلنســيات‪ ،‬واملؤسســات املاليــة الدوليــة (صنــدوق‬
‫النقــد الــدويل‪ ،‬البنــك العاملــي لإلنشــاء والتعمــر‪ ،‬املنظمــة العامليــة للتجــارة)‪.‬‬
‫ففــي الوقــت الــذي يــروَّج فيــه بــأن العوملــة االقتصاديــة تعــود بالرفــاه والتقــدم علــى‬
‫اجلميــع؛ فــإن مشــكالهتا كثــرة ومنهــا‪:‬‬
‫ ‪-‬املشــكالت االقتصاديــة واالجتماعيــة الــي تعانيهــا بلــدان املركــز الرأمســايل‪،‬‬
‫فمثـاً يبلــغ مســتوى البطالــة يف االحتــاد األوربــي أكثــر مــن ‪ ،%20‬فرنســا ‪،%12‬‬
‫أملانيــا ‪)1( %10‬؛‬
‫ ‪-‬األزمــة املاليــة لبلــدان شــرق آســيا‪ ،‬وتــوايل مضاعفاهتــا الســلبية‪ ،‬واحتمــال‬
‫انتقــال هــذه األزمــة إىل بلــدان أخــرى؛‬
‫ ‪-‬تطور األزمة التنموية يف البلدان النامية‪.‬‬
‫وتثار بالنسبة للتجليات االقتصادية للعوملة اإلشكاليات التالية‪:‬‬
‫‬
‫ ‪-‬صالحية نظام حرية السوق ليكون أساس التنمية يف خمتلف بلدان العامل؛‬
‫ ‪-‬املخاطــر الــي ميكــن أن تنجــم عــن التنميــة الوحيــدة البعــد‪ ،‬والــي تر ِّكــز علــى‬
‫اجلانــب االقتصــادي فقــط؛‬
‫ ‪-‬مــدى تأثــر العوملــة يف مفهــوم «الســيادة الوطنيــة»‪ ،‬ومصــر الدولــة مــن ناحيــة‬
‫تأكيــده أو تغيُّــر صورتــه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬العوملة السياسية‬
‫ترتكــز العوملــة السياســية علــى تعويــم الرؤيــة الغربيــة للدميقراطيــة والتعدديــة‬
‫احلزبيــة وحقــوق اإلنســان واحلريــات الفرديــة علــى النطــاق الكونــي‪.‬‬
‫ ‪-‬فمفهــوم الدميقراطيــة‪ :‬منــذ أن ظهــر يف الفلســفة اليونانيــة يعــي حكــم‬
‫(‪ )1‬إمساعيــل صــري عبــد اهلل‪« ،‬العوملــة كلمــة مضللــة‪ ،»..‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة والسياســية والعســكرية‪،‬‬
‫مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.47 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪27‬‬
‫الشــعب نفســه بنفســه‪ ،‬فهــي مل تَعُــد اليــوم شــكالً مــن أشــكال احلكــم فحســب؛‬
‫بــل أصبحــت منهــاج تفكــر وأســلوب حيــاة داخــل اجملتمــع‪.‬‬
‫ ‪-‬أمــا التعدديــة السياســية‪ :‬فهــي تعبِّــر عــن احلريــة السياســية‪ ،‬ومــا تتطلبــه مــن‬
‫زيادة املشــاركة الشــعبية لتوســيع ممارســة الدميقراطية‪.‬‬
‫ ‪-‬واحلريــات الفرديــة‪ :‬تشــمل حريــات األفــراد واجلماعات يف التعبري عن آرائها‪،‬‬
‫كمــا يُعتــر مبــدأ احــرام حقــوق اإلنســان مــن أهــم الشــروط األساســية للرقــي‬
‫االقتصــادي واالجتماعــي‪ ،‬وتتمثــل يف احلقــوق املدنيــة والسياســية (كاحلــق‬
‫يف احليــاة‪ ،‬وعــدم اخلضــوع للتعذيــب‪ ،‬وحــق االنتخابــات‪ ،)...‬وفئــة احلقــوق‬
‫االقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة (كاحلــق يف العمــل‪ ،‬احلــق يف التعليــم‬
‫والصحــة‪ ،‬واحلــق يف الضمــان االجتماعــي‪.)1()...‬‬
‫وتظهــر العوملــة السياســية يف «ســقوط الشــمولية والســلطوية‪ ،‬والنــزوع إىل‬
‫‬
‫الدميقراطيــة والتعدديــة السياســية‪ ،‬واحــرام حقــوق اإلنســان»(‪)2‬؛ حيــث ظهــر اجتــاه‬
‫غالــب يؤ ِّكــد علــى عاملية حقوق اإلنســان‪ ،‬ومت اجتيــاح الدميقراطية ألغلب جمتمعات‬
‫املعمــورة‪ ،‬وأصبحــت بالتــايل حقــوق اإلنســان وحرياتــه أهــم الشــعارات املتداولــة علــى‬
‫الصعيــد العاملــي‪ ،‬وهــذه التجليــات السياســية بــرزت بوضــوح مــن خــال التجمعــات‬
‫واملؤمتــرات واحلــوارات العامليــة (املؤمتــر العاملــي حلقــوق اإلنســان املنعقــد يف فيينــا‬
‫ســنة ‪ ،1993‬املؤمتــر العاملــي للمــرأة يف بكــن ســنة ‪.)...1995‬‬
‫ففــي الوقــت الــذي تبشِّــر فيــه العوملــة السياســية بالدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان؛‬
‫جنــد أن هــذه القيــم تُنتهــك يف كثــر مــن بلــدان العــامل‪ ،‬إمــا بســبب املصــاحل التجاريــة‬
‫أو حتــت غطــاء الشــرعية الدوليــة ومــن أمثلــة ذلــك‪:‬‬
‫ ‪-‬رفــض فرنســا يف مؤمتــر وزراء خارجيــة دول االحتــاد األوربــي‪ ،‬الــذي عُقــد يف‬
‫هولنــدا‪ ،‬إدانــة الصــن الشــعبية‪ ،‬وهــي واحــدة مــن الــدول ذات الســجل األكثــر‬
‫ســوءاً فيمــا يتعلــق حبقــوق اإلنســان؛ ألهنــا كانــت تســعى للتوقيــع معهــا علــى‬
‫(‪ )1‬حممــد فهيــم يوســف‪« ،‬عوملــة حقــوق اإلنســان أم عوملــة الفهــم الغربــي حلقــوق اإلنســان»‪ ،‬جملــة املســتقبل العربــي‪ ،‬ع ‪،)1998/9( ،235‬‬
‫ص‪.64 :‬‬
‫(‪ )2‬السيد ياسني‪« ،‬يف مفهوم العوملة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32 :‬‬
‫‪28‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫صفقــة طائــرات بقيمــة ‪ 500‬مليــون دوالر(‪)1‬؛‬
‫ ‪-‬يُطــوى موضــوع الدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان إذا تعلّــق األمــر بإســرائيل‪،‬‬
‫ويُشــهر يف وجــه بعــض الــدول‪ ،‬كإصــدار قــرارات حلصــار بعــض الشــعوب‬
‫باســم الشــرعية الدولية‪ ،‬مثل‪ :‬التدخّل يف الشــؤون العراقية‪ ،‬وحصار الشــعب‬
‫الليــي‪...‬‬
‫وتثار بالنسبة للتجليات السياسية للعوملة اإلشكاليات التالية‪:‬‬
‫‬
‫ ‪-‬مــدى صالحيــة الدميقراطيــة الغربيــة لتكــون منوذجــاً سياســياً وحيــداً يف‬
‫خمتلــف دول العــامل؛‬
‫ ‪-‬مشــكلة ازدواجيــة املعايــر يف تطبيــق قواعــد حقــوق اإلنســان يف العــامل‪،‬‬
‫والتوظيــف السياســي هلــا مــن قِبــل األطــراف املهيمنــة علــى العالقــات‬
‫السياســية الدوليــة؛‬
‫ ‪-‬مدى إمكانية أن تصبح احلريات الفردية اللغة املشرتكة لإلنسانية مجعاء‪.‬‬
‫والعوملــة السياســية مرتبطــة بعوملــة االقتصــاد؛ حيــث هتــدف الدميقراطيــة إىل‬
‫‬
‫بنــاء نظــام اقتصــادي يســمح بإشــباع حاجــات األفــراد بعيــداً عــن تدخّــل الدولــة مــن‬
‫خــال املبــادرة الفرديــة؛ حيــث مت إقــرار حقــوق اإلنســان مــن أجــل وضــع الفــرد يف‬
‫مواجهــة الدولــة وتقليــل احتمــال أنظمــة دكتاتوريــة؛ وهلــذا فــإن العوملــة السياســية‬
‫هتــدف إىل تعميــم الدميقراطيــة يف البلــدان الناميــة واالشــراكية ســابقاً‪ ،‬والضغــط‬
‫علــى بعــض األنظمــة الباقيــة (كوبــا والصــن‪ )...‬مــن أجــل إجيــاد فضــاء للحريــة الــي‬
‫حت ِّقــق املزيــد مــن االنفتــاح الكلــي لالقتصــادات احملليــة علــى االقتصــاد العاملــي مبــا‬
‫خيــدم املصــاحل اإلســراتيجية لالقتصــادات القويــة يف العــامل‪.‬‬
‫(‪ )1‬رضــوان زيــادة‪« ،‬اإلســاميون وحقــوق اإلنســان‪ :‬إشــكالية اخلصوصيــة والعامليــة»‪ ،‬جملــة املســتقبل العربــي‪ ،‬ع ‪ ،)1998/10( ،236‬ص‪:‬‬
‫‪.123‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪29‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العوملة الثقافية‬
‫ترتكــز العوملــة الثقافيــة علــى مفاهيــم تعويــم أمنــاط احليــاة وأســاليب االســتهالك‬
‫الغربيــة‪ ،‬عــن طريــق قولبــة الــذوق واملأكل وامللبس؛ أي حماولــة توحيد القيم واألفكار‬
‫وأشــكال الســلوك يف ثقافــة عامليــة واحــدة تتمحــور حــول الذات الغربيــة‪ ،‬ولقد دخلت‬
‫الثقافــة بوصفهــا منتــج اجتماعــي ميــدان العمليــة االقتصاديــة‪ ،‬وأصبحــت ســلعة مثل‬
‫الســلع املاديــة تتــداول يف ســوق يســودها األقــوى تكنولوجي ـاً؛ «األمــر الــذي يفــرض‬
‫القــول بــأن «التبــادل الثقــايف العاملــي» اجلــاري يف ركاب التجــارة احلــرة‪ ،‬تبــادل غــر‬
‫متكافــئ وال يعبِّــر عــن أيــة إمكانيــة لتحويــل العوملــة الثقافيــة إىل تثاقــف متــوازن بــن‬
‫الثقافــات والشــعوب واجملتمعــات»(‪.)1‬‬
‫وتظهــر العوملــة الثقافيــة مــن خــال عمليــة اســتبدال الثقافــة املكتوبــة بالســمعي‬
‫البصــري؛ أي ســيادة ثقافــة الصــورة كأداة للنظــام الثقــايف اجلديــد الــذي أصبــح‬
‫مصــدر إنتــاج القيــم واألذواق‪ ،‬فالصــورة اليــوم هــي املــادة الثقافيــة الــي جيــري‬
‫تســويقها يف العــامل؛ حيــث مت ّكنــت مــن حتطيــم احلاجــز اللغــوي وصنــع الــذوق‬
‫االســتهالكي (اإلشــهار التجــاري) والــرأي السياســي (الدعايــة االنتخابيــة)‪ ،‬فالعوملــة‬
‫الثقافيــة تشــمل املوســيقى والســينما والتليفزيــون والــزي والطــراز‪ ،‬وهــي تســعى‬
‫لفــرض أزيــاء معيّنــة حتــى أصبــح «خــراء األزيــاء يبــدون بأمهيــة علمــاء الطاقــة‬
‫النوويــة»‪ ،2‬الذيــن يعملــون هلندســة األفــكار وقولبــة األذواق وصناعــة أســباب‬
‫اجلاذبيــة يف عصــر الصــورة واإلعــام الســمعي البصــري الــذي يؤ ِّثــر علــى النمــوذج‬
‫االســتهالكي للمجتمــع مــن خــال أثــر املشــاهدة‪.‬‬
‫ففــي الوقــت الــذي تــروّج فيــه العوملــة الثقافيــة بثقافــة عامليــة موحَّــدة؛ جنــد أن‬
‫مشــكالت االخــراق الثقــايف هــي يف دول اجلنــوب والشــمال علــى حــدّ ســواء‪:‬‬
‫ ‪-‬ففي اجلنوب هتدِّد العوملة الثقافية العادات والتقاليد واهلويات والقيم؛‬
‫ ‪-‬أمــا يف الشــمال فتعانــي كتلــه مــن هيمنــة النمــوذج األمريكــي‪ ،‬وتســعى الــدول‬
‫(‪ )1‬عبد اإلله بلقزيز‪« ،‬عوملة الثقافة أم ثقافة العوملة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.317 :‬‬
‫(‪ )2‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.326 :‬‬
‫‪30‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املتقدمــة ملواجهــة ذلــك يف إطــار االحتمــاء بالتكتــات االقتصاديــة‪ ،‬ومــن بــن‬
‫األدلــة علــى ذلــك هــو أن «أحــد القوانــن املعمــول هبــا يف االحتــاد األوربــي هــو‬
‫أن تكــون ‪ %51‬مــن املــواد املعروضــة تلفزيونيـاً مــن إنتــاج أوربــي»(‪ ،)1‬كذلــك فــإن‬
‫«احلكومــة الفرنســية تدفــع مليــار فرنــك فرنســي كل ســنة دعم ـاً لــكل مــن‬
‫يصنــع فيلمــا ينطــق باللغــة الفرنســية‪ ،‬ملواجهــة األفــام األمريكيــة يف ســوق‬
‫فرنســا»(‪ ،)2‬مــن خــال هــذا يتبيّــن أن دول االحتــاد األوربــي تصــرّ علــى أن‬
‫تكــون هلــا هويتهــا الثقافيــة اخلاصــة هبــا ضــد الذوبــان يف اهلويــة األمريكيــة‪.‬‬
‫وتثار بالنسبة للتجليات الثقافية للعوملة‪ ،‬اإلشكاليات التالية‪:‬‬
‫‬
‫ ‪-‬مدى إمكانية وجود ثقافة عاملية واحدة؛‬
‫ ‪-‬العــدوان علــى اخلصوصيــات الثقافيــة للمجتمعــات مــن خــال تغريــب املواطــن‬
‫عــن جمتمعه؛‬
‫ ‪-‬حتطيــم الشــعور باالنتمــاء ألمــة أو وطــن‪ ،‬وإحــال أفــكار جديــدة مــن نــوع‬
‫«الفرديــة العامليــة» و»االعتمــاد املتبــادل»‪.‬‬
‫والعوملــة الثقافيــة مرتبطــة بعوملــة االقتصــاد؛ حيــث حتــاول فــرض منــوذج معيّــن‬
‫للثقافــة االســتهالكية املوجّهــة أساسـاً لدعــم العامــل االقتصــادي والتجــاري‪ ،‬كمــا أن‬
‫عوملــة االقتصــاد لــن تكــون مــن دون عوملــة الثقافــة‪ ،‬فهــي «ثقافــة إشــهارية إعالميــة‪،‬‬
‫مسعيــة وبصريــة»‪ 3‬تؤ ِّثــر يف األفــكار والســلوك فتحــدث تغيــراً يف التكويــن الثقــايف‬
‫واألخالقــي والفلســفي لألمــم والشــعوب‪ ،‬بشــكل جيعــل منطهــا االســتهالكي مرتبطـاً‬
‫باملخرجــات الســلعية واخلدميــة لالقتصــادات املتقدمــة‪.‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.329 :‬‬
‫(‪ )2‬مســر فريــد‪« ،‬هوليــود أحــد مظاهــر العوملــة»‪ ،‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة‪ ،‬السياســية والعســكرية ‪ ،‬مرجــع‬
‫ســابق‪ ،‬ص‪.94 :‬‬
‫(‪ )3‬حممد عابد اجلابري‪« ،‬العوملة واهلوية الثقافية‪ :‬عشر أطروحات»‪ ،‬يف العرب العوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.302 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪31‬‬
‫رابعاً‪ :‬العوملة االجتماعية‬
‫ترتكــز العوملــة االجتماعيــة علــى مفهــوم «اجملتمــع املدنــي العاملــي» أو «الشــعب العاملي»‬
‫املهمــوم مبشــكالت وقضايــا عامليــة‪ ،‬جعلــت اجملتمعــات تنظــر إىل نفســها مبزيــد مــن‬
‫االرتبــاط والتواصــل والتقــارب واالهتمــام ببعضهــا‪ ،‬واإلحســاس باملســؤولية املشــركة‬
‫إزاء األخطــار الــي تواجــه الكوكــب األرضــي‪« ،‬فاملشــاكل واملعضــات الــي تطرحهــا‬
‫هــذه الظاهــرة‪ ،‬ليســت حمصــورة بقطــر أو قــارة واحــدة؛ بــل إهنــا ذات طابــع كونــي‬
‫شــامل‪ ،‬وتتطلــب فعـاً إنســانياً وسياســات ســليمة إزاءهــا‪...‬؛ ممــا أفضــى أيضـاً إىل‬
‫عوملــة «اآلمــال والطموحــات» ونشــوء احلاجــة إىل عوملــة الفعــل والتحــرك املشــرك‬
‫لشــعوب العــامل أمجــع حنــو أهــداف مشــركة وحمـدّدة»(‪.)1‬‬
‫وتظهــر العوملــة االجتماعيــة مــن خــال بــروز قضايــا مشــركة هلــا صفــة «العامليــة»‬
‫مثــل‪ :‬قضيــة محايــة البيئــة والصحــة العامليــة‪ ،‬وقضيــة االنفجــار الســكاني وانتشــار‬
‫الفقــر واجلــوع وحتــركات ســكان األرض‪ ،‬وقضيــة اجلرميــة ّ‬
‫املنظمــة وخماطــر التسـلّح‬
‫النــووي الشــامل‪ ،‬وقضيــة انعــدام املســاواة االقتصاديــة والتبايــن الواســع يف توزيــع‬
‫الفــرص علــى مســتوى الكوكــب‪ ...‬هــذه املشــكالت الــي بــدأت تأخــذ طابع ـاً عاملي ـاً‬
‫بعــد أن ازداد تفاقمهــا وحت ّتــم إجــراء تعــاون عاملــي‪.‬‬
‫فاالهتمــام الشــديد الســائد بشــأن تدهــور البيئــة يؤ ِّكــد العالقــات املتشــابكة بــن‬
‫األمــم والشــعوب‪ ،‬فاتســاع طبقــة األوزون وأثــر ارتفــاع درجــات احلــرارة يف األرض‪،‬‬
‫وتل ـوّث البحــار واإلشــعاع الــذري كلهــا ظواهــر عامليــة‪ ،‬فعلمــاء البيئــة يتخوفــون مــن‬
‫ظاهــرة «الــدفء الكونــي» بارتفــاع معــدل درجــة احلــرارة بــن (‪ °1.5‬م و ‪ °4.5‬م)(‪.)2‬‬
‫كمــا يطــرح علمــاء الســكان ثالثــة متغــرات حمتملــة لعــدد ســكان العــامل حبلــول عــام‬
‫‪ 2025‬فاملنخفض (‪ 7.6‬مليار نســمة) واملتوســط (‪ 8.5‬مليار نســمة) واملرتفع (‪9.4‬‬
‫مليــار نســمة)(‪ ، )3‬فليــس مــن املعقــول أن تقــدر األرض علــى تغذيــة ‪ 10‬ماليــر نســمة!‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.468 :‬‬
‫(‪ )2‬بــول كينيــدي‪ ،‬االســتعداد للقــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬ترمجــة‪ :‬حممــد عبــد القــادر وغــازي مســعود‪ ،‬دار الشــروق‪ ،‬األردن‪ ،1993 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.148‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.39 :‬‬
‫‪32‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫كذلــك فــإن الصحــة مل تنعــزل عــن هــده التحــوالت العامليــة؛ فمــرض فقــدان املناعــة‬
‫(اإليــدز) أصبــح يهـدِّد اجلــزء الكبــر مــن البشــرية‪ ،‬فمنظمــة الصحــة العامليــة تشــر‬
‫إىل أن ‪ 40‬مليونـاً مــن ســكان األرض ســيصابون هبــذا الفــروس حبلــول عــام ‪،)1(2025‬‬
‫والرقــم قابــل للتعديــل‪ ،‬ومت ِّثــل املؤمتــرات (ريــو دي جانــرو حــول البيئــة ‪،1992‬‬
‫ومؤمتــر القاهــرة حــول الســكان‪ ،‬ومؤمتــر كوبنهاغــن حول الوضــع االجتماعي ‪)1995‬‬
‫منوذجــاً حملــاوالت هتــدف إلجيــاد منهجيــة موحَّــدة للتعامــل مــع هــذه املشــكالت‬
‫العامليــة املشــركة‪.‬‬
‫ويف الوقــت الــذي تبشِّــر فيــه العوملــة االجتماعيــة بصيانــة البيئــة واالنشــغال مبصــر‬
‫فقــراء العــامل والنضــال املشــرك ملواجهــة املشــكالت الــي أصبحــت تأخــذ منح ـىً‬
‫عامليـاً؛ جنــد أن الواليــات املتحــدة الــي يســكن فيهــا ‪ %4‬مــن ســكان العــامل؛ تسْــهم يف‬
‫تلويــث البيئــة بإطــاق ‪ %25‬مــن الغــازات امللوِّثــة للبيئــة العامليــة!‬
‫وتثار بالنسبة للتجليات االجتماعية للعوملة اإلشكاليات التالية ‪:‬‬
‫ ‪-‬إمكانية حتقيق جمتمع عاملي؛‬
‫ ‪-‬مــدى تأثــر بــروز «الشــعب العاملــي» يف «الشــعب اخلــاص بالدولــة» والــذي‬
‫مي ِّثــل إحــدى مقومــات الدولــة األساســية؛‬
‫ ‪-‬دور مؤسسات اجملتمع العاملي (املنظمات غري احلكومية)‪.‬‬
‫ويتســاءل مؤ ِّلفــا «فــخ العوملــة»‪« :‬أيعــي هــذا كلــه أن العــامل قــد أخــذ يقــرب مــن‬
‫التعــاون الشــامل اهلــادف إىل إنقــاذ االســتقرار االجتماعــي والتــوازن البيئــي؟ (‪،)...‬‬
‫إننــا حينمــا نأخــذ العــدد اهلائــل للمؤمتــرات واملنشــورات العامليــة اخلاصــة هبــذا‬
‫املوضــوع بعــن االعتبــار؛ ســيبدو لنــا احلــال كمــا لــو كنــا نقــف علــى عتبــة عصــر‬
‫جديــد‪ ،‬إال أن األمــر ليــس كذلــك يف الواقــع‪ ،‬فالنتائــج املتح ِّققــة حتــى اآلن خميبــة‬
‫لآلمــال»(‪.)3‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.44 :‬‬
‫(‪ )2‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.278 :‬‬
‫(‪ )3‬هانــس بيــر مارتــن وهارالــد شــومان‪ ،‬فــخ العوملــة‪ :‬االعتــداء علــى الدميقراطيــة والرفاهيــة‪ ،‬ترمجــة‪ :‬عدنــان عبــاس علــي‪ ،‬سلســلة عــامل‬
‫املعرفــة‪ ،‬الكويــت ‪ ،1998‬ص‪.376 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪33‬‬
‫خامساً‪ :‬العوملة االتصالية‬
‫ترتكــز العوملــة االتصاليــة علــى مفهــوم «القريــة الكونيــة» الــي تنبّــأ هبــا «مــاك لوهــان»‬
‫كوصــف مقبــل للكــرة األرضيــة يف عصــر إعجــاز االتصــاالت والتواصــل‪ ،‬وهــي ترفــع‬
‫شــعار «املعلومــات يف كل وقــت ويف كل مــكان ولــكل النــاس»(‪ ،)1‬فالتطــور احلاصــل يف‬
‫ثــورة االتصــاالت جعــل مــن العــامل قريــة واحــدة مــن حيــث تــداول املعلومــات املكتوبــة‬
‫واملرئية واملســموعة‪.‬‬
‫وتظهر من خالل دور أجهزة االتصال وأدواته املتمثلة يف‪:‬‬
‫ ‪-‬األقمــار الصناعيــة‪ :‬الــي مت ِّكــن مــن رؤيــة األحــداث الــي تتــم يف إحــدى‬
‫مناطــق املعمــورة‪ ،‬بعــد حلظــات مــن وقوعهــا‪ ،‬ويأتــي اإلرســال التليفزيونــي‬
‫كرتمجــة لرســالة األقمــار الصناعيــة‪ ،‬بينمــا تقــف وراء كل ذلــك االحتــكارات‬
‫العامليــة الكبــرة املتم ِّثلــة يف وكاالت األخبــار الفضائيــة (مثــل‪ :‬وكالــة اليونيتــد‬
‫بــراس األمريكيــة‪ ،‬وكالــة رويــر الربيطانيــة‪ ،‬وكالــة األنبــاء الفرنســية‪)...‬؛‬
‫ ‪-‬شــبكة اإلنرتنــت(‪ :)2‬هــي مبثابــة جتســيد فعلــي لتســمية «القريــة اإللكرتونيــة»؛‬
‫حيــث تســمح بنقــل املعلومــات يف اجملــال العلمــي وإرســال البيانــات يف اجلانــب‬
‫االقتصــادي؛ حيــث حتـوِّل املعــارف إىل خدمــات معلوماتيــة‪ ،‬فعــدد مســتخدمي‬
‫اإلنرتنــت يتزايــد بـــ ‪ %20‬كل ربــع ســنة ويف بدايــة ‪ 1995‬أصبــح هنــاك أكثــر مــن‬
‫‪ 4.8‬مليــون مســتخدم هلــا حــول الكــرة األرضيــة(‪ ،)3‬ومن املتو ّقــع أن يصل حجم‬
‫املســتهلكني يف هــذه الشــبكة إىل مليــار مشــرك ســنة ‪ ،)4(2000‬وأصبحــت هــذه‬
‫األداة وســيلة فعالــة لتنشــيط الســوق التجاريــة العامليــة‪ ،‬عــن طريــق الفــرع‬
‫اجلديــد املتم ِّثــل يف «التجــارة اإللكرتونيــة»؛‬
‫ ‪-‬احلواســيب اإللكرتونيــة‪ :‬فاإلنســان الــذي ميلــك جهــاز حاســب وخــط هاتفــي‬
‫رقمــي واشــراك يف شــبكة اإلنرتنــت؛ ميكنــه أن يصــل إىل بنــوك املعلومــات اليت‬
‫(‪ )1‬نبيل علي‪« ،‬ثورة املعلومات‪ :‬اجلوانب التقانية»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.117 :‬‬
‫(‪ )2‬بدأت سنة ‪ ،1969‬وكانت تابعة لوزارة الدفاع األمريكية‪.‬‬
‫(‪ )3‬كارلوس أ‪ .‬برميو براجا‪« ،‬تدويل اخلدمات وتأثريه على البلدان النامية»‪ ،‬جملة التمويل والتنمية‪ ،‬مارس ‪ ،1996‬ص‪.35 :‬‬
‫(‪ )4‬نبيل علي‪« ،‬ثورة املعلومات‪ :‬اجلوانب التقانية»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.116 :‬‬
‫‪34‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫يريدهــا (مــن حالــة الطقــس إىل مواعيــد إقــاع الطائــرات وحجــز املقاعــد)‪،‬‬
‫وحســب شــبكة اهلاتــف األمريكيــة أن النــاس مازالــوا يتحدثــون مــع بعضهــم‬
‫مــن خــال اهلاتــف‪ ،‬لكــن نســبة املعلومــة «دون حديــث» يف شــبكاهتا الدوليــة‪،‬‬
‫إمــا مــن خــال حاســب إىل حاســب أو بالفاكــس تصــل إىل ‪ %50‬مــن الوقــت(‪.)1‬‬
‫ففــي الوقــت الــذي تــروِّج فيــه العوملــة االتصاليــة حبــق اإلنســان يف املعلومــة؛ فإهنــا‬
‫ختفــي جانبــاً آخــر؛ حيــث تعمــل علــى تعميــق اهلــوة بــن الذيــن ميلكــون والذيــن‬
‫ال ميلكــون‪ ،‬فوضعيــة التدفــق اإلعالمــي غــر متوازنــة‪ ،‬وحســب «حســام عيســى»‪:‬‬
‫«فنحــن نعيــش أكثــر عصــور احتــكار املعلومــات قــوة‪ ،‬وهــذا عكــس مــا يدعيــه ِّ‬
‫منظــرو‬
‫العوملــة‪ ...‬فهــل اإلنرتنــت تظهــر عليــه معلومــات جتعلــك تنتــج دواءً ال تســتطيع‬
‫إنتاجــه؟!»(‪.)2‬‬
‫وتثار بالنسبة للتجليات االتصالية للعوملة اإلشكاليات التالية ‪:‬‬
‫ ‪-‬هــدف العوملــة االتصاليــة هــو مجــع املعلومــات بغــرض إعــام النــاس فقــط‪ ،‬أم‬
‫الســيطرة علــى حمتواهــا؛‬
‫ ‪-‬عملية تداول املعلومات هي شاملة وحمايدة‪ ،‬أم متحيزة وموجَّهة؛‬
‫ ‪-‬املخاطــر الــي ميكــن أن تنجــم عــن االعتمــاد علــى وكاالت األنبــاء العامليــة‬
‫الكــرى‪.‬‬
‫والعوملــة االتصاليــة مرتبطــة بعوملــة االقتصــاد؛ حيــث إن صناعــة االتصــال هــي الــي‬
‫تقــود االقتصــاد اليــوم‪ ،‬فهــذا القطــاع يقــوم بتصنيــف وتوزيــع املعلومــات (مــن املاليــة‬
‫إىل الرتفيهيــة‪ ،‬ومــن اخلدمــات اإلعالميــة والتعليميــة إىل االستشــارات القانونيــة‬
‫والطبيــة) كمــا تُســتخدم اإلنرتنــت يف إطــار التســويق والدعايــة اإلعالميــة‪ ،‬فالبائــع‬
‫يــرى فيهــا وســيلة لإلعــان عــن ســلعه‪ ،‬واملشــري يســتطيع أن خيتــار الســلعة ويقــرأ‬
‫ســعرها وحمتوياهتــا والنصائــح الطبيــة عنهــا‪ ،‬فيضعهــا إلكرتونيـاً يف ســلة مشــرياته‪.‬‬
‫وهبــذا فقــد و ّفــرت شــبكة اإلنرتنــت ألول مــرة وســيلة فعالــة لســرعة نفــاذ املعلومــة‬
‫(‪ )1‬حممد الرميحي‪« ،‬ختطي املوانع‪ :‬الطريق الدويل السريع للمعلومات»‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1994/9( ،460‬ص‪.24 :‬‬
‫(‪ )2‬حســام عيســى‪« ،‬نعيــش أكثــر عصــور احتــكار املعلومــات قــوة ‪ ،»...‬يف العوملــة هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة والسياســية‬
‫والعســكرية‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.53 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪35‬‬
‫وانتشــارها وتوظيفهــا‪ ،‬وأبــرزت أننــا بصــدد وضــع اقتصــادي جديــد هــو عصــر‬
‫اقتصــاد املعلومــات‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪36‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫النشأة التارخيية للعوملة‬
‫سنتناول هذا املبحث بالدراسة من خالل احملاور التالية‪:‬‬
‫‬
‫‪-‬رؤية الباحثني للتطور التارخيي للعوملة‬
‫‬
‫‪-‬تطور الرأمسالية العاملية‬
‫‬
‫‪-‬تطور النظام االقتصادي العاملي‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪37‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رؤية الباحثيني للتطور التارخيي للعوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الطرق املتعدِّدة لتحقيب العوملة‬
‫ثانياً‪ :‬منوذج «روالند روبرتسون» ملراحل العوملة‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الطرق املتعدِّدة لتحقيب العوملة‬
‫إن للعوملــة تاريــخ قديــم؛ ومــن ثـمّ فهــي ليســت نتــاج العقــود احلاليــة الــي ازدهــر فيهــا‬
‫مفهــوم العوملــة وذاع وانتشــر‪ ،‬وإذا كانــت العوملــة ظاهــرة ذات أصــول تارخييــة؛ فــإن‬
‫هــذا حي ِّتــم اللجــوء إىل حتقيــب التاريــخ؛ باعتبــاره املنهــج الــذي مي ِّكننــا مــن وضــع‬
‫هــذه الظاهــرة يف ســياقها التارخيــي‪ ،‬وهنــاك عــدة طــرق يف حتقيــب العوملــة تعـدّدت‬
‫حســب منهــج كل فريــق مــن الباحثــن‪...‬‬
‫ ‪-‬فمنهــم مَــن اعتمــد علــى أن العوملــة يف الواقــع التارخيــي‪ ،‬ليســت إال مرحلــة مــن‬
‫مراحــل تطــور النظــام الرأمســايل‪ ،‬تشـ ّكلت وفقاً ملقتضياتــه وقوانينه؛‬
‫ ‪-‬ومنهــم مَــن يــرى بــأن العوملــة مت ِّثل مرحلة من مراحل تطــور النظام االقتصادي‬
‫العاملــي الــذي مـرّ بثــاث ثــورات صناعيــة‪ ،‬والعوملــة بــرزت نتيجــة تعمُّــق آثــار‬
‫الثــورة العلميــة والتكنولوجيــة مــن جانــب؛ والتطــورات الكــرى الــي حدثــت يف‬
‫عــامل االتصــال مــن جانــب آخــر‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬منوذج «روالند روبرتسون» ملراحل العوملة‬
‫هنــاك منــوذج صاغــه «روالنــد روبرتســون» يف دراســته املهمــة (ختطيــط الوضــع‬
‫الكونــي‪ :‬العوملــة باعتبارهــا املفهــوم الرئيــس)؛ حيــث حــاول فيهــا أن يرصــد املراحــل‬
‫املتتابعــة لتطــور العوملــة وامتدادهــا عــر املكان والزمان‪ ،‬وهو أســلوب يذ ِّكرنا بأســلوب‬
‫‪38‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫«روســطو» يف حتديــد مراحــل التنميــة‪ ،‬وينقســم النمــوذج إىل مخــس مراحــل هــي(‪:)1‬‬
‫‪1-1‬املرحلــة اجلنينيــة‪ :‬اســتمرت يف أوربــا منــذ القــرن ‪ 15‬حتــى منتصــف القــرن ‪،18‬‬
‫ومتيّــزت بظهــور الدولــة القوميــة وبدايــة اجلغرافيــا احلديثــة؛‬
‫‪2-2‬مرحلــة النشــوء‪ :‬اســتمرت يف أوربــا منــذ منتصــف القــرن ‪ 18‬حتــى عــام ‪،1870‬‬
‫كمــا متيّــزت بظهــور املفاهيــم اخلاصــة بالعالقــات الدوليــة وبدايــة االهتمــام‬
‫مبوضــوع القوميــة والعامليــة؛‬
‫‪3-3‬مرحلــة االنطــاق‪ :‬اســتمرت مــن عــام ‪ 1870‬حتــى العشــرينيات مــن القــرن‬
‫‪ ،20‬ومتيّــزت بإدمــاج عــدد مــن اجملتمعــات غــر األوربيــة يف «اجملتمــع الــدويل»‪،‬‬
‫وظهــرت مفاهيــم تتعلــق باهلويــات القوميــة‪ ،‬وحــدث تطـوّر هائــل يف عــدد وســرعة‬
‫األشــكال الكونيــة لالتصــال‪ ،‬ومتــت املنافســات الكونيــة (ألعــاب أوملبيــة‪ ،‬جوائــز‬
‫نوبــل)‪ ،‬ومت تطبيــق فكــرة الزمــن العاملــي‪ ،‬ووقعــت احلــرب العامليــة األوىل ونشــأت‬
‫عصبــة األمــم؛‬
‫‪4-4‬الصراع من أجل اهليمنة‪ :‬اســتمرت من العشــرينيات حتى منتصف الســتينيات‪،‬‬
‫ومتيّــزت خبالفــات وحــروب فكريــة‪ ،‬كمــا وقعــت احلــرب العامليــة الثانيــة وبــرز‬
‫دور األمــم املتحــدة؛‬
‫‪5-5‬مرحلــة عــدم اليقــن‪ :‬بــدأت منــذ الســتينيات وأدت إىل اجتاهــات وأزمــات يف‬
‫التســعينيات‪ ،‬كمــا متيّــزت بإدمــاج العــامل الثالــث يف اجملتمــع العاملــي‪ ،‬وحــدث‬
‫هبــوط علــى القمــر‪ ،‬كمــا شــهدت هنايــة احلــرب البــاردة‪ ،‬وشــيوع األســلحة الذرية‪،‬‬
‫وزادت املؤسســات الكونيــة‪ ،‬وظهــرت احلقــوق املدنيــة‪ ،‬وأصبــح النظــام الــدويل‬
‫أكثــر ســيولة‪ ،‬وزاد االهتمــام باجملتمــع املدنــي العاملــي‪.‬‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني‪« ،‬يف مفهوم العوملة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32-30 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪39‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تطور الرأمسالية العاملية‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الرأمسالية التجارية‬
‫ثانياً‪ :‬الرأمسالية الصناعية‬
‫ثالثاً‪ :‬الرأمسالية املالية‬
‫رابعاً‪ :‬الرأمسالية االحتكارية‬
‫خامساً‪ :‬الرأمسالية العاملية (العوملة)‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الرأمسالية التجارية‬
‫مــرّ النظــام الرأمســايل بعــدة مراحــل ابتــداء مــن القــرن ‪ ،16‬واكبــه حتــوُّل يف‬
‫شــكل الرأمساليــة ويف أســواقها‪ ،‬فالتجــارة كانــت هــي العمــود الفقــري للنشــاط‬
‫االقتصــادي أول األمــر‪ ،‬فحلّــت حملّهــا الصناعــة‪ ،‬ثــم أخــذت املؤسســات املاليــة تلعــب‬
‫الــدور األساســي يف تنميــة النظــام الرأمســايل‪ ،‬وبعــد أن كانــت الرأمساليــة تنافســية‬
‫ثــم احتكاريــة تطــورت إىل مرحلــة جديــدة ميكــن تســميتها «بالرأمساليــة العامليــة»‬
‫(العوملــة)‪.‬‬
‫لســنا بصــدد تأريــخ كامــل لنشــأة الرأمساليــة وتطورهــا‪ ،‬وإمنــا نشــر إىل مراحــل‬
‫مهمــة مــن هــذا التطــور؛ ممــا يســاعد علــى فهــم أن «الرأمساليــة كنمــط إنتــاج‬
‫متجــدِّد‪ ،‬تتغيّــر مالحمهــا وأســاليبها يف االســتغالل عــر الزمــن»(‪.)1‬‬
‫والرأمساليــة التجاريــة هــي مرحلــة تتســم بالــدور القيــادي الــذي يلعبــه التاجــر؛‬
‫حيــث كانــت التجــارة العنصــر األساســي للنشــاط االقتصــادي بعــد ظهــور املــدن يف‬
‫أوربــا‪ ،‬وهــي تعبِّــر عــن مرحلــة ميــاد النظــام الرأمســايل يف ظــل ســيادة املذهــب‬
‫التجــاري‪.‬‬
‫(‪ )1‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬الكوكبة‪ :‬الرأمسالية العاملية يف مرحلة ما بعد االمربيالية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6 :‬‬
‫‪40‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ولقــد م ّكنــت بعــض املعطيــات األساســية مــن رســم الواقــع األوربــي يف القرنــن ‪16‬‬
‫و‪ 17‬تتمثــل فيمــا يلــي(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬اتســاع رقعــة العــامل االقتصــادي‪ :‬نتيجــة االكتشــافات اجلغرافيــة األوربيــة‬
‫(ألمريــكا يف ‪ ،1492‬ولــرأس رجــاء الصــاحل ‪ ،)1498‬الــي فتحــت أمــام التجــار‬
‫األوربيــن بــاب التصديــر هلــذه األســواق اجلديــدة؛‬
‫ ‪-‬الثــروة النقديــة‪ :‬بســبب تد ُّفــق إنتــاج الذهــب الــذي اكتُشــف يف أمريــكا والبريو‬
‫واملكســيك؛ ممــا أدى إىل متويــل عــدة مشــاريع جتارية؛‬
‫ ‪-‬ميــاد األمــم والــدول العصريــة‪ :‬ظهــرت األمــة بعــد أن شــعرت بوحدهتــا‪،‬‬
‫وظهــرت قــوة امللــك يف توحيــده للنقــود‪ ،‬والقيــام باحلــروب للبحــث عــن أســواق‬
‫ومســتعمرات؛‬
‫ ‪-‬تراكم األموال يف يد التجار‪ :‬بعد زيادة األرباح‪ ،‬مت مجع األموال واســتعماهلا‬
‫يف اســتثمارات جتاريــة جديــدة‪ ،‬كتأســيس الشــركات (مثــل‪ :‬الشــركة اهلولنديــة‬
‫للهند الشرقية يف ‪)1622‬؛‬
‫ ‪-‬الثــورة الفكريــة‪ :‬ظهــر تراكــم معــريف ضخــم بــدأ بالثــورة الثقافيــة يف عصــر‬
‫النهضــة (كوبرنيكــوس وغاليليــو يف علــم الفلــك‪ ،‬ونيوتــن والفوازييــه يف‬
‫العلــوم الطبيعيــة‪ ،‬بيكــون وديــكارت يف الفلســفة‪ ،)2()...‬كمــا شــهدت أوربــا‬
‫حركــة اإلصــاح الديــي (لوثــر ‪ 1517‬وكلفــان ‪ )1536‬الــي غيّــرت الذهنيــات‬
‫وأصبحــت ســعادة اإلنســان تُقــاس بالســعي وراء مجــع الثــروة وتعظيــم الربــح‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الرأمسالية الصناعية‬
‫إن التغيُّــرات الــي عرفتهــا أوربــا بعــد القــرن ‪ 16‬هيّــأت للثــورة الصناعيــة الــي‬
‫انطلقــت يف القــرن ‪ 18‬مــن إجنلــرا‪ ،‬ثــم انتشــرت فيمــا بعــد إىل عــدة دول أوربيــة‪،‬‬
‫وتتمثــل الســمات األساســية هلــده املرحلــة فيمــا يلــي(‪:)3‬‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬فتح اهلل ولعلو‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬السلسلة االقتصادية‪ ،‬دار احلداثة‪ ،1982 ،‬ص‪.56-52 :‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬الكوكبة الرأمسالية العاملية يف مرحلة ما بعد االمربيالية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8-7 :‬‬
‫(‪ )3‬فتح اهلل ولعلو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.64-56 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪41‬‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫ِّ‬
‫«املنظــم» مــن اســتعمال‬
‫االخرتاعــات التقنيــة‪ :‬م ّكنــت االخرتاعــات العلميــة‬‫وســائل تقنيــة جديــدة (اآللــة البخاريــة) يف جمــال صناعــة النســيج واحلديــد‬
‫والطاقــة؛ ممــا أدى إىل زيــادة إنتاجيــة العمــل‪ ،‬وكان الفحم احلجري هو عنصر‬
‫التنميــة االقتصاديــة‪ ،‬وعامــل االندفــاع االقتصــادي يف ميــاد املؤسســات‬
‫الصناعيــة؛‬
‫الثــورة الفكريــة‪ :‬مت اعتبــار احلريــة الشــخصية مبــدأً مقدّســاً؛ أي حتريــر‬‫الفــرد مــن كل القيــود الــي حتـدّ مــن نشــاطه‪ ،‬وشــاع «املذهــب الفــردي» الــذي‬
‫يقـدِّس حــق امللكيــة الفرديــة‪ ،‬وقــد عبّــر «آدم مسيــث» مــن جهــة (دعْــه يعمــل‪،‬‬
‫دعْــه ميــر)‪ ،‬واملفكــرون الطبيعيــون مــن جهــة أخــرى‪ ،‬عــن هــذه التوجيهــات‬
‫واألفــكار (الوقــوف أمــام تدخُّــل الدولــة)؛‬
‫اإلصــاح الزراعــي‪ :‬أســهمت الزراعــة إىل جانــب التجــارة يف متويــل الصناعــة‪،‬‬‫فارتفــاع مداخيــل الفالحــن أدى إىل توجيــه ثرواهتــم إىل اســتثمارات صناعيــة؛‬
‫النمــو الدميغــرايف‪ :‬عرفــت إجنلــرا يف أواخــر القــرن ‪ 18‬منــواً دميغرافيــاً‬‫كبــراً‪ ،‬ســاعد هــذا العامــل علــى تدعيــم الثــورة الصناعيــة (قــوة بشــرية)؛‬
‫حيــث مت اســتخدام األطفــال والنســاء يف املصانــع مقابــل أجــر ضئيــل ووقــت‬
‫عمــل طويــل‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الرأمسالية املالية‬
‫ظهــرت بعــد ‪ 1870‬قــوى اقتصاديــة جديــدة داخــل أوربــا وخارجهــا؛ حبيــث كانــت‬
‫القــدرة الصناعيــة لربيطانيــا ‪ 32%‬مــن القــدرة الصناعيــة العامليــة‪ ،‬يف حــن أن‬
‫الواليــات املتحــدة كانــت متلــك ‪ 23%‬وأملانيــا ‪ 13%‬وفرنســا ‪ ،10%‬كمــا مل تكــن التجــارة‬
‫ســوى وســيلة لفتــح األســواق للمنتجــات الصناعيــة الــي احتاجــت إىل جهــاز مصــريف‬
‫ومــايل لتمويــل االقتصــاد‪ ،‬وميكــن تلخيــص خصائــص هــده املرحلــة فيمــا يلــي(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬تطــور املؤسســات املاليــة واملصرفيــة‪ :‬حيــث أخــذت تلعب الــدور اإلداري للحياة‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.66-64 :‬‬
‫‪42‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫االقتصاديــة‪ ،‬باعتبارهــا أصبحــت املمـوِّل األساســي للمؤسســات الكــرى الــي‬
‫اضطــرت الســتخدام القــروض املصرفيــة وإصــدار األســهم؛‬
‫ ‪-‬ظهــور قطاعــات جديــدة‪ :‬بعــد أن كانــت صناعــة النســيج والتعديــن تشـ ِّكالن‬
‫القطاع احملرِّك للنشاط االقتصادي؛ انتقل هذا الدور بعد ‪ 1850‬إىل السكك‬
‫احلديديــة وصناعــات حديثــة (ســيارات‪ ،‬صناعــة ميكانيكيــة وكيميائيــة)؛‬
‫حيــث انتشــر اســتخدام طاقــة الكهربــاء والبــرول علــى حســاب طاقــة الفحــم‪.‬‬
‫ ‪-‬املـدّ االســتعماري‪ :‬االســتعمار مــن خصائــص النظــام الرأمســايل الــذي يبحــث‬
‫باســتمرار علــى أربــاح وأســواق جديــدة‪ ،‬باالســتيالء علــى أراضــي وخــرات‬
‫الــدول الفقــرة يف آســيا وإفريقيــا وأمريــكا الالتينيــة‪ ،‬وأدى هــدا التســابق علــى‬
‫املســتعمرات إىل احلــرب العامليــة األوىل ســنة ‪.1914‬‬
‫رابعاً‪ :‬الرأمسالية االحتكارية‬
‫بــرز تدخُّــل واضــح مــن قِبــل الدولــة يف احليــاة االقتصاديــة أثنــاء احلــرب العامليــة‬
‫األوىل لتســود بعــد ذلــك «مرحلــة الفوضــى االقتصاديــة الــي أدت إىل نشــوء‬
‫االحتــكارات»(‪)1‬؛ حيــث مسّــى «لينــن» هــذه املرحلــة «اإلمربياليــة»‪ ،‬كمــا متيّــزت هــذه‬
‫املرحلــة باخلصائــص التاليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬ســيادة االحتــكار‪ :‬تعـدّدت أنــواع االحتــكار حيــث ميكــن التمييــز بــن الكارتــل‬
‫والرتوســت‪ ،‬فالكارتل هو «اتفاق بني جمموعة شــركات تنتج ســلعة أو جمموعة‬
‫ســلعية واحــدة‪ ،‬علــى االلتــزام بأســعار معيّنــة‪ ،‬أو علــى توزيــع األســواق‪،»...‬‬
‫بينمــا الرتوســت فهــو «يعــي االشــتغال بــكل مراحــل اإلنتــاج لســلعة معيّنــة‪ ،‬مــن‬
‫املــادة األوليــة وحتــى بيــع الســلعة النهائيــة بقصــد إلغــاء األربــاح الوســيطة أو‬
‫الســيطرة عليهــا»(‪)2‬؛‬
‫ ‪-‬ظهــور النظــام االشــراكي‪ :‬يُعتــر أكــر حــدث عرفــه القــرن العشــرون الــذي‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.192 :‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬الكوكبة‪ :‬الرأمسالية يف مرحلة ما بعد اإلمربيالية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪43‬‬
‫بــدأ يف االحتــاد الســوفياتي (‪ ،)1917‬وكان مــن نتائــج ميــاد هــذا النظــام‪،‬‬
‫حتمُّــل الدولــة املســؤولية الكاملــة يف إدارة احليــاة االقتصاديــة؛ علــى أســاس‬
‫ختطيــط وطــي شــامل؛‬
‫ ‪-‬شــعور العــامل بوجــود فــروق بــن املســتويات االقتصاديــة‪ :‬وجــود دول متقدمة‬
‫وأخــرى متخ ِّلفــة يف القــارات الثــاث‪ :‬آســيا وإفريقيا وأمريــكا الالتينية؛‬
‫ ‪-‬حــدوث األزمــات‪ :‬نتيجــة لالحتــكارات حدثــت أزمــة ‪( 1929‬أزمــة الكســاد‬
‫الكبــر‪ ،‬وهــو أعظــم كســاد يف تاريــخ الرأمساليــة) الــي بــدأت يف الواليــات‬
‫املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬ثــم أوربــا‪ ،‬وكادت تقضــي علــى النظــام الرأمســايل يف‬
‫حـدّ ذاتــه‪ ...‬ومــن أجــل إنقــاذ هــذا النظــام مــن االهنيــار؛ تزايــد تدخُّــل الدولــة‬
‫مــن خــال تشــريعات اجتماعيــة حملاربــة البطالــة (‪ 14‬مليــون بطــال)‪ ،‬وظهــر‬
‫حتليــل كينــز (النظريــة العامــة يف ‪ )1936‬لتحقيــق التوظيــف الكامــل عــن‬
‫طريــق إعــادة النظــر يف التحليــل الكالســيكي املتعلــق بــدور الســوق ووظيفــة‬
‫الدولــة‪.‬‬
‫وبعــد احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬اسـتُخدمت آليــات «بريتــون وودز» لتعمــر مــا خرّبتــه‬
‫احلــرب‪ ،‬واخلــروج مــن األزمــات االقتصاديــة بدعــم اهليــكل االقتصــادي للرأمساليــة‬
‫ومحايتــه‪ ،‬ومت يف الفــرة (‪ )1945-1970‬حتقيــق معــدل منــو ســنوي يف الــدول‬
‫الصناعيــة الرأمساليــة (‪ )4%‬ومل تتجــاوز نســبة التضخــم (‪ )2.5%‬والبطالــة (‪)1()3%‬؛‬
‫إال أنــه مــع بدايــة الســبعينيات انتهــى عصــر االزدهــار االقتصــادي؛ برتاجــع معــدالت‬
‫النمــو وزيــادة البطالــة والتضخــم‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬الرأمسالية العاملية (العوملة)‬
‫بعــد تراجــع فعاليــة النمــوذج الكينــزي يف ضمــان التوازن االقتصــادي العام‪ ،‬وختفيف‬
‫ح ـدّة األزمــات الدوريــة؛ ظهــرت أفــكار الليرباليــة والنيوكالســيكية الــي متيــل إىل‬
‫تقليــص دور الدولــة وحتقيــق االنتقــال إىل اقتصــاد الســوق‪« ،‬فالرأمساليــة العامليــة‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.193 :‬‬
‫‪44‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫حوّلــت آليــات الســوق مــن آليــات اقتصاديــة معروفــة بشــروطها إىل إيديولوجيــا‪ ،‬كل‬
‫شــيء حيلّــه الســوق‪ ،‬الدولــة والنقابــات ال لــزوم هلــا‪ ،‬والســوق هــو احلكــم الوحيــد»(‪،)1‬‬
‫وتتســم هــذه املرحلــة بالســمات التاليــة(‪:)2‬‬
‫ ‪-‬اهنيــار نظــام بريتــون وودز (‪ :)1971‬حيــث ختلّــت الواليــات املتحــدة عــن قابلية‬
‫حتويــل الــدوالر بالذهــب‪ ،‬فانتهــى عصــر ثبــات أســعار الصــرف‪ ،‬وحدثــت‬
‫فوضــى يف أســواق النقــد الــدويل؛‬
‫ ‪-‬عوملــة النشــاط اإلنتاجــي‪ :‬وهــي تتــم مــن خــال آليتــن مُهمتــن مهــا‪ :‬التجــارة‬
‫الدوليــة واالســتثمار األجنيب املباشــر؛‬
‫ ‪-‬عوملــة النشــاط املــايل واندمــاج أســواق املــال‪ :‬حيــث تلعــب الشــركات العامليــة‬
‫املتع ـدِّدة اجلنســيات الــدور الرئيــس يف هــذا اجملــال‪ ،‬والــي ّ‬
‫ختطــى نشــاطها‬
‫احلــدود اإلقليميــة‪ ،‬وظهــر منــو واضــح يف عمليــات تكامــل اإلنتــاج والتمويــل‬
‫والتســويق علــى مســتوى العــامل كلــه؛‬
‫ ‪-‬تغيُّــر مراكــز القــوى العامليــة‪ :‬ظهــرت يف القــرن العشــرين قوتــان اقتصاديتــان‬
‫كبريتــان خــارج أوربــا مهــا‪ :‬الواليــات املتحــدة األمريكيــة واالحتــاد الســوفياتي‪،‬‬
‫وحــاول كل منهمــا فــرض منوذجــه علــى اآلخــر‪ ،‬فنشــبت بينهمــا حربـاً بــاردة‬
‫انتهــت باهنيــار االحتــاد الســوفياتي مــع بدايــة التســعينيات‪ ،‬وبــرزت الواليــات‬
‫املتحــدة كقــوة مهيمنــة؛‬
‫ ‪-‬تغيُّــر هيــكل االقتصــاد العاملــي وسياســات التنميــة‪ :‬حيــث ظهــرت أقطــاب‬
‫اقتصاديــة (أمريــكا الشــمالية‪ ،‬االحتــاد األوربــي‪ ،‬الكتلــة اآلســيوية)‪ ،‬كمــا‬
‫حتوّلــت الــدول الــي مارســت التخطيــط إىل تبنِّــي برامــج اخلصخصــة‬
‫واقتصــاد الســوق‪ ،‬حتــت ضغــط األوضــاع الداخليــة ومشــروطية املؤسســات‬
‫املاليــة الدوليــة‪.‬‬
‫يبــدو أن العوملــة املتم ِّثلــة يف الرأمساليــة العامليــة‪ ،‬هــي أعلــى مراحل صيــغ الرأمسالية‬
‫(‪ )1‬إمساعيــل صــري عبــد اهلل‪« ،‬العوملــة كلمــة مضللــة‪ ،»..‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة والسياســية والعســكرية‪،‬‬
‫مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.48 :‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬السيد ياسني‪« ،‬يف مفهوم العوملة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪45‬‬
‫الســابقة‪ ،‬وهــي صلــة تقــوم علــى عالقتــن‪ :‬عالقــة امتــداد وعالقــة انفصــال العوملــة‬
‫مــع املراحــل الســابقة للرأمسالية‪:‬‬
‫ ‪-‬وجه االمتداد‪ :‬يظهر يف االحتكار ومكانة اجلانب املايل ونزعة التوسُّع‪:‬‬
‫• •فالعوملــة تذهــب باالحتــكار إىل أبعــد احلــدود املمكنــة‪ ،‬ســواء على صعيد‬
‫جمموعــة الســبع الكبــار (الــي حتتكــر أكثــر مــن ثــاث أربــاع الثــروة‬
‫العامليــة)‪« ،‬فأكثــر مــن ‪ 85%‬مــن حــركات رؤوس األمــوال تتــم مــا بــن‬
‫الــدول الصناعيــة الكــرى‪ ،‬يتبقــى ‪ 15%‬يتصــارع عليهــا كل الــدول و‪85%‬‬
‫مــن الـــ ‪ 15%‬تذهــب إىل الــدول الــي تســمى بالنمــور ســواء يف آســيا أو‬
‫أمريــكا الالتينيــة‪ ،‬يتبقــى ‪ 2%‬لــكل شــعوب العــامل‪ ،‬جتــري وراءهــا حــوايل‬
‫‪ 140‬دولــة متخلفــة»(‪ ،)1‬أو علــى صعيــد الشــركات املتعــددة اجلنســيات‬
‫(الــي تتحكــم يف نســيج اإلنتــاج والتبــادل)؛ حيــث إن «إمجــايل إيــرادات‬
‫‪ 500‬شــركة منهــا مي ِّثــل ‪ 42%‬مــن الناتــج احمللــي اإلمجــايل مــن العــامل‬
‫كله»(‪)2‬؛‬
‫• •ويف اجلانــب املــايل؛ فــإن األســواق املاليــة العامليــة تتعامــل يوميـاً مببلــغ‬
‫يصــل إىل ألــف مليــار دوالر(‪ ،)3‬كمــا بــرزت يف التســعينيات اجتاهــات‬
‫جديــدة علــى مســتوى عمــل املصــارف العامليــة ملواكبــة تيــار العوملة؛ حيث‬
‫«تزايــدت عمليــات الدمــج بــن املصــارف الكــرى يف العــامل‪ ،‬وخباصــة‬
‫يف الواليــات املتحــدة؛ حيــث اخنفــض عــدد املصــارف األمريكيــة بواقــع‬
‫الثلــث تقريبــاً بــن عــام (‪ 1986‬و‪ ،)1998‬وقــد تأ ّثــرت موجــة الدمــج‬
‫العامليــة بعــدد مــن العوامــل‪ ،‬أمههــا‪ :‬احلاجــة إىل خفــض النفقــات‬
‫الــي تزايــدت بشــكل ســريع يف الســنوات األخــرة بعــد تدنــي مســتويات‬
‫الرحبيــة مــن ناحيــة؛ وأمهيــة اقتصــادات احلجــم ممــا جيعــل املصــارف‬
‫(‪ )1‬حســام عيســى‪« ،‬نعيــش أكثــر عصــور احتــكار املعلومــات قــوة‪ ،»..‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة والسياســية‬
‫والعســكرية‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.63 :‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيــل صــري عبــد اهلل‪« ،‬العوملــة كلمــة مضللــة‪ ،»..‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة والسياســية والعســكرية‪،‬‬
‫مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.45 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.49 :‬‬
‫‪46‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫الكــرى أقــدر علــى املنافســة الدوليــة يف ظــل العوملــة‪ ،‬وتطــور وســائل‬
‫التقانــة وتقنيــات االتصــال‪ ،‬وإزالــة القيــود علــى التوســع اجلغــرايف يف‬
‫إطــار اتفاقيــة «الغــات» مــن ناحيــة أخــرى»(‪)1‬؛‬
‫• •أمــا نزعــة التوسُّــع؛ فتكمــن يف كــون أن النظــام الرأمســايل هــو نظــام‬
‫مشــويل بطبيعتــه وهــو مدفــوع حبافــز تعظيــم الربــح والســعي وراء‬
‫األســواق لتجــاوز حــدوده‪ ،‬فــإذا مل يتوسّــع فإنــه يتعرّض للركود والكســاد‬
‫(أزمــات دوريــة)‪.‬‬
‫ ‪-‬وجــه االنفصــال‪ :‬يكمــن يف ميــدان األدوات واآلليــات الوظيفيــة‪ ،‬فالرأمساليــة‬
‫الصناعيــة واملاليــة احتاجــت إىل االســتعمار‪ ،‬فاســتعملت القــوة العســكرية‬
‫الحتــال دول اجلنــوب والســيطرة علــى مواردهــا‪ ،‬واحتاجــت الرأمساليــة‬
‫االحتكاريــة (اإلمربياليــة) إىل أدوات اقتصاديــة متطــورة إلخضــاع الــدول الــي‬
‫انســحب منهــا االســتعمار عســكرياً‪ ،‬فاســتعملت برامــج التعــاون والقــروض‬
‫واالســتثمار(‪ ،)2‬أمــا الرأمساليــة العامليــة (العوملــة) فت ّتجــه إىل تســليط منظومــة‬
‫جديــدة مــن التشــريعات االقتصاديــة الــي تقـرّ فتــح احلــدود وحريــة التجــارة‬
‫واســتثمار ثــورة املعلومــات واالتصــال؛ ممــا جعــل البعــض يعتربهــا اســتعماراً‬
‫اقتصاديــاً؛ حيــث يقــول «ماهــر الشــريف»‪« :‬إذ أن العوملــة بشــكل متظهرهــا‬
‫احلــايل‪ ،‬سياســياً واقتصاديــاً وثقافيــاً‪ ،‬ليســت يف احلقيقــة‪ ،‬ســوى شــكل‬
‫جديــد مــن أشــكال الســيطرة واهليمنــة‪ ،‬إىل درجــة كلمــة «اســتعمار» صــارت‬
‫تالزمهــا كظلهــا‪« :‬اســتعمار الســوق»‪« ،‬اســتعمار الصــورة» (‪ ،)...‬وبغــض النظــر‬
‫عــن الشــحنة اإليديولوجيــة الــي ميكــن أن تتضمنهــا كلمــة «اســتعمار»‪ ،‬إال أهنــا‬
‫تعبِّــر تعبــراً صادقـاً‪ ،‬عــن أشــكال متظهــر هــذه العوملــة‪ ،‬الســيما عنــد مــا يتعلــق‬
‫األمــر بـــ «اســتعمار الســوق»‪ ،‬الســوق الــي ال حيرِّكهــا ســوى البحــث عــن الربــح‬
‫ومعاظمتــه‪ ،‬وال تضبطهــا أيّــة قيــود وال ختضــع أليّ ختطيــط»(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.408 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.70 :‬‬
‫(‪ )3‬العوملة يف الغرب والشرق‪« ،‬اإلسالم والعوملة» ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29-28 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪47‬‬
‫مــن خــال هــذه الدراســة التارخييــة ملراحــل تطــور النظــام الرأمســايل؛ يتبيّــن لنــا أن‬
‫الرأمساليــة تســتطيع أن تتكيّــف مــع األزمــات الــي تواجههــا‪ ،‬وهــي تطــرح اآلن مــن‬
‫خــال الليرباليــة حـاً جديــداً يســتخدم مفاهيــم قدميــة بأســاليب جديــدة تتمثــل يف‬
‫الرتويــج للعوملــة‪ ،‬كمحاولــة لصياغــة اهليمنــة الرأمساليــة العامليــة‪ ،‬ويف هــذا الصــدد‬
‫يقــول «عبــد اإللــه بلقزيــز»‪« :‬فهــم العوملــة هبــذا املعنــى معنــاه حفــظ وحــدة إدراكنــا‬
‫للنظــام الرأمســايل يف خمتلــف أحقــاب وأوجــه تطــوره‪ ،‬بســبب مــا ينطــوي عليــه‬
‫تارخيــه املتن ـوِّع مــن وحــدة يف التكويــن أو الرتكيــب‪ ،‬إن شــيئاً مــن نظــام العالقــات‬
‫الرأمساليــة مل يتغيّــر حتــى يفــرض علينــا أن نغيِّــر مــن إدراكنــا لــه‪ ،‬غــر أن جناحــه‬
‫يف جتديــد نفســه مــن الداخــل‪ ،‬ويف جتديــد أدواتــه وكيفيــة اشــتغاله‪ ،‬تُملــي احلاجــة‬
‫إىل جهــد معــريف عميــق لتحصيــل هــدف وعــي هــذه التغــرات الــي تطــرأ عليــه يف‬
‫وحــدة نظامــه‪ ،‬ومــن هنــا احلاجــة إىل جتديــد الوعــي بــه مــن خــال مقاربــة ظاهــرة‬
‫العوملــة فيــه مــن حيــث هــي اللحظــة العليــا التارخييــة الظافــرة يف ســرورة تطــوره‬
‫املعاصــر»(‪.)1‬‬
‫‪‬‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.70 :‬‬
‫‪48‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تطور النظام االقتصادي العاملي‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬مرحلة الثورة الصناعية األوىل‬
‫ثانياً‪ :‬مرحلة الثورة الصناعية الثانية‬
‫ثالثاً‪ :‬مرحلة الثورة الصناعية الثالثة‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬مرحلة الثورة الصناعية األوىل‬
‫مـرّ النظــام االقتصــادي العاملــي بثــاث مراحــل‪ ،‬تغيّــرت فيهــا العالقــة بــن املكونــات‬
‫األربعــة‪« :‬املنشــأة‪ ،‬الســوق‪ ،‬الدولــة‪ ،‬العــامل»؛ حيــث تغيّــرت طبيعــة املنشــأة الــي مت ِّثــل‬
‫مركــز اختــاذ القــرار علــى املســتوى اجلزئــي‪ ،‬وعبَّــرت هــذه التغــرات عــن نفســها‬
‫بتغيُّــر يف قواعــد عمــل الســوق‪ ،‬كمــا تغيّــر دور الدولــة الــي هــي مركــز اختــاذ القــرار‬
‫علــى املســتوى الكلــي‪ ،‬وانتقلــت البنيــة العامليــة مــن نظــام دويل إىل نظــام عاملــي(‪،)1‬‬
‫وتُعتــر العوملــة االقتصاديــة نتــاج املرحلــة الثالثــة‪.‬‬
‫وشهدت مرحلة الثورة الصناعية األوىل استخدام البخار والفحم‪ ،‬وشغلت بريطانيا‬
‫موقــع القيــادة فيهــا‪ ،‬وأحدثــت هــذه الثــورة قفــزة هائلــة يف تقنيــة اإلنتــاج وإنتاجيــة‬
‫العمــل؛ نتيجــة اســتعمال اآللــة يف الصناعــة (صناعــات النســيج واحلديــد‪.)...‬‬
‫وكانــت املنشــأة هــي املنتــج املفــرد الــذي يعمــل يف ظــل منافســة حــرة؛ حيــث ســاد‬
‫االعتقــاد حبريــة الفــرد‪ ،‬وبأنــه ال يوجــد تناقــض بــن ســعي الفــرد لزيــادة أرباحــه‬
‫وبــن مصلحــة اجملتمــع‪ ،‬وتر ّكــز جمــال النشــاط اإلنتاجــي يف هــذه املرحلــة يف الســوق‬
‫الداخليــة‪ ،‬أمــا الدولــة فتو ّلــت وظيفــة احلــارس (الدولــة احلارســة)؛ حيــث ال تتدخــل‬
‫يف احليــاة االقتصاديــة‪ ،‬وهتتــم فقــط خبدمــات األمــن والدفــاع والعدالــة‪.‬‬
‫كمــا اتصفــت هــذه املرحلــة خبضــوع العــامل لظاهــرة االســتعمار تقــوده بريطانيــا‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.261-256 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪49‬‬
‫أكــر دولــة اســتعمارية؛ هبــدف إجيــاد أســواق للمنتجــات الصناعيــة‪ ،‬وكانــت اآلليتــان‬
‫االقتصاديتــان الرئيســتان هليمنتهــا مهــا‪ :‬حريــة التجــارة وقاعــدة صــرف اإلســرليين‬
‫بالذهــب(‪.)1‬‬
‫إن تســابق الــدول الصناعيــة للحصــول علــى املســتعمرات أدى إىل صــراع بينهــا‪،‬‬
‫وحتــوّل إىل حــروب انتهــت باحلــرب العامليــة األوىل‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مرحلة الثورة الصناعية الثانية‬
‫شــهدت اســتخدام الكهربــاء والنفــط وقادهتــا الواليــات املتحــدة‪ ،‬وظهــرت صناعــة‬
‫الســيارات والطائرات والصناعات االســتهالكية‪ ،...‬واختذت املنشــأة شــكل الشــركة‬
‫الوطنيــة الكبــرة‪ ،‬وهــو مــا أدى إىل تنامــي قدراهتــا االحتكاريــة‪ ،‬وأصبــح مــن مقومــات‬
‫اســتمرار هــذه الشــركات الضخمــة يف األســواق هــو التطويــر املســتمر للمنتجــات‪،‬‬
‫فــكان ال بـدّ هلــا مــن اتســاع األســواق وجتــاوز حــدود القطــر‪.‬‬
‫ونتيجــة للكســاد العاملــي يف الثالثينيــات تغيّــر دور الدولــة‪ ،‬وأصبحــت تتدخّــل يف‬
‫احليــاة االقتصاديــة للتخفيــف مــن ح ـدّة األزمــات االقتصاديــة (الدولــة املتدخِّلــة)‬
‫يف املعســكر الرأمســايل و(الدولــة املنتجــة) يف املعســكر االشــراكي و(الدولــة املوجِّهــة‬
‫للتنميــة) يف الــدول الناميــة‪.‬‬
‫كمــا اتصفــت هــذه املرحلــة بــروز أمريــكا حم ّل بريطانيــا كقوة اســتعمارية واقتصادية‬
‫مهيمنــة بعــد احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬وشــكلت آليتــن اقتصاديتــن مشــاهبتني آلليــي‬
‫املرحلــة األوىل ومهــا‪ :‬حريــة التجــارة وقاعــدة صــرف الــدوالر بالذهب(‪.)2‬‬
‫وحتــوّل العــامل إىل كتلتــن‪ :‬كتلــة رأمساليــة (الواليــات املتحــدة) وكتلــة اشــراكية‬
‫(االحتــاد الســوفياتي)‪ ،‬كمــا بــرزت قضيــة التنميــة يف العــامل الثالــث‪.‬‬
‫(‪ )1‬حممد األطرش‪« ،‬تطور النظام الدويل»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1993/5( ،171‬ص‪.49 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.50 :‬‬
‫‪50‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ثالثاً‪ :‬مرحلة الثورة الصناعية الثالثة‬
‫شــهدت ثورة تكنولوجية أدت إىل ظهور احلاســب اآليل وتطور الصناعات اهلندســية‬
‫والكيميائيــة والطاقــة الذريــة‪ ،‬وتو ّلــت الواليــات املتحــدة القيــادة‪ ،‬كمــا ظهــرت املعرفــة‬
‫كعنصــر إنتاجــي مهــم وتقدّمــت علــى رأس املــال؛ حيــث «مت االنتقــال مــن املوجــة‬
‫الثانيــة الصناعيــة إىل املوجــة الثالثــة اخلدميــة»(‪.)1‬‬
‫ويف هــذه املرحلــة كان التغيــر علــى الصعيــد اإلنتاجــي؛ حيــث مت االنتقــال مــن تطوير‬
‫املنتجــات إىل تطويــر أســاليب اإلنتــاج واإلدارة‪ ،‬وحتوّلــت املنشــأة مــن الشــركات‬
‫الكبــرة إىل عابــرات قوميــات (شــركات متعــددة اجلنســيات)‪ ،‬ونتيجــة لذلــك نشــأت‬
‫وتطــورت ظاهــرة تدويــل االقتصــاد وأســواق املــال واخلدمــات لتتجــاوز احلــدود‬
‫الوطنيــة‪ ،‬ومت االنتقــال إىل عامليــة الســوق؛ حيــث مل تَعُــد حــدود الدولــة هــي حــدود‬
‫الســوق؛ بــل أصبــح العــامل كلــه جمــاالً للتســويق يف الســلع واخلدمــات ورؤوس األمــوال‬
‫واملعلومــات واألفــكار والتكنولوجيــا (العوملــة)‪.‬‬
‫أمــا الدولــة‪ ،‬فقــد اختلفــت مهامهــا حبســب املوقــع‪ ،‬فهــي يف الدولــة املتقدمــة «دولــة‬
‫مدبِّــرة» تســهر علــى تدبــر احتياجات الشــركات املتعددة اجلنســيات املنطلقة أساسـاً‬
‫مــن أراضيهــا‪ ،‬وهــي يف الــدول املتخلفــة «دولــة ضعيفــة» مســؤولة علــى هتيئــة البيئــة‬
‫الــي تراهــا هــذه الشــركات مالئمــة هلــا‪.‬‬
‫كمــا تتصــف هــذه املرحلــة بالتكتــات االقتصاديــة يف العــامل‪ ،‬اســتناداً إىل اعتبــارات‬
‫جغرافيــة واقتصاديــة وهــي‪ :‬كتلــة أمريــكا الشــمالية‪ ،‬كتلــة أوربــا املوحَّــدة‪ ،‬الكتلــة‬
‫اآلســيوية‪.‬‬
‫مــن خــال هــذه الدراســة التارخييــة لتطــور النظــام االقتصــادي العاملــي؛ يتبيّــن‬
‫لنــا أن العوملــة االقتصاديــة غيّــرت مــن صيغــة املنشــأة؛ ومــن ثــمّ دور الدولــة‪،‬‬
‫صحبــه تغيُّــر موضوعــي آخــر هــو التغيُّــر يف أمهيــة عناصــر اإلنتــاج؛ حيــث ظهــرت‬
‫املعرفــة‪ ،‬وغيّــرت مــن مفهــوم الرتاكــم‪ ،‬وأصبحــت هــي أهــم مصــادر القــوة السياســية‬
‫واالقتصاديــة واإلعالميــة والعســكرية!‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.259 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪51‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫خصائص وأوهام العوملة‬
‫سنتناول هذا املبحث بالدراسة من خالل احملاور التالية‪:‬‬
‫‪52‬‬
‫‬
‫‪-‬خصائص العوملة‬
‫‬
‫‪-‬أوهام العوملة االقتصادية‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املطلب األول‪ :‬خصائص العوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬العوملة ظاهرة تارخيية‬
‫ثانياً‪ :‬العوملة ظاهرة إيديولوجية‬
‫ثالثاً‪ :‬العوملة ظاهرة تكنولوجية‬
‫رابعاً‪ :‬العوملة ظاهرة انتقائية‬
‫خامساً‪ :‬العوملة هتدِّد مستقبل سيادة الدولة الوطنية‬
‫سادساً‪ :‬العوملة نزعة احتاللية‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬العوملة ظاهرة تارخيية‬
‫إن العوملــة هــي ظاهــرة تارخييــة‪ ،‬ال تقتصــر علــى احلقبــة املعاصــرة‪ ،‬وإمنــا متتـدّ إىل‬
‫تاريــخ طويــل‪ ،‬معنــى هــذا أن الظاهــرة ليســت وليــدة العصــر احلاضــر‪ ،‬رغــم أهنــا‬
‫موضــوع النقاشــات الراهنــة‪.‬‬
‫ويف هــذا الصــدد حــاول العديــد مــن الباحثــن واملؤرِّخــن وضــع ظاهــرة العوملــة حمـ ّل‬
‫الدراســة مــن أجــل كشــف أســرارها‪ ،‬ومعرفــة مساهتــا‪ ،‬ومــع أهنــم مل ي ّتفقــوا علــى‬
‫تاريــخ حمـدّد هلــا؛ إال أنــه يتبيّــن أننــا إزاء عمليــة تارخييــة‪.‬‬
‫يذكــر بعــض الباحثــن أن العــامل قــد عــرف يف املاضــي عوملــة يونانيــة وعوملــة رومانية‬
‫بــل وعوملــة عربيــة أيض ـاً‪ ،‬ويذهــب «مصطفــى الــرزاز» إىل ح ـدّ القــول أن الفراعنــة‬
‫مارســوا العوملــة! «فالعوملــة بــدأت قبــل امليــاد‪ ..‬وكان النمــط الفرعونــي هــو النمــط‬
‫املهيمــن (‪ ،)...‬إذن فكــرة العوملــة هلــا جــذور تارخييــة قدميــة‪ ،‬تتم ّثــل يف أن شــعباً‬
‫معيّنـاً تتجمّــع عنــده مقوِّمــات النهضــة‪ ...‬فيصبــح هــو املهيمــن علــى نظــام العــامل»(‪،)1‬‬
‫(‪ )1‬مصطفــى الــرزاز‪« ،‬الفراعنــة مارســوا العوملــة»‪ ،‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة والسياســية والعســكرية‪ ،‬مرجــع‬
‫ســابق‪ ،‬ص‪.121 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪53‬‬
‫معنــى ذلــك أن العوملــة ظاهــرة متصلــة باملســرات اإلمرباطوريــة عــر التاريــخ ســواء من‬
‫جانــب دولــة مهيمنــة‪ ،‬أو مركــز إمرباطــوري‪ ،‬ســواء كان هــذا املركــز أثينــا أو رومــا أو‬
‫دمشــق أو بغــداد أو لنــدن أو نيويــورك‪.‬‬
‫بينمــا يذهــب «جــال أمــن» إىل أن «الظاهــرة الــي يُشــار إليها ليســت حديثــة بالدرجة‬
‫الــي قــد توحــي هبــا حداثــة هــذا اللفــظ‪ ،‬فالعناصــر األساســية لفكــرة العوملــة‪« :‬ازديــاد‬
‫العالقــات املتبادلــة بــن األمــم ســواء املتم ِّثلــة يف تبــادل الســلع واخلدمــات أو انتقــال‬
‫رؤوس األمــوال أو يف انتشــار املعلومــات واألفــكار أو يف تأ ُّثــر أمــة بقيــم وعــادات غريها‬
‫مــن األمــم»‪ ،‬كل هــذه العناصــر يعرفهــا العــامل منــذ عــدة قــرون‪ ،‬وعلــى األخــص منــذ‬
‫الكشــوف اجلغرافيــة يف أواخــر القــرن اخلامــس عشــر؛ أي منــذ مخســة قــرون»(‪)1‬؛‬
‫معنــى ذلــك أن الظاهــرة عمرهــا مخســة قــرون علــى األقــل؛ إال أنــه يشــر إىل أشــياء‬
‫جديــدة ومهمــة قــد طــرأت علــى ظاهــرة العوملــة يف الثالثــن ســنة األخــرة‪ ،‬منهــا(‪:)2‬‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫اهنيــار أســوار عاليــة كانــت حتتمــي هبــا بعــض األمــم واجملتمعــات مــن تيــار‬‫العوملــة (أوربــا الشــرقية والصــن)؛‬
‫الزيــادة الكبــرة يف درجــة تن ـوُّع الســلع واخلدمــات الــي جيــري تبادهلــا بــن‬‫األمــم‪ ،‬وكذلــك تنـوُّع جمــاالت االســتثمار الــي ت ّتجــه إليهــا رؤوس األمــوال مــن‬
‫بلــد إىل آخــر؛‬
‫ارتفــاع نســبة الســكان الــي تتفاعــل مــع العــامل اخلارجــي وتتأ ّثــر بــه‪ ،‬داخــل كل‬‫جمتمع؛‬
‫ظـ ّل تبــادل الســلع ورؤوس األمــوال هــو العنصــر املســيطر علــى العالقــات بــن‬‫الــدول‪ ،‬ثــم أصبــح تبــادل املعلومــات واألفــكار هــو العنصــر الغالــب؛‬
‫أصبحــت الشــركات املتعــددة اجلنســيات هــي املهيمنــة علــى انتقــال الســلع‬‫ورؤوس األمــوال واملعلومــات واألفــكار؛‬
‫‪-‬التغيُّر امللحوظ على مركز الدولة من هذا النمو يف العالقات بني اجملتمعات‪.‬‬
‫(‪ )1‬جالل أمني‪« ،‬العوملة والدولة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.153 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.155-154 :‬‬
‫‪54‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫وبالنســبة «لعاصــم الدســوقي» يَعتــر «أن فكــرة العوملــة ليســت جديــدة‪ ،‬وإمنــا تأخــذ‬
‫أمســاء خمتلفــة‪ ،‬يف فــرة مــن الفــرات كان امسهــا «النظــام األوربــي» ويف فــرة أخــرى‬
‫أصبحــت «احلــرب البــاردة»‪ ،‬ثــم يف الفــرة األخــرة أصبــح امسهــا «العوملــة»(‪ ،)1‬معنــى‬
‫ذلــك أنــه ميكــن تو ُّقــع اســم جديــد لـــ «مــا بعــد العوملــة»‪.‬‬
‫أمــا «عمــرو حمــي الديــن» فــرى‪« :‬العوملــة كمــا نشــاهدها اليــوم ظاهــرة ارتبطــت‬
‫بنشــوء الرأمساليــة الصناعيــة‪ ،‬ونتيجــة طبيعيــة لتطورهــا‪ ،‬وا ّتخــذت أشــكاهلا‬
‫وأمناطهــا حبســب درجــة تطــور الرأمساليــة الصناعيــة العامليــة»(‪ ،)2‬حقيقــة ال ميكــن‬
‫فهــم العوملــة مــا مل ترتبــط بامتــداد النظــام الرأمســايل فمبــدأ «دعــه يعمــل – دعــه‬
‫ميــر» قــام يف الصناعــة والتجــارة‪ ،‬أمــا اليــوم فــإن األنصــار املتحمِّســون للعوملة يدعون‬
‫إىل تطبيــق هــذا املبــدأ عاملي ـاً‪.‬‬
‫بينمــا مييِّــز «الســيد ياســن» بــن العوملــة القدميــة والعوملــة اجلديــدة‪ ،‬فيقــول‪« :‬نشــأة‬
‫العوملــة ترجــع إىل القــرن الســادس عشــر؛ أي بدايــة النظــام الرأمســايل ألن هــذا‬
‫النظــام كان لديــه نزعــة منــد البدايــة إىل توحيــد األســواق وغزوهــا بالقــوة (‪،)...‬‬
‫والعوملــة اجلديــدة تأ ّكــدت وذاعــت حبكــم شــيئني‪ :‬الثــورة العلميــة والتكنولوجيــة‬
‫وتعمُّــق جذورهــا‪ ،‬ومعناهــا أن العلــم أصبــح ألول مــرة عنصــراً أساســياً مــن عناصــر‬
‫اإلنتــاج»(‪.)3‬‬
‫ويُشــر «كريــم بقرادونــي» أن‪« :‬العــام ‪ 1989‬هــو عــام مفصلــي يف تاريــخ اإلنســانية‪،‬‬
‫ويعــادل يف أمهيتــه العــام ‪ 1429‬الــذي شــهد حتــوالً يف تاريــخ اإلنســانية‪ ،‬فبينمــا‬
‫شــهد األخــر ســقوط غرناطــة؛ آخــر معقــل إســامي يف أوربــا وطــرد اليهــود مــن‬
‫إســبانيا واكتشــاف أمريــكا أو «األرض اجلديــدة»؛ انتقــل العــامل يف عــام ‪ 1989‬إىل‬
‫عصــر جديــد أُطلقــت عليــه تســمية «النظــام العاملــي اجلديــد»‪ ،‬وهــي تســمية تعــي‬
‫(‪ )1‬عاصــم الدســوقي‪« ،‬العوملــة تصــارع وال تقبــل املنافســة»‪ ،‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت االقتصاديــة والسياســية والعســكرية‪،‬‬
‫مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.9 :‬‬
‫(‪ )2‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.35 :‬‬
‫(‪ )3‬الســيد ياســن‪« ،‬ازدواجيــة املعايــر وح ـقّ التدخُّــل ألســباب إنســانية أحــد مظاهــر العوملــة»‪ ،‬يف العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت‬
‫االقتصاديــة والسياســية والعســكرية‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.31-30 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪55‬‬
‫أن الواليــات املتحــدة انتصــرت يف مواجهــة االحتــاد الســوفياتي»(‪ ،)1‬معنــى ذلــك أنــه‬
‫رغــم شــيوع واســتخدام لفــظ العوملــة يف الســنوات األخــرة؛ إال أهنــا ال مت ِّثــل قطيعــة‬
‫مــع املاضــي وإمنــا عــودة إىل تســارع وتريهتــا‪.‬‬
‫ويَعتــر «جــورج طرابيشــي» أن العوملــة هــي ظاهــرة القــرن القــادم فيقــول‪« :‬هــي‬
‫الظاهــرة التارخييــة لنهايــة القــرن العشــرين أو لبدايــة القــرن الواحــد والعشــرين‪،‬‬
‫مثلمــا كانــت القوميــة يف االقتصــاد والسياســة ويف الثقافــة‪ ،‬هــي الظاهــرة لنهايــة‬
‫القــرن التاســع عشــر وبدايــة القــرن العشــرين»(‪.)2‬‬
‫ثانياً‪ :‬العوملة ظاهرة إيديولوجية‬
‫ال ميكــن قيــام نظــام سياســي أو اقتصــادي مــن دون إيديولوجيــا؛ فهــي‪« :‬منظومــة‬
‫متطــورة مــن القيــم واملعتقــدات واألخــاق والشــعارات (‪ )...‬تنطــوي غالبــاً علــى‬
‫حوافــز ماديــة وأهــداف مثاليــة تلهــب محــاس النــاس وعواطفهــم»(‪.)3‬‬
‫والعوملــة هــي إيديولوجيــا مســتمدة مــن الليرباليــة مبختلــف نظرياهتــا‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬
‫(النظريــة النقديــة‪ ،‬نظريــة رأس املــال البشــري‪ ،‬نظريــة االختيــار العــام‪ ،‬النظريــة‬
‫النيوكالســيكية‪ ،‬نظريــة اقتصاديــات العــرض)‪ ،‬كمــا أن «الليرباليــة االقتصاديــة‬
‫احلديثــة هتــدف علــى املســتوى الداخلــي إىل إعــادة االعتبــار للســوق يف ختصيــص‬
‫واســتخدام املــوارد‪ ،‬واالعتمــاد عليهــا يف توزيــع الثــروات واملداخيــل‪ ،‬وإعطــاء الــدور‬
‫احليــوي للقطــاع اخلــاص‪ ،‬وحتجيــم وتقزيــم دور الدولــة االقتصــادي (‪ ،)...‬هــذه‬
‫اخلطــوة مــن التطبيــق الليــرايل علــى املســتوى الداخلــي تتكامــل مــع مشــاريع التدويــل‬
‫والعوملــة‪ ،‬فعلــى املســتوى اخلارجــي تُع ـرِّض االقتصاديــات الناميــة منافســة مدمِّــرة‬
‫جتــي مكاســبها األطــراف القويــة يف العالقــات االقتصاديــة الدوليــة»(‪.)4‬‬
‫وحســب «حممــد عابــد اجلابــري»؛ فــإن العوملــة الــي جيــري احلديــث عنهــا هــي‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.56 :‬‬
‫(‪ )2‬نايف علي عبيد‪« ،‬العوملة‪ ..‬والعرب»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1997/7( ،221‬ص‪.29-28 :‬‬
‫(‪ )3‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189 :‬‬
‫(‪ )4‬صاحلي صاحل‪ ،‬أوهام وتكاليف االنفتاح الليربايل والعوملة القسرية‪ ،‬دار اخللدونية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1998 ،‬ص‪.11-10 :‬‬
‫‪56‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫إيديولوجيــا تعبِّــر عــن إرادة للهيمنــة باســتعمال الوســائل التاليــة(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬اســتعمال الســوق العامليــة أداة لإلخــال بالتــوازن يف الــدول القومية‪ ،‬يف نظمها‬
‫وبراجمهــا اخلاصــة باحلماية االجتماعية؛‬
‫ ‪-‬اختــاذ الســوق واملنافســة الــي جتــري فيهــا جمــاالً لـــ «االصطفــاء» باملعنــى‬
‫الدارويــي للكلمــة؛ أي وفقــاً لنظريــة دارويــن يف «اصطفــاء األنــواع والبقــاء‬
‫لألصلــح»‪ ،‬وهــذا يعــي أن الــدول الــي ال تقــدر علــى «املنافســة» ســيكون‬
‫مصريهــا االنقــراض والبقــاء لألقــوى؛‬
‫ ‪-‬إعطــاء كل األمهيــة واألولويــة لإلعــام إلحــداث التغيــرات املطلوبــة علــى‬
‫الصعيديــن احمللــي والعاملــي‪ ،‬فتكنولوجيــة اإلعــام هــي الــي تش ـ ِّكل حــدود‬
‫اجملــال االقتصــادي والسياســي‪ ،‬وبــدالً مــن احلــدود الثقافيــة الوطنيــة‪ ،‬تطــرح‬
‫إيديولوجيــا العوملــة حــدوداً أخــرى غــر مرئيــة؛ ومــن ثـمّ فــإن مروِّجــي العوملــة‬
‫«الليرباليــون اجلــدد» تأ ّكــدوا أن لألفــكار آثــاراً‪ ،‬وأنــه جيــب البــدء بتغيري احمليط‬
‫الفكــري؛ ألن نشــر األفــكار شــرط يســبق التأثــر علــى األفــراد واجملتمــع؛‬
‫وهلــذا الغــرض فقــد جنّــد هــؤالء جمموعــة مــن املف ّكريــن املختصــن يف جمــال‬
‫االقتصــاد والسياســة والثقافــة‪« ،...‬فاملعهــد األمريكــي للمؤسســة» مثــاً‪،‬‬
‫خمتــص يف إنتــاج الكتــب والتقاريــر واألحبــاث والتحاليــل والتوصيــات ملواجهــة‬
‫كل مظاهــر «الدولــة احلاميــة» وقــد بلغــت ميزانيتــه الســنوية ‪ 148‬مليــون‬
‫دوالر ســنة ‪ ،)2(1993‬باإلضافــة إىل إســهامات وكتــب «ميلتــون فريدمــان» مثــل‪:‬‬
‫«الرأمساليــة واحلريــة»‪ ،‬وكتــاب «فرانســيس فوكويامــا» الشــهري «هنايــة التاريــخ»‬
‫الــذي بيعــت نســخة باملاليــن بعــدة لغــات ويف عــدة دول‪ ،‬كل هــذا أدى إىل‬
‫اكتمــال احللقــة اإليديولوجيــة وانتصارهــا بســهولة بفضــل املتابعــة الدؤوبــة‬
‫هلــا؛ وبالتــايل فمَــن ال يعــرف بتأثــر األفــكار ينتهــي بــه األمــر إىل املعانــاة منهــا‪.‬‬
‫(‪ )1‬حممد عابد اجلابري‪« ،‬العوملة واهلوية الثقافية‪ :‬عشر أطروحات»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.300 :‬‬
‫(‪ )2‬سوزان جورج‪« ،‬كيف أصبح الفكر أحادياً؟»‪ ،‬جملة معامل‪ :‬االقتصاد والتجارة والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41-40 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪57‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العوملة ظاهرة تكنولوجية‬
‫إذا كانــت ظاهــرة العوملــة عمرهــا مخســة قــرون علــى األقــل‪ ،‬فبدايتهــا وغدهــا‬
‫مرتبطــان ارتباطـاً وثيقـاً بتقـدُّم التكنولوجيــا منــذ اخــراع البوصلــة وحتــى األقمــار‬
‫الصناعيــة‪ ،‬فالعلــوم والتكنولوجيــا أصبحــت احمل ـرِّك الرئيــس لالقتصــاد العاملــي؛‬
‫حيــث تُســتخدم التكنولوجيــا اآلن كأداة مــن أدوات املنافســة الشــديدة يف عــامل مل‬
‫يَعُــد ينقســم إىل «أغنيــاء ميلكــون وفقــراء ال ميلكــون»؛ بقــدر مــا أصبــح ينقســم إىل‬
‫«أغنيــاء يعرفــون وفقــراء ال يعرفــون»‪.‬‬
‫ويف هــذا اإلطــار؛ فــإن العوملــة تقـدِّم حتديــات وفرصـاً جديــدة‪ ،‬فبالنســبة للدول اليت‬
‫هلــا اقتصــاد صناعــي مدعــوم بتقــدم علمــي وتكنولوجــي هــي الــي ميكــن أن تســتفيد‬
‫مــن فــرص هــذه الظاهــرة‪ ،‬وهنــا جنــد أن الشــركات التكنولوجيــة العاليــة تكافــح‬
‫باســتمرار للحفــاظ علــى وضعهــا كشــركة «‪،)1(»Microsoft, XEROX, IBM‬‬
‫كمــا جنــد أن مــا حقّقتــه الــدول احلديثــة التصنيــع (كوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬تايــوان‪ ،‬هونــغ‬
‫كونــغ‪ ،‬ســنغافورة‪ ،‬تايلنــدا) هــو نتيجــة لتشــجيعها لالســتثمارات يف البحــث التطويــر‬
‫التكنولوجــي وتبنّــي سياســات نقــل تكنولوجيــا مالئمــة‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة للــدول (دول العــامل الثالث) اليت ال متلــك املعرفة العلمية والتكنولوجية؛‬
‫فإنــه لــن يبقــى هلــا أيّــة جاذبيــة كالــي شــهدهتا مــن قبــل‪ ،‬وذلــك مــن خــال وجهــة‬
‫نظــر «آدم مسيــث» الــذي أ ّكــد‪« :‬أن الثــورة الصناعيــة ســتؤدي إىل فــك االرتبــاط‬
‫)‪ (Dematerialization‬التدرجيــي لالقتصــاد مــع املــادة‪ ،‬وأن املهــارات البشــرية‬
‫واإلبــداع كانــت عــام ‪ 1800‬أكثــر أمهيــة مــن املــواد اخلــام والعمالــة غــر املاهــرة»(‪،)2‬‬
‫وتســارعت عمليــة فــك االرتبــاط مــع املــادة كثــراً خــال القــرن العشــرين‪ ،‬وتــكاد‬
‫تكــون مكتملــة اليــوم فإمجــايل الناتــج الوطــي العــام يف البلــدان الصناعيــة الرئيســة‬
‫مرتكــزة علــى العلــم‪ ،‬واملــواد اخلــام ال تش ـ ِّكل أكثــر مــن (‪ 5%‬إىل ‪ )10%‬مــن إمجــايل‬
‫الناتــج الوطــي(‪ .)3‬وعلــى العكــس مــن ذلــك؛ فــإن اقتصــادات الدول األخــرى (النامية)‬
‫(‪ )1‬أنطوان زحالن‪« ،‬العوملة والتطور الثقايف»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.86 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.81 :‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ال تــزال مرتكــزة كلي ـاً علــى تصديــر املــواد اخلــام‪ ،‬ومــن ث ـمّ فإهنــا يف «طريقهــا مــن‬
‫االســتغالل إىل االســتغناء»(‪.)1‬‬
‫وتتمثــل آثــار االنتشــار املتســارع للتكنولوجيــا يف عصــر الثــورة الصناعيــة الثالثــة‬
‫يف(‪:)2‬‬
‫ ‪-‬تضــاؤل دور املــواد األوليــة وأصبحــت املعرفــة العلميــة هــي املك ـوِّن الرئيــس‬
‫للثــروة‪ ،‬فأغلــى عناصــر اإلنتــاج وأندرهــا هــي الكفــاءات وبــراءات اخرتاعهــا‬
‫وأســاليب البحــث والتطويــر؛‬
‫ ‪-‬مل تعُــد «التنافســية» يف ظــل عمليــة العوملة تُقــاس مبجرد الزيادة يف اإلنتاجية؛‬
‫بــل أصبحــت تُقــاس بزيــادة القــدرة علــى اإلبــداع والتجديــد واالبتــكار‪ ،‬ويُعتــر‬
‫اإلنفــاق علــى البحــوث وتطويــر النظــام التعليمــي دعامــة تلــك العمليــة؛‬
‫ ‪-‬يُتو ّقــع أن تلعــب العوملــة دوراً اســراتيجياً يف نقــل البطالــة مــن بلــد إىل آخــر؛‬
‫حيــث إنــه بقــدر األخــذ بأســاليب التكنولوجيــا احلديثــة بقــدر مــا تق ـ ّل اليــد‬
‫العاملــة‪ ،‬ومــن نتائــج ذلــك أن البطالــة تتزايــد بالرغــم مــن ارتفــاع معــدالت‬
‫النمــو االقتصــادي!‬
‫ ‪-‬ظهــور جمموعــة مــن «الســلع غــر امللموســة» مثــل‪ :‬األفــكار والتصميمــات‬
‫واملشــتقات املاليــة وغريهــا مــن اخلدمــات؛ ومــن ثـمّ مل تعُد العمليــات اإلنتاجية‬
‫مقتصــرة علــى إنتــاج «الســلع املاديــة امللموســة» كمــا كان حيــدث مــن قبــل؛‬
‫ ‪-‬املزيــد مــن «التوزيــع غــر املتكافــئ» لعناصــر القــوة االقتصاديــة والتكنولوجيــا‬
‫ِّ‬
‫ويوضــح اجلــدول التــايل منــط‬
‫املتقدمــة بــن العــامل األول والعــامل الثالــث‪،‬‬
‫توزيــع إنتــاج الإلكرتونيــات علــى مســتوى العــامل بــن عامــي ‪ 1990‬و‪:2000‬‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.145 :‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.131-129 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪59‬‬
‫جدول ‪ :1‬توزيع إنتاج اإللكرتونيات على مستوى العامل يف عامي ‪ 1990‬و‪2000‬‬
‫(الوحدة‪ :‬نسبة مئوية)‬
‫املنطقة‬
‫اليابان والشرق األقصى‬
‫أمريكا الشمالية‬
‫أوربا الغربية‬
‫بقية العامل‬
‫النصيب النسيب لإلنتاج (نسبة مئوية ‪)%‬‬
‫املتوقع عام ‪2000‬‬
‫الوضع عام ‪1990‬‬
‫‪37‬‬
‫‪32‬‬
‫‪23‬‬
‫‪29‬‬
‫‪22‬‬
‫‪23‬‬
‫‪18‬‬
‫‪16‬‬
‫املصدر‪ :‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬ص‪.130 :‬‬
‫ويوضــح اجلــدول الســابق الســيطرة «شــبه املطلقــة» لبلــدان العــامل األول علــى هــذه‬
‫الصناعــة‪ ،‬فمــن خــال علــم اإللكرتونيــات ظهــرت احلاســبات اإللكرتونيــة وثــورة‬
‫املعلومــات وشــبكات االتصــال‪ ،‬وهنــا تُطــرح حتديــات أمــام العــامل الثالــث‪.‬‬
‫ويف األخــر ميكــن القــول أنــه إذا كانــت الصيــغ الســابقة للرأمساليــة‪ ،‬يعــود القــرار‬
‫فيهــا لــرأس املــال‪ ،‬فــكان «مَــن ميلــك يســتعبد مَــن ال ميلــك»؛ فإننــا اليــوم يف عصــر‬
‫املعرفــة والتكنولوجيــة تكــون القاعــدة هــي أن «مَــن ميلــك املعرفــة يهيمــن علــى القــرن‬
‫القــادم»‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬العوملة ظاهرة انتقائية‬
‫يتم ّثــل جوهــر عمليــة العوملــة يف حريــة حركــة الســلع واخلدمــات ورؤوس األمــوال‬
‫والعمالــة والتكنولوجيــا واملعلومــات‪ ...‬إال أن الواقــع يثبــت ازدواجيــة املعايــر بالنســبة‬
‫لتطبيــق العوملــة‪.‬‬
‫«ففتــح األســواق حاصــل بالنســبة للســلع الــي متتلــك الــدول الصناعيــة ميــزة‬
‫تنافســية يف إنتاجهــا وتســويقها‪ ،‬ولكــن األســواق يف الــدول الصناعيــة مازالــت غــر‬
‫مفتوحــة أمــام املنتجــات الزراعيــة واملنســوجات الــي متتلــك فيهــا الــدول الناميــة‬
‫مزايــا مهمــة»(‪ ،)1‬وعلــى الرغــم مــن أن العوملــة ال تعــرف باحلواجــز اجلمركيــة إال أن‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50 :‬‬
‫‪60‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫هنــاك حواجــز أخــرى تســتخدمها الــدول املتقدمــة أمــام حركــة انتقــال الســلع؛ منهــا‬
‫مــا يرتبــط بـــالقيود البيئيــة أو تلــك املرتبطــة باملعايــر الرئيســة املقـرّرة مــن (منظمــة‬
‫العمــل الدوليــة) الــي تقــدِّم شــكوى إىل (منظمــة التجــارة العامليــة)‪ ،‬ضــدّ الــدول‬
‫الــي يثبــت عليهــا أن صادراهتــا تُنتــج يف ظــل شــروط خت ـ ّل بالظــروف االجتماعيــة‬
‫للعمــل (مــن قبيــل اســتخدام األطفــال والعمــل باإلكــراه ومنــع العمــل النقابــي)؛ حيــث‬
‫إن «مطالبــة التجــارة بضــرورة مراعــاة املعايــر االجتماعيــة‪ ،‬ميكــن أن يكــون منفــذاً‬
‫خلفيـاً لتسـ ُّلل سياســة محائيــة حمدثــة؛ وذلــك ألنــه ســيكون مبســتطاع الــدول األكثــر‬
‫ثــراءً االحتجــاج باألمــور ذات الطابــع االجتماعــي؛ للتخ ُّلــص مــن منافســة بلــدان‬
‫النصــف اجلنوبــي مــن العــامل املنتجــة بتكاليــف أدنــى»(‪.)1‬‬
‫وإذا كانــت العوملــة تزيــل احلواجــز أمــام حركــة رؤوس األمــوال؛ فإهنــا تضــع القيــود‬
‫علــى حركــة العمالــة وخاصــة إذا كان اجتــاه اهلجــرة وانتقــال العمــل مــن اجلنــوب‬
‫إىل الشــمال؛ حيــث «مــا يــزال قرابــة ‪ 90%‬مــن قــوة العمــل العامليــة تعمــل لألســواق‬
‫الداخليــة‪ ،‬ومــا تــزال هــذه النســبة غــر مندجمــة يف دائــرة املبادالت الدوليــة»‪ .2‬وحتى‬
‫العمالــة تتعامــل معهــا العوملــة بشــكل انتقائــي‪ ،‬فالــدول املتقدمــة تلتقــط مــن الــدول‬
‫الناميــة أصحــاب الكفــاءات العاليــة (يف اجلامعــات األمريكيــة) أو اخلــرات الرفيعــة‬
‫املنتقــاة (يف الشــركات املتعــددة اجلنســيات) وتضــع احلواجــز أمــام الفئــات األخــرى‪.‬‬
‫وبالنســبة لنقــل التكنولوجيــا واملعلومــات فهــو ليــس حــراً؛ بــل شـدّدت الــدول املتقدمة‬
‫مــن خــال منظمــة التجــارة العامليــة علــى حقــوق امللكيــة الفكريــة‪ ،‬وارتفعــت بذلــك‬
‫تكلفــة احلصــول علــى التقانــة واملعلومــات أمــام الــدول الناميــة‪.‬‬
‫يتبيّــن مــن خــال مــا ســبق؛ أن العوملــة هــي نتيجــة سياســات تصنعهــا الــدول املتقدمة‬
‫الــي تعمِّــم اجلوانــب الــي ِّ‬
‫تعظــم مصاحلهــا‪ ،‬أمــا اجلوانــب األخــرى فهــي تتعامــل‬
‫معهــا مبنظــور ازدواجــي!‬
‫(‪ )1‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.269 :‬‬
‫(‪ )2‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.191 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪61‬‬
‫خامساً‪ :‬العوملة هتدِّد مستقبل سيادة الدولة الوطنية‬
‫«يتــازم معنــى «العوملــة» يف مضمــار اإلنتــاج والتبــادل‪ :‬املــادي والرمــزي‪ ،‬مــع معنــى‬
‫االنتقــال مــن اجملــال الوطــي‪ ،‬أو القومــي‪ ،‬إىل اجملــال الكونــي‪ ،‬يف جــوف املفهــوم‬
‫تعيــن مكانــي‪ :‬جغــرايف (الفضــاء العاملــي برمتــه)‪ ،‬غــر أنــه ينطــوي علــى تعيــن‬
‫زمانــي أيض ـاً‪ :‬حقبــة مــا بعــد الدولــة القوميــة»(‪)1‬؛ وهلــذا فــإن بعــض االقتصاديــن‬
‫تنبّــأوا بنهايــة عصــر املدرســة القوميــة أو الوطنيــة عموم ـاً‪ ،‬ويف جمــال االقتصــاد‬
‫بصفــة خاصــة‪ ،‬وبــدت هلــم العوملــة االقتصاديــة نقيضـاً للوطنيــة االقتصاديــة‪ ،‬لكــن‬
‫فكــرة تالشــي الدولــة أو اختفائهــا ُطرحــت منــذ هنايــة اخلمســينيات (جــون هــرز)‬
‫وبدايــة الســبعينيات (رميونــد فرنــون وهــاري جونســون)(‪.)2‬‬
‫أمــا اليــوم فهنــاك خــاف بــن املف ِّكريــن «فمنهــم مَــن يعتقــد أنــه علــى عتبــة عصــر‬
‫جديــد يشــهد هنايــة الســيادة الوطنيــة يف جمــاالت السياســة واالقتصــاد والثقافــة‪،‬‬
‫ويذهــب بعضهــم إىل أن العوملــة هــي جمــرد إفــراز مــن إفــرازات الدولــة القوميــة‬
‫ُّ‬
‫تضخــم قوهتــا وفيضهــا علــى العــامل»(‪)3‬؛ حيــث إن «الواليــات املتحــدة‬
‫يف حلظــة‬
‫وإســرائيل يعمــان بصيغــة الدولــة العابــرة القوميــات»(‪)4‬؛ وهــي حالــة شــاذة يف التيــار‬
‫العاملــي الســائد لتهميــش دور الدولــة واضمحالهلــا‪.‬‬
‫فهــل ح ّققــت العوملــة تقدمـاً كبــراً إىل الدرجــة الــي أصبحــت فيهــا الــدول الوطنيــة‬
‫عاجــزة عــن ترتيــب شــؤوهنا االقتصاديــة واســتخدام أدواهتــا السياســية لدعــم‬
‫براجمهــا االجتماعيــة؟‬
‫إن العوملــة اليــوم تقــدِّم لنــا صــورة تراجــع عــام لــدور الدولــة واحنســار نفوذهــا‬
‫وختليهــا عــن مكاهنــا ملؤسســات أخــرى تتعاظــم قوهتــا‪ ،‬وجتسِّــدها «الشــركات عابــرة‬
‫القوميــة»‪ ،‬ويف هــذا الصــدد يســتعمل «جــال أمــن» املنهــج التارخيــي الــذي يبيِّــن‬
‫مســار تطــور الدولــة؛ حيــث انتقــل مــن الدولــة اإلقطاعيــة إىل الدولــة القوميــة ثــم‬
‫(‪ )1‬عبد اإلله بلقزيز‪« ،‬العوملة واهلوية الثقافية‪ ،‬عوملة الثقافة أم ثقافة العوملة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.309 :‬‬
‫(‪ )2‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.173-172 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.16 :‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.260 :‬‬
‫‪62‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫إىل الدولــة الشــركة املتعــددة اجلنســيات‪« ،‬فكمــا حلّــت الدولــة حمــ ّل اإلقطاعيــة‬
‫تدرجيي ـاً منــذ حنــو مخســة قــرون‪ ،‬حت ـ ّل اليــوم الشــركة متعــددة اجلنســيات حم ـ ّل‬
‫الدولــة‪ ،‬والســبب يف احلالــن واحــد‪ :‬التقــدم التقانــي وزيــادة اإلنتاجيــة واحلاجــة إىل‬
‫أســواق أوســع»(‪.)1‬‬
‫وكانــت الدولــة هــي احملــور األساســي يف عمليــات البنــاء االقتصــادي الوطــي يف‬
‫ظــل الرأمساليــة؛ حيــث «مل يكــن للرأمساليــة أن تنتشــر وتزدهــر إال يف إطــار الدولــة‬
‫القوميــة»(‪ ،)2‬إال أن التوجُّهــات الليرباليــة اجلديــدة متيــل إىل تقليــص دورهــا‪ ،‬فحــدث‬
‫تغيــر مهــم علــى وظائفهــا‪ ،‬واألمــر أشــبه بالعــودة إىل عصــر الثــورة الصناعيــة األوىل؛‬
‫حيــث كان االقتصاديــون التقليديــون ينــادون بتقليــص دور الدولــة يف االقتصــاد‪ ،‬فــا‬
‫عجــب إذن أن «آدم مسيــث وريــكاردو» يشــهدان اليــوم عصــراً ذهبيـاً جديــداً يف الفكــر‬
‫االقتصــادي الســائد‪.‬‬
‫تظهــر ظاهــرة اضمحــال الدولــة الوطنيــة بتأثــر عمليــة العوملــة االقتصاديــة الــي‬
‫ّ‬
‫تتخطــى حــدود الــدول وتُضعــف ســيادهتا االقتصاديــة والسياســية والثقافيــة‪...‬‬
‫ ‪-‬فاحلواجــز اجلمركيــة‪ :‬تتخطاهــا منظمــة التجــارة العامليــة عــن طريــق حتريــر‬
‫التجــارة‪ ،‬وهكــذا يصبــح مــن غــر املمكــن توظيف سياســة «احلمايــة التجارية»‪،‬‬
‫إال إذا رغبــت الدولــة يف عــزل نفســها عــن االقتصــاد العاملــي‪ ،‬وهــو أمــر يضـرّ‬
‫أكثــر ممّــا ينفــع؛‬
‫ ‪-‬وحــدود ممارســة السياســة النقديــة واملاليــة‪ :‬تتخطاهــا املصــارف الدوليــة‬
‫النشــاط ومؤسســات التمويــل عــن طريــق برامــج التثبيــت االقتصــادي‬
‫والتصحيــح اهليكلــي؛ أي فقــدت الدولــة قدرهتــا علــى التشــريع احلــرّ يف‬
‫نطاقهــا اجلغــرايف بشــأن تبنِّيهــا للسياســات النقديــة واملاليــة الــي تضمــن‬
‫حتقيــق قــدر معقــول مــن العدالــة االجتماعيــة؛‬
‫ ‪-‬وحــدود السياســة الضريبيــة‪ :‬تتجاوزهــا الشــركات املتعــددة اجلنســيات عــن‬
‫(‪ )1‬جالل أمني‪« ،‬العوملة والدولة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.156-155 :‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬الكوكبة‪ :‬الرأمسالية العاملية يف مرحلة ما بعد اإلمربيالية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪63‬‬
‫طريــق التهـرُّب الضريــي بأســاليب ال ختالــف القوانــن مــن خــال «التســعرية‬
‫التحويليــة»‪ ،‬فهــي تســتغل الفروقــات الســائدة بــن النظــم الضريبيــة الوطنيــة‬
‫املختلفــة‪ ،‬وملــا كانــت هــذه الشــركات والفــروع التابعــة هلــا تتعامــل فيمــا بينهــا‬
‫(جتــارة بينيــة)‪ ،‬يصعــب علــى احلكومــات مواجهــة هــذه األســاليب؛ حيــث تكون‬
‫تكاليــف هــذه الشــركات يف أعلــى مســتوى يف الــدول ذات املعــدالت الضريبيــة‬
‫املرتفعــة‪ ،‬ويف أدنــى مســتوى يف الــدول ذات املعــدالت الضريبيــة املنخفضــة‬
‫نســبياً(‪ ،)1‬وهبــذا تنخفــض نســبة الضرائــب (إيــرادات الدولــة) املفروضــة علــى‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫هــذه الشــركات؛‬
‫ّ‬
‫املنظمــة‪ ،‬عــن‬
‫وحــدود الســلطة القانونيــة‪ :‬يتجاوزهــا مرتكبــو اجلرائــم‬‫طريــق جتــارة املخــدرات والســجائر والســيارات وإدخــال الراغبــن يف النــزوح‬
‫بطريقــة غــر شــرعية؛ حيــث «تُعتــر اجلرميــة املنظمــة عامليـاً‪ ،‬أكثــر القطاعــات‬
‫االقتصاديــة منــواً‪ ،‬إنــه حي ِّقــق للــدول أرباح ـاً تبلــغ ‪ 500‬مليــار دوالر يف العــام»‪2‬؛‬
‫وحــدود الســلطة السياســية‪ :‬يتجاوزهــا جملــس األمــن واألمــم املتحــدة‬‫واألحــاف العســكرية عــن طريــق شــعارات حقــوق اإلنســان‪ ،‬بإصــدار قــرارات‬
‫للتدخُّــل يف الشــؤون الداخليــة للــدول وتقريــر مــا هــو مســموح أو ممنــوع يف‬
‫جمــال التس ـ ُّلح؛‬
‫وحــدود الســيادة الثقافيــة‪ :‬تتخطاهــا أفــكار مــن نــوع «القريــة العامليــة»‪،‬‬‫«اجملتمــع املدنــي العاملــي»‪ ،‬أو الشــعب العاملــي املهمــوم بقضايــا عامليــة‪ ،‬فالثقافة‬
‫العامليــة الواحــدة ال تعطــي أمهيــة للــوالء إىل الوطــن أو االحتــاد القومــي؛‬
‫وحــدود بــث املعلومــات واألفــكار‪ :‬تتخطاهــا األقمــار الصناعيــة وأجهــزة‬‫احلاســوب عــن طريــق شــبكة اإلنرتنــت الــي تربــط البشــر يف كل أحنــاء املعمــورة؛‬
‫وحــدود الدولــة اجلغرافيــة (الرتابيــة)‪ :‬تتخطاهــا التكتــات اإلقليميــة‪ ،‬ويف‬‫ظــل «عــامل بــا حــدود» مل يعُــد للبعــد اجلغــرايف أمهيــة تُذكــر؛‬
‫(‪ )1‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.351 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.370 :‬‬
‫‪64‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫وجتــدر اإلشــارة إىل أن احلديــث عــن اضمحــال الدولــة وتالشــي ســيادهتا هــو يف‬
‫نظــر بعــض الباحثــن ســابق ألوانــه‪:‬‬
‫ ‪«-‬فإبراهيــم العيســوي»‪ :‬يتح ّفــظ حــول مــا يــدور علــى تراجــع دور الدولة ويشــر‬
‫إىل أن‪« :‬نســبة اإلنفــاق احلكومــي ارتفعــت يف الــدول الصناعيــة مــن حــوايل‬
‫‪ 20%‬مــن الناتــج احمللــي اإلمجــايل قبــل احلــرب العامليــة الثانيــة إىل ‪ 47%‬يف‬
‫منتصــف التســعينيات‪ ،‬كمــا أهنــا ارتفعــت مــن حنــو ‪ 5%‬إىل ‪ 10%‬يف الــدول‬
‫الناميــة إىل حــوايل ‪ 25%‬حاليــاً‪ ،‬فحجــم احلكومــة أو دور الدولــة مل ينقــص‬
‫طبقـاً هلــذا املؤشــر (نســبة اإلنفــاق العــام إىل الناتــج احمللــي اإلمجــايل) بــل إنــه‬
‫ازداد»(‪.)1‬‬
‫ ‪-‬أمــا «حممــد األطــرش»‪ :‬فهــو ال يعتقــد أن ســيادة الدولــة تالشــت ويعتمــد‬
‫علــى املؤشــر نفســه «ففــي عــام ‪ 1995‬أنفقــت الدولــة يف أمريــكا ‪ 33%‬مــن‬
‫ناجتهــا احمللــي اإلمجــايل‪ ،‬ويف أملانيــا ‪ ،49%‬ويف الســويد ‪ ،)...(67%‬فإنفــاق‬
‫الدولــة يــؤدي إىل ســيطرهتا علــى جــزء كبــر مــن مــوارد اجملتمــع وإىل توجيــه‬
‫هــذا اجلــزء لتحقيــق األهــداف الــي ترغــب فيهــا»(‪.)2‬‬
‫ ‪-‬بينمــا «حممــد إبراهيــم منصــور»‪ :‬فيقــول‪« :‬إن الدولــة مل ختتــف وال يبدو أهنا‬
‫ســتختف وإمنــا الــذي اختفــى هــو كيانــات ال ميكن أن يُطلق عليها اســم الدولة‪،‬‬
‫كيانــات هشّــة مثــل‪ :‬الصومــال ورواندا والكونغو وســراليون وليبرييا»(‪.)3‬‬
‫ ‪-‬وتــرى «نيفــن مســعد» أنــه‪« :‬إذا كنــا نتح ـدّث اليــوم عــن عــامل يزيــد تكاملــه‬
‫وتقــ ّل عدالتــه؛ فإننــا نتحــدّث يف اللحظــة نفســها عــن احلاجــة للوظيفــة‬
‫االجتماعيــة للدولــة»(‪.)4‬‬
‫ ‪-‬ويف هنايــة فصــل حــول «مســتقبل الدولــة القوميــة» خيلــص «بــول كينيــدي»‬
‫يف كتابــه االســتعداد للقــرن احلــادي والعشــرين إىل أن الدولــة كيــان ال غنــى‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.207-206 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.418-417 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.198 :‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.185 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪65‬‬
‫عنــه‪ ،‬وال يوجــد بديــل مثــل الدولــة يف التعامــل مــع التغيــر العاملــي فيقــول‪« :‬أنه حتى‬
‫لــو تع ـرّض اســتقالل الدولــة القوميــة ووظائفهــا للتــآكل جــراء االجتاهــات العامــة‬
‫املتخطيــة القوميــات‪ ،‬إال أن البديــل املناســب مل يظهــر حتــى اآلن‪ ،‬ليحــ ّل حمــ ّل‬
‫الدولــة باعتبارهــا الوحــدة الرئيســية القــادرة علــى االســتجابة للتغــرات العامليــة»(‪.)1‬‬
‫ ‪-‬ويتصــور «دانييــل دريزنــر»‪ :‬أن الدولــة القوميــة يف األلفيــة اجلديــدة تســتلزم‬
‫إعــادة تعريــف لدورهــا يف النظــام الــدويل؛ إذ «أن العوملــة ال يرت ّتــب عليهــا ضمــور‬
‫أو تــآكل ســلطة الدولــة القوميــة؛ بــل يرت ّتــب عليهــا باألحــرى تغيُّــر يف إســراتيجيات‬
‫الدولــة وإعــادة توجيــه لطاقاهتــا»(‪ ،)2‬كمــا يعــرض األفــكار األساســية املطروحــة‬
‫حــول العوملــة والدولــة القوميــة مــن خــال مناقشــته لكتــب صــدرت حديثــا تتنبّــأ‬
‫باضمحــال الدولــة(‪:)3‬‬
‫• •«بنيامــن باربــر» يف كتابــه «اجلهــاد ضــد الســوق الكونيــة» نيويــورك ‪،1995‬‬
‫و«فرانســيس فوكويامــا» يف «هنايــة التاريــخ واإلنســان األخــر» نيويــورك ‪،1992‬‬
‫يعتقــدان بــأن القــوى االقتصاديــة العامليــة تو ِّلــد اآلن ثقافــة عامليــة متجانســة‬
‫التكويــن؛ ممــا ســيجعل الدولــة شــيئاً زائــداً ال ضــرورة لــه؛‬
‫• •أمــا «صمويــل هانتنغتــون» يف «صــدام احلضــارات وإعــادة تشــكيل النظــام‬
‫العاملــي» نيويــورك ‪ ،1996‬فــرى أن احلضــارة حتـ ّل اآلن حمـ ّل الدولــة بوصفهــا‬
‫الوحــدة األساســية يف السياســة العامليــة؛‬
‫• •و«روبــرت كابــان»‪ :‬يف «هنايــة األرض‪ :‬رحلــة إىل بدايــات القــرن احلــادي‬
‫والعشــرين» نيويــورك ‪ ،1996‬يــرى أن التغــرات الدميغرافيــة والبيئيــة ســوف‬
‫تــؤدي إىل هنايــة الدولــة القوميــة وبدايــة الفوضــى الشــاملة؛‬
‫• •يف حــن «كينيشــي أومــاي» يف «هنايــة الدولــة القوميــة‪ :‬صعــود االقتصاديــات‬
‫اإلقليميــة» نيويــورك ‪ ،1995‬يــرى أن الســلطة املخوَّلــة إىل الــدول القوميــة تنتقــل‬
‫اآلن إىل املنظمــات اإلقليميــة‪.‬‬
‫(‪ )1‬بول كينيدي‪« ،‬االستعداد للقرن احلادي والعشرين»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.181 :‬‬
‫(‪ )2‬دانيل دريزنر‪« ،‬يا عومليي العامل‪ ..‬احتدوا»‪ ،‬ترمجة عبد السالم رضوان‪ ،‬جملة الثقافة العاملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.40-39 :‬‬
‫‪66‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫سادساً‪ :‬العوملة نزعة احتاللية‬
‫إن العوملــة هــي صــورة جديــدة مــن اهليمنــة علــى الشــعوب هتــدف إىل إحياء سياســات‬
‫اســتعمارية‪ ،‬فكمــا يُســتخدم تعبــر «الــدول الناميــة» للتسـ ُّتر علــى مشــكالت التخلــف‬
‫والتبعيــة والفقــر؛ يُســتعمل تعبــر «العوملــة» للتسـ ُّتر علــى إرادة اهليمنــة علــى العــامل‪،‬‬
‫ويف هــذا الصــدد يقــول «حممــد عابــد اجلابــري»‪« :‬إن العوملــة ليســت جمـرّد آليــة مــن‬
‫آليــات التطــور الرأمســايل؛ بــل إيديولوجيــة تعكــس إرادة اهليمنــة علــى العــامل»(‪.)1‬‬
‫إن مــا نشــهده اليــوم هــو تصاعــد قــوي للهيمنــة والســيطرة الغربيــة يف مجيــع‬
‫اجملــاالت‪:‬‬
‫ ‪-‬ففــي امليــدان االقتصــادي‪ :‬تتجسّــد يف التنســيق بــن الــدول الصناعيــة الــي‬
‫حتــاول فــرض النظــام الرأمســايل‪ ،‬ومنــوذج الســوق علــى الــدول الناميــة‪،‬‬
‫فالعوملــة القســرية‪ ،‬هــي مفروضــة عــن طريــق اإلكــراه واإلجبــار لتبنِّــي‬
‫برامــج االخنــراط يف الســوق العامليــة‪ ،‬كمحاولــة لتعميــم النظــام االقتصــادي‬
‫الرأمســايل‪ ،‬ويــرى «لســر ثــارو» أن ّ‬
‫مثــة «رأمساليــة عامليــة شــاملة تنــزع إىل‬
‫أن تفــرض نفســها علــى العــامل»(‪ ،)2‬أمــا «حممــود عــوض» فيقــول‪« :‬إن العوملــة‬
‫هــي نــوع مــن اهليمنــة الرأمساليــة املتوحِّشــة الــي تضــع الفــرد قبــل اجملتمــع‪،‬‬
‫واالســتهالك قبــل اإلنتــاج‪ ،‬واملــال قبــل القيــم»(‪)3‬؛‬
‫ ‪-‬ويف امليــدان السياســي‪ :‬تظهــر يف حتويــل حلــف األطلســي الــذي كان أداة‬
‫الصــراع ض ـدّ االحتــاد الســوفياتي أثنــاء احلــرب البــاردة إىل إطــار التحالــف‬
‫الغربــي هبــدف الدفــاع عــن األمــن والســام الدوليــن‪ ،‬وش ـنّ احلــروب ضــد‬
‫الــدول الــي ال ت ّتفــق سياســتها مــع سياســة احللــف‪ ،‬إىل جانــب إجهــاض أيّ‬
‫قــوة منافســة ومعيقــة للغــرب؛‬
‫ ‪-‬ويف امليــدان الفكــري‪ :‬بــرزت مــن خــال نظريــات‪( :‬فرانســيس فوكويامــا)‬
‫«هنايــة التاريــخ» الــي هتــدف إىل تعميــم قيــم الغــرب وعقائــده علــى جممــوع‬
‫(‪ )1‬حممد عابد اجلابري‪« ،‬العوملة واهلوية الثقافية‪ :‬عشر أطروحات»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.300 :‬‬
‫(‪ )2‬عبد اهلل الدائم‪« ،‬العامل ومستقبل الثقافة العربية»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1997/8( ،222‬ص‪.28 :‬‬
‫(‪ )3‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.329 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪67‬‬
‫البشــرية فهــي ختفــي فكــرة قيــام نظــام عاملــي خاضــع لســيطرة الــدول‬
‫الغربيــة‪ ،‬إىل جانــب نظريــة (صموئيــل هانتنغتــون) «صــراع احلضــارات» الــي‬
‫تعــي أن العالقــات بــن خمتلــف احلضــارات هــي عالقــات صــراع مســتمر‪،‬‬
‫فهــي دعــوة إىل االســتعداد للمرحلــة املقبلــة‪ ،‬مرحلــة هيمنــة احلضــارة الغربيــة‬
‫علــى العــامل؛‬
‫ ‪-‬ويف امليــدان العلمــي‪ :‬تشــر اإلحصــاءات إىل تفــوق الكتــل الثــاث الرئيســة‪:‬‬
‫الواليــات املتحــدة وأوربــا واليابــان «فمــن أصــل ‪ 25‬مليــار دوالر مكرّســة‬
‫للبحــث والتنميــة يف العــامل لعــام ‪ ،1992‬تســاهم الواليــات املتحــدة بـــ ‪38.5%‬‬
‫واالحتــاد األوربــي بـــ ‪ 28.3%‬واليابــان بـــ ‪ ،15.8%‬وال يتجــاوز اإلنفــاق علــى‬
‫البحــث والتنميــة يف أمريــكا الالتينيــة ‪ 1%‬مــن اإلنفــاق العاملــي‪ ،‬ويبلــغ ‪ 0.5%‬يف‬
‫إفريقيــا والوطــن العربــي»(‪)1‬؛‬
‫ ‪-‬ويف امليــدان الثقــايف‪ :‬جنــد أن الغــرب انفــرد بالســيطرة علــى صناعــة اإلعالم؛‬
‫حيــث إن «‪ 85%‬مــن األنبــاء املتداولــة تصــل إىل ســكان العــامل عــن طريــق مخس‬
‫وكاالت أنباء فقط‪ ،‬وكلها غربية»(‪ ،)2‬واليت هتدف إىل إقامة أمناط اســتهالكية‬
‫يف دول اجلنــوب الســتيعاب منتجــات الشــمال‪ ،‬وجعــل األفــراد منفعلــن مبــا‬
‫حيــدث يف الــدول املتقدمــة‪ ،‬وهــذا يــؤدي إىل فقــدان خصوصياهتــا‪ ،‬ويقــول‬
‫«حممــد عابــد اجلابــري»‪« :‬العوملــة (‪ )Globalization‬إرادة للهيمنــة وبالتــايل‬
‫قمــع وإقصــاء للخصوصــي‪ ،‬أمــا العامليــة (‪)Universalité/ Universalism‬‬
‫فهــي طمــوح إىل االرتفــاع باخلصوصيــة إىل مســتوى عاملــي‪ :‬العوملــة احتــواء‬
‫للعــامل‪ ،‬والعامليــة تف ُّتــح علــى مــا هــو عاملــي وكونــي»(‪ ،)3‬باإلضافــة إىل أن‬
‫الشــبكات اإلعالميــة تســتخدم لغــة معيّنــة هــي اللغــة اإلجنليزيــة‪ ،‬وهــي اللغــة‬
‫الــي اكتســبت صفــة العامليــة‪« ،‬فمعلومــات اإلنرتنــت يف أكثــر مــن ‪ 80%‬منهــا‬
‫(‪ )1‬برهان غليون‪« ،‬الوطن العربي أمام حتديات القرن الواحد والعشرين»‪ ،‬ع ‪ ،)1998/6( ،232‬ص‪.18 :‬‬
‫(‪ )2‬أبو بكر فيظ اهلل‪« ،‬تقرير عن مؤمتر صراع احلضارات وحوار الثقافات»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1997/8( ،222‬ص‪.154 :‬‬
‫(‪ )3‬حممد عابد اجلابري‪« ،‬العوملة واهلوية الثقافية‪ :‬عشر أطروحات»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.301 :‬‬
‫‪68‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫باإلجنليزيــة»(‪)1‬؛ ممّــا جعلهــا هتـدِّد العديــد مــن اللغــات األخــرى‪.‬‬
‫إىل جانــب هــذا فــإن كلمــة (عوملــة) أصبحــت مرادفــة يف اخلطابات العديدة للشــعوب‬
‫الفقــرة؛ بــل حتــى يف أوربــا‪ ،‬لكلمــة (أمركــة)؛ حيــث تُعتــر الواليات املتحــدة األمريكية‬
‫هــي الفاعــل الرئيــس يف عمليــة إنتــاج نظــام هيمنــة جديــد حتت شــعار العوملة‪.‬‬
‫مــن خــال مــا ســبق؛ جنــد أن العوملــة ال تعــي نشــوء إرادة عامليــة واحــدة وال إمكانــات‬
‫عامليــة متســاوية أو متكافئــة؛ بــل تفتــح بــاب الصــراع الــدويل أكثــر مــن أيّ حقبــة‬
‫ســابقة‪ ،‬وال تســتبعد يف هــذا الصــراع أيّ وســيلة عســكرية أو سياســية أو اقتصاديــة‬
‫أو إيديولوجيــة‪ ،‬فهــي «القــوة مبفهومهــا الشــامل‪ ،‬االقتصــادي والسياســي والعســكري‬
‫والتقــي واإلعالمــي والثقــايف‪ ...‬وهــي األســاس الــذي ســوف يصنــع أو يصيــغ شــكل‬
‫النظــام العاملــي يف القــرن الواحــد والعشــرين»(‪.)2‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫(‪ )1‬جورج تادونكي‪« ،‬إفريقيا ليست وحيدة يف العامل»‪ ،‬جملة الثقافة العاملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91 :‬‬
‫(‪ )2‬نايف علي عبيد‪« ،‬العوملة‪ ..‬والعرب»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪69‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أوهام العوملة االقتصادية‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬العوملة ظاهرة جزئية وليست كاملة‬
‫ثانياً‪ :‬العوملة ظاهرة حمدودة‬
‫ثالثاً‪ :‬مصيدة العوملة‬
‫رابعاً‪ :‬عدم واقعية برامج العوملة‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬العوملة ظاهرة جزئية وليست كاملة‬
‫إن أنصــار العوملــة يروِّجــون أهنــا عمليــة تُضاعــف مــن ثــروة العــامل ورفاهيــة الشــعوب‬
‫ويســتعملون للدفــاع عنهــا احلجــج التاليــة‪ :‬اعتبــارات الكفــاءة‪ ،‬ورفــع معــدالت النمــو‪،‬‬
‫مزايــا التخصــص وتقســيم العمــل‪ ،‬انتهــاء عصــر اإليدولوجيــا‪ ،‬مزايــا االنفتــاح‬
‫االقتصــادي‪ ...‬وغريهــا مــن املزايــا والفوائــد؛ إال أن جمموعــة مــن الباحثــن يعتقــدون‬
‫أن هــذه العوملــة مــا هــي إال أوهــام وأســاطري تض ِّلــل اجملتمعــات وتســر أكثــر ممّــا‬
‫تكشــف عــن جوانــب ســلبية ومأســاوية يف األوضــاع االقتصاديــة للعــامل‪.‬‬
‫يــرى «حممــد األطــرش» أن مــا يس ـمّى بظاهــرة العوملــة «مبالــغ يف تعريفهــا ودرجــة‬
‫مشوليتهــا حمــدودة جــداً»؛ ممــا يتطلــب إعــادة النظــر يف مــدى عامليــة الظاهــرة‬
‫وعــدم االندفــاع يف تضخيــم حجمهــا‪ ،‬وهــي ليســت هــذه الظاهــرة الشــاملة للعــامل‬
‫إىل هــذا احلــدّ الــذي يتصــوره الكثــرون‪( ،‬حبســب املؤشــرات الــي اعتمدهــا يف‬
‫تعريفــه للعوملــة)؛ وذلــك لألســباب التاليــة(‪:)1‬‬
‫‪«1 .1‬أن الغالبية العظمى من الشــركات الدولية ليســت شــركات عوملة حقيقية»‪:‬‬
‫فأغلــب القيمــة املضافــة (حــوايل ‪ %70‬إىل ‪ )%75‬واألصــول الثابتــة واملبيعــات‬
‫تتــم يف موطنهــا األصلــي؛‬
‫(‪ )1‬حممد األطرش‪« ،‬العرب والعوملة ما العمل؟»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.420-418 :‬‬
‫‪70‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪«2 .2‬ليســت هنــاك عوملــة حقيقيــة فيمــا يتعلــق بانتقــال قــوة العمــل البشــري»‪:‬‬
‫حيــث تضــع الــدول الرأمساليــة واملؤسســات املاليــة خمتلــف القيــود والعراقيــل‬
‫ملنــع انتقــال أو هجــرة اليــد العاملــة‪ ،‬فالقرنــان ‪ 18‬و ‪ 19‬اتصفــا بدرجــة أكــر‬
‫بكثــر مــن حريــة اهلجــرة؛‬
‫‪«3 .3‬أن عوملــة رأس املــال املتمثــل يف االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة حمــدودة‬
‫جــداً»‪ :‬فأغلــب الــدول متـوِّل اســتثماراهتا مــن ادخاراهتــا الوطنيــة‪ ،‬وليــس مــن‬
‫االدخــارات األجنبيــة‪ ،‬كمــا أن هــذه االســتثمارات مر َّكــزة لدرجــة كبــرة يف عدد‬
‫مــن الــدول الناميــة يف جنــوب شــرق آســيا ويف أمريــكا الالتينيــة‪ ،‬إذ إن نســبة‬
‫االســتثمارات األجنبيــة للــدول الناميــة يف الشــرق األوســط وأوربــا ال تتجــاوز‬
‫مخــس الواحــد باملائــة مــن ناجتهــا احمللــي اإلمجــايل‪ ،‬يضــاف إىل هزالــة‬
‫االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة أن «جــزءاً معتــراً منهــا ال مي ِّثــل اســتثمارات‬
‫باملفهــوم االقتصــادي؛ أي ال يــؤدي إىل زيــادة الطاقــات اإلنتاجيــة يف البلــدان‬
‫املضيفــة (‪ ،)...‬وإمنــا مي ِّثــل شــراء الشــركات الدوليــة أو مســتثمرين آخريــن‬
‫ملنشــآت وطنيــة قائمــة ضمــن إطــار برامــج اخلصخصــة فيهــا؛ أي مي ِّثــل إحالل‬
‫ملكيــة األجانــب هلــذه املنشــآت بــدالً مــن امللكيــة الوطنيــة»؛‬
‫ِّ‬
‫حتقــق اجلــزء األكــر مــن دخلهــا الوطــي نتيجــة‬
‫‪«4 .4‬أغلــب دول العــامل‬
‫فعاليــات اقتصاديــة داخليــة»‪ :‬وليــس نتيجــة تصديــر الســلع واخلدمــات‪،‬‬
‫فنســبة الصــادرات‪ ،‬مــن ســلع وخدمــات ألهــم ثــاث قــوى اقتصاديــة يف العــامل‬
‫وهــي‪ :‬الواليــات املتحــدة األمريكيــة واالحتــاد األوربــي واليابــان تــراوح مــا بــن‬
‫‪ %9‬و‪%11‬؛ أي أن حــوايل ‪ %90‬مــن الناتــج احمللــي اإلمجــايل هلــذه القوى يتشـ ّكل‬
‫داخلي ـاً(‪.)1‬‬
‫وفض ـاً عــن ذلــك؛ يــرى «حممــد األطــرش» أن الفــرة (‪ 1840‬و‪ )1914‬كانــت أكثــر‬
‫اندماجـاً يف جمــاالت عديــدة منــه يف الوقــت الراهــن‪ ،‬ســواء يف جمــال حريــة التجــارة‬
‫أو حريــة اهلجــرة البشــرية أو نســبة تد ُّفــق االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة‪.‬‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.51 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪71‬‬
‫ويســر يف هــذا االجتــاه «إبراهيــم العيســوي»؛ حيــث يبيِّــن أن عمليــة العوملــة هــي‬
‫جزئيــة وليســت بعــد كاملــة‪ ،‬وهــذا باعــراف البنــك الــدويل يف تقريــره األخــر عــن‬
‫التنميــة يف العــامل ‪ 1997‬فيقــول‪« :‬مازالــت قطاعــات واســعة مــن العــامل مبعــزل عنهــا‬
‫(العوملــة)‪ ،‬إن مــا يزيــد علــى ثالثــة أربــاع النشــاط املعـوْمل ســواء علــى صعيــد التجــارة‬
‫أو علــى صعيــد رؤوس األمــوال جيــري بــن الــدول الصناعيــة املتقدمــة والظاهــرة‬
‫مازالــت إىل حـ ٍّـد كبــر ظاهــرة مشاليــة‪ ،‬مل مت ـسّ معظــم اجلنــوب بعــد»(‪.)1‬‬
‫ثانياً‪ :‬العوملة ظاهرة حمدودة‬
‫يــرى «دانــي رودريــك» أن النقــاش الدائــر حــول العوملــة يتوسّــع‪ ،‬وأن اجلــدل الكبــر‬
‫القــادم يف السياســة اخلارجيــة ســيدور حــول «العوملــة» حســب مــا يتوقعــه «تومــاس‬
‫فريدمــان»‪ ،‬كمــا يتســاءل‪« :‬هــل العوملــة هــي مصــدر للنمــو االقتصــادي واالزدهــار؟‬
‫أو هــي خطــر علــى االســتقرار االجتماعــي والبيئــة؟ (‪ )...‬أو رمبــا ال تكــون العوملــة‬
‫إال إحــدى املصطلحــات العاليــة الرنــن الــي ليــس هلــا كل هــذه النتائــج؟»‪ ،‬وهــو يشــر‬
‫إىل حــدود العوملــة مــن خــال النقــاط التاليــة(‪:)2‬‬
‫‪1 .1‬االقتصــادات الوطنيــة معزولــة عــن بعضها البعــض‪ :‬إن االقتصادات القومية‬
‫حتتفــظ بدرجــة عاليــة مــن العزلــة عــن بعضهــا بعض ـاً؛ حيــث «توجــد أدلــة‬
‫كثــرة علــى عــدم صحــة الفرضيــة الــي تذهــب إىل أن االقتصاديــات احملليــة‬
‫أصبحــت غارقــة يف ســوق عامليــة موحّــدة‪ ،‬ولنعتــر حالــة أمريــكا الشــمالية؛‬
‫حيــث العالقــات التجاريــة بــن الواليــات املتحــدة وكنــدا مــن أكثــر العالقــات‬
‫حتــرراً يف العــامل‪ ،‬ومــن أقلهــا تأ ُّثــراً بنفقــات النقــل واالتصــاالت‪ ،‬ومــع ذلــك‬
‫فالتجــارة بــن مقاطعــة كنديــة وواليــة أمريكيــة (الــي هــي جتــارة دوليــة) ال‬
‫تزيــد – يف املتوســط العــام – عــن ‪( 20/1‬جــزء مــن عشــرين) مــن التجــارة‬
‫بــن مقاطعتــن كنديتــن (الــي هــي جتــارة داخليــة) ومعنــى هــذا أن الســوق‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.50 :‬‬
‫(‪ )2‬دانــي رودريــك‪« ،‬املعقــول وغــر املعقــول يف اجلــدل الدائــر حــول العوملــة»‪ ،‬ترمجــة‪ :‬ســعد زهــران‪ ،‬جملــة الثقافــة العامليــة‪ ،‬مرجــع ســابق‪،‬‬
‫ص‪.94-92 :‬‬
‫‪72‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫الكنديــة ال تــزال غــر مرتبطــة إال بدرجــة ضئيلــة‪ ،‬بنظريهتــا األمريكيــة‪ ،‬وإذا‬
‫كانــت هــذه هــي حــال العالقــة بــن الســوقني األمريكيــة والكنديــة‪ ،‬فــا بـدّ أن‬
‫تكــون العالقــة التجاريــة الثنائيــة األخــرى أقــل ترابط ـاً بكثــر»‪.‬‬
‫وإذا اعتربنــا حركيــة رؤوس األمــوال؛ فــإن احلقيقــة تتناقــض أيضــاً مــع األفــكار‬
‫الســائدة؛ حيــث تســ ِّلم املناقشــات الدائــرة بــأن رؤوس األمــوال تتم ّتــع – حاليــاً –‬
‫حبريــة كاملــة يف عبــور احلــدود القوميــة حبثـاً عــن أعلــى عائــد ممكــن‪« ...‬فحوافــظ‬
‫األوراق املاليــة األمريكيــة أمْيــل إىل أن تظـ ّل متمركــزة‪ ،‬بدرجــة كبــرة يف البورصــات‬
‫األمريكيــة»‪.‬‬
‫‪2 .2‬االقتصــاد العاملــي أقــل تكامـاً‪ :‬تتبيّــن الطبيعــة احملــدودة للعوملــة حني نضعها‬
‫يف الســياق التارخيــي‪« ،‬ذلــك أن االقتصــاد العاملــي كان‪ ،‬مبعايــر كثــرة‪ ،‬أكثــر‬
‫تكامـاً ومكوناتــه القوميــة أكثــر اندماجـاً يف زمــان ذروة التعامــل وفــق قاعــدة‬
‫الذهــب يف أواخــر القــرن التاســع عشــر‪ ،‬عمّــا هــو اليــوم‪ ...‬ليســت التجــارة‬
‫األمريكيــة اليــوم‪ ،‬وال التجــارة األوربيــة‪ ،‬أكثــر انفتاحـاً ممــا كانــت أيــام قاعــدة‬
‫الذهــب (نســبة التجــارة إىل الدخــل القومــي)‪ ،‬أمــا اليابــان فإن نســبة صادراهتا‬
‫إىل دخلهــا القومــي اليــوم أقــل ممــا كانــت يف فــرة مــا بــن احلربــن»‪.‬‬
‫فضـاً عــن ذلــك؛ يــرى «دانــي رودريــك» أن خالصــة هــذه النتائــج حمتمــل أن تقودنــا‬
‫إىل خطــأ مفــاده أن العوملــة غــر جديــرة باالهتمــام‪ ،‬فبالعكــس العوملــة مهمــة‪ ،‬فهــي‬
‫تفتــح آفاقـاً وتتيــح فرصـاً وتفــرض توجُّهــات علــى صانعــي سياســات الــدول القوميــة‬
‫الذيــن مازالــوا يتمتعــون بدرجــة مــن االســتقاللية أعلــى بكثــر ممــا تفرتضــه الكتابــات‬
‫احلديثــة الــي تتكلــم كثــراً عــن تــآكل الســيادة القوميــة‪ ،‬واملشــهد الــذي تقدِّمــه العوملة‬
‫اليــوم هــو «جتــارة أكثــر وحكومــة أضخــم»؛ حيــث «إن العوملــة ليســت إال جــزءاً مــن‬
‫توجُّــه أوســع ميكــن أن نســميه أعمــال قــوى الســوق‪ ،‬وليــس تقليــص حجــم احلكومــات‬
‫(‪ ،)...‬والتحــدي األوســع القــادم يف القــرن الواحــد والعشــرين هــو التوصــل إىل تــوازن‬
‫جديــد بــن الســوق واجملتمــع»(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.105 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪73‬‬
‫ثالثاً‪ :‬مصيدة العوملة‬
‫انتقــد املؤلفــان األملانيــان (هانــس وشــومان) بعنــف شــديد فوضــى العوملــة وطغياهنــا‬
‫املدمِّــر علــى العدالــة االجتماعيــة؛ حيــث تنــاوال قضيــة العوملــة مــن أبعادهــا املختلفــة‪:‬‬
‫االقتصاديــة واالجتماعيــة والسياســية والبيئيــة‪ ...‬مــن خــال رؤيــة إنســانية‪ ،‬وأهــم‬
‫األفــكار الــي وردت يف كتاهبمــا (فــخ العوملــة) هــي‪:‬‬
‫‪1 .1‬العــامل الثالــث ومصيــدة العوملــة‪ :‬العوملــة لــن تشـ ِّكل قريــة كونيــة متشــاهبة‪:‬‬
‫لقــد أثبتــت املشــكالت املتعاظمة يف الــدول املتقدمة بُطالن مزاعمهم املتفائلة؛‬
‫إال أن اخلــراء لــدى املؤسســات الرائــدة يف االقتصــاد العاملــي (منظمــة التعــاون‬
‫والتنميــة االقتصاديــة‪ ،‬الصنــدوق والبنــك الدوليــن) يُص ـرّون علــى أن «إزالــة‬
‫احلــدود أمــام الســوق يعبِّــد الطريــق أمــام العــامل الثالــث للخــروج مــن مــأزق‬
‫الفقــر والتخلــف‪ ،‬إىل جانــب هــذا «فالعوملــة حتسِّــن مــن فــرص البلــدان الناميــة‬
‫ل ِّلحــاق اقتصاديـاً بركــب البلــدان الصناعيــة»(‪)1‬؛ إال أن العوملــة حســب املؤلفــان‬
‫تــؤدي إىل «انصهــار العــدد اهلائــل مــن االقتصاديــات القرويــة واإلقليميــة‬
‫والوطنيــة‪ ،‬يف اقتصــاد عاملــي مشــويل واحــد‪ ،‬ال مــكان فيــه للخاملــن؛ بــل‬
‫يقــوده أولئــك الذيــن يقــدرون علــى مواجهــة عواصــف املنافســة اهلوجــاء»(‪)2‬؛‬
‫‪2 .2‬العوملــة هــي النتيجــة احلتميــة لسياســة البلــدان الصناعيــة الغربيــة‪ :‬ينتقــد‬
‫املؤلفــان احلجــة الــي يروِّجهــا ِّ‬
‫منظــرو العوملــة بأهنــا مــن قبيــل احلتميــات‬
‫االقتصاديــة والتكنولوجيــة الشــبيهة باألحــداث الطبيعيــة الــي ال ميكــن‬
‫الوقــوف يف وجههــا‪ ،‬والواقــع أن‪« :‬التشــابكات االقتصاديــة ذات الطابــع العاملي‪،‬‬
‫ليســت حدثـاً طبيعيـاً بــأيّ حــال مــن األحــوال‪ ،‬إمنــا هــي نتيجــة حتميــة خلقتها‬
‫سياســة معيّنــة بوعــي وإرادة‪ ،‬فاحلكومــات والربملانــات (يف الــدول الصناعيــة‬
‫الغربيــة) هــي الــي و ّقعــت االتفاقيــات وس ـنّت القوانــن الــي ألغــت احلــدود‬
‫واحلواجــز»(‪ )3‬االقتصاديــة؛‬
‫(‪ )1‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.250 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.57 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.33 :‬‬
‫‪74‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪3 .3‬العوملــة ُتفقــد عنصــر العمــل أمهيتــه‪ :‬يربــط املؤلفــان النمــو ّ‬
‫املطــرد للبطالــة‬
‫بظاهــرة العوملــة؛ وذلــك نتيجــة التنافــس والصــراع بــن مجيــع القطاعــات مــن‬
‫أجــل ختفيــض تكلفــة اإلنتــاج الــذي أدى إىل الضغــط علــى عنصــر العمــل‪،‬‬
‫للوصــول باألجــور إىل أدنــى مســتوى ممكــن‪ ...‬فقــد صــارت املنافســة كل‬
‫شــيء ومل تعــد هنــاك أمهيــة لفــرص العمــل إذ إن‪« :‬توزيــع الثــروة واملكانــة‬
‫االجتماعيــة ســيحدِّدها يف املســتقبل النمــوذج العاملــي اجلديــد القائــم علــى‬
‫صيغــة ‪ %20‬يعملــون و‪ %80‬عاطلــون عــن العمــل»(‪ ،)1‬فمســيِّرو العــامل يف‬
‫طريقهــم لبنــاء حضــارة جمتمــع ا ُ‬
‫خلمــس (الثــري) وأربعــة األمخــاس (الفقراء)‪،‬‬
‫«فمــا كان يزعمــه املاركســيون قبــل مائــة عــام مــن مزاعــم‪ ،‬كانــت خاطئــة كليــة‬
‫آنــذاك‪ ،‬أضحــى اآلن حقيقــة‪ ،‬فالرأمساليــون يــزدادون ثــراءً‪ ،‬والطبقــة العاملــة‬
‫تــزداد فقــراً‪ ،‬وأن املنافســة املعوملــة تطحــن النــاس طحنــاً وتدمِّــر التماســك‬
‫االجتماعــي»(‪)2‬؛‬
‫‪4 .4‬العوملــة تزيــد احلالــة البيئيــة العامليــة ســوءاً‪ :‬ينتقــد املؤلفــان جتاهــل الــدول‬
‫الصناعيــة الغربيــة ملشــكالت البيئــة‪ ،‬فمنــذ انعقــاد مؤمتر األمــم املتحدة للبيئة‬
‫والتنميــة (‪ )1992‬مل حيــدث أيّ تغيّــر ملمــوس يف النمــط العاملــي الســتهالك‬
‫املــوارد الطبيعيــة‪« ،‬فأغنــى الــدول (‪ )%20‬ال تــزال تســتحوذ علــى ‪ %85‬مــن‬
‫االســتهالك العاملــي للخشــب وعلــى ‪ %75‬مــن احلديــد والصلــب‪ ،‬وعلــى ‪%70‬‬
‫مــن الطاقــة»(‪ ،)3‬وهــذا يعــي أنــه لــن يكــون بوســع كل ســكان املعمــورة التنعُّــم‬
‫معـاً هبــذا الرفــاه املتح ِّقــق علــى حســاب الطبيعــة‪ ،‬فرغــم أن املؤمتــر قــد أعلــن‬
‫عــن توجُّــه اقتصــادي ال يــرك األجيــال القادمــة تقــف إزاء بيئة ومــوارد طبيعية‬
‫ســيئة‪ ،‬والواقــع أن «كل الدالئــل تؤ ِّكــد أن االســتهالك العاملــي للطاقــة ســيبلغ‬
‫يف عــام ‪ 2020‬ضعــف االســتهالك احلاضــر‪ ،‬وبالتــايل ســرتفع كميــة الغــازات‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.28 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.225 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.70 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪75‬‬
‫امللوِّثــة للبيئــة مبقــدار يــراوح بــن ‪ %45‬إىل ‪)1(»%90‬؛‬
‫‪5 .5‬دكتاتوريــة الســوق واالنعكاســات الســلبية للعوملــة علــى اجلانــب االجتماعي‪:‬‬
‫يــرى املؤلفــان أن‪« :‬التصــور الــذي عـمّ احلــكام املؤمنــن باالقتصــاد الليربايل يف‬
‫القــرن التاســع عشــر‪ ،‬والــذي كان مفــاده أن مــن األفضــل هلــم تــرك جمتمعاهتــم‬
‫تــدار مــن قِبــل نظــام ســوقي دويل األبعــاد ِّ‬
‫ينظــم نفســه بنفســه‪ ،‬ليــس ســوى‬
‫«وهــم» خطــر حيمــل يف طياتــه أســباب فشــله؛ وذلــك ألن سياســة دع املــرء‬
‫يعمــل مبــا خيــدم مصلحتــه والبضائــع تنتقــل عــر احلــدود حتقيقــاً لربــح‬
‫أوفــر‪ ،‬تدمِّــر االســتقرار االجتماعــي باســتمرار ولنفــس هــذا الوهــم خيضــع‬
‫اليــوم أيضــاً كل أولئــك الذيــن كتبــوا علــى راياهتــم إضعــاف دولــة الرعايــة‬
‫االجتماعيــة وحتريــر قــوى الســوق دومنــا قيــد أو شــرط»(‪.)2‬‬
‫وفض ـاً عــن ذلــك؛ إن األمــر املهــم بالنســبة للمؤ ِّلفيْــن هــو أن يوجَّــه التنافــس علــى‬
‫الســوق العامليــة ذو األبعــاد املدمِّــرة حتــى اآلن‪ ،‬إىل مــا خيــدم املعايــر االجتماعيــة‬
‫والدميقراطيــة وإىل مــا حيــوِّل عوملــة الالعدالــة إىل مســاواة مشوليــة‪ .‬وهــذا مــا‬
‫جيعــل العوملــة القائمــة علــى الســوق واالنفتــاح العاملــي‪ ،‬مســألة مقبولــة إنســانياً‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬عدم واقعية برامج العوملة‬
‫يُــرز «صاحلــي صــاحل» أن مشــاريع وبرامــج العوملــة الــي تزيــل احلواجــز والقيــود أمام‬
‫حركــة الســلع واخلدمــات ورؤوس األمــوال والكفــاءات وأمنــاط احليــاة ومنظومــات‬
‫األفــكار والقيــم»‪ ،‬والــي هتــدف إىل هيكلــة االقتصــادات الناميــة للتخفيــف مــن حـدّة‬
‫األزمــات الداخليــة الــي تعانــي منهــا الــدول املتقدمــة؛ مــا هــي إال أوهــام أثبتــت‬
‫التجربــة التارخييــة عــدم صحتهــا‪ ،‬ونوجــز هــذه األوهــام فيمــا يلــي(‪:)3‬‬
‫‪«1 .1‬وهــم الكفــاءة املنتظــرة للمعاجلــات اجلزئيــة لالزمــة الشــاملة»‪ :‬حيــث إن‬
‫الــدول الناميــة تعانــي مــن أزمــة شــاملة (اقتصاديــة وسياســية واجتماعيــة‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.71 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.381 :‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬صاحل صاحلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.51-40 :‬‬
‫‪76‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫وثقافيــة‪ ،)...‬وملعاجلــة هــذه األزمــة يعطــي خــراء الــدول املتقدمــة األولويــة‬
‫للجانــب االقتصــادي علــى باقــي اجلوانــب األخــرى؛ يف حــن أن املنطــق يتطلــب‬
‫إســراتيجية شــاملة تعــاجل كافــة جوانــب األزمــة؛‬
‫‪«2 .2‬وهــم االعتمــاد علــى احللــول اجلاهــزة مــن اخلــارج يف معاجلــة األزمــات‬
‫الداخليــة»‪ :‬إن مشــاريع العوملــة هتــدف إىل تعويــم املنهــج الرأمســايل الليــرايل‬
‫حتــت ضغــط األزمــات الداخليــة يف معظــم دول العــامل؛ لذلــك يســتحيل‬
‫االعتمــاد علــى حلــول داخلية وليدة التطور احلضــاري للمجتمعات الرأمسالية‬
‫وفلســفتها يف احليــاة‪ ،‬وزرع املناهــج املســتوردة يف جمتمعــات ناميــة ختتلــف‬
‫عنهــا حضاريــاً وثقافيــاً وسياســياً واقتصاديــاً؛ وبالتــايل فمــن غــر املمكــن‬
‫إضفــاء طابــع العامليــة علــى برامــج التحريــر الليــرايل ومشــاريع التدويــل‬
‫والعوملــة؛‬
‫‪«3 .3‬وهــم ارتبــاط اإلنعــاش االقتصــادي اســراتيجيات التكييــف والتغــر‬
‫اهليكلــي»‪ :‬يتمثــل هــذا الوهــم يف أن اإلنعــاش االقتصــادي يرتبــط بضــرورة‬
‫االتفــاق مــع صنــدوق النقــد الــدويل والبنــك الــدويل‪ ،‬واجملموعــات التمويليــة‬
‫التابعــة لــه‪ ،‬الــي تُعتــر كمؤسســات تعمــل علــى فــرض التحــوالت الــي تســاعد‬
‫علــى توســيع دائــرة العوملــة االنتقائيــة مــن خــال برامــج التكييــف والتعديــل‬
‫اهليكلــي الــي تدمِّــر اجلهــود التنمويــة الــي أقيمــت بتكاليــف كبــرة خــال‬
‫عقــود متواليــة‪ ،‬وكانــت نتيجــة عمليــات التكييــف الــي ُطبِّقــت يف جمموعــة‬
‫مــن الــدول هــو اإلخفــاق كمــا هــو احلــال يف الربازيــل واملكســيك وبلــدان شــرق‬
‫آســيا‪...‬؛‬
‫‪«4 .4‬وهــم كفــاءة برامــج التحريــر والعوملــة يف حتقيــق االســتقرار االقتصــادي»‪:‬‬
‫إن هــذا الوهــم يقــوم علــى افــراض خاطــئ‪ ،‬وهــو تشــابه الظــروف االقتصاديــة‬
‫وتقارهبــا يف معظــم الــدول؛ ومــن ثــمّ تعميــم اإلســراتيجيات للتخفيــف مــن‬
‫األزمــات‪ ،‬ومــا دامــت طبيعــة املشــكالت ختتلــف يف الــدول املتقدمــة والــدول‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪77‬‬
‫الناميــة؛ فــإن هــذا يتطلــب وجــود برامج خمتلفــة لتحقيق االزدهار واالســتقرار‬
‫االقتصــادي يف كل منهمــا‪.‬‬
‫وميكن تلخيص املشكالت يف كل من الدول املتقدمة والنامية يف اجلدول التايل‪:‬‬
‫جدول ‪ :2‬طبيعة املشكالت يف الدول املتقدمة والدول النامية‬
‫طبيعة املشكلة‬
‫الدول املتقدمة‬
‫الرشادة يف توظيف املوارد‬
‫االقتصادية البشرية‬
‫دورية‬
‫طبيعة التضخم‬
‫ركودي‬
‫سبب اختالل ميزان املدفوعات‬
‫صراع اقتصادي بني التكتالت‬
‫االقتصادية يف السوق العاملية‬
‫توزيع الدخول والثروات‬
‫أقل حدّة‬
‫اهلدف‬
‫نوع البطالة‬
‫الدول النامية‬
‫القيام بعملية التنمية الشاملة‬
‫هيكلية‬
‫بنيوي ‪ +‬مستورد (يبيِّن درجة‬
‫االرتباط السليب والتبعية‬
‫اخلارجية للدول املتقدمة)‬
‫اختالالت هيكلية يف الداخل‬
‫وضعف وزهنا االقتصادي يف‬
‫اخلارج‬
‫أكثر حدّة‬
‫املصدر‪ :‬راجع‪ :‬صاحلي صاحل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48-51 :‬‬
‫وفضـاً عــن ذلــك؛ يــرى «صاحلــي صــاحل» أن مشــاريع العوملــة وبراجمهــا تُعـدّ مرحلــة‬
‫متقدِّمــة لتجديــد إســراتيجيات التغريــب والتبعيــة؛ لضمان اســتمرار اهليمنة الغربية‬
‫يف القــرن املقبــل بصــورة تضمــن انتعاش االقتصــادات املتقدمة‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫خالصة الفصل األول‬
‫أصبحــت «العوملــة» مصطلــح الفــرة احلاليــة‪ ،‬فاضمحلت أمامهــا مصطلحات تداوهلا‬
‫العــامل قبــل بدايــة القــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬وقــد اختلفــت مواقــف الباحثــن إزاء‬
‫التعامــل مــع هــذه الظاهــرة‪:‬‬
‫ ‪-‬فهناك مَن يقبلها ويربِّر ذلك حبتميتها؛‬
‫ ‪-‬وهناك مَن يرفضها حبجّة األمركة والتغريب؛‬
‫ ‪-‬وهنــاك مَــن ي ّتخــذ موقفـاً وســطاً‪ ،‬وينــادي بضــرورة فهمهــا أوالً‪ ،‬ثــم التعامــل معهــا‬
‫ثانياً ‪.‬‬
‫ ‪ -‬كما تباينت وجهات نظر اجملتمعات جتاه العوملة‪:‬‬
‫ ‪-‬فبعضهم يرى أهنا ال تش ِّكل خطراً عليهم؛‬
‫ ‪-‬ومنهم مَن يرى أهنا ال تثري اهتمامهم؛‬
‫ ‪-‬وآخرون هم بني املواجهة والتقبُّل‪.‬‬
‫ومل ي ّتفــق الك ّتــاب علــى مصطلــح واحــد للظاهــرة‪ :‬فالعوملــة والكوكبــة والكونيــة‬
‫والشــمولية والتدويــل‪ ،‬كلهــا أمســاء حلالــة واحــدة‪.‬‬
‫كمــا تعـدّدت التعاريــف املعطــاة للعوملــة؛ إال أهنــا تُشــر أن الظاهــرة ذات مضمــون‬
‫اقتصــادي يف اجلوهــر‪ ،‬ويــكاد يُ ّتفــق علــى أهنــا «حريــة انتقــال عوامــل اإلنتــاج‬
‫واملعلومــات والثقافــة علــى مســتوى كونــي؛ حيــث تتداخــل فيهــا أمــور االقتصــاد‬
‫واالجتمــاع والسياســة والثقافــة والســلوك»‪.‬‬
‫وحدّدنــا وجهــة نظرنــا الــي تُميِّــز بــن املعنــى املطــروح يف أوســاط املفكريــن‪،‬‬
‫واملعنــى احلقيقــي للظاهــرة‪.‬‬
‫وقد تبيّن لنا أن العوملة متعدِّدة اجلوانب واألبعاد‪ ،‬وميكن تصنيفها إىل‪:‬‬
‫‪1-1‬العوملــة االقتصاديــة‪ :‬ترتكــز علــى مفهــوم اقتصــاد الســوق أو وجــود ســوق‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪79‬‬
‫عامليــة بــا حــدود؛‬
‫‪2-2‬العوملــة السياســية‪ :‬ترتبــط مبفهــوم تعويــم الرؤيــة الغربيــة للدميقراطيــة‬
‫وحقــوق اإلنســان؛‬
‫‪3-3‬العوملــة الثقافيــة‪ :‬تعتمــد علــى مفهــوم توحيــد القيــم واألفــكار وأشــكال‬
‫الســلوك يف ثقافــة عامليــة واحــدة؛‬
‫‪4-4‬العوملــة االجتماعيــة‪ :‬تشــتمل علــى مفهــوم وجــود قضايــا ومشــكالت إنســانية‬
‫عامليــة ومشــركة؛‬
‫‪5-5‬العوملة االتصالية‪ :‬تستند إىل مفهوم القرية الكونية ومعلومات بال حدود‪.‬‬
‫وتعدّدت الطرق يف وضع العوملة يف سياقها التارخيي‪ ،‬ومنيِّز بني ثالثة أساليب‪:‬‬
‫‪1-1‬منــوذج روبرتســون‪ :‬حيــث مــرت العوملــة خبمــس مراحــل‪ :‬املرحلــة اجلنينيــة‪،‬‬
‫النشــوء‪ ،‬االنطــاق‪ ،‬الصــراع مــن أجــل اهليمنــة‪ ،‬عــدم اليقــن؛‬
‫‪2-2‬تطــور النظــام الرأمســايل‪ :‬حيــث مــرت الرأمساليــة خبمــس مراحــل‪:‬‬
‫الرأمساليــة التجاريــة‪ ،‬الصناعيــة‪ ،‬املاليــة‪ ،‬االحتكاريــة‪ ،‬العامليــة (العوملــة)؛‬
‫‪3-3‬تطــور النظــام االقتصــادي العاملــي‪ :‬حيــث مــر بثــاث مراحــل‪ :‬مرحلــة الثــورة‬
‫الصناعيــة األوىل‪ ،‬الثــورة الصناعيــة الثانيــة‪ ،‬الثــورة الصناعيــة الثالثــة (العوملــة)‪.‬‬
‫كما تتميّز العوملة مبجموعة من اخلصائص تتمثل يف‪:‬‬
‫‪1-1‬العوملــة ظاهــرة تارخييــة‪ :‬مــن املؤرخــن مَــن أرجعهــا إىل مــا قبــل امليــاد‪ ،‬أو‬
‫مخســة قــرون علــى األقــل‪ ،‬ومنهــم مَــن اعتربهــا ظاهــرة مــا بعــد ‪1989‬؛‬
‫‪2-2‬العوملــة ظاهــرة إيديولوجيــة‪ :‬حيــث تســتمد أفكارهــا مــن النظريــات الليربالية‬
‫االقتصادية؛‬
‫‪3-3‬العوملــة ظاهــرة تكنولوجيــة‪ :‬حيــث ترتبــط بالتطــور التقانــي احلاصــل نتيجــة‬
‫الثــورة الصناعيــة الثالثــة؛‬
‫‪4-4‬العوملــة ظاهــرة انتقائيــة‪ :‬حيــث يتــم تطبيقهــا وفــق معايــر ازدواجيــة؛ ممــا‬
‫ِّ‬
‫يعظــم مصلحــة الــدول املتقدمــة؛‬
‫‪80‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪5-5‬العوملــة هتــدِّد مســتقبل ســيادة الدولــة‪ :‬مــن املفكريــن مَــن يعتقــد بــأن‬
‫العوملــة مت ِّثــل هنايــة الســيادة الوطنيــة يف مجيــع اجملــاالت بســبب الشــركات املتعــددة‬
‫اجلنســيات‪ ،‬ومنهــم مَــن يــرى أن العوملــة تعيــد النظــر يف دور الدولــة وإســراتيجيتها‬
‫بســبب عــدم وجــود بديــل هلــا؛‬
‫‪6-6‬العوملــة نزعــة احتالليــة‪ :‬حيــث تعبِّــر عــن إرادة اهليمنــة علــى العــامل يف مجيــع‬
‫اجملاالت‪.‬‬
‫رغــم املزايــا والفــرص الــي يدعــو إليهــا مروِّجــو العوملــة (الرفــاه والتقــدم‪)...‬؛ إال أن‬
‫بعــض الباحثــن يعتربوهنــا جمـرّد أوهــام وأســاطري‪ ،‬وميكــن ذكــر هــذه األوهــام فيمــا‬
‫يلــي‪:‬‬
‫ ‪-‬عــدم مشوليــة الظاهــرة‪ :‬فالغالبيــة العظمــى مــن الشــركات الدوليــة ليســت‬
‫شــركات عوملــة حقيقيــة‪ ،‬وليســت هنــاك عوملــة حقيقيــة فيمــا يتعلــق بإنتقــال‬
‫قوة العمل البشــري‪ ،‬كما أن عوملة رأس املال املتم ِّثل يف االســتثمارات األجنبية‬
‫املباشــرة حمــدودة جــداً‪ ،‬وأغلــب دول العــامل حت ِّقــق اجلــزء األكــر مــن دخلهــا‬
‫الوطــي نتيجــة فعاليــات اقتصاديــة داخليــة؛‬
‫ ‪-‬العوملــة ظاهــرة جزئيــة وليســت كاملــة‪ :‬فهــي ظاهــرة مشاليــة مل متـسّ دول‬
‫اجلنــوب بعــد؛‬
‫ ‪-‬ظاهــرة العوملــة حمــدودة‪ :‬فاالقتصــادات الوطنيــة معزولــة عــن بعضهــا‬
‫البعــض‪ ،‬واالقتصــاد العاملــي أقــل تكامــاً؛‬
‫ ‪-‬العوملــة فــخ ومصيــدة‪ :‬حيــث إهنــا لــن تش ـ ِّكل قريــة كونيــة متشــاهبة‪ ،‬وهــي‬
‫النتيجــة احلتميــة لسياســة البلــدان الصناعيــة الغربيــة‪ ،‬كمــا أهنــا تُفقــد أمهيــة‬
‫عنصــر العمــل‪ ،‬وتزيــد احلالــة البيئيــة العامليــة ســوءاً‪ ،‬وهــي ال تراعــي اجلانــب‬
‫االجتماعــي؛‬
‫ ‪-‬وأن برامــج العوملــة يف منظورهــا الليــرايل مل تثبــت صحتهــا واقعيـاً؛ مــن‬
‫خــال األوهــام التاليــة‪:‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪81‬‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•وهم الكفاءة املنتظرة للمعاجلات اجلزئية لألزمة الشاملة؛‬
‫•وهــم االعتمــاد علــى احللــول اجلاهــزة مــن اخلــارج يف معاجلــة األزمــات‬
‫الداخلية؛‬
‫•وهــم ارتبــاط اإلنعــاش االقتصــادي بتطبيــق إســراتيجيات التكييــف‬
‫والتغيــر اهليكلــي؛‬
‫•وهم كفاءة برامج التحرير والعوملة يف حتقيق االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪82‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الـفـصـل الثاني‬
‫اجلانب الوظيفي للعوملة االقتصادية‬
‫(مؤسسات العوملة وشبكاهتا)‬
‫ســوف نتعــرض ضمــن هــذا الفصــل إىل املباحــث األساســية‬
‫التاليــة‪:‬‬
‫‬
‫‪-‬املبحث األول‪ :‬دور مؤسسات العوملة وآثارها‬
‫‬
‫‪-‬املبحث الثاني‪ :‬دور شبكات العوملة ومظاهر اهليمنة‬
‫‬
‫‪-‬خالصة الفصل الثاني‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪83‬‬
‫املبحث األول‬
‫دور مؤسسات العوملة وآثارها‬
‫سنتناول هذا املبحث بالدراسة من خالل احملاور التالية‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫صندوق النقد الدويل وآلية تشكيل العوملة‬
‫‬
‫‬
‫‪-‬البنك العاملي وآلية تشكيل العوملة‬
‫‪-‬‬
‫‪84‬‬
‫‪-‬‬
‫منظمة التجارة العاملية وآلية تشكيل العوملة‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املطلب األول‪ :‬صندوق النقد الدويل وآلية تشكيل العوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬برامج الصندوق كآلية يف تسريع االندماج السليب يف حركة العوملة‬
‫ثانياً‪ :‬آثار تطبيق برامج صندوق النقد الدويل يف البلدان النامية‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬برامج الصندوق كآلية يف تسريع االندماج السليب يف حركة العوملة‬
‫صنــدوق النقــد الــدويل‪ ،‬مؤسســة نقديــة وماليــة دوليــة قويــة تضطلــع مبَهمــة إدارة‬
‫نظــام النقــد الــدويل؛ حيــث تُعتــر برامــج «التثبيــت االقتصــادي والتكييــف اهليكلــي»‬
‫أحســن سياســة اقتصاديــة للصنــدوق هبــدف حتقيــق التوازنــات النقديــة واملاليــة الــي‬
‫تس ـهِّل مَهمــة الدولــة لالندمــاج يف االقتصــاد الــدويل واملشــاركة يف حركــة العوملــة‬
‫االقتصاديــة‪.‬‬
‫ولقــد أصبحــت هــذه الربامــج املقرتحــة علــى الــدول منــذ عــدة ســنوات هــي مفتــاح‬
‫السياســات االقتصاديــة املطبّقــة يف العــامل حماولــة أخــذ مــكان السياســات التنمويــة‪،‬‬
‫فالتح ـوُّل الوظيفــي الــذي يشــهده الصنــدوق يبيِّــن حركيتــه يف ظــل العوملــة؛ حيــث‬
‫كان يهــدف عندمــا بــدأ ميــارس مهامــه إىل إدارة وضمــان اســتقرار النظــام النقــدي‬
‫العاملــي؛ لكنــه أصبــح يفــرض براجمــه علــى الــدول الــي هــي حباجــة لالقــراض منــه‬
‫أو حباجــة إىل جدولــة ديوهنــا‪ ،‬فأصبــح أكــر مؤسســة ماحنــة للقــروض يف العــامل‪،‬‬
‫وهــذا دليــل علــى تزايــد دور الصنــدوق يف إدارة أزمــة املديونيــة اخلارجيــة‪.‬‬
‫وتتمثــل إجــراءات الصنــدوق ملعاجلــة االختــاالت يف موازيــن مدفوعــات الــدول‬
‫األعضــاء فيمــا يلــي(‪:)1‬‬
‫‪-‬ضرورة حترير التجارة وحترير أسعار الصرف؛‬
‫‪-‬االلتزام بتخفيض العملة ومكافحة التضخم؛‬
‫(‪ )1‬اهلادي خالدي‪ ،‬املرآة الكاشفة لصندوق النقد الدويل‪ ،‬دار هومة‪ ،‬اجلزائر‪ ،1996 ،‬ص‪.137 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪85‬‬
‫‪-‬احلدّ من عجز املوازنة عن طريق ختفيض النفقات العامة وزيادة الضرائب؛‬
‫‪-‬إلغاء الدّعم لألسعار لكل السلع واخلدمات؛‬
‫‪-‬توفري املناخ املالئم لالستثمار األجنيب‪...‬‬
‫إن هــذه الوصفــة املوحَّــدة الــي يفرضهــا الصنــدوق علــى مجيــع الــدول مت ِّثــل «وصفــة‬
‫العوملــة»‪ ،‬فهــو ال يُقــرض وال يتعامــل مــع أيّــة دولــة إال إذا التزمــت بشــروطه القائمــة‬
‫أساسـاً علــى إزالــة احلواجــز أمــام حركــة الســلع واخلدمــات ورؤوس األمــوال؛ ومــن‬
‫ثــمّ فخلفيــة هــذه املؤسســة هــي حماولــة إعــادة دمــج االقتصــادات الضعيفــة يف‬
‫حركيــة االقتصــادات القويــة عــن طريــق العوملــة االقتصاديــة‪.‬‬
‫إىل جانــب هــذا الــدور عمــل الصنــدوق علــى اعتمــاد طريقــة التعــاون الفــي والتقــي؛‬
‫ّ‬
‫وموظفيــه إىل البلــدان الناميــة لتقييــم األوضــاع واقــراح‬
‫إذ أصبــح يبعــث خبربائــه‬
‫احللــول‪ ،‬هــذا إىل جانــب مراقبتــه املســتمرة لتنفيــذ السياســة االقتصاديــة للبلــدان‬
‫األعضــاء الــي تعانــي االختــاالت النقديــة واملاليــة‪.‬‬
‫وتظهــر فعاليــة املراقبــة مــن خــال الوســائل الــي يســتخدمها الصنــدوق‪ ،‬نوردهــا‬
‫علــى النحــو التــايل(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬الزيارة امليدانية خلرباء الصندوق إىل الدول املتخلفة؛‬
‫ ‪-‬القيــام باستشــارات ســنوية للمتابعــة يف تقييــم برامــج اإلصالحــات الــي تُملــى‬
‫علــى الــدول املتخلفــة وتُلزمهــا بتنفيذهــا؛‬
‫ ‪-‬القيــام باستشــارات فصليــة هبــدف الوقــوف علــى تقييــم مــدى تقــدُّم برامــج‬
‫اإلصالحــات االقتصاديــة؛‬
‫ ‪-‬يطلــب مــن الــدول املعنيّــة‪ ،‬برنامــج مــايل كمــي يتطابــق وبرامــج اإلصالحــات‬
‫االقتصاديــة‪.‬‬
‫مــن خــال هــذه املراقبــة يتبيّــن أن ِّ‬
‫االطــاع علــى وضعيــة االقتصــاد للبلــد العضــو‬
‫بالتفصيــل يُعتــر إشــرافاً مباشــراً علــى السياســات االقتصاديــة واالجتماعيــة يف‬
‫الــدول؛ حيــث تســعى الــدول املتقدمــة وعلــى رأســها الواليــات املتحــدة إىل اهليمنــة‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.138 :‬‬
‫‪86‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫علــى االقتصــاد العاملــي وحماولــة ترســيخها مــن خــال الصنــدوق الــذي ين ِّفــذ‬
‫السياســات الــي حت ِّقــق مصاحلهــا‪ ،‬ومصــاحل األطــراف القويــة الــي تســيطر علــى‬
‫إدارة الصنــدوق‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬آثار تطبيق برامج صندوق النقد الدويل يف البلدان النامية‬
‫إن تطبيــق تلــك الربامــج مل تــؤدِّ إىل حتســن أوضــاع االقتصــادات الناميــة حتســيناً‬
‫يؤهِّلهــا لالندمــاج االجيابــي يف حركــة العوملــة واالنفتــاح احلاليــة واملســتقبلية؛ بــل‬
‫أدت إىل حتميــل تلــك البلــدان بتكاليــف أخــرى تضــاف إىل تناقضاهتــا اهليكليــة؛‬
‫سنشــر إىل أمههــا يف الفقــرات التاليــة‪:‬‬
‫‪1.1‬التكاليف االقتصادية‪:‬‬
‫إن اإلحصــاءات تشــر إىل عــدم حت ُّقــق أيّ مــن النتائــج الــي وعــد هبــا ِّ‬
‫منظــرو صندوق‬
‫النقــد الــدويل يف التخفيــف مــن ح ـدّة تفاقــم أزمــة املديونيــة؛ حيــث ارتفعــت ديــون‬
‫الــدول الناميــة إىل ‪ 1940‬مليــار ســنة ‪1996‬؛ أي أهنــا ارتفعــت إىل ضعــف مــا كانــت‬
‫عليــه قبــل ســنوات(‪ ،)1‬وخــال األزمــة املكســيكية (‪ )1994‬منــح الصنــدوق قرضــاً‬
‫اســتثنائياً بـــ ‪ 17.7‬مليــار دوالر وهــو أكــر قــرض يف تاريــخ الصنــدوق؛ هبــدف تغطيــة‬
‫إخفــاق النمــوذج الليــرايل‪ ،‬فاملكســيك كان يُفــرض بأنــه بلــد و ِّفــق يف تنفيــذ برامــج‬
‫اإلصــاح االقتصــادي وح ّقــق حتريــر االقتصــاد والتجــارة‪ ،‬الــذي كان ســرفعه إىل‬
‫مقــام دول الشــمال ومنظمــة التعــاون والتنميــة االقتصاديــة‪.‬‬
‫وحســب «ضيــاء جميــد املوســوي»‪« :‬إن منطــق صنــدوق النقــد الــدويل هــو منطــق‬
‫مــايل وتقــي ال يهمّــه اجلانــب االجتماعــي واجلانــب التنمــوي؛ ألن االقتصــاد يف‬
‫منظــوره عبــارة عــن «ميكانيــك» إذا عرفــت بعــض االختــاالت جيــب العمــل علــى‬
‫معاجلتهــا والرجــوع إىل نقطــة البدايــة؛ أي إىل التوازنــات األساســية (تــوازن امليــزان‬
‫التجــاري‪ ،‬تــوازن ميــزان املدفوعــات‪ ،‬تــوازن ميزانيــة الدولــة) (‪ )...‬وواقــع احلــال هــو‬
‫أن التنميــة ال ميكنهــا أن تتحـوّل أو تُقحــم يف التــوازن‪ ،‬الــذي يشـ ِّكل مفهومـاً جمـرّداً‪،‬‬
‫(‪ )1‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.61 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪87‬‬
‫ويتغيّــر حمتــواه ومدلولــه بتغيــر املعطيــات واألوضــاع‪ ،‬أمــا التنميــة فهــي الصــراع‬
‫ضــد املــرض والبطالــة واألميــة وســوء التغذيــة‪ ،‬والتنميــة هــي اســتعادة واســرجاع‬
‫االســتقالل الذاتــي يف اختــاذ القــرار»(‪ ،)1‬فمــن وجهــة نظــر الصنــدوق مت ِّثــل روســيا‬
‫حالــة مهمــة للداللــة علــى إمكانيــة حتويــل السياســات التنمويــة مــن التخطيــط إىل‬
‫اقتصــاد الســوق وهلــذا وافــق علــى منحهــا قرض ـاً مببلــغ ‪ 10‬مليــار دوالر(‪.)2‬‬
‫يســتمدّ الصنــدوق فلســفته النظريــة مــن الفكــر الليــرايل الــذي يدعو إىل عــدم تدخُّل‬
‫الدولــة يف اجملــال االقتصــادي‪ ،‬وخت ِّليهــا عــن دعمهــا للقطــاع العــام؛ أي عليهــا أن‬
‫تــرك للمنافســة احلــرة جماهلــا عــر مبــدأ «دعــه يعمــل» عــر إعطــاء دور أكــر للقطــاع‬
‫اخلــاص يف االقتصــاد هبــدف إدمــاج اقتصــادات الــدول يف الســوق املعوملــة؛ وهــذا مــا‬
‫جتسِّــده سياســة التكييــف اهليكلــي الــي هتــدف إىل إضعــاف مكانــة الدولــة وتقزيــم‬
‫دورهــا يف اجملــال االقتصــادي؛ مــن خــال ختفيــف القيــود والعوائــق االقتصاديــة‬
‫واالجتماعيــة خصوصـاً تلــك املتعلقــة بتشــريعات العمــل والضمانــات االجتماعيــة‪.‬‬
‫‪2.2‬التكاليف االجتماعية‪:‬‬
‫إن التكاليف االجتماعية إلسرتاتيجيات التكييف والتغيري اهليكلي مت ّثلت يف(‪:)3‬‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫زيــادة معــدالت البطالــة يف اجملتمــع‪ :‬نتيجــة تطبيــق قوانــن اخلصخصــة‬‫وتســريح العمــال؛‬
‫تعميــم الفقــر وتوســيع دائرتــه‪ :‬نتيجــة رفــع الدعــم عــن الســلع الضروريــة‬‫وتثبيــت األجــور؛‬
‫تعميــق االختــال يف توزيــع الثــروات والدخــول‪ :‬حيــث تســتفيد مــن حت ـوّالت‬‫االندمــاج االقتصــادي فئــة قليلــة علــى حســاب األغلبيــة؛‬
‫زيــادة درجــة االحنرافــات االجتماعيــة ومنــو عوامــل التمــزق االجتماعــي‪:‬‬‫بســبب الرتكيــز علــى اجلانــب االقتصــادي وإمهــال اجلانــب االجتماعــي‪.‬‬
‫إن برامــج التصحيــح االقتصــادي مت ِّثــل برناجمـاً جمتمعيـاً يطغــى عليــه الطابــع‬
‫(‪ )1‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬اخلوصصة‪ :‬آراء واجتاهات‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪36 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.114 :‬‬
‫(‪ )3‬صاحلي صاحل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37-35 :‬‬
‫‪88‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫االقتصــادي ويغيــب فيــه اجلانــب االجتماعــي واإلنســاني؛ باعتبــاره ال يــويل اهتمامـاً‬
‫إال جلوانــب املقاييــس االقتصاديــة اخلاضعــة ملنطــق النجاعــة واملنافســة‪« ،‬إن هــذه‬
‫املعاجلــة اجلزئيــة جتعــل التــوازن االقتصــادي أهــم مــن التوازنــات االجتماعيــة‬
‫فتهملهــا؛ الشــيء الــذي يؤ ِّكــد بــأن تطبيقهــا ســيؤدي إىل اضطــراب اجتماعــي وثقايف‬
‫يَح ـ ِرم اجملتمــع مــن االســتقرار الضــروري املطلــوب»(‪.)1‬‬
‫‪3.3‬التكاليف الثقافية‪:‬‬
‫إن هــذه الربامــج هتــدف إىل تغيــر ثقــايف؛ حيــث تعمــل علــى إقحــام اجملتمعــات داخــل‬
‫القواعــد والعــادات الســلوكية واالســتهالكية واألخالقيــة للمجتمــع املتقــدم؛ «ذلــك‬
‫أن املقصــد النهائــي لتلــك الربامــج والسياســات هــو تعميــم اخلصوصيــة احلضاريــة‬
‫الغربيــة يف النمــو والتطــور ومــا يرتبــط هبمــا مــن أمنــاط حيــاة وســلوك اجتماعــي‬
‫وقيــم ثقافيــة»‪2‬؛ حيــث تتمثــل سياســة الصنــدوق يف تقديــم وصفــة واحــدة تُعتــر‬
‫عالجـاً كونيـاً تشــفي مجيــع األمــراض الــي تعانــي منهــا الــدول الناميــة‪ ،‬فالصنــدوق‬
‫يــرى أن العــاج واحــد يصلــح للربازيــل كمــا يصلــح لتشــاد‪ ...‬بغــض النظــر عــن بنيــة‬
‫االقتصــاد ومــوارده ودرجــة تطــوره‪ ،‬وطبيعــة اجملتمــع وثقافتــه‪.‬‬
‫‪4.4‬التكاليف السياسية‪:‬‬
‫إن إجــراءات صنــدوق النقــد الــدويل ترتافــق مــع شــروط سياســية ميّــزت موقــف‬
‫الــدول علــى املســتوى الداخلــي واخلارجــي(‪:)3‬‬
‫ ‪-‬علــى املســتوى الداخلــي‪« :‬تزامنــت الليرباليــة االقتصاديــة مــع اســتبداد كبــر مــن‬
‫أجــل فــرض سياســتها وتنفيــذ إجراءاهتــا‪ ،‬ويعــود هــذا االســتبداد إىل هتميــش دور‬
‫اجلماهــر يف اختــاذ القــرارات املصرييــة املتع ِّلقــة باإلصــاح»؛‬
‫ ‪-‬أمــا علــى املســتوى اخلارجــي‪« :‬فقــد تزايــدت التبعيّــة السياســية يف القــرارات‬
‫واملواقــف الدوليــة؛ حيــث أصبحــت البلــدان الناميــة امللتزمــة باتفاقيــات وبرامــج‬
‫اإلصــاح االقتصــادي أكثــر تبعيــة يف قراراهتــا ومواقفهــا للقــرارات واملواقــف الــي‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.16 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.38 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.33-31 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪89‬‬
‫تتبناهــا الــدول املتقدمــة»‪.‬‬
‫فلقــد لعــب الصنــدوق دوراً سياســياً خطــراً مــن خــال فرضــه الختيــارات اقتصاديــة‬
‫ماليــة ونقديــة مغايــرة؛ وذلــك حتــت شــعار التدخُّــل التقــي مــن أجــل إصــاح اختــال‬
‫ميــزان املدفوعــات‪« ،‬ولكــن ال ميكــن أن نعتــر الصنــدوق مؤسســة حمايــدة ال عالقــة‬
‫هلــا باختيــارات اقتصاديــة عامليــة معيّنــة‪ ،‬يف الوقــت الــذي جنــد فيــه أن ‪ %62‬مــن‬
‫رأمساهلــا مراقــب وموجَّــه مــن قِبــل الــدول الرأمساليــة املتقدمــة‪ ،‬و‪ %27‬مــن رأمساهلا‬
‫يعــود جملموعــة الــدول املنتجــة واملص ـدِّرة للنفــط (‪ 13‬دولــة)‪ ،‬و‪ %11‬فقــط لـــ ‪109‬‬
‫دولــة مــن دول العــامل الثالــث»(‪.)1‬‬
‫إن صنــدوق النقــد الــدويل الــذي أسِّــس مــن قِبــل الــدول القويــة هلــدف دويل مجاعــي‬
‫وهــو ضمــان اســتقرار نظــام النقــد الــدويل وتســهيل وتطويــر احلركــة التجاريــة‬
‫العامليــة‪ ،‬قــد ظــل القــرار بداخلــه خيضــع هليمنــة الــدول اخلمــس الكــرى (الواليــات‬
‫املتحــدة‪ ،‬أملانيــا‪ ،‬اليابــان‪ ،‬فرنســا‪ ،‬إجنلــرا) الــي تتح ّكــم يف آليــة صنــع القــرارات الــي‬
‫تعتمــد علــى نظــام احلصــص والتصويــت؛ ومــن ثـمّ فــإن هــذه الــدول املهيمنــة تشـ ِّكل‬
‫حمــور إدارة الصنــدوق‪ ،‬وهــو مــا يؤ ِّكــد طابعــه احلقيقــي منــذ نشــأته‪.‬‬
‫‪‬‬
‫(‪ )1‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37 :‬‬
‫‪90‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬البنك العاملي وآلية تشكيل العوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور البنك العاملي يف تشكيل احمليط االقتصادي للعوملة‬
‫ثانياً‪ :‬آثار تطبيق برامج البنك الدويل‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور البنك العاملي يف تشكيل احمليط االقتصادي للعوملة‬
‫البنــك العاملــي هــو ثانــي مؤسســة فــوق حكوميــة ذات اعتبــار كونــي بعــد صنــدوق‬
‫النقــد الــدويل؛ حيــث يقــوم مبنــح قــروض طويلــة األجــل أمههــا «قــروض التكييــف‬
‫اهليكلــي»؛ هبــدف دفــع تيــار العوملــة‪.‬‬
‫إن دور البنــك العاملــي يتكامــل مــع دور صنــدوق النقــد الــدويل الــذي حدّدتــه هلمــا‬
‫اتفاقيــات بريتــون وودوز ســنة ‪ ،1944‬والــي كلّفــت الصنــدوق بالســهر علــى ضمــان‬
‫قواعــد االســتقرار النقــدي الــدويل وتنميــة العالقــات النقديــة املتعــددة األطــراف‪،‬‬
‫وكلّفــت البنــك العاملــي بتقديــم العــون املــايل الضــروري لتمويــل التنميــة طويلــة األجل‪،‬‬
‫وازداد هــذا التكامــل مــع اســتفحال املشــكالت االقتصاديــة واالجتماعيــة يف البلــدان‬
‫الناميــة واضطــراب العالقــات النقديــة وتدهــور العالقــات التجاريــة واملاليــة بــن‬
‫خمتلــف الــدول؛ حبيــث كيّــف الصنــدوق والبنــك شــيئاً فشــيئاً سياســتهما وبراجمهمــا‬
‫إلعانــة الــدول الناميــة وســعيهما للقضــاء أو احلـدّ مــن إشــكالياهتا النقديــة واملاليــة‬
‫واهليكليــة؛ «حيــث يبــدو أنــه هنــاك تقســيم وظيفــي للعمــل بــن اهليئتــن؛ حيــث‬
‫يتكفــل الصنــدوق باجلانــب الظــريف للتســوية(‪[ )1‬تقليــص العجــز يف املوازنــة العامــة‪،‬‬
‫احلـدّ مــن اإلصــدار النقــدي‪ ،‬ختفيــض قيمــة العملــة]‪ ،‬بينمــا يتك ّفــل البنــك جبانبهــا‬
‫اهليكلــي [اســتبدال التخطيــط بالســوق‪ ،‬والقطــاع العــام بالقطــاع اخلــاص]؛ ويظهــر‬
‫ذلــك يف اقرتاهبمــا لواقــع الظواهــر االقتصاديــة واالجتماعيــة للبلــدان املتخلفــة ويف‬
‫(‪ )1‬يُطلق على برامج اإلصالح االقتصادي سياسة التكييف اهليكلي أو سياسة التسوية اهليكلية‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪91‬‬
‫اقرتاحاهتمــا الــي تُقـدَّم ســواء عــر سياســات التســوية اهليكليــة أو قــروض التســوية‬
‫اهليكليــة»(‪.)1‬‬
‫وت ّتضــح لنــا الرؤيــة أكثــر إذا علمنــا أن العضوية يف البنك العاملي مشــروطة بالعضوية‬
‫يف صنــدوق النقــد الــدويل‪ ،‬كذلــك ومــن خــال األدبيــات االقتصاديــة الــي مــا إن‬
‫تكتــب عــن الصنــدوق إال وتتبعــه بالبنــك فهمــا مؤسســتان تــوأم لنظــام بريتــون وودز‪.‬‬
‫إن البنــك العاملــي هــو أقــوى وكاالت التنميــة والتمويــل الدوليــة؛ حيــث يســتخدم‬
‫أموالــه ألغــراض ش ـ ّتى أمههــا‪ :‬متويــل مشــروعات البنيــة األساســية وتشــجيع رأس‬
‫املــال الــدويل اخلــاص‪ ،‬وتســريع وتــرة اخلوصصــة‪:‬‬
‫‪1.1‬قــروض البنــك لتمويــل املشــروعات‪ :‬يشــرط البنــك عنــد منحــه لقروضــه مجلــة‬
‫مــن اإلجــراءات‪ ،‬تتكــون مــن ســت مراحــل يســميها البنــك «بــدورة املشــروع» وهــي كمــا‬
‫يلي (‪:)2‬‬
‫ ‪-‬التحديد‪ :‬التعريف باملشاريع املزمع متويلها وتكون طبقاً ملعايري البنك؛‬
‫ ‪-‬اإلعــداد‪ :‬حتضــر املشــروع ودراســته التقنيــة واالقتصاديــة واملاليــة وإعــداده‬
‫لإلجنــاز مــن قِبــل البلــد املقــرض؛‬
‫ ‪-‬التقريــر‪ :‬يقــوم ّ‬
‫موظفــو البنــك باســتعراض شــامل ومنتظــم جلميــع جوانــب‬
‫املشــروع يف تقريــر هــو أســاس املفاوضــات؛‬
‫ ‪-‬املفاوضــات‪ :‬وهــي مناقشــة بــن البنــك والبلــد املقــرض حــول التدابــر الالزمــة‬
‫لنجــاح املشــروع وتدويــن هــذه االتفاقــات؛‬
‫ ‪-‬التنفيــذ واإلشــراف‪ :‬املقــرض هــو املســؤول عــن تنفيــذ املشــروع والبنــك هــو‬
‫املســؤول عــن اإلشــراف علــى التنفيــذ؛‬
‫ ‪-‬التقييم‪ :‬وهي آخر مرحلة تعقب آخر دفعة من أموال البنك للمشروع‪.‬‬
‫مــن خــال هــذه الــدورة؛ يتبيّــن لنــا أن البنــك العاملــي حياكــي الصنــدوق مــن حيــث‬
‫ّ‬
‫اإلشــراف واملراقبــة ببعــث ّ‬
‫لالطــاع علــى تنفيــذ شــروط القــرض مــن‬
‫موظفيــه‬
‫(‪ )1‬أمحــد شــفري‪« ،‬سياســيات التســوية اهليكليــة»‪ ،‬جملــة العمــل والتنميــة‪ ،‬املعهــد العربــي للثقافــة العماليــة وحبــوث العمــل‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬ع ‪،9‬‬
‫د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.38 :‬‬
‫(‪ )2‬شرييل بييار وعرض إيناس حسين‪« ،‬البنك الدويل‪ ،‬دراسة نقدية»‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬ع ‪( ،452‬جويلية ‪ ،)1996‬ص‪.196 :‬‬
‫‪92‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املشــروعات املموَّلــة‪.‬‬
‫‪2.2‬تشــجيع تغلغــل الشــركات متعــددة اجلنســيات‪ :‬كمــا أن البنــك العاملــي يسـ ِّ‬
‫ـخر‬
‫قوتــه املاليــة لتشــجيع رأس املــال اخلــاص الــدويل وذلــك بشــتى الطــرق منهــا‪« :‬العمــل‬
‫كوســيط لتد ُّفق األموال إىل اخلارج‪ ،‬وتقديم مســاعدات مباشــرة إىل شــركات معيّنة‬
‫متعــددة اجلنســيات‪ ،‬والضغــط مــن أجــل زيــادة اإلعفــاءات الضريبيــة لالســتثمارات‬
‫األجنبيــة‪ ،‬ورفــض إقــراض احلكومــات الــي تؤمِّــم املمتلــكات األجنبيــة‪ ،‬ومعارضــة‬
‫إقــرار ح ـدّ أدنــى لألجــور أو ممارســة النشــاط النقابــي أو حتســن حصــة العمــال‬
‫يف الدخــل القومــي‪ ،‬واإلصــرار علــى أن يتــم الشــراء مــن خــال العطــاءات الدوليــة‬
‫املفتوحــة الــي تكــون عــادة لصــاحل كــرى الشــركات املتعــددة اجلنســية‪ ،‬ومعارضــة‬
‫احلمايــة الــي تُمنــح للمشــروعات الوطنيــة»(‪.)1‬‬
‫ي ّتضــح لنــا أن البنــك العاملــي يقــف إىل جانــب الشــركات املتعــددة اجلنســية‪ ،‬ليــس‬
‫وحدهــا فقــط؛ بــل يكمِّــل عمــل مؤسســات التمويــل الدوليــة األخــرى‪.‬‬
‫‪3.3‬جهــود البنــك يف تنميــة آليــات وأســاليب اخلصخصــة‪ :‬شــهدت الســنوات األخــرة‬
‫اندفاعــاً شــديداً حنــو تعظيــم الــدور الــذي ميكــن أن يلعبــه القطــاع اخلــاص يف‬
‫عمليــة التنميــة؛ وذلــك لفســح اجملــال أمــام عمليــة العوملــة‪ ،‬وللبنــك العاملــي دور يف‬
‫عمليــة حـثّ الــدول علــى تصفيــة القطــاع العــام كشــرط مــن شــروط تقديــم القــروض‬
‫واملســاعدات؛ حيــث تقــول «مــاري شــريل» وهــي واحــدة مــن خــراء البنــك العاملــي‬
‫يف هــذا الصــدد‪« :‬إن تصفيــة املشــروعات العامــة غــر القــادرة علــى االســتمرار وقــد‬
‫أصبــح شــرطاً مــن شــروط االقــراض ألغــراض التكييــف اهليكلــي»(‪.)2‬‬
‫كمــا مت ِّثــل «املؤسســة املاليــة الدوليــة» (‪ )SFI‬جنــاح جمموعــة البنــك العاملــي املعــي‬
‫بالقطــاع اخلــاص؛ حيــث يقــول «يانيــك ليندبيــك» رئيــس هــذه املؤسســة‪« :‬ليســت‬
‫اخلصخصــة غايــة يف حــدّ ذاهتــا؛ ولكنهــا وســيلة لتحقيــق هــدف‪ ،‬واهلــدف هــو‬
‫التحـوُّل مــن االقتصــادات املوجَّهــة إىل االقتصــادات القائمــة علــى آليــات الســوق»(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬املرجع سابق‪ ،‬ص‪.195 :‬‬
‫(‪ )2‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪29 :‬‬
‫(‪« )3‬الرئيس اجلديد للمؤسسة املالية الدولية يتحدّث عن حتديات املستقبل»‪ ،‬جملة التمويل والتنمية‪ ،‬سبتمرب ‪ ،1994‬ص‪27 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪93‬‬
‫ثانياً‪ :‬آثار تطبيق برامج البنك الدويل‬
‫تعتمــد برامــج البنــك الــدويل علــى إســراتيجية اخلوصصــة لتحويــل االقتصــادات‬
‫الناميــة حنــو مزيــد مــن االنفتــاح واالندمــاج يف االقتصــاد الــدويل املعــومل؛ ولذلــك‬
‫ســنر ِّكز علــى مناقشــة برامــج اخلوصصــة وآثارهــا‪:‬‬
‫‪1.1‬مربرات معارضي اخلوصصة‪:‬‬
‫جيــري تربيــر القطــاع العــام علــى أســاس أنــه ضــروري للتنميــة‪ ،‬فــا ميكــن حتقيــق‬
‫أهــداف تنمويــة؛ دون أن تلعــب الدولــة دوراً كبــراً يف االقتصــاد عــر القطــاع العــام‬
‫وجتنُّــب اآلثــار الســلبية الــي ترت ّتــب علــى اخلوصصــة وأمههــا مــا يلــي(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬تراجــع األهــداف االجتماعيــة الــي كان يهتم هبا القطاع العام كتوفري اخلدمات‬
‫األساســية للمواطنــن حمــدودي الدخــل‪ ،‬وتوفــر فــرص عمــل والقضــاء علــى‬
‫األمية‪...‬؛‬
‫ ‪-‬يهــدف املشــروع اخلــاص إىل احلصــول على تكنولوجيا عاليــة حديثة؛ وبالتايل‬
‫أقــل عمالــة حيــث حترِّكه اعتبارات وضغــط التكاليف؛‬
‫ ‪-‬ال شــك يف أن التحــوُّل يف ملكيــة املشــروعات العامــة إىل القطــاع اخلــاص‬
‫ســي ّتجه يف بدايتــه إىل املشــروعات العامــة اجليّــدة اليت يرغــب القطاع اخلاص‬
‫يف مت ُّلكهــا‪ ،‬وهــذا مــا يعــي حتويــل هــذه املشــروعات وتــرك املشــروعات ذات‬
‫األعبــاء االقتصاديــة يف يــد الدولــة‪ ،‬وذلــك بالتأكيــد لــن يق ِّلــل مــن أعبائهــا على‬
‫موازنــة الدولــة‪ ،‬وحرمــان هــذه األخــرة مــن إيــرادات متو ّقعــة مــن املشــروعات‬
‫اجليــدة؛‬
‫ ‪-‬جيــب عــدم إغفــال اآلثــار السياســية احملتملــة نتيجــة حتويل بعض املشــروعات‬
‫احليويــة واملرافــق العامــة؛ األمــر الــذي ســيؤ ِّثر بالطبــع يف بعــض اعتبــارات‬
‫الســرية واألمــن القومــي‪.‬‬
‫‪2.2‬حجج مؤيِّدي اخلوصصة‪:‬‬
‫جيــري تربيــر القطــاع اخلــاص علــى أســاس قدرتــه علــى توفــر إدارة كفــؤة؛ ممــا‬
‫(‪ )1‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.74-72 :‬‬
‫‪94‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫خي ِّفــف مــن األعبــاء الــي تتحمّلهــا الدولــة مــن حيث متويل املشــاريع العامة اخلاســرة‬
‫واملفلســة‪ ،‬ونوجــز اآلثــار النامجــة عــن اخلوصصــة يف مســتويني‪:‬‬
‫(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬اآلثار على املستوى الكلي‬
‫• •اتســاع قاعــدة امللكيــة وانتعــاش ســوق رأس املــال‪ :‬حيــث إن امتــاك العمــال‬
‫واملواطنــن ألســهم حي ِّفزهــم لزيــادة إنتاجيتهــم؛ ومــن ث ـمّ يــؤدي بصــورة غــر‬
‫مباشــرة إىل زيــادة االهتمــام بــأداء االقتصــاد الوطــي‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى‬
‫فــإن ســوق رأس املــال (البورصــة) تســهِّل عمليــة جتميــع وتعبئــة املدخــرات‬
‫وتوجيههــا إىل اســتثمارات منتجــة؛‬
‫• •تدعيــم القــوى التنافســية يف اجملتمــع‪« :‬إن تنافــس املشــروعات الــي تنتــج‬
‫نفــس الســلع وتواجــه نفــس األســعار؛ ممــا حي ّتــم عليهــا العمــل علــى تطويــر‬
‫التكنولوجيــا املســتخدمة وإدخــال التحســينات الفنيــة واإلداريــة مــن أجــل‬
‫خفــض تكاليــف اإلنتــاج واألســعار أمــام املســتهلك‪ ...‬وهــو مــا يعــي اســتفادة‬
‫املســتهلك واملنتــج مع ـاً»(‪)2‬؛‬
‫• •زيــادة إجــراءات الدولــة‪ :‬تــؤدي اخلوصصــة إىل حصــول الدولــة علــى رؤوس‬
‫ِّ‬
‫ويوضح اجلدول‬
‫أمــوال نتيجــة حتـوُّل املشــروعات العامــة إىل القطــاع اخلــاص‪،‬‬
‫التــايل التدفقــات مــن برنامــج اخلوصصــة يف الــدول الناميــة‪:‬‬
‫جدول ‪ :3‬الزيادة يف نشاط التخصيصية‪:‬‬
‫املشروعات الكربى اليت مت بيعها يف الدول النامية وكانت ملكاً للدول‬
‫السنة‬
‫التدفقات‬
‫‪1989‬‬
‫‪7.634‬‬
‫‪1990‬‬
‫‪14.674‬‬
‫(الوحدة‪ :‬مليار دوالر)‬
‫‪1991‬‬
‫‪34.748‬‬
‫‪1992‬‬
‫‪45.772‬‬
‫املصدر‪ :‬هالة حلمي سعيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫(‪ )1‬هالــة حلمــي الســعيد‪« ،‬اآلثــار االقتصاديــة لربامــج التخصيصيــة يف الــدول الناميــة مــع التطبيــق علــى التجربــة املصريــة»‪ ،‬سلســلة رســائل‬
‫البنــك الصناعــي‪ ،‬ع‪ ،49‬جــوان ‪ ،1997‬ص‪.23-18 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪95‬‬
‫ ‪-‬اآلثار على املستوى اجلزئي(‪:)1‬‬
‫• •املســتهلك‪ :‬عنــد خوصصــة مشــروع يتع ـرّض للخســارة بســبب عــدم الكفــاءة‬
‫يتحـوّل العمــل يف بيئــة تنافســية‪ ،‬وهــذا يــؤدي إىل رفــع مســتوى وحتقيق رحبية‬
‫عاليــة دون احلاجــة إىل رفــع األســعار‪ ،‬وهــذا يكــون يف صــاحل املســتهلك؛‬
‫• •املســتثمر‪ :‬حت ِّفــز اخلوصصــة املســتثمر احمللــي علــى زيــادة إنتاجيتــه وحتقيــق‬
‫الكفــاءة االقتصاديــة؛ حيــث يهــدف إىل ختفيــض التكاليــف وزيــادة أرباحــه‬
‫لرفــع قيمــة أســهم مشــروعه يف البورصــة‪ ،‬ويف حالــة وجــود املســتثمر األجنــي‬
‫فإنــه يعمــل علــى إدخــال فنــون تكنولوجيــة حديثــة؛ ممــا يــؤدي إىل حتفيــز‬
‫املســتثمر احمللــي علــى حتســن أدائــه؛‬
‫• •العمالــة‪ :‬مــن أهــم املشــكالت الــي تواجــه الــدول الناميــة يف تطبيقهــا‬
‫للخوصصــة يف املــدى القصــر هــي أهنــا تــؤدي إىل تســريح جــزء مــن العمالــة؛‬
‫بســبب وجــود قــوى عاملــة زائــدة عــن حاجــة املشــروعات العامــة‪ ،‬أمــا يف املــدى‬
‫الطويــل فــإن ارتفــاع مســتوى الرحبيــة يــؤدي إىل توفــر فــرص عمــل بديلــة‪.‬‬
‫‪3.3‬مربرات أنصار االعتماد على القطاعني العام واخلاص‪:‬‬
‫يــكاد ي ّتفــق بعــض االقتصاديــن علــى أمهيــة احلاجــة إىل القطاعــن العــام واخلــاص‪،‬‬
‫واملناقشــة جيــب أن تــدور حــول حجــم هــذا الــدور‪ ،‬وحــول القطاعــات الــي جيــب أن‬
‫يوجــد فيهــا كل مــن القطاعــن مــن أجــل حتقيــق األهــداف الكليــة؛ ألن «معظــم دول‬
‫العــامل وخاصــة الــدول الناميــة الــي توسّــعت يف تطبيــق برامــج التحريــر والتدويــل‬
‫والعوملــة كانــت حمصّلتهــا مزيــداً مــن التفكيــك للبنيــة التكامليــة للقطاعــن العــام‬
‫واخلــاص»(‪.)2‬‬
‫واحلجــج الــي يســتند إليهــا دعــاة االعتمــاد علــى القطاعــن العــام واخلــاص نوردهــا‬
‫مــن خــال هــذه اآلراء الــي تتعلــق بالدولــة والتخطيــط والســوق‪:‬‬
‫يــرى «مهــدي احلافــظ»‪« :‬أن التجربــة تبيِّــن أن هنــاك أشــكاالً عديــدة القتصــاد‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.30-24 :‬‬
‫(‪ )2‬صاحلي صاحل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.26 :‬‬
‫‪96‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫الســوق؛ األمــر الــذي يســتدعي النظــر يف إمكانيــة اإلفــادة مــن عامــل الســوق كآليــة‬
‫جنبـاً إىل جنــب دور الدولــة؛ أي اســتحداث توليفــة أو مزاوجــة بــن دور الســوق ودور‬
‫الدولــة علــى حن ـ ٍو حي ِّقــق آليــة فعالــة وكفــؤة إلدارة االقتصــاد»(‪.)1‬‬
‫وحســب «عمــرو حمــي الديــن» فإنــه يــرى بضــرورة املــزج بــن التخطيــط وآلية الســوق‬
‫ويؤ ِّكــد قائـاً بــأن‪« :‬املــزج بينهمــا ضــروري‪ ،‬فــإذا كانــت املعلومــات ظاهــرة ومعروفــة‬
‫فــإن آليــة التخطيــط أكثــر كفــاءة يف التنســيق بــن هــذه املعلومــات‪ ،‬وإذا مل تكــن‬
‫هــذه املعلومــة ظاهــرة‪ ،‬وهــي يف حاجــة إىل عمليــة كشــف فــإن آليــة الســوق أكثــر‬
‫كفــاءة يف الكشــف عــن املعلومــة‪ ،‬وهكــذا ميكــن القــول أن آليــة الســوق هــي اآلليــة‬
‫الكــفء للكشــف عــن املعلومــة‪ ،‬وآليــة التخطيــط هــي اآلليــة الكــفء للتنســيق بــن‬
‫املعلومــات»(‪.)2‬‬
‫أمــا «إبراهيــم العيســوي» فــإن رأيــه بشــأن املزواجــة بــن القطاعــن فهــو كالتــايل‪« :‬إن‬
‫القــول باملــزج بــن دور الدولــة مــن خــال التخطيــط ودور الســوق أمــر جيــد (‪)...‬‬
‫وأنــا مــن الذيــن يذهبــون إىل أن للدولــة الــدور احلاســم يف بلــد يريــد التنميــة‪ ،‬كمــا‬
‫أن علــى مَــن يقولــون مبقولــة املــزج بــن الســوق ودور الدولــة مــن خــال التخطيــط أن‬
‫يدركــوا أن الســماح بــدور التخطيــط يعــي ضمنـاً عــدم قبــول بعــض جوانــب العوملــة‬
‫واحلاجــة إىل تقييدهــا أو تفاديهــا»(‪.)3‬‬
‫رغــم اآلثــار النامجــة عــن اخلوصصــة (الســيما يف جانبهــا االجتماعــي)؛ إال أن البنك‬
‫العاملــي حيــرص علــى حتســن حيــاة الفقــراء ومســتويات املعيشــة مــن خــال إعطائــه‬
‫أولويــة قصــوى ملوضوعــات مثــل‪ :‬تعزيــز النمــو االقتصــادي‪ ،‬وتنميــة املــوارد البشــرية‪،‬‬
‫واحلفــاظ علــى البيئــة‪ ،‬وتنميــة القطــاع اخلــاص! فدعوتــه للخوصصــة ليســت نابعــة‬
‫مــن رغبتــه يف حتقيــق تنميــة ســليمة يف الــدول الناميــة وإمنــا مــن مصلحتــه يف زيــادة‬
‫اندمــاج اقتصاداهتــا يف الســوق املعوملــة‪ ...‬وتنكشــف احلقيقــة حــول فلســفة البنــك‬
‫عندمــا يكــون هنــاك تضــارب صريــح بــن أهدافــه وجــدول أعمالــه احلقيقــي‪.‬‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.471 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.190 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.208 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪97‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املنظمة العاملية للتجارة وآلية تشكيل العوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور املنظمة العاملية للتجارة يف هتيئة التحوالت التجارية لتشكيل العوملة‬
‫ثانياً‪ :‬آثار تطبيق االتفاقات اخلاصة باملنظمة العاملية للتجارة‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور املنظمة العاملية للتجارة يف هتيئة التحوالت التجارية لتشكيل العوملة‬
‫مت ِّثــل منظمــة التجــارة العامليــة أحــد الركائــز األساســية للثالــوث املؤسســاتي‪ِّ ،‬‬
‫املؤطــر‬
‫لالقتصــاد العاملــي؛ حيــث يُعتــر مبــدأ «حريــة التجــارة» هــدف املنظمــة‪ ،‬فهــي تقــود‬
‫حركــة حتريــر التجــارة العامليــة هبــدف تســريع عمليــة العوملــة‪.‬‬
‫لقــد حلّــت منظمــة التجــارة العامليــة حمـ ّل اتفاقيــة «الغــات» كمراقــب مؤقــت للتجــارة‬
‫العامليــة‪ ،‬وباشــرت مفاوضــات شــا ّقة ومع ّقــدة آخرهــا اســتمرت ‪ 7‬ســنوات (‪-1986‬‬
‫‪ )1993‬اشــتهرت باســم «جولــة األورغــواي» نتيجــة ظروف دولية متغيِّــرة كزيادة حدّة‬
‫الصــراع بــن الــدول الصناعيــة حــول األســواق اخلارجيــة‪ ،‬وظهــور قــوى اقتصاديــة‬
‫جديــدة آســيوية أدّت إىل تدهــور النفــوذ األمريكــي‪.‬‬
‫فكانــت نقطــة حتــوّل مهمــة يف نظــام التجــارة العامليــة‪ ،‬وهــو حتــوّل أضفــى علــى‬
‫االقتصــاد العاملــي بعــداً جديــداً؛ إذ كان يف اتفاقيــة «الغــات» االلتــزام الطوعــي‬
‫واملتبــادل بــن أعضائهــا دون وجــود جهــة مك َّلفــة بتطبيــق ومراقبــة السياســات‬
‫التجاريــة‪ ،‬أمــا يف املنظمــة العامليــة للتجــارة فقــد ّ‬
‫مت إجيــاد هيئــة لتســوية النزاعــات‬
‫وجهــاز ملراقبــة ومتابعــة السياســات التجاريــة‪« ،‬كمــا أن املنظمــة العامليــة للتجــارة‬
‫قــد أرغمــت مــن اآلن فصاعــداً‪ ،‬بلــدان اجلنــوب علــى قبــول أيّ اســتثمار أجنــي وأن‬
‫تُعامــل كل شــركة أجنبيــة تعمــل علــى أراضيهــا‪ ،‬كأيّ شــركة وطنيــة‪ ،‬ســواء كان ذلــك‬
‫يف الزراعــة واملناجــم‪ ،‬أم يف الصناعــة واخلدمــات‪ ،‬وأن تلغــي حقوقهــا اجلمركيــة‬
‫‪98‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ونظــام حصــص االســترياد علــى كل البضائــع‪ ،‬مبــا يف ذلــك املنتجــات الزراعيــة‪ ،‬كمــا‬
‫أجربهتــا علــى إزالــة كل العراقيــل غــر اجلمركيــة يف وجــه التجــارة»(‪ ،)1‬وممــا ال شــك‬
‫فيــه أن حتريــر التجــار العامليــة‪ ،‬يرتتــب عليــه أن تعمــل أســواق الــدول األعضــاء يف‬
‫املنظمــة وفق ـاً لنظــام موحَّــد جتــاه باقــي دول العــامل‪.‬‬
‫إن منظمــة التجــارة العامليــة وضعــت قواعــد تغطــي جتــارة الســلع باإلضافــة إىل‬
‫جمــاالت جديــدة (مل تشــملها الغــات) مت ّثلــت يف االجتــار يف اخلدمــات‪ ،‬وحقــوق‬
‫امللكيــة الفكريــة املتصلــة بالتجــارة‪ ،‬ومعايــر االســتثمار املتصلــة بالتجــارة‪.‬‬
‫‪1.1‬حترير التجارة يف السلع‪:‬‬
‫ ‪-‬الســلع الزراعيــة‪ :‬حيــث يتــم حتريــر التجــارة الدوليــة يف احملاصيــل واملنتجــات‬
‫الزراعيــة‪ ،‬علــى أن يكــون هــذا التحريــر يف قطــاع الزراعــة تدرجييـاً خالل فرتة‬
‫‪ 6‬ســنوات بالنســبة للــدول املتقدمــة و‪ 10‬ســنوات بالنســبة للــدول الناميــة(‪،)2‬‬
‫وحتويــل القيــود غــر اجلمركيــة إىل رســوم مجركيــة؛‬
‫ ‪-‬الســلع الصناعيــة‪ :‬حيــث مت ختفيــض التعريفــات اجلمركيــة بنســبة ‪ %33‬علــى‬
‫أن يتــم اخلفــض خــال ‪ 5‬ســنوات؛‬
‫ ‪-‬املنســوجات املتعــددة األليــاف‪ :‬مت إلغــاء هــذا االتفــاق تدرجييـاً علــى مــدى ‪10‬‬
‫سنوات‪.‬‬
‫‪2.2‬التجارة يف اخلدمات‪:‬‬
‫كان إدراج التجــارة يف اخلدمــات انعكاسـاً ألمهيتهــا املتزايــدة يف االقتصــاد العاملــي‪،‬‬
‫«ففــي الفــرة (‪ )1992-1982‬زادت الصــادرات العامليــة مــن اخلدمــات مبعــدل‬
‫‪ %9.5‬باملتوســط؛ يف حــن بلــغ معــدل الزيــادة يف صــادرات الســلع ‪ ،)3(»%7.1‬كمــا‬
‫تبلــغ نســبتها يف التجــارة العامليــة حــوايل ‪ ،)4(%20‬مثــل‪ :‬اخلدمــات املاليــة‪ ،‬خدمــات‬
‫االتصــاالت‪ ،‬خدمــات الســياحة والســفر والنقــل‪...‬‬
‫(‪ )1‬ادوارد غولد مسيث‪« ،‬انتعاش الشركات الكولونيالية»‪ ،‬جملة معامل االقتصاد والتجارة والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.140 :‬‬
‫(‪ )2‬نبيل حشاد‪« ،‬الغات وانعكاساهتا على اقتصاديات الدول العربية»‪ ،‬سلسلة رسائل البنك الصناعي‪ ،‬ع‪ ،42‬سبتمرب ‪ ،1994‬ص‪.32 :‬‬
‫(‪ )3‬ريتشارد هارمسن‪« ،‬جولة أوروغواي‪ :‬نعمة لالقتصاد العاملي»‪ ،‬جملة التمويل والتنمية‪ ،‬مارس ‪ ،1995‬ص‪.23 :‬‬
‫(‪ )4‬نبيل حشاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪99‬‬
‫‪3.3‬حقوق امللكية الفكرية املتعلقة بالتجارة‪:‬‬
‫توجــد عالقــة وثيقــة بــن حقــوق امللكيــة الفكريــة والتجــارة؛ وذلــك ألن الســلع‬
‫واخلدمــات هــي نتــاج فكــري أُنفــق عليــه الكثــر مــن خــال األحبــاث والدراســات؛‬
‫حيــث تزايــدت أمهيتهــا يف التجــارة الدوليــة‪« .‬فبالنســبة جملموعــة الســبع الكبــار‪،‬‬
‫ارتفــع إمجــايل دخــل امللكيــة الفكريــة مــن ‪ %7.1‬مليــار دوالر يف عــام ‪ 1980‬إىل‬
‫‪ 30‬مليــار دوالر يف عــام ‪)1(»1991‬؛ حيــث مت الرتكيــز علــى محايــة هــذه احلقــوق‬
‫نتيجــة تضـرُّر بعــض الــدول املتقدمــة منهــا بســبب تزايــد الغــش والتزويــر والتقليــد‬
‫يف العالقــات التجاريــة وبــراءات االخــراع والتصميمــات الصناعيــة وحقــوق النشــر‬
‫والتأليــف‪.‬‬
‫‪4.4‬التدابري االستثمارية املتعلقة بالتجارة‪:‬‬
‫لعــب االســتثمار األجنــي دوراً كبــراً يف االقتصــاد العاملــي؛ خصوص ـاً يف العقديــن‬
‫األخرييــن؛ حيــث أعطــت الــدول حوافــز لتشــجيع االســتثمارات هبــا‪ ،‬لكــن منظمــة‬
‫التجــارة العامليــة وضعــت قيــوداً هلــذه املزايــا اليت تقـدَّم لالســتثمارات األجنبية‪ ،‬فعلى‬
‫ســبيل املثــال «أن الدولــة املســتضيفة لالســتثمار األجنــي تشــرط علــى املســتثمر‬
‫األجنــي أن يســتورد املــواد الــي حيتاجهــا ألغــراض عملياتــه اإلنتاجيــة بنســبة معيّنــة‬
‫مــن قيمــة صادراتــه‪ ،‬وأحيانـاً تشــرط بعــض الــدول أن ال يســتورد املســتثمر األجنــي‬
‫أكثــر ممّــا يصـدِّر»(‪ ،)2‬وهــذا مــا يُطلــق عليــه شــرط التــوازن التجــاري‪ ،‬باإلضافــة إىل‬
‫شــرط احملتــوى احمللــي وحــدود التصديــر وتــوازن العمــات األجنبيــة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬آثار تطبيق االتفاقات اخلاصة باملنظمة العاملية للتجارة‬
‫بالرغــم مــن أن الوقــت مــازال مب ِّكــراً لتحديــد آثــار تطبيــق االتفاقــات اخلاصــة‬
‫مبنظمــة التجــارة العامليــة؛ إال أن بعــض الدراســات حاولــت تقديــر املكاســب الــي‬
‫ســوف تعــود علــى العــامل‪ ،‬مــن بينهــا الدراســة الــي قــام هبــا «غولديــن وكودســن‬
‫(‪ )1‬ريتشارد هارمسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23 :‬‬
‫(‪ )2‬نبيل حشاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.45 :‬‬
‫‪100‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ومنزبــروغ» ســنة ‪ 1993‬لتقديــر مكاســب الدخــل الــي ســوف تعــود علــى الــدول‬
‫املختلفــة‪ ،‬وقــد كانــت نتيجــة الدراســة أن الدخــل ســوف يزيــد مبقــدار ‪ 231‬دوالر يف‬
‫عــام ‪ ،2002‬وهــو مــا يعــادل تقريبـاً ‪ %1‬مــن الدخــل العاملــي يف عــام ‪ ،)1(1992‬وســوف‬
‫يكــون توزيــع هــذا الدخــل كمــا يلــي‪:‬‬
‫جدول ‪ :4‬توزيع الدخل العاملي على الدول املختلفة‬
‫مكاسب جولة أورغواي‬
‫دول اجملموعة األوربية‬
‫الواليات املتحدة األمريكية‬
‫اليابان‬
‫كندا‬
‫أسرتاليا ونيوزيلندا‬
‫دول أوربا الغربية وغري األعضاء يف دول اجملموعة األوربية‬
‫الدول يف مرحلة التحول االقتصادي (تشمل دول االحتاد السوفياتي‬
‫ســابقاً ودول أوربا الشرقية)‬
‫الدول النامية‬
‫مصدِّرون زراعيون باستثناء املشار إليه سابقاً‬
‫مستوردون زراعيون باستثناء املشار إليه سابقاً‬
‫اجملموع‬
‫(الوحدة‪ :‬مليار دوالر)‬
‫الدخل املقدّر‬
‫‪61‬‬
‫‪36‬‬
‫‪27‬‬
‫‪4‬‬
‫‪2‬‬
‫‪8‬‬
‫‪37‬‬
‫‪16‬‬
‫‪12‬‬
‫‪7‬‬
‫‪213‬‬
‫املصدر‪ :‬نبيل حشاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77 :‬‬
‫واجلديــر بالذكــر أن الدراســة الســابقة أشــارت إىل أن هنــاك بعــض الــدول الناميــة‬
‫ســوف ختســر أثنــاء تطبيــق االتفاقيــة؛ حيــث ستخســر دول إفريقيا جنــوب الصحراء‬
‫«حــوايل ‪ 2.6‬مليــار دوالر وكذلــك أندونيســيا مبقــدار ‪ 1.9‬مليــار دوالر‪ ،‬باإلضافــة‬
‫إىل بعــض جــزر الكاريــي»(‪.)2‬‬
‫كمــا يُالحَــظ مــن نتائــج الدراســة أن معظــم الفوائــد ســوف تعــود على الــدول املتقدمة‬
‫بينمــا أقلّهــا ســوف يعــود على الــدول النامية‪.‬‬
‫وتوصلــت دراســة أخــرى قامــت هبــا «أمانــة الغــات» إىل نتيجــة مفادهــا «أن مجيــع‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.77 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.78 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪101‬‬
‫الــدول املشــاركة يف االتفاقيــة ستســتفيد اســتفادة مباشــرة واســتفادة غــر مباشــرة‪،‬‬
‫وجيــب أن يُؤخــذ يف احلســبان اآلثــار أو االســتفادة غــر املباشــرة الــي ســوف تكســبها‬
‫الــدول الناميــة مــن حتريــر جتارهتــا‪ ،‬وتتمثــل يف زيــادة درجــة املنافســة يف التجــارة‬
‫العامليــة؛ ومــن ث ـمّ فــإن الــدول الناميــة ســوف تعمــل علــى حتســن مســتوى إنتاجهــا‬
‫واســتغالل املــوارد املتاحــة لديهــا أفضــل اســتغالل ممكــن؛ وبالتايل ســوف يــؤدي ذلك‬
‫إىل رفــع الكفــاءة اإلنتاجيــة وينعكــس ذلــك إجياب ـاً علــى الناتــج القومــي اإلمجــايل؛‬
‫ومــن ثـمّ مســتوى معيشــة األفــراد»(‪.)1‬‬
‫وجتــدر اإلشــارة إىل أن معظــم الدراســات الــي أُجريــت حــول تأثــرات «حتريــر‬
‫التجــارة» يف اقتصــادات الــدول الناميــة ّ‬
‫متــت حتــت غطــاء املنظمــات الدوليــة أو‬
‫بتمويــل منهــا‪ ،‬وهــي مســألة حتتــاج إىل تأكيــد يف عــامل احلقيقــة‪.‬‬
‫وتشــر جملــة التمويــل والتنميــة إىل أن «ازديــاد اندمــاج البلــدان الناميــة يف االقتصــاد‬
‫العاملــي مي ِّثــل فرصــة كــرى قــد تكــون أهــم الفــرص للنهــوض برفاهية البلــدان النامية‬
‫والبلــدان الصناعيــة علــى الســواء علــى املــدى الطويــل؛ حيــث إن للعوملــة آثــاراً عميقــة‬
‫علــى البلــدان الناميــة‪ ،‬فهــي ختلــق فرص ـاً جديــدة هامــة‪ :‬إقامــة أســواق للتجــارة‪،‬‬
‫إجيــاد جمموعــة كبــرة مــن الســلع وتدفقــات أكــر مــن رؤوس األمــوال اخلاصــة‬
‫للداخــل‪ ،‬وحتســن إمكانيــة احلصــول علــى التكنولوجيــا»(‪.)2‬‬
‫إال أن «يوســف صايــغ» يــرى أنــه «يف إطــار منظــور العوملــة لتحريــر التجــارة اخلارجيــة‬
‫فالبلــدان الصناعيــة املتقدمــة يالئمهــا كل املالءمــة التشــديد علــى أولويــة حتريــر‬
‫التجــارة؛ فهــي تُنتــج الكثــر مــن الســلع واخلدمــات القــادرة علــى املنافســة يف التجــارة‬
‫العامليــة‪ ،‬ثــم إن قدراهتــا اإلنتاجيــة املتفوقــة ذات ســعة أكــر بكثــر مــن قــدرة أســواقها‬
‫الداخليــة علــى االســتيعاب؛ ولذلــك فــإن انفتــاح األســواق األخــرى أمامهــا ســيكون‬
‫يف مصلحتهــا»(‪ ،)3‬كمــا أن االعتمــاد املتبــادل ال يعــدو يف حــاالت كثــرة أن يشـ ِّكل يف‬
‫الواقــع تبعيــة الضعيــف واملتخ ِّلــف للقــويّ واملتقـدِّم‪.‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.81-80 :‬‬
‫(‪ )2‬ضيا قريشي‪« ،‬العوملة‪ :‬فرص جديدة وحتديات صعبة»‪ ،‬جملة التمويل والتنمية‪ ،‬مارس ‪ ،1996‬ص‪.31 :‬‬
‫(‪ )3‬يوسف صايغ‪« ،‬االقتصاد العربي على عتبة القرن الواحد والعشرين»‪ ،‬جملة حبوث اقتصادية عربية‪ ،)1996/6( ،‬ص‪27 :‬؛ ‪.32‬‬
‫‪102‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ال شــك أن التكتــات االقتصاديــة اإلقليميــة هلــا أمهيتهــا يف املفاوضــات الدوليــة‬
‫داخــل منظمــة التجــارة العامليــة‪ ،‬مبــا يؤمِّــن للتك ُّتل حتقيق مصلحــة أعضائه يف جمال‬
‫التجــارة العامليــة؛ حيــث مت ّكنــت هــذه التكتــات االقتصاديــة مــن تعزيــز مواقفهــا‬
‫يف املناقشــات واملباحثــات‪ ،‬بعــد أن توصّلــت واتفقــت فيمــا بينهــا (أي بــن الــدول‬
‫األعضــاء) علــى حتديــد سياســات عامــة ملنطقتهــم ودعــم هــذه السياســات بالقــوة‬
‫االقتصاديــة للمنطقــة؛ أي أن «القــوة االقتصاديــة ووحــدة اهلــدف» هــو شــعار النجــاح‬
‫يف مفاوضــات املنظمــة العامليــة للتجــارة‪ ،‬فقــد «جنحــت الواليــات املتحــدة يف فــرض‬
‫حتريــر قطاعــات رئيســية مــن اإلنتــاج علــى الــدول الصناعيــة األخــرى‪ ،‬وبشــكل‬
‫خــاص املواصــات واملعلوماتيــة‪ ،‬الــي حتظــى فيــه بالتفــوق النســي‪ ،‬يف حــن جنحــت‬
‫أوربــا لضمــان مصاحلهــا يف العديــد مــن القطاعــات اإلنتاجيــة وخاصــة الزراعيــة‪،‬‬
‫وفرضــت أيضـاً قاعــدة «اســتثناء الثقافــة» مــن تطبيــق قاعــدة حريــة التجــارة (‪)...‬‬
‫وكان اهلــدف هــو‪ :‬محايــة اإلنتــاج الســينمائي األوربــي‪ ،‬وضمــان احلضــور الثقــايف‬
‫واهلويــة الثقافيــة األوربيــة‪ ،‬يف مواجهــة الزحــف الكاســح للغة والثقافــة األمريكية»(‪.)1‬‬
‫ويُالحَــظ أن اخلطــاب الداعــي إىل االحتمــاء مــن الغــزو الثقــايف ليــس مقتصــراً‬
‫علــى الــدول الناميــة فقــط؛ ولكــن املخــاوف مــن شــبح العوملــة امتـدّ أيضـاً إىل الــدول‬
‫املتقدمــة وإال كيــف نفسِّــر طلــب إدراج بنــد «اســتثناء الثقافــة» يف منظمــة التجــارة‬
‫العامليــة‪.‬‬
‫إن اآلثــار االقتصاديــة واالجتماعيــة الســلبية حلريــة التجــارة هــو القضــاء علــى الكثري‬
‫مــن الصناعــات الناشــئة للــدول الناميــة والــي ال تقــوى علــى مواجهــة املنافســة‬
‫القويــة وغــر املتكافئــة يف األســواق املعوملــة؛ مــن جانــب املنتجــات اليابانيــة والغربيــة‪،‬‬
‫والعواقــب االجتماعيــة لذلــك معروفــة ومــن بينهــا االســتغناء عــن العمالــة الــي تعمــل‬
‫يف هــذه الفــروع‪.‬‬
‫إن محايــة حقــوق امللكيــة الفكريــة املتعلقــة بالتجــارة‪ ،‬هلــا أثــر ســليب علــى اقتصــادات‬
‫الــدول الناميــة بالنســبة لتحويــل التكنولوجيــا إليهــا‪ ،‬واالســتفادة يف هــذا اجملــال‬
‫(‪ )1‬برهان غليون‪« ،‬الوطن العربي أمام حتديات القرن الواحد والعشرين»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع‪ ،)1998/6( ،232‬ص‪.17 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪103‬‬
‫ســوف تكــون للــدول املتقدمــة فقــط‪.‬‬
‫لقــد كرّســت منظمــة التجــارة العامليــة احلريــة املطلقــة للتجــارة يف الســلع واخلدمــات‬
‫ورؤوس األمــوال دون متييــز باســتثناء تن ُّقــل األشــخاص؛ بســبب كــون اهلجــرة علــى‬
‫عكــس اجتــاه البضائــع والســلع؛ أي أهنــا مــن الــدول الناميــة حنــو الــدول املتقدمــة‬
‫وليــس العكــس‪ ،‬وهــذا مظهــر مــن مظاهــر االنتقائيــة الــي متيِّــز العوملــة‪.‬‬
‫وكان مــن املفــروض أن حتــرم الــدول الصناعيــة املتقدمــة أهــداف منظمــة التجــارة‬
‫العامليــة وقواعدهــا ومبادئهــا مــن أجــل تقـدُّم ملمــوس وعدالــة حقيقيــة يف املبــادالت‬
‫التجاريــة العامليــة‪ ،‬والعمــل علــى احلــدّ مــن النتائــج الســلبية الــي انعكســت علــى‬
‫معظــم الــدول الناميــة‪ ،‬غــر أنــه لوحــظ تناقــض صــارخ بــن تلــك املبــادئ واألهــداف‬
‫الــي أُنشــئت مــن أجــل حتقيقهــا علــى أرض الواقــع‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪104‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫دور شبكات العوملة ومظاهر اهليمنة‬
‫سنتناول هذا املبحث بالدراسة من خالل احملاور التالية‪:‬‬
‫‬
‫‪-‬الشركات املتعدِّدة اجلنسيات والعوملة‬
‫‬
‫‪-‬منظمة التعاون والتنمية االقتصادية والعوملة‬
‫‬
‫‪-‬جمموعة السبع الكبار والعوملة‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪105‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الشركات متعددة اجلنسيات والعوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور الشركات املتعددة اجلنسيات‬
‫ثانياً‪ :‬معامل اهليمنة وخماطرها‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور الشركات املتعددة اجلنسيات‬
‫تشــ ِّكل الشــركات املتعــددة اجلنســيات حمــوراً رئيســاً يف العوملــة؛ حبيــث ختتلــف‬
‫خصائصهــا عــن الشــركات االحتكاريــة الــي ميّــزت بدايــة القــرن ‪ ،20‬فهــذا التحـوُّل‬
‫جيسِّــد لنــا مــدى إســهام (ش م ج)(‪ )1‬يف تســريع وتــرة العوملــة‪ ،‬ويتجلّــى دورهــا مــن‬
‫خــال اآلليــات التاليــة‪:‬‬
‫‪1 .1‬االنتشــار اجلغــرايف‪ :‬حيــث كانــت االحتــكارات الســابقة تر ِّكــز معظــم نشــاطها‬
‫داخــل دول حمــدودة‪ ،‬وحتــاول محايــة الســوق الوطنيــة مــن املنافســة اخلارجيــة‪،‬‬
‫وكان لبعضهــا فــروع يف جمــال التعديــن وبعــض النشــاط املــايل أو التجــاري داخــل‬
‫هــذه الــدول أو خارجهــا ولكــن يف أضيــق احلــدود‪ ،‬أمــا نشــاط (ش م ج) فهــو‬
‫ينتشــر يف العــامل بأســره؛ فقــد تطــورت بشــكل مذهــل خــال العقديــن األخرييــن؛‬
‫حيــث انتقــل عددهــا مــن ‪ 11‬ألــف شــركة تتحكــم بـــ ‪ 82.000‬فــرع عــام ‪ 1975‬إىل‬
‫‪ 37.500‬شــركة تتحكــم بـــ ‪ 207.000‬فــرع عــام ‪ ،)2(1995‬وهــذا يبيِّــن لنــا مــدى‬
‫اخــراق هــذه الشــركات حلــدود دول العــامل‪.‬‬
‫‪2 .2‬حركــة الســلع واخلدمــات‪ :‬كانــت الشــركات االحتكاريــة الســابقة مرتبطــة‬
‫ببضاعــة حمــدّدة تشــ ِّكل نشــاطها األساســي‪ ،‬وحتمــل اســم شــخص أو عائلــة‬
‫(فــورد‪ ،‬فرانكلــن‪ ،‬كارنيجــي‪ ،)...‬بينمــا (ش م ج) تنوّعــت نشــاطاهتا ومنتجاهتــا‬
‫(‪)1‬نظــراً لتكــرار هــذا املصطلــح يف عــدة مواضــع؛ ســنوجزه بالرمــز (ش م ج)‪ ،‬كمــا تُعــرف بعبــارات شــتى مــن بينهــا‪ :‬عــرات القوميــات‪،‬‬
‫الشــركات عابــرة القوميــة‪ ،‬شــركة متعديــة اجلنســية‪ ،‬مشــروعات متخطيــة القوميــات‪ ،‬الشــركات االحتكاريــة دوليــة النشــاط‪...‬‬
‫(‪ )2‬نايف علي عبيد‪« ،‬العوملة‪ ..‬والعرب»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29 :‬‬
‫‪106‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫حاليــاً؛ وذلــك لعــدة اعتبــارات اقتصاديــة أمههــا‪ :‬تفــادي خماطــر تقلبــات‬
‫األســعار واألســواق والكســاد وأيض ـاً مواجهــة الصــراع التنافســي العاملــي‪ ،‬كمــا‬
‫أصبحــت حتمــل اســم الشــركة األم مضافـاً إليــه جمــال نشــاط خــاص؛ فالشــركة‬
‫«ميتسوبيشــي» تضــم ســبع شــركات هــي‪« :‬ميتسوبيشــي الســيارات‪ ،‬ميتسوبيشــي‬
‫الكهربــاء‪ ،‬بنــك ميتسوبيشــي‪ ،‬وميتسوبيشــي للصناعــات الثقيلــة‪ ،‬وميتسوبيشــي‬
‫للكيماويــات‪ ،‬وميتسوبيشــي املصرفيــة وميتسوبيشــي للمــواد»(‪)1‬؛ ممــا يــؤدي إىل‬
‫ســيطرهتا علــى كافــة النشــاطات االقتصاديــة‪ ،‬وكنتيجــة هلــذا التنــوع يف النشــاط‬
‫واإلنتــاج أدى ذلــك إىل كــر حجــم صادراهتــا؛ ومــن ثـمّ التحكــم يف حركــة التجــارة‬
‫العامليــة‪.‬‬
‫ففــي ســنة ‪ 1992‬وصلــت املبيعــات احمل ّققــة بالنســبة لـــ (ش م ج) خــارج بلدهــا األم‬
‫إىل ‪ 5.500‬مليــار دوالر؛ أي فاقــت قيمــة الصــادرات العامليــة للســلع واخلدمــات‬
‫(‪ 4.700‬مليــار دوالر)(‪.)2‬‬
‫‪3 .3‬حركــة رؤوس األمــوال‪ :‬تتجســد هــذه احلركــة مــن خــال االســتثمارات األجنبيــة‬
‫املباشــرة وغــر املباشــرة وانتقــال عوائدهــا الــي حت ِّققهــا مــن اخلــارج؛ حيــث تُعتــر‬
‫(ش م ج) األداة الــي تُعبِّــر عــن االســتثمار األجنــي املباشــر حبثــاً عــن فــرص‬
‫الربــح وهــذه األربــاح حت ـوَّل مــن الفــروع إىل الشــركة األم‪ ،‬فرصيــد اســتثماراهتا‬
‫بلــغ ‪ 2.700‬مليــار دوالر عــام ‪ ،1995‬مقابــل رصيــد اســتثمار قــدره ‪ 370‬مليــار‬
‫دوالر عــام ‪.)3(1978‬‬
‫وتدفــع ظــروف النمــو االقتصــادي البطــيء أو موجــات االنكمــاش مســؤويل هــذه‬
‫الشــركات إىل احلــذر مــن االســتثمار اإلنتاجــي‪ ،‬وتفضيــل اســتخدام فائــض الســيولة‬
‫لديهــا يف عمليــات املضاربــة يف أســواق الصــرف وأســواق األوراق املاليــة (اســتثمارات‬
‫غــر مباشــرة) عــن طريــق القطــاع املــايل (بنــوك‪ ،‬تأمــن‪ ،‬مؤسســات ادخــار‬
‫واســتثمار‪ )...‬ففــي عــام ‪ 1977‬بلــغ حجــم التعامــل اليومــي يف أســواق الصــرف ‪18‬‬
‫(‪ )1‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬الكوكبة‪ :‬الرأمسالية العاملية يف مرحلة ما بعد اإلمربيالية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫‪(2) Fereydon A. Khavand, Le Nouvel Ordre Commercial mondiale: du GATT à l’OMC, Nathan, 1995. P. 117.‬‬
‫(‪ )3‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.36 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪107‬‬
‫مليــون دوالر أمريكــي‪ ،‬يف حــن بلــغ عــام ‪ 1995‬هــذا احلجــم ‪ 1.300‬مليــار دوالر(‪.)1‬‬
‫‪4 .4‬حركــة املعلومــات‪ :‬لقــد أســهم التطــور التكنولوجــي يف آليــة عمــل (ش م ج)؛‬
‫حيــث بــرزت ظاهــرة جديــدة «العمــل عــن بعــد» باســتعمال «احلاســوب اإللكرتونــي‬
‫متعـدِّد اجلنســيات»(‪ ،)2‬مــن قِبــل هــذه الشــركات خاصــة يف العمليــات املصرفيــة‬
‫والنقديــة؛ ممّــا مســح هلــا بتوافــر املعلومــات والبيانــات االقتصاديــة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬معامل اهليمنة وخماطرها‬
‫تُعتــر (ش م ج) قــوة جتاريــة وتســويقية وإداريــة وتكنولوجيــة‪« ،‬فهــذه الشــركات‬
‫ضخمــة حبيــث إن قيمــة املبيعــات الســنوية إلحداهــا تتجــاوز الناتــج احمللــي اإلمجايل‬
‫لعــدد مــن الــدول املتوســطة احلجــم»(‪ ،)3‬وتتجلّــى مالمــح اهليمنــة وخماطرهــا فيمــا‬
‫يلــي‪:‬‬
‫‪1 .1‬احلــد مــن ســيادة الدولــة‪ :‬فنظــراً حلجــم اســتثمارات (ش م ج) املباشــرة وغــر‬
‫املباشــرة يف الكثــر مــن دول العــامل؛ فإهنــا قــادرة علــى االنتقــاص مــن ســيادة هــذه‬
‫الــدول‪ ،‬فــإذا رغبــت دول مــا يف إ ِّتبــاع سياســات معيّنــة تؤ ِّثــر ســلباً يف أربــاح أحــد‬
‫الفــروع؛ تقــوم الشــركة األم بإغــاق الفــرع‪ ،‬وتنقلــه إىل مــكان آخــر‪ ،‬فهــي متلــك‬
‫احلريــة الكاملــة يف التن ُّقــل عــر العــامل وهــذا يف حـدّ ذاتــه يشـ ِّكل رادعـاً للدولــة‬
‫املضيفــة‪.‬‬
‫كمــا تقــوم الشــركات املاليــة عابــرة القوميــات (كاملصــارف وشــركات التأمــن‪)...‬‬
‫والــي توجــد فيهــا اســتثمارات غــر مباشــرة أو توظيفــات يف العديــد مــن الــدول‪،‬‬
‫بإلــزام الــدول املضيفــة هلــذه االســتثمارات مبعايــر أداء معيّنــة‪ ،‬فــإذا مل تلتــزم الــدول‬
‫املضيفــة هبــذه املعايــر نزحــت االســتثمارات غــر املباشــرة؛ ممــا يــؤدي إىل اخنفــاض‬
‫أســعار عمــات وأســعار أســهم وســندات الدولــة املضيفــة واخنفــاض احتياطــات‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.481 :‬‬
‫(‪ )2‬مريونــوف‪ .‬أأ‪ ،‬األطروحــات اخلاصــة بتطــور الشــركات املتعــددة اجلنســيات‪ ،‬ترمجــة‪ :‬القزويــي‪ ،‬ديــوان املطبوعــات اجلامعيــة‪ ،‬اجلزائــر‪،‬‬
‫د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.23 :‬‬
‫(‪ )3‬حممد األطرش‪« ،‬العرب والعوملة‪ :‬ما العمل؟»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.413 :‬‬
‫‪108‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫بنوكهــا املركزيــة مــن العمــات األجنبيــة؛ الشــيء الــذي يقــود إىل حــدوث إفالســات‬
‫واختــاالت ماليــة فيهــا‪ ،‬وهــذا يبيِّــن لنــا أثــر (ش م ج) يف ســيادة الدولــة‪.‬‬
‫كما مت ّكنت (ش م ج) من توريط دول العامل فيما يسمى «تنافس النظم الضريبية»؛‬
‫حيــث أصبحــت الــدول تتنافــس فيمــا بينهــا مــن أجــل اســتقطاب االســتثمارات‬
‫بتحقيــق عوامــل جــذب (ش م ج)‪ ،‬مــن خــال جعــل معدالهتــا الضريبيــة أقــل مــا‬
‫ميكــن «ففــي أملانيــا اخنفــض متوســط الضريبــة الفعليــة علــى أربــاح الشــركات‪...‬‬
‫منــذ عــام ‪ 1980‬مــن ‪ %37‬إىل ‪ %25‬فقــط يف عــام ‪ ،1994‬ويف الواقــع فــإن هــذا‬
‫التطــور ليــس ظاهــرة أملانيــة حبتــة‪ ،‬ففــي ظــل التنافــس الضريــي الســائد تنخفــض‬
‫نســبة الضرائــب املفروضــة علــى الشــركات‪ ،‬ليــس يف بلــدان معيّنــة فحســب؛ بــل هــي‬
‫يف اخنفــاض مســتمر علــى مســتوى العــامل»(‪ ،)1‬وهــذا يبيِّــن قــدرة (ش م ج) علــى‬
‫حتديــد معــدالت الضريبــة‪.‬‬
‫‪2 .2‬متركــز الشــركات متعــددة اجلنســيات وحتالفاهتــا‪ :‬يُــرز بعــض الك ّتــاب أن أغلبيــة‬
‫املقــرات الرمسيــة لـــ (ش م ج) مو َّزعــة –علــى التســاوي تقريبــاً– بــن ثالــوث‬
‫جغــرايف‪ :‬الواليــات املتحــدة (‪ )153‬واالحتــاد األوربــي (‪ 155‬شــركة) واليابــان‬
‫(‪ 141‬شــركة)(‪)2‬؛ إال أن هــذا ال يُخفــي مصــاحل الشــركات األمريكيــة واليابانيــة‬
‫واألوربيــة يف إطــار التحالفــات الثالوثيــة‪ ،‬فمث ـاً بــن (‪ )IBM‬و (‪)TOSHIBA‬‬
‫و (‪ )SIEMENS‬الــي هتــدف إىل مراقبــة ســوق أو قطــاع علــى املســتوى العاملــي‪،‬‬
‫ومنــه نتســاءل عــن مصــر املؤسســات الصغــرة واملتوســطة يف ظــل هــذه املعادلــة!!؟‬
‫‪3 .3‬الســيطرة علــى االقتصــاد العاملــي‪ :‬تســيطر (ش م ج) علــى ‪ %70‬مــن التجــارة‬
‫العامليــة‪ ،‬وهــي مســؤولة عــن ثُلــث الناتــج العاملــي و‪ %75‬مــن الطاقــة العامليــة‬
‫اخلاصــة للبحــث والتطويــر‪ ،‬وهــي تســتخدم ‪ 73‬مليــون عامــل مي ِّثلــون ‪ %10‬مــن‬
‫حجــم االســتخدام العاملــي(‪)3‬؛ وهــي مت ِّثــل العمالــة املنتقــاة األكثــر كفــاءة‪ ،‬كمــا أن‬
‫إيــرادات أكــر ‪ 500‬شــركة (‪ 11.400‬مليــار دوالر ســنة ‪ )1995‬حســب جملــة‬
‫(‪ )1‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.355 :‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬الكوكبة‪ :‬الرأمسالية العاملية يف مرحلة ما بعد االمربالية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15 :‬‬
‫(‪ )3‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.36 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪109‬‬
‫فورشــن ‪( Fortune Magazine‬يوليــو ‪ )1996‬تســاوي ‪ %45‬مــن الناتــج احمللــي‬
‫اإلمجــايل جملموعــة الــدول املذكــورة يف تقريــر التنميــة يف العــامل لعــام ‪1996‬‬
‫(‪ 25.300‬مليــار دوالر)(‪ ،)1‬كمــا ِّ‬
‫تلخــص هــذه اجمللــة إمجــايل بيانــات الشــركات الـــ‬
‫‪ 500‬يف عامــي (‪ )1995-1994‬يف اجلــدول الالحــق؛ حيــث أهــم مــا يُظهــره هــو‬
‫قلّــة عــدد العمــال منســوباً إىل األصــول أو حتــى إىل قيمــة األســهم وهــذا نتيجــة‬
‫التطــور التقــي احلاصــل‪ ،‬كمــا أنــه يف ظــرف ســنة واحــدة فقط زادت اإليــرادات بـ‬
‫‪ %10.7‬وارتفعــت األربــاح بنســبة ‪ ،%14.8‬هــذا وضــع ‪ 500‬شــركة فقــط؛ فكيــف‬
‫نتص ـوّر حــال ‪ 40‬ألــف شــركة مت ِّثــل أخطبوط ـاً ضارب ـاً أطرافــه علــى العــامل كلــه!!‬
‫جدول ‪ :5‬إمجايل بيانات الشركات ‪ 500‬يف عامي ‪1995-1994‬‬
‫البيانات‬
‫األصول (مليار دوالر)‬
‫إمجايل قيمة األسهم (مليار دوالر)‬
‫إمجايل اإليرادات (مليار دوالر)‬
‫إمجايل األرباح (مليار دوالر)‬
‫العمالة (مليون عامل)‬
‫‪1994‬‬
‫‪30.900‬‬
‫‪3.200‬‬
‫‪10.300‬‬
‫‪281.8‬‬
‫‪34.6‬‬
‫‪1995‬‬
‫‪32.200‬‬
‫‪3.400‬‬
‫‪11.400‬‬
‫‪323.4‬‬
‫‪35.3‬‬
‫نسبة الزيادة (‪)%‬‬
‫‪4.2‬‬
‫‪6.2‬‬
‫‪10.7‬‬
‫‪14.8‬‬
‫‪1.7‬‬
‫املصدر‪ :‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬الكوكبة‪ :‬الرأمسالية يف مرحلة ما بعد اإلمربيالية»‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16 :‬‬
‫مــن خــال مــا ســبق؛ يظهــر لنــا جليـاً أن (ش م ج) هــي شــركات متكاملــة يف خمتلــف‬
‫نشــاطاهتا االقتصاديــة‪ ،‬فمراقبتهــا لــكل املراحــل والنشــاطات اإلنتاجيــة واملاليــة‬
‫جعلهــا تسْــهم يف درجــة تشــابك االقتصــاد العاملــي الــذي أصبــح حتــت ســيطرهتا؛‬
‫وبالتــايل فهــي وســيلة لتحقيــق مبــادئ الليرباليــة والشــبكة األكثــر فعاليــة يف حركــة‬
‫العوملــة‪.‬‬
‫(‪ )1‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬الكوكبة‪ :‬الرأمسالية العاملية يف مرحلة ما بعد االمربالية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16 :‬‬
‫‪110‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املطلب الثاني‪ :‬منظمة التعاون والتنمية االقتصادية والعوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور منظمة التعاون والتنمية االقتصادية‬
‫ثانياً‪ :‬معامل اهليمنة‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور منظمة التعاون والتنمية االقتصادية‬
‫تُعتــر منظمــة التعــاون والتنميــة االقتصاديــة (‪ )OECD‬الشــبكة املم ِّثلــة للــدول‬
‫الغنيــة؛ حيــث أُطلــق عليهــا تســمية «نــادي األقويــاء اقتصاديـاً»(‪ ،)1‬يتم ّثــل دورهــا يف‬
‫كوهنــا تعتمــد علــى البحــث والدراســات ومتابعــة التطــورات االقتصاديــة يف كل دولــة‬
‫عضــو يف هــذه املنظمــة ومقابلــة كل هــذا مبــا جيــري يف بقيــة دول العــامل ملــدة ‪25‬‬
‫ســنة قادمــة؛ ومــن ثـمّ تقــرح احللــول املناســبة؛ إذ إهنــا ال تُصْــدر قــرارات وال تتبنّــى‬
‫إجــراءات عمليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬ففي سنة ‪ 1975‬أعدّت املنظمة مشروعاً حبثياً بعنوان «‪»INTERFUTURS‬‬
‫لتصــور منـوّ اقتصــادات أعضائهــا‪ ،‬وعالقــة هــذا النمــو مبــا جيــري يف العــامل‬
‫الثالــث حتــى هنايــة القرن؛‬
‫ ‪-‬ويف عــام ‪ 1995‬أجــرت دراســة أخــرى متتــد إىل ســنة ‪ 2020‬امسهــا‬
‫«‪ »INTERDEPENDENCE‬أو االعتمــاد املتبــادل(‪.)2‬‬
‫باعتمــاد ســيناريو أول‪ :‬يفــرض منــو اقتصــاد أعضــاء املنظمــة مبعــدل ثابــت ‪%3‬‬
‫ســنوياً طــول هــذه الفــرة‪ ،‬ومعــدل منــو الــدول غــر األعضــاء يبلــغ ‪ ،%6.7‬علــى‬
‫أســاس جنــاح اإلصالحــات االقتصاديــة والسياســية الــي تو ِّفــر احلريــة الكاملــة‬
‫حلركــة املبــادالت واالســتثمار بــن كل الــدول؛‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.405 :‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬العرب والكوكبة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.381-380 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪111‬‬
‫أمــا الســيناريو الثانــي‪ :‬فمعــدل النمــو ‪ %3‬يف دول املنظمــة و‪ %4.5‬يف الــدول األخــرى‬
‫علــى أســاس تأخُّــر عــدد مــن الــدول عــن إجــراء التحريــر الكامــل للتجــارة الدوليــة‬
‫واالســتثمار الــدويل‪ ،‬وتوصّلــت الدراســة إىل ظهــور مخــس دول كــرى جديــدة (روســيا‬
‫والصــن واهلنــد والربازيــل وأندونيســيا) الــي ســتأخذ نصيبــاً وافــراً مــن جممــوع‬
‫الناتــج احمللــي اإلمجــايل لــدول العــامل وحجــم التجــارة الدوليــة‪ ،‬ويظهــر ذلــك مــن‬
‫خــال اجلدولــن التاليــن‪:‬‬
‫جدول ‪ :6‬الناتج احمللي اإلمجايل وتوزيعه‬
‫‪1995‬‬
‫البيان‬
‫العامل (ألف مليار دوالر)‬
‫دول املنظمة ‪%‬‬
‫اخلمس الكبار اجلدد ‪%‬‬
‫بقية دول العامل ‪%‬‬
‫‪30.8‬‬
‫‪61‬‬
‫‪21‬‬
‫‪18‬‬
‫سيناريو متح ّفظ‬
‫‪2020‬‬
‫‪66‬‬
‫‪49‬‬
‫‪31‬‬
‫‪20‬‬
‫سيناريو متفائل‬
‫‪2020‬‬
‫‪101‬‬
‫‪38‬‬
‫‪37‬‬
‫‪25‬‬
‫املصدر‪ :‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬العرب والكوكبة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.381 :‬‬
‫جدول ‪ :7‬حجم التجارة الدولية وتوزيعه‬
‫البيان‬
‫العامل (ألف مليار دوالر)‬
‫دول املنظمة ‪%‬‬
‫اخلمس الكبار اجلدد ‪%‬‬
‫بقية دول العامل ‪%‬‬
‫‪1995‬‬
‫‪7.6‬‬
‫‪61‬‬
‫‪10‬‬
‫‪23‬‬
‫سيناريو متح ّفظ‬
‫‪2020‬‬
‫‪17‬‬
‫‪59‬‬
‫‪14‬‬
‫‪27‬‬
‫سيناريو متفائل‬
‫‪2020‬‬
‫‪28‬‬
‫‪49‬‬
‫‪21‬‬
‫‪30‬‬
‫املصدر‪ :‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬العرب والكوكبة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.381 :‬‬
‫ثانياً‪ :‬معامل اهليمنة‬
‫مــا يُالحَــظ علــى اجلدولــن الســابقني هــو أنــه رغــم تراجــع نصيــب دول املنظمــة‬
‫يف مجيــع األحــوال‪ ،‬بالتــوازي مــع تق ـدُّم تلــك الــدول اخلمــس اجلديــدة والتحسُّــن‬
‫‪112‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املتواضــع لبقيــة دول العــامل؛ إال أهنــا تبقــى تســيطر علــى حجــم الناتــج احمللــي‬
‫اإلمجــايل للعــامل وحجــم التجــارة الدوليــة بنســبة ‪ ،%61‬وهــذا مؤشِّــر علــى هيمنــة‬
‫هــذه الشــبكة علــى االقتصــاد العاملــي‪.‬‬
‫كما ت ّتضح معامل اهليمنة يف متركز (ش م ج) يف هذه املنظمة‪ ،‬كيف ذلك؟‬
‫ ‪-‬فحســب قائمــة فورشــن الــي تضــم أكــر ‪( 500‬ش م ج)‪ ،‬جنــد هنــاك ‪418‬‬
‫شــركة تتخــذ مقرهــا الرمســي يف واحــدة مــن ‪ 18‬دولــة عضــواً يف منظمــة‬
‫التعــاون والتنميــة االقتصاديــة‪ ،‬مــن بــن أعضائهــا الـــ‪)1(29‬؛‬
‫ ‪-‬ال تــزال املنظمــة تســتقطب مــا يزيــد عن ‪ 3/2‬االســتثمارات العابــرة للحدود‪...‬‬
‫ففــي حــن زادت االســتثمارات املباشــرة يف البلــدان الناميــة يف الفــرة مــا بــن‬
‫‪ 1992‬و‪ 1995‬مــن حــوايل ‪ 55‬مليــار إىل ‪ 97‬مليــار دوالر يف العــام؛ ارتفــع يف‬
‫الفــرة الزمنيــة نفســها جممــوع املبالــغ الــي أنفقتهــا املؤسســات الصناعيــة‬
‫علــى اســتثماراهتا املباشــرة يف بلــدان منظمــة التنميــة والتعــاون االقتصــادي‬
‫مــن حــوايل ‪ 111‬مليــار دوالر إىل ‪ 216‬مليــار دوالر يف العــام(‪)2‬؛‬
‫ ‪-‬نصيــب دول ّ‬
‫املنظمــة مــن الدخــل العاملــي ‪ ،%77.9‬ويصــل نصيبهــا من الســكان‬
‫إىل ‪%14.7‬؛ يف حــن أن العــامل الثالــث (منخفــض الدخــل) يصــل نصيبــه مــن‬
‫الدخــل العاملــي إىل ‪ %4.9‬ونصيبــه مــن الســكان ‪ ،)3(%56‬وهــذه صــورة توزيــع‬
‫الدخــل العاملــي ومــا يرتبــط مــن خريطــة توزيــع الفقــر علــى املســتوى العاملــي‪.‬‬
‫مــن خــال مــا ســبق؛ يبــدو لنــا أنــه يف ظــل العوملــة هنــاك احتمــال ظهــور مراكز‬
‫‬
‫قــوى اقتصاديــة عامليــة جديــدة خــارج النطــاق األمريكــي – األوربــي‪ ،‬كمــا مت ِّثــل هــذه‬
‫املنظمــة شــبكة مراقبــة ومتابعــة جملريــات األحــداث االقتصاديــة العامليــة؛ مــن خــال‬
‫استشــرافها ملســتقبل االقتصــاد املعــومل‪ ،‬ففــي حالــة تو ُّقــع أيّ طــارئ فيــه؛ ترفــع‬
‫التقاريــر وتقــرح احللــول حتــى ي ّتخــذ هــذا النــادي االقتصــادي اإلجــراءات الالزمــة‪.‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.15 :‬‬
‫(‪ )2‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.274 :‬‬
‫(‪ )3‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.479 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪113‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬جمموعة السبع الكبار والعوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور جمموعة الدول الصناعية السبع الكبار‬
‫ثانياً‪ :‬معامل اهليمنة‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دور جمموعة الدول الصناعية السبع الكبار‬
‫تتكـوّن الــدول الصناعيــة الســبع الكــرى مــن‪« :‬الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬اليابــان‪،‬‬
‫أملانيــا‪ ،‬فرنســا‪ ،‬بريطانيــا‪ ،‬إيطاليــا‪ ،‬كنــدا»؛ حيــث جيتمــع رؤســاؤها مــرة يف الســنة‪،‬‬
‫«حملاولة تنســيق سياســتها االقتصادية الكلية‪ ،‬والســعي للحدّ من ســلبيات التغيّرات‬
‫احلــادة يف أســعار صــرف عمالهتــا»(‪)1‬؛ حيــث توصــف قمــة جمموعــة الســبع (‪)G-7‬‬
‫بـــ «جملــس إدارة اقتصــاد العامل»(‪.)2‬‬
‫ثانياً‪ :‬معامل اهليمنة‬
‫ت ّتضح معامل اهليمنة يف متركز (ش م ج) يف هذه الشبكة؛ من خالل ما يلي‪:‬‬
‫ ‪-‬تضــم الــدول الســبع املقــرات القانونيــة لعــدد ‪ 326‬شــركة مــن أصــل الـــ ‪500‬‬
‫(أكــر الشــركات يف العــامل)‪ ،‬وهــي الــواردة يف قائمــة فورشــن (أغســطس‬
‫‪)3()1997‬؛‬
‫ ‪-‬كمــا تســيطر اجملموعــة علــى القطــاع املــايل فمــن بــن ‪ 69‬بنــكاً كوكبيــاً يف‬
‫قائمــة فورشــن هنــاك ‪ 58‬مقرهــا األصلــي يف واحــدة مــن تلــك اجملموعــة‪ ،‬ويف‬
‫نشــاط التأمــن تذكــر القائمــة ‪ 47‬شــركة منهــا ‪ 37‬داخــل جمموعــة الســبع‪،‬‬
‫(‪ )1‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬الكوكبة‪ :‬الرأمسالية يف مرحلة ما بعد اإلمربيالية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15 :‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬العرب والكوكبة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.364 :‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ويف جمــال االتصــاالت ‪ 22‬شــركة منهــا ‪ 19‬يف دول اجملموعــة(‪)1‬؛‬
‫ ‪-‬تر ّكــزت أكثــر مــن ‪ 3/2‬تدفقــات رأس املــال مــن دولــة إىل أخــرى (االســتثمار‬
‫املتبــادل) خــال أربعــة عقــود بــن الــدول الســبع(‪)2‬؛‬
‫ ‪-‬أنفقــت هــذه اجملموعــة يف عــام ‪ 1996‬علــى أعمــال «البحــث والتطويــر»‬
‫(‪)R&D‬؛ أي أحبــاث حتويــل املعرفــة العلميــة التطبيقيــة إىل تقنيــات إنتــاج‬
‫مبلــغ ‪ 345‬مليــار دوالر(‪)3‬؛‬
‫ ‪-‬جممــوع ناجتهــا احمللــي اإلمجــايل مي ِّثــل حــوايل ‪ %68‬مــن إمجــايل ناتــج دول‬
‫العــامل طــوال ‪ 30‬ســنة (‪ )1995-1965‬بينمــا نصيــب دول العــامل الثالــث مــن‬
‫جممــوع الناتــج احمللــي اإلمجــايل للعــامل هــو يف تراجــع‪ ،‬ويظهــر مــن خــال‬
‫اجلــدول التــايل‪:‬‬
‫جدول ‪ :8‬توزيع جمموع الناتج احمللي اإلمجايل يف العامل‬
‫(الوحدة‪ :‬نسبة مئوية ‪)%‬‬
‫البيان‬
‫الدول الصناعية السبع الكبار‬
‫دول العامل الثالث‬
‫بقية الدول األوربية والصني‬
‫‪1965‬‬
‫‪69.7‬‬
‫‪15.5‬‬
‫‪15.3‬‬
‫‪1988‬‬
‫‪69.4‬‬
‫‪14.8‬‬
‫‪15.8‬‬
‫‪1995‬‬
‫‪67.4‬‬
‫‪13.4‬‬
‫‪19.2‬‬
‫املصدر‪ :‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬العرب والكوكبة»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.365 :‬‬
‫فبعد كل هذا نتساءل‪:‬‬
‫هــل هــذا يعــي أن «العوملــة» يف الشــمال و»اهليمنــة» يف اجلنــوب مهــا ظاهرتــان ليســتا‬
‫منفصلتني!؟‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.366 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.364 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪115‬‬
‫خالصة الفصل الثاني‬
‫إن العوملــة هــي عمليــة ليســت تلقائيــة؛ بــل هــي حركيــة تقودهــا جمموعــة مــن‬
‫املنظمــات الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬وجتسِّــدها شــبكة مــن املؤسســات االقتصاديــة‬
‫والتكتــات العمالقــة يف العــامل‪.‬‬
‫فمؤسســات العوملــة‪ :‬مثــل‪ :‬صنــدوق النقــد الــدويل والبنــك العاملــي واملنظمــة العامليــة‬
‫للتجــارة تســعى لفتــح األســواق وتســريع االندمــاج يف االقتصــاد العاملــي‪ ،‬مــن خــال‬
‫فرضهــا لشــروط علــى الــدول الضعيفــة‪ ،‬كمــا أن هــذه املؤسســات تتشــابه فيمــا بينهــا‬
‫فيمــا يتعلــق بإدارهتــا والقــوى املهيمنــة عليهــا وتتجلّــى حركيــة هــذه املؤسســات يف‬
‫ظــل العوملــة‪ ،‬مــن خــال النقــاط التاليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬التحــول الوظيفــي‪ :‬فالصنــدوق وُجــد إلدارة نظــام النقــد الــدويل؛ لكــن أصبــح‬
‫يفــرض براجمــه علــى الــدول‪ ،‬والبنــك العاملــي بعدما كان يهــدف إىل متويل التنمية‬
‫الطويلــة األجــل أصبــح يتكامــل يف سياســته مــع برامــج صنــدوق النقــد الــدويل‪،‬‬
‫أمــا املنظمــة العامليــة للتجــارة فقــد حلّــت حمـ ّل اتفاقيــة الغــات وأصبحــت إطــاراً‬
‫مؤسســياً لتحريــر جتــارة الســلع واخلدمــات‪.‬‬
‫ ‪-‬دورهــا‪ :‬إن صنــدوق النقــد الــدويل يقــوم بإجــراءات ملعاجلــة اختــال ميــزان‬
‫املدفوعــات للــدول مــن خــال تقدميــه لوصفــة العوملــة الــي تسـهِّل فتــح احلــدود‬
‫التجاريــة‪ ،‬إىل جانــب جمموعــة خربائــه الــي تقيِّــم أوضــاع الــدول وتراقــب تنفيــذ‬
‫الربامــج‪ ،‬أمــا البنــك العاملــي واملؤسســات التابعــة لــه؛ فإنــه يســتخدم قــروض‬
‫التكييــف اهليكلــي الــي متـوِّل املشــروعات وتســاعد علــى تغلغــل (ش م ج) وتنميــة‬
‫أســاليب اخلوصصــة‪ ،‬وبالنســبة للمنظمــة العامليــة للتجــارة؛ فقــد توسّــع نشــاطها‬
‫ليشــمل جمــاالت جديــدة‪ ،‬مــن حتريــر تدفقــات الســلع إىل حتريــر التجــارة يف‬
‫اخلدمــات واالســتثمار وحقــوق امللكيــة الفكريــة‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ ‪-‬آثارهــا‪ :‬إن تطبيــق برامــج مؤسســات العوملــة تنجــرّ عنهــا تكاليــف اقتصاديــة‬
‫وسياســية واجتماعيــة وثقافيــة‪...‬‬
‫وتتمثــل شــبكات العوملــة يف الشــركات متعــددة اجلنســيات ومنظمــة التعــاون والتنميــة‬
‫االقتصاديــة والــدول الصناعيــة الســبع الكبار‪.‬‬
‫فالعوملــة تُعتــر أحــدث مرحلــة وصــل إليهــا قانــون أساســي مــن قوانــن الرأمساليــة‬
‫وهــو قانــون تر ُّكــز رأس املــال والســيطرة والقــوة االقتصاديــة‪ ،‬وإذا كانــت مؤسســات‬
‫بريتــون وودوز تقــوم بتشــكيل عمليــة العوملــة‪ ،‬كمــا رأينــا ســابقاً؛ فــإن هــذه الشــبكات‬
‫العامليــة‪ ،‬هــي الــي تســتفيد مــن العوملــة ألهنــا ختدم مصاحلها وتســمح هلا بالســيطرة‬
‫االقتصاديــة علــى العــامل وميكــن إبــراز ســيطرة هــذه الشــبكات مــن خــال النقــاط‬
‫التاليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬دورهــا‪ :‬إن الشــركات املتعــددة اجلنســيات تَعتــر الســوق الدوليــة جمــاالً حيوي ـاً‬
‫لنشــاطها؛ لكوهنــا تتميّــز مبجموعــة مــن اخلصائــص تتم ّثــل يف االنتشــار‬
‫اجلغــرايف‪ ،‬تن ـوُّع وضخامــة اإلنتــاج واالســتثمار األجنــي املباشــر وغــر املباشــر‪،‬‬
‫وأضحــت هبــذا تشــ ِّكل أخطبوطــاً يف االقتصــاد املعــومل‪ ،‬أمــا منظمــة التعــاون‬
‫والتنميــة االقتصاديــة فهــي جهــاز البحــث والدراســات االقتصاديــة املســتقبلية‬
‫هبــدف مقارنــة تطــورات اقتصــادات أعضائهــا ببقيــة العــامل‪ ،‬وبالنســبة جملموعــة‬
‫الــدول الصناعيــة الســبع الكبــار؛ فهــي مبثابــة جملــس إلدارة االقتصــاد العاملــي‬
‫مــن خــال اجتماعاهتــا الســنوية‪.‬‬
‫ ‪-‬معــامل هيمنتهــا‪ :‬تتمركــز الشــركات املتعــددة اجلنســيات حــول ثالــوث جغــرايف‪:‬‬
‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬االحتــاد األوربــي‪ ،‬اليابــان‪ ،‬ويــزداد متركزهــا يف‬
‫منظمــة التعــاون والتنميــة االقتصاديــة وجمموعــة الســبع الكبــار‪ ،‬كمــا تســيطر‬
‫هــذه الشــبكات علــى التجــارة العامليــة وحت ِّقــق النســبة الكــرى مــن الناتــج العاملــي‬
‫والدخــل العاملــي وتتح ّكــم يف تدفقــات رؤوس األمــوال‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪117‬‬
‫الـفـصـل الثالث‬
‫اجلانب اإلسرتاتيجي للعوملة االقتصادية‬
‫(موقع الدول على اخلريطة االقتصادية العاملية)‬
‫ســوف نتعــرض ضمــن هــذا الفصــل إىل املباحــث األساســية‬
‫التاليــة‪:‬‬
‫‪118‬‬
‫‬
‫‪-‬املبحث األول‪ :‬أقطاب الثالوثية وأمناط العوملة‬
‫‬
‫‪-‬املبحث الثاني‪ :‬العامل الثالث ورهانات العوملة‬
‫‬
‫‪-‬خالصة الفصل الثالث‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املبحث األول‬
‫أقطاب الثالوثية وأمناط العوملة‬
‫سنتناول هذا املبحث بالدراسة من خالل احملاور التالية‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫الواليات املتحدة األمريكية ومشروع األمركة‬
‫‪-‬‬
‫أوربا الغربية ومشروع األوربة‬
‫‬
‫‪-‬اليابان ومشروع األسينة‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪119‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الواليات املتحدة األمريكية ومشروع األمركة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬األمركة السياسية‬
‫ثانياً‪ :‬األمركة االقتصادية‬
‫ثالثاً‪ :‬األمركة الثقافية‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬األمركة السياسية‬
‫بعــد اهنيــار االحتــاد الســوفياتي أصبحــت الواليــات املتحــدة األمريكية القــوة العظمى‬
‫الوحيــدة يف العــامل‪ ،‬وبــدت الرأمساليــة وكأهنــا نظــام التعامــل االقتصــادي دون‬
‫منــازع‪...‬؛ ممــا أدى ببعــض املستشــارين األمريكيــن مثــل‪( :‬فرانســيس فوكويامــا)‬
‫إىل اإلعــان عــن «هنايــة التاريــخ» يف حبــث نشــره ســنة ‪ ،1992‬اجلــزء األهــم يف‬
‫حتليــات هــذا الباحــث يتمثــل يف املقــوالت التاليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬جنــاح الرأمساليــة وإهنــاء اجلــدل التارخيــي بــن االشــراكية والرأمساليــة حــول‬
‫النظــام االقتصادي األنســب للبشــرية؛‬
‫ ‪-‬انتشــار الليرباليــة يف كل أحنــاء العــامل‪ ،‬وتقبُّــل قوانــن الســوق ألهنــا حقائــق‬
‫حتميــة؛‬
‫ ‪-‬أن الدور املستقبلي يف القرن القادم‪ ،‬مو َّزع بني أمريكا واليابان‪.‬‬
‫إن منظــور فوكويامــا الــذي هــو أمريكــي مــن أصــل يابانــي يستشــرف منوذجــاً‬
‫للمســتقبل؛ فهــل ســيكون القــرن القــادم أمريكيــاً؟‬
‫وتر ِّكــز الواليــات املتحــدة يف إســراتيجيتها لفــرض منــط العوملــة األمريكيــة علــى‬
‫ثــاث أولويــات تكمِّــل بعضهــا بعض ـاً‪ ،‬وتســعى الواليــات املتحــدة يف إطــار األمركــة‬
‫السياســية إىل إعــادة هيكلــة العالقــات السياســية الدوليــة واإلقليميــة بقواهــا‬
‫‪120‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫وتفاعالهتــا‪ ،‬بشــكل جيعلهــا يف خدمــة االقتصــاد األمريكــي‪ ،‬فمــن الناحيــة األمنيــة‬
‫ّ‬
‫مت توســيع وتطويــر مهــام احللــف األطلســي‪ ،‬وزيــادة القواعــد العســكرية يف املناطــق‬
‫االقتصاديــة اإلســراتيجية احليويــة ألمريــكا الــي أعــادت نشــر شــبكات خمابراهتــا‬
‫عــر العــامل وخصّصــت هلــا موازنــة ضخمــة وصلــت يف ســنة ‪ 1997‬حــوايل ‪30‬‬
‫مليــار دوالر خمصّصــة لوكالــة املخابــرات املركزيــة وتكنولوجيــا التجسُّــس اإللكرتونــي‬
‫بواســطة األقمــار الصناعيــة لتحقيــق األهــداف التاليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬اكتشــاف وختريــب األنظمــة املعاديــة للسياســات األمريكيــة اإلقليميــة أو‬
‫الدوليــة (كوريــا الشــمالية‪ ،‬كوبــا‪ ،‬إيــران‪ ،‬العــراق‪ ،‬ليبيــا)؛‬
‫ ‪-‬املســاعدة علــى رصــد وتعيــن املخاطــر اجلديــدة للواليــات املتحــدة بعــد‬
‫اختفــاء التهديــد العســكري واإليديولوجــي الســوفياتي؛ وقــد شـدّد صاموئيــل‬
‫هانتنغتــون علــى أن اخلطــر الديــي هــو الــذي يواجــه الغــرب يف الســنوات‬
‫املقبلــة‪.‬‬
‫ويف اجلانــب العســكري مــن إســراتيجية التفـوُّق‪ ،‬ال يوجــد يف الوقــت الراهــن ســوى‬
‫بلديــن حيتــان موقــع املنافــس للواليــات املتحــدة مهــا‪ :‬روســيا والصــن؛ حيــث‬
‫«تتأ ّلــف القــوة العســكرية األمريكيــة حاليـاً مــن ثالثــة فــروع متســاوية‪ ،‬هــي اجليــش‬
‫والبحريــة والطــران‪ ،‬ويف كل منهــا قرابــة الـــ ‪ 500‬ألــف جنــدي‪ ،‬اإلنفــاق العســكري‬
‫احلــايل يقــارب ‪ 270‬مليــار دوالر يف الســنة»(‪( .)1‬الشــكل ‪ 1‬و‪)2‬‬
‫ومــن الناحيــة التكنولوجيــة فهــي تقــوم علــى ضــرورة احلفــاظ علــى وضــع عســكري‬
‫متفـوِّق للواليــات املتحــدة يف صناعــة األســلحة والســيطرة علــى الفضــاء اخلارجــي؛‬
‫حيــث ظهــر التفــوق األمريكــي خــال حــرب اخلليــج ضــد العــراق ويف حــرب البلقــان؛‬
‫حيــث أجــرت جتارهبــا امليدانيــة يف أســاليبها القتاليــة املتطــورة‪.‬‬
‫ويف هــذا الصــدد يقــول «بــول كينيــدي»‪« :‬وتُعتــر الواليــات املتحــدة يف جمــال القــوة‬
‫العســكرية قــوة ال ميكــن مســاواهتا مــع أيّــة أمــة أخــرى‪ ،‬مبــن فيهــم روســيا والصــن‬
‫(‪ )1‬بــول ســامل‪« ،‬الواليــات املتحــدة والعوملــة‪ :‬معــامل اهليمنــة يف مطلــع القــرن احلــادي والعشــرين»‪ ،‬يف العــرب والعوملــة‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.213‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪121‬‬
‫(‪ )...‬أمــا تكنولوجيــاً فقــد أعــدّت قواهتــا املســلّحة للقتــال يف «احلــروب الذكيــة»‬
‫مســتعملة قاذفــات القنابــل واملقاتــات مــن طــراز «ســتيلت» إىل صواريــخ كــروز‬
‫وأســلحة للقتــال يف املعــارك الليليــة املع ّقــدة»(‪.)1‬‬
‫شكل ‪ :1‬املوازنة األمريكية لعام ‪1995‬‬
‫املصــدر‪ :‬بــول ســامل‪« ،‬الواليــات املتحــدة والعوملــة‪ :‬معــامل اهليمنــة يف مطلــع القــرن احلــادي والعشــرين»‪،‬‬
‫يف العــرب والعوملــة‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.228 :‬‬
‫شكل ‪ :2‬بنود املوازنة العسكرية األمريكية لعام ‪1995‬‬
‫ﻣﻧﺷﺂﺕ ؛‬
‫‪29.00%‬‬
‫ﺷﺭﺍء ﻣﻌﺩﺍﺕ ؛‬
‫‪16.00%‬‬
‫ﺃﺑﺣﺎﺙ‬
‫ﻭﺗﺟﺎﺭﺏ؛‬
‫‪14.00%‬‬
‫ﻏﻳﺭﻩ ؛‬
‫‪4.00%‬‬
‫ﺇﺩﺍﺭﺓ‬
‫ﻭﻋﻣﻠﻳﺎﺕ؛‬
‫‪37.00%‬‬
‫املصــدر‪ :‬بــول ســامل‪« ،‬الواليــات املتحــدة والعوملــة‪ :‬معــامل اهليمنــة يف مطلــع القــرن احلــادي والعشــرين»‪،‬‬
‫يف العــرب والعوملــة‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص‪.233 :‬‬
‫(‪ )1‬بول كنيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.362 :‬‬
‫‪122‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ثانياً‪ :‬األمركة االقتصادية‬
‫تظهــر يف اســتعمال مؤسســات (بريتــون وودز) لتوســيع ظاهــرة الدولــرة وفــرض‬
‫اإليديولوجيــة الليرباليــة‪ ،‬والرتويــج للعوملــة االقتصاديــة‪ ،‬وكذلــك الســيطرة علــى‬
‫املصــادر الرئيســة للطاقــة ملنافســة أوربــا واليابان‪ ،‬ويف هذا الصــدد طرحت الواليات‬
‫املتحــدة مشــروع إقامــة التعــاون االقتصــادي املشــرك بــن إســرائيل ومنطقــة الشــرق‬
‫األوســط ومشــال إفريقيــا؛ حيــث «حتتـ ّل منطقتــا إفريقيــا والشــرق األوســط الســيما‬
‫منطقــة اخلليــج‪ ،‬موقع ـاً متقدِّم ـاً يف خمططــات العوملــة االقتصاديــة»(‪.)1‬‬
‫إن مشــروع الشــرق األوســط وإفريقيــا الشــمالية بــرز مــن خــال مؤمتــرات الــدار‬
‫البيضــاء (نوفمــر ‪ )1994‬وعمّــان (أكتوبــر ‪ )1995‬والقاهــرة (‪ )1996‬لتحقيــق‬
‫األهــداف التاليــة(‪:)2‬‬
‫ ‪-‬الضمــان األساســي لإلمــدادات النفطيــة والســيطرة علــى االحتياطــات يف‬
‫املنطقــة خــال الفــرة القادمــة؛‬
‫ ‪-‬احلصول على مكاسب جيو اقتصادية على حساب غربي أوربا واليابان؛‬
‫ ‪-‬السيطرة على عمليات التحكم يف املنطقة أوالً‪ ،‬والعامل املتطور ثانياً؛‬
‫ ‪-‬ترتيب قضايا التسوية بني العرب وإسرائيل؛‬
‫ ‪-‬إدخال دول املنطقة يف حزام العوملة االقتصادية‪.‬‬
‫يضــاف إىل ذلــك؛ أن هــذا املشــروع يهــدف إىل إجيــاد جمــاالت أوســع للصــادرات‬
‫األمريكيــة مــن ســلع وخدمــات ورؤوس األمــوال وإدمــاج إســرائيل يف النســيج‬
‫االقتصــادي للمنطقــة بشــكل خيــدم أساس ـاً إســرائيل «الــي تتميّــز بانســجامها يف‬
‫عمليــة العوملــة إنتاج ـاً وتبــادالً واســتهالكاً‪ ،‬كمــا تتميّــز ببــدء انتقــال إســرائيل إىل‬
‫الصناعــات اإللكرتونيــة البالغــة التعقيــد واندمــاج رأس املــال احمللــي يف رأس املــال‬
‫العاملــي(‪.)3‬‬
‫ويُظهــر هــذا اجلــدول بعــض األرقــام الــي تعبِّــر عــن تأثــر العوملــة االقتصاديــة يف‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.267 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.262 :‬‬
‫ً‬
‫(‪ )3‬عزمي بشارة‪« ،‬إسرائيل والعوملة‪ :‬بعض جوانب جدلية العوملة إسرائيليا»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.286 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪123‬‬
‫إســرائيل خــال العقــد األخــر‪.‬‬
‫جدول ‪ :9‬تأثري العوملة االقتصادية يف إسرائيل‬
‫مؤشرات خمتارة‬
‫عدد السكان‬
‫معدل دخل الفرد (بالدوالر)‬
‫عدد خطوط اهلاتف‬
‫استهالك الكهرباء (مباليني الكيلو واط)‬
‫عدد الشركات اإلسرائيلية يف بورصة وولسرتيت‬
‫‪1988‬‬
‫‪4.367.000‬‬
‫‪14.011‬‬
‫‪1.394.000‬‬
‫‪15.400‬‬
‫‪10‬‬
‫‪1997‬‬
‫‪5.989.740‬‬
‫‪16.376‬‬
‫‪2.700.000‬‬
‫‪30.000‬‬
‫‪100‬‬
‫املصــدر‪ :‬عزمــي بشــارة‪« ،‬إســرائيل والعوملــة‪ :‬بعــض جوانــب جدليــة العوملة إســرائيلياً»‪ ،‬يف العــرب والعوملة‪،‬‬
‫مرجع ســابق‪ ،‬ص‪.287 :‬‬
‫تتم ّثــل القــوة االقتصاديــة للواليــات املتحــدة األمريكيــة يف أن حجــم ناجتهــا اإلمجــايل‬
‫يــراوح مــا بــن ‪ %18‬وحــوايل ‪ %20‬مــن حجــم الناتــج احمللــي اإلمجــايل‪ ،‬وتُشــر بعــض‬
‫التقاريــر احلديثــة إىل أن «أمريــكا ســوف تســيطر علــى ‪ %65‬مــن إنتــاج الغــذاء يف‬
‫العــامل يف الســنوات العشــر املقبلــة؛ ممّــا يعــي أن االقتصــاد األمريكــي سيســتفيد‬
‫مبــا يصــل إىل ‪ 400‬مليــار ســنوياً مــن مبيعــات الغــذاء يف العــامل‪ ،‬وســتتحوّل ســت‬
‫شــركات أمريكيــة عمالقــة إىل شــركات ضخمــة مســيطرة تتحكــم بإنتــاج الغــذاء‬
‫يف العــامل وتطويــره وجتارتــه»(‪)1‬؛ وهلــذا فــإن الواليــات املتحــدة تســتخدم القمــح‬
‫كســاح ملواجهــة اســتحقاقات العوملــة «فحجــم صــادرات احلبــوب يف العــامل بلــغ‬
‫اآلن ‪ 200‬مليــون طــن ســنوياً‪ ،‬وتصـدِّر الواليــات املتحــدة األمريكيــة مبفردهــا نصــف‬
‫هــذه الكميــة‪ ...‬إن هــذا يعــي أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة ســتكون يف املســتقبل‬
‫يف جمــال الغــذاء أيض ـاً القــوة العظمــى دون منــازع‪ ،‬وســيتيح هــذا األمــر الفرصــة‬
‫ألن يُســتغل الغــذاء ويتح ـوّل إىل وســيلة ضغــط سياســي‪ ...‬وهكــذا ال تعــي العوملــة‬
‫«اســتعماراً ثقافي ـاً أمريكي ـاً» بــل ســتو ِّزع اخلبــز أيض ـاً»(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.272 :‬‬
‫(‪ )2‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84-83 :‬‬
‫‪124‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫كذلــك أصبحــت الواليــات املتحــدة وامتداداهتــا يف املكســيك يف إطــار اتفاقية التجارة‬
‫احلــرة يف أمريــكا الشــمالية (نافتــا) املو ّقعــة يف ‪ 17‬ديســمرب ‪ 1992‬مت ِّثــل ســوقاً‬
‫واســعة‪ ،‬يف حماولــة منهــا إلجيــاد كيــان اقتصــادي أكــر ملواجهــة العمالقــن اآلخريــن‬
‫(أوربــا واليابــان) والــي مــن احملتمــل أن يشــمل جماهلــا االقتصــادي دول أمريــكا‬
‫الالتينيــة‪ ،‬وإذا كان الــدور األمريكــي مهيمن ـاً علــى املســتوى السياســي والعســكري؛‬
‫فــإن هيمنتهــا االقتصاديــة مه ـدّدة بعوامــل داخليــة وخارجيــة منهــا(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬املســتوى املتدنــي لالدخــار احمللــي فيهــا‪ :‬مقارنــة ببلــدان أخــرى متطــورة؛‬
‫حيــث إن نســبة االدخــار األمريكــي هــي ‪ 2/1‬نســبته يف اليابــان وحــوايل ‪3/2‬‬
‫نســبته يف أملانيــا؛ ممــا يه ـدِّد قــدرة أمريــكا علــى متويــل النمــو‪( .‬الشــكل ‪)3‬‬
‫ ‪-‬مشــكلة توزيــع الثــروة‪ :‬حيــث إن ثروهتــا مو ّزعــة بشــكل غــر عــادل وهــو «مــن‬
‫األســوأ يف العــامل املتقــدم» الــذي يه ـدِّد بتوســيع الطبقــات احملرومــة وتفاقــم‬
‫املشــكالت االجتماعيــة؛ حيــث تتمركــز ‪ %68‬مــن هــذه الثــروة يف أيــدي ‪%10‬‬
‫فقــط بينمــا ‪ %32‬الباقيــة فهــي ترتكــز يف ‪( .%90‬الشــكل ‪)4‬‬
‫ ‪-‬العجــز يف امليــزان التجــاري‪( :‬خاصــة مــع شــرق آســيا) البالــغ قرابــة ‪ 16‬مليــار‬
‫دوالر يف الســنة‪ ،‬وتراكــم الديــون األجنبيــة الدوليــة (خاصــة مــع اليابــان) وهــي‬
‫تبلــغ ‪ 1.000‬مليــار دوالر‪.‬‬
‫ ‪-‬ظهور عملة منافســة للدوالر (اليورو)‪ :‬رغم أن بعض االقتصاديني يعتقدون‬
‫أن الــدوالر األمريكــي قــوي ومــن الصعــب إزاحتــه «فهــو ال يــزال حيتـ ّل املرتبــة‬
‫األوىل يف مــا لــدى دول العــامل مــن احتياطــي بالعمــات األجنبيــة‪ ،‬فهــو يشـ ِّكل‬
‫‪ %60‬ممــا لــدى املصــارف املركزيــة مــن احتياطــي العمــات األجنبيــة»(‪ ،)2‬كمــا‬
‫تغيّــرت هيــاكل ملكيــة رأمســال (ش م ج) ومل تَعُــد أمريكيــة يف املقــام األول‪.‬‬
‫(‪ )1‬بول سامل‪« ،‬الواليات املتحدة والعوملة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.219-218 :‬‬
‫(‪ )2‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.140 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪125‬‬
‫شكل ‪ :3‬نسبة التوفري من الناتج القومي (‪)1989–1985‬‬
‫املصــدر‪ :‬بــول ســامل‪« ،‬الواليــات املتحــدة والعوملــة‪ :‬معــامل اهليمنــة يف مطلــع القــرن احلــادي والعشــرين»‪،‬‬
‫يف العــرب والعوملــة‪ ،‬ص‪.247 :‬‬
‫شكل ‪ :4‬توزيع الثروة يف الواليات املتحدة األمريكية‬
‫ﺃﻛﺛﺭﻳﺔ ﺍﻟـ‪%90‬؛‬
‫‪32.00%‬‬
‫ﺃﻛﺛﺭﻳﺔ ﺍﻟـ‪%90‬‬
‫ﺃﻏﻧﻰ ‪%10‬؛‬
‫‪68.00%‬‬
‫ﺃﻏﻧﻰ ‪%10‬‬
‫املصــدر‪ :‬بــول ســامل‪« ،‬الواليــات املتحــدة والعوملــة‪ :‬معــامل اهليمنــة يف مطلــع القــرن احلــادي والعشــرين»‪،‬‬
‫يف العــرب والعوملــة‪ ،‬ص‪.226 :‬‬
‫ثالثاً‪ :‬األمركة الثقافية‬
‫أما ثالث األولويات فتتمثل يف أمركة الثقافة اليت نوجز أسباهبا يف(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬ســيطرة االقتصــاد األمريكــي بوصفــه ســوقاً مســتو ِردة ومصــدِّرة‪ ،‬واعتمــاد‬
‫اقتصــادات أخــرى علــى االســتهالك يف الواليــات املتحــدة‪ ،‬باإلضافــة إىل‬
‫هيمنــة شــركات اإلعــان األمريكيــة علــى التســويق العاملــي الــي تعمــل علــى‬
‫قولبــة األزيــاء وتوجيــه األذواق عاملي ـاً‪ ،‬فالواليــات املتحــدة حتــاول أن جتعــل‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬بول سامل‪« ،‬الواليات املتحدة والعوملة»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.223-220 :‬‬
‫‪126‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫مــن «الكوكاكــوال» أول مشــروب عاملــي قبــل املــاء «فقــد صــار العطــش يرتبــط علــى‬
‫حنـ ٍو مباشــر باحلاجــة إىل الكوكاكــوال»‪ ،‬فشــركة كوكاكــوال تُتقــن صناعــة املشــاعر‬
‫واألحاســيس «فهــذا العمــاق يف صناعــة املشــروبات الغازيــة يقــدِّم إنتاجــه يف‬
‫الصــن واليابــان مبذاقــات خمتلفــة؛ أي أنــه يقـدِّم مشــروبات ختتلــف نســبة الســكر‬
‫فيهــا باختــاف األذواق الوطنيــة واإلقليميــة»(‪)1‬؛‬
‫ ‪-‬إن الواليــات املتحــدة تــدرك أن ســوق الثقافــة الشــعبية أوســع مــن ســوق الثقافــة‬
‫الراقيــة؛ وهلــذا تركــت اإلنتــاج والتصديــر الثقــايف هلوليــود‪ ،‬خالفـاً ألوربــا الغربيــة‬
‫الــي تنفــق وزاراهتــا األمــوال الباهظــة‪ ،‬لدعــم أفضــل الفنانــن واملخرجــن‬
‫الســينمائيني‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن للواليــات املتحــدة خنبــة ثقافيــة مــن أعلــى‬
‫املســتويات‪ ،‬فمر ّكــب الصناعــة الســينمائية (هوليــود) األضخــم يف العــامل لــه القدرة‬
‫علــى التوزيــع وإغــراق األســواق باملنتجــات الســمعية البصريــة يف القــارات اخلمــس‬
‫علــى نطــاق عاملــي واســع لنشــر النمــط األمريكــي يف األفــام واملوســيقى واللبــاس‬
‫والســلع االســتهالكية‪ ،‬إن أمريــكا «وحدهــا تتحكــم يف ‪ %65‬مــن املــادة اإلعالميــة يف‬
‫العــامل»(‪)2‬؛ حيــث يتــم الرتويــج إىل تصنيــف البشــر حســب مقاييــس األقــوى دائم ـاً‬
‫عــن طريــق األفــام الــي متجِّــد العنــف واجلرميــة‪« ،‬فصناعــة األفــام األمريكيــة‬
‫تنفــق باملتوســط ‪ 59‬مليــون دوالر علــى الفيلــم الواحــد»(‪ ،)3‬وقــد ارتفــع نصيــب‬
‫األفــام األمريكيــة مــن اجملمــوع العــام املعــروض يف أوربــا نفســها مــن ‪ %56‬عــام‬
‫‪ 1985‬إىل ‪ %76‬عــام ‪)4(1994‬؛‬
‫ ‪-‬إن الواليــات املتحــدة بلــد املهاجريــن‪ ،‬وميكنها تســويق منتجاهتا الثقافية يف القارات‬
‫اخلمــس بســهولة‪ ،‬أكثــر مــن اليابــان مثـاً‪ ،‬حتــى ولــو كان اليابانيون يســيطرون على‬
‫صناعة الســينما والتليفزيون (الشــكل ‪)5‬؛‬
‫ ‪-‬هيمنــة اجلامعــات األمريكيــة (أكثــر مــن ‪ 20‬ألــف جامعــة ومعهــد) وانفتاحهــا أمــام‬
‫(‪ )1‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50 :‬‬
‫(‪ )2‬نايف علي عبيد‪« ،‬العوملة‪ ..‬والعرب»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30 :‬‬
‫(‪ )3‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48 :‬‬
‫(‪ )4‬برهان غليون‪« ،‬الوطن العربي أمام حتديات القرن الواحد والعشرين»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1998/6( ،232‬ص‪.20 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪127‬‬
‫فئــة الطــاب األجانــب الــي تتخـرّج حاملــة معهــا أســاليب ثقافيــة وطرائــق تفكــر‬
‫أمريكيــة‪ ،‬يؤ ِّثــرون هبــا يف جمتمعاهتــم فيمــا بعــد‪.‬‬
‫ويف ميــدان البحــث العلمــي تتح ّكــم الواليــات املتحــدة يف حــوايل ‪ %90‬من املعطيات العلمية‬
‫والتكنولوجيــة (بــراءات االخــراع) وتُصْــدر جامعاهتــا ومراكــز البحــث ‪ 6.200‬جملة‪ ،‬تنشــر‬
‫ســنوياً حــوايل مليونــي دراســة أو تعريــف باخــراع حــدث داخــل أو خــارج الواليــات املتحدة‪.‬‬
‫كمــا أصبــح غــزو الفضــاء بشــبكات اإلعــام واملعلومــات‪ ،‬هو جوهر اإلســراتيجية الثقافية‬
‫للهيمنــة الدوليــة يف إطــار العوملــة‪ .‬وتصبــح املوســيقى األمريكيــة واألفــام األمريكيــة‬
‫والربامــج التلفزيونيــة األمريكيــة وبرامــج الكمبيوتــر األمريكيــة أدوات العوملــة الثقافيــة‪ ،‬يف‬
‫ظــل عــامل يتــم فيــه تصديــر األفــكار والثقافــات‪( .‬الشــكل ‪)6‬‬
‫شكل ‪ :5‬اهلجرة إىل الواليات املتحدة حسب بالد املنشأ (‪)1990-1951‬‬
‫شكل ‪:6‬‬
‫املصدر ‪ :‬دافيد روثكوبف‪« ،‬يف مديح االمربيالية الثقافية»‪ ،‬جملة الثقافة العاملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30 :‬‬
‫‪128‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫يف ضــوء هــذه املعطيــات؛ يتبيّــن لنــا أن العوملــة ختفــي يف طياهتــا مشــروع «أمركــة‬
‫ُّ‬
‫للتحكــم يف مصــره وقولبتــه وفــق مصاحلهــا؛ حيــث تتح ّكــم الواليــات‬
‫العــامل»‪،‬‬
‫املتحــدة يف معظــم أدوات العوملــة السياســية أو االقتصاديــة أو الثقافيــة‪ ،‬فنفوذهــا‬
‫السياســي يتم ّثــل يف أهنــا تســيطر إىل درجــة كبــرة علــى جملــس األمــن الــدويل‬
‫وغــدت «شــرطي العــامل» تتدخّــل متــى تشــاء باســم الســام أو حقــوق اإلنســان‪،‬‬
‫ومــن الناحيــة االقتصاديــة تَعتــر الواليــات املتحــدة األمريكيــة نفســها خموَّلــة باســم‬
‫الســبع الكبــار مــرة؛ وباســم الغــرب مــرة أخــرى؛ وباســم دول الشــمال كلّهــا بتحديــد‬
‫اآلليــات االقتصاديــة للعــامل كلّــه‪ ،‬وليــس مــن بــاب الصدفــة أن تكــون األمــم املتحــدة‬
‫يف نيويــورك‪ ،‬وال أن تكــون واشــنطن مقــراً لصنــدوق النقــد الــدويل والبنــك العاملــي‪...‬‬
‫إن الواليــات املتحــدة ســتدخل القــرن ‪ 21‬وهــي يف موقــع سياســي وعســكري مركــزي‬
‫يف العــامل‪ ،‬بينمــا ســيبقى هلــا مركــز اقتصــادي مهــم وليــس مهيمــن يف عــامل متعـدِّد‬
‫األقطــاب‪.‬‬
‫أمــا اجلانــب الثقــايف فقــد انتشــرت الثقافــة الشــعبية األمريكيــة وســيطرت علــى‬
‫أذواق النــاس يف العــامل مــن خــال وســائل اإلعــام وشــبكة االتصــاالت (اإلنرتنــت)‪،‬‬
‫كمــا أن اللغــة اإلجنليزيــة وخصوص ـاً اللهجــة األمريكيــة تــكاد تصــر لغــة عامليــة‪.‬‬
‫شكل ‪ :7‬مشروع األمركة‬
‫مشروع األمركة‬
‫أمركة سياسية‬
‫أمركة اقتصادية‬
‫أمركة ثقافية‬
‫أمنية = اكتشاف األنظمة املعادية‬
‫(املنبوذة)‬
‫عسكرية = شرطي العامل (قوة‬
‫عسكرية ضخمة‪ ،‬جملس األمن)‬
‫تكنولوجية = تطوير األسلحة‬
‫واألساليب القتالية‬
‫فرض الدوالر ‪ +‬سالح القمح ‪+‬‬
‫التحكم يف مؤسسات مالية‬
‫شرق أوسطية = ضمان النفط ‪+‬‬
‫دعم أمن إسرائيل‬
‫تكتل إقليمي (نافتا) = تراجع‬
‫االقتصاد األمريكي ‪ +‬تأمني‬
‫سوق واسعة‬
‫هيمنة شركات (اإلعالن ‪+‬‬
‫هوليود) على التسويق العاملي‬
‫التحكم يف البحث العلمي ‪+‬‬
‫وسائل اإلعالم ‪ +‬اإلنرتنت‬
‫نشر النمط األمريكي = أفالم ‪+‬‬
‫موسيقى ‪ +‬أكل ‪ +‬لباس ‪ +‬هلجة‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪129‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أوربا الغربية ومشروع األوربة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الوحدة النقدية‬
‫ثانياً‪ :‬توسيع االحتاد األوربي‬
‫ثالثاً‪ :‬الشراكة األوربية ‪ -‬املتوسطية‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الوحدة النقدية‬
‫بــرزت اجملموعــة األوربيــة‪ ،‬مــع أمريــكا الشــمالية واليابــان‪ ،‬كواحــدة مــن أعظــم ثالثــة‬
‫مراكــز للقــوة االقتصاديــة يف العــامل‪ ،‬وســعيُها حنــو املزيــد مــن التكامــل هــو اعــرافٌ‬
‫بــأن التعامــل مــع االجتاهــات العامليــة اجلديــدة (العوملــة) تكمــن يف ضــرورة وجــود‬
‫«كتلــة» قــادرة علــى التعايــش معهــا‪ ،‬وقــد تنبّــأ «لســر ثــارو» يف كتابــه «الصــراع علــى‬
‫القمــة‪ :‬مســتقبل املنافســة االقتصاديــة بــن أمريــكا واليابــان» بــأن لالحتــاد األوربــي‬
‫دوراً إســراتيجياً يف القــرن الواحــد والعشــرين وأن املوقــع االقتصــادي هــو إىل جانــب‬
‫األوربيــن‪ ،‬واألرجــح أن يكــون هلــم شــرف أن حيمــل القــرن املقبــل امسهــم‪ ،‬وسيسـجِّل‬
‫مؤرِّخــو املســتقبل أن القــرن ‪ 21‬ينتمــي إىل البيــت األوربــي(‪.)1‬‬
‫ورغــم أن هــذا الباحــث مل يفصــل يف ملكيــة القــرن ‪ 21‬إال أن االنعطــاف غــر املتو َّقــع‬
‫الــذي قدَّمــه هــو أن أوربــا املوحَّــدة حــول أملانيــا ستكســب املنافســة الكونيــة يف القــرن‬
‫املقبــل‪ ،‬فهــل ســيكون منــط العوملــة أوربيـاً؟‬
‫تُر ِّكــز أوربــا الغربيــة يف إســراتيجيتها لفــرض منــط العوملــة األوربيــة علــى ثالثــة‬
‫عناصــر أوّهلــا الوحــدة النقديــة‪.‬‬
‫ح ـدّدت معاهــدة ماســرخيت يف ‪ 1991/12/11‬تاريــخ ‪ 1999/1/1‬موعــد صــدور‬
‫العملــة األوربيــة املوحَّــدة (اليــورو)‪ ،‬ومي ِّثــل هــذا القــرار نقطــة متقدِّمة بلغهــا االندماج‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬لسرت ثاو‪« ،‬ملن القرن احلادي والعشرين»‪ ،‬جملة دراسات اقتصادية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 130 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫االقتصــادي األوربــي وحافــزاً لالندمــاج السياســي مســتقبالً‪ ،‬كذلــك مي ِّثــل اتفــاق‬
‫(اليــورو) تتوجيـاً لســنوات عديــدة مــن املفاوضــات وجهــوداً أوربيــة لالندمــاج النقــدي‬
‫الــذي بــدأ عــام ‪ 1979‬بإنشــاء النظــام النقــدي األوربــي (اإليكــو)‪.‬‬
‫وقــد وضعــت هــذه املعاهــدة شــروطاً للعضويــة يف االحتــاد النقــدي األوربــي مــن‬
‫بينهــا(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬ختفيــض العجــز يف املوازنــة إىل مــا يعــادل ‪ %3‬أو أقــ ّل مــن إمجــايل الناتــج‬
‫للدولــة؛‬
‫ ‪-‬ختفيض معدالت التضخم إىل ما يعادل ‪ %2‬أو أق ّل؛‬
‫ ‪-‬أن ال تزيد مديونية الدولة على ‪.)2(%60‬‬
‫وفصَــل اجتمــاع قمــة دول االحتــاد األوربــي يف بروكســل (مايــو ‪ )1998‬مســألة‬
‫العضويــة يف وحــدة النقــد األوربيــة‪ ،‬وا ّتفــق علــى أن تبــدأ الوحــدة النقديــة بعضويــة‬
‫‪ 11‬دولــة فقــط مــن بــن ‪ 15‬دولــة عضــو يف االحتــاد األوربــي‪ ،‬الــدول اإلحــدى عشــر‬
‫الــي أصبحــت تُعــرف باســم «دول الوحــدة النقديــة» أو» جمموعــة اإلميــو»‪.)3(EMU‬‬
‫(‪ ،)European Monetary Union‬إن هــذه اجملموعــة «تُعتــر كيان ـاً اقتصادي ـاً‬
‫قويــاً علــى املســتوى العاملــي‪ ،‬خاصــة عنــد مقارنتهــا بــكل مــن الواليــات املتحــدة‬
‫واليابــان‪ ...‬كمــا تُعتــر أكــر قــوة جتاريــة يف العــامل بالرغــم مــن أهنــا إحــدى عشــرة‬
‫دولــة فقــط مــن اخلمســة عشــر األعضــاء يف االحتــاد األوربــي»(‪ ،)4‬وي ّتضــح ذلــك مــن‬
‫اجلدولــن التاليــن‪:‬‬
‫(‪ )1‬جملة التجارة العربية الربيطانية‪« ،‬الوحدة النقدية»‪ ،‬غرفة التجارة العربية الربيطانية‪ ،‬أبريل‪/‬مايو ‪ ،1997‬ص‪.20 :‬‬
‫(‪ )2‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.152 :‬‬
‫(‪ )3‬جملــة التجــارة العربيــة الربيطانيــة‪« ،‬جمموعــة األميــو كيــان اقتصــادي قــوي»‪ ،‬غرفــة التجــارة العربيــة الربيطانيــة‪ ،‬مايو‪/‬يونيــو ‪،1998‬‬
‫ص‪.20 :‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪131‬‬
‫جدول ‪ :10‬مقارنة بني جمموعة األميو والواليات املتحدة واليابان عام ‪1997‬‬
‫البيان‬
‫النـاتج اإلمجايل (مليار إيكو)‬
‫النمو االقتصادي (‪)%‬‬
‫عدد السكان (مليون نسمة)‬
‫منو السكان (‪)%‬‬
‫جمموعة‬
‫اإلميو‬
‫‪5.546‬‬
‫‪%2.5+‬‬
‫‪291‬‬
‫‪0.3‬‬
‫الواليات‬
‫املتحدة‬
‫‪6.848‬‬
‫‪%3.8+‬‬
‫‪269‬‬
‫‪0.9‬‬
‫اليابان‬
‫‪3.712‬‬
‫‪%0.9+‬‬
‫‪126‬‬
‫‪0.2‬‬
‫املصدر‪ :‬راجع‪ :‬جملة التجارة العربية الربيطانية‪( ،‬مايو‪/‬يونيو ‪ ،)1998‬مرجع سابق‪.‬‬
‫جدول ‪ :11‬إسهام القطاعات املختلفة يف الناتج احمللي اإلمجايل عام ‪6991‬‬
‫البيان‬
‫الزراعة‬
‫الصناعة‬
‫اخلدمات‬
‫جمموع‬
‫الوحدة‬
‫النقدية‬
‫‪1.8‬‬
‫‪30.2‬‬
‫‪67.9‬‬
‫الوحدة‪ :‬نسبة مئوية‬
‫الواليات‬
‫املتحدة‬
‫اليابان‬
‫‪1.7‬‬
‫‪25.7‬‬
‫‪72.6‬‬
‫‪1.9‬‬
‫‪36.5‬‬
‫‪61.7‬‬
‫املصدر‪ :‬راجع‪ :‬جملة التجارة العربية الربيطانية‪( ،‬مايو‪/‬يونيو ‪ )1998‬مرجع سابق‪.‬‬
‫ســيعوّض «اليــورو» مجيــع عمــات الــدول األوربيــة‪ ،‬وســيكون بذلــك لألوربيــن ذات‬
‫العملــة الــي دخلــت حيِّــز التــداول ابتــداءً مــن ‪ 1‬ينايــر ‪ 2002‬والــي ستجسِّــد االحتــاد‬
‫األوربــي االقتصــادي واملصــريف‪ ،‬إن هــذه العملــة الدوليــة مــن مساهتــا االســتقرار‬
‫الــذي يســهر عليــه البنــك املركــزي األوربــي إىل جانــب البنــوك املركزيــة الوطنيــة‪،‬‬
‫وهلــا طابــع ثالثــي األبعــاد كوهنــا عملــة ادخــار وصفقــات واحتياطــي صــرف‪.‬‬
‫وتتم ّثل اآلثار احلالية واملستقبلية لعملة (اليورو) يف املستويات التالية‪:‬‬
‫‬
‫‪1-1‬على الصعيد األوربي(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬ســتقضي بلــدان اليــورو يف املســتقبل علــى التشـ ُّتت النقــدي الســائد (اختــاف‬
‫العمــات األوربيــة وعــدم جتانســها)؛‬
‫(‪ )1‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.150 :‬‬
‫‪132‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ ‪-‬لــن يدفــع املواطنــون فــارق ســعر البيــع والشــراء للمصــارف عنــد حتويــل عملــة‬
‫إىل عملــة أخــرى؛‬
‫ ‪-‬ســتتحرّر جممــل التجــارة بــن البلــدان مــن خماطــر تقلبــات أســعار الصــرف‬
‫املفاجئــة وخاصــة الــدوالر؛‬
‫ ‪-‬ســيكون باإلمــكان مقارنــة مجيــع األســعار الســائدة يف الســوق املشــركة علــى‬
‫حنـ ٍو مباشــر ودقيــق؛‬
‫ ‪-‬ســربط البنــك املركــزي األوربــي بلــدان اإلحتــاد األوربــي بعضهــا ببعــض علــى‬
‫حنــو أوثــق ممّــا هــو ســائد حتــى اآلن‪.‬‬
‫ويف حالة جناح هذا املشروع النقدي سيؤدي إىل والدة احتاد سياسي حقيقي‪.‬‬
‫‪2-2‬على الصعيد اإلقليمي‪:‬‬
‫ ‪-‬ســيمتدّ اســتعمال اليــورو إىل مــا وراء إقليــم اإلحتــاد األوربــي يف ثــاث مناطــق‬
‫جغرافيــة أساســية (أوربــا الوســطى والشــرقية وإفريقيــا [منطقــة الفرنــك‬
‫الفرنســي] والبلــدان املتوســطية) وســيؤ ِّثر يف إدارة األعمــال وخصوص ـاً مــن‬
‫حيــث تســيري ديوهنــا واحتياطــات صرفهــا وسياســاهتا للصــرف؛‬
‫ ‪-‬ســتُقيِّم الــدول املتوســطية بعــض صادراهتــا باليــورو باعتبــاره عملــة دوليــة‬
‫مســتقرة؛ الســيما أن هــذه البلــدان تعانــي مــن تق ُّلبــات أســواق املــواد األوليــة‬
‫(وخصوص ـاً احملروقــات) الــي تق ـوَّم بالــدوالر؛‬
‫ ‪-‬ســتؤ ِّثر الطريقــة الــي تن ِّفــذ هبــا أوربــا مســرهتا التكامليــة علــى مســرة الوحــدة‬
‫العربيــة؛ حيــث انتقــل التكامــل مــن الســوق املشــركة إىل الوحــدة االقتصاديــة‬
‫والنقديــة يف انتظــار الوحــدة السياســية؛ ممــا ســيعطي دفع ـاً قوي ـاً لعمليــي‬
‫التكامــل العربيــة واملغاربيــة اجملمَّدتــن‪.‬‬
‫‪3-3‬على الصعيد العاملي‪:‬‬
‫يُتوقع بأن اليورو‪:‬‬
‫ ‪-‬ســيجعل نظــام النقــد العاملــي قائمــاً علــى منطقتــن مهــا‪ :‬منطقــة الــدوالر‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪133‬‬
‫ومنطقــة اليــورو؛ األمــر الــذي يُحــدث التــوازن املفقــود يف النظام املــايل الدويل‪،‬‬
‫وهــذا مــن منطلــق أن العالقــات املاليــة العامليــة ختضــع إىل هيمنــة الــدوالر؛‬
‫ ‪-‬ســينافس العملــة األمريكيــة (الــدوالر) «ويف حالــة جنــاح مشــروع االحتــاد‬
‫النقــدي ســيصبح اليــورو العملــة الرئيســة يف احتياطــات العــامل‪ ،‬وذلــك‬
‫العتمــاده علــى أكــر ســوق موحَّــدة يف العــامل (‪ 400‬مليــون نســمة) وســيكون‬
‫بوُســع أوربــا الوقــوف مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة النــدّ للنــدّ»(‪)1‬؛‬
‫ ‪-‬ســيق ِّلص اليــورو بشــكل حمســوس مــن عــدد العمــات الصعبة املتداولــة عاملياً؛‬
‫ممــا يسـهِّل أكثــر التنســيق الــدويل يف جمــال الصرف؛‬
‫ ‪-‬ســيكون وزن اليــورو وزن أوربــا الــي تعــادل خُمــس اإلنتــاج واملبــادالت الدوليــة‪،‬‬
‫وســيدعِّم اهلويــة األوربيــة كفاعــل أساســي يف العوملــة علــى الســاحة العامليــة؛‬
‫ذلــك أن «توحيــد الصفــوف هــو العامــل األوحــد الــذي يُضفــي القــوة علــى‬
‫اجلهــود الراميــة إىل التحكــم يف االقتصــاد املعــومل والســيطرة عليــه»(‪)2‬؛‬
‫ ‪-‬وإن قوة اليورو يف األسواق النقدية العاملية مرتبطة بعدة عوامل‪:‬‬
‫• •حسن ممارسة السياسة النقدية من قِبل البنك املركزي األوربي؛‬
‫• •قوة اقتصاد كل من أملانيا وفرنســا‪ ،‬ومها الدولتان األساســيتان ملشــروع‬
‫العملــة األوربية املوحدة؛‬
‫• •االســتقرار السياســي داخــل اإلحتــاد األوربــي الــذي يؤ ِّثــر بشــكل كبــر‬
‫علــى االســتقرار النقــدي‪.‬‬
‫ويف هــذا الصــدد يقــول «بــول كينيــدي»‪« :‬إذا كان ألوربــا أن تســتعيد أمهيتها النســبية‬
‫يف العــامل‪ ،‬الــي كانــت عليهــا حــوايل العــام ‪ ،1900‬فيجــب عليهــا‪ ،‬جتنُّــب احلــروب‬
‫بــن دوهلــا األعضــاء‪ ،‬وأن جتعــل ممارســتها االقتصاديــة منســجمة موحَّــدة‪ ...‬ومــن‬
‫خــال عملهــا املشــرك تســتطيع هــذه الــدول خلــق تك ُّتــل مــن الشــعوب األوربيــة أكثــر‬
‫ازدهــاراً ورمبــا أكثــر قــوة مــن أيّــة دولــة أخــرى يف العــامل»(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.151 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.399 :‬‬
‫(‪ )3‬بول كينيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.323 :‬‬
‫‪134‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ثانياً‪ :‬توسيع االحتاد األوربي‬
‫شــهدت اجملموعــة األوربيــة منــذ قيــام الســوق املشــركة يف (‪ 25‬مــارس ‪)1957‬‬
‫(معاهــدة رومــا) توسُّــعاً مســتمراً؛ حيــث ارتفــع عــدد أعضــاء اجملموعــة مــن ‪6‬‬
‫دول مؤسِّســة إىل ‪ 15‬دولــة تك ـوِّن االحتــاد األوربــي (معاهــدة ماســرخيت ‪،)1991‬‬
‫وسيشــهد االحتــاد األوربــي املزيــد مــن التوسُّــع إىل حنــو (‪ )1()30-25‬دولــة مســته ّل‬
‫القــرن القــادم إذا جنحــت مفاوضــات ضــم أعضــاء ج ـدُد؛ حيــث جيــري التفكــر يف‬
‫توســيع االحتــاد ليشــمل ‪ 10‬دول‪ ،‬مــن شــرق ووســط أوربــا(‪ ،)2‬فقــد شــهدت العالقــة‬
‫بــن االحتــاد األوربــي ودول شــرق ووســط أوربــا‪ ،‬تقدُّمـاً كبــراً منــذ حتـوُّل سياســات‬
‫هــذه الــدول مــن االقتصــاد املوجَّــه حنــو اقتصــاد الســوق وقيامهــا بإعــادة تنظيــم‬
‫هياكلهــا السياســية‪.‬‬
‫وتعطــي معاهــدات الوحــدة األوربيــة (معاهــدة ماســرخيت) الــدول األوربيــة‪ ،‬ح ـقّ‬
‫التق ـدُّم بطلبــات عضويــة االحتــاد إذا اســتوفت ثالثــة شــروط رئيســة‪:‬‬
‫‪-‬أاهلوية األوربية؛‬
‫‪-‬بأن تكون دولة دميقراطية؛‬
‫‪-‬جحترتم حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫باإلضافة إىل تبعات سياسية واقتصادية واليت تشمل‪:‬‬
‫ ‪-‬بنــاء مؤسســات محايــة الدميقراطيــة‪ ،‬حكــم القانــون‪ ،‬حقــوق اإلنســان واحــرام‬
‫ومحايــة األقليات؛‬
‫ ‪-‬وجــود اقتصــاد حـرّ نشــيط‪ ،‬قــادر علــى العمــل يف ظــل ضغــوط املنافســة و ُقــوى‬
‫الســوق يف االحتــاد األوربي؛‬
‫ ‪-‬القــدرة علــى حتمُّــل التزامــات العضويــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك االلتــزام باألهــداف‬
‫السياســية واالقتصاديــة والوحــدة النقديــة‪.‬‬
‫إن االحتــاد األوربــي هبــذه الشــروط حيــاول أن جيعــل مــن اجملموعــة األوربيــة‬
‫‬
‫(‪ )1‬جملة التجارة العربية الربيطانية‪« ،‬توسيع االحتاد األوربي»‪ ،‬مارس ‪ ،1997‬ص‪.21 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪135‬‬
‫(أوربــا الغربيــة) قــوة اقتصاديــة كبــرة يف املرحلــة األوىل ثــم اتســاعها لبقيــة أوربــا‬
‫(أوربــا الوســطى والشــرقية) لتشــكيل الفضــاء االقتصادي األوربــي؛ ولكن الصعوبات‬
‫الــي تواجــه االحتــاد األوربــي تكمــن يف‪« :‬أن املتقدِّمــن لعضويتــه مــن دول شــرق‬
‫ووســط أوربــا تُعتــر مــن الناحيــة االقتصاديــة أقـ ّل تطــوراً مــن األعضــاء يف االحتــاد»‪،‬‬
‫ويف هــذا اإلطــار يقــوم االحتــاد بتشــجيع الــدول املتقدمــة بطلبــات العضويــة علــى‬
‫إعــادة هيكلــة اقتصاداهتــا وذلــك بتقديــم معونــات هلــا‪.‬‬
‫وتتمثــل آثــار التوسُّــع السياســية يف «تعزيــز الســام واألمــن واالســتقرار يف املنطقــة؛‬
‫ممّــا يع ـزِّز نفــوذ االحتــاد يف الشــؤون العامليــة‪ ،‬وينمِّــي التعــاون يف جمــاالت العــدل‬
‫والشــؤون الداخليــة»(‪ ،)1‬أمــا التأثــر االقتصــادي للتوسُّــع فيتم ّثــل يف أن جمموع ســكان‬
‫الــدول العشــر لشــرق ووســط أوربــا حنــو ‪ %29‬مــن جممــوع تعــداد االحتــاد األوربــي‪،‬‬
‫ومســاحته مت ِّثــل ‪ %33‬مــن إمجــايل مســاحة االحتــاد األوربــي‪« ،‬واإلنتــاج الزراعــي‬
‫مي ِّثــل حنــو ‪ %7.8‬مــن إمجــايل الناتــج احمللــي للــدول العشــر‪ ،‬ويعمــل يف الزراعــة حنــو‬
‫‪ %26.7‬مــن إمجــايل القــوى العاملــة‪ ،‬وذلــك باملقارنــة باالحتــاد األوربــي الــذي مي ِّثــل‬
‫اإلنتــاج الزراعــي فيــه حنــو ‪ %2.5‬مــن إمجــايل الناتــج احمللــي‪ ،‬ويعمــل يف الزراعــة‬
‫حنــو ‪ %5.7‬فقــط مــن القــوى العاملــة»(‪ ،)2‬وال شــك أن ذلــك ســوف يدعِّــم االقتصــاد‬
‫األوربــي‪.‬‬
‫إن حركــة اجملموعــة األوربيــة تســر بــن (االحتــاد األوربــي) الداخلــي و(االمتــداد‬
‫األوربــي) اخلارجــي لتكــون أعظــم منافــس اقتصــادي ألمريــكا واليابــان يف القــرن‬
‫القــادم‪.‬‬
‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.23-22:‬‬
‫‪136‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ثالثاً‪ :‬الشراكة األوربية‪-‬املتوسطية‬
‫وافقــت األطــراف املشــاركة يف املؤمتــر األوربــي – املتوســطي (إعــان برشــلونة يف‬
‫‪ 28/27‬نوفمــر ‪ )1995‬علــى إقامــة شــراكة بــن االحتــاد األوربــي مــن جهــة؛ والبلــدان‬
‫املتوســطية (دول جنــوب منطقــة البحــر املتوســط)‪ ،‬يف الشــرق األوســط ومشــال‬
‫إفريقيــا مــن جهــة أخــرى‪ ،‬ومي ِّثــل إعــان برشــلونة جــزءاً مــن إســراتيجية االحتــاد‬
‫األوربــي اخلاصــة جببهتهــا اجلنوبيــة والــي هتــدف إىل إنشــاء منطقــة جتــارة حــرة‬
‫مــع حلــول ‪« ،2010‬والــي ســتنجَز مبوجــب اتفاقــات ثنائيــة بــن االحتــاد األوربــي وكل‬
‫دولــة مــن دول املتوســط علــى حِــدة»‪.‬‬
‫وتتضمن هذه الشراكة ثالثة جماالت‪ :‬حمور أمين وآخر اقتصادي وثالث ثقايف(‪:)1‬‬
‫‪1 .1‬الشــراكة السياســية األمنيــة‪ :‬وهتــدف إىل العمــل علــى حتقيــق الســام‬
‫واالســتقرار واألمــن يف منطقــة البحــر املتوســط مــن خــال املبــادئ التاليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬العمل وفقاً مليثاق األمم املتحدة واإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان؛‬
‫ ‪-‬تطوير حكم القانون والدميقراطية يف األنظمة السياسية؛‬
‫ ‪-‬العمــل علــى إخــاء منطقــة املتوســط مــن أســلحة الدمــار الشــامل واألســلحة‬
‫النوويــة والكيميائيــة والبيولوجية‪.‬‬
‫‪2 .2‬الشراكة االقتصادية واملالية‪ :‬تتضمن ما يلي‪:‬‬
‫ ‪-‬اإلقامــة التدرجييــة ملنطقــة متوســطية للتجــارة احلــرة (ســلع مصنَّعــة)‬
‫حبلــول عــام ‪2010‬؛‬
‫ ‪-‬دعم االقتصاد احلر وتنمية القطاع اخلاص؛‬
‫ ‪-‬إزالــة احلواجــز الــي تعــرض االســتثمارات (خاصــة املتعلقــة بالقطــاع‬
‫املصــريف)‪.‬‬
‫ ‪-‬ولدعــم الشــراكة االقتصاديــة واملاليــة مينــح االحتــاد األوربــي مســاعدات‬
‫ماليــة خــال الفــرة (‪ )1999/1995‬مبقــدار ‪ 4.7‬مليــار وحــدة نقديــة أوربيــة‬
‫(‪ )1‬حممد األطرش‪« ،‬املشروعات األوسطي واملتوسطي والوطن العربية»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1996/08( ،210‬ص‪.15-13 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪137‬‬
‫(‪ 6.2‬مليــار دوالر)(‪.)1‬‬
‫‪3 .3‬الشراكة االجتماعية والثقافية‪ :‬وتتضمن ما يلي‪:‬‬
‫ ‪-‬احلوار واالحرتام بني الثقافات واألديان ضروريان للتقارب بني الشعوب؛‬
‫ ‪-‬أمهية قطاع الصحة يف التنمية وضرورة محاية البيئة؛‬
‫ ‪-‬حتقيــق التعــاون املشــرك فيمــا يتعلــق مبشــكلة اهلجــرة غــر الشــرعية حنــو‬
‫أوربــا‪.‬‬
‫إن ما جيب فهمه من وراء الشراكة األورو متوسطية يتم ّثل يف النقاط التالية‪:‬‬
‫ ‪-‬ال يُع ـدّ االهتمــام الــذي تُوليــه أوربــا الغربيــة للمنطقــة املتوســطية جديــداً‪،‬‬
‫ولــن يتطلّــب األمــر العــودة إىل قِــدم التاريــخ للتذكــر باحلمــات العســكرية‬
‫لبلــدان جنــوب وشــرق املتوســط‪ ،‬والســؤال الــذي يُطــرح هــو‪ :‬هــل إعــان‬
‫برشــلونة للشــراكة والتعــاون األوربــي املتوســطي مي ِّثــل إســراتيجية جديــدة أم‬
‫امتــداد للعقليــة االســتعمارية؛ وإال كيــف نُفسِّــر اختيــار األوربيــن لتاريــخ ‪27‬‬
‫نوفمــر املصــادف للذكــرى ‪ 900‬النطــاق احلملــة الصليبيــة!!؟‬
‫ ‪-‬إن أوربــا ال تنظــر إىل البلــدان املتوســطية كشــركاء؛ بــل كمنافــذ خلرياهتــا‬
‫ومصاحلهــا؛ هبــدف تقويــة هيمنتهــا االقتصاديــة يف ظــل العوملــة مــن خــال‬
‫إجيــاد جمــاالت أوســع لصــادرات االحتــاد األوربــي مــن ســلع وخدمــات ورؤوس‬
‫أمــوال؛‬
‫ ‪-‬إن املشــروع (املتوســطي) هــو حماولــة مــن االحتــاد األوربــي ملنافســة املشــروع‬
‫(الشــرق أوســطي) الــي تدعِّمــه أمريــكا؛ فــكال املشــروعني يضــم منطقــي‬
‫الشــرق األوســط ومشــال إفريقيــا؛ وإال كيــف نُفسِّــر تزامــن انعقــاد مؤمتــري‬
‫عمّــان (أكتوبــر ‪ )1995‬وبرشــلونة (نوفمــر ‪)1995‬؟‬
‫مــن خــال إســراتيجية أوربــا الغربيــة يتبيّــن أن العوملــة ختفــي مشــروع «أوربــة العامل»‬
‫جبعله حتت اإلشــراف األوربي‪ ،‬فالوحدة النقدية جتنِّب مشــكالت الصرف والتبادل‬
‫(‪ )1‬صــاحل م ‪ ،‬نصــويل وعامــر بســاط وأســامة كنعــان‪« ،‬إســراتيجية اإلحتــاد األوربيــة اجلديــدة ملنطقــة احلــر املتوســط»‪ ،‬جملــة التمويــل‬
‫والتنميــة‪ ،‬ســبتمرب ‪ ،1996‬ص‪.15‬‬
‫‪138‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫بالنســبة لألشــخاص واملؤسســات‪ ،‬فتكون أوربا بذلك أكثر نشــاطاً‪ ،‬وتنافس الدوالر‬
‫كعملــة دوليــة فتكــون أوربــا بذلــك أكثــر قــوة فتدعِّــم مركزهــا االقتصــادي وحتفــظ‬
‫هويتهــا احلضاريــة‪ ،‬كمــا أن سياســة االحتــاد األوربــي التوسُّــعية تُحسِّــن موقــع أوربــا‬
‫يف العــامل؛ ومــن ث ـمّ تســتطيع مواجهــة الواليــات املتحــدة بإجيــاد دور لألوربيــن يف‬
‫الشــؤون العاملية‪.‬‬
‫وصيــغ التعــاون اإلقليمــي (الشــراكة املتوســطية) تتقاطــع يف كثــر مــن جوانبهــا‬
‫مــع العوملــة‪ ،‬فاملعونــات األوربيــة املخصَّصــة ضمــن برامــج الشــراكة‪ ،‬هــي معونــات‬
‫مشــروطة سياســياً واقتصاديــاً؛ سياســياً (بالدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان)‬
‫واقتصاديــاً بالشــروط نفســها الــي يفرضهــا البنــك والصنــدوق الدوليــان؛ والــي‬
‫تقضــي باندمــاج الــدول اجلنوبيــة يف اقتصــاد الســوق‪.‬‬
‫شكل ‪ :8‬مشروع األوربة‬
‫مشروع األوربة‬
‫الوحدة النقدية‬
‫توسيع االحتاد األوربي‬
‫الشراكة األوربية املتوسطية‬
‫معاهدة ماسرتخيت ‪1991‬‬
‫(اجملموعة األوربية)‬
‫معاهدة ماسرتخيت ‪1991‬‬
‫(اجملموعة االشرتاكية)‬
‫إعالن برشلونة ‪1995‬‬
‫(اجملموعة املتوسطية)‬
‫إصدار عملة أوربية موحدة (اليورو)‬
‫إدماج دول شرق وسط أوربا‬
‫إقامة منطقة جتارة حرة (‪)2010‬‬
‫أبعاد الوحدة‪:‬‬
‫سياسياً‪ :‬حتفيز االحتاد السياسي‬
‫اقتصادياً‪ :‬إقامة منطقة اليورو‬
‫ثقافياً‪ :‬تدعيم اهلوية األوربية‬
‫أبعاد التوسع‪:‬‬
‫سياسياً‪ :‬تعزيز دور أوربا يف‬
‫الشؤون العاملية‬
‫اقتصادياً‪ :‬تدعيم االقتصاد‬
‫األوربي‬
‫ثقافياً‪ :‬تدعيم اهلوية األوربية‬
‫أبعاد الشراكة‪:‬‬
‫سياسياً‪ :‬جمال مشرتك لألمن‬
‫واالستقرار‬
‫اقتصادياً‪ :‬زيادة التدفقات‬
‫االستثمارية‬
‫ثقافياً‪ :‬حوار الثقافات واألديان‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪139‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اليابان ومشروع األسينة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬اإلسرتاتيجية الثقافية‬
‫ثانياً‪ :‬اإلسرتاتيجية االقتصادية‬
‫ثالثاً‪ :‬اإلسرتاتيجية السياسية‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬اإلسرتاتيجية الثقافية‬
‫علــى الرغــم مــن أن املــوارد الطبيعيــة باليابــان حمــدودة جــداً؛ إال أن اليابانيني جنحوا‬
‫يف اســتغالل إمكاناهتــم االقتصاديــة إلجيــاد قلعــة اليابــان الصناعيــة‪ ،‬وأصبحــت مــن‬
‫الــدول الصناعيــة الكــرى يف العــامل؛ حيــث أبــرز «بــول كنيــدي» يف كتابــه «االســتعداد‬
‫للقــرن احلــادي والعشــرين» فصـاً بعنــوان» اخلطــة اليابانيــة لعــامل مــا بعــد ‪،»2000‬‬
‫جبعــل اليابــان أفضــل اســتعداداً للقــرن القــادم مــن أيّ جمتمــع صناعــي متطــور آخــر‪،‬‬
‫فاليابــان وشــعبها يواجهــون خياريــن واضحني(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬يتم ّثل اخليار األول يف «إحداث تبدّالت أساسية يف نظام ملتزم مبتابعة النمو‬
‫االقتصــادي‪ ،‬الــذي ّ‬
‫مت عــر القــرون األربعــة املاضيــة‪ ،‬وإذا خضــع اليابانيــون‬
‫للضغوطــات اخلارجيــة (‪ )...‬فســيكون جمتمعهــم أكثــر عامليــة‪ ،‬وســيكونون‬
‫بذلــك املعنــى أقــل «يابانيــة»؛‬
‫ ‪-‬أمــا اخليــار الثانــي‪« :‬فسيشــهد أمــة يابانيــة غــر متغيِّــرة ملتزمــة خبلــق مبــدع‬
‫للثــروة وبنصيــب أوســع مــن الســوق العامليــة‪ ،‬وســيكون النظــام القائــم يف‬
‫مكانــه‪ ،‬مؤ ِّكــداً علــى االنضبــاط الرتبــوي‪ ،‬واملدخــرات الكبــرة واإلنتــاج النوعــي‪،‬‬
‫واالســتثمار املك َّثــف يف البحــث والتطويــر (‪ )...‬وكل ذلــك يف ظــل شــعور قــوي‬
‫«باليابانيــة»‪.‬‬
‫(‪ )1‬بول كنيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.197 :‬‬
‫‪140‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫إن االنعــزال الكامــل عــن االجتاهــات العامليــة يف ظــل العوملــة‪ ،‬أصبــح أمــراً مســتحيالً‪،‬‬
‫حتــى ولــو اهتــم اليابانيــون باحلفــاظ علــى «يابانيــة « اليابــان‪ ،‬فهــل ســيتم ّكن مــن أن‬
‫يصبــح العمــاق االقتصــادي القــادم؟‬
‫تر ِّكز اليابان يف مشروعها على إسرتاتيجيات ثقافية واقتصادية وسياسية‪:‬‬
‫ومــا مييِّــز ثقافــة اليابــان هــو التمسُّــك االجتماعــي والشــعور باهلويــة القوميــة‪ ،‬ويف‬
‫خضــوع الرغبــات الفرديــة لصــاحل اجلماعــة؛ األمــر الــذي يُدهــش الغــرب‪ ،‬ويهــدف‬
‫النظــام التعليمــي اليابانــي إىل امتــاك املعلومــات واملعرفــة‪ ،‬بوضــع معايــر عاليــة‬
‫للتعليــم نوجزهــا يف النقــاط التاليــة(‪:)1‬‬
‫ ‪-‬مي ـرّ تقريبـاً ‪ %92‬مــن الطــاب اليابانيــن يف مرحلــة احلضانــة‪ ،‬وحيصــل كل‬
‫يابانــي علــى ‪ 9‬ســنوات علــى األقـ ّل‪ ،‬مــن التعليــم اإلجبــاري؛‬
‫ ‪-‬يتخـرّج مــا نســبته ‪ %90‬مــن كل الســكان مــن املــدارس الثانوية؛ حيــث ال يتجاوز‬
‫معدّل األمية يف اليابان نســبة ‪%0.7‬؛‬
‫ ‪-‬يــدرس الطفــل اليابانــي حــوايل ‪ 220‬يومـاً يف الســنة مقارنــة بـــ ‪ 180‬يومـاً يف‬
‫الواليــات املتحــدة؛ وهــذا أدّى إىل أن الطفــل اليابانــي البالــغ مــن العمــر ‪14‬‬
‫عامـاً‪ ،‬يكــون قــد تعـرَّض لتعليــم مل يتعـرَّض لــه طفــل أمريكــي إال إذا بلــغ مــن‬
‫العمــر ‪ 17‬أو ‪ 18‬عام ـاً؛‬
‫ ‪-‬حيصــل الطالــب اليابانــي املتوسّــط يف اختبــارات الــذكاء علــى ‪ 117‬نقطــة‬
‫مقارنــة بـــ ‪ 100‬نقطــة للطالــب األمريكــي أو األوربــي‪.‬‬
‫ونتيجــة هلــذا النظــام التعليمــي اهلــادف فــإن خرِّجيــي املــدارس ســيصبحون جــزءاً‬
‫مــن قــوة عمــل منضبطــة وماهــرة وخملصــة لتطويــر إنتاجيــة املؤسســات الــي يعملون‬
‫فيهــا‪ ،‬فاليابانيــون ميتلكــون فرضيــات خاصــة هبــم تؤ ِّثــر علــى أدائهــم االقتصــادي‪.‬‬
‫ومــن مميّــزات اجملتمــع اليابانــي أنــه يقـدِّس العمــل‪ ،‬وقيــم االحــرام والتبجيــل تكــون‬
‫بالدرجــة األوىل للعمــل والوطــن‪ ،‬ومــن خصائــص اليــد العاملــة اليابانيــة‪:‬‬
‫ ‪-‬إنتاجيــة عامليــة؛ حيــث يُنتــج العامــل اليابانــي مــا يُنتجــه ‪ 12‬عامـاً فرنســياً أو‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.188-186 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪141‬‬
‫‪ 6‬عمــال يف الواليــات املتحــدة األمريكيــة؛‬
‫ ‪-‬يبلــغ متوســط ســاعات العمــل الســنوي للعامــل اليابانــي ‪ 2.150‬ســاعة مقارنة‬
‫بـــ ‪ 1.600‬ســاعة للعامــل األوربــي و ‪ 1.300‬ســاعة للعامــل األمريكي(‪)1‬؛‬
‫ ‪-‬االستقرار يف العمل‪ ،‬أكسبهم خربة عاملية؛‬
‫ ‪-‬عــدم وجــود إضرابــات عامليــة‪ ،‬فالعمــال يف بقيــة الــدول الصناعيــة الرأمساليــة‬
‫َّ‬
‫تتحقــق مطالبهــم (يف زيــادة األجــور)‪ ،‬أمــا عمــال‬
‫يُضربــون عــن العمــل؛ حتــى‬
‫اليابــان فــا يســتخدمون هــذا األســلوب وهــذا يُعتــر اختالف ـاً جوهري ـاً بــن‬
‫نوعيــة ســلوك العمــال يف العــامل؛ ممّــا ينعكــس بصــورة إجيابيــة علــى اإلنتــاج‬
‫القومــي وعلــى الصــادرات اليابانيــة الــي تتزايــد مبعـدّل كبــر‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬اإلسرتاتيجية االقتصادية‬
‫إن النظــام اإلنتاجــي يف اليابــان يعــود إىل املنافســة القويــة بــن الشــركات اليابانيــة؛‬
‫حيــث يكـرِّس اليابانيــون جهــوداً كبــرة لضمــان أن تكــون منتجاهتــم األفضــل «وعندما‬
‫يص ـرِّح اخلــراء أن اليابــان عاجــزة يف حقــل معيّــن (مثــل‪ :‬إنتــاج الســيارات‪ ،‬برامــج‬
‫احلاســب‪ )...‬يقـدِّم اليابانيــون جهــوداً مك ّثفــة للتغ ُّلــب علــى ذلــك العجــز»(‪.)2‬‬
‫ونتيجــة هلــذا التوسُّــع االقتصــادي ظهــرت الشــركات اليابانيــة العمالقــة الــي متتلــك‬
‫إســراتيجية عامليــة؛ حيــث تقـدِّم أعــداد الشــركات العابــرة القوميــة اليابانيــة دليـاً‬
‫علــى مــدى تزايــد االرتبــاط والتداخــل الــدويل‪« ،‬ففــي هنايــة عــام ‪ ،1990‬وطبقــاً‬
‫إلحصــاءات منظمــة التجــارة اخلارجيــة اليابانيــة كان هنــاك حنــو ‪ 9.500‬شــركة‬
‫يابانيــة تعمــل يف الواليــات املتحــدة وكنــدا‪ ،‬ويف أغســطس ‪ 1991‬وُجــد أن هنــاك حنــو‬
‫‪ 2.298‬شــركة يابانيــة تعمــل يف الســوق األوربيــة؛ بينمــا بيَّــن تعــداد يف نوفمــر ‪1989‬‬
‫أن هنــاك حنــو ‪ 3.191‬شــركة مماثلــة يف أندونيســيا وماليزيــا والفلبــن وســنغافورة‬
‫وتايالنــدا؛ وبالتــايل فــإن مجلــة عــدد الشــركات اليابانيــة يف اخلــارج قــد تصــل إىل‬
‫(‪ )1‬صادق رباحي‪« ،‬اجلغرافيا االقتصادية املعاصرة»‪ ،‬دار تانقيث‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.241-240 :‬‬
‫(‪ )2‬بول كنيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189 :‬‬
‫‪142‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫حنــو ‪ 15.000‬شــركة»(‪.)1‬‬
‫ومــن أهــم األســرار امللفتــة لالنتبــاه وراء قيــام الشــركة اليابانيــة عابــرة القوميــة‬
‫باالســتثمار املباشــر باخلــارج هــو مالحقتهــا للعمــاء اليابانيــن كيــف ذلــك؟ «لــو أن‬
‫مشــروعاً يابانيـاً كان لــه عمــاء يابانيــون قـرّروا فجــأة نقــل أعماهلــم للخــارج؛ فــإن‬
‫ذلــك قــد يدفــع هــذا املشــروع ملالحقــة عمالئــه»(‪.)2‬‬
‫كمــا تظهــر اهليمنــة املاليــة اليابانيــة يف امتالكــه ألكــر البنــوك العامليــة؛ حيــث ‪10/7‬‬
‫البنــوك األوىل يف العــامل هــي يابانيــة‪« ،‬وأن ‪ 29‬مــن أكــر ‪ 100‬بنــك يف العــامل يابانيــة‪،‬‬
‫ومتتلــك أملانيــا ‪ 12‬بنــكاً وفرنســا ‪ ،10‬ولــكل مــن الواليــات املتحــدة األمريكية وإيطاليا‬
‫‪ 9‬بنــوك‪ ،‬والشــيء نفســه ميكــن أن يُقــال عــن شــركات التأمــن العامليــة ‪ 4‬مــن أصــل‬
‫أهــم ‪ 5‬شــركات هــي يابانيــة»(‪.)3‬‬
‫كمــا أن بورصــة طوكيــو أصبحــت تنافــس بورصــة نيويــورك أكــر بورصــة عامليــة‪،‬‬
‫«وإذا كان عــدد املســتثمرين يف بورصــة نيويــورك بلــغ ‪ 20‬مليــون مســتثمراً؛ فــإن عــدد‬
‫املســتثمرين يف بورصــة طوكيــو بلــغ ‪ 18‬مليــون مســتثمراً‪ ،‬ولكــن ينبغــي أن نعــرف أن‬
‫ســكان اليابــان نصــف ســكان الواليــات املتحــدة األمريكيــة ويف ‪ 1994/4/1‬فتحــت‬
‫اليابــان أكــر بنــك عاملــي قيمــة االســتثمارات فيــه تُقـدَّر بـــ ‪ 700‬مليــار دوالر»(‪.)4‬‬
‫والعملــة اليابانيــة (الــن) أصبحــت عملــة عامليــة قويــة مطلوبــة وقليلــة التقلبــات؛‬
‫حيــث شــهدت ارتفاعـاً أمــام الــدوالر األمريكــي‪ ،‬وهــذا مــا ِّ‬
‫يوضحــه اجلــدول التــايل‪:‬‬
‫جدول ‪ :12‬تطور سعر الني الياباني‬
‫السنة‬
‫‪1984‬‬
‫‪1991‬‬
‫‪1995‬‬
‫الدوالر والني‬
‫‪ 1‬دوالر = ‪ 228‬ين‬
‫‪ 1‬دوالر = ‪ 137‬ين‬
‫‪1‬دوالر = ‪ 88‬ين‬
‫املصدر‪ :‬صادق رباحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.249 :‬‬
‫(‪ )1‬بيل إميوت‪« ،‬اهللع من اليابان‪ ،‬أسطورة الياباني الذي ال يُقهر»‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬ع ‪( 430‬سبتمرب ‪ ،)1994‬ص‪.203 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.205 :‬‬
‫(‪ )3‬بول كنيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.200 :‬‬
‫(‪ )4‬صادق رباحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.229 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪143‬‬
‫ويف جمــال الصناعــة؛ فــإن اليابــان ونتيجــة للتطــور التكنولوجــي الســريع؛ مت ّكنــت‬
‫مــن تنويــع منتجاهتــا الصناعيــة الســيما يف اجملــال امليكانيكــي واإللكرتونــي؛ حيــث‬
‫أصبــح التطــور التكنولوجــي اليابانــي مي ِّثــل املرتبــة األوىل يف الكثــر مــن الصناعــات‬
‫احلديثــة (اخــراع أســرع قطــار وأســرع مصعــد يف العــامل)‪ ،‬فهــي تنتقــل إىل جمــاالت‬
‫اقتصاديــة جديــدة هبــدف ضمــان القيمــة املضافــة العامليــة‪ ،‬كمــا ي ّتضــح مــن اجلــدول‬
‫التــايل‪:‬‬
‫جدول ‪ :13‬القيمة املضافة للصناعات اليابانية احلديثة‬
‫املنتج‬
‫األقمار الصناعية‬
‫املقاتالت النفاثة‬
‫حمركات الطائرات‬
‫أجهزة احلاسب األساسية‬
‫الغواصات‬
‫التليفزيون امللوّن‬
‫السيارات‬
‫(الوحدة‪ :‬مليار دوالر)‬
‫القيمة املضافة‬
‫‪20‬‬
‫‪2.5‬‬
‫‪900‬‬
‫‪160‬‬
‫‪45‬‬
‫‪36‬‬
‫‪35‬‬
‫املصدر‪ :‬بول كينيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.196 :‬‬
‫ورغــم ُّ‬
‫متكــن اليابــان مــن غــزو األســواق العامليــة مبنتجاهتــا الــي تتميّــز باجلــودة‬
‫ود ّقــة الصنــع (فنصيــب الســيارات اليابانيــة يف األســواق األمريكيــة مت ِّثــل ‪)1()%30‬؛‬
‫إال أن أهــم مشــكل يعانيــه اليابــان هــو الفقــر الشــديد للثــروات الطبيعيــة؛ إذ يســتورد‬
‫مجيــع أنــواع الثــروات الزراعيــة واملعدنيــة والطاقويــة الالزمــة لصناعتهــا احلديثــة‪،‬‬
‫وبنســب كبــرة تــراوح بــن ‪ %60‬و‪%100‬؛ وهــو مــا ِّ‬
‫يوضحــه اجلــدول التــايل‪:‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.224 :‬‬
‫‪144‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫جدول ‪ :14‬نسبة واردات اليابان للثروات الطبيعية‬
‫الثروات‬
‫املواد الزراعية‪ :‬القطن‪ ،‬الصوف‪ ،‬املطاط‬
‫املواد املعدنية‪ - :‬البوكسيت‪ -‬النيكل‬
‫‪-‬احلديد‬
‫‪-‬النحاس‬
‫‪-‬الرصاص‬
‫‪-‬الزنك‬
‫‪-‬اخلشب‬
‫مصادر الطاقة‪- :‬الغاز‬
‫‪-‬الفحم‬
‫‪-‬البرتول‬
‫‪-‬اليورانيوم‬
‫(الوحدة‪)% :‬‬
‫النسبة‬
‫‪%100‬‬
‫‪%100‬‬
‫‪%99.5‬‬
‫‪%89‬‬
‫‪%79.7‬‬
‫‪%64‬‬
‫‪%63.9‬‬
‫‪%64.9‬‬
‫‪%85.2‬‬
‫‪%99.8‬‬
‫‪%100‬‬
‫املصدر‪ :‬صادق رباحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫ثالثاً‪ :‬اإلسرتاتيجية السياسية‬
‫هنــاك مــن يَعتــر أن اجلانــب السياســي لليابــان هــو نقطــة ضعــف‪ ،‬وهنــاك مــن يَعتــره‬
‫هــو مــن عوامــل قوّهتا‪.‬‬
‫فبالنســبة للــرأي األول‪ :‬مــا تعانيــه اليابــان هــو فقــدان لقيادهتــا سياســية تقــوم بــدور‬
‫رئيــس أمريكــي أو رئيــس وزراء بريطانيــا‪ ،‬ويف هــذا الصــدد يقــول «بــول كينيــدي»‪:‬‬
‫«وحتــى تســاهم يف النظــام العاملــي‪ ،‬عليهــا البحــث عــن قــادة‪ ...‬شــجعان ملســاعدهتا‬
‫علــى مواجهــة حتوالهتــا الداخليــة والقيــام مبســامهات دوليــة أكــر ممّــا تقــوم بــه‬
‫راهن ـاً‪ ،‬لكــن مــا تعانــي منــه اليابــان هــو نوعيــة قيادهتــا السياســية املعتــرة ثغرهتــا‬
‫األكــر وعكــس ثغرهتــا يف املــواد اخلــام‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬مل تتــم مواجهــة هــذه‬
‫الثغــرة (‪)...‬؛ ومــن ثـمّ لــن تكــون يف اليابــان «قيــادة» كمــا هــي مفهومــة يف اجملتمعــات‬
‫الغربيــة»(‪ ،)1‬إذن هــي دعــوة مــن بــول كينيــدي (اإلجنليــزي) لليابــان بغــرض إدراج‬
‫«القيــادة السياســية القوميــة» ضمــن خانــة إســراتيجياهتا اســتعداداً للتعامــل مــع‬
‫(‪ )1‬بول كنيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.212 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪145‬‬
‫ُقــوى التغيــر العامليــة (العوملــة)‪.‬‬
‫وعلــى العكــس مــن ذلــك؛ هنــاك مَــن يــرى أنــه لــوال القيــادة السياســية الكفــؤة لليابــان‬
‫لَمــا وصلــت إىل ثانــي أكــر قــوة يف العــامل؛ حيــث لــو اهنمكــت يف السِّــباق حنو التسـ ُّلح‪،‬‬
‫لــكان ذلــك علــى حســاب قطاعاهتــا الصناعيــة األخــرى؛ حيــث مل تُنفــق ســوى ‪%1‬‬
‫مــن دخلهــا القومــي اإلمجــايل ســنوياً علــى الدفــاع مقارنــة بالنســب األمريكيــة الــي‬
‫تراوحــت بــن ‪ 5‬و‪ %10‬وأكثــر ســنوياً(‪.)1‬‬
‫كمــا أن اليابــان تســعى إىل إقامــة تك ُّتــل يف آســيا؛ فهــي الــي اكتفــت بــدور القــزم‬
‫السياســي والعســكري؛ تريــد أن تصبــح عمالق ـاً اقتصادي ـاً وهــي ت ّتجــه إىل إقامــة‬
‫ســوق آســيوية مــن خــال «جمــال الرفــاه املشــرك الشــرق األســيوي الكبــر»(‪ )2‬الــذي‬
‫ميكــن أن ِّ‬
‫توظــف فيــه جناحهــا االقتصــادي‪ ،‬وتســتطيع مــن خاللــه ممارســة دور‬
‫سياســي أكــر يتــاءم مــع وزهنــا االقتصــادي‪ ...‬فباالعتمــاد علــى امتــداده الطبيعــي‬
‫لفضائــه االقتصــادي ليشــمل األســواق اآلســيوية ميكــن لليابــان أن يشــهد تناميــاً‬
‫لــدوره االقتصــادي والسياســي‪.‬‬
‫يف ضــوء متابعتنــا للمشــروع اليابانــي يف ظــل العوملــة؛ يتبيّــن لنــا أن مصــدر قــوة‬
‫اليابــان هــو ثقافتهــا املتماســكة القويــة‪ ،‬وقيادهتــا السياســية الكفــؤة‪ ،‬رغــم أن النقــاد‬
‫يشــرون إىل قــوة اليابــان «ذات البعــد الواحــد»؛ أي البعــد االقتصــادي‪.‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.190 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.191 :‬‬
‫‪146‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫شكل ‪ :9‬مشروع األسينة‬
‫مشروع األسينة‬
‫إسرتاتيجية ثقافية‬
‫ نظام تعليمي متميِّز وهادف‬‫(املعرفة هي الثروة اجلديدة‬
‫لألمم)‪.‬‬
‫ العمل هو الرابط االجتماعي‬‫الياباني‪.‬‬
‫إسرتاتيجية سياسية‬
‫إسرتاتيجية اقتصادية‬
‫ قوة مالية وتكنولوجية منافسة‬‫ألمريكا وأوربا‪.‬‬
‫ جمال الرفاه املشرتك الشرق‬‫آسيوي الكبري‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ غياب قيادة سياسية قوية‪.‬‬‫ تكتل اقتصادي (آسيا) لتعظيم‬‫الدور السياسي‪.‬‬
‫‪‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪147‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫العامل الثالث ورهانات العوملة‬
‫سنتناول هذا املبحث بالدراسة من خالل احملاور التالية‪:‬‬
‫‪148‬‬
‫‬
‫‪-‬الدول النامية وحتديات العوملة‬
‫‬
‫‪-‬الدول العربية وخماطر العوملة‬
‫‬
‫‪-‬الدول اآلسيوية وجتارب العوملة‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املطلب األول‪ :‬الدول النامية وحتديات العوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الفقر‬
‫ثانياً‪ :‬التبعية‬
‫ثالثاً‪ :‬التهميش‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الفقر‬
‫تعيــش البلــدان الناميــة وضعيــة مزريــة؛ حيــث تطــرح العوملــة عليهــا مجلــة مــن‬
‫التحديــات؛ وهلــذا يتعيّــن أن تعمــل على حترير نفســها مــن الفقر والتبعية والتهميش‪.‬‬
‫تعيــش أغلــب شــعوب الــدول الناميــة يف حالــة فقــر‪ ،‬فنســبة الســكان الذيــن يعيشــون‬
‫حتــت حـدّ الفقــر يتجــاوز ‪ ،)1(%45‬كمــا أن وضعيــة الــدول الناميــة تعبِّــر عنهــا األرقــام‬
‫اجمل ـرّدة التالية(‪:)2‬‬
‫ ‪-‬ميوت ‪ 48‬مليون طفل قبل الوصول إىل سن اخلامسة؛‬
‫ ‪-‬يعاني مليار إنسان من اجملاعة وسوء التغذية؛‬
‫ ‪-‬ال حيصل ‪ 1.3‬مليار إنسان على ماء نقي غري ملوَّث؛‬
‫ ‪-‬هناك ‪ 1.5‬مليار نسمة من دون أيّ رعاية صحية؛‬
‫ ‪ 130-‬مليون طفل ال يدخلون أيّة مدارس‪ ،‬فضالً عن وجود مليار أمّي؛‬
‫ ‪-‬تضاعفــت ديــون الــدول الناميــة فقفــزت مــن ‪ 100‬مليــار دوالر عــام ‪ 1970‬إىل‬
‫‪ 1.350‬مليــار دوالر عــام ‪« ،1990‬أمــا يف عــام ‪ 1996‬فقــد وصلــت إىل ‪1.940‬‬
‫مليار دوالر»(‪)3‬؛‬
‫(‪ )1‬برهان غليون‪« ،‬الوطن العربي أمام حتديات القرن الواحد والعشرين»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15 :‬‬
‫(‪ )2‬حممود مرتضي‪« ،‬حول إشكالية االزدواجية «مشال ‪ /‬جنوب»‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬ع ‪ ،)1995/11( ،201‬ص‪.87 :‬‬
‫(‪ )3‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.61 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪149‬‬
‫ ‪ %95-‬من الزيادة السكانية تتمركز يف أفقر مناطق املعمورة(‪.)1‬‬
‫وملــا تعــوّدت الــدول الناميــة احلصــول علــى متويــل مــن الــدول الغنيــة يف إطــار‬
‫«معونــات التنميــة الرمسيــة»؛ أي املِنــح والقــروض امليسّــرة املقدَّمــة للتغ ُّلــب علــى‬
‫الفقــر؛ فــإن هــذه املنــح والقــروض – يف ظــل العوملــة – هــي يف طريقهــا لالختفــاء‬
‫مــا عــدا «املســاعدات اإلنســانية» يف حــاالت الكــوارث الطبيعيــة والبشــرية الــي حتـ ّل‬
‫بالــدول الناميــة‪ ،‬فمــا قدّمتــه أملانيــا مث ـاً مــن معونــة عــام ‪ 1994‬هــو ‪ %0.34‬مــن‬
‫ناجتهــا القومــي اإلمجــايل‪ ،‬أمــا يف عــام ‪ 1995‬فلــم يــزد مــا قدّمتــه علــى ‪،)2(%0.31‬‬
‫وتعــود أســباب هــذا التوجُّــه لــدى «الــدول املاحنــة» إىل‪:‬‬
‫ ‪-‬فســاد حكومــات الــدول الناميــة الــذي ب ـدّد املليــارات ومل تنتفــع بــه الفئــات‬
‫الفقــرة واحملرومــة؛‬
‫ ‪-‬انتشــار البطالــة‪ ،‬وتزايــد الفقــر بــن شــعوب الدول املاحنة‪ ،‬بدعــوى أن األفضل‬
‫مســاعدة الفقــراء يف الداخــل قبــل فقراء اخلارج‪.‬‬
‫ ‪-‬ومــن هنــا بــرز مفهــوم «الشــراكة» الــي تبشِّــر هبــا دول الشــمال كبديــل عــن‬
‫معونــات التنميــة‪.‬‬
‫وتشــر اإلحصــاءات إىل أن اهلــوة بــن الــدول املتقدمــة والــدول الناميــة آخــذة يف‬
‫االزديــاد‪« ،‬فهنــاك ‪ %20‬مــن دول العــامل هــي أكثر الدول ثراءً‪ ،‬وتســتحوذ على ‪%84.7‬‬
‫مــن الناتــج اإلمجــايل للعــامل وعلــى ‪ %84.2‬مــن التجــارة الدوليــة‪ ،‬وميتلــك ســكاهنا‬
‫‪ %85.5‬مــن جممــوع مدخــرات العــامل»(‪ ،)3‬وهكــذا تتفاقــم مظاهــر االســتقطاب بــن‬
‫الــدول الغنيــة والفقــرة‪ ،‬واجلــدول التــايل يبيِّــن الفجــوة بــن العــامل املتقــدم والعــامل‬
‫املتخلــف‪:‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.64 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.60 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.70 :‬‬
‫‪150‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫جدول ‪ :15‬الفجوة احلضارية بني الدول املتقدمة والدول النامية‬
‫مؤشرات خمتارة‬
‫عدد السكان (مليون نسمة)‬
‫عدد السكان لكل طبيب‬
‫متوسط عمر الفرد‬
‫نسبة املتعلمني‬
‫نصيب الفرد من السعر احلراري اليومي‬
‫نسبة احلاصلني على املاء الصاحل للشرب‬
‫متوسط دخل الفرد السنوي (دوالر)‬
‫إمجايل اإلنفاق العسكري السنوي (مليار دوالر)‬
‫اإلنفاق السنوي على التعليم (مليار دوالر)‬
‫اإلنفاق السنوي على الصحة (مليار دوالر)‬
‫متوسط نصيب الفرد من اإلنفاق الصحي السنوي‬
‫متوسط نصيب الفرد من اإلنفاق التعليمي السنوي‬
‫إمجايل الناتج القومي (مليار دوالر)‬
‫النسبة املئوية إىل الناتج القومي العاملي‬
‫النسبة املئوية من إمجايل الناتج القومي الصناعي العاملي‬
‫النسبة املئوية من إمجايل إنتاج الغذاء‬
‫نسبة املشاركة يف الصادرات العاملية‬
‫نسبة اهليمنة على التجارة الدولية‬
‫نسبة امتالك األرصدة واألوراق النقدية‬
‫نسبة امتالك العمالت األجنبية‬
‫احتياطات الذهب‬
‫نسبة حتقيق اإلنتاج واستهالكه عاملياً‬
‫نسبة االستهالك النفطي‬
‫الدول املتقدمة‬
‫‪1.320‬‬
‫‪ 380‬نسمة‬
‫‪ 73‬سنة‬
‫‪%99‬‬
‫‪3.395‬‬
‫‪%97‬‬
‫‪13.500‬‬
‫‪700‬‬
‫الدول النامية‬
‫‪4.180‬‬
‫‪ 2.140‬نسمة‬
‫‪ 59‬سنة‬
‫‪%60‬‬
‫‪2.422‬‬
‫‪%51‬‬
‫‪1.085‬‬
‫‪150‬‬
‫‪564,743‬‬
‫‪550,711‬‬
‫‪ 454‬دوالر‬
‫‪ 490‬دوالر‬
‫‪97,754‬‬
‫‪38,191‬‬
‫‪ 11‬دوالر‬
‫‪ 28‬دوالر‬
‫‪11.518,183‬‬
‫‪%78‬‬
‫‪%91‬‬
‫‪%80‬‬
‫‪%88‬‬
‫‪%83‬‬
‫‪%80‬‬
‫‪%90‬‬
‫‪%85‬‬
‫‪%90‬‬
‫‪%85‬‬
‫‪2560,796‬‬
‫‪%22‬‬
‫‪%9‬‬
‫‪%20‬‬
‫‪%12‬‬
‫‪%17‬‬
‫‪%20‬‬
‫‪%10‬‬
‫‪%15‬‬
‫‪%10‬‬
‫‪%15‬‬
‫املصدر‪ :‬جملة دراسات اقتصادية‪ ،‬ع ‪ ،1999 ،1‬ص‪.203-202 :‬‬
‫يضــاف إىل ذلــك ســوء توزيــع الثــروة؛ حيــث «أن ‪ 358‬مليارديــراً ميتلكــون معـاً ثــروة‬
‫تضاهــي مــا ميلكــه ‪ 2.5‬مليــار مــن ســكان املعمــورة؛ أي أهنــا تضاهــي جممــوع مــا‬
‫ميلكــه نصــف ســكان العــامل»(‪ ،)1‬فمــع منـوّ العوملــة يــزداد تر ُّكز الثــروة‪ ،‬وت ّتســع الفوارق‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.60 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪151‬‬
‫بني الشعوب والدول واملناطق واألجيال‪.‬‬
‫كمــا تزايــد دور الشــركات املتع ـدِّدة اجلنســيات الــي أصبحــت تقيِّــم أوضــاع الــدول‬
‫الناميــة وتــزن احتمــاالت وحجــم األربــاح مــع ســرورة «الرتحيــل» أو «االنتشــار»‬
‫(‪)Delocalization‬؛ حيــث أصبــح البحــث مرتكــزاً علــى األماكــن الــي تتميّــز‬
‫باخلصائــص التاليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬االخنفاض يف األجور والضرائب‪ ،‬والقدرة الشرائية القوية؛‬
‫ ‪-‬االستقرار السياسي الذي مينع حدوث االنقالبات املفاجئة؛‬
‫ ‪-‬ســوق كبــرة مبنيّــة علــى عــدد الســكان ونســبة مــن ســيُر ّقون إىل صفــوف‬
‫الطبقــة الوســطى‪ ،‬ولكــن الفقــر ال جيعــل «الطلــب» باملعنــى االقتصــادي؛ وهلــذا‬
‫فأســواق معظــم الــدول الناميــة ال تُغــري هــذه الشــركات‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬التبعية‬
‫لقــد تنامــت درجــة ارتبــاط الــدول الناميــة بالــدول املتقدمــة الــي أضحــت «متتلــك‬
‫كل األوراق الراحبــة بــن أيديهــا (رأس املــال‪ ،‬التكنولوجيــا‪ ،‬الســيطرة علــى وســائل‬
‫االتصــال‪ ،‬وفــرة املــواد الغذائيــة والشــركات املتع ـدِّدة اجلنســيات القويــة)‪ ،‬وتتنامــى‬
‫مزايــا هــذه الــدول ألن التكنولوجيــا تــأكل قيمــة العمــل واملــواد اللذيْــن مهــا املوجودات‬
‫األساســية للبلــدان الناميــة‪ ،‬ومــع أن البلــدان الناميــة مســتقلة رمسي ـاً منــذ انتهــاء‬
‫االســتعمار‪ ،‬إال أهنــا اآلن أكثــر اعتمــاداً علــى أوربــا والواليــات املتحــدة أكثــر مــن قــرن‬
‫مضــى مــن الزمــن»(‪ ،)1‬وتتعـدّد أشــكال تبعيتهــا كاآلتــي‪:‬‬
‫ ‪-‬التبعية املالية والنقدية؛‬
‫ ‪-‬التبعية التجارية؛‬
‫ ‪-‬التبعية التكنولوجية؛‬
‫ ‪-‬التبعية الغذائية‪...‬‬
‫إن تطبيــق سياســات التكييــف اهليكلــي يف البلــدان الناميــة يــؤدي إىل تزايــد التبعيّــة‬
‫(‪ )1‬بول كنيدي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.285 :‬‬
‫‪152‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫بدخوهلــا يف دوامــة جدولــة الديــون‪« ،‬وقــد نتــج عــن مشــكلة صعوبــات خدمــة الديــن‪،‬‬
‫أن اضطــر يف الســنوات الـــ ‪ 15‬األخــرة مــا يزيــد علــى ‪ 90‬بلــداً ناميـاً إىل قبــول برامج‬
‫التكييــف اهليكلــي لصنــدوق النقــد الــدويل والبنــك الــدويل»(‪ ،)1‬ففــي الوقــت الــذي‬
‫تُح ـثّ فيــه الــدول الناميــة علــى تفكيــك القطــاع العــام وتصغــر حجــم املؤسســات؛‬
‫ت ّتجــه الــدول املتقدمــة حنــو املزيــد مــن االندمــاج والتك ّتل عن طريق اندماج شــركاهتا!‬
‫ومــن الطبيعــي أن يــؤدي ذلــك إىل تعميــق التبعيــة وتكريــس التخلــف؛ نتيجــة تعـرّض‬
‫االقتصــادات الناميــة إىل منافســة مدمِّــرة جتــي مكاســبها الــدول املتقدمــة‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن أن اجلنــوب يضــم ‪ %80‬مــن ســكان العــامل؛ فــا يزيــد نصيبــه علــى‬
‫‪ %4‬مــن اإلنفــاق العاملــي علــى البحــث والتنميــة‪ ،‬ويف القطاعــات احلساســة مثــل‪:‬‬
‫املعلوماتيــة والبحــث العلمــي؛ ال يوجــد فيــه إال ‪ %5‬مــن احلواســيب املســتخدَمة يف‬
‫العــامل(‪)2‬؛ ممّــا يعمِّــق التبعيــة يف جمــال التنميــة بــن الشــمال واجلنــوب‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬التهميش‬
‫لقــد فقــدت املــواد األوليــة – الــي متتلكهــا الــدول الناميــة – أمهيتهــا واخنفضــت‬
‫أســعارها؛ نتيجــة التطــورات االقتصاديــة والتكنولوجيــة يف البلــدان الصناعية؛ وذلك‬
‫لألســباب التاليــة‪:‬‬
‫ ‪-‬تراجع نصيب الصناعة يف اقتصاد الدول املتقدمة لصاحل قطاع اخلدمات؛‬
‫ ‪-‬ختفيــض مكـوّن الطاقــة واملــواد األوليــة يف قيمة الســلعة نتيجــة الوعي بقضايا‬
‫البيئة؛‬
‫ ‪-‬تطويــر التكنولوجيــا أدى إىل أن نصيــب املــادة األوليــة اليــوم يف مثــن أيّ ســلعة‬
‫ال يزيــد علــى ‪ ،)3(%10‬وأدى ذلــك إىل تدهــور معــدالت التبــادل‪ ،‬وإضعــاف وزن‬
‫البلــدان الناميــة يف العالقــات التجاريــة الدوليــة‪.‬‬
‫(‪ )1‬مارتــن كــور‪« ،‬العوملــة وضــرورة تنســيق احللــول املتوخــاة يف جمــال السياســة العامــة يف اجلنــوب»‪ ،‬جملــة التعــاون يف اجلنــوب‪ ،‬عــدد‬
‫خــاص (أغســطس ‪ ،)1995‬ص‪.17 :‬‬
‫(‪ )2‬برهان غليون‪« ،‬الوطن العربي أمام حتديات القرن الواحد والعشرين»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫(‪ )3‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬العرب والكوكبة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.370 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪153‬‬
‫كمــا أن احلــوار بــن الشــمال واجلنــوب مل يعُــد لــه اهتمــام دويل بســبب جتاهــل العامل‬
‫املتق ـدِّم ملشــكالت الــدول الناميــة‪ ،‬فمــع تســارع عمليــات العوملــة؛ فــإن املصطلحــات‬
‫الــي شــغلت الفكــر مثــل‪ :‬العــامل الثالــث والتحـرُّر والتقـدُّم وحــوار الشــمال واجلنــوب‬
‫والتنميــة االقتصاديــة‪ ،‬يف طريقهــا لالختفــاء‪ ،‬ويف هــذا الصــدد يقــول مؤلفــا كتــاب‬
‫«فــخ العوملــة»‪« :‬لقــد قضــى حــوار الشــمال واجلنــوب حنبــه‪ ،‬كمــا قضــى حنبــه صــراع‬
‫الشــرق والغرب‪ ...‬ومل يعُد هناك قاموس مشــرك لتســمية املشكالت‪ ،‬فمصطلحات‬
‫مــن قبيــل «اجلنــوب والشــمال» و»العــامل الثالــث» و»التح ـرُّر» و»التق ـدُّم» مل يبــق هلــا‬
‫معنــى واحــد»(‪.)1‬‬
‫كذلــك يتجلــى إقصــاء الــدول الناميــة يف ضعــف موقفهــا يف اهليئــات الدوليــة؛‬
‫فالــدول املتقدمــة هتيمــن علــى املؤسســات املاليــة الدوليــة مبــا يو ِّفــر هلــا الســلطات‬
‫لتحديــد األولويــات يف حركــة العوملــة؛ بينمــا ال يبقــى للــدول الناميــة ســوى دور‬
‫ثانــوي‪ ،‬كمــا تســعى الــدول املتقدمــة إىل هتميــش دور األمــم املتحــدة بإعفائهــا مــن‬
‫املهــام االقتصاديــة واالجتماعيــة والــي وُجــدت مــن أجلهــا‪ ،‬ويظهــر ذلــك مــن خــال‬
‫التقليــل مــن أمهيــة بعــض أجهزهتــا مثــل‪ :‬مؤمتــر األمــم املتحــدة للتجــارة والتنميــة‬
‫وهــو مك َّلــف بتعزيــز قــدرات البلــدان الناميــة علــى تطويــر اقتصاداهتــا الوطنيــة‬
‫وحتســن مركزهــا يف االقتصــاد الــدويل؛ حيــث أُســندت صالحيــات أكــر ملنظمــة‬
‫التجــارة العامليــة‪ ،‬فرتاجعــت مكانــة األمــم املتحــدة ومنظماهتــا املتخصّصــة‪ ،‬وهكــذا‬
‫فــإن «نفــوذ األمــم املتحــدة ســيظل يتــآكل وســيظل صُنع القرار الدويل بشــأن املســائل‬
‫االقتصاديــة واالجتماعيــة بكاملــه بــن أيــدي مؤسســات ليــس للبلــدان الناميــة فيهــا‬
‫أيّ تأثــر يُذكــر»(‪.)2‬‬
‫والســؤال الــذي يطــرح نفســه هــو‪ :‬مــا اخليــارات املتاحــة أمــام الــدول الناميــة لتعظيــم‬
‫قدراهتــا علــى كســب معركــة التنميــة يف ظــل اجتاهــات (الفقــر والتبعيــة والتهميــش)‬
‫املتزايــدة يف عصــر العوملــة؟!‬
‫(‪ )1‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.61 :‬‬
‫(‪ )2‬مارتني كور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18 :‬‬
‫‪154‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪1.1‬تفعيــل أدوار املنظمــات اإلقليميــة للــدول الناميــة‪( :‬حركــة عــدم االحنيــاز‪،‬‬
‫منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة‪ ،‬جمموعــة ‪ ،77‬جمموعــة ‪.)...15‬‬
‫ حيــث تعانــي حركــة عــدم االحنيــاز مــن أزمــة دور‪ ،‬وهــي ليســت مطالبــة بتغيــر‬
‫االســم فقــط بقــدر مــا هــي مطالبــة بتغيــر اإلســراتيجية ضمــن مفاهيــم العوملــة‬
‫والشــركات املتعــددة اجلنســيات؛ وذلــك بضــرورة إعطــاء البعــد االقتصــادي‬
‫للحركــة علــى حســاب البعــد السياســي‪ ،‬فــإذا أهنــت احلــرب البــاردة معركتهــا‬
‫السياســية؛ فإهنــا مل تنــه معركتهــا االقتصاديــة الــي بــدأت منــذ مؤمتــر اجلزائــر‬
‫عــام ‪ 1973‬حــن طالــب بنظــام اقتصــادي جديــد يقــوم علــى العدالــة واملســاواة‪،‬‬
‫كمــا يتعيّــن عليهــا‪ :‬تعبئــة روح التضامــن – الــي تعانــي مــن مشــكلة ضعــف ‪-‬‬
‫الــي الزمــت عصــر احلركــة إبّــان أوجّ فاعليتهــا‪ ،‬إىل جانــب العمــل علــى تقويــة‬
‫صالحيــات األمــم املتحــدة وترقيــة حــوار شــامل ومنصــف بــن الشــمال واجلنــوب‪.‬‬
‫ أمــا جمموعــة الـــ ‪ 15‬فقــد تش ـ ّكلت لتعزيــز التعــاون بــن دول اجلنــوب‪ ،‬وتفعيــل‬
‫احلــوار بــن الشــمال واجلنــوب (وخاصــة جمموعــة الـــ ‪ )7‬والعمــل علــى جتــاوز‬
‫ســلبيات العوملــة‪ ،‬وتبلــغ نســبة التجــارة فيمــا بــن البلــدان الناميــة حــوايل ربــع‬
‫إمجــايل التجــارة العامليــة(‪)1‬؛ إال أن التعــاون جنــوب – جنــوب يواجــه بعــض‬
‫الصعوبــات أمههــا أن البلــدان اجملــاورة غالبــاً مــا تنتــج الســلعة نفســها املعــدّة‬
‫للتصديــر‪ ،‬ويقــول رئيــس زمبابــوي ِّ‬
‫موضحـاً يف هــذا الصــدد‪« :‬إن زمبابــوي تنتــج‬
‫نفــس الســلع الــي تنتجهــا كينيــا؛ األمــر الــذي يتعـ ّـذر معــه االجتــار معهــا‪ ،‬ويشـ ِّكل‬
‫ذلــك أحــد أهــم عوائــق التجــارة جنــوب – جنــوب»(‪ ،)2‬وحلـ ّل هــذه الصعوبــات فإنــه‬
‫يتعيّــن علــى الــدول الناميــة االهتمــام مبجــاالت النقــل واالتصــاالت وتكنولوجيــا‬
‫اإلعــام الــي ميكــن أن تعــزِّز قــدرة اقتصــادات الــدول الناميــة علــى املنافســة‬
‫الدوليــة‪ ،‬ويقــول رئيــس وزراء ماليزيــا‪« :‬إن البلــدان الناميــة ينبغــي أن تتعلّــم كيــف‬
‫تتعـرّف علــى قــدرات بعضهــا البعــض؛ وذلــك أنــه ال بـدّ مــن توافــر عاملــن هامــن‬
‫(‪ )1‬بربارة كوتوار‪« ،‬التعاون االقتصادي‪ :‬جنوب – جنوب»‪ ،‬جملة التعاون يف اجلنوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11:‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪155‬‬
‫جــداً لتجــاوز ذلــك أال ومهــا‪ :‬املعلومــات واالتصــاالت»(‪.)1‬‬
‫‪2.2‬ضرورة صياغة برنامج عاملي شامل لشعوب العامل ملواجهة حتديات العوملة‪:‬‬
‫ ويف هــذا الصــدد أصــدرت جلنــة اجلنــوب تقريراً بعنوان «التحــدي أمام اجلنوب»‪،‬‬
‫تدعــو فيــه إىل صياغــة برنامــج عاملــي للعمــل املشــرك بــن شــعوب الــدول الناميــة‬
‫والــدول املتقدمــة الســيما يف ظــل اجتاهــات التطــور العاملــي وتدويــل املشــكالت‬
‫اإلنســانية (مكافحــة الفقــر واجلــوع‪ ،‬تدهــور البيئــة‪ ،‬األمــراض الصحيــة «اإليــدز»‪،‬‬
‫جتــارة املخــدرات‪ ،‬هتريــب األســلحة والعنــف واإلرهــاب‪ ،)2()...‬ويهــدف هــذا‬
‫الربنامــج إىل(‪:)3‬‬
‫ ‪-‬إعادة هيكلة جذرية للنظام الدويل؛‬
‫ ‪-‬ضمان إدارة عادلة للتكافل العاملي؛‬
‫ ‪-‬إنعاش التعاون بني الدول النامية‪.‬‬
‫شكل ‪ :10‬حتديات العوملة للدول النامية‬
‫حتديات العوملة للدول النامية‬
‫الفقر‬
‫ اخنفاض معونات التنمية‬‫(حتوّهلا إىل مساعدات إنسانية‬
‫وصيغ الشراكة)‬
‫ تر ُّكز الثروة (‪ %20‬دول العامل‬‫(غنية) متلك ‪ %85‬ناتج إمجايل‬
‫عاملي ‪ %80 +‬دول العامل (فقرية)‬
‫متلك ‪ %15‬منه)‬
‫التبعية‬
‫ تبعية غذائية‬‫ تبعية مالية ونقدية‬‫ تبعية جتارية‬‫‪ -‬تبعية تكنولوجية‪...‬‬
‫التهميش‬
‫ اخنفاض أمهية املواد األولية‬‫ اهنيار حوار الشمال واجلنوب‬‫‪ -‬فقدان القرار يف اهليئات العاملية‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬تقرير جلنة اجلنوب‪« ،‬التحدي أمام اجلنوب»‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬ديسمرب ‪ ،1990‬ص‪.61-59 :‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.332-328 :‬‬
‫‪156‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الدول العربية وخماطر العوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬وضعية االقتصادات العربية‬
‫ثانياً‪ :‬خماطر عوملة االقتصادات العربية‬
‫ثالثاً‪ :‬وسائل التخفيف من خماطر عوملة االقتصادات العربية‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬وضعية االقتصادات العربية‬
‫يتميّز االقتصاد العربي باملعطيات التالية(‪:)1‬‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫‬
‫إن اقتصــاد الــدول العربيــة يقــوم علــى ثالثــة قطاعــات رئيســة‪ :‬التشــييد‬‫والنفــط والزراعــة؛ حيــث تســتورد مــا بــن ‪ 60‬و‪ 70‬مليــاراً هلــذا القطــاع ســنوياً‬
‫(اســتثمارات)‪ ،‬أمــا صناعــة النفــط فتســتورد مــن ‪ 20‬إىل ‪ 40‬مليــار دوالر‬
‫ســنوياً (مدخــات فنيــة)‪ ،‬أمــا القطــاع الزراعــي فتســتورد مــا قيمتــه ‪ 25‬مليــار‬
‫دوالر ســنوياً (مــواد زراعيــة)؛‬
‫يتشـ ّكل هيــكل الصــادرات يف االقتصــاد العربــي مــن الســلع الزراعيــة والنفطية‬‫واملعدنيــة‪ ،‬بينمــا يتم ّثــل هيــكل وارداتــه يف الســلع الغذائيــة واملصنّعة؛‬
‫بلــغ حجــم مديونيــة الــدول العربيــة ســنة ‪ 1995‬حــوايل ‪ 220‬مليــار دوالر؛ يف‬‫حــن تُقـدَّر رؤوس األمــوال العربيــة اخلاصــة َّ‬
‫املوظفــة يف اخلــارج حبــوايل ‪750‬‬
‫مليــار دوالر؛‬
‫ ُقـدِّرت قيمــة الناتــج القومــي يف البلــدان العربيــة ‪ 510‬مليــار دوالر‪ ،‬مبــا فيهــا‬‫قيمــة النفــط (قريبــة مــن قيمــة الناتــج الوطــي هلونــغ كونــغ ‪ 450‬مليــار دوالر‪،‬‬
‫لـــ ‪ 6‬ماليــن نســمة)‪ ،‬أمــا إذا اســتثنينا النفــط؛ فــا تزيــد عــن قيمــة صــادرات‬
‫فينلنــدا الــي تُع ـدّ ‪ 5‬ماليــن نســمة‪ ،‬وجتــدر اإلشــارة إىل أن جممــوع ســكان‬
‫(‪ )1‬برهان غليون‪« ،‬الوطن العربي أمام القرن الواحد والعشرين»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23-21 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪157‬‬
‫الــدول العربيــة بلــغ ‪ 252‬مليــون نســمة عــام ‪)1(1995‬؛‬
‫ ‪-‬مل يــزد نصيــب املنطقــة مــن االســتثمارات األجنبيــة علــى ‪ %3‬مثــل إفريقيــا‬
‫الســوداء‪ ،‬مقابــل ‪ %26‬ألمريــكا الالتينيــة والبحــر الكاريــي و‪ %10‬ألوربــا‬
‫الشــرقية وآســيا الوســطى و‪ %58‬جلنــوب شــرق آســيا؛‬
‫ ‪-‬بلــغ حجــم اإلنفــاق علــى البحــث والتطويــر يف الوطــن العربــي عــام ‪1992‬‬
‫حــوايل ‪ 600‬مليــون دوالر وال يزيــد هــذا املبلــغ علــى ‪ 0.014‬مــن الناتــج‬
‫القومــي اإلمجــايل‪ ،‬وتبلــغ هــذه النســبة ‪ %1‬بالنســبة للــدول الناميــة و‪ %3‬يف‬
‫بلــدان منظمــة التعــاون والتنميــة‪ ،‬ومتوســط إنتــاج العلمــاء العــرب يُقـدَّر بـ ‪0.4‬‬
‫حبث ـاً يف العــام؛‬
‫ ‪-‬كمــا بلــغ متوســط النمــو االقتصــادي خــال الفــرة (‪ )1996-1991‬حــوايل‬
‫‪%2.8‬؛ أي أقـ ّل مــن النســبة الســنوية لنمــو الســكان‪ ،‬أمــا قيمــة التجــارة العربية‬
‫البينيــة‪ ،‬كنســبة جملمــل التجــارة العربيــة فتــراوح بــن ‪ %7‬إىل ‪.)2(%9‬‬
‫ثانياً‪ :‬خماطر عوملة االقتصادات العربية‬
‫تواجــه االقتصــادات العربيــة عــدداً مــن التحديــات واملخاطــر يف حــال اندماجهــا‬
‫الســليب يف العالقــات الدوليــة يف ظ ـ ّل تدهــور أوضاعهــا احلاليــة؛ حيــث ســتواجه‬
‫خطــر التجزئــة إذا مل ت ّتخــذ خطــوات جــادّة لبناء كتلــة اقتصادية عربية قوية‪ ،‬وخطر‬
‫تراجــع العائــدات النفطيــة إذا مل يتــم تغيــر الرتكيــب اهليكلــي الســلعي للصــادرات‪،‬‬
‫وخطــر الذوبــان الثقــايف إذا مل حتافــظ علــى خصوصياهتــا العربيــة‪ ...‬وســنر ِّكز علــى‬
‫بعــض تلــك املخاطــر فيمــا يلــي‪:‬‬
‫‪1-1‬خطــر التجزئــة‪ :‬ظهــرت أشــكال جديــدة لالحتــواء؛ مــن أجــل إدمــاج الــدول‬
‫العربيــة بشــكل فــردي ومجاعــي يف دوائــر نفــوذ اقتصــادي جديــدة علــى حســاب‬
‫جهــود االندمــاج االقتصــادي‪ ،‬ويشــ ِّكل املشــروعان املطروحــان علــى املنطقــة‬
‫(‪ )1‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬العرب والكوكبة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.362 :‬‬
‫(‪ )2‬حممد األطرش‪« ،‬العرب والعوملة‪ :‬ما العمل؟»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.430-428 :‬‬
‫‪158‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫العربيــة حتديـاً جوهريـاً خطــراً يكـرِّس التجزئة‪ ،‬ومها‪ :‬املشــروع الشــرق أوســطي‬
‫واملشــروع املتوســطي‪.‬‬
‫ ‪-‬فمشــروع الشــرق األوســطي‪-‬مشال إفريقيــا‪ :‬جتسّــد مــن خــال كتــاب «الشــرق‬
‫األوســط اجلديــد» عــام ‪ 1993‬مــن قِبــل «مشعــون برييــس» رئيــس وزراء إســرائيل‬
‫ســابقاً‪ ،‬وحتــت دعــم الواليــات املتحــدة؛ ومــن أهــداف هــذا املشــروع‪:‬‬
‫• •هتميــش الصفــة العربيــة الغالبــة للمنطقــة‪ :‬حيــث إن «الغــرض مــن ترويج‬
‫تســمية الشــرق األوســط مــردُّه إىل رغبــة املؤسســات املاليــة واإلمنائيــة‬
‫الدوليــة ومعهــا الواليــات املتحــدة بشــكل خــاص بــن البلــدان الصناعيــة يف‬
‫اســتخدام تســمية تتيــح إدمــاج إســرائيل يف جمموعــة الــدول الــي يضمّهــا‬
‫هــذا الشــرق األوســط؛ وبالتــايل إلغــاء أو علــى األقــل احل ـدّ مــن االعــراف‬
‫بــوزن اجملموعــة العربيــة يف الشــرق األوســط»(‪)1‬؛ ومــن ثـمّ تفكيــك النظــام‬
‫العربــي اســتناداً إىل هويــة شــرق أوســطية بــدالً مــن هويــة عربيــة أو عربيــة‬
‫إســامية؛‬
‫• •حتقيق أهداف اإلسرتاتيجية األمريكية يف املنطقة وهي‪:‬‬
‫ ‪-‬رفض مشاريع الوحدة وعرقلتها‪ ،‬وتشتيت املواقف العربية؛‬
‫ ‪-‬ضمان التفوُّق اإلسرائيلي‪ :‬العسكري والسياسي واالقتصادي؛‬
‫ ‪-‬حتجيــم الــدور الفاعــل للــدول العربيــة القويــة كمصــر واجلزائــر‬
‫والعــراق‪...‬؛‬
‫ ‪-‬الســيطرة علــى االحتياطــات النفطيــة وضمــان تد ُّفــق املنتجــات‬
‫النفطيــة باألســعار املناســبة والكميــات املطلوبــة؛‬
‫ ‪-‬فتــح األســواق العربيــة للســلع واخلدمــات ورؤوس األمــوال واألمنــاط‬
‫الثقافية‪.‬‬
‫ ‪-‬أما املشــروع املتوســطي‪ :‬فيتجسّــد يف الشــراكة بني االحتاد األوربي ودول حوض‬
‫البحــر األبيــض املتوســط‪ ،‬وأغلــب هذه الــدول هي عربية‪« ،‬فالشــراكة االقتصادية‬
‫(‪ )1‬يوسف صايغ‪« ،‬االقتصاد العربي على عتبة القرن الواحد والعشرين»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39-38 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪159‬‬
‫هــي أداة مــن أدوات العوملــة؛ بــل إن لفــظ الشــراكة نفســه (‪)PARTENARIAT‬‬
‫خيتلــف عــن لفــظ املشــاركة (‪)PARTICIPATION‬؛ مــن حيــث أنــه ال يقيــم‬
‫العالقــة بــن متســاوين»(‪ .)1‬وجتــدر اإلشــارة إىل اجلوانــب اخلفيّــة هلــذا املشــروع‪:‬‬
‫• •يعكــس عــدم التكافــؤ مــن حيــث القــوة التفاوضيــة بــن الــدول األوربيــة‬
‫(ككتلــة موحَّــدة) مــن جهــة؛ والــدول العربيــة املتوســطية (كل دولــة علــى‬
‫حِــدة) مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وقــد يكــون مــن الواضــح أن املنطقــة احلــرة ســوف‬
‫ختــدم مصــاحل االحتــاد األوربــي؛‬
‫• •يُعـدّ هتميــش الزراعــة الثغــرة احملوريــة‪ ،‬فاالحتــاد األوربــي يطلــب مــن الدول‬
‫العربيــة املعنيّــة أن تزيــل القيــود اجلمركيــة عــن الصــادرات األوربيــة مــن‬
‫الســلع الصناعيــة‪ ،‬وتبقــى األســواق مغلقــة أمــام الصــادرات العربيــة مــن‬
‫املنتوجــات الزراعيــة؛‬
‫• •يهــدف املشــروع أساس ـاً إىل فصــل دول املغــرب العربــي عــن دول املشــرق‬
‫العربــي‪ ،‬والقضــاء علــى إمكانيــة قيــام وحــدة اقتصاديــة مغاربيــة أو عربيــة‪.‬‬
‫‪2-2‬خطــر االعتمــاد علــى ســاح النفــط‪ :‬جتلّــت فاعليــة توظيــف النفــط كســاح‬
‫سياســي واقتصــادي خــال حــرب أكتوبــر ‪1973‬؛ حــن ق ـرَّرت الــدول العربيــة‬
‫املنتجــة للبــرول اســتخدام ســاح النفــط العربــي ضــدّ الــدول الغربيــة مبنــع‬
‫تصديــره‪ ،‬فقــد أعطــى للعــرب قــوة اقتصاديــة وسياســية عامليــة أحدثــت حتـوُّالت‬
‫علــى مســتوى توزيــع الثــروة بــن الشــمال واجلنــوب‪ ،‬وقــد عـزّزت تلــك التطــورات‬
‫مــن مطالــب العــامل الثالــث القاضيــة بضــرورة إصــاح النظــام االقتصــادي العاملي‬
‫الســائد‪ ،‬وإرســاء ركائــز جديــدة لنظــام اقتصــادي جديــد أكثــر عدالــة وتكافــؤاً‪،‬‬
‫وليــس مــن قبيــل املصادفــة التارخييــة أن يبــدأ حــوار الشــمال واجلنــوب خــال‬
‫هــذه الفــرة وأن تقــوم أوربــا بتدشــن احلــوار العربــي – األوربــي!‬
‫أمــا اليــوم فقــد انقلبــت عالقــات ال ُقــوى‪ ،‬ومل يعُــد هــذا الســاح فعّاالً‪ ،‬ويف هــذا املقام‬
‫يقــول «إمساعيــل صــري عبــد اهلل»‪« :‬علينــا أن نعــي أن الثــراء املفاجــئ الــذي عرفتــه‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.350 :‬‬
‫‪160‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫األقطــار املصـدِّرة للنفــط يف الفــرة مــن ‪ 1974‬إىل ‪ 1982‬كان ظاهــرة اســتثنائية‪ ،‬وأن‬
‫النفــط شــأنه يف ذلــك شــأن كل املــواد األوليــة يُبــاع يف ســوق يُســيطر عليهــا املشــرون‬
‫ال املنتجــون (‪ )...‬ففــي الســبعينيات كنــا هن ـدِّد الــدول الــي تعادينــا‪ ،‬حبظــر توريــد‬
‫النفــط إليهــا‪ ،‬وهــا حنــن أوالء يف التســعينيات أمــام حظــر الغــرب اســترياد النفــط‬
‫مــن إيــران والعــراق وليبيــا»(‪.)1‬‬
‫كمــا عرفــت أســعار البــرول ســنة ‪ 1998‬ســقوطاً حــراً مل يشــهد لــه مثيــل منــذ‬
‫‪1986‬؛ حيث وصل ســعره يف شــهر ديســمرب ‪ 1998‬إىل ‪ 9.89‬دوالر للربميل‪ ،‬وينبغي‬
‫التنبيــه إىل أن ســعر النفــط حاليــاً (‪ )1999‬حــوايل ‪ 15‬دوالر مبــا يعــادل ‪ 3‬مــن‬
‫دوالرات ‪ ،1970‬وهــذا مــا ِّ‬
‫يوضحــه اجلــدول التــايل‪:‬‬
‫جــدول ‪ :16‬تطــور أســعار البــرول بالقيمــة االمسيــة واحلقيقيــة خــال الفــرة‬
‫‪1999-1970‬‬
‫(الوحدة‪ :‬دوالر للربميل‪ ،‬سنة األساس ‪)100 = 1970‬‬
‫السنوات‬
‫القيمة االمسية‬
‫‪1970‬‬
‫‪1971‬‬
‫‪1972‬‬
‫‪1973‬‬
‫‪1974‬‬
‫‪1975‬‬
‫‪1976‬‬
‫‪1977‬‬
‫‪1978‬‬
‫‪1979‬‬
‫‪1980‬‬
‫‪1981‬‬
‫‪1982‬‬
‫‪1983‬‬
‫‪1984‬‬
‫‪1.67‬‬
‫‪2.04‬‬
‫‪2.30‬‬
‫‪3.07‬‬
‫‪10.77‬‬
‫‪10.73‬‬
‫‪11.51‬‬
‫‪12.40‬‬
‫‪12.70‬‬
‫‪17.28‬‬
‫‪28.67‬‬
‫‪32.50‬‬
‫‪32.38‬‬
‫‪29.04‬‬
‫‪28.20‬‬
‫القيمة‬
‫احلقيقية‬
‫‪2.36‬‬
‫‪2.67‬‬
‫‪2.68‬‬
‫‪3.07‬‬
‫‪9.87‬‬
‫‪8.70‬‬
‫‪9.31‬‬
‫‪9.10‬‬
‫‪7.88‬‬
‫‪9.48‬‬
‫‪13.94‬‬
‫‪16.43‬‬
‫‪17.16‬‬
‫‪15.76‬‬
‫‪16.00‬‬
‫السنوات‬
‫القيمة االمسية‬
‫‪1985‬‬
‫‪1986‬‬
‫‪1987‬‬
‫‪1988‬‬
‫‪1989‬‬
‫‪1990‬‬
‫‪1991‬‬
‫‪1992‬‬
‫‪1993‬‬
‫‪1994‬‬
‫‪1995‬‬
‫‪1996‬‬
‫‪1997‬‬
‫‪1998‬‬
‫‪1999‬‬
‫‪27.01‬‬
‫‪13.53‬‬
‫‪17.73‬‬
‫‪14.24‬‬
‫‪17.31‬‬
‫‪22.26‬‬
‫‪18.62‬‬
‫‪18.44‬‬
‫‪16.33‬‬
‫‪15.53‬‬
‫‪16.86‬‬
‫‪20.29‬‬
‫‪20‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬
‫القيمة‬
‫احلقيقية‬
‫‪15.21‬‬
‫‪6.02‬‬
‫‪6.81‬‬
‫‪5.14‬‬
‫‪6.30‬‬
‫‪7.06‬‬
‫‪5.71‬‬
‫‪5.34‬‬
‫‪5.08‬‬
‫‪4.76‬‬
‫‪4.76‬‬
‫‪5.61‬‬
‫‪5‬‬
‫‪2.8‬‬
‫‪3.1‬‬
‫املصدر‪ :‬جملة دراسات اقتصادية‪ ،‬ع‪ ،1999 ،1‬ص‪.208 :‬‬
‫(‪ )1‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬العرب والكوكبة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.384-383 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪161‬‬
‫ويف ظــل األزمــات النفطيــة الــي تــؤدي إىل تراجــع عائــدات النفــط يُثــار التســاؤل‬
‫التــايل‪ :‬كيــف ميكــن االندمــاج يف الصــراع التنافســي يف ظــل االعتمــاد علــى مصــدر‬
‫واحــد للدخــل هــو البــرول؟ الســيما أن الرتكيــب اهليكلــي للصــادرات يتميّــز بارتفــاع‬
‫نســبة البــرول ومشــتقاته بنســب تــراوح بــن ‪ %60‬إىل ‪%99‬؛ األمــر الــذي جيعلهــا‬
‫ســريعة التأ ُّثــر بالتقلبــات يف الســوق الدوليــة‪ ،‬وتنعكــس االخنفاضــات بشــكل مباشــر‬
‫علــى مشــاريع التنميــة كمــا أن الــدول املص ـدِّرة للنفــط مل تنتهــج سياســة موحَّــدة‬
‫واضحــة؛ بــل بقيــت مقسَّــمة ومتصارعــة؛ ومــن ثـمّ تبقــى دائمـاً يف موقــف ضعــف؛ يف‬
‫حــن جنــد الــدول املســتهلكة وعلــى رأســها الواليــات املتحــدة الــي تســتورد مــا قيمتــه‬
‫‪ 9‬مليــون برميــل يومي ـاً يف موقــع قــوة‪ ،‬وبعــد حــرب اخلليــج ‪ 1991‬بــدأت الواليــات‬
‫املتحــدة تر ِّكــز اهتمامهــا علــى كيفيــة ضمــان ســعر أدنــى للنفــط؛ بــدالً مــن تركيزهــا‬
‫علــى تأمــن مصــدر التمويــن‪.‬‬
‫‪3-3‬خطــر تشــويه اهلويــة العربيــة‪ :‬إن هيمنــة الثقافــة الغربيــة علــى حمتــوى وســائل‬
‫اإلعــام العربيــة يُســهم بصــورة عامــة يف تغريــب املواطــن العربــي عــن جمتمعــه‪،‬‬
‫«فشــبكات التلفزيــون العربيــة تســتورد مــا بــن ثلــث إمجــايل البث (ســوريا ومصر)‬
‫ونصــف هــذا اإلمجــايل (تونــس واجلزائــر)‪ ،‬أمــا يف لبنــان فــإن الربامــج األجنبيــة‬
‫تزيــد عــن نصــف إمجــايل املــواد املب ّثــة إذ تبلــغ ‪ ،)1(»%58.2‬فاســترياد مفاهيــم‬
‫غربيــة يشـوِّه احليــاة الثقافيــة العربيــة‪.‬‬
‫وأصبحــت وســائل اإلعــام العربيــة منفعلــة مبــا جيــري مــن أحــداث ووقائــع سياســية‬
‫واجتماعيــة يف الــدول املتقدمــة علــى حســاب متابعــة تطــورات األوضــاع املزريــة الــي‬
‫يعيشــها املواطــن العربــي‪ ،‬وال غرابــة إذا وجدنــا مثـاً بــأن التلفزيــون املصــري «يقطــع‬
‫براجمــه لكــي يذيــع جنــازة األمــرة «ديانــا» يف لنــدن‪ ،‬ألكثــر مــن ســاعتني‪ ،‬علــى اهلــواء‬
‫مباشــرة‪ ،‬وهــو شــيء مل حيــدث يف وفــاة طــه حســن أو عبــاس حممــود العقــاد‪.)2(»...‬‬
‫وتقطــع القنــوات العربيــة إرســاهلا لب ـثّ خطــاب مباشــر لرئيــس دولــة متقدمــة أو‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.335 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.330 :‬‬
‫‪162‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫لوزيــر دفاعهــا‪...‬‬
‫كمــا يُالحَــظ انتشــار اســتخدام العاميــة يف بعــض نواحــي األدب واإلعــام؛ نتيجــة‬
‫عــدم حتســن إمكانــات اللغــة العربيــة علــى اســتيعاب املعطيــات واملعــارف اجلديــدة‪،‬‬
‫وعــدم توحيــد املصطلحــات وتعميمهــا‪ ،‬وعلمــاء اللغــة يُنبِّهــون إىل أن الصــراع القــادم‬
‫هــو صــراع لغــوي‪ ،‬ويقــول «كاميليــو جوزيســيال»‪« :‬إن ثــورة االتصــاالت الــي اختزلــت‬
‫الزمــان ســتؤدي إىل انســحاب أغلــب اللغــات قبــل هنايــة القــرن احلــادي والعشــرين‪،‬‬
‫مــا عــدا أربــع لغــات هــي‪ :‬اإلجنليزيــة والفرنســية واإلســبانية والعربيــة‪ ،‬وإدراكــه أن‬
‫اللغــة العربيــة ضمــن هــذه اجملموعــة أثــارت حفيظــة الغــرب عامــة»‪ ،‬وأمهيــة اللغــة‬
‫واحلفــاظ عليهــا قضيــة جوهريــة بالنســبة للهويــة القوميــة؛ فأمريــكا مث ـاً والــي‬
‫بــدأت خليطــاً مــن األجنــاس واألعــراق؛ مل تتوحّــد إال بإحــدى الوســائل وأبرزهــا‬
‫اســتعمال اللغــة اإلجنليزيــة‪ ،‬كمــا حصــر «برهــان غليــون» مشــكلة البحــث العلمــي‬
‫يف الوطــن العربــي يف أمــور ثالثــة‪« :‬اخنفــاض عــدد الباحثــن باملقارنــة مــع البلــدان‬
‫املتقدمــة ومــع املعــدل الوســطي العاملــي نفســه‪ ،‬وضعــف البنيــة املؤسســية العلميــة‪،‬‬
‫وأخــراً نقــص مردوديــة الباحــث العربــي»(‪.)1‬‬
‫إن العوملــة هــي ظاهــرة تفــوّق علمــي باألســاس وك ّل متفــوِّق علميــاً هــو عضــو يف‬
‫العوملــة‪ ،‬فوجــود العلــم عنــد املهزومــن يف احلــرب العامليــة الثانيــة (أملانيــا واليابــان)‬
‫جعلهمــا قوتــن فيمــا بعــد‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وسائل التخفيف من خماطر عوملة االقتصادات العربية‬
‫نتســاءل أخــراً‪ ،‬أيــن البلــدان العربيــة ممّــا يشــهده العــامل مــن تغيُّــرات وحت ـوُّالت؟‬
‫وكيــف ميكــن التعامــل معهــا وحتســن موقعهــم يف إطــار عمليــة العوملــة االقتصاديــة؟‬
‫وملواجهــة العوملــة انتهــى «إمساعيــل صــري عبــد اهلل» إىل أن «االختيــار احلاســم»‬
‫يف ضــوء مــا تُثبتــه منظمــة التعــاون والتنميــة االقتصاديــة يتمثــل يف «وحــدة العــرب‬
‫االقتصاديــة» باعتبارهــا «طــوق النجــاة مــن األخطــار الــي هتدِّد جممل الــدول العربية‬
‫(‪ )1‬برهان غليون‪« ،‬الوطن العربي أمام حتديات القرن الواحد والعشرين»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪163‬‬
‫مســتقبالً»(‪ ،)1‬ويعتمــد يف حتليلــه علــى دراســة منظمــة التعــاون والتنميــة االقتصاديــة‬
‫ســنة ‪ 1995‬الــي توصّلــت فيهــا إىل أن مخــس دول ســتصبح ســنة ‪ 2020‬مــن الــدول‬
‫الكــرى اقتصاديـاً هــي‪( :‬روســيا والصــن واهلنــد والربازيــل وأندونيســيا)(‪ ،)2‬ويرجــع‬
‫ســبب اختيــار املنظمــة هلــذه الــدول اخلمــس إىل عاملــن مهــا‪:‬‬
‫ ‪-‬عدد سكان ال يقل عن ‪ 150‬مليون نسمة؛‬
‫ ‪-‬وناتج حملي إمجايل ال يقل عن ‪ 150‬مليار دوالر‪.‬‬
‫ومبــا أن جممــوع ســكان الــدول العربيــة هــو (‪ 252‬مليــون نســمة) وناتــج حملــي‬
‫إمجــايل (‪ 528.7‬مليــار دوالر )؛ فــإن الوحــدة االقتصاديــة العربيــة هــي أســاس‬
‫الصعــود إىل مركــز دولــة كــرى يف االقتصــاد العاملــي‪ ،‬حســب مــا ِّ‬
‫يوضحــه اجلــدول‬
‫التــايل‪:‬‬
‫جدول ‪ :17‬الناتج احمللي اإلمجايل مقارناً بعدد السكان يف بعض دول اجلنوب‬
‫الدول‬
‫اهلند‬
‫أندونيسيا‬
‫الربازيل‬
‫جمموع الدول العربية‬
‫عدد السكان (مليون نسمة)‬
‫‪929.3‬‬
‫‪159.2‬‬
‫‪159.2‬‬
‫‪252.8‬‬
‫ناتج حملي إمجايل (مليار دوالر)‬
‫‪324.1‬‬
‫‪198.1‬‬
‫‪688.1‬‬
‫‪528.7‬‬
‫املصدر‪ :‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.382 :‬‬
‫إن الوحــدة االقتصاديــة العربيــة لــن تتح ّقــق مبعاهــدة يو ِّقعهــا امللــوك والرؤســاء؛‬
‫وإمنــا املطلــوب هــو‪« :‬توحُّــد الوطــن واألمــة؛ أي مشــاركة العــرب كأفــراد ومجاعــات‬
‫وأحــزاب وحكومــات ورجــال أعمــال وأكادمييــن ومث ّقفــن يف العمــل اإلجيابــي الــذي‬
‫يســتهدف حتقيــق الوحــدة»(‪.)3‬‬
‫ويقــرح بعــض الباحثــن مشــروعاً متكامـاً يهــدف إىل حتقيق وأســباب القــوة العربية‬
‫وتدعيــم املوقــف العربــي جتــاه التحديــات الدوليــة الراهنــة‪ ،‬وتتمثــل عناصــر هــذا‬
‫(‪ )1‬إمساعيل صربي عبد اهلل‪« ،‬العرب والكوكبة»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.382 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.381 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.385 :‬‬
‫‪164‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫املشــروع يف(‪:)1‬‬
‫‪1 .1‬إقامــة منظومــة عربيــة إقليميــة‪ :‬تتم ّثــل أساســاً يف إنشــاء حمكمــة عــدل‬
‫عربيــة للوقايــة مــن النزاعــات العربيــة وتســويتها؛ هبــدف تأمــن أمــن الوطــن‬
‫العربــي مــن داخلــه بــدالً مــن اســترياد بعــض الــدول العربيــة ألمنهــا مــن أمريــكا؛‬
‫‪2 .2‬إنشــاء ســوق عربيــة مشــركة‪ :‬وتســتند إىل اعتبــارات اهلويــة العربيــة‪ ،‬ودعــم‬
‫األمــن القومــي العربــي‪ ،‬واملصلحــة املشــركة‪ ،‬وهتــدف إىل‪:‬‬
‫ ‪-‬دعــم املركــز التفاوضــي العربــي يف االقتصــاد الــدويل الراهــن واملؤ َّلــف مــن‬
‫تكتــات اقتصاديــة كــرى؛‬
‫ ‪-‬التخفيــف مــن حـدّة التبعيــة للخــارج وحتقيــق درجــة أفضــل مــن اســتقاللية‬
‫القــرار العربي‪.‬‬
‫وتعــود أســباب إخفــاق التكامــل االقتصــادي العربــي أساس ـاً إىل عــدم توافــر اإلرادة‬
‫السياســية لــدى معظــم األنظمــة العربيــة‪ ،‬وليــس مــن الضــروري إقامــة الســوق‬
‫العربيــة املشــركة دفعــة واحــدة؛ بــل ميكــن البــدء بإقامتهــا بــن دولتــن أو ثــاث أو‬
‫أكثــر‪ ،‬وميكــن أن تش ـ ِّكل عامــل جــذب ألقطــار عربيــة أخــرى؛‬
‫‪3 .3‬التنميــة العادلــة واملســتقلة‪ :‬تلــك التنميــة الــي تســتفيد منهــا غالبيــة النــاس‬
‫والــي ال تــؤدي إىل تفاقــم ســوء التوزيــع يف الثــروات والدخــول؛ بــل التقليــل مــن‬
‫حـدّة الفقــر والبطالــة والالمســاواة؛‬
‫‪4 .4‬الدميقراطيــة‪ :‬حيــث إن مفتــاح احلــ ّل يعتمــد علــى تعبئــة الشــعب العربــي‪،‬‬
‫ومــن الصعــب أن تتــم تلــك التعبئــة مــن دون انتشــار الدميقراطيــة‪.‬‬
‫ولكــن هــذا املشــروع ُطــرح منــذ ‪ ،1964‬ويبــدو أن إقامــة مثــل هــذا املشــروع‬
‫‬
‫أمــر مســتبعد يف ظــل عــدم توافــر اإلرادة السياســة وفشــل جتــارب إقليميــة (احتــاد‬
‫املغــرب العربــي)‪ ،‬والواقــع أن الــدول العربيــة تدخــل العوملــة كل واحــدة منفــردة‪ ،‬رغــم‬
‫أهنــا متلــك أقــدم تنظيــم إقليمــي يف العــامل وهــو «جامعــة الــدول العربيــة» الــذي بــات‬
‫مــن الضــروري تفعيــل دورهــا للمضــي قدُم ـاً يف املنافســة املعوملــة‪.‬‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬حممد األطرش‪« ،‬العرب والعوملة ما العمل؟»‪ ،‬يف العرب والعوملة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.440-423 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪165‬‬
‫وميتلــك العــامل العربــي اإلمكانــات والقــدرات الــي تؤهِّلــه إلقامــة أكــر تك ُّتــل إقليمــي‬
‫لرفــع حتــدي العوملــة‪.‬‬
‫شكل ‪ :11‬خماطر العوملة على الدول العربية‬
‫خماطر العوملة على الدول العربية‬
‫جتزئة العامل العربي‬
‫املشروع األوسطي =‬
‫(إسرتاتيجية أمريكية)‬
‫‪+‬‬
‫املشروع املتوسطي =‬
‫(إسرتاتيجية أوربية)‬
‫=‬
‫فصــل دول املغــرب العربــي عــن‬
‫دول املشــرق العربــي‬
‫(القضاء على الوحدة العربية)‬
‫فشل سالح النفط‬
‫ تضاؤل دور املواد األولية‬‫ االعتمــاد علــى مصــدر دخــل‬‫و حيــد‬
‫ ســيطرة الربامــج الغربيــة علــى‬‫حمتــوى وســائل اإلعــام العربيــة‬
‫(تبعيــة إعالميــة)‬
‫ عــدم وجــود سياســة موحَّــدة‬‫للــدول املصــدرة للنفــط‬
‫‪ -‬ضعف مردودية البحث العربي‬
‫‪‬‬
‫‪166‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫تشويه اهلوية العربية‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الدول اآلسيوية وجتارب العوملة‬
‫سنبحث يف هذا املطلب العناصر التالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬تطور الدول اآلسيوية احلديثة التصنيع‬
‫ثانياً‪ :‬أسباب أزمة بلدان شرق آسيا‬
‫ثالثاً‪ :‬الدروس املستفادة من العوملة السريعة لالقتصادات اآلسيوية‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬تطور الدول اآلسيوية احلديثة التصنيع‬
‫أثنــاء العقــود الثالثــة املاضيــة‪ ،‬أصبــح شــرق آســيا مــن أكثــر املناطــق االقتصاديــة‬
‫أمهيــة يف العــامل‪ ،‬ومــع إنشــاء التكتــات التجاريــة يف أمريــكا الشــمالية وأوربــا؛ بــدأ‬
‫احلديــث عــن منطقــة شــرق آســيا ككتلــة مــن هــذا القبيــل‪ ،‬وإذا كان احلديــث عــن‬
‫هــذه الــدول كمجموعــة واحــدة؛ فــإن اقتصــادات شــرق آســيا متباينــة؛ إذ «توجــد‬
‫اختالفــات واضحــة بينهــا يف املســاحة وعــدد الســكان والتاريــخ‪ ،‬والنظــام السياســي‬
‫وحتــى البنيــة االقتصاديــة هلــذه البلــدان متمايزة يف كل بلــد»(‪ ،)1‬ورغم هذا االختالف‬
‫إال أهنــا تتميّــز بعوامــل مشــركة تتمثــل يف‪ :2‬االهتمــام بالتعليــم‪ ،‬واملســتوى العاملــي‬
‫للمدخــرات الوطنيــة‪ ،‬والسياســات احملليــة املالئمــة‪ ،‬وتشــجيع الصــادرات‪ ،‬واالقتــداء‬
‫بالنمــوذج اليابانــي‪.‬‬
‫ميكن تلخيص مسرية النمو الذهبية لدول شرق آسيا يف النقاط التالية(‪:)3‬‬
‫ ‪-‬بعــد احلــرب العامليــة الثانيــة كان الركــود االقتصــادي والفقــر مســة العيــش يف‬
‫دول شــرق آســيا؛‬
‫ ‪-‬يف عقــد الســتينيات بــدأت مالمــح «اإلقــاع االقتصــادي» يف دول اجملموعــة‬
‫األوىل (اجليــل األول) الــي عُرفــت بالتنينــات اآلســيوية‪( ،‬ســنغافورة‪ ،‬هونــغ‬
‫(‪ )1‬بول كيندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.253 :‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.256-254 :‬‬
‫(‪ )3‬صهيب جاسم‪« ،‬منور آسيا‪ ،..‬هل تنهض من جديد»‪ ،‬جملة اجملتمع‪ ،‬ع ‪ 1998/06/02 ،1302‬ص‪.27-25 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪167‬‬
‫كونــغ‪ ،‬تايــوان‪ ،‬كوريــا اجلنوبيــة) ويف عــام ‪ 1967‬تش ـ ّكلت رابطــة دول جنــوب‬
‫شــرق آســيا «آســيان» لتحقيــق التكامــل اإلقليمــي؛‬
‫ ‪-‬ويف منتصــف الثمانينيــات ظهــرت دول اجملموعــة الثانيــة (اجليــل الثانــي) اليت‬
‫عُرفــت بالنمــور اآلســيوية‪( ،‬أندونيســيا‪ ،‬ماليزيــا‪ ،‬تايلنــدا‪ ،‬الفلبــن)؛ حيــث‬
‫ح ّققــت نســبة منــو متوســطها ‪%8‬؛‬
‫ ‪-‬ويف عقــد التســعينيات ظهــرت دول اجملموعــة الثالثــة (اجليــل الثالــث) والــي‬
‫عُرفــت باألشــبال اآلســيوية (الفيتنــام‪ ،‬برونــاي‪ ،‬كمبوديــا‪ ،‬ماينمــار‪ ،‬الوس)؛‬
‫ ‪-‬ومنــذ عــام ‪ 1993‬أصبحــت تُعــرف جتربــة دول آســيا باســم «املعجــزة‬
‫اآلســيوية»؛ حيــث قــام البنــك الــدويل بدراســة لبحــث خــرة اقتصــادات شــرق‬
‫آســيا‪ ،‬والسياســات العامــة الــي دعّمــت النمــو‪ ،‬وطرحــت التســاؤالت التاليــة‪:‬‬
‫• •ما مصادر جناح بلدان شرق آسيا؟‬
‫• •وهــل ميكــن لالقتصــادات األخــرى تكــرار تطبيــق السياســات الــي‬
‫طرحتهــا هــذه التجربــة أم أن تقليدهــا أمــر مســتحيل؟‬
‫• •إىل أيّ مدى تقدِّم جتربة آسيا دروساً لالقتصادات النامية األخرى؟‬
‫وقد اختلفت اآلراء املتعلقة بتفسري العوامل األساسية للنجاح‪:‬‬
‫فهنــاك مَــن يفسِّــره بالــدور الكبــر للدولــة‪ ،‬مقابــل آراء أخــرى تؤ ِّكــد علــى احلريــة‬
‫االقتصادية ودور السوق‪ ،‬وهناك مَن يُرجعه إىل دور إسرتاتيجية تشجيع الصادرات‬
‫يف ذلــك التق ـدُّم‪ ،‬مقابــل اآلراء الــي تؤ ِّكــد أن التنميــة املتوازنــة مــع عدالــة التوزيــع‬
‫واالســتناد إىل الســوق يف الوقــت نفســه كانــت هــي العوامــل األكثــر أمهيــة‪ .‬وهنــاك‬
‫مَــن يُرجعــه إىل األمهيــة الفائقــة للشــركات املتعــددة اجلنســيات واالســتثمار األجنــي‬
‫املباشــر يف حتقيــق هــذا النجــاح‪ ،‬مقابــل اآلراء الــي تؤ ِّكــد علــى اإلمكانــات الذاتيــة‪.‬‬
‫ال شــك أن الوصفــة الــي ا ُّتبعــت لتحقيــق ذلــك التق ـدُّم يف شــرق آســيا ختتلــف مــن‬
‫بلــد إىل آخــر؛ إال أنــه حســب دراســة البنــك الــدويل؛ فــإن عوامــل النجــاح األساســية‬
‫تعــود إىل‪:‬‬
‫‪168‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ ‪-‬تراكم رأس املال املادي؛ نتيجة معدالت ادخاراهتا العالية؛‬
‫ ‪-‬تراكم رأس املال البشري؛ نتيجة تشجيعها لنظام تعليمي جيّد؛‬
‫ ‪-‬كفــاءة ختصيــص رأس املــال؛ نتيجــة اســتخدامها مزجي ـاً مــن آليــات الســوق‬
‫والتدخُّــل احلكومــي‪.‬‬
‫كمــا أنــه ليســت هنــاك صلــة وثيقــة بــن االزدهــار االقتصــادي يف آســيا‪ ،‬ورأمساليــة‬
‫«دعــه يعمــل؛ دعــه ميــر»؛ حيــث «ال يتدخّــل مهندســو التنميــة االقتصاديــة اآلســيويون‬
‫يف توجيــه تد ّفقــات رأس املــال قصــرة األجــل يف أســواق املــال فحســب؛ بــل يضعــون‬
‫أيض ـاً شــروطاً دقيقــة لالســتثمارات املباشــرة الــي تقــوم هبــا املؤسســات املتعــددة‬
‫اجلنســية‪ ،‬فماليزيــا علــى ســبيل املثــال تراعــي علــى حنـ ٍو منتظــم مشــاركة شــركاهتا‬
‫احلكوميــة واخلاصــة يف فــروع هــذه املؤسســات؛ وذلــك رغبــة منهــا يف ضمــان تل ّقــي‬
‫عــدد متزايــد مــن العمالــة الوطنيــة للخــرات‪ ،‬واملعــارف الضروريــة للســوق العاملــي‪،‬‬
‫أضــف إىل هــذا أن كل هــذه الــدول تُنفــق جــزءاً معتــراً مــن ميزانيتهــا علــى خلــق‬
‫نظــام تعليمــي جيّــد‪ ،‬وقــادر علــى رفــع املؤهّــات العامــة لــدى مواطنيهــا»(‪.)1‬‬
‫ثانياً‪ :‬أسباب أزمة بلدان شرق آسيا‬
‫يف منتصــف ‪ 1997‬انفجــرت أزمــة ماليــة يف هــذه املنطقــة غيّــرت مــن املصطلحــات‬
‫مــن «املعجــزة اآلســيوية» و» التنينــات اآلســيوية» و»النمــور اآلســيوية» إىل «ســقوط‬
‫النمــور» و»النمــور الورقيــة» و»القطــط اآلســيوية» وأصبحــت التســاؤالت تُطــرح‬
‫كالتــايل‪:‬‬
‫ ‪-‬هل العوملة االقتصادية هي السبب يف األزمة اآلسيوية؟‬
‫ ‪-‬هل ميكن لنمور آسيا أن تنهض من جديد؟‬
‫ ‪-‬مــا مــدى قابليــة انتقــال األزمــة إىل دول أخــرى دخلــت عــامل العوملــة بالطريقــة‬
‫نفسها ؟‬
‫وكانــت مالمــح األزمــة تتم ّثــل يف‪ :‬اخنفــاض قيمــة العملــة وهبــوط األســعار يف‬
‫(‪ )1‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.262-260 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪169‬‬
‫البورصــة وإغــاق البنــوك وارتفــاع الديــون‪...‬‬
‫كمــا تو ّقــع اخلــراء أن دول املنطقــة حتتــاج إىل ‪ 3‬ســنوات حتــى تســتعيد منوهــا‪،‬‬
‫أمــا اآلثــار الــي بــدأت يف الظهــور‪ :‬اخنفــاض نســبة النمــو العاملــي‪ ،‬وارتفــاع نســبة‬
‫البطالــة‪ ،‬واخنفــاض دخــل الــدول املصــدِّرة للبــرول‪.‬‬
‫ولقــد تفاجــأ العــامل هلــذه الصدمــة املاليــة اآلســيوية الــي دفعــت الكثــر مــن‬
‫االقتصاديــن إىل البحــث عــن أســباهبا‪...‬؛ وهلــذا ميكــن رصــد اآلراء الــي تفسِّــر‬
‫أســباب األزمــة‪:‬‬
‫ ‪-‬بعــض اآلراء وخاصــة الغربيــة منهــا تؤ ِّكــد علــى األخطــاء الــي ارتكبتهــا تلــك‬
‫البلدان ومنها «املبالغة يف اســتدعاء االســتثمارات األجنبية‪ ،‬والقيام مبشــاريع‬
‫ضخمــة احتاجــت إىل متويــات هائلــة للقــروض مع انعدام أو ضعف املنافســة‪،‬‬
‫وقيــام عالقــة غــر صحيحــة بــن رجــال السياســة ورجــال األعمــال أدت إىل‬
‫انتشــار الفســاد»(‪)1‬؛‬
‫ ‪-‬يف حــن تؤ ِّكــد التحاليــل اآلســيوية علــى أن ســبب األزمــة يعــود إىل «خطــة‬
‫أو إيديولوجيــة أمريكيــة يُــراد تطبيقهــا وتعميمهــا إلحبــاط أيّ جتربــة أخــرى‬
‫متميِّــزة أو خمتلفــة ومؤامــرة علــى اقتصــادات آســيا»(‪.)2‬‬
‫ومــن هنــا يأتــي الــدور الســليب للمضاربــن والنظــام النقــدي العاملــي احلــايل «الــذي‬
‫يفتــح األبــواب للتجّــار مــن أصحــاب املليــارات ليدمِّــروا اقتصاديــات دول يف فــرة‬
‫زمنيــة خياليــة يف قصرهــا‪ ،‬مقارنــة بالفــرة الــي اسـتُغرقت يف البناء»(‪ ،)3‬وهي إشــارة‬
‫إىل املضاربــن يف أســواق العمــات واألســهم وخاصــة املضــارب األمريكــي اليهــودي‬
‫«جــورج ســوروس» الــذي كتبــت عنــه اجمللــة االقتصاديــة األمريكيــة (‪Business‬‬
‫‪ )Week‬أنــه «الرجــل الــذي حيــرك األســواق»(‪.)4‬‬
‫وحســب (هانــس وشــومان)؛ فــإن العــامل حتــوّل إىل رهينــة يف قبضــة حفنــة مــن‬
‫(‪ )1‬السيد ياسني وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.481 :‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬صهيب جاسم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28 :‬‬
‫(‪ )4‬هانس بيرت مارتني وهارالد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.117 :‬‬
‫‪170‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫كبــار املضاربــن الذيــن يتاجــرون بالعمــات واألوراق املاليــة‪ ،‬فاملضاربــون يف القطــاع‬
‫املــايل يش ـ ِّكلون «وبــاء اإليــدز يف االقتصــاد العاملــي»(‪.)1‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الدروس املستفادة من العوملة السريعة لالقتصادات اآلسيوية‬
‫هنــاك عــدة دروس ميكــن االســتفادة منهــا؛ حيــث إنــه مــن املفيــد للــدول حتديــد‬
‫خماطــر العوملــة بشــكل دقيــق عنــد تطبيــق «وصفــة العوملــة» علــى ضــوء التجــارب‬
‫املعاصــرة؛ فهنــاك جتربــة عوملــة يف أمريــكا الالتينيــة (املكســيك) وأخــرى يف جنــوب‬
‫شــرق آســيا‪.‬‬
‫إن األزمــة املاليــة اآلســيوية مل تـرِّر يف الواقــع ســوى خماطــر فــرض نظــام اقتصــادي‬
‫عاملــي يهيمــن عليــه ذوو رؤوس األمــوال الذيــن ال يبالــون باحلــدود اجلغرافيــة وال‬
‫يتحرّكــون إال بدافــع الربــح اخلــاص‪ ،‬بعيــداً عــن أيّ أهــداف تنمويــة حقيقيــة‪.‬‬
‫كمــا كشــفت هــذه األزمــة عــن الوجــه اخلفـيّ للعوملــة االقتصاديــة الــي تســعى الــدول‬
‫املتقدمــة مبســاعدة املؤسســات املاليــة الدوليــة (وعلــى رأســها صنــدوق النقــد‬
‫الــدويل) إىل فرضهــا علــى مجيــع الــدول الناميــة‪ ،‬فاحلريــة املطلقــة الــي تتم ّتــع هبــا‬
‫رؤوس األمــوال مــن حيــث التح ـرّك والتــداول جتعلهــا تتميّــز باملرونــة والبحــث عــن‬
‫أكــر ربــح ممكــن‪ ،‬دون مراعــاة مصلحــة االقتصــادات الــي تنشــط بداخلهــا‪ ،‬وهــذا مــا‬
‫جعــل أيّ انســحاب حمســوس لــرؤوس األمــوال األجنبيــة مــن بورصــات وبنــوك الــدول‬
‫اآلســيوية يــؤدي مباشــرة إىل اهنيــار االقتصــادات اآلســيوية‪.‬‬
‫وقــد اســتطاعت هــذه األزمــة أن تُــرز مــدى تبعيــة االقتصــادات الناشــئة لــرؤوس‬
‫األمــوال املتداولــة دوليـاً‪ ،‬كمــا مل تقـدِّم األزمــة املكســيكية درسـاً حقيقيـاً القتصــادات‬
‫جنــوب شــرق آســيا الــي ظلّــت تعتمــد علــى رؤوس األمــوال الغربيــة واليابانيــة يف‬
‫تنشــيط أدائهــا االقتصــادي‪.‬‬
‫كمــا أظهــرت التجربــة اآلســيوية أن االقتصــادات الضعيفــة ال تســتطيع أن حت ِّقــق‬
‫االندمــاج يف الســوق العامليــة مــن دون املخاطــرة باهنيــار اقتصادهــا‪ ،‬حتــت ضغــط‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.98 :‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪171‬‬
‫الشــركات الكــرى القــادرة علــى املنافســة للحـدّ مــن القــدرة التنافســية هلــذه الــدول‪.‬‬
‫إن املغالطــات الــي يقدِّمهــا خــراء الــدول املتقدمــة حــول أســباب األزمــة تثــر الشــك‬
‫يف مصداقيــة املؤسســات االقتصاديــة العامليــة‪ ،‬فهــم ير ِّكــزون علــى أن اخلطــأ نشــأ‬
‫داخليـاً (ســوء التخطيــط احلكومــي‪ ،‬فســاد إداري‪ )...‬وليــس هنــاك عوامــل خارجيــة‬
‫(العوملــة االقتصاديــة‪ ،‬ومبــدأ حتريــر التجــارة اخلارجيــة‪ ،‬وفتــح األســواق املاليــة بــن‬
‫مجيــع دول العــامل)‪.‬‬
‫وبينمــا كان احلديــث قبــل األزمــة عــن مــدح سياســات دول آســيا (املعجــزة اآلســيوية)‬
‫أصبــح احلديــث بعدهــا عــن هشاشــة األســس الــي تقوم عليهــا هذه الــدول (مديونية‬
‫خارجيــة‪ ،‬غيــاب النظام الدميقراطــي الغربي‪!)...‬‬
‫كمــا بيّنــت األزمــة املاليــة أن الــدول املتقدمــة هتــدف إىل حتجيــم جتربــة النمــور‬
‫اآلســيوية وإدخاهلــا إىل حظــرة صنــدوق النقــد الــدويل؛ ففــي الوقــت الــذي ال يقبــل‬
‫فيــه الغــرب أن تنمــو هــذه الــدول مبــا جيعلهــا منافسـاً لــه يف ظــل االنفتــاح والصــراع‬
‫والتنافــس االقتصــادي؛ فهــو ال يســمح باهنيارهــا ألنــه شــريك فيهــا ولــه مصــاحل‬
‫معهــا‪.‬‬
‫مــن ناحيــة أخــرى؛ ميكــن لألزمــة اآلســيوية أن تشــ ِّكل جتســيداً ملخاطــر العوملــة‪،‬‬
‫وهــي يف حقيقتهــا تعريــف للعوملــة علــى أرض الواقــع كمــا ميكنهــا أن تعطــي درس ـاً‬
‫مفيــداً للــدول الناميــة‪ ،‬فآســيا الــي كانــت إىل وقــت قريــب ختيــف الــدول الغربيــة‬
‫وحتــى الواليــات املتحــدة بفعــل منوهــا االقتصــادي املتســارع وســيطرهتا علــى حركــة‬
‫الصــادرات العامليــة عــادت إىل نقطــة االنطــاق نتيجــة الرتكازهــا املفــرط علــى‬
‫رؤوس األمــوال األجنبيــة‪ ،‬تبعتهــا هــزات اجتماعيــة أ ّثــرت علــى االســتقرار السياســي‬
‫مبعظمهــا‪.‬‬
‫‪172‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫خالصة الفصل الثالث‬
‫إن العوملة تقدِّم لنا مشهدين‪ :‬مشهد للدول املتقدمة‪ ،‬وآخر للدول املتخلّفة‪:‬‬
‫ ‪-‬املشهد األول‪:‬‬
‫لقــد ظهــرت بعــض االستشــرافات املســتقبلية خلــراء وباحثــن غربيــن‪ ،‬تعبِّــر عــن‬
‫تصوّراهتــم يف مَــن ســيملك القــرن الواحــد والعشــرين‪« ،‬ففرانســيس فوكويامــا» يف‬
‫«هنايــة التاريــخ» يَعتــر أن القــرن املقبــل ســيكون أمريكيـاً‪ ،‬و «لســر ثــارو» يف «الصــراع‬
‫علــى القمــة» تو ّقعــه أوربيــاً أمــا «بــول كينــدي» يف «االســتعداد للقــرن احلــادي‬
‫والعشــرين» فهــو يابانــي‪.‬‬
‫إن الوقائــع والتطــورات اجلاريــة يف العــامل‪ ،‬تتميّــز بتعايــش ثالثــة أقطــاب اقتصاديــة‬
‫مهيمنــة علــى االقتصــاد العاملــي‪ ،‬وتتجلــى هــذه الثالوثيــة كمــا يلــي‪:‬‬
‫‪1 .1‬منطقــة التجــارة احلــرة يف أمريــكا الشــمالية (نافتــا) بزعامــة الواليــات املتحدة‬
‫األمريكيــة يف ظــل مشــروع األمركة؛‬
‫‪2 .2‬االحتاد األوربي بزعامة أملانيا يف إطار مشروع األوربة؛‬
‫‪3 .3‬اليابان وامتداداته اآلسيوية ومشروع األسينة‪.‬‬
‫لقــد تبنّــت الــدول املتقدمــة سياســة «التكتــل اإلقليمــي» كإســراتيجية ملضاعفــة‬
‫فرصهــا يف احتــال مواقــع يف الســوق العامليــة‪ ،‬وجتســيداً لألهــداف التاليــة‪:‬‬
‫• •اقتصادي ـاً‪ :‬يســعى كل قطــب إىل إحاطــة نفســه مبجموعــة مــن الــدول الــي‬
‫تشــ ِّكل اجملــال اإلقليمــي االقتصــادي الــذي يســتطيع مــن خاللــه منافســة‬
‫القطبــن اآلخريــن؛ حيــث ســيكون التنافــس والصــراع الشــديدين مســة مميِّــزة‬
‫للعالقــات االقتصاديــة بــن األقطــاب الثالثــة‪ ،‬فمصاحلهــم ال تلتقــي دائم ـاً‪،‬‬
‫ســواء علــى املســتوى الصناعــي أو التجــاري أو املــايل كمــا أن هــذه التجمعــات‬
‫اإلقليميــة يف (ظــل العوملــة) هلــا أمهيتهــا يف املفاوضــات الدوليــة؛‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪173‬‬
‫• •سياســياً‪ :‬يســعى كل قطــب إىل دمــج الــدول اجملــاورة والعربيــة الــي ميكــن‬
‫أن تش ـ ِّكل مصــدراً لالضطرابــات يف املســرة العامــة للكتلــة األم‪ ،‬وهــذا يعــي‬
‫قبــول العديــد مــن الــدول يف إطــار التك ُّتــل القائــم‪ ،‬وتقديــم املعونــة االقتصاديــة‬
‫واملاليــة هلــا؛ كــي تتجــاوز ضعفهــا وعجزهــا؛ هبــدف إجيــاد منــاخ مــن األمــن‬
‫واالســتقرار علــى املســتوى اإلقليمــي؛‬
‫• •ثقافيـاً‪ :‬يســعى كل قطــب إىل إبــراز اهلويــة الثقافيــة واخلصوصيــة احلضاريــة‪،‬‬
‫فاجملتمعــات اإلقليميــة يف ظــل العوملــة بــدأت ختــاف علــى لغاهتــا وهوياهتــا‬
‫وأخالقياهتــا وخصوصياهتــا‪ ،‬وحضاراهتــا‪...‬؛ ومــن هنــا بدأنــا نســمع‬
‫باخلصوصيــة األوربيــة‪ ،‬واخلصوصيــة اليابانيــة‪ ...‬وغريهــا‪.‬‬
‫ ‪-‬املشهد الثاني‪:‬‬
‫بعــد اهنيــار االحتــاد الســوفياتي ظهــرت املعادلــة (مشــال – جنــوب)‪ ،‬فالشــمال‬
‫‬
‫هــو العــامل «الغــي‪ ،‬القــوي‪ ،‬املتقــدم»‪ ،‬أمــا اجلنــوب فهــو العــامل «الفقــر‪ ،‬الضعيــف‪،‬‬
‫املتخلــف»‪ ،‬وأصبــح عــامل اجلنــوب يضــم بلدانــاً ختتلــف يف ختلّفهــا؛ لــذا اقــرح‬
‫االقتصــادي «بيــر موســن» مديــر البنــك الدويل ســابقاً‪ ،‬التمييز بــن أربع جمموعات‪:‬‬
‫ ‪-‬اجلنوب الثري‪ :‬يضم البلدان النفطية الغنية مثل‪ :‬دول اخلليج؛‬
‫ ‪-‬اجلنــوب املنبعــث‪ :‬يضــم البلــدان املصنّعــة اجلديــدة‪ ،‬مثــل‪ :‬املكســيك‪،‬‬
‫واألرجنتــن‪ ،‬وكوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬والصــن؛‬
‫ ‪-‬اجلنــوب املســتقر‪ :‬يضــم البلــدان الــي ال يســمح هلــا منوهــا باخلــروج مــن‬
‫دائــرة التخلــف مثــل‪ :‬الربازيــل واهلنــد؛‬
‫ ‪-‬اجلنــوب املشــهور‪ :‬يضــم البلــدان الفقــرة بشــكل حــادّ‪ ،‬مثل‪ :‬إثيوبيــا والصومال‬
‫وكمبوديا‪...‬‬
‫إن الواقــع االقتصــادي واالجتماعــي للــدول الناميــة ال يســاعد علــى التموقــع بشــكل‬
‫فعّــال يف مســار العوملــة‪ ،‬فالــدول الناميــة‪ ،‬ا ّتســع نطاقهــا بتح ـوّل عــدد مــن البلــدان‬
‫الــي كانــت يف الســابق جــزءاً مــن االحتــاد الســوفياتي إىل صفوفهــا‪ ،‬واحتمــاالت‬
‫‪174‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫إقامــة أســواق مشــركة أو جتمّعــات اقتصاديــة وإقليميــة نــادرة وحمــدودة جــداً‪ ،‬كمــا‬
‫أن بعــض دول إفريقيــا ســوف تُمحــى مــن اخلريطــة اجلديــدة‪ ،‬فهــي مهـدّدة بالتفـ ّكك‬
‫بســبب النزاعــات القبليــة واحلــروب األهليــة‪ ،‬واالضطرابــات االجتماعيــة‪ ،‬وحتديــات‬
‫العوملــة يف الــدول الناميــة هــي‪ :‬الفقــر والتبعيــة والتهميــش‪ ،‬ومواجهتهــا تتطلّب تفعيل‬
‫دور منظماهتــا اإلقليميــة يف إرســاء قواعــد البنــاء التكاملــي وآليــات العمــل التعاونــي‬
‫املشــرك‪.‬‬
‫أمــا العــامل العربــي‪ ،‬فاملؤســف أنــه يســتعدّ لدخــول احلقبــة اجلديــدة مــن التطــور‬
‫العاملــي وهــو أكثــر تشــتتاً ومتزقـاً‪ ،‬فــا النمــط الرمســي للتنميــة أنتــج واقعـاً تنمويـاً‬
‫حقيقيـاً‪ ،‬وال دعــوات التكامــل والقوميــة قــد أحدثــت تكامالً حقيقياً لشــعوبه‪ ،‬وتتم ّثل‬
‫خماطــر العوملــة علــى العــامل العربــي يف التجزئــة وفشــل ســاح النفــط وتشــويه اهلوية‬
‫العربيــة‪ ،‬وملواجهــة ذلــك؛ فــإن الوحــدة العربيــة أصبحــت ضروريــة أكثــر مــن أيّ وقــت‬
‫مضى ‪.‬‬
‫كمــا ظهــرت جمموعــة مــن الــدول تتم ّتــع مبســتوى اقتصــادي يضعهــا يف فئــة مميّــزة‬
‫يف الوســط‪ ،‬بــن الــدول الناميــة والــدول املتقدمــة‪ ،‬فــرزت الصــن كقــوة اقتصاديــة‬
‫ومــن احملتمــل أن تكــون مــن عمالقــة القــرن القــادم إىل جانــب روســيا واهلنــد‬
‫والربازيــل وأندونيســيا‪ ،‬كمــا يُعتــر جتمّــع دول آســيا اجلنوبيــة الشــرقية (آســيان)‬
‫تكتـاً اقتصاديـاً إقليميـاً مُهمـاً؛ إال أن األزمــة املاليــة اآلســيوية جتسِّــد العوملــة علــى‬
‫أرض الواقــع؛ وهلــذا فــإن كانــت الــدول تســعى لتقليــد جتربــة منوهــا فعليهــا أن‬
‫تســتفيد أيضــاً مــن أســباب أزمتهــا‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن تقــدُّم بعــض دول العــامل‬
‫الثالــث وتراجــع دول أخــرى؛ فإنــه يبقــى خاضعـاً لالســتغالل والتبعيــة وتشــرك دولُــه‬
‫يف املشــكالت والتحديــات الــي يواجههــا‪ ،‬وأصبــح لزام ـاً عليهــا تنســيق سياســاهتا‬
‫وتوحيــد جهودهــا وإمكاناهتــا للتخفيــف مــن حجــم التحديــات الــي تواجههــا‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪175‬‬
‫اخلامتة‬
‫‪176‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫اخلامتة‬
‫مــن خــال دراســتنا هلــذا املوضــوع‪ ،‬ومعاجلــة جوانبــه األساســية‪ ،‬توصّلنــا إىل مجلــة‬
‫مــن النتائــج‪ ،‬نُربزهــا فيمــا يلــي‪:‬‬
‫اجلــدل الكبــر بــن الك ّتــاب والباحثــن يف حتديــد مفهــوم املصطلــح وقبولــه‪ ،‬فمنهــم‬
‫مَــن أشــار إىل أن كلمــة «العوملــة» مض ِّللــة؛ ألهنــا تُوحــي باشــراك شــعوب العــامل كلّــه‬
‫يف مزايــا العوملــة‪.‬‬
‫االختــاف بــن وجهــات نظــر الــدول هلــذه الظاهــرة؛ بســبب تبايــن قــدرات كل دولــة‬
‫علــى مواجهــة تأثرياهتــا‪.‬‬
‫وتبيّــن لنــا بــأن للعوملــة‪ :‬مفهــوم متــداول وشــائع على املســتوى النظــري‪ ،‬وآخر حقيقي‬
‫علــى املســتوى التطبيقــي‪ ،‬وهــي ظاهــرة تتشــابك فيهــا أمــور السياســة واالجتمــاع‬
‫والثقافــة واالتصــال واالقتصــاد الــذي يُعتــر جوهــر الظاهــرة املرتبطــة مبــا حيــدث‬
‫للنظــام الرأمســايل الــذي يســتطيع أن جيـدِّد أدواتــه مــن الداخل ويتكيّــف مع األزمات‬
‫علــى املســتوى اخلارجــي‪.‬‬
‫وخلُصنــا إىل أن العوملــة هــي‪ :‬عمليــة مقنّنــة‪ ،‬يُــراد هبــا فــرض وتعميــم منــط احلضــارة‬
‫الغربيــة‪ ،‬وتصديرهــا بصبغــة عامليــة؛ هبــدف انفتــاح األســواق احملليــة‪ ،‬وتصريــف‬
‫املنتجــات االقتصاديــة والسياســية والثقافيــة واالجتماعيــة واإلعالميــة؛ حيث يصبح‬
‫كل شــيء عبــارة عــن ســلعة‪ ،‬حتــت غطــاء «ســوق املنافســة غــر املتكافئــة وهيمنــة‬
‫ثقافــة األقــوى»؛ الشــيء الــذي يعــي مضاعفــة فــرص األطــراف القويــة الــي تســيطر‬
‫علــى عناصــر القــوة االقتصاديــة والعلميــة والتكنولوجيــة والثقافيــة والعســكرية‪...‬‬
‫وأن من أهم خصائصها‪:‬‬
‫ ‪-‬العوملة ظاهرة تارخيية (ليست جديدة)؛‬
‫ ‪-‬العوملة ظاهرة إيديولوجية (الليربالية االقتصادية)؛‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪177‬‬
‫ ‪-‬العوملة ظاهرة تكنولوجية (الثورة الصناعية الثالثة)؛‬
‫ ‪-‬العوملة ظاهرة انتقائية (ازدواجية املعايري)؛‬
‫ ‪-‬العوملــة هتـدِّد مســتقبل ســيادة الدولــة (الدولــة الضعيفــة ازدادت ضعفـاً‪ ،‬بينمــا‬
‫ازدادت الدولــة القويــة قــوةً)؛‬
‫ ‪-‬العوملة نزعة احتاللية (إرادة للهيمنة)‪.‬‬
‫وأن دعــاة العوملــة يروِّجــون ملزايــا االنفتــاح االقتصــادي الــذي يعــود علــى العــامل‬
‫بالرفاهيــة والتقـدّم يف ظــل اندمــاج االقتصــادات يف ســوق عامليــة متكاملــة وموحَّــدة؛‬
‫لكــن الوقائــع االقتصاديــة واملؤشِّــرات الراهنــة تبيِّــن أن هــذه الفرضيــة هــي جمــرد‬
‫أوهــام‪...‬‬
‫فالعوملــة أساســها الصــراع الــدويل الــذي تُســتعمل فيــه مجيــع عناصــر القــوة‬
‫االقتصاديــة والسياســية والثقافيــة والتكنولوجيــة والعســكرية؛ لتأكيــد إرادة اهليمنــة‬
‫علــى العــامل‪ ،‬كمــا اس ـتُخدم تعبــر الــدول الناميــة للتس ـ ُّتر علــى مشــكالت التخلــف‬
‫والتبعيــة والفقــر‪.‬‬
‫وإن أهــم املؤسســات الــي تُسْــهم يف تشــكيلها هــي‪ :‬صنــدوق النقــد الــدويل الــذي‬
‫تنامــى دوره يف توجيــه السياســات االقتصاديــة‪ ،‬وتأ ّكــد طابعــه اإليديولوجــي منــذ‬
‫نشــأته‪ ،‬يكمِّلــه يف ذلــك البنــك الــدويل الــذي أظهــرت التح ـوُّالت اجلاريــة التناقــض‬
‫بــن أهدافــه املعلنــة يف القضــاء علــى الفقــر‪ ،‬ونوايــاه احلقيقيــة بإبعــاد الدولــة عــن‬
‫وظيفتهــا االجتماعيــة؛ عــن طريــق تشــجيعه للخوصصــة‪ ،‬إىل جانــب املنظمــة العاملية‬
‫للتجــارة الــي تقــوم علــى مبــدأ حتريــر التجــارة‪ ،‬وتُشــر الدراســات املســتقبلية حــول‬
‫آثــار هــذه املنظمــة بــأن معظــم املكاســب ســوف تعــود علــى الــدول املتقدمــة؛ بينمــا‬
‫أقلّهــا ســيعود علــى الــدول الناميــة‪.‬‬
‫وتأ ّكــد لنــا أن األطــراف القويــة املتم ِّثلــة يف أخطبــوط الشــركات املتعــددة اجلنســيات‬
‫ونــادي األقويــاء اقتصادي ـاً (منظمــة التعــاون والتنميــة االقتصاديــة)‪ ،‬وجملــس إدارة‬
‫االقتصــاد العاملــي (جمموعــة الســبع الكبــار) ســتكون مــن أكرب املســتفيدين مــن العوملة‬
‫‪178‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫االقتصاديــة؛ ألهنــا هتيمــن علــى حركــة انســياب الســلع واخلدمــات ورؤوس األمــوال‬
‫واألفــكار والقيــم واملعلومــات‪ ...‬وتُعتــر الشــركات املتعــددة اجلنســيات الشــبكة األكثر‬
‫فعاليــة يف حركــة العوملــة؛ لكوهنــا قــوة جتاريــة وتســويقية وإداريــة وتكنولوجيــة‪.‬‬
‫ورغــم أن الدراســة املســتقبلية الــي قامــت هبــا منظمــة التعــاون والتنميــة االقتصاديــة‬
‫تُشــر إىل احتمــال ظهــور مراكــز قــوى اقتصاديــة عامليــة جديــدة‪ ،‬خــارج النطــاق‬
‫األمريكــي األوربــي؛ إال أن املؤشــرات االقتصاديــة تُثبــت أن العوملــة يف الشــمال‬
‫واهليمنــة يف اجلنــوب مهــا ظاهرتــان مرتبطتــان؛ رغــم حــرب املواقــع اجلديــدة بــن‬
‫األطــراف القويــة يف العالقــات االقتصاديــة الدوليــة‪.‬‬
‫فمشــروع األمركــة‪ ،‬ســتدخل بــه الواليــات املتحــدة األمريكيــة القــرن املقبــل وهــي‬
‫يف موقــع ثقــايف وسياســي وعســكري مركــزي يف العــامل؛ بينمــا ســيكون مركزهــا‬
‫االقتصــادي مهمــاً وليــس مهيمنــاً يف عــامل متعــدِّد األقطــاب‪ .‬ومشــروع األوربــة‬
‫ســتدخل بــه أوربــا لتقويــة وتعزيــز موقعهــا السياســي واالقتصــادي والثقــايف يف‬
‫العــامل‪ .‬أمــا مشــروع األســينة فســيدخل بــه اليابــان القــرن املقبــل بثقافــة داخليــة‬
‫متماســكة واقتصــاد عمــاق‪.‬‬
‫وإن األوضــاع االقتصاديــة والسياســية واالجتماعيــة والثقافيــة الراهنــة للبلــدان‬
‫الناميــة تفــرض عليهــا إجيــاد إســراتيجية قصــد التفاعــل مــع العوملــة تفاعـاً إجيابياً‬
‫يــؤدي إىل تقليــص الفجــوة بــن العــامل املتقـدّم والعــامل النامــي‪ ،‬والتقليــل مــن حالــة‬
‫الفقــر والتبعيــة والتهميــش الــي ستســتمر يف ظ ـ ّل اســتمرار الربامــج احلاليــة‪.‬‬
‫كمــا أن مشــاريع العوملــة «األوســطي واملتوســطي» يهدفــان إىل القضــاء علــى الوحــدة‬
‫العربيــة‪ ،‬وجعــل العــامل العربــي يــدور يف أفــاك أمريكيــة وإســرائيلية وأوربية؛ ولذلك‬
‫نؤ ِّكــد بــأن الوحــدة العربيــة مل تعُــد جم ـرّد عاطفــة قوميــة؛ بــل حتميــة اقتصاديــة‬
‫هبــدف إجيــاد موقــع للعــامل العربــي واإلســامي‪.‬‬
‫ولقــد أدت العوملــة املتسـرِّعة ألســواق النقــد واملــال إىل حتويــل املعجــزة اآلســيوية إىل‬
‫أزمــة آســيوية؛ األمــر الــذي يدعــو إىل االســتفادة مــن جتربــة العوملــة يف آســيا‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪179‬‬
‫والسؤال الذي يُطرح علينا اآلن هو‪:‬‬
‫إذا كانــت العوملــة بنمطهــا احلــايل صيغــت علــى مقــاس الــدول املتقدمــة؛ فهــل هنــاك‬
‫شــكل آخــر للعوملــة؟ عوملــة تكــون يف صــاحل كل اجملتمعــات؟!!‬
‫‪‬‬
‫‪180‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الفهارس‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪181‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬فهرس املصادر واملراجع‬
‫املراجع باللغة العربية‬
‫• •الكتب‪:‬‬
‫‪1 .1‬أمحــد عبــد الرمحــان وآخــرون‪ ،‬اإلســام والعوملــة‪ ،‬الــدار القوميــة العربيــة‪،‬‬
‫القاهــرة‪ ،‬ط‪.1999 ،1‬‬
‫‪2 .2‬إمساعيــل صــري عبــد اهلل وآخــرون‪ ،‬العوملــة‪ :‬هيمنــة منفــردة يف اجملــاالت‬
‫االقتصاديــة والسياســية والعســكرية‪ ،‬جهــاد للنشــر والتوزيــع‪ ،‬مصــر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.1999‬‬
‫‪3 .3‬بــول كينيــدي‪ ،‬االســتعداد للقــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬ترمجــة‪ :‬حممــد عبــد‬
‫القــادر وغــازي مســعود‪ ،‬دار الشــروق‪ ،‬األردن‪.1993 ،‬‬
‫‪4 .4‬الســيد ياســن وآخــرون‪ ،‬العــرب والعوملــة‪ ،‬مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪،‬‬
‫بــروت‪ ،‬ط‪ ،1‬يونيــو ‪.1998‬‬
‫‪5 .5‬صادق رباحي‪ ،‬اجلغرافيا االقتصادية املعاصرة‪ ،‬دار تانقيث‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪6 .6‬صاحلــي صــاحل‪ ،‬أوهــام وتكاليــف االنفتــاح الليــرايل والعوملــة القســرية‪ ،‬دار‬
‫اخللدونيــة‪ ،‬اجلزائــر‪.1998 ،‬‬
‫‪7 .7‬ضيــاء جميــد املوســوي‪ ،‬اخلوصصــة‪ :‬آراء واجتاهــات‪ ،‬ديــوان املطبوعــات‬
‫اجلامعيــة‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪8 .8‬فتــح اهلل ولعلــو‪ ،‬االقتصــاد السياســي‪ ،‬السلســلة االقتصاديــة‪ ،‬دار احلداثــة‪،‬‬
‫‪.1982‬‬
‫‪9 .9‬مريونــوف ‪.‬أأ‪ ،‬األطروحــات اخلاصــة بتطــور الشــركات متعــددة اجلنســيات‪،‬‬
‫ترمجــة‪ :‬القزويــي‪ ،‬ديــوان املطبوعــات اجلامعيــة‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫‪1010‬اهلــادي خالــدي‪ ،‬املــرآة الكاشــفة لصنــدوق النقــد الــدويل‪ ،‬دار هومــة‪ ،‬اجلزائــر‪،‬‬
‫‪.1996‬‬
‫‪1111‬هانــس بيــر مارتــن وهارالــد شــومان‪ ،‬فخ العوملــة‪ :‬االعتداء علــى الدميقراطية‬
‫والرفاهيــة‪ ،‬ترمجــة‪ :‬عدنــان عبــاس علــي‪ ،‬سلســلة عــامل املعرفــة‪ ،‬الكويــت‪،‬‬
‫‪.1998‬‬
‫• •الدوريات‪:‬‬
‫‪1212‬سلســلة رســائل البنــك الصناعــي‪ ،‬الكويــت‪ ،‬األعــداد‪( 42 :‬ســبتمرب ‪49 ،)1994‬‬
‫(يونيو ‪.)1997‬‬
‫‪1313‬جملــة التجــارة العربيــة الربيطانيــة‪ ،‬غرفــة التجــارة العربيــة الربيطانيــة‪:‬‬
‫األعــداد‪ :‬مــارس ‪ ،1997‬ابريل‪/‬مايــو ‪ ،1997‬مايو‪/‬يونيــو ‪.1998‬‬
‫‪1414‬جملة التعاون يف اجلنوب‪ ،‬عدد خاص (أغسطس ‪.)1995‬‬
‫‪1515‬جملــة التمويــل والتنميــة‪ :‬األعــداد‪ :‬مــارس ‪ ،1995‬مــارس ‪ ،1996‬ســبتمرب‬
‫‪ ،1994‬ســبتمرب ‪.1996‬‬
‫‪1616‬جملــة الثقافــة العامليــة‪ ،‬اجمللــس الوطــي للثقافــة والفنــون واآلداب‪ ،‬الكويــت‪،‬‬
‫ع‪( 85‬نوفمرب‪/‬ديســمرب ‪.)1997‬‬
‫‪1717‬جملــة العربــي‪ ،‬وزارة اإلعــام‪ ،‬الكويــت‪ ،‬األعــداد‪( 430 :‬ســبتمرب ‪452 ،)1994‬‬
‫(يوليــو ‪( 454 ،)1996‬ســبتمرب ‪.)1996‬‬
‫‪1818‬جملــة العمــل والتنميــة‪ ،‬املعهــد العربــي للثقافــة العماليــة وحبــوث العمــل‪،‬‬
‫اجلزائــر‪ ،‬ع‪.9‬‬
‫‪1919‬جملة اجملتمع‪ ،‬ع‪( ،1302‬يونيو ‪.)1998‬‬
‫‪2020‬جملــة املســتقبل العربــي‪ ،‬مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬األعــداد‪171 :‬‬
‫(مايــو‪( 201 ،)1993/‬نوفمــر‪( 210 ،)1995/‬أغســطس‪217 ،)1996/‬‬
‫(مــارس‪( 221 ،)1997/‬يوليــو‪( 222 ،)1997/‬أغســطس‪232 ،)1997/‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪183‬‬
‫(يونيــو‪( 236 ،)1998/‬أكتوبــر‪.)1998/‬‬
‫‪2121‬جملة حبوث اقتصادية عربية‪( ،‬يونيو ‪.)1996‬‬
‫‪2222‬جملة دراسات اقتصادية‪ ،‬دار اخللدونية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ع‪.1999 ،1‬‬
‫‪2323‬جملة معامل‪ :‬االقتصاد والتجارة والعوملة‪ ،‬دار مارينور‪ ،‬ع‪.4‬‬
‫• •التقارير‬
‫‪2424‬تقريــر جلنــة اجلنــوب‪ ،‬التحــدي أمــام اجلنــوب‪ ،‬مركــز دراســات الوحــدة‬
‫العربيــة‪ ،‬ط‪.1990 ،1‬‬
‫املراجع باللغة األجنبية‬
‫‪2525 Fereydoun A. Khavand, Le Nouvel Order Commercial‬‬
‫‪Mondial: du GATT à l’ OMC, Nathan, 1995.‬‬
‫‪2626 Robert Boyer et al, Mondialisation au delà des mythes,‬‬
‫‪Casbah édition, Alger, 1997.‬‬
‫‪184‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ثاني ًا‪ :‬فهرس اجلداول‬
‫عنـــــوان اجلـــدول‬
‫الرقم‬
‫‪ 01‬توزيع إنتاج اإللكرتونيات على مستوى العامل يف عامي ‪2000-1990‬‬
‫‪ 02‬طبيعة املشكالت يف الدول املتقدمة والدول النامية‬
‫الزيــادة يف نشــاط التخصيصيــة‪ :‬املشــروعات الكــرى الــي مت بيعهــا يف الــدول‬
‫‪ 03‬الناميــة وكانــت ملــكاً للدولــة‬
‫‪ 04‬توزيع الدخل العاملي على الدول املختلفة‬
‫‪ 05‬إمجايل بيانات الشركات ‪ 500‬يف عامي ‪1995-1994‬‬
‫‪ 06‬الناتج احمللي اإلمجايل وتوزيعه‬
‫‪ 07‬حجم التجارة الدولية وتوزيعه‬
‫‪ 08‬توزيع جمموع الناتج احمللي اإلمجايل يف العامل‬
‫‪ 09‬تأثري العوملة االقتصادية يف إسرائيل‬
‫‪ 10‬مقارنة بني جمموعة اإلميو والواليات املتحدة واليابان عام ‪1997‬‬
‫‪ 11‬إسهام القطاعات املختلفة يف إمجايل الناتج احمللي‬
‫‪ 12‬تطور سعر الني الياباني‬
‫‪ 13‬القيمة املضافة للصناعات اليابانية احلديثة‬
‫‪ 14‬نسبة واردات اليابان للثروات الطبيعية‬
‫‪ 15‬الفجوة احلضارية بني الدول املتقدمة والدول النامية‬
‫‪ 16‬تطور أسعار البرتول بالقيمة االمسية واحلقيقية خالل الفرتة ‪1999-1970‬‬
‫‪ 17‬الناتج احمللي اإلمجايل مقارناً بعدد السكان يف بعض دول اجلنوب‬
‫الصفحة‬
‫‪60‬‬
‫‪78‬‬
‫‪95‬‬
‫‪101‬‬
‫‪110‬‬
‫‪112‬‬
‫‪112‬‬
‫‪115‬‬
‫‪124‬‬
‫‪132‬‬
‫‪132‬‬
‫‪143‬‬
‫‪144‬‬
‫‪145‬‬
‫‪154‬‬
‫‪161‬‬
‫‪164‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪185‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬فهرس األشكال‬
‫الرقم‬
‫‪01‬‬
‫‪02‬‬
‫‪03‬‬
‫‪04‬‬
‫‪05‬‬
‫‪06‬‬
‫‪07‬‬
‫‪08‬‬
‫‪09‬‬
‫‪10‬‬
‫‪11‬‬
‫‪186‬‬
‫عنـــوان الشكــل‬
‫املوازنة األمريكية لعام ‪1995‬‬
‫بنود املوازنة العسكرية األمريكية لعام ‪1995‬‬
‫نسبة التوفري من الناتج القومي (‪)1989–1985‬‬
‫توزيع الثروة يف الواليات املتحدة األمريكية‬
‫اهلجرة إىل الواليات املتحدة حسب بالد املنشأ (‪)1990-1951‬‬
‫تصدير األفكار األمريكية‬
‫مشروع األمركة‬
‫مشروع األوربة‬
‫مشروع األسينة‬
‫حتديات العوملة للدول النامية‬
‫خماطر العوملة على الدول العربية‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫الصفحة‬
‫‪122‬‬
‫‪122‬‬
‫‪126‬‬
‫‪126‬‬
‫‪128‬‬
‫‪128‬‬
‫‪129‬‬
‫‪139‬‬
‫‪147‬‬
‫‪156‬‬
‫‪166‬‬
‫رابع ًا‪ :‬فهرس احملتويات‬
‫إهداء ‪7 ....................................................................................‬‬
‫شكر وتقدير ‪8 .............................................................................‬‬
‫مقدمة ‪9 ...................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اجلانب املفاهيمي للعوملة االقتصادية (اإلطار العام للعوملة)‬
‫املبحث األول‪ :‬ماهية العوملة‬
‫ ‪-‬املطلب األول‪ :‬املواقف املتعددة من ظاهرة العوملة‪15 ............................... .‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثاني‪ :‬مفهوم العوملة وتعاريفها‪19 ......................................... .‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثالث‪ :‬أبعاد العوملة وجتلياهتا ‪26 ...........................................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬النشأة التارخيية للعوملة‬
‫ ‪-‬املطلب األول‪ :‬رؤية الباحثني للتطور التارخيي للعوملة ‪38 ...........................‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثاني‪ :‬تطور الرأمسالية العاملية‪40 ........................................ .‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثالث‪ :‬تطور النظام االقتصادي العاملي‪49 ................................ .‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬خصائص وأوهام العوملة‬
‫ ‪-‬املطلب األول‪ :‬خصائص العوملة‪53.................................................. .‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثاني‪ :‬أوهام العوملة االقتصادية‪70........................................ .‬‬
‫خالصة الفصل األول ‪79 .................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اجلانب الوظيفي للعوملة االقتصادية (مؤسسات العوملة وشبكاهتا)‬
‫املبحث األول‪ :‬دور مؤسسات العوملة وآثارها‬
‫ ‪-‬املطلب األول‪ :‬صندوق النقد الدويل وآلية تشكيل العوملة ‪85 .......................‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثاني‪ :‬البنك العاملي وآلية تشكيل العوملة ‪91 ...............................‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪187‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثالث‪ :‬منظمة التجارة العاملية وآلية تشكيل العوملة ‪98 ....................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬دور شبكات العوملة ومظاهر اهليمنة‬
‫ ‪-‬املطلب األول‪ :‬الشركات املتعددة اجلنسيات والعوملة ‪106 ...........................‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثاني‪ :‬منظمة التعاون والتنمية االقتصادية والعوملة ‪111 ...................‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثالث‪ :‬جمموعة السبع الكبار والعوملة ‪114 .................................‬‬
‫خالصة الفصل الثاني ‪116 ...............................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬اجلانب اإلسرتاتيجي للعوملة االقتصادية (موقع الدول على اخلريطة‬
‫االقتصادية العاملية)‬
‫املبحث األول‪ :‬أقطاب الثالوثية وأمناط العوملة‬
‫ ‪-‬املطلب األول‪ :‬الواليات املتحدة األمريكية ومشروع األمركة ‪120 ....................‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثاني‪ :‬أوربا الغربية ومشروع األوربة ‪130 ..................................‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثالث‪ :‬اليابان ومشروع األسينة ‪140 .......................................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬العامل الثالث ورهانات العوملة‪.‬‬
‫ ‪-‬املطلب األول‪ :‬الدول النامية وحتديات العوملة ‪149 ..................................‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثاني‪ :‬الدول العربية وخماطر العوملة ‪157 ..................................‬‬
‫ ‪-‬املطلب الثالث‪ :‬الدول اآلسيوية وجتارب العوملة ‪167 ................................‬‬
‫خالصة الفصل الثالث ‪173 ...............................................................‬‬
‫• •اخلامتة ‪176 ...........................................................................‬‬
‫• •فهرس املصادر واملراجع ‪182...........................................................‬‬
‫• •فهرس اجلداول ‪185 ...................................................................‬‬
‫• •فهرس واألشكال ‪186 ..................................................................‬‬
‫• •فهرس احملتويات ‪187 ..................................................................‬‬
‫‪188‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ملخص‬
‫العوملة االقتصادية‬
‫رؤى استشرافية يف مطلع القرن الواحد والعشرين‬
‫متيّــزت بدايــة القــرن احلــادي والعشــرين بــوالدة مفاهيــم ومصطلحــات جديــدة‪:‬‬
‫كالنظــام العاملــي اجلديــد‪ ،‬اقتصــاد الســوق‪ ،‬اخلصخصــة‪ ،‬االنفتــاح‪ ،‬العوملــة‪...‬؛‬
‫علــى حســاب مصطلحــات أخــرى مثــل‪ :‬شــرق‪-‬غرب‪ ،‬مشال‪-‬جنــوب‪ ،‬العــامل الثالــث‪،‬‬
‫التأميــم‪ ،‬التنميــة االقتصاديــة‪...‬‬
‫ووســط الك ـمّ اهلائــل مــن الكتابــات املتفرِّقــة حــول مصطلــح العوملــة‪ ،‬ونظــراً إىل مــا‬
‫يعانيــه هــذا املفهــوم مــن «تشـوُّش فكــري»؛ فــإن األمــر يســتدعي توافــر دراســة ِّ‬
‫تؤطــر‬
‫ِّ‬
‫وتنظمهــا‪.‬‬
‫هــذه احلالــة‬
‫ويقوم هذا الكتاب مبعاجلة العناصر التالية‪:‬‬
‫‪1 .1‬اجلانب املفاهيمي للعوملة‪.‬‬
‫‪2 .2‬اجلانب الوظيفي للعوملة‪.‬‬
‫‪3 .3‬اجلانب اإلسرتاتيجي للعوملة‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الحليم عمار غربي‬
‫‪189‬‬
‫العولمة االقتصادية‬
‫ضمــن مشــروع (كتــاب االقتصــاد اإلســامي اإللكرتونــي‬
‫اجملانــي) والــذي تشــرف عليــه أســرة مــن املهتمــن‬
‫والباحثــن عميدهــا الدكتــور ســامر قنطقجــي يصــدر هــذا‬
‫الكتــاب اإللكرتونــي اجلديــد للباحــث الدكتــور عبــد احلليــم‬
‫غربــي ضمــن كتــب هــذا املشــروع الرائــد واملعاصــر‪.‬‬
‫الكتــاب يتصــدى ملوضــوع الســاعة يف القــرن احلــايل‪،‬‬
‫ولظاهــرة عامليــة تداعياهتــا وصلــت إىل أبعــد قريــة يف‬
‫العــامل‪ .‬إهنــا العوملــة ‪ ..‬تلــك الظاهــرة الــي بــدأت اقتصاديــة‬
‫ثــم تدرجــت يف جتلياهتــا لتأخــذ صبغــة ثقافيــة وسياســية‬
‫واجتماعيــة‪.‬‬
‫ولعــل الكتــاب حماولــة علميــة جــادة ورائــدة يف الســعي‬
‫لتقصــي مفهــوم العوملــة وتاريــخ نشــوئها وتبلــور ماهيــة‬
‫نظريتهــا ‪ ..‬ومــن ثــمّ رصــد مســارها التطبيقــي وظالهلــا‬
‫وانعكاســاهتا العامليــة ‪ ..‬ثــم االنتهــاء بتمحيــص دقيــق ضمــن‬
‫ميــزان العلــم ملــا هلــا ومــا عليهــا ومــا موقعنــا فيهــا وموقعهــا‬
‫يف حميطنــا العربــي‪.‬‬
‫وإنَّ كثــراً مــن النــاس مل تــدرك حتــى اللحظــة جوهــر العوملة‬
‫وحمــركات متددهــا الشــبكي وتفرعــات جذورهــا يف نســيج‬
‫جمتمعــات ال تعمــل وفــق الســاعة الرأمساليــة إال أهنــا‬
‫أجــرت علــى ذلــك ‪ ..‬مــا أحــدث فوضــى وقلــب كثــراً مــن‬
‫التكوينــات االقتصاديــة واالجتماعيــة يف أحنــاء املعمــورة يف‬
‫ســعي رأمســايل أمريكــي الصبغــة لتكويــن عــامل مــا بعــد‬
‫االشــراكية ومــا بعــد اإلســامية إن صــح التعبــر ليكــون‬
‫هــو هنايــة التاريــخ وبدايــة اإلنســان األخــر وفــق فوكويامــا‪..‬‬
‫ومــن هنــا فــإن عمليــة التصــدي ملفهــوم العوملــة وغاياهتــا‬
‫ومآالهتــا تعتــر مهمــة ملحــة ومصرييــة‪ ،‬ومــا هــذا الكتــاب‬
‫إال خطــوة مــن خطــوات رصينــة يف هــذا احلقــل العلمــي‬
‫املتخصــص‪.‬‬
‫د‪ .‬منقذ عقاد‬
‫الرئيس التنفيذي لدار أبي الفداء العاملية للنشر‬
‫‪190‬‬
‫العولمة االقتصادية‬