تحميل الملف المرفق

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫‪‬‬
‫‪-‬‬
‫‬‫‪-‬‬
‫‬‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫‬‫‪-‬‬
‫‪-‬‬
‫‪‬‬
‫تغير سعر السوق في التمويل طويل الأجل‬
‫مقترحات وحلول‬
‫نشأة الفكرة وأهميتها وأهدافها‪:‬‬
‫يقصد بالتمويل طويل الأجل في تطبيقات المصارف الإسلامية بيع سلعة أو خدمة على أساس تسلم ثمنها بعد‬
‫فترة تزيد على السنتين‪ ،‬ويمتد في بعض التطبيقات إلى ‪ 30‬سنة‪ .‬ويكون دفع الثمن من المتمول للممول‬
‫بصفة شهرية أو ربع سنوية أو نصف سنوية أو سنوية حسب نوع المتمول؛ كان فرداً أم شركة؟‬
‫وقد صاحب تطبيق صيغ التمويل طو يل الأجل في المؤسسات المالية الإسلامية إشكالات فقهية ُع َّدت من أبرز‬
‫الصعوبات التي واجهت تطور الصناعة المالية الإسلامية وانتشارها مقارنة بالصناعة المالية التقليدية‪.‬‬
‫وتتمثل أبرز هذه الصعوبات في ثبات العائد الإسلامي على صيغ التمويل في بيوع المرابحة والمساومة والسلم‬
‫والاستصناع والإجارة التمويلية طوال أجل التمويل‪ .‬بصرف النظر عن سعر السوق‪ ،‬فعندما يتحدد الأجر في‬
‫الإجارة أو الثمن في البيع؛ فغالباً ما يقال‪ :‬لا يمكن تغييرهما شرعاً مع تغيّر مستوى الأجر أو الثمن في السوق‬
‫طوال أجل التمويل؛ ما يؤدي إلى شعور الممول بالغبن ‪ ،‬في حال ارتفاع سعر السوق (الأجر والثمن) على أساس‬
‫أنه لو أتيح له التمويل في الآن؛ سيحقق عائداً أعلى‪ .‬كما يؤدي إلى شعور المتمول بالغبن في حال انخفاض سعر‬
‫السوق على أساس أنه لو أتيح له التمول في الآن؛ فإنه سيتمول بتكلفة أقل‪.‬‬
‫وقد أدى الدعم الفقهي على مستوى اله يئات الشرعية والمجامع الفقهية والمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة‬
‫والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية إلى تذليل جانب مهم من الصعوبات عن طريق الآتي‪:‬‬
‫الإجارة بأجرة متغيرة‪ :‬أصبح متاحاً البدء بأجرة معلومة للفترة الأولى من العقد وربط تغيُّر الأجرة بتغيُّر أجرة المثل‬
‫في السوق طوال أجل التمويل مع مراعاة سقف أعلى وأدنى للتغير‪.‬‬
‫المقاولة بصيغة التكلفة مضافاً إليها ربح معلوم (‪ :) cost plus‬أصبح الخروج من سلبية ثبات العائد في‬
‫الاستصناع ممكناً باللجوء إلى هذه الصيغة؛ وهي الأكثر تطبيقاً في المشروعات الكبيرة‪.‬‬
‫المشاركة المتناقصة‪ :‬على الرغم مما فيها من مخاطر السعر؛ إلا أنها تتيح للطرفين الاتفاق على تصفية المشاركة‬
‫تدريجياً لصالح المتمول بسعر السوق عند كل مرحلة من مراحل التصفية‪.‬‬
‫ومع ذلك بقيت جوانب أخرى تمثل صعوبات بارزة على صعيد التمويل منها‪ :‬ثبات عائد التمويل في الاستصناع‪،‬‬
‫والمقاولة بطريق الاستصناع‪ ،‬والمرابحة في تمويل الأصول الاستهلاكية‪.‬‬
‫المتمولة؛ كالشركات الكبرى في‬
‫ولما كانت هذه المشكلة محل اهتمام المؤسسات المالية الإسلامية والجهات‬
‫ّ‬
‫مجال الصناعة والاتصالات ونحوها‪ .‬قدم المهتمون حلولا لمعالجتها‪ ،‬وأقرت هذه الحلول في بعض الهيئات‬
‫الشرعية؛ غير أن كثيراً من تلك الحلول لم يسلم من النقد والمراجعة‪.‬‬
‫ومن ضمن الحلول المقترحة‪ :‬ربط الربح في التمويل بالبيع بالمرابحة بمؤشر هامش المرابحات الإسلامية أو‬
‫معدل سعر فائدة القرض‪ ،‬وذلك طوال فترة التمويل‪ .‬وكان هذا الحل الأخير محل المدارسة والمناقشة‪ ،‬في‬
‫الملتقى الماضي "الملتقى الثاني للهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية في المملكة العربية‬
‫السعودية" وقد تم الاتفاق على أن يتناول الملتقى القادم مقترحات أخرى لمعالجة تغير سعر السوق في التمويل‬
‫طويل الأجل‪.‬‬
‫ومن أبرز المقترحات التي تم اقت راحها لمعالجة هذه المشكلة ما يأتي‪:‬‬
‫ابتداء للفترة‬
‫أولا‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬وهي إبرام عقد يكون رأس المال فيه محدداً عند العقد؛ أما الربح فلا يحدد‬
‫ً‬
‫كاملة؛ وإنما يربط بمؤشر منضبط لكل فترة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التورق المتجدد قصير الأجل ‪ ،‬وفي هذه الطريقة يتفق طرفا المعاملة على إبرام تورق بهامش الربح السائد‬
‫عند إجراء العملية للدين كاملاً؛ شاملاً رأس المال وربحه؛ على أن يكون سداد الدين كاملا ً في نهاية فترة متفق‬
‫عليها‪ ،‬فإذا حل الأجل سدد العميل جزءاً من الدين متفقاً عليه مسبقاً مع ربحه الذي يعادل تلك الفترة فقط‪ ،‬أما‬
‫باقي الدين فيتم سداده بإجراء عملية تورق أخرى بهامش ربح جديد هو هامش الربح في بداية تلك الفترة‪ ،‬فيكون‬
‫العميل قد سدد باقي الدين الأول واستقر في ذمته دين جديد أعلى منه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المرابحة مع حافز الحسم‪ ،‬وفي هذه الطريقة يتفق المصرف مع العميل على هامش ربح أعلى مما في‬
‫السو ق‪ ،‬يراعى فيه الاحتياط لمصلحة المصرف‪ ،‬ويلتزم المصرف بأن يحسم من قيمة الدين ما زاد عن معدل الربح‬
‫في السوق في تاريخ سداده‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪.4‬‬
‫رابعا‪ :‬تغيير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل ‪-‬زيادة ونقصا‪ -‬بحسب التغير في المؤشر مع بقاء أصل‬
‫الدين ‪ ،‬فإذا ارتفع المؤشر يتم زيادة مقد ار القسط مقابل تخفيض مدة السداد‪ ،‬وإذا انخفض المؤشر ينخفض‬
‫مقدار القسط مقابل الزيادة في مدة السداد‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬التحوط بالجمع بين البيع الآجل والمشاركة‪ ،‬وفي هذه الطريقة يبيع المصرف للعميل جزءاً من أصول‬
‫وجزءا متغيراً يمثل نسبة من أرباح العميل وما‬
‫محددة بثمن آجل يكون ديناً مضموناً في ذمة العميل (‪ %90‬مثلاً)‬
‫ً‬
‫تبقى من الأصول (‪ %10‬مثلاً) يشارك بها العميل مقابل حصوله على (‪ )%10‬من أرباح المشروع‪ ،‬وبهذا يحصل‬
‫المصرف على عائد مرتبط بأداء الشركة‪.‬‬
‫وقد يربط الاستحقاق بنشاط الشركة في المشروع مع مراعاة المؤشر‪ ،‬فتعدل نسب توزيع الربح فترة بحسب‬
‫التغير في المؤشر‪.‬‬
‫وهناك مقترحات أخرى لمعالجة هذه المشكلة‪.‬‬
‫وعلى هذا فيقترح أن تكون المناقشة مستوفية الجوانب الآتية‪:‬‬
‫الدراسة الفقهية للحلول المقترحة‪.‬‬
‫تقديم مقترحات أخرى جديدة –إن أمكن‪ -‬ومناقشتها وتأصيلها فقهاً‪.‬‬
‫تقويم المقترحات المقدمة من حيث إمكانية تطبيقها في المصارف الإسلامية‪.‬‬
‫تقديم مشروع توصية أو قرار يمكن أن يخرج به الملتقى‪.‬‬
‫نسأل هللا للجميع التوفيق والإعانة‪.‬‬
‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫الأمانة العامة للهيئة الشرعية‬
‫مصرف الإنماء‬
‫ورقة مساندة حول أهم‬
‫الحلول للعائد المتغير‬
‫الدكتور‪ /‬العياشي فداد‬
‫خبير في المصرفية الإسلامية‬
‫المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب‬
‫البنك الإسلامي للتنمية (جدة)‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده وصلى اللهم وبارك على عبدك ورسولك محمد بن عبد هللا وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد‪.‬‬
‫الموضوع المعروض للمناقشة في هذا الملتقى المبارك ليس بالجديد في جوهره عن الصناعة المالية التقليدية ‪،‬‬
‫وإنما الجديد فيما يط رحه من إشكالات وآثار وبخاصة على الصناعة المالية الإسلامية‪.‬‬
‫لذلك يحسن بنا قبل استعراض الحلول ومناقشتها أن نعرض للب المشكلة كما هي في الصناعة المالية‬
‫التقليدية‪.‬‬
‫إشكالية الموضوع (البحث)‪:‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪.4‬‬
‫‪.5‬‬
‫‪.6‬‬
‫‪.7‬‬
‫‪.8‬‬
‫إن جوهر فكرة إدارة المخاطر في المصارف تكمن في المواءمة بين مصادر أموال البنك (= الودائع الاستثمارية)‬
‫واستخدامات تلك الأموال‪ .‬فمصادر الأموال التي تحصل على عائد تعد استثمارات قصيرة الأجل (تتراوح بين‬
‫السيولة التامة وبين سنة)‪ .‬أما استخدامات تلك الأموال من قبل البنك بعقود مع المستثمرين تكون متوسطة‬
‫وطويلة الأجل فعلى المصرف أن يحقق ع وائد مجزية تغطي مصاريفه مع ربح لأصحاب المال وتحقيق فائض‬
‫للمساهمين‪ .‬ولا يحقق ذلك إلا من خلال إدارة كفأة توائم بين مصادر الأموال واستخداماتها من حيث الزمن‬
‫(=آجال مصادر المال واستخدامه) والعائد (ثابت أو قابل للتغير)‪.‬‬
‫إن من أهم المخاطر التي تواجهها البنوك التق ليدية ما يعرف بمخاطر سعر الفائدة ؛ وذلك لاحتمال تغيره في‬
‫السوق‪ .‬ومن الصعوبة تحقيق المواءمة بين مصادر الأموال واستعمالاتها في الأجل الطويل؛ ونظرا لكون العائد‬
‫ثابت في الجل القصير فإنه حين ارتفاع سعر الفائدة يكون على البنك رفع العائد للحفاظ على الأموال ولا يمكن‬
‫ذلك إلا بزيادة عوائد التمويل أما إذا ظلت ثابتة فإنه سيعجز عن دفع عوائد منافسة للمودعين‪ ،‬مما يضطره‬
‫لمواجهة زيادة سحب الأموال وهو ما ينذر بانهيار البنك بسب نظام الاحتياطي الجزئي الذي لا يلبي كافة طلبات‬
‫السحب‪.‬‬
‫الحل الذي تلجأ إليه البنوك التقليدية في مثل هذه الأحوال هو إدخال شروط في العقد تعالج موضوع ثبات العائد‬
‫من خلال اشتراط أن يكون العائد متغيرا ‪ ،‬وبيع الأصول ذات العائد الثابت حتى لو كانت ديونا‪.‬‬
‫لعل من الآثار المتوقعة للوصفات العلاجية للأزمة المالية هو حدوث سيولة فائضة في السوق بسبب التعافي‬
‫التدريجي للأزمة مع بدايات عام ‪ 2011‬وبدء عجلة الاقتصاد في الدوران المطلوب وسرعة دوران النقود التي‬
‫تعوض الحاجة إلى السيولة حيث يؤدي زيادتها إلى حدوث موجات تضخمية يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة ‪.‬‬
‫هذا الوضع بالنسبة للبنوك التقليدية يعالج ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬من خلال اشتراط كون العائد متغيرا‪ .‬أما البنوك‬
‫الإسلامية التي تكون عوائد استثماراتها ثابتة في الأجل فإنها لا تستطيع –من أجل ذلك‪ -‬أن تزيد من أرباح ودائعها‬
‫الاستثمارية والمحافظة على عملائها واستقرارها‪.‬‬
‫إن نظام الفائدة المتغيرة ‪ VARIABLE RATES‬يتم من خلال دفع الفائدة دوريا ويتغير سعر الفائدة بتغير معدل‬
‫الفائدة العام‪ .‬والتمويل بالفائدة المتغيرة لم تكن صيغة معروفة في أساليب التمويل قبل سبعينيات القرن‬
‫الماضي وإنما أضحت صيغة معروفة في الصناعة المالية التقليدية بعد موجات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة‬
‫‪1‬‬
‫التي تجاوزت الخانات المزدوجة أي أنها تزيد ‪% 10‬‬
‫وقد تعرضت البنوك بسبب ذلك لكثير من الصعوبات وخاصة بنوك الادخار التي اختصت في تقديم التمويل‬
‫طويل الأجل غالبا ‪ .‬فهذا الارتفاع أدى إلى ارتفاع أسعار الفوائد على الودائع لأنها قصيرة الأجل مع ثبات الفائدة‬
‫على القروض طويلة الأجل وهو ما أحدث اختلافا بينا بين الفائدة المدينة والدائنة‪.‬‬
‫ولئن كان نظام الفائدة المتغيرة يستجيب لحاجة المؤسسات ويعطي مرونة في إدارة مخاطر استثماراتها على‬
‫المستوى الجزئي إلا أن تلك الحلول ذات أثر اقتصادي سلبي على المستوى الكلي ؛ لأن تغير سعر الفائدة‬
‫بالارتفاع سيؤدي في ارتفاع مقد ار الفائدة في القروض طويلة الأجل وهو ما ينعكس على مقدار القسط واجب‬
‫السداد‪ ،‬وارتفاع مقادير الأقساط إلى أضعاف مضاعفة هو ما ينذر بالعجز التام عن السداد ووضع المؤسسات‬
‫‪1‬‬
‫السويلم‪ ،‬سامي‪ ،‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬ورقة مقدمة للملتقى الثاني للهيئات الشرعية‪ ،‬الرياض‪1430 :‬ـ‪ ،2009‬ص‪. 3‬‬
‫المالية في موضع صعب جدا ينذر بإفلاسها ويتأثر بذلك الجهاز المصرفي ككل كما حدث في الأزمة المالية‬
‫الأخيرة في أمريكا وغيرها من الدول الأخرى‪.1‬‬
‫والأثر الاقتصادي السلبي الذي يصاحب نظام الفائدة المتغيرة لا يوجد موانع لأن يحدث في البنوك الإسلامية إذا‬
‫ما اتبعت أسلوب تعديل عوائد عقود تمويلها طويلة الأجل ؛ لأن زيادة هامش الربح في عقود المرابحة مثلا‬
‫لارتفاع أس عار الفائدة سيؤدي إلى ارتفاع مقدار أقساط السداد وهو ما سيؤدي مع الارتفاعات المتوالية إلى العجز‬
‫عن السداد ودخول المصارف دائرة الحرج المالي‪.‬‬
‫إن تعديل عوائد استثمارات المصارف الإسلامية التي التزمت بها في عقودها التمويلية مع المستثمرين بالزيادة‬
‫لكي تتمكن من رفع نسب ربح ودائعها الاستثمارية موضوع يتضمن إشكالات شرعية ينبغي التصدي للها بالبحث‬
‫والمناقشة‪ ،‬حتى ولو تعلق الأمر بمجال منافسة البنوك التقليدية إذا ما لجأت إلى زيادة نسب فوائد ودائعها وفقا‬
‫للزيادة في معدلات أسعار الفائدة في السوق‪.‬‬
‫الحلول المقترحة لتعديل عوائد التمويلات‬
‫في المصارف الإسلامية‬
‫عرض هذا الموضوع في مناسبات عدة في الآونة الخيرة ولعل من تلك المناسبات المهمة الندوة الفقهية الثانية‬
‫لمصرف أبوظبي التي عقدت في شهر ربيع الثاني من هذا العام وقد تناولت ورقات البحث جملة من المقترحات‬
‫ومن المناسب استعراضها وم ناقشتها ‪ .‬إذ منها في تقديري ما هو مقبول ومنها ما هو محتاج لمزيد من البحث‬
‫والدراسة ومنها ما هو غير مقبول‪.‬‬
‫وصف عام لتطبيق العقود في المصارف الإسلامية‪:‬‬
‫لا يخلو أمر العقود في المصارف الإسلامية من عقود قائمة وباتة تم إمضاؤها والاتفاق على جميع شروطها بين‬
‫المصرف وعملائه المستثمرين‪ ،‬وعقود أخرى هي قيد الدراسة والموافقة عليها‪.‬‬
‫الحلول المقترحة لتعديل عوائد العقود القائمة‪:‬‬
‫أولا‪ :‬الاتفاق بين المتعاقدين على التعديل في الثمن والمثمن‬
‫تناول الفقهاء الموضوع واتجهت بعض المذاهب إلى جواز ذلك باعتبار أن التعديل تصحيح للعقد الأصلي‪ .‬ومما‬
‫نجده من الأقوال في ذلك ما لخصته الموسوعة الفقهية‪ 2‬حيث أشارت إلى أن‪:‬‬
‫مذهب الحنفية‪ :‬هو جواز أن يزيد المشتري في الثّمن بعد العقد ‪ ،‬كما أنه يجوز للبائع أن يزيد في المبيع على أن‬
‫الز يادة أ ّنها‬
‫يكون قبول ّ‬
‫الز يادة في الثّمن‪ .‬وحكم ّ‬
‫الز يادة‪ ،‬ويكون المبيع قائماً ‪ ،‬إذا كانت ّ‬
‫الطرف الآخر في مجلس ّ‬
‫هبة ‪ ،‬ولذا لا تحتاج إلى القبض المشروط لتمام الهبة‪ ،‬وهذا في الجملة ‪ .‬هذا‬
‫السابق وليست‬
‫تعديل للعقد‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫الحنفية ‪.3‬‬
‫مذهب‬
‫ّ‬
‫حصة‬
‫للز يادة في المبيع‬
‫والحط يلتحقان بأصل العقد‬
‫الز يادة‬
‫وقد أكد فقهاء‬
‫ّ‬
‫السابق أي أنه تثبت ّ‬
‫أن ّ‬
‫ّ‬
‫الحنفية على ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الز يادة في الثّمن ‪.‬‬
‫كانت‬
‫إذا‬
‫عكسه‬
‫وكذلك‬
‫من الثّمن ‪،‬‬
‫ّ‬
‫وقد استدل الحنفية على ذلك بما يلي‪:4‬‬
‫‪.1‬‬
‫أن تعديل العقد بالتراضي هو تعديل من وصف مشروع إلى وصف مشروع‪.‬‬
‫‪ 1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 5‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬وزارة الأوقاف الكويتية‪ ،‬الموسوعة الفقهية‪ ،‬ج‪ ،15‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 3‬الزيلعي‪ ،‬عثمان بن علي‪ ،‬تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬ط ‪ ،2‬ج‪ ،4‬ص‪ . 83‬ابن نجيم‪ ،‬البحر الرائق‪( ،‬دار المعرفة)‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪. 129‬‬
‫‪ 4‬الموسوعة الفقهية‪ ،‬ج‪ ،15‬ص ‪.41-42‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫للمتعاقدين ولاية التصرف برفع أصل العقد بالإقالة‪ ،‬فأولى أن يكون لهما ولاية التغيير من وصف إلى وصف لأن‬
‫التصرف في صفة الشيء أهون من التصرف في أصله وصار كما إذا كان لأحد العاقدين أو لهما خيار الشرط‬
‫فأسقطاه أو شرطاه بعد العقد فصح إلحاق الزيادة بعد تمام العقد‪.‬‬
‫ثبتت صحة الزيادة والحط شرعا في المهر بقوله تعالى‪( :‬ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة)‬
‫النساء‪ . 24-‬ووجه الدلالة أن الزيادة عن المهر المقدر أو الحط منه أمر مشروع ولا جناح على المتعاقدين في‬
‫ذلك‪ ،‬وعقد البيع نظير عقد النكاح‪.‬‬
‫الشرط) وهي في‬
‫بالز يادة بعد لزوم البيع (انتهاء مدة خيار المجلس وخيار‬
‫افعية والحنابلة‪ :‬لا يقران‬
‫الش‬
‫مذهب‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫حكم الهبة ‪.‬‬
‫المثمن ‪ ،‬إن كانت بعد لزوم العقد بانقضاء الخيار فلا‬
‫الحط في الثّمن أو‬
‫الز يادة أو‬
‫أما‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إن ّ‬
‫الشافعيّة فقد قالوا ‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫تبر ع لا يقابله عوض‪ ،‬ولا تلحق بالعقد ‪.‬‬
‫ذلك‬
‫بعد‬
‫الحط‬
‫أو‬
‫يادة‬
‫والز‬
‫‪،‬‬
‫ل‬
‫الأو‬
‫ّمن‬
‫ث‬
‫بال‬
‫استقر‬
‫البيع‬
‫لأن‬
‫‪،‬‬
‫به‬
‫تلحق‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الشرط ) يلحق بالعقد ‪ ،‬ولا‬
‫مثمن زمن الخيارين ( خيار المجلس وخيار‬
‫كالشافعيّة قالوا ما يزاد في ثمن أو‬
‫والحنابلة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫حط بعد لزومه ‪ .‬جاء في الكشاف ‪ :‬وإن عقداه سرا بثمن كعشرة وعقداه علانية بثمن آخر‬
‫يلحق بالعقد ما زيد أو ّ‬
‫أكثر منه كاثني عشر أخذ المشتري بالثمن الأول دون الزائد ‪ .‬ثم ذكر أن في التنقيح الأظهر أن الثمن هو الثاني إن‬
‫كان في مدة الخيار وإلا فالأول وقال في المنتهى إنه الأصح واستدل له في شرحه بأن الزيادة في مدة الخيارين‬
‫في الثمن أو المثمن ملحقة بالعقد ‪.2‬‬
‫وقد ورد في المعايير الشرعية ما يؤكد كلام الفقهاء السابق في أكثر من معيار‪ .‬ففي معيار المرابحة للآمر نصت‬
‫على أنه يجوز للمؤسسة والعميل الآمر بالشراء بعد الوعد وقبل إبرام المرابحة الاتفاق على تعديل بنود الوعد‬
‫عما كانت عليه سابقا؛ وعلل ذلك بأن الوعد ليس ببيع‪.3‬‬
‫أما في عقد الاستصناع فقد أكدت المعايير على انه يجوز اتفاق الصانع والمستصنع بعد عقد الاستصناع على‬
‫تعديل المواصفات المشروطة في المصنوع‪ ،‬أو الزيادة فيه‪ ،‬مع تحديد ما يترتب على ذلك بالنسبة للثمن وإعطاء‬
‫مهلة في مدة تنفيذه‪ ،‬ويجوز النص في العقد على أن مقابل التعديلات أو الزيادات هو بنسبتها إلى الثمن‬
‫حسبما تقتضيه الخبرة أو العرف‪ ،‬أو أي مؤشر معروف تنتفي به الجهالة المفضية إلى النـزاع‪ .‬وعللت ذلك بأنه‬
‫وقع باتفاق الطرفين وبرضاهما ولا ينافي مقتضي عقد الاسستصناع‪.4‬‬
‫وقد وردت بذلك فتوى الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي حيث أشارت إلى جواز تعديل بعض الشروط أو‬
‫إضافة بعض الالتزامات بين بيت التمويل والمالك في عقد الاستصناع ولا أثر لذلك بين بيت التمويل والمقاول‬
‫إلا إذا اتفق على ذلك بعدئذ بين البيت والمقاول‪.5‬‬
‫وفي معيار المضاربة تم التأكيد على أنه يجوز الاتفاق على بين طرفي العقد على تغيير نسبة توزيع الربح في‬
‫أي وقت مع بيان الفترة التي يسري عليها هذا الاتفاق؛ وذلك لأن الربح حق للمتعاقدين لا يعدوهما‪ ،‬ولأنه لا يؤدي‬
‫إلى قطع الشركة‪ ،‬ولا إلى محظور شرعي‪.6‬‬
‫تقويم آلية الاتفاق على التعديل في الثمن والمثمن‬
‫‪.1‬‬
‫رغم النصوص الفقهية السابقة تعتبر مستندا للآلية السابقة وصلاحية تطبيقها عمليا‪ .1‬فإن القراءة السليمة لها‬
‫تدل تعالج قضية المرابحة حينما يشعر أحد الطرفين بأنه قد غبن فيلجأ إلى معالجة الأمر بالزيادة أو الحط من‬
‫الثمن باتفاق الطرفين‪.‬‬
‫‪ 1‬الشيرازي‪ ،‬المهذب (دار الفكر) ج‪ ،1‬ص‪. 289‬‬
‫‪ 2‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪( ،‬مكتبة النصر الحديثة)‪ ،‬ج‪. . 174-173 ،3‬‬
‫‪ 3‬المعايير الشرعية‪( ،‬المعيار الشرعي رقم ‪ 8‬المرابحة)‪ ، 2010-1431 ،‬ص‪. 93،104‬‬
‫‪ 4‬المعايير الشرعية‪( ،‬المعيار الشرعي رقم ‪ 11‬الاستصناع)‪ ،‬ص‪. 156،148‬‬
‫‪ 5‬مجموعة دلة البركة‪ ،‬فتاوى الاستصناع والمقاولات والسلم‪ ، 1998-1419 ،‬ص‪. 47‬‬
‫‪ 6‬المعايير الشرعية‪( ،‬المعيار الشرعي رقم ‪ 13‬المضاربة)‪ ،‬ص‪. 192 ، 185‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫الآلية الاتفاقية حينما لا تكون شرطا في العقد وتعمل تلقائيا حين تحقق المشروط تصبح أقل مردودية أو معدومة‬
‫الفائدة بسبب‪:‬‬
‫تناقض المصالح بين طرفي العقد إذ يرغب البائع في زيادة الثمن غالبا والمشتري في الحط منه‪ ،‬فإذا لم تكن‬
‫الزيادة أو الحط شرط ا مربوطا بأمر معين فلا تؤدي الآلية دورها كآلية لتعديل الإلتزامات في العقود‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التعويض عن الالتزام بالوعد‬
‫‪2‬‬
‫يمثل المقترح بديلا للخيارات التي منعتها المجامع الفقهية والهيئات الشرعية وهو يعوم على أساس الوعد الملزم‬
‫الذي أجازه مجمع الفقه الإسلامي‪ .‬والبديل في هذه الحالة مكون من أمرين هما‪ :‬الوعد الملزم‪ ،‬والتعويض عن‬
‫الالتزام‪.‬‬
‫فيقوم البنك بإصدار وعد ملزم لصالح عميله بأن يصرف له عملة محددة (اليورو مثلاً) بسعر صرف محدد بالعملة‬
‫المحلية (الدرهم) خلال فترة معينة أو في تاريخ محدد‪ ،‬ويكون البنك ملتزم ًا بالوفاء بهذا الوعد بحيث انه لو نكل‬
‫عن الوفاء فانه يتحمل ما يقع على الموعود من ضرر بسبب هذا النكول‪ ،‬وفي المقابل فإن الموعود (العميل) فهو‬
‫بالخيار‪ ،‬ان شاء استفاد من الوعد وان شاء تركه‪ .‬وفي مقابل هذا الالتزام من البنك فانه يحصل من عميله على‬
‫مبلغ مقطوع يمثل أجرة مقابل الوعد‪.‬‬
‫فإذا التزم المصرف الدخول مع العميل في عملية تمويل بشروط معينة فإن رأى العميل من صالحه الاستفادة‬
‫من الوعد أمضاه وإلا بأن كان في غير صالحه يتنازل عن حقه مقابل دفع تعويض ويمثل أجر الالتزام‪.‬‬
‫والعقد هو عقد معاوضة محله الالتزام والثمن فيه هو الرسم الذي يحصل عليه المصرف‪.‬‬
‫ومستند من رأى جواز المعاوضة على الالتزام‪ 3‬هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى‬
‫أن عناصر المالية التي إذا اجتمعت في شيء ُع َّد مالاً في النظر الشرعي‪ ،‬وجازت مبادلته بالمال وهي‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫صد ‪.‬‬
‫أن يكون‬
‫ً‬
‫منفعة مقصود ًة‪ ،‬أو فيه َن ْف ٌع ُي ْق َ‬
‫س َعة والاختيار)‪.‬‬
‫أن تكون تلك المنفعة‬
‫ً‬
‫مباحة شرعاً (في حالة ال َّ‬
‫مالية في ُع ْرف الناس‪.‬‬
‫قيمة‬
‫أن يكون لتلك المنفعة‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫وهذا يتعارض مع الاتجاه العام للفقهاء في منع المعاوضة عن الضمان وهو التزام مال في الذمة‪ .‬ومن‬
‫التعليلات التي أسسوا عليها ذلك الحكم هو أن الضمان نفع غير متقوم عرفا ولذلك لم يعتبروه مالاً‪ ،‬قال‬
‫غير متقوم عاد ًة‪ ،‬فلا يجوز أن يقابل‬
‫القرافي‪( :‬ومن القسم الثاني‪ :‬الضمان‪ ،‬فإنه وإن كان مقصوداً للعقلاء‪ ،‬لكنه‬
‫ُ‬
‫بالأعيان) ‪.4‬‬
‫‪ 1‬انظر‪ :‬أبو غدة‪ ،‬عبد الستارر‪ ،‬مدى إمكانية تعديل عوائد التمويلات في الصيرفة الإسلامية‪ ،‬الندوة الفقهية الثانية لمصرف أبوظبي ‪،‬‬
‫‪ ، 2010-1431‬ص‪. 6-3‬‬
‫‪ 2‬هذا المقترح ملخص من ورقة الدكتور محمد علي القري ‪ ،‬الندوة الفقهية الثانية لمصرف أبوظبي الإسلامي‪ ،‬مدى إمكانية تعديل عوائد‬
‫التمويلات في المصرفية الإسلامية‪ ،‬ص‪. 5‬‬
‫‪ 3‬من البحوث المتميزة التي درست الموضوع دراسة شرعية وافية بحث الدكتور نزيه حماد "المعاوضة على الالتزام ومنه لخصنا الحجج‬
‫والمستندات‪.‬‬
‫‪ 4‬القرافي ‪ ،‬الذخيرة‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪. 478‬‬
‫والمعاوضة على الضمان ممنوعة باتفاق أهل العلم ‪ .‬قال الحطاب‪( :‬ولا خلاف في منع ضمان بجعل‪ ،‬لأن الشرع‬
‫جعل الضمان والقرض والجاه لا يفعل إلا هلل بغير عوض‪ ،‬فأخذ العوض عليه سحت)‪ .1‬وهو ما أكده قرار مجمع‬
‫الفقه الإسلامي الدولي حيث نص على أنه لا يجوز أخذ الأجر على خطاب الضمان لقاء عملية الضمان‪ ،2‬وهو ما‬
‫أكدت عليه المعايير الشرعية‪.3‬‬
‫ثالثا‪ :‬إ عادة تشكيل المحفظة الاستثمارية للتخلص من الأصول ذات العائد الثابت‪.4‬‬
‫من العمليات التي تحرص البنوك على اتباعها في إدارة مخاطرها إعادة تشكيل محفظتها الائتمانية من حلال‬
‫التخلص من بعض المخاطر والإبقاء على بعض بحسب ما تراه مناسبا ‪ .‬وبذلك يمكن للبنك التخلص من الأصول‬
‫المدرة لعائد ثابت لديون المرابحة والإبقاء على الأصول المدرة لعائد متغير مثل الإيجارات‪ .‬ومن أهم طرق إعادة‬
‫تشكيل المحفظة الائتمانية التخلص من الأصول التي لم تعد مناسبة للبنك وذلك ببيعها واستخدام ثمنها في‬
‫توليد أصول جديدة مناسبة للأوضاع المستجدة‪.5‬‬
‫وقد لخص الدكتور نزيه تعريف جمهور الفقهاء للدين بأنه "ما يثبت في الذمة من مال بسبب يقتضي ثبوته"‬
‫‪6‬‬
‫وقد اختلفت وجهات نظر الفقهـاء في صور بيع الدين‪ ،‬إذ فرقوا بين أن يكون الملك على الدين مستقراً‪ ،‬مثل‪ :‬غرامة‬
‫المتلف ‪ ،‬وبدل القرض ‪ ،‬وقيمة المغصوب ‪ ،‬وبين أن يكون الملك عليه غير مستقر مثل ‪ :‬المسلم فيه ‪ ،‬والأجرة قبل‬
‫استيفاء المنفعة ‪ ،‬والمهر قبل الدخول وغير ذلك‪.7‬‬
‫ونجد الفقهاء يتفقون إجمالاً على جواز تمليكه لمن عليه بعوض أو بغير عوض‪ ،‬مع استثناء كل فريق لصور‪،‬‬
‫ومسائل من الحكم العام مثل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫قبض رأس مال السلم‪ :‬فقد استثنى جمهور الفقهاء من الحنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والحنابلة رأس مال السلم‪ ،‬وبدل‬
‫الصرف عند المالكية‪ ،‬لأنه لا يجوز التصرف من قبل البائع فيهما قبل قبضمها‪ ،‬إذ التصرف فيهما يفوت شرط‬
‫التقابض قبل الافتراق‪.8‬‬
‫‪‬‬
‫التصارف في الذمة (تطارح الديون)‪ :‬حيث اشترط بعض الفقهاء في بيع الدين لمن هو عليه وجوب عدم صيرورة‬
‫البيع إلى الدين بالدين‪ ،‬وقد أبطل الشافعية والحنابلة التصارف في الذمة ؛ لأن ذلك دين بدين ‪ ،‬كما علل بذلك‬
‫الإمام الشافعي لعدم جواز من كان لــه في ذمة رجل دنانير‪ ،‬والآخـر عليه دراهم فاصطرفا بما فـي ذمتهما‪ .9‬وقد‬
‫أبان عن هذا المعنى السبكي‪ .10‬والحنابلة‪ :‬قالوا لو كان لكل واحد من الاثنين دين على صاحبه من غير جنسه‪،‬‬
‫كالذهب والفضة وتصارفهما لم يحضرا شيئاً‪ ،‬فإنه لا يجوز‪ ،‬سواء كانا حالين ‪ ،‬أو مؤجلين ؛ لأنه بيع دين بدين‪ .11‬وبهذا‬
‫الرأي قال جماعة من السلف منهم‪ :‬الليث بن سعد‪ .12‬فكأنه لا يوجد تقابض من الجهتين مما يبطل تمليك الدينين‬
‫من الطرفين‪ .‬أما الحنفية والمالكية وتبعهم في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ‪ ،‬قال هؤلاء جميعا‬
‫بجواز الصرف في الذمة‪ .‬إلا أن المالكية اشترطوا في ذلك أن يكون الدينان قد حلاّ معاً‪ .13‬وكأن القبض متوافر حكماً‪،‬‬
‫وبذلك يقع التمليك من الطرفين‪.‬‬
‫‪ 1‬مواهب الجليل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ . 242‬منحة الخالق على البحر الرائق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ . 242‬المغني مع الشرح الكبير‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪. 256‬‬
‫‪ 2‬القرار رقم ‪ .)2/12( 12‬قرارات المجمع ‪ ،‬ط‪ :‬وزارة الأوقاف بقطر‪ ،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬المعيار الشرعي رقم ‪ 5‬الضمانات‪ ،‬كتاب المعايير الشرعية‪ ،‬ص‪.)1/7( 51‬‬
‫‪ 4‬ورد المقترح في ورقة د‪.‬محمد علي القري‪ ،‬ندوة أبو ظبي‪.‬‬
‫‪ 5‬المرجع السابق‬
‫‪ 6‬حماد‪ ،‬نزيه‪ ،‬بيع الدين‪ :‬أحكامه‪-‬تطبيقاته المعاصرة‪ ،‬بحث مقدم إلى الدورة الحادية عشرة لمجمع الفقه‪.‬‬
‫‪ 7‬انظر‪ :‬وزارة الأوق اف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت‪ ،‬الموسوعة الفقهية‪[ ،‬الكويت‪ :‬منشورات وزارة الأوقاف‪1407 ،‬هـ‪ ،]1987/‬ج‪،21‬‬
‫ص ‪.126‬‬
‫‪ 8‬انظر‪ :‬السمرقندي‪ ،‬تحفة الفقهاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ . 10‬؛ السيوطي‪ ،‬جلال الدين عبد الرحمن‪ ،‬الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية‪،‬‬
‫[مكة المكرمة‪ :‬دار الباز للنشر]‪ ،‬ص ‪ .331‬وانظر‪ :‬الشيرازي‪ ،‬المهذب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .326‬؛ البهوتي‪ :‬كشاف القناع‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.266‬‬
‫‪ 9‬انظر‪ :‬الأم‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ .33‬وانظر‪ :‬الموسوعة الفقهية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.128‬‬
‫‪ 10‬السبكي‪ ،‬تكملة المجموع‪ ،‬ج‪ ،10‬ص ‪.107‬‬
‫‪ 11‬انظر‪ :‬البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.265‬‬
‫‪ 12‬انظر‪ :‬السبكي‪ ،‬تكملة المجموع‪ ،‬ج‪ ،10‬ص ‪.107‬‬
‫الدردير‪ :‬الشرح الصغير‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ .391 – 390‬وانظر عند‬
‫‪ 13‬انظر‪ :‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي ومعها الشرح الكبير‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.228‬‬
‫الحنفية‪ :‬داما أفندي‪ ،‬مجمع الأنهر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.119‬‬
‫‪‬‬
‫جعل الدين رأس مال السلم ‪ :‬وقد انتهى ابن تيمية وابن القيم في منا قشتهما لهذا الموضوع إلى جواز جعل الدين‬
‫الذي في ذمة المسلم إليه ‪ ،‬رأس مال سلم‪ ،‬وخالفهم في ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية ‪ ،‬والشافعية ‪ ،‬والحنابلة‬
‫وغيرهم‪ .1‬وقد أفصح عن هذا الرأي صاحب الكشاف بوضوح يغني‪ .2‬وبرأي الجمهور أخذ قرار مجمع الفقه الإسلامي‬
‫الدولي‪ ،3‬وكذلك المعيار الشرعي للسلم‪.4‬‬
‫وقد ناقشت الدورة الحادية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي التي عقدت بمملكة البحرين‪ ،‬في رجب‬
‫‪1419‬هـ‪/‬نوفمبر‪ 1998‬م بعنوان‪" :‬بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية"‪ ،‬وبعد الاستماع للأبحاث المقدمة‬
‫والمناقشة قرر المجمع‪" :‬أنه لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه‬
‫لإفضائه إلى الربا‪ ،‬كما لا يجوز بيعه بنقد مؤجل من جنسه أو من غير جنسه لأنه من بيع الكالئ بالكالئ المنهي‬
‫عنه شرعا‪ .‬ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئا عن قرض أو بيع آجل" ‪ .‬ثم أكد القرار سالف الذكر على ما سبق‬
‫أن قرره المجمع في دوراته السابقة بعض تطبيقات بيع الدين مثل‪ :‬قرار المجمع رقم ‪ )6/11( 60‬بشأن السندات‪،‬‬
‫وعلى الفقرة (ثالثًا) من قرار المجمع رقم ‪ )7/2( 64‬بشأن حسم (خصم) الأوراق التجارية‪.‬‬
‫ولعل الحل هو قيام المصارف ببيع ديونها ليس بالنقد وإنما بأعيان ومنافع على ما اتجه إليه الفقه المالكي ثم‬
‫بيع تلك الأعيان وإجارة المنافع للحصول على السيولة اللازمة لإعادة تشكيل المحفظة الائتمانية‪.‬‬
‫بمعين ‪ ،‬أو بمنافع ذات معينة‪ :‬يرى بعض الفقهاء أنها من قبيل‬
‫وبيع الدين لمن عليه أو لغير من هو عليه الدين‬
‫ّ‬
‫بيع الدين الممنوع ‪ .‬فقد حكى الشافعية قولين في هذه المسألة (‪ . )5‬وحكى الماوردي الخلاف في وجوب القبض‬
‫في المجلس (‪ .)6‬وهذا المنحى الذي سلكه الشافعية هو الذي يترجمه الكاساني من الحنفية في بدائعه حيث أشار‬
‫إلى أن بيع الديون من غير من عليه‪ ،‬والشراء بها من غير من عليه‪ ،‬مثل‪ :‬أن يقول لغيره بعت منك الدين الذي في‬
‫ذمة فلان بكذا‪ ،‬أو يقول اشتريت منك هذا الشيء بالدين الذي في ذمة فلان لأن ما في ذمة فلان غير مقدور‬
‫التسليم في حقه‪ ،‬بخلاف البيع والشراء ممن عليه الدين(‪.)7‬‬
‫أما المالكية فقد استثنوا بعض الصور من بيع الدين فأجازوا بيعها لغير من عليه الدين وهي‪:8‬‬
‫بيع الدين لغير المدين بمعين ‪:‬‬
‫صورته‪ :‬أن يكون لشخص على آخر ديناً‪ ،‬فيبيعه له بسلعة معينة‪ ،‬كالسيارة مثلاً مؤجلة التسليم‪ ،‬أو عقار‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪8‬‬
‫انظر‪ :‬الزيلعي‪ ،‬تببين الحقائق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ ،140‬الخطيب الشربني‪ ،‬الإقناع‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.271‬‬
‫البهوتي‪ ،‬كشاف القناع‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.304‬‬
‫انظر‪ :‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي‪ ،‬قرار ‪ )9/2( 85‬بند أولا‪-‬ح‪ ،‬ص‪. 288‬‬
‫انظر‪ :‬هيئة المحاسبة‪ ،‬المعايير الشرعية‪ ،‬المعيار الشرعي رقم (‪ )10‬بشأن السلم والسلم الموازي‪ ،‬بند (‪ ،)4/1/3‬ص‪. 170‬‬
‫ انظر‪ :‬الرافعي‪ ،‬فتح العزيز‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.439‬‬‫ انظر‪ :‬الحاوي الكبير‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ .147‬روضة الطالبين‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.515‬‬‫ بدائع الصنائع‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.182‬‬‫إن بيع الدين لمن عليه الدين بمعين يتأخر قبضه‪ ،‬أو بمنافع ذات معينة‪ ،‬يعده المالكية من قبيل فسخ الدين بالدين‪ ،‬الذي هو أشد أنوا‬
‫ع بيع الدين بالدين منعاً‪ .‬وهذا على مذهب ابن القاسم‪ ،‬خلافاً لأشهب الذي كان يرى جواز ذلك‪ .‬انظر ‪ :‬الدردير‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫ص ‪.12‬‬
‫وسبب الخلاف في منافع ذات معينة بين أشهب وابن القاسم يرجع إلى الاختلاف حول القاعدة الفقهية "هل قبض الأوائل قبض‬
‫للأواخر‪ ،‬أم لا ؟ فقبض الأوائل ليس قبضاً للأواخر كما هو مذهب ابن القاسم‪ ،‬وعند أشهب قبض الأوائل قبض للأواخر‪[ .‬انظر‪:‬‬
‫الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ .] 62‬ويمكن تتبع هذه القاعدة وشرحها والتفريغ عليها في‪ :‬المنجور‪ ،‬شرح المنهج المنتخب‪،‬‬
‫ص ‪ .343 – 340‬وأشار القاضي عبد الوهاب إلى أن القول بالمنع‪ ،‬هو رأي مالك وابن القاسم‪ ،‬خلاف ًا لأشهب وغيره [المعونة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‬
‫‪.]1038‬‬
‫وقد خرج الدردير على قول ابن القاسم‪ :‬أن من له دين على ناسخ‪ ،‬فقال له‪ :‬انسخ لي هذا الكتاب بمالي عليك من الدين‬
‫فإن ذلك لا يجوز‪ ،‬أما لو نسخ له الكتاب‪ ،‬أو خدمك بأجر معلوم بغير شرط‪ ،‬وبعد الفراغ قاصصته بما عليه‪ ،‬فجائز‪[ .‬الشرح‬
‫الصغير‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.]12‬‬
‫وقد صحح بعض المتأخرين قول أشهب‪ ،‬فقد قال الصاوي‪( :‬وصحح‪ ،‬وقد كان الأجهوري يعمل به‪ ،‬فكانت له حانوت ساكن فيها مج ّلِّد‬
‫كتب‪ ،‬فكان إذا ترتب له أجرة في ذمته‪ ،‬يستأجره بها على تجليد كتبه‪ ،‬وكان يقول هذا على قول أشهب‪ ،‬وصححه المتأخرون‪ ،‬وأفتى‬
‫به ابن رشد‪ .‬بلغة السالك‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ . 126‬؛ الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ . 62‬؛ العدوي ‪ ،‬علي بن أحمد الصعيدي‪ ،‬حاشية‬
‫الشيخ علي العدوي على مختصر خليل‪ ،‬مطبوع بهامش الخرشي على خليل‪[ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر]‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.77‬‬
‫بيع الدين لغير من عليه بمنافع ذات معينة‪:‬‬
‫صورته‪ :‬أن يكون لشخص على آخر ديناً فيبيعه لغير من عليه الدين بمنفعة‪ ،‬كركوب السيارة‪ ،‬أو سكنى الدار سنة‪،‬‬
‫ومن الضروري تأخر قبض أجزائها لأن استيفاء المنفعة لا يحصل دفعة واحدة‪ .‬جاء في حاشية الدسوقي على الشرح‬
‫الكبير‪ :‬ولا يمتنع في هذا القسم بيعه أي لغير من هو عليه‪ ،‬بمعين يتأخر قبضه سواء كان عقاراً أو غيره ‪ ،‬أو بمنافع‬
‫ذات معينـة ‪ ،‬وإذا علمت أن الدين يجوز بيعه بما ذكر ‪ ،‬ولا يجوز فسخه ‪ ،‬تعلم أن هذا القسم أوسع مما قبله‪.1‬‬
‫وصاحب الشرح الصغير وهو يعدد أنواع بيع الدين بالدين يذكر النوع الثاني بقوله‪( :‬والثاني‪ :‬بيعه – الدين – بدين‬
‫لغير من هو عليه‪ ،‬كبيع ما على غريمك بدين في ذمة رجل ثالث‪ ،‬وأما بيعه بحال‪ ،‬أو بمعين يتأخر قبضه ‪ ،‬أو بمنافع‬
‫معين فلا يمنع)‪.2‬‬
‫ويمكن الاستئناس لرأي المالكية بقصة شراء النبي صلى هللا عليه وسلم جمل جابر بن عبدهللا‪ ،‬وذلك في الحديث‬
‫الذي رواه الشيخان عن جابر بن عبدهللا أنه كان يسير على جمل له قد أعيا‪ ،‬فأراد أن يسيبه‪ ،‬قال‪ :‬فلحقني النبي‬
‫بوقية)(‪ ،)3‬قلت‪ :‬لا‪ ،‬ثم قال‪( :‬بعنيه)‪،‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم فدعا لي وضربه‪ ،‬فسار سيراً لم يسر مثله‪ ،‬قال‪( :‬بعنيه ُ‬
‫فبعته بوقية‪ ،‬واستثنيت حملانه إلى أهلي‪ ،‬فلما بلغت أتيته بالجمل‪ ،‬فنقدني ثمنه‪ ،‬ثم رجعت فأرسل في أثري‪،‬‬
‫فقال‪( :‬أتراني ماكستك لآخذ جملك‪ ،‬خذ جملك ودراهمك فهو لك)(‪ . )4‬وفعل النبي صلى هللا عليه وسلم مع جابر‬
‫بن عبدهللا فيه جواز بيع السلعة المعينة المؤجلة التسليم بثمن مؤجل التسليم (الدين)‪ ،‬والصورة من قبيل بيع‬
‫الأعيان بالدين وليست من قبيل الدين بالدين‪ .‬والمبيع في هذه الحالة في درك وضمان البائع حتى يسلمه‬
‫رد الثمن للمشتري إن كان قبضه‪ ،‬وهذا لا‬
‫للمشتري فلو تلف قبل قبض المشتري له بطل البيع وتعين على البائع ّ‬
‫يكون فيما تعلق بالذمة كالسلم مثلاً‪ ،‬إذ لو تلف المسلم فيه قبل التسليم تعين تسليم مثله لصحة العقد‬
‫ولزومه(‪.)5‬‬
‫وقد صدر بجوازه هذه الصور من بيع الدين قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في‬
‫دورة مؤتمره السادسة عشرة سنة ‪ 2002‬م‪ ،‬في موضوع حسم الكمبيالات ونصه‪( :‬يرى المجمع أن البديل الشرعي‬
‫لحسم الأوراق التجارية وبيع السندات هو بيعها بالعروض (السلع) شريطة تسلم البائع إياها عند العقد ولو كان‬
‫ثمن السلعة أقل من قيمة الورقة التجارية لأنه لا مانع شرعي من شراء الشخص سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها‬
‫الحالي)‪ .‬وكذلك قرار المجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم ‪ ) 17/7(158‬في دورته السابعة عشرة في عمان الأردن‪،‬‬
‫سنة ‪ 2006‬م‪ ،‬والذي نص على‪ :‬صور بيع الدين الجائزة‪ ،‬ومنها بيع الدين بسلعة معينة‪.‬‬
‫الحلول المقترحة لتعديل عوائد العقود الجديدة‬
‫أولا‪ :‬التأمين التعاوني ضد مخاطر العائد‬
‫‪6‬‬
‫‪.1‬‬
‫الصيغة المبسطة والعادية هي إنشاء تديره شركة تكافل إسلامية من تجميع لاشتراكات من المصارف الإسلامية‬
‫ويتم التعويض للمصرف الذي تنخفض عوائده‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫انظر‪ :‬ج‪ ،3‬ص ‪.63‬‬
‫‪2‬‬
‫انظر‪ :‬الدردير‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.126‬‬
‫‪ُ - 3‬وقية‪ :‬هي من اللغات الصحيحة‪ ،‬والأشهر (أوقيـة)‪ ،‬بضـم الهمـزة‪ ،‬وتشـديد البـاء‪ ،‬والجمـع أواقـي بالتشـديد والتخفيـف‪ .‬انظـر‪ :‬ابـن الـأثير‪،‬‬
‫النهاية في غريب الحديث والأثر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.80‬‬
‫والأوقية الفضية = ‪ 40‬درهماً = ‪ 119‬جراماً‪ ،‬لأ ن "خمس أواقي" تعادل مائتي درهم شرعي‪ .‬انظر‪ :‬ابن الرفعة‪ ،‬أبو العبـاس أحمـد بـن محمـد‪،‬‬
‫الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أحمد الخاروف‪[ ،‬مكة المكرمة‪ :‬مطبوعـات جامعـة أم القـرى‪1400 ،‬هــ ‪1980‬م]‪،‬‬
‫ص‪.35‬‬
‫‪ - 4‬الحديث متفق عليه‪ ،‬واللفظ لمسلم‪ .‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،968‬حديث ‪ ،2569‬كتاب الشرط‪ ،‬باب إذا اشترط البائع ظهر‬
‫دابة‪ .‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،221‬حيث ‪ ،715‬كتاب المساقاة‪ ،‬باب بيع البعير واستثناء ركوبه‪.‬‬
‫‪ - 5‬انظر‪ :‬ابن منيع‪ ،‬عبدهللا بن سليمان‪ ،‬أحكام بيع الدين بالدين‪ ،‬من محاضرات رمضان ‪1417‬هـ في المعهد الإسـلامي للبحـوث والتـدريب‬
‫(البنك الإسلامي للتنمية)‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ 6‬عرض هذه الآلية الدكتور سامي السويلم في الندوة الفقهية الثانية ‪ ، 2010-1431‬ورقة عمل مساندة حلول وبدائل لمشكلة العائد‬
‫المتغير‪ ،‬ص‪ . 2‬وقبل ذلك في‪ :‬كتاب التحوط في التمويل الإسلامي (منشورات المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب‪-‬جدة) ‪ ،‬ص‬
‫‪ . 96‬وكتاب قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي‪ ،‬ص ‪. 303‬‬
‫‪.2‬‬
‫يمكن أن يتفق المصرف مع العميل على الالتزام بالإسهام بمبالغ معينة وفق نظام معين لفترات زمنية متتالية‬
‫ت وضع في حساب مستقل ويعوض الطرف المتضرر من خلال نظام يتفق عليه الطرفان‪ ،‬ويرد المتبقي على‬
‫الطرفين‪.‬‬
‫وهذا الالتزام بالتبرع لا يعتبر شرطا في العقد ولا تتوقف عليه ترتب آثار العقد‪ ،‬ولا يعتبر دينا في ذمة المتعاقدين‬
‫وإنما يسقط بالعجز والإفلاس‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المرابحة بربح متغير‬
‫‪1‬‬
‫ابتداء وإنما يربط بمؤشر منضبط‪ ،‬مثل مؤشر‬
‫المقصود بها أن يحد رأس المال عند العقد وأما الربح فلا يحدد‬
‫ً‬
‫هامش الربح في عقود المرابحات في البنوك الإسلامية‪ ،‬بحيث يتفق الطرفان على أن يكون ربح البائع بحسب ما‬
‫يكون عليه (السعر السوقي) لهامش الربح في عقود المراب حات الإسلامية وقت السداد‪ ،‬أو متوسط سعر الهامش‬
‫عن فترة السداد السابقة‪ ،‬وقد يكون السداد بالتقسيط أو دفعة واحدة‪ .‬ويمكن أن تحتوي صورا متعددة‪.‬‬
‫ومدار هذه المسألة على تحرير شرط العلم بالثمن‬
‫وقد اتفق أهل العلم على اشتراط العلم بالثمن‪ .‬أما ضابط ذلك فقد اختلفوا فيه على قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يكون‬
‫الثمن معلوم المقدار عند العقد‪ .‬وهو رأي جمهور الفقهاء‪ .‬وثانيهما‪ :‬ان يكون الثمن معلوم المقدار عند العقد‪ ،‬أو‬
‫أنه يؤول إلى العلم على وجه لا يؤدي إلى المنازعة والاختلاف بين العاقدين‪.‬‬
‫فعلى هذا القول لا تلزم تسمية الثمن في مجلس العقد‪ ،‬ف يكفي أن يتفق العاقدان على طريقة منضبطة لتحديد‬
‫الثمن‪ .‬وهذا القول رواية في مذهب الإمام أحمد‪ ،‬اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه ابن القيم –رحمهما‬
‫هللا‪ -‬وهو قول لبعض الأحناف‪.2‬‬
‫والذي رجحه الباحث هو أن عدم تسمية الربح عند العقد في المرابحة لا يتعارض مع شرط العلم بالثمن إذا اتفق‬
‫العاقدان على آلية منضبطة لتحديد الربح‪.‬‬
‫أثارت هذه الصيغة ردود وتعقيبات وانتقادات كثيرة وكأن مقترحها اقتنع بما قدم له من ملاحظات فلم يعرضها‬
‫ضمن الحلول التي قدمها في ندوة أبو ظبي ‪.‬‬
‫والذي يتضح من هذه الصورة أنها مرابحة بثمن معلوم وربح مجهول يعتبر دينا في الذمة مربوط بمؤشر يعلم‬
‫عند سداد القسط ‪ ،‬وهذا الدين تصاحبه زيادة فهو في معنى الربا وإن لم يكن هناك أجل في مقابلة تلك الزيادة‬
‫ولا يكفى لإغفال ذلك أن يكون المؤشر هو معدل الربح في عقود المرابحة وقت السداد‪.3‬‬
‫ثالثا‪ :‬تحديد الربح بالتكلفة الفعلية مع نسبة مئوية من الربح في عقد الاستصناع‪.4‬‬
‫حيث يتم تحديد ثمن الاستصناع بالتكلفة الحقيقية (الفعلية) مع إضافة هامش ربح ‪ .‬وبذلك يكون هامش الربح‬
‫متغيرا تلقائيا لأنه مربوط بالكلفة كلما زادت زاد الربح ‪.‬‬
‫وهي من الطرق التي نص عليها في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم ‪ )14/3( 129‬بشأن عقد المقاولة‬
‫حقيقته ‪ ،‬تكييفه ‪ ،‬صوره ‪ ،‬في البند (‪ ) 4‬أنه‪ :‬يجوز الاتفاق على تحديد الثمن بالطرق الآتية ‪( :‬ج) الاتفاق على تحديد‬
‫الثمن على أساس سعر التكلفة الحقيقية ونسبة ربح مئوية ‪ .‬ويلزم في هذه الحال أن يقدم المقاول بيانات‬
‫وقوائم مالية دقيقة ومفصلة وبمواصفات محددة بالتكاليف يرفعها للجهة المحددة في العقد ‪ .‬ويستحق حينئ ٍذ‬
‫التكلفة بالإضافة إلى النسبة المتفق عليها‪.‬‬
‫ولكن هذه الطريقة والأسلوب تم مناقشته من قبل المجلس الشرعي في المعيار الخاص بالاستصناع ‪ ،‬وذكر هذه‬
‫الصورة ومنعها نص البند ‪ 5/2/3‬ع لى أنه‪( :‬لا يجوز إجراء المرابحة في الاستصناع ‪ ،‬بأن يحدد الثمن بالتكلفة‬
‫وزيادة معلومة) ‪ .‬وعلل المعيار ذلك بأن محل المرابحة يجب أن يكون شيئاً موجوداً مملوكاً معلوم الثمن قبل‬
‫‪ 1‬هذا المقترح قدمه الدكتور يوسف الشبيلي في ورقة عمل إلى الملتقى الثانث للهيئات الشرعية – الرياض ‪2009-1430‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص ‪،194‬أعلام الموقعين ‪ ،6/4‬الفروع ‪ ،30/4‬الإنصاف ‪.132/11‬‬
‫‪ 3‬انظر بالتفصيل المرابحة بربح متغير للدكتور سامي السويلم‪ ،‬قدمت للملتى الثاني للهيئات الشرعية بالرياض‪،‬‬
‫‪ 4‬مقترح من الدكتور عبد الستار أبوغدة‪ ،‬ندوة أبوظبي‬
‫المرابحة ‪ ،‬وعقد الاستصناع يبرم قبل التملك ؛ لأنه بيع موصوف في الذمة غير معين ‪ ،‬ولأن التكلفة لا تعرف إلا‬
‫بعد الإنجاز ‪ ،‬والثمن يجب أن يكون معلوماً عند إبرام العقد)‪. 1‬‬
‫ثالثا‪ :‬البيع والمشاركة‬
‫‪2‬‬
‫هذه الصيغة قائمة على فكرة الجمع بين البيع الآجل والمشاركة حيث يقوم المصرف ببيع سلعة للعميل بثمن‬
‫يتكون من جزئ ين‪ :‬ثابت وهو دين مضمون في ذمة العميل‪ ،‬ومتغي ر يمثل نسبة من أرباح العميل‪ .‬فيمكن‬
‫للمصرف أن يبيع ‪ %90‬من السلعة بثمن مؤجل يعادل رأس المال‪ ،‬ويدخل ‪ % 10‬شريكاً في الشركة مقابل نسبة‬
‫متفق عليها من الربح‪ .‬فيتحول المصرف من الارتباط بأسواق الائتمان ومعدلات الفائدة إلى النشاط الاقتصادي‪.‬‬
‫وهذه الصيغة لا يمكن في تق ديري الاعتراض عليها ‪ ،‬لأن أقصى ما فيها هي جمع عقدين في عقد من دون‬
‫اشتراط أحدهما في وهو أمر جائز لأن كل واحد منهما جائز بمفرده وهو ما اتجه إليه معيار الجمع بين العقود‪.3‬‬
‫ومستند ذلك ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة من أن العقود المجتمعة إذا كان كل‬
‫واحد منها جائزا بمفرده فإنه يحكم على المجموع بالجواز‪.4‬‬
‫ثالثا‪ :‬الاقتصار في المرابحات على العقود قصيرة الأجل مع قلب الدين على غير المعسر‬
‫‪5‬‬
‫إذا أراد المصرف تفادي الوقوع في خطر تغير العائد في الأجل الطويل يكون من المناسب الاقتصار في عمليات‬
‫التمويل بالمرابحة والاستصناع على المدد القصيرة بحيث لا يؤثر على العائد فيها بالتغير‪ .‬وفي هذه الحالة يمكن‬
‫أن تكون المرابحة ذات مدة لا تزيد قصيرة ‪ ،‬فإذا حل الأجل وكان العميل غير معسر يمكن للبنك أن يحدث له‬
‫مرابحة جديدة يمكن من خلالها أن يسدد ما عليه سابقاً ويثبت في ذمته الدين المستحدث والذي يكون عندئ ٍذ‬
‫آخذاً في اعتباره عند حساب الربح القيمة الجديدة للمؤشر‪.6‬‬
‫وهذه الصيغة كما أشار صاحب المقترح تنطوي على قلب الدين‪ ،‬لكن قلب الدين الممنوع – حسب وجهة نظره‪-‬‬
‫هو قلب الدين على المعسر لأنها تكون عندئ ٍذ من باب "أتقضي أو تربي" الم جمع على تحريمها أما إذا كان في‬
‫وضع اليسار فإن بإمكانه الاستدانة من جهة أخرى فما الذي يمنع أن تكون معاملته المستجدة مع دائنه الأول؟‬
‫ثم رأى الباحث الكريم أن الذي يفهم من كتب الحنابلة هو دخول الدائن في معاملة جديدة مع المدين لا‬
‫يكون ممنوعاً إلا إذا كان المدين معسراً ‪ ،‬لأن علة المنع لا تتحقق إلا في هذه الحالة‪ .‬إذا كان المدين عاجزاً عن‬
‫السداد لإعساره فهو مستحق للإنظار إلى ميسره‪ ،‬كما أن الربح من المعاملة الثانية التي دخلا فيها وهو معسر‬
‫غير قادر على السداد ربما كان متضمناً زيادة في الدين الجديد مقابلا ً لما فات من ربح في الدين القديم‬
‫الممطول بسبب الإعسار فتئول إلى‪" :‬زد لي في الأجل وأزيد لك في الدين"‪ ،‬وهي عين ربا الجاهلية المجمع على‬
‫تحريمه‪ .‬أما إذا كان المدين مليئاً باذلا ً للدين غير معسر ولا مماطل فالدخول معه في معاملة جديدة ليس من‬
‫قلب الدين الممنوع حتى لو ترتب عليها دين جديد يتعلق في ذمته ‪.‬‬
‫في تقديري أن كل ما نقله الباحث من نصوص عن ابن تيمية وغيره تؤكد على أن قلب الدين على المعسر‬
‫هو أشد وأنكى من قلب الدين على الموسر؛ لأنه إذا كان موسرا فلا حاجة له إلى قلب دينه بل الواجب عليه‬
‫عد مماطلا ظالما تحل بذلك عقوبته وعرضه‪.‬‬
‫السداد إذا حل أجل دينه‪ ،‬وإلا ّ‬
‫ولذلك شيخ الإسلام (وهللا تعالى حرم الربا لما فيه من ضرر المحتاجين‪ ،‬وأكل المال بالباطل‪ ،‬وهو موجود‬
‫في المعاملات الربوية ‪ .‬وأما إّذ ا حل الدين وكان الغريم معسرا لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلب بالقلب لا‬
‫بمعاملة ولا غيرها بل يجب إنظاره ‪ ،‬وإن كان موسرا كان عليه الوفاء فلا حاجة إلى القلب لا مع يساره ولا مع‬
‫‪ 1‬المعيار الشرعي رقم ‪ 11‬الاستصناع‪ ،‬كتاب المعايير‪ ،‬ص ‪. 156 ، 147‬‬
‫‪ 2‬جاء المقترح في ورقة الدكتور سامي السويلم لندوة أبو ظبي ‪ ،‬وقد سبق ذكره في كتابه التحوط‪. 147 ،‬‬
‫‪ 3‬انظر‪ :‬المعيار رقم ‪ 25‬الجمع بين العقود‪ .‬كتاب المعايير‪. 350 ،‬‬
‫‪ 4‬كشاف القناع ‪ ، 478/3‬المجموع ‪ ، 388/9‬تبيين الحقائق ‪. 174/4‬‬
‫‪ 5‬مقترح من قبل الدكتور محمد القري‪ ،‬ندوة أبو ظبي‪.‬‬
‫‪ 6‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫إعساره)‪ . 1‬وحينما تحدث عن أتقضي ؟ أم تربي ؟ قال‪( :‬وأما إذا كان هذا هو المقصود ولكن توسلوا بمعاملة‬
‫أخرى‪ ،‬فهذا تنازع فيه المتأخرون من المسلمين‪ ،‬وأما الصحابة فلم يكن بينهم نزاع أن هذا محرم)‪ . 2‬وقال كذلك‪:‬‬
‫(من كان عليه دين فإن كان موسرا وجب عليه أن يوفيه‪ ،‬وإن كان معسرا وجب إنظاره)‪.3‬‬
‫ويعلق الدكتور نزيه حماد على أحد أقوال شيخ الإسلام السابقة فيقول‪( :‬فمفاد كلام ابن تيمية هذا أن‬
‫الدخول في هذه المعاملة ‪ -‬إذا كان المدين موسرا – محظور أيضا باتفاق الصحابة وإن كان هناك خلاف في‬
‫حظره بين الفقهاء المتأخرين – وكذا في نظره واجتهاده – لأنه أوجب على المدين الموسر المبادرة إلى الوفاء‬
‫وذلك يعني حرمة ترك الوفاء واللجوء إلى هذه المعاملة في رأيه) (يؤكد عدم فرقه في الحظر والفساد بين أن‬
‫يكون المدين موسرا أو معسرا في بعض نصوصه في المسألة) ومن ذلك ما جاء في مختصر الفتاوى المصرية‪،‬‬
‫ومجموع الفتاوى‪.4‬‬
‫ومن هنا يظهر بأن هذا الحل المقترح لا يمكن قبوله لدخوله في قلب الدين الممنوع سواء أكان على‬
‫الموسر أم المعسر‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫هذا ما وفقني هللا عز وجل إلى جمعه في هذا الموضوع سائلا هللا تبارك وتعالى التوفيق والسداد‬
‫‪ 1‬مجموع الفتاوى‪. 419/29 ،‬‬
‫‪ 2‬مجموع الفتاوى‪.419- 418/29 ،‬‬
‫‪ 3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 302‬‬
‫‪ 4‬قلب الدين ‪ ،‬لنزيه حماد‪ ،‬مجلة العدل ‪ ،‬وزارة العدل السعودية‪ ،‬عدد ‪ ،1427 ،31‬ص‪. 54، 53‬وما أشار إليه في هامش ص ‪ ،54‬مختصر‬
‫الفتاوى المصرية‪ ،‬ص‪ ، 324‬مجموع الفتاوى ‪. 430 ،429/29‬‬
‫وحلول‬
‫مقترحات‬
‫الأجل‬
‫طويل‬
‫التمويل‬
‫السوق في‬
‫سعر‬
‫تغيّ ُر‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بحث‬
‫ت الماليةِ الإسلاميةِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ‬
‫ت الشرعيةِ للمؤسسا ِ‬
‫ث للهيئا ِ‬
‫مقدم إلى الملتقى الثال ِ‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫إعداد‪:‬‬
‫الشيخ‪/‬طلال بن سليمان الدوسري‬
‫المحاضر بكلية الشريعة بجامعة القصيم‬
‫(العام‪)1431:‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذا بحث موجز حول موضوع (تغير سعر السوق في التمويل طويل الأجل‪ :‬مقترحات وحلول) كتبته‬
‫استجابة لطلب فضيلة الشيخ الدكتور‪ :‬عبد الرحمن بن صالح الأطرم ‪-‬وفقه هللا‪ -‬آملاً الاستفادة من بحث هذا‬
‫ً‬
‫الموضوع‪ ،‬وتصويبات أصحاب الفضيلة المشايخ له‪.‬‬
‫وثمة عدة مقترحات تعالج مسألة "تغير سعر السوق في التمويل طويل الأجل"‪ ،‬وقد جاء خطاب‬
‫الاستكتاب بطلب دراسة خمسة مقترحات منها‪ ،‬إضافة إلى تقديم مقترحات جديدة عند الإمكان مع دراستها‪.‬‬
‫وهذه المسائل الخمس هي‪:‬‬
‫‪-1‬‬
‫المرابحة بربح متغير‪.‬‬
‫‪-2‬‬
‫التورق المتجدد قصير الأجل‪.‬‬
‫‪-3‬‬
‫المرابحة مع حافز الخصم‪.‬‬
‫‪-4‬‬
‫تغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل ‪-‬زياد ًة ونقصاناً‪ -‬بحسب التغير في المؤشر مع بقاء أصل الدين‪.‬‬
‫‪-5‬‬
‫التحوط بالجمع بين البيع الآجل والمشاركة‪.‬‬
‫وهذه المسائل هي‪ :‬التي تناولها هذا البحث‪ ،‬و قد قدمت بين يدي دراستها بمقارنة موجزة بين العائد الثابت‬
‫والعائد المتغير‪.‬‬
‫كما تناولت في آخر البحث صيغة أخرى يمكن الاس تفادة منها في تحقيق عائد متغير‪ ،‬وهي تتمشى على قول‬
‫من يرى جواز البيع بسعر السوق في المستقبل‪ ،‬وتلك الصيغة هي‪( :‬الجمع بين بيع آجل بثمن محدد‪ ،‬وبيوع‬
‫آجلة بسعر السوق يوم الأداء)‪.‬‬
‫وأخير ًا أسأل هللا ‪ ‬أن يوفقنا جميع ًا لصواب القول والعمل (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر‬
‫السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه‬
‫من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم(‪.))1‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪...‬‬
‫(‪ )1‬رواه الإمام مسلم ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في صحيحه من حديث عائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬أن النبي ‪ ‬كان يفتتح به صلاته إذا قام من الليل‪،‬‬
‫‪.185/2‬‬
‫العائد الثابت والعائد المتغير‪ :‬إيجابيات وسلبيات‬
‫ما من شك في أن لكل من العائد الثابت والعائد المتغير لصيغ التمويل‪ :‬ايجابيات وسلبيات‪ ،‬وكثيراً ما‬
‫إغضاء النظر عن ملاحظة سلبياته‪ ،‬ولذ فإن من المهم عدم إغفال‬
‫تسبب كثرة النظر إلى إيجابيات أمر ما‬
‫َ‬
‫المفاسد التي تترتب على استبدال العائد المتغير في صيغ التمويل بالعائد الثابت‪.‬‬
‫إن من أ برز سلبيات العائد المتغير‪ :‬أنه لا يمكن البناء عليه في تحديد التكاليف والأرباح‪ ،‬لأن ما قد يظن‬
‫أنه هامش ربح قد يتحول إلى خسارة محققة بسبب تغير سعر التمويل‪ ،‬وفي المقابل يلاحظ أن العائد الثابت‬
‫مهما كان مرتفعاً نسبياً يمكن بناء أرباح المنتجات والخدمات عليه‪ .‬ومع ذلك ينبغي أن يقارن المرء أسعار بيعه‬
‫وشرائه بتلك الأسعار السائدة حين إجرائه للعقد‪ ،‬وليست تلك الأسعار التي كانت سائد‪ ،‬أو تلك التي ستسود‬
‫في المستقبل‪ ،‬فكما أنه يفعل ذلك عند إجرائه للبيوع الحالة‪ :‬يفعله عند إجرائه للبيوع الآجلة‪.‬‬
‫وإن مما يبين أن العائد الثابت هو الأصلح في العموم ‪-‬فيما يظهر‪ -‬لجوء كثيرين ممن يتعرضون‬
‫لمخاطر تغير السعر ‪-‬سواء كان ذلك في سعر الفائدة أو سعر الصرف‪ -‬إلى عقود التحوط(‪ ،)Hedging) )1‬مثل‬
‫عقود المبادلات )‪ ،(Swaps‬التي تعني ‪-‬بشكل موجز في بعض أنواعها‪ -‬دفع الطرف الأول فائدة ثابتة للطرف‬
‫الثاني‪ ،‬مقابل تحمله الفائدة المتغيرة التي على الطرف الأول‪.‬‬
‫وقد انتشرت عقود مبادلات الفائدة بشكل كبير حتى باتت تشكل نسبة ‪ ٪50‬أو تزيد من إجمالي قيمة‬
‫المشتقات(‪.)2‬‬
‫ويرد أغلب الكتاب الغربيين أسباب ظهور مبادلات أسعار الفائدة‪ ،‬ونموها بصورة فاقت كل التصورات‪،‬‬
‫ُّ‬
‫إلى التقلبا ت المتزايدة في أسعار الفائدة بعد صدور قرار مجلس إدارة بنك الاتحاد الفيدرالي عام ‪1979‬م‬
‫بالسماح بانطلاق أسعار الفائدة دون قيود(‪.)3‬‬
‫كما أن مما يبين شيئاً من مخاطر العائد المتغير هو‪ :‬أن الفائدة المتغيرة أحد أسباب نشوء الأزمة المالية‬
‫العالمية الأخيرة‪ ،‬وذلك أن م عظم القروض التي منحت للعملاء ذوي الملاءة المنخفضة كانت بفائدة متغيرة‪،‬‬
‫وكانت أسعار الفائدة متدنية‪ ،‬ثم أخذت في الصعود إلى القدر الذي لم يمكن هؤلاء العملاء من الوفاء‬
‫بالتزاماتهم ‪.)4( ...‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن هذا السبب غير دقيق؛ لأن ارتفاع سعر الفائدة يقابله انخفاض في المديونية‪ ،‬الذي يعني‬
‫في النهاية عدم ارتفاع القسط‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذا ليس على إطلاقه‪ ،‬ويتضح ذلك بالمثال التالي‪ :‬فإذا كان الدين قدره مليون ريال‬
‫مقسطاً على عشر سنوات(‪ ، )5‬وكان سعر الفائدة على السنة الأولى ‪ ، %4‬فذلك يعني أنها تبلغ (أربعين ألف‬
‫ريال)‪ ،‬وفي السنة الثان ية سينخفض الدين بعد أداء أحد الأقساط إلى (تسع مئة ألف ريال) فلو ارتفع سعر‬
‫الفائدة إلى ‪ %5‬فإنها ستكون على مجموع الدين المتبقي (تسع مئة ألف ريال) ‪( :‬خمس وأربعين ألف ريال)‪.‬‬
‫هذا وإن من أبرز دواعي اللجوء إلى العائد المتغير ‪-‬فيما يظهر‪ -‬هو أحد أمرين‪:‬‬
‫‪-1‬‬
‫العائد الذي عليه‪.‬‬
‫ارتباط الراغب بالعائد المتغير بعائد آخر متغير‪ ،‬فهو يريد أن يقابل العائد الذي له‬
‫َ‬
‫‪-2‬‬
‫المقارنة بين الفوائد الربوية‪ ،‬وبين صيغ التمويل الإسلامية‪ ،‬بحيث ربما ُيراد لها محاكاة الفوائد الربوية تماماً‪.‬‬
‫والخلاصة مما سبق‪ :‬أن العائد المتغير في كثير من صوره لا يبدو أنه الحل الأفضل في صيغ التمويل‪،‬‬
‫بل العائد الثابت المحدد عند أصل العقد هو الأفضل‪ ،‬وهو إن كان يحوي بعض السلبيات والمخاطر‪ ،‬إلا أنها قد‬
‫تكون دون ما يوجد في العائد المتغير‪.‬‬
‫وإذا ثبت أن بعض صيغ العائد المتغير محرمة‪ :‬فإنه لا شك أن الضرر الذي فيها أكثر من النفع‪ ،‬وإن خفي‬
‫على بعض الناس بعض أوجه الضرر‪ ،‬كما يلاحظ‪ :‬أنه لا يلزم أن تكون جميع أفراد المعاملة المحرمة مشتملة‬
‫على الضرر نفسه؛ ذلك أن النظر إنما يكون إلى العموم‪ ،‬والشريعة قائمة على مبدأ سد الذرائع الموصلة إلى‬
‫الحرام‪ ،‬قال ابن رشد الجد‪" :‬العلة إذا وضعت حسماً للباب‪ :‬لم تخصص في موضع من المواضع‪ ،‬ألا ترى أن‬
‫( ‪)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫التحوط بأنه‪ " :‬الإجراءات التي تتخذ لحماية المال من التقلب غير المتوقع وغير المرغوب"‪.‬‬
‫يعرف‬
‫ّ‬
‫إدارة المخاطر‪ ،‬د‪ .‬طارق هللا خان و د‪ .‬حبيب أحمد‪ ،‬ترجم الأصل من الإنجليزية إلى العربية د‪ .‬عثمان بابكر أحمد‪ ،‬ص‪.57‬‬
‫انظر بتصرف يسير‪ :‬المشتقات المالية‪ ،‬د‪ .‬سمير رضوان‪ ،‬ص‪.247‬‬
‫انظر‪ :‬الأزمات المالية في ضوء الاقتصاد الإسلامي‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص‪.36-35‬‬
‫مع أن متوسط أمد التمويل طويل الأجل قد يكون أكثر من ذلك‪ ،‬وكلما طالت المدة كان ارتفاع القسط بارتفاع سعر الفائدة أكثر؛‬
‫لأن نسبة ما يؤدي من الدين إلى مجموعه ستكون أقل‪.‬‬
‫منع قبول شهادة الأب لابنه‪ ،‬والابن لأبيه –لأجل التهمة الغالبة في الطباع فحمل الباب محملاً واحداً ولم ينقض‬
‫بنادر(‪.")1‬‬
‫(‪ )1‬المقدمات الممهدات‪.368/2 ،‬‬
‫المرابحة بربح متغير‬
‫صيغة المرابحة‪ ،‬أو المرابحة المركبة (المرابحة للآمر بالشراء(‪ ))1‬من أكثر صيغ التمويل التي حظيت‬
‫بالبحث والدراسة‪ ،‬كما أنها من أكثر الصيغ(‪ )2‬تعاملاً لدى المصارف الإسلامية(‪ ، )3‬إذ يذكر بعض الباحثين أن بيع‬
‫المرابحة للآمر بالشراء يحتل ما بين ‪ %40‬و‪ %90‬من مجمل عمليات البنوك الإسلامية‪ ،‬ثم شرع في التفصيل‬
‫في بعضها(‪ ،)4‬وفي أحدى الإحصائيات بلغت نسبة المرابحة من مجمل صيغ التمويل في أحد السنوات عند‬
‫أحد البنوك إلى نسبة ‪.)5(%95‬‬
‫وليس محل البحث هنا حكم المرابحة أو المرابحة للآمر بالشراء‪ ،‬وإنما هو في حكم العائد المتغير‬
‫للمرابحة‪ ،‬أو ما يسمى بالمرابحة بربح متغيرة‪.‬‬
‫المراد بالمرابحة بربح متغير‪:‬‬
‫ابتداء‬
‫يراد بالمرابحة بربح متغير‪ :‬أن يكون رأس المال في المرابحة محددا ًًً عند العقد‪ ،‬أما الربح فلا يحدد‬
‫ً‬
‫للفترة كاملة‪ ،‬وإنما يربط بمؤشر منضبط لكل فترة(‪.)6‬‬
‫حكم المرابحة بربح متغير(‪:)7‬‬
‫للمعاصرين من أهل العلم والباحثين قولان في هذه المسألة‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬جواز المرابحة بربح متغير‪.‬‬
‫وممن قال بهذا من الباحثين‪ :‬فضيلة الدكتور يوسف الشبيلي(‪.)8‬‬
‫القول الثاني‪ :‬تحريم المرابحة بربح متغير‪.‬‬
‫وقد اختار هذا القول مجمع الفقه الإسلامي؛ إذ جاء في قراره بشأن البيع بالتقسيط(‪" :)9‬لا يجوز شرعاً‬
‫في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط‪ ،‬مفصولة عن الثمن الحال‪ ،‬بحيث ترتبط بالأجل‪ ،‬سواء‬
‫اتفق العاقدان على نسبة الفائدة‪ ،‬أم ربطاها بالفائدة السائدة(‪ .")10‬بل ذهب ‪-‬كما هو ظاهر‪ -‬إلى منع ما هو‬
‫دون الربح المتغير‪ ،‬وذلك حين منع التنصيص في العقد على فوائد التقسيط‪ ،‬مفصولة عن الثمن الحال‪.‬‬
‫كما قد اختار هذا القول المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية‪ ،‬جاء‬
‫في المعايير الشرعية‪ " :‬يجب أن يكون كل من ثمن السلعة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وربحها محدداً‬
‫ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع‪ .‬ولا يجوز بأي حال أن يترك تحديد الثمن أو الربح لمؤشرات‬
‫مجهولة أو قابلة للتحديد في المستقبل؛ وذلك مثل أن يعقد البيع ويجعل الربح معتمداً على مستوى الليبور‬
‫)‪ (LIBOR‬الذي سيقع في المستقبل‪ ،‬ولا مانع من ذكر المؤشرات المعروفة في مرحلة الوعد للاستئناس به في‬
‫تحديد نسبة الربح‪ ،‬على أن يتم تحديد الربح في عقد المرابحة للآمر بالشراء على أساس نسبة معلومة من‬
‫التكلفة ولا يبقى الربح مرتبطاً بالليبور أو بالزمن(‪.")11‬‬
‫(‪ )1‬يفضل بعض الباحثين العدول عن هذه التسمية إلى تسميات أخرى‪ ...‬ولا يظهر ما يوجب عن العدول عن مصطلح (المرابحة للآمر‬
‫كاشف عن المعنى المراد بها‪ ،‬كما أنه قد جاء مصطلحا (الآمر) (والمأمور) في كلام محمد‬
‫بالشراء)؛ إذ إنه مع شهرته واختصاره‪:‬‬
‫ٌ‬
‫بن الحسن ‪-‬رحمه هللا‪ -‬حول هذه المعاملة‪ ،‬وجاء مصطلح (الآمر) في كلام ابن القيم ‪-‬رحمه هللا‪ -‬حولها‪ .‬انظر‪ :‬المخارج في‬
‫الحيل‪ ،‬لمحمد بن الحسن‪ ،133،‬المبسوط‪ ،‬للسرخسي‪ ،238-237/30 ،‬إعلام الموقعين‪ ،‬لابن القيم‪.40-39/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬الشائع في التعامل لدى المصارف المرابحة المركبة‪ ،‬بينما يقل أو يندر إجراء المرابحة البسيطة‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬إدارة المخاطر‪ ،‬د‪ .‬طارق هللا خان و د‪ .‬حبيب أحمد‪ ،‬ترجم الأصل من الإنجليزية إلى العربية د‪ .‬عثمان بابكر أحمد‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫(‪ ) 4‬انظر‪ :‬البنوك الإسلامية التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق‪ ،‬عائشة الشرقاوي المالقي‪ ،‬ص‪ .452‬وانظر أيضاً‪ :‬التفاصيل العملية‬
‫لعقد المرابحة في النظام المصرفي الإسلامي‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد الحليم عمر‪ ،‬ضمن بحوث ندوة خطة الاستثمار في البنوك‬
‫الإسلامية الجوانب التطبيقية والقضايا والمشكلات‪ ،‬ص‪ ،182‬وانظر‪ :‬تعليق السيد نوازش علي زيدي‪ ،‬على البحث السابق‪،‬‬
‫ص‪ ، 229‬تجربة البنوك التجارية السعودية في بيع المرابحة للآمر بالشراء‪ ،‬عبدالرحمن الحامد‪ ،‬ص‪ :‬ح‪ ،‬تقويم مسيرة الاقتصاد‬
‫الإسلامي‪ ،‬أ‪.‬د عبد الرحمن يسري‪ ،‬ص ‪ ، 29‬التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي‪ ،‬لمنور إقبال وآخرين‪ ،‬ص ‪ ،69‬وينظر‬
‫جدول يبين مدى حجم المرابحة من بين صيغ التمويل‪ :‬ص ‪ ،100-98‬وينظر آخر في‪ :‬تقويم دور المصارف الإسلامية في تطوير‬
‫العمل المصرفي‪ ،‬د‪ .‬أحمد مجذوب‪ ،‬حولية البركة‪ ،‬العدد السادس رمضان ‪ ،1425‬ص‪.114‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي‪ ،‬لمنور إقبال وآخرين‪ ،‬ص ‪.100-98‬‬
‫(‪ )6‬لمعرفة كيفية الربط ينظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص ‪.9-8‬‬
‫(‪ )7‬الكلام هنا منصب على حكم تغير الربح في المرابحة فحسب‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬ص‪.13-12‬‬
‫(‪ )9‬يلاحظ أن المرابحة المتغيرة نوع من بيع المؤجل‪.‬‬
‫(‪ )10‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي‪ ،‬القرار رقم (‪ )51‬بشأن البيع بالتقسيط‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫(‪ )11‬المعايير الشرعية‪ ،‬المعيار رقم (‪ )8‬المرابحة للآمر بالشراء‪ ،‬ص‪ ،114‬البند ‪.6/4‬‬
‫وجاء فيها أيضاً‪" :‬يجوز اتخاذ مؤشر مثل معدل ليبور أو مؤشر أسعار أسهم وسلع محددة‪ ،‬أساساً لتحديد‬
‫الربح في الوعد بالمرابحة شريطة إبرام عقد المرا بحة على ربح معلوم لا يتغير بتغير ذلك المؤشر(‪.")1‬‬
‫واختار هذا القول ‪-‬أيضاً‪ -‬جمهور العلماء والباحثين المعاصرين(‪.)2‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫أدلة القول الأول (جواز المرابحة بربح متغير)‪:‬‬
‫الدليل الأول‪:‬‬
‫الاستدلال بقاعدة الأصل في العقود(‪ ، )3‬ذلك أن الأصل في المعاملات المالية الحل والصحة‬
‫إلى عموم قول هللا تعالى‪( :‬وأحل هللا البيع)(‪ ،)5‬وقوله تعالى‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)(‪.)6‬‬
‫(‪)4‬‬
‫استناداً‬
‫كما يشهد لهذا الأصل من السنة حديث سعد بن أبي وقاص‪ ‬أن النبي ‪ ( ‬قال إن أعظم المسلمين‬
‫جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته(‪ ،) )7‬ووجه الدلالة منه أن الأصل في الأشياء ‪ -‬ومنها‬
‫العقود – التي لم يرد فيها منع هو‪ :‬الحل‪ ،‬وهذا ظاهر من الحديث‪.‬‬
‫يناقش ذلك‪:‬‬
‫بأن الاستدلال بهذه القاعدة على الجواز مسلم حينما لا يأتي ما يدل على التحريم وينقل عن هذا الأصل‪،‬‬
‫وقد جاء ما يدل على تحريم هذه المعاملة‪ ،‬كما سيأتي في أدلة القول الثاني‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫أن هللا ‪ ‬إنما اشترط لصحة التجارة‪ ،‬وجود التراضي‪ ،‬كما قال ‪ ( ‬لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن‬
‫تكون تجارة عن تراض منكم)(‪ ، )8‬والتراضي متحقق في هذه المعاملة(‪.)9‬‬
‫يناقش ذلك‪:‬‬
‫بأن من شروط الرضا المعتبر أن يكون بمعلوم‪ ،‬فلا يتحقق الرضا شرعاً بشيء قبل العلم به‪ ،‬ومقدار الربح‬
‫في المرابحة بربح متغير غير معلوم حين العقد‪.‬‬
‫يقول ابن حزم‪ " :‬التراضي بضرورة الحس لا يمكن أن يكون إلا بمعلوم لا بمجهول(‪ ،")10‬ويقول‪":‬والرضا لا‬
‫يكون إلا بمعلوم(‪ ،" )11‬ويقول‪" :‬لا يكون التراضي إلا بمعلوم المقدار‪ ،‬وقد يرضى; لأنه يظن أنه يبلغ ثمناً ما‪ ،‬فإن‬
‫بلغ أكثر لم يرض المشتري‪ ،‬وإن بلغ أقل لم يرض البائع(‪.")12‬‬
‫(‪ )1‬المعايير الشرعية‪ ،‬المعيار رقم (‪ )27‬المؤشرات‪ ،‬ص‪ ،458‬البند ‪.3/5‬‬
‫(‪ ) 2‬انظر‪ :‬المخاطر في صيغ التمويل المصرفي الإسلامي‪ ،‬د‪ .‬محمد القري‪ ،‬حولية البركة‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬ص‪ ،290‬الخدمات‬
‫الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،622/2 ،‬تعقيبات د‪ .‬محمد القري‪ ،‬و د‪ .‬صالح بن‬
‫عبد هللا اللحيدان على بحث المرابحة بربح متغير للدكتور يوسف الشبيلي‪ ،‬وتعليق د‪ .‬عبد الستار أبو غدة عليه‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )4‬ذهب إلى هذا جمهور أهل العلم خلافاً لرواية مرجوحة عن الإمام أحمد ‪-‬كما يقول الزركشي‪ -‬هي مذهب ابن حزم وغيره‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الأم‪ ،3/3 ،‬الإحكام‪ ،‬لابن حزم‪ ،48-5/5 ،‬القواعد الكلية‪ ،‬ص ‪ ،365‬وما بعدها‪ ،‬إعلام الموقعين‪ ،344/1 ،‬شرح الزركشي‪،365/2 ،‬‬
‫الموافقات‪.285-284/1 ،‬‬
‫ويظهر – وهللا أعلم – أن الرواية التي أشار إليه الزركشي‪ :‬مأخوذة من رواية المنع من وقف الإنسان على نفسه‪ ،‬التي أشار إليها‬
‫شيخ الإسلام ‪-‬رحمه هللا‪ -‬بقوله‪ " :‬فإن أحمد قد يعلل أحياناً بطلان العقد بكونه لم يرد فيه أثر ولا قياس‪ ،‬كما قاله في إحدى‬
‫الروايتين في وقف الإنسان على نفسه "‪ :‬القواعد الكلية‪ ،‬ص ‪ .365‬وذلك لأن شيخ الإسلام –رحمه هللا– على سعة اطلاعه التي‬
‫قل نظيرها‪ :‬لم يذكر غير رواية الوقف‪ .‬ولو كان للإمام أحمد –رحمه هللا– رواية صريحة في هذا لذكرها الشيخ ‪-‬رحمه هللا‪ -‬وإذا‬
‫كان ذلك كذلك‪ :‬فإن ما ذكره الزركشي – رحمه هللا – لا يسلم له؛ إذ إنه ربما كان مأخذ الإمام هو أن الوقف ألصق بجانب التعبد‬
‫من جانب المعاملة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬سورة البقرة‪ ،‬الآية (‪.)275‬‬
‫(‪ )6‬سورة المائدة‪ ،‬الآية (‪.)1‬‬
‫(‪ )7‬رواه البخاري ‪ ،2658/6‬ومسلم‪.1831 /4 :‬‬
‫(‪ )8‬سورة النساء‪ ،‬الآية (‪.)29‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.15-14‬‬
‫(‪ )10‬المحلى‪.223/7 ،‬‬
‫(‪ )11‬المحلى‪.345/7 ،‬‬
‫(‪ )12‬المحلى‪ .512/7 ،‬وانظر‪.359/7 :‬‬
‫ويقول السرخسي‪" :‬والرضا بالمجهول لا يصح(‪ " )1‬ويقول الكاساني‪" :‬الرضا شرط البيع والرضا لا يتعلق‬
‫إلا بالمعلوم(‪ ")2‬ويقول الزيلعي‪" :‬الرضا بالشيء لا يتم قبل العلم به(‪.")3‬‬
‫ويقول العز بن عبد السلام‪" :‬الرضا بالمجهول والإبراء من المجهول لا يصحان؛ إذ لا يتصور توجه الرضا‬
‫والإبراء مع الجهالة بالرضا والمبرأ منه‪ ،‬كما لا يتصور توجه الإرادة إلا إلى معلوم أو مظنون(‪." )4‬‬
‫ولو قدر سلا مة التراضي في المرابحة بربح متغير من موانع صحته‪ :‬فأن الرضا ليس هو الشرط الوحيد‬
‫في العقود‪ ،‬بل ثمة شروط أخرى غير متحققة في المرابحة المتغيرة‪ ،‬كما سيأتي في أدلة القول الثاني‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫أن الغرر أو الغبن في المرابحة بربح متغير دون الغرر الذي يوجد في الربح الثابت المحدد؛ لأن الإنسان‬
‫سيرضى بسعر السوق المستقبلي الذي يتبايع به الناس‪ ،‬بينما قد يشعر بالغبن حينما يكون السعر في‬
‫المستقبل دون ما تعاقد عليه‪ ،‬ونحو ذلك في الغرر‪.‬‬
‫يناقش هذا الاستدلال‪:‬‬
‫بأن الغرر أو الغبن ونحوهما‪ ،‬والرضا ونحوه‪ ،‬إنما محل النظر إليها‪ :‬ح ين العقد؛ فاشتراط عدم الغرر يكون‬
‫بالنظر إلى المعقود إليه حال العقد لا في المستقبل‪ ،‬ولو كان للنظر في سعر السلعة في المستقبل أثر في‬
‫الغرر لما خلا عقد من غرر ممنوع‪ ،‬فالإنسان في البيوع الحالة‪ ،‬لا يعلم ما سيكون عليه حال السلعة في أي‬
‫وقت مستقبلي‪ ،‬وكذلك الغبن‪ :‬أن ما يكون بالنظر إلى قيمة السلعة حين العقد‪ ،‬أما كون السلعة تباع بضعف أو‬
‫نصف سعرها في وقت مستقبلي فلا مدخل لذلك على الغبن‪.‬‬
‫وكذلك شرط الرضا‪ :‬إنما يتحقق وينظر إليه حين العقد ‪-‬لا قبله أو بعده‪ ،-‬أما كون الإنسان لا يرضى بعد‬
‫إجراء العقد ولزومه‪ :‬فلا أثر لذلك إطلاقاً ‪ ،‬وإلا لأفضى ذلك إلى إفساد البيوع‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫القياس على بعض البيوع الحالة التي تتفق مع المرابحة بربح متغير في أن الثمن فيها غير مسمى في‬
‫العقد‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬
‫أولا‪ :‬البيع بسعر المثل أو بما ينقطع به السعر(‪.)5‬‬
‫ووجه الشبه بين هذا البيع والمرابحة بربح متغير‪ :‬أن الثمن في كليهما غير مسمى في العقد‪ ،‬وإنما‬
‫بناء على سعر السوق‪.‬‬
‫يتحدد‬
‫ً‬
‫يناقش هذا القياس(‪:)6‬‬
‫على التسليم بصحة البيع بسعر المثل أو بما ينقطع به السعر‪ ،‬فإن هذا قياس مع الفارق‪ ،‬ووجه ذلك أن‬
‫أي من العاقدين العل م به‪ ،‬بينما السعر في المرابحة بربح‬
‫البيع بسعر المثل هو بيع بسعر حا ّ‬
‫ل قائم يمكن ٌ‬
‫أحد‪ :‬العاقدان وغيرهما‪.‬‬
‫متغير‪ :‬سعر مستقبلي غير قائم‪ ،‬لا يعلمه ٌ‬
‫ومما يوضح ذلك‪ :‬أن من أدلة جواز البيع بسعر المثل‪ ،‬أن سعر المثل هو الذي يصار إليه عند فساد‬
‫مثل لم‬
‫ابتداء؛ لأن "قيمة المثل التي تراضيا بها أولى من قيمة‬
‫العقد وعدم التمكن من الرد‪ :‬فجاز اعتباره‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫(‪)1‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫(‪) 6‬‬
‫المبسوط‪.217/11 ،‬‬
‫بدائع الصنائع‪.156/5 ،‬‬
‫تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ .79/4 ،‬وانظر‪ .25/4 :‬وانظر‪ :‬العناية شرح الهداية‪ ،‬للبابرتي‪.193/6 ،‬‬
‫قواعد الأحكام في مصالح الأنام‪ ،‬للعز‪.177-176/2 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫يلاحظ أن عامة من منع هذه المعاملات‪ :‬فإنما منعها لأجل الغرر فحسب‪ ،‬بينما لا تقتصر علة المنع هنا على الغرر‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫يتراضيا بها(‪ ،" )1‬بينما البيع بسعر مستقبلي‪ :‬يتنازعه سعر المثل عند العقد‪ ،‬وسعر المثل عند الأداء‪ ،‬وسعر‬
‫المثل عند العقد أولى بالاعتبار‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن الغرر في المرابحة بربح متغير دون البيع بسعر المثل من جهة أنه في الربح فحسب‪ ،‬بينما‬
‫هو في البيع بسعر المثل داخل على جميع الثمن‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬هو أن الربح مستقل في هذا العقد عن رأس المال‪ .‬ومن ثم فإنه ينظر إلى مقدار الغرر فيه‪ ،‬لا‬
‫بضمه إلى رأس المال؛ لأنه المقصود أصلاً‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬البيع بما باع به فلان(‪.)2‬‬
‫ووجه الشبه بين هذا البيع والمرابحة بربح متغير هو‪ :‬أن الثمن في كليهما غير محدد في العقد‪ ،‬وإنما‬
‫يتفق الطرفان على طريقة منضبطة لتحديده‪.‬‬
‫يناقش هذا القياس‪:‬‬
‫على القول بصحة "البيع بما باع به فلان" فثمة فرق بينه وبين المرابحة بربح متغير‪ ،‬من جهة أن "البيع‬
‫بما باع به فلان" يمكن العلم به؛ لأنه واقع‪ ،‬بخلاف السعر في المرابحة المتغيرة فإنه مستقبلي لا يعلم‪ .‬على أن‬
‫"البيع بما باع به فلان" فيه شبه بالتوكيل بالبيع أو الشراء دون تحديد ثمن للموكَل كما قال شيخ الإسلام رحمه‬
‫هللا(‪ ، )3‬وهذا ما لا يكون في المرابحة المتغيرة‪ .‬كما أن "البيع بما باع به فلان" له وجه آخر من الجواز من جهة أن‬
‫"اعتبار الناس بالرجل المشهور الذي قد نصب نفسه لبيع البضائع‪ ،‬أكثر من اعتبارهم ببيع المساومة(‪.")4‬‬
‫ثالثا‪ :‬البيع بالرقم(‪.)5‬‬
‫ووجه الشبه بين هذا البيع والمرابحة بربح متغير هو‪ :‬أن الثمن في كليهما لا يعلم في الحال وإنما يعلم‬
‫في المآل‪.‬‬
‫يناقش هذا القياس‪:‬‬
‫بأن البيع بالرقم إذا كان مجهولاً للعاقدين أو أحدهما(‪ )6‬على القول بصحته يفارق بيع المرابحة بربح‬
‫متغير ‪ -‬إضافة إلى ما سبق كون السعر في هذه البيوع قائم‪ -‬من جهة أن "المشتري يرضى بمخبرة البائع‪،‬‬
‫وهو ما اشتراه به من ذلك البدل‪ ،‬ويربحه فيه ما يتفقان عليه(‪ ،")7‬وهذا يجوز؛ لأنه إذا كان لو وكل وكيلاً يشتري‬
‫له أو يبيع ولم يعين له الثمن جاز‪ ،‬فالشراء بالثمن الذي اشترى له البائع أولى بالجواز؛ لأن "اجتهاد التاجر لنفسه‬
‫أبلغ في العادة من اجتهاد الوكيل لموكله(‪ ." )8‬قال ابن تيمية‪" :‬الذي رأيته من نصوص أحمد‪ :‬أنه إذا كان البائع‬
‫عالماً بقدر الثمن جاز للمشتري أن يشتريه منه بذلك الثمن‪ ،‬وإن لم يعلم قدره؛ فإنه ثمن مقدر في نفس الأمر‪،‬‬
‫وقد رضي هو بخبرة البائع وأمانته(‪.")9‬‬
‫وإذا كان سعر الرقم محدداً من الجهة ذات المسؤولية فإن جواز البيع أظهر؛ لأنه من جنس البيع بسعر‬
‫السوق الذي لا يختلف(‪ ، )10‬كما أن الفرق بينه في هذه الحالة وبين المرابحة بربح متغير أجلى‪.‬‬
‫ومع ما سبق‪ :‬فقد نقل ابن مفلح ‪-‬رحمه هللا‪ -‬إن شيخ الإسلام يوجب في نحو ذلك ثمن المثل فحسب‪.‬‬
‫قال في الفروع‪ " :‬السادس(‪ : )1‬معرفة الثمن‪ ،‬فلا يصح برقم مجهول‪ ،‬أو بما ينقطع سعره‪ ،‬أو كما يبيع الناس‬
‫على الأصح فيهن‪ ،‬وصححه شيخنا بثمن المثل كنكاح(‪.")2‬‬
‫(‪ )1‬الفروع‪ .324/6 ،‬وانظر‪:‬جامع المسائل‪ ،‬المجموعة الرابعة‪ ،‬ص‪.336‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬ص‪ ،222‬النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر‪ ،‬لابن مفلح‪.300/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الممتع‪.174/8 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )6‬ظاهر كلام شيخ الإسلام عن "البيع بالرقم" الذي منعه عامة الفقهاء أن الرقم يكون مجهولاً للمشتري فحسب‪ ،‬قال في نظرية‬
‫العقد‪ " :‬إذا علم المشتري قدر الرقم‪ :‬لم يشكل على أحد‪ ،‬ولكن المسئول عنه الرقم الذي رقمه البائع ولم يعلم المشتري قدره"‪:‬‬
‫ص‪ .222‬ومع ذلك فقد ذكر بعض الفقهاء جهالته لأحدهما أو لهما جميعاً‪ .‬انظر‪ :‬الإنصاف‪.133/11 ،‬‬
‫كما أن ظاهر كلامه‪ :‬أن الرقم هو الثمن الذي اشترى به البائع السلعة‪ .‬انظر‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬ص‪ ،222‬النكت والفوائد السنية على‬
‫مشكل المحرر‪ ،‬لابن مفلح‪ ،299/1 ،‬وفيه يقول‪" :‬الرقم رأس المال"‪.300/1 :‬‬
‫(‪ )7‬نظرية العقد‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫(‪ )8‬نظرية العقد‪ ،‬ص‪ .222‬وانظر‪ :‬الفوائد السنية‪.300/1 ،‬‬
‫(‪ )9‬نظرية العقد‪ ،‬ص‪.224‬‬
‫(‪ )10‬انظر‪ :‬الشرح الممتع‪.171/8 ،‬‬
‫رابعا بيع بعض الجملة بتحديد سعر الوحدة‬
‫(‪)3‬‬
‫(بعتك من هذه الصبرة‪ :‬كل قفيز بدرهم(‪.))4‬‬
‫ووجه الشبه بين هذا البيع والمرابحة بربح متغير هو ‪ :‬أن الثمن في كليهما غير متحدد عند العقد‪ ،‬وإنما‬
‫يتحدد في المآل وفق آلية يتفق عليها الطرفان لا تفضي إلى النزاع‪.‬‬
‫يناقش هذا القياس‪:‬‬
‫بأنه ثمة فرق بين هذه المسألة وبين الربح في المرابحة بربح متغير‪ ،‬وذلك لأن طرفي المرابحة بربح‬
‫متغير يجهلان مقدار الربح؛ لأنه يتحدد في وقت لاحق‪ ،‬في حين أن أحد الطرفين في هذه المعاملة ‪-‬وهو‬
‫المشتري‪ -‬الجها لة عنده منتفية‪ ،‬ذلك أنه علم سعر الوحدة ومقدارها‪ ،‬وهو مخير في أن يشتري منها ما شاء‪ .‬أما‬
‫البائع فهو وإن كان لا يعلم عدد الوحدات التي سيشتريها المشتري‪ ،‬إلا إن ذلك غير مؤثر عنده؛ لأنه لو لم يكن‬
‫يريد عرض السلعة كلها للبيع‪ :‬لاستثنى منها ما لا يريد بيعه‪ ،‬وبهذا يت بين أنه لا جهالة مؤثرة في هذه المعاملة‬
‫بخلاف المرابحة بربح متغير(‪.)5‬‬
‫الدليل الخامس‪:‬‬
‫القياس على بعض البيوع الآجلة التي تتفق مع المرابحة بربح متغير في أن الثمن فيها غير مسمى في‬
‫العقد‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬
‫أولا‪ :‬البيع بشرط النفقة لمدة معلومة(‪( .)6‬بيع السلعة بالنفقة مدة محددة على معين)‪.‬‬
‫يناقش هذا القياس‪:‬‬
‫بأن "بيع السلعة بالنفقة مدة محددة على معين" من بيع الغرر غير المؤثر؛ إذ إنه غرر يسير يعفى عن‬
‫مثله‪ ،‬ونحو ذلك في الإجارة(‪ ،)7‬ووجه كون الغرر فيه يسيراً هو‪ :‬أن النفقة معلومة أو مقاربة‪ ،‬ولهذا متى ما اختل‬
‫هذا الأمر بأن لم ُي َع ّين المنفق عليه‪ ،‬أو كان ممن لا تنضبط نفقته‪ :‬انتقل الحكم من الجواز إلى الحرمة‪.‬‬
‫قال في كشاف القناع‪( " :‬و) يصح البيع (بنفقة عبده) فلان أو أمته فلانة (شهراً) أو زمناً معيناً قل أو كثر;‬
‫لأن ذلك له عرف يضبطه‪ ،‬بخلاف نفقة بعيره أو نحوه وكذا حكم إجارة (فلو فسخ العقد) بنحو عيب (رجع)‬
‫المشتري (بقيمة المبيع عند تعذر معرفة الثمن) بتلف الصبرة أو الصنجة أو الكيل المجهولين‪ ،‬وعدم ضبط‬
‫نفقة العبد وقلنا‪ :‬يرجع بقيمة المبيع إذن لأن الغالب أن الشيء يباع بقيمته(‪." )8‬‬
‫تأجر بنفقته إذا ظهر أكولاً بخلاف عادة‬
‫ومما يؤكد الانضباط في ذلك أن المالكية نصوا على أن المس َ‬
‫الناس‪ :‬فللمستأجر الفسخ‪ ،‬إلا أن يرضى الأجير بنفقة وسط(‪.)9‬‬
‫وبهذا يتبين الفرق بين "بيع السلعة بالنفقة مدة محددة على معين" وبين "المرابحة المتغيرة"‪ ،‬فالأول‬
‫له عرف يرجع إليه‪ ،‬إضافة إلى تقديره من طرفي العقد‪ ،‬بينما الربح في "المرابحة المتغيرة" ليس منضبط ًا ولا‬
‫قائماً‪ ،‬إضافة إلى أنه يضم إلى ذلك كونه متغيراً غير ثابت‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫(‪) 6‬‬
‫(‪) 7‬‬
‫( ‪)8‬‬
‫(‪)9‬‬
‫أي من شروط البيع‪.‬‬
‫الفروع‪ .155/6 ،‬وانظر‪ :‬المبدع‪.34/4 ،‬‬
‫ومما يشهد لذلك أنه صحح البيع دون تسمية الثمن وله ثمن المثل‪ .‬انظر‪ :‬حاشية ابن قندس على الفروع‪،156/6 ،‬‬
‫الإنصاف‪ ،132-131/11،‬الاختيارات‪ ،‬ص‪.180‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫انظر‪ :‬المغني‪.208/6 ،‬‬
‫انظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،‬لشمس الدين ابن قدامة‪.140/11 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫انظر‪ :‬تقرير القواعد وتحرير الفوائد‪ ،‬القاعدة الثانية والسبعون‪.56/2 ،‬‬
‫وإن كان الجواز في الإجارة أظهر؛ من جهة أن عدم التحديد الدقيق في الثمن يقابله عدم انضباط دقيق في المثمن (عمل‬
‫الأجير)‪ ،‬لكن الشريعة اغتفرت هذا الغرر حثاً على السعي والاكتساب‪ ،‬قال ابن عاشور‪ " :‬فهذه العقود لا تخلو من غرر لعسر‬
‫ان ضباط العمل المتعاقد عليه ‪ ،‬وعسر معرفة العامل ما ينجر إليه من الربح من جراء عمله ‪ ،‬ولعسر انضباط ما ينجر إلى صاحب‬
‫المال فيها من إنتاج أو عدمه ‪ ،‬غير أن الشريعة ألغت هذا الغرر لأن إضرار مراعاته أشد من إضرار إلغائه؛ لما في مراعاته من‬
‫حرمان كثير من الأمة فوائد السعي والاكتساب ‪ :"...‬مقاصد الشريعة لابن عاشور‪ ،‬ص ‪ .493‬وانظر‪ :‬ص ‪ . 73‬وانظر‪ :‬زاد المعاد‪،‬‬
‫‪. 20/5‬‬
‫كشاف القناع‪ .173/3 ،‬وانظر‪ :‬شرح المنتهى‪.18-17/2 ،‬‬
‫انظر‪ :‬مواهب الجليل‪ ،470/7 ،‬شرح الخرشي‪ ،14-13/7 ،‬الشرح الكبير وحاشية الدسوقي‪ ،14/4 ،‬منح الجليل‪.470/7 ،‬‬
‫مؤجل في "بيع السلعة بالنفقة مدة محددة على معين"‪ ،‬وقد يزيد وينقص‪ ،‬فهو‬
‫فإن قيل‪ :‬إن الثمن‬
‫ٌ‬
‫متغير كالمرابحة بربح متغير‪ ،‬ومع هذا أجازه الحنابلة وغيرهم‪.‬‬
‫فالجواب هو‪ :‬أن ا لذي يزيد وينقص هو قيمة النفقة‪ ،‬وليست النفقة ذاتها‪ ،‬والعوض إنما هو النفقة مدة‬
‫محددة لا قيمة النفقة‪ ،‬وعلى هذا‪ :‬فلا أثر لغلاء أو رخص قيمة النفقة؛ إذ ليس العقد عليها‪ ،‬نظيره ذلك في‬
‫السلم‪ :‬لا أثر لغلاء أو رخص المسلم فيه‪ ،‬لأن المعقود عليه هو السلعة‪ .‬وهذا كله يخالف الربح في المرابحة‬
‫المتغيرة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن النفقة تتفاوت بحسب الفصول ‪-‬مثلاً‪ -‬أو تغير حاجة المنفق عليه‪.‬‬
‫فالجواب هو‪ :‬التغير بحسب الفصول مدرك ومعلوم حال العقد‪ .‬أما تغير حاجة المنفق عليه فذلك‬
‫يخالف الأصل أولاً‪ ،‬ثم إن هذا التغير المخالف للعادة لا يطالب به المتضرر من طرفي العقد ‪-‬كما سبق قريباً‪-‬‬
‫من كلام المالكية‪.‬‬
‫ثانيا السلم بسعر السوق(‪.)1‬‬
‫ووجه ذلك‪ :‬أنه لا فرق بين كون المحدد بناء على سعر السوق يوم التسليم‪ :‬الثمن أو المثمن‪ ،‬والتفريق‬
‫بينهما تفريق بين متماثلين‪.‬‬
‫يناقش هذا القياس‪:‬‬
‫مع أن في القول بجواز السلم بسعر السوق يوم التسليم نظر؛ لحديث ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬قال‬
‫قدم النبي ‪ ‬المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث فقال‪" :‬من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن‬
‫معلوم إلى أجل معلوم(‪ :" )2‬فإن هذه الصيغة مع ما فيها من شبة ببيع المرابحة بربح متغير؛ إلا أن الغرر في‬
‫المرابحة بربح متغير أشد منه في السلم بسعر السوق يوم التسليم‪ ،‬ومما يبين ذلك أن حاصل بيع السلم بسعر‬
‫السوق يكاد يكون ثمن مقدر بمثله إضافة إلى ربح معلوم‪ :‬مشاع ( ‪ %5‬مثلاً) أو معين (ريال في الكيلو مثلاً)(‪،)3‬‬
‫بينما حاصل بيع ال مرابحة بربح متغير يكاد يكون ثمن مقدر بمثله إضافة إلى ربح غير معلوم‪ ،‬وإنما يعلم في‬
‫أجل لاحق‪ ،‬وهذا فرق مؤثر‪.‬‬
‫ومما يؤكد هذا‪ :‬أن شيخ الإسلام ‪-‬رحمه هللا‪ -‬الذي جاء عنه جواز السلم بسعر السوق يوم التسليم(‪ ،)4‬لم‬
‫ير جواز البيع بسعر السوق المستقبلي "السعر الذي لم يستقر بعد"‪ ،‬قال‪" :‬الذي وجدته منصوصاً عن أحمد‪:‬‬
‫جواز البيع بالرقم وبالقيمة‪ ،‬دون السعر الذي لم يستقر بعد‪ ،‬ولم يعلمه البائع(‪.")5‬‬
‫وقال‪" :‬وأما إذا كان السعر لم ينقطع بعد ولكن ينقطع فيما بعد‪ ،‬ويجوز اختلاف قدره‪ :‬فهذا قد منع منه؛‬
‫لأنه ليس وقت البيع ثمن مقدر في نفس ال أمر‪ ،‬والأسعار تختلف باختلاف الأزمنة فقد يكون سعره فيما بعد‬
‫العقد أكثر مما كان وقت العقد(‪.")6‬‬
‫ُيقال هذا على في المرابحة بربح متغير محاذير أخرى غير الغرر لا توجد في السلم بسعر السوق يوم‬
‫التسليم‪.‬‬
‫الدليل السادس‪:‬‬
‫قياس المرابحة بربح متغير على الإجارة بأجرة متغيرة‪ ،‬بجامع التغير في كل منهما‪ ،‬والإجارة نوع من‬
‫البيوع(‪.)7‬‬
‫يناقش هذا الاستدلال‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫(‪)6‬‬
‫(‪)7‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫متفق عليه‪ ،‬البخاري في كتاب السلم‪ ،‬باب السلم في وزن معلوم‪ ،85/3 ،‬ومسلم‪ .55/5 ،‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫معين كما ذكر شيخ الإسلام‪ ،‬ومشاع كما ذكر الشيخ ابن عثيمين في تعليقه على الاختيارات‪ .‬انظر‪ :‬جامع المسائل‪ ،‬المجموعة‬
‫الرابعة‪ ،‬ص‪ ،337-336‬الاختيارات‪ ،‬ص‪.193‬‬
‫يبدوا أن كلام شيخ الإسلام ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في هذه المسألة منحصر في نص فريد جاء في جامع المسائل‪ ،‬المجموعة الرابعة‪،‬‬
‫ص‪ ،337-336‬وهو في الفتاوى العراقية‪ ،63/1 ،‬ويبدوا أن ابن مفلح ‪-‬على اختصاصه بابن تيمية‪ -‬لم يبلغه عن شيخه في هذه‬
‫المسألة سوى هذه الفتوى‪ ،‬فنقل جزءاً منها في الفروع‪ .325/6 ،‬وانظر‪ :‬الاختيارات‪ ،‬ص‪.193‬‬
‫وكلام الشيخ ‪-‬رحمه هللا‪ -‬محتمل‪ ،‬وليس صريحاً‪ ،‬ولا أعلم أنه ُنقل جواز ذلك عن غيره‪.‬‬
‫نظرية العقد‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫نظرية العقد‪ ،‬ص‪ .224‬وانظر‪ :‬ص ‪.165‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫بأن الإجارة المتغيرة ‪-‬مع أن في جوازها نظر ظاهر‪ -‬تفارق بيع المرابحة بربح متغير من جهة أن‬
‫المعوض عنه في الإجارة يقبض ويستوفى شيئاً فشيئاً‪ ،‬فكان لاعتبار السعر يوم الاستيفاء وجه اعتبار‪ ،‬وهذا‬
‫يفارق البيع الذي يقبض في الأصل مرة واحد فكان المراعى عند الرجوع إلى سعر المثل هو‪ :‬سعر المثل عند‬
‫العقد لا عند التحاسب‪.‬‬
‫كما أن مما يبين الفرق بين البيع والإجارة‪ :‬أن الإجارة عقد على منفعة تفوت عند عدم الانتفاع بها‪ ،‬بينما‬
‫البيع عقد على عين لا تفوت عند عدم الانتفاع بها مدة معينة‪ ،‬ولهذا جرت العادة أن الإنسان يؤجر بسعر المثل‬
‫مهما كان منخفضاً‪ ،‬بينما قد لا يبيع الإنسان السلعة بسعر مثلها إذا كان منخفضاً‪ ،‬ويفضل حبسها إلى حين‬
‫ارتفاع سعرها؛ لأن الحبس لا يفوت عليه شيء‪.‬‬
‫أدلة القول الثاني (تحريم المرابحة بربح متغير)‪:‬‬
‫الدليل الأول‪:‬‬
‫اشتمال المرابحة بربح متغير على الربا(‪ ،)1‬أو شبهته(‪ ،)2‬وذلك من وجهين‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬أن الثمن قد يزيد عند حلول الأجل عما كان عليه عند العقد‪ ،‬وذلك عندما يكون هامش الربح‬
‫في السوق عند حلول الأجل أكثر منه عند إجراء العقد(‪.)3‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن الربح المتغير إنما يؤخذ في حقيقة الأمر على دين المرابحة لقاء الأجل المتفق عليه‪،‬‬
‫وليس على السلعة محل المرابحة ‪-‬وهذا ظاهر‪ ، -‬وإذا كان مجمع الفقه الإسلامي منع من التنصيص على‬
‫فوائد التقسيط في العقد مفصولة عن الثمن الحال حتى لو كانت محددة ثابتة لشبهة الربا‪ ،‬فكيف بهذه‬
‫الصورة التي يحسب فيها ربح المرابحة على دين المرابحة‪ ،‬جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي‪ " :‬لا يجوز شرعاً‬
‫في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط‪ ،‬مفصولة عن الثمن الحال‪ ،‬بحيث ترتبط بالأجل‪." )4(...‬‬
‫بل رأى ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬أن بيع (ده دوازده(‪ ))5‬ربا(‪ )6‬؛ لأن الربح قوم بالثمن‪ ،‬فكيف بهذه‬
‫الصورة؟‬
‫وقال شيخ الإسلام ابن تيمية‪" :‬وأما إذا قوم السلعة بقيمة حالة وباعها إلى أجل بأكثر من ذلك‪ :‬فهذا منهي عنه‬
‫في أصح قولي العلماء كما قال ابن عباس‪ :‬إذا استقمت بنقد ثم بعت بنقد فلا بأس‪ ،‬وإذا استقمت بنقد ثم‬
‫بعت بنسيئة فتلك دراهم بدراهم‪ .‬ومعنى قوله‪ :‬استقمت‪ :‬أي قومت وهللا أعلم(‪.")7‬‬
‫نوقش الوجه الأول‪:‬‬
‫بأن "الدين ليس فيه زيادة؛ لأن العاقدين لم ينظرا أصلا ً إلى هامش الربح في السوق عند العقد‪ ،‬وإنما‬
‫ابتداء‪ ،‬فالذي استقر في ذمة المشتري هو المبلغ الأخير فقط دون ما قبله(‪.")8‬‬
‫جرى العقد على السعر الأخير‬
‫ً‬
‫( ‪)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫( ‪)5‬‬
‫(‪)6‬‬
‫( ‪)7‬‬
‫(‪) 8‬‬
‫بين الحافظ ابن رجب ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في الفتح‪ :‬أنه يدخل في تحريم الربا جميع أكل المال بالمعاوضات الباطلة المحرمة‪ ،‬واستطرد‬
‫ّ‬
‫في بيان ذلك في كلام السلف‪ .‬ينظر فتح الباري في شرح صحيح البخاري‪.534-532/2 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص ‪ ،9‬الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي‪.622/2،‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي‪ ،‬القرار رقم (‪ )51‬بشأن البيع بالتقسيط‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫كلمة فارسية تعني‪ :‬العشرة اثنا عشر‪ .‬انظر‪ :‬كشاف القناع‪ ،230/3 ،‬شرح المنتهى‪.52/2 ،‬‬
‫انظر‪ :‬مصنف ابن أبي شيبة‪.409/4 ،‬‬
‫مجموع الفتاوى‪.496/29 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫دخول بيع المرابحة بربح متغير في بيع الغرر(‪ )2()1‬الذي نهى عنه رسول هللا ‪ ،)3(‬وذلك أن مقدار الربح‬
‫لما ذكر‬
‫فيها متغير غير معلوم؛ فقد يزيد على المتوقع وقد ينقص‪ ،‬وجهل ذلك نوع من الغرر‪ ،‬يقول ابن القيم ّ‬
‫شيئاً من بيوعات الغرر‪" :‬ونحو ذلك مما لا يعلم حصوله أو لا يقدر على تسليمه‪ ،‬أو لا يعرف حقيقته ‪،‬‬
‫ومقداره(‪ ." )4‬والربح في المرابحة بربح متغير‪ :‬غير معلوم المقدار‪.‬‬
‫ظاهر(‪ ،)5‬وإنما الشأن في كون الغرر فيها مؤثراً أم لا؟‬
‫أمر‬
‫إن اشتمال المرابحة بربح متغير على الغرر‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫ويمكن عرض المرابحة بربح متغير على ضوابط الغرر المعفو عنه حتى يتبين مدى تحقق الغرر الممنوع فيها‬
‫من عدمه‪.‬‬
‫وبالنظر في نصوص الشريعة وفي كل ام أهل العلم‪ :‬يتبين أن الغرر يعفى عنه في حالات أربع(‪:)6‬‬
‫‪)1‬‬
‫إذا كان في غير المعاوضات المالية‪.‬‬
‫‪)2‬‬
‫إذا كان يسيراً‪.‬‬
‫‪)3‬‬
‫إذا وقع تبعاً غير مقصود(‪.)7‬‬
‫‪)4‬‬
‫إذا دعت إليه الحاجة(‪.)8‬‬
‫وعند عرض المرابحة بربح متغير على الحالات السابقة فسيتبين الآتي‪:‬‬
‫‪-1‬‬
‫المرابحة بربح متغير‪ :‬من عقود المعاوضات المالية‪ ،‬فلا تدخل في الحالة الأولى من حالات الغرر المعفو عنه‪.‬‬
‫‪-2‬‬
‫الغرر في المرابحة بربح متغير‪ :‬ليس بيسير؛ ذلك أن أهل العلم ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬مجمعون على اغتفار الغرر‬
‫اليسير(‪ ، )9‬إلا أنهم اختلفوا في ضبطه‪ ،‬ومما جاء في ضبطه‪" :‬ما شأن الناس التسامح فيه(‪ ،")10‬وليس من شأن‬
‫الناس التسامح في مثل الغرر الحاصل في الربح المتغير؛ الذي قد يزيد على ضعف المتوقع كما قد ينقص‬
‫إلى أقل من نصف المتوقع‪ ،‬وعلى ذلك فلا تدخل المرابحة بربح متغير في الحالة الثانية من حالات الغرر‬
‫المعفو عنه‪.‬‬
‫ومما يبين أن الغرر في المرابحة بربح متغير ليس يسيراً‪ :‬أن العلماء يذكرون أن الغرر اليسير إنما أبيح للحاجة‪،‬‬
‫يقول شيخ الإسلام ‪ " :‬والحاجة الشديدة يندفع بها يسير الغرر(‪ ،" )11‬وقال خليل في مختصره‪" :‬واغتفر غرر يسير‬
‫للحاجة(‪ ." )12‬وليست الحاجة المبيحة للغرر متحققة هنا ‪-‬كما سيأتي‪.-‬‬
‫كما أن بعض أهل العلم يذكرون أنه عفي عن يسير الغرر؛ لأنه يصعب التحرز منه‪ ،‬ومعلوم أنه يمكن التحرز من‬
‫الغرر في المرابحة بجعل الربح ثابتاً‪ ،‬لا متغيراً‪.‬‬
‫وبهذا يتبين أن الغرر في المرابحة بربح متغير ليس بيسير‪ ،‬بل هو غرر فاحش‪.‬‬
‫‪-3‬‬
‫الغرر في المرابحة بربح متغير‪ :‬وقع في المعقود عليه أصالة‪ ،‬وذلك لأن الغ رر متحقق في ربح المرابحة‪ ،‬وهو‬
‫المقصود أصالة‪ ،‬فلا يمكن أن يكون تبعاً‪ .‬وعلى ذلك فلا تدخل المرابحة بربح متغير في الحالة الثالثة من‬
‫(‪ )1‬عرف شيخ الإسلام الغرر بأنه "المجهول العاقبة"‪ :‬مجموع الفتاوى‪ .22/29 ،‬وينظر في تعريفات الغرر‪ :‬الغرر وأثره في العقود‪ ،‬د‪.‬‬
‫الصديق الضرير‪ ،‬ص‪.34-28‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص ‪ ، 12‬الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي‪.622/2،‬‬
‫(‪ )3‬جاء ذلك في حديث في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم‪ .3/5 ،‬وله طرق كثيرة عن غيره من الصحابة‪ ،‬حتى عده الكتاني في نظم‬
‫المتناثر من المتواتر‪ ،‬انظر‪ :‬ص‪.102‬‬
‫(‪ )4‬زاد المعاد ‪. 818/5 ،‬‬
‫(‪ )5‬قلما يسلم بيع من نوع غرر‪ .‬انظر‪ :‬الموافقات ‪ ،14/2 ،‬الاعتصام‪.144-143/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬يلاحظ أن هذه الحالات ليس مجمع عليها‪.‬‬
‫(‪ )7‬يلاحظ‪ :‬أ ن الحالتين الثانية والثالثة تكادان تندرجان تحت الحالة الرابعة‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬الغرر وأثره في العقود‪ ،‬د‪ .‬الصديق الضرير‪ ،‬ص‪ ،612-583‬الغرر في العقود وآثاره في التطبيقات المعاصرة‪ ،‬ص‪.47-39‬‬
‫(‪ )9‬انظر ‪ :‬بداية المجتهد ‪ ، 1215/3 :‬الذخيرة ‪ ، 354/4 :‬المجموع ‪ ،311/9 ،‬شرح مسلم للنووي‪ ،156/10 ،‬الشرح الكبير للدردير‪. 60/3 ،‬‬
‫(‪ )10‬حاشية الدسوقي ‪. 60/3 ،‬‬
‫(‪ )11‬مجموع الفتاوى ‪.49/29 ،‬‬
‫(‪ )12‬ص‪ .176‬وانظر‪ :‬التمهيد‪ ،143/17 ،‬زاد المعاد ‪ ،820/5 ،‬التاج والإكليل‪.294/4 ،‬‬
‫حالات الغرر المعفو عنه‪.‬‬
‫‪-4‬‬
‫الغرر في المرابحة بربح متغير‪ :‬ليس مما تدعو إليه الحاجة المبيحة للغرر‪ ،‬ووجه ذلك‪:‬‬
‫أن الحاجة المبيحة للغرر هي الحاجة المتعينة‪ ،‬ومعنى ذلك أن تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول للغرض‬
‫سوى ذلك العقد الذي فيه غرر‪ ،‬فمتى ما تهيأ الطريق المشروع لدفع الحاجة‪ :‬لم يجز اللجوء إلى طريق مشتمل‬
‫على محرم بدعوى الحاجة(‪ ، )1‬قال النووي رحمه هللا‪" :‬قال العلماء‪ :‬مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع‬
‫وجوده على ما ذكرناه‪ ,‬وهو‪ :‬أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة‪ ,‬أو كان‬
‫الغرر حقيراً جاز البيع‪ ,‬وإلا فلا(‪.")2‬‬
‫وفي المرابحة يمكن الاستغناء عن الربح المتغير بالربح الثابت‪ ،‬فلم تبق حاجة معتبرة تبيح الغرر في المرابحة‬
‫بربح متغير‪.‬‬
‫وإذا تبين أن الحاجة في المرابحة بربح متغير‪ :‬ليست متعينة‪ ،‬فإنها ‪-‬أيضاً‪ -‬ليست شديدة‪ ،‬وإن سلم بأنها‬
‫شديدة‪ :‬فإن الغرر فيها ليس يسيراً أو واقعاً تبعاً حتى يعفى عنه مع الحاجة‪.‬‬
‫وبما سبق‪ :‬يتبين أن الغرر في المرابحة بربح متغير ليس من قبيل الغرر المعفو عنه‪ ،‬ومما يؤكد أنه من‬
‫الغرر الممنوع‪ :‬أنه غرر مقصود وما كان هذا شأنه فإنه‪ :‬ممنوع‪ ،‬قال المازري‪" :‬ما كان الغرر فيه مقصوداً يجب‬
‫أن يفسد العقود‪ ،‬وما كان الغرر فيه نزراً يسيراً غير مقصود وتدعو الضرورة إلى العفو‪ :‬لا يفسد به العقد(‪.")3‬‬
‫نوقش الاستدلال بالغرر‪:‬‬
‫‪-1‬‬
‫أن الجهالة المفسدة للعقد هي الجهالة المفضية للنزاع‪ ،‬والجهالة في "المرابحة بربح متغير" ليست مفضية؛‬
‫لأن الربط بمؤشر منضبط‪ :‬لا يؤدي إلى النزاع‪.‬‬
‫‪-2‬‬
‫أن الحاجة داعية إلى "المرابحة بربح متغير"‪ ،‬ومن ثَم فالغرر فيها مغتفر للحاجة‪.‬‬
‫‪-3‬‬
‫أن الغرر يسير‪ ،‬من جهة أنه مهما كان التغير فهو يسير بالنسبة إلى السعر الكلي للسلعة‪.‬‬
‫يجاب عن المناقشة الأولى‪:‬‬
‫بأن الشريعة جاءت بمنع الجهالة الشديدة التي تفضي إلى النزاع‪ ،‬حتى ولو خلت بعض صورها من‬
‫الإفضاء إلى النزاع؛ ذلك أن الشريعة حسمت هذا الباب‪ ،‬قال ابن رشد الجد‪" :‬العلة إذا وضعت حسماً للباب‪ :‬لم‬
‫تخصص في موضع من المواضع‪ ،‬ألا ترى أن منع قبول شهادة الأب لابنه‪ ،‬والابن لأبيه –لأجل التهمة الغالبة‬
‫في الطباع فحمل الباب محملاً واحداً ولم ينقض بنادر(‪ . ")4‬وكما سبق‪ :‬فرق بين الجهالة المقصودة التي يعفى‬
‫عنها في بعض الأحوال‪ ،‬والجهالة المقصود المتعمدة‪.‬‬
‫والخلاصة‪ :‬أنه لا يسلم بأن الجهالة في المرابحة بربح متغير غير المفضية للنزاع‪ ،‬قال الكاساني مشيراً إلى‬
‫الفرق بين الجهالة المفضية إلى النزاع‪ ،‬وغير المفضية‪" :‬ولو قال‪ :‬بعتك قفيز ًا من هذه الصبرة‪ :‬صح‪ ،‬وإن كان‬
‫قفيزاً من صبرة‪ :‬مجهولاً‪ ،‬لكن هذه جهالة لا تفضي إلى المنازعة; لأن الصبرة الواحدة متماثلة القفزان‪ ،‬بخلاف‬
‫الشاة من القطيع وثوب من الأربعة; لأن بين شاة وشاة تفاوتاً فاحشاً وكذا بين ثوب وثوب(‪ .")5‬ولا شك أن‬
‫الجهالة في المرابحة بربح متغير أشد من الجهالة في "بعتك شاة من هذا القطيع"‪.‬‬
‫يجاب عن المناقشة الثانية‪:‬‬
‫بأنه لا يصح القول باغتفار الغرر في "المرابحة بربح متغير" لأجل الحاجة؛ لأنها ‪-‬إن سلم بها‪ -‬حاجة غير‬
‫شديدة‪ ،‬وغير متعينة‪ ،‬ثم إن الغرر فيها كثير مقصود‪.‬‬
‫يجاب عن المناقشة الثالثة‪:‬‬
‫بأنه لا يسلم بأن الغرر في المرابحة بربح متغير‪ :‬يسير‪ ،‬وذلك لأن مقدار الربح‪ :‬مقصود أساس‬
‫للمتعاقدين‪ ،‬وهذ ا التغير الذي يلحق الربح ليس باليسير ‪-‬كما سبق‪ .-‬وإن مما يؤكد ذلك‪ :‬أنه إذا كان التغير‬
‫الحاصل للربح يسيراً مغتفراً‪ :‬فلماذا لا تكون المرابحة بربح ثابت؛ لأن الزيادة والنقصان في الربح في السوق‬
‫(‪) 1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫( ‪)5‬‬
‫ينظر‪ :‬الغرر وأثره في العقود‪ ،‬ص‪ ،606-604‬الحاجة وأثرها في الأحكام دراسة نظرية تطبيقية‪ ،‬د‪ .‬أحمد الشرعية‪.190-187/1 ،‬‬
‫المجموع ‪.311/9 ،‬‬
‫المعلم‪ ،244/2 ،‬عن طريق جمهرة القواعد الفقهية‪.310/1 ،‬‬
‫المقدمات الممهدات‪.368/2 ،‬‬
‫بدائع الصنائع‪ .158/5 ،‬وانظر‪ :‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‪.281/5 ،‬‬
‫يسيرة لا يلتفت إليها؟ والواقع أن الداعي إلى إيجاد صيغة المرابحة بربح متغير هو أن تغير سعر المرابحة ليس‬
‫بيسير‪.‬‬
‫وبذلك يتبين أن الغرر غير يسير‪ ،‬إضافة إلى أنه غرر مقصود ‪-‬كما سبق‪ -‬فلا يصح جعله من الغرر‬
‫المعفو عنه‪.‬‬
‫كل‪ :‬فإن الناظر فيما منعه أهل العلم لأجل الغرر يرى أن الغرر في كثير منه دون الغرر الموجود‬
‫وعلى ٍ‬
‫في المرابحة بربح متغير‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫دخول المرابحة بربح متغير في "بيعتين في بيعة" المنهي عنها(‪ . )1‬ووجه ذلك‪ :‬أن من معاني "بيعتين في‬
‫بيعة" أن يقول بعتك هذه السلعة بكذا نقداً أو بكذا نسيئة‪ ،‬ثم يفترقان دون اختيار لأحد الثمنين‪ ،‬ومع كون هذا‬
‫التفسير ل "بيعتين في بيعة" مختلف فيه عن د الفقهاء‪ ،‬إلا أنهم لا خلاف بينهم في منع هذه الصورة من‬
‫البيع(‪.)2‬‬
‫ومما يبين دخول المرابحة بربح متغير في هذه الصورة المحرمة‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه بينما تحصر هذه الصورة المحرمة الثمن بين ثمنين‪ ،‬فإن المرابحة بربح متغير ليس فيها تحديد‬
‫للثمن‪ ،‬فهي أولى بالمنع‪.‬‬
‫‪-2‬أن الحديث يمنع البيع بثمنين مع وجود مقابل للأجل للفرق بين الثمن الأعلى والأدنى‪ ،‬فالثمن الأعلى‬
‫أبعد أجلاً من الأدنى‪ ،‬بينما في المرابحة بربح متغير يثبت الثمن الأعلى دون أن ينتفع المدين من الزيادة في‬
‫الدين بشيء‪ ،‬فيكون المنع آكد‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه إذا كان يمنع من البيع بثمنين‪ ،‬مع أن تحديد أحدهما يقع باختيار المشتري (المدين)؛ لأنه الذي يختار‬
‫الأجل الذي يدفع فيه الثمن‪ ،‬فإن المنع في بيع المرابحة بربح متغير‪ :‬أولى لأنه يقع دون اختياره بل وفقاً‬
‫للمؤشر(‪.)3‬‬
‫نوقش هذا الاستدلال‪:‬‬
‫بأن المرابحة بربح متغير ليس فيها إلا ثمن واحد‪ ،‬فليس فيها ثمنين حتى تدخل في هذا التفسير‬
‫ل"بيعتين في بيعة"(‪.)4‬‬
‫يجاب عن هذه المناقشة‪:‬‬
‫مع التسليم بأن هذه الصورة ل"بيعتين في بيعة" غير متحققة في بيع المرابحة بربح متغير‪ ،‬إلا أنها لا‬
‫منع من البيع بثمنين‪ ،‬وذلك لأن علة المنع عند أهل العلم أحد أمرين‪:‬‬
‫تسلم من المعنى الذي لأجله ُ‬
‫أ‪ -‬ا لغرر‪ .‬ووجه‪ :‬الجهل بثمن المبيع(‪ ،)5‬قال الكاساني‪ " :‬وكذا(‪ )6‬إذا قال‪ :‬بعتك هذا العبد بألف درهم إلى‬
‫سنة‪ ،‬أو بألف وخمس مئة إلى سنتين; لأن الثمن مجهول(‪ ." )7‬وإضافة إلى ما سبق بيانه من تلبس "المرابحة‬
‫بربح متغير" بالغرر‪ :‬فإن جهالة الثمن فيها أشد منها في "البيع بثمنين"‪ ،‬وهذا ظاهر من جهة أن الثمن في البيع‬
‫بثمنين محصور بأحد ثمنين معلومين للعاقدين‪ ،‬بينما سعر الربح في "المرابحة بربح متغير" يحتمل عدة أثمان‬
‫غير معلومة لأحد من المتعاقدين‪.‬‬
‫ب‪ -‬الربا أو سد الذريعة إليه‪ ،‬وإلى هذا ذهب الإمام مالك ‪-‬رحمه هللا‪ ،-‬قال معللاً المنع‪ " :‬لأنه إن أخر‬
‫العشرة كانت خمسة عشر إلى أجل وان نقد العشرة كان إنما اشترى بها الخمسة عشر التي إلى أجل(‪ ،")8‬وقال‬
‫ابن رشد موضحاً كلام الإمام مالك‪" :‬وعلة امتناعه عند مالك‪ :‬سد الذريعة الموجبة للربا لإمكان أن يكون الذي‬
‫له الخيار قد اختار أولاً إنفاذ العقد بأح د الثمنين المؤجل أو المعجل‪ ،‬ثم بدا له ولم يظهر ذلك‪ ،‬فيكون قد ترك‬
‫( ‪)1‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫( ‪)7‬‬
‫(‪)8‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫انظر‪ :‬بداية المجتهد‪ ،1208/3 ،‬الغرر وأثره في العقود‪ ،‬ص ‪ .82‬وانظر‪ :‬إعلام الموقعين‪.485/3 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص‪ ،17-16‬وفيه أوجه أخرى‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫انظر‪ :‬الاستذكار‪ ،137-136/17 ،‬بدائع الصنائع‪ ،158/5 ،‬الفواكه الدواني‪ ،95/2 ،‬بداية المجتهد‪.1209/3 ،‬‬
‫أي‪ :‬البيع فاسد‪.‬‬
‫بدائع الصنائع‪158/5 ،‬‬
‫الموطأ برواية يحيى بن يحيى‪ .663/2 ،‬وانظر‪ :‬المدونة ‪ ،20/3‬بداية المجتهد‪.1209/3 ،‬‬
‫أحد الثمنين للثمن الثاني‪ ،‬فكأنه باع أحد الثمنين بالثاني‪ ،‬فيدخله ثمن بثمن نسيئة‪ ،‬أو نسيئة ومتفاضلاً(‪ .")1‬ومع‬
‫كون علة المنع هذه أبعد من سابقتها‪ ،‬فقد سبق بيان وجه اشتمال المرابحة بربح متغير على الربا أو شبهته‪.‬‬
‫الراجح‪:‬‬
‫بعد عرض هذه المسألة‪ ،‬فالذي يظهر رجحانه من هذين القولين ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬هو منع المرابحة بربح‬
‫متغير لما سبق من أدلة المنع‪.‬‬
‫وبما أن الفروع الفقهية التي قيست عليها المرابحة للآمر بالشراء إنما قال بالجواز فيها شيخ الإسلام ‪-‬‬
‫رحمه هللا‪ -‬وغيره‪ ،‬وبعضها لم ينقل الجواز فيها عن غير شيخ الإسلام ‪-‬رحمه هللا‪ : -‬فإن من المهم الإشارة إلى‬
‫أن القول بمنع المرابحة بربح متغير ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬هو الذي يتخرج على أصول شيخ الإسلام ‪-‬رحمه هللا‪ -‬وذلك‬
‫من أوجه‪:‬‬
‫‪-1‬‬
‫أن بيع المرابحة بربح متغير أقرب ‪-‬كما هو ظاهر‪ -‬إلى صورة البيع بسعر السوق في المستقبل‪ ،‬من صورة‬
‫البيع بسعر السوق حال العقد‪ ،‬وقد سبق شيء من كلام شيخ الإسلام في منع البيع بسعر السوق في‬
‫المستقبل‪ ،‬ومن ذلك قوله‪" :‬وأما إذا كان السعر لم ينقطع بعد ولكن ينقطع فيما بعد‪ ،‬ويجوز اختلاف قدره‪:‬‬
‫فهذا قد منع منه؛ لأنه ليس وقت البيع ثمن مقدر في نفس الأمر‪ ،‬والأسعار تختلف باختلاف الأزمنة فقد يكون‬
‫سعره فيما بعد العقد أكثر مما كان وقت العقد(‪.")2‬‬
‫‪-2‬‬
‫أن المرابحة بربح متغير تستخدم في كثير من الأحيان إن لم يكن في أكثرها لغرض التورق‪ ،‬والتورق المنظم‪،‬‬
‫ورأي شيخ الإسلام هو تحريم التورق الفردي(‪ )3‬فكيف بالمنظم؟‬
‫‪-3‬‬
‫قوله‪" :‬وأما إذا قوم السلعة بقيمة حالة وباعها إلى أجل بأكثر من ذلك‪ :‬فهذا منهي عنه في أصح قولي العلماء‬
‫كما قال ابن عباس‪ :‬إذا استقمت بنقد ثم بعت بنقد فلا بأس‪ ،‬وإذا استقمت بنقد ثم بعت بنسيئة فتلك دراهم‬
‫بدراهم‪ .‬ومعنى قوله‪ :‬استقمت‪ :‬أي قومت وهللا أعلم(‪.")4‬‬
‫(‪)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫بداية المجتهد‪.1209/3 ،‬‬
‫نظرية العقد‪ ،‬ص‪ .224‬وانظر‪ :‬ص ‪.165‬‬
‫انظر‪ :‬إعلام الموقعين عن رب العالمين‪ ،223/3 ،‬وعبارته‪" :‬وكان شيخنا ‪-‬رحمه هللا‪ -‬يمنع من مسألة التورق‪ ،‬وروجع فيها مراراً وأنا‬
‫حاضر‪ ،‬فلم يرخص فيها"‪ ،‬الفروع‪ ،‬لابن مفلح‪ ،316/6 ،‬الإنصاف‪ ،‬للمرداوي‪ .196/11 ،‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى‪.500/29 ،‬‬
‫وللشيخ قول آخر بالكراهة‪ .‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى‪.502 ،447 ،442 ،431 ،303 ،302/29 ،‬‬
‫والظاهر أن القول بالتحريم هو الأخير لشيخ الإسلام ‪-‬رحمه هللا‪-‬؛ إذ إنه ذكره عنه أخص تلاميذه ولم يذكروا عنه غيره‪ ،‬ومعلوم‬
‫اختصاص ابن مفلح بشيخ الإسلام‪ .‬جاء في السحب الوابلة في ترجمته ‪ " :‬وكان أحفظ الناس لمسائل الشيخ ابن تيمية حتى كان‬
‫الشمس ابن القيم يراجعه في ذلك‪ ،‬وكان الشيخ ابن تيمية يقول له‪ :‬ما أنت ابن مفلح‪ ،‬بل أنت مفلح‪ ،‬وقال ابن القيم لقاضي‬
‫القضاة موفق الدين الحجاوي سنة ‪- 31‬أي بعد السبع مئة‪ -‬وما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح هذا‪،‬‬
‫وعمره نحو العشرين "‪.1092/3 :‬‬
‫مجموع الفتاوى‪.496/29 ،‬‬
‫التورق المتجدد قصير الأجل‬
‫المراد بالتورق المتجدد قصير الأجل‪:‬‬
‫هي أن يتفق طرفا المعاملة على إبرام تورق بهامش الربح السائد عند إجراء العملية للدين كاملاً شاملا ً‬
‫رأس المال وربحه‪ ،‬على أن يكون سداد الدين كاملاً في نهاية فترة متفق عليها‪ ،‬فإذا حل الأجل سدد العميل‬
‫جزءاً من الدين متفقاً عليه مسبقاً مع ربحه الذي يعادل تلك الفترة فقط‪ ،‬أما باقي الدين فيتم سداده بإجراء‬
‫عملية تورق أخرى بهامش ربح جديد هو هامش الربح في بداية تلك الفترة‪ ،‬فيكون العميل سدد باقي الدين‬
‫الأول واستقر في ذمته دين جديد أعلى منه‪ ،‬وهكذا في بقية الفترات‪.‬‬
‫حكم التورق المتجدد قصير الأجل‪:‬‬
‫ثمة رأيان للعلماء والباحثين المعاصرين في حكم هذه المسألة(‪ ،)1‬وذلك كما يلي‪:‬‬
‫الرأي الأول‪ :‬جواز التورق المتجدد قصير الأجل‪.‬‬
‫وقد أخذ بهذا الرأي عدد من الهيئات الشرعية‪ ،‬مثل الهيئات الشرعية للبنك الأهلي‪ ،‬وبنك الجزيرة‪ ،‬وبنك‬
‫دبي الإسلامي وغيرها(‪ ، )2‬كما أخذ به عدد من الباحثين(‪.)3‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬تحريم التورق المتجدد قصير الأجل‪.‬‬
‫وقد أخذ بهذا القول عدد من العلماء والباحثين‪.‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫أدلة الرأي الأول (جواز التورق المتجدد قصير الأجل)‪:‬‬
‫الدليل الأول‪:‬‬
‫أن التورق المتجدد قصير الأجل ليس من جنس قلب الدائن دينه الذي حل أجله على مدينه بتأخير سداده‬
‫مقابل زيادة يحصل عليها في القدر أو الصفة صراحة أو حيلة ‪.)4(...‬‬
‫يناقش ذلك‪:‬‬
‫بعدم التسليم‪ ،‬بل هو من جنس قلب الدين المحرم‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫أدلة الرأي الثاني ( تحريم التورق المتجدد قصير الأجل)‪:‬‬
‫إن هذا المعاملة إذا ُنظر إليها بصورتها المثالية‪ ،‬بحيث ُو ِّج َد التورق الحقيقي عن كل فترة‪ ،‬الذي تتوفر‬
‫فيه شروطه من تملك السلع‪ ،‬وتعيينها‪ ،‬وعدم عودتها إلى بائعها الأول‪ ،‬ونحو هذه الشروط‪ :‬فإنها على هذه‬
‫الصورة المثالية لا تخلوا ‪-‬أيض ًا‪ -‬من موانع التحريم‪ ،‬فكيف بما دونها‪.‬‬
‫ومن أدلة تحريم التورق المتجدد قصير الأجل على أمثل صوره ما يلي‪:‬‬
‫الدليل الأول‪:‬‬
‫اشتمال هذه المعاملة على قلب الدين‪ ،‬ووجه ذلك أن المدين في هذه المعاملة يسقط عنه الدين‬
‫مقابل وجوب دين أكثر منه عليه‪ ،‬عن طريق تورق جديد‪ ،‬وهكذا يتكرر قلب الدين بحسب طول أجل التمويل‪.‬‬
‫وقلب الدين على المدين غير جائز‪ :‬سواء كان المدين موسراً أو معسراً‪ ،‬وفي شأن المعسر حكى شيخ‬
‫الإسلام ‪-‬رحمه هللا‪ -‬الإجماع على تحريم زيادة الدين على المعسر بأي وسيلة كان‪ ،‬وفي شأن الموسر حكى أن‬
‫الصحابة ‪ ‬لم يكن بينهم نزاع في حرمته‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫من الواضح أن هذا الخلاف في التورق المتجدد إنما يأتي على القول الراجح بجواز التورق الذي قال به جمهور أهل العلم‪ ،‬أما من‬
‫يمنع التورق من أصله فمن باب أولى أن يمنع هذه المسألة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫انظر‪ :‬قلب الدين أحكامه وبدائله المعاصرة‪ ،‬د‪ .‬نزيه حماد‪ ،‬ضمن كتابه‪ :‬في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة قراءة‬
‫جديدة‪ ،‬ص‪.140-135‬‬
‫انظر‪ :‬قلب الدين أحكامه وبدائله المعاصرة‪ ،‬ص‪138‬‬
‫ومن كلامه في هذا‪" :‬المعسر يجب إنظاره‪ ،‬ولا يجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها بإجماع‬
‫المسلمين(‪.")1‬‬
‫وقال‪" :‬وأما إذا حل الدين وكان الغريم معسراً‪ :‬لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلب بالقلب لا بمعاملة ولا‬
‫غيرها ؛ بل يجب إنظاره(‪.")2‬‬
‫وقال‪" :‬وأما إذا كان هذا هو المقصود(‪ )3‬ولكن توسلوا بمعاملة أخرى؛ فهذا تنازع فيه المتأخرون من‬
‫المسلمين‪ ،‬وأما الصحابة فلم يكن بينهم نزاع أن هذا محرم؛ ف(إنما الأعمال بالنيات)‪ ،‬والآثار عنهم بذلك كثيرة‬
‫مشهورة‪ .‬وهللا تعالى حرم الربا لما فيه من ضرر المحتاجين وأكل المال بالباطل وهو موجود في المعاملات‬
‫الربوية(‪.")4‬‬
‫وقال‪" :‬إن احتال على أن يزيده في الثمن ويزيده ذلك في الأجل بصورة يظهر رباها‪ :‬لم يجز ذلك‪ ،‬ولم‬
‫يكن له عنده إلا الدين الأول؛ فإن هذا هو الربا الذي أنزل هللا فيه القرآن؛ فإن الرجل يقول لغريمه عند محل‬
‫الأجل تقضي أو تربي فإن قضاه وإلا زاده هذا في الد ين وزاده هذا في الأجل فحرم هللا ورسوله ذلك وأمر‬
‫بقتال من لم ينته(‪.")5‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬إن هذه المعاملة تقع برضا المدين (العميل)‪.‬‬
‫قيل‪ :‬لا أثر لرضا المدين في الجواز‪ ،‬فالربا حرام حتى ولو وقع عن تراض من المترابيَين‪ ،‬والحكمة من‬
‫تحريم الربا إذا ما قورن بغيره من الكبائر‪ :‬ليست جلية‪ ،‬ومن ثَم جاء تحريمه متأخراً نسبياً في الشريعة(‪.)6‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫اشتمال المعاملة على التورق المنظم‪ ،‬وقد عرفه المج مع الفقهي الإسلامي بأنه‪" :‬قيام المصرف بعمل‬
‫نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها‪ ،‬على‬
‫المستورق بثمن آجل‪ ،‬على أن يلتزم المصرف ‪-‬إما بشرط العقد أو بحكم العرف والعادة‪ -‬بأن ينوب عنه في‬
‫بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر‪ ،‬وتسليم ثمنها للمستورق(‪.")7‬‬
‫وقد صدر بتحريم التورق المنظم قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي‪ ،‬وقرار‬
‫مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي‪ ،‬كما أنه ُيفهم من المعيار الشرعي لهيئة‬
‫المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية حول التورق(‪ )8‬؛ كما اختاره أكثر المشاركين في ندوة دلة‬
‫البركة الرابعة والعشرين(‪.)9‬‬
‫ومن أدلة منع التورق المنظم أنه يدخل في بيع العينة الذي منعه جمهور الفقهاء؛ لأن المصرف هو‬
‫الذي يبيع السلعة للمتورق نسيئة بأكثر من ثمنها نقداً‪ ،‬وهو الذي يتولى بيعها لمن يشاء نقداً وبأقل من ثمنها‬
‫الذي باعها هو به‪ ،‬فلا فرق بين هذا وما لو اشتراها المصرف لنفسه‪ ،‬فالمصرف يتولى كل شيء في التورق‬
‫المصرفي(‪ . )10‬ويتبين وجه دخول التورق المنظم في العينة‪ ،‬أو القول بأنه له حكمها‪ :‬في النظر إلى العلة من‬
‫تحريم العينة‪ ،‬وهي القصد الظاهر للحصول على النقد بزيادة‪ ،‬وهو كذلك في التورق المنظم؛ إذ إن حاصله‬
‫توفير المصرف للعميل مبلغاً نقدياً مقابل أداء العميل أكثر آجلاً‪.‬‬
‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى‪.74/28 ،‬‬
‫(‪ )2‬مجموع الفتاوى‪.419/29 ،‬‬
‫(‪ )3‬أي زيادة الدين مقابل زيادة الأجل‪.‬‬
‫(‪ )4‬مجموع الفتاوى‪.419/29 ،‬‬
‫(‪ )5‬مجموع الفتاوى‪ .430/29 ،‬وانظر إضافة إلى ما سبق‪ :‬مجموع الفتاوى‪.439 ،438-437 ،302/29 ،‬‬
‫(‪ )6‬أشار إلى هذا المعنى الإمام الشاطبي‪ .‬انظر‪ :‬الموافقات‪ .124/2 ،‬وانظر‪ :‬بيان الدليل على بطلان التحليل‪ ،‬ص ‪.85 ،83‬‬
‫(‪ )7‬قرار المجمع الفقهي رقم ‪ 2‬بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر‪ ،‬للدورة السابعة عشرة المنعقدة‬
‫في الفترة من ‪.1424/10/32-19‬‬
‫(‪ )8‬جاء في ضوابط صحة عملية التورق‪ 6/4" :‬عدم الربط بين عقد شراء السلعة بالأجل وعقد بيعها بثمن حال بطريقة تسلب العميل‬
‫حقه في قبض السلعة سواء كان الربط بالنص في المستندات‪ ،‬أم بالعرف‪ ،‬أم بتصميم الإجراءات‪.‬‬
‫‪ 7/4‬عدم توكيل العميل للمؤسسة أو وكيلها في بيع السلعة التي اشتراها منها‪ ،‬وعدم توكل المؤسسة عن العميل في بيعها‪ ،‬على أنه‬
‫إذا كان النظام لا يسمح للعميل ببيع السلعة بنفسه إلا بواسطة المؤسسة نفسها‪ :‬فلا مانع من التوكيل للمؤسسة على أن يكون‬
‫في هذه الحالة بعد قبضه السلعة حقيقة أو حكماً"‪ :‬المعايير الشرعية‪ ،‬المعيار رقم ‪ ،30‬البند ‪ ،7/4‬ص ‪.493‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬ملحق قرارات وتوصيات ندوات البركة في الاقتصاد الإسلامي من الحادية والعشرين حتى الخامسة والعشرين‪ ،‬جمع وتنسيق‬
‫د‪ .‬عبد الستار أبو غدة و د‪ .‬أحمد محي الدين‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫(‪ ) 10‬انظر بتصرف يسير‪ :‬التورق المصرفي الرأي الفقهي‪ ،‬د‪ .‬الصديق الضرير‪ ،‬حولية البركة ‪ ،‬العدد السادس رمضان ‪ ، 1425‬ص‪.197‬‬
‫وقد استطرد في بيان أنه لا يدخل فيما أجازه الشافعية أو ابن حزم من العينة‪.‬‬
‫وكون تلك المعاملة تسمى تورقاً لا أثر له في تغيير حقيقتها وحكمها؛ فإنه ما استبيح كثير من الربا إلا‬
‫بأسماء معاملات مباحة كما أشار لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪.)1(-‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫أن عقد التورق الأول سيتضمن اتفاقاً على إجراء التورق الثاني وما يليه‪ ،‬وعلى هذا‪ :‬فلا يخلو هامش‬
‫الربح في التورق الثاني وما يليه عند إجراء التورق الأول‪ :‬من أن يكون معلوماً‪ ،‬أو يكون مجهولاً‪ ،‬فإن كان‬
‫معلوماً محدداً‪ :‬لم تؤد المعاملة غرضها المراد منها؛ لأن الربح المحدد قد لا يكون متوافقاً مع هامش الربح في‬
‫السوق عند إجراء التورق الثاني‪.‬‬
‫أما إن كان الاتفاق على تورق يحدد هامش ربحه عند إجراءه‪ :‬فإن هذا التزاماً بمجهول والالتزام‬
‫بالمعاوضات يشترط فيه انتفاء الغرر‪ ،‬يقول ص احب تحرير الكلام في مسائل الالتزام‪ " :‬وأما الركن الثالث وهو‬
‫(‪)3‬‬
‫الملتزم به‪ .‬فهو كل ما فيه منفعة‪ ،‬وسواء كان فيه غرر أم لا(‪ )2‬؟ إلا فيما كان من باب المعاوضات‪ :‬فيشترط‬
‫فيه انتفاء الغرر(‪.")4‬‬
‫الراجح‪:‬‬
‫بعد عرض المسألة وأدلتها‪ ،‬فالراجح ‪-‬فيما يظهر‪ -‬هو تحريم التورق المتجدد قصير الأجل‪ ،‬لقوة أدلة‬
‫المنع التي سبق ذكرها‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫انظر‪ :‬بيان الدليل على بطلان التحليل‪ ،‬ص ‪ .84‬وانظر‪ :‬ص ‪.85‬‬
‫هذا بناءاً على مذهب الإمام مالك في عدم اعتبار الغرر في التبرعات‪ .‬انظر المدونة‪.124 ،123 ،120 ،119/15 ،‬‬
‫في المطبوع (ويشترط)‪ ،‬والتصويب من مختصر تحرير الكلام في مسائل الالتزام ‪ ،‬لعلي بن إبراهيم البعلي المالكي‪ ،‬مصورة من‬
‫مخطوطات الأزهر‪/2 ،‬ب‪.‬‬
‫تحرير الكلام في مسائل الالتزام‪ ،‬للحطاب‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫المرابحة مع حافز الخصم‬
‫المراد بالمرابحة مع حافز الخصم‪:‬‬
‫هي أن يجري الاتفاق بين المصرف والعميل على ربح أعلى مما هو في السوق‪ ،‬مع الوعد من المصرف‬
‫للعميل بخصم ما زاد عن معدل الربح في السوق(‪.)1‬‬
‫حكم المرابحة مع حافز الخصم‪:‬‬
‫حسب المقترح‪ ،‬لا يخلوا حافز الخصم من حالين‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون الخصم في حالة زيادة معدل الربح عن المعدل في السوق‪ :‬غير ملزم‪ ،‬بل يكون التراضي‬
‫على الخصم في حينه ‪ ،‬فإذا لم يتراضيا‪ :‬رجع العاقدان إلى ما هو محدد في العقد(‪.)2‬‬
‫ففي هذه الحالة‪ :‬لا يظهر أي إشكال‪ ،‬ما دام أن الخصم يقع بالاتفاق في وقته لا عند العقد‪ ،‬لكن لا يظهر‬
‫أن هذا المقترح عملي؛ لأن العميل لن يرضى بإجراء عقد بسعر ربح أعلى مما هو في السوق مقابل وعد قابل‬
‫لعدم التنفيذ بالخصم‪ .‬كما هذا الاتفاق ربما يكون غير ملزم من حيث الصورة؛ لكنه ملزم من حيث الحقيقة‬
‫والعرف‪ ،‬فتعود هذه الحالة إلى الحالة الثانية اللاحقة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون الخصم في حالة ما تبين زيادة معدل الربح عنه في السوق‪ :‬ملزم للدائن (المصرف)‪.‬‬
‫ففي هذه الحالة‪ :‬ثمة رأيان للعلماء والباحثين المعاصرين‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬
‫الرأي الأول‪ :‬جواز المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم‪.‬‬
‫وقد أخذ بهذا الرأي الهيئة الشرعية لبنك البلاد‪ ،‬والهيئة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي(‪ ،)3‬وأخذ به عدد‬
‫من الباحثين(‪.)4‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬تحريم المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم‪.‬‬
‫وقد أخذ بهذا عدد من الباحثين(‪.)5‬‬
‫الأدلة‪:‬‬
‫أدلة الرأي الأول (جواز المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم)‪:‬‬
‫الدليل الأول‪:‬‬
‫أن الأصل في الشروط الصحة(‪ ،)6‬لقوله تعالى‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)(‪ ،)7‬وقول النبي ‪‬‬
‫(المسلمون على شروطهم(‪.))8‬‬
‫يناقش ذلك‪:‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬حماية رأس المال‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص ‪ ،41‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪ ،35‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪.‬‬
‫سامي السويلم‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫(‪ )2‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تعليق متدبر على المرابحة بربح متغير د‪ .‬عبد الستار أبو غدة‪ ،‬ص ‪ ،9‬حماية رأس المال‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫(‪ )7‬سورة المائدة‪ ،‬الآية (‪.)1‬‬
‫(‪ )8‬هذا الحديث جاء مرفوعاً عن غير واحد من الصحابة‪ ،‬منهم أبو هريرة‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وعمرو بن عوف‪ ،‬ورافع بن خديج‪،‬‬
‫باب في الصلح‪ ،16/4 ،‬ح (‪.)3594‬‬
‫وابن عمر‪ ،‬ولا تخلوا هذه الأحاديث من مقال‪ ،‬وحديث أبي هريرة أخرجه أبو داود في الأقضية‪،‬‬
‫ٌ‬
‫والحاكم في المستدرك‪ ،‬في البيوع‪ ،57/2 ،‬ح (‪ ،)2309‬والدارقطني‪ ،‬في البيوع‪ ،426/3 ،‬ح (‪ ،)2891( )2890‬والبيهقي‪ ،‬في الكبرى‪،‬‬
‫في الشركة‪ ،‬باب الشرط في الشركة وغيرها‪ ،79/6 ،‬ح (‪ ،)11211‬وفي شعب الإيمان‪ ،75/4 :‬ح (‪ ،)4348‬وغيرهم‪.‬‬
‫وجميع طرق الحديث لا تخلوا من مقال‪ ،‬وقد حسنه أو صححه بمجموع طرقه غير واحد‪ ،‬منهم الألباني في الإرواء في تخريج‬
‫موسع له‪ ،‬قال‪ " :‬وجملة القول‪ :‬أن الحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره‪ ،‬وهي وإن كان في بعضها‬
‫ضعف شديد‪ ،‬فسائرها مما يصلح الاستشهاد به‪ ،146-142/5 :" ...‬وانظر‪ :‬كشف الخفاء‪ ،‬للعجلوني‪.272/2 ،‬‬
‫قال شيخ الإسلام‪ " :‬وهذه الأسانيد وإن كان الواحد منها ضعيفاً فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضاً‪ ،‬و هذا المعنى هو الذي‬
‫يشهد له الكتاب و السنة " مجموع الفتاوى‪.147/29 :‬‬
‫بأن الاستدلال بهذا الأصل على صحة الشروط‪ :‬مسلم به حينما لا يأتي ما يدل على التحريم‪ ،‬وفي أدلة‬
‫الرأي الثاني ما ينقل عن هذا الأصل‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫أن الالتزام بالخصم ليس من قبيل اشتراط خصم الدين في حال تعجيل سداده؛ لأن المدين مستحق‬
‫لخصم ما زاد عن معدل الربح في السوق حتى لو لم يعجل السداد قب ل حينه‪ ،‬فالخصم حافز على الدخول في‬
‫مرابحة بسعر مرتفع‪ ،‬لا على تعجيل السداد‪ ،‬فهو من باب الجعالة‪ ،‬وهو نظير ترديد الأجر في الإجارة للتحفيز‪،‬‬
‫كأن يقول إن خطت الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم‪ ،‬وقد نص جمع من أهل العلم‬
‫على صحته(‪.)1‬‬
‫يناقش ذلك‪:‬‬
‫مع التسليم بالفرق بين هذه الصورة وصورة "ضع وتعجل(‪ :" )2‬فإن موجب منع المرابحة مع حافز الخصم‬
‫أظهر من منع "ضع وتعجل" المشروطة في أصل العقد‪ ،‬وذلك من وجهين‪:‬‬
‫أ‪-‬‬
‫أن مقدار الخصم في "ضع وتعجل" معلوم‪ ،‬بينما مقدار الخصم في " المرابحة مع حافز الخصم " مجهول؛ إذ‬
‫إنه متوقف على سعر مؤشر المرابحات أو نحوه عند حلول القسط‪ .‬وهذا وجه فاحش من الغرر غير موجود في‬
‫"ضع وتعجل"‪.‬‬
‫ب‪-‬‬
‫إذا كان اشترط الوضع من الدين مقابل التعجيل في أصل العقد ممنوعاً من جهة أنه يدخل في البيع بثمنين‪،‬‬
‫الذي هو أحد تفسيرات "بيعتين في بيعة"‪ :‬فإنه في صورة المرابحة مع حافز الخصم أظهر؛ لأنه بيع بثمنين‬
‫أحدهما معلوم والآخر مجهول‪.‬‬
‫وإذا تبين ذلك‪ :‬فثمة فرق بين ما منعه العلماء من البيع بثمنين‪ ،‬وبين الصورة المذكورة من ترديد الثمن‬
‫في الإجارة‪ ،‬وبيان ذلك‪ :‬أن الثمنين في الإجارة وقعا على شيئين مختلفين‪ :‬خياطة الثوب في يوم‪ ،‬وخياطته في‬
‫يومي ن‪ ،‬بينما في البيع بثمنين محل العقد واحد(‪ ، )3‬فهو في الإجارة كما لو قال ثمن هذا الثوب مئة درهم‪ ،‬وثمن‬
‫هذا خمسون(‪ . )4‬ثم إنه يمكن أن يقال‪ :‬صح العقد في هذه الصورة لأنه يمكن جعلها من باب الجعالة التي‬
‫تغتفر فيها الجهالة‪ ،‬ولا يمكن مثل ذلك في البيع(‪.)5‬‬
‫ُيقال هذا‪ ،‬على أن جمهور أهل العلم ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬على منع ترديد الثمن في الإجارة‬
‫ب"بيعتين في بيعة(‪ ")7‬المنهي عنها‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وبعضهم ألحقه‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫على فرض كون المرابحة مع حافز الخصم من قبيل اشترط الوضع من الدين مقابل التعجيل في أصل‬
‫العقد‪ ،‬فليس في هذا الشرط ما يمنع منه من نص صحيح أو إجماع صريح‪.)8(...‬‬
‫يناقش ذلك‪:‬‬
‫بما سيأتي من أدلة منع المرابحة مع الحافز الملزم الخصم‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫تخريج المرابحة مع حافز الخصم على أن الخصم عقد هبة لجزء من الثمن معلق لجزء من الثمن المؤجل‬
‫على تغير السعر أو على مؤشر ما ‪ ...‬اعتماداً على تسويغ بعض المذاهب لكل من التعليق والجهالة في‬
‫الهبة(‪.)1‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫( ‪)7‬‬
‫( ‪)8‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪ ،35‬حماية رأس المال‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫من أوجه الفرق بين المسألتين‪ :‬أن مسألة (ضع وتعجل) هي في الديون المؤجلة‪ ،‬فيكون الحط من الدين مقابل تعجيل الأجل‪ ،‬بينما‬
‫الخصم في المسألة م حل البحث يكون عند حلول القسط‪ .‬ينظر‪ :‬البطاقات البنكية ‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب أبو سليمان ‪ ،‬ص ‪. 149‬‬
‫ومما يبين هذا الفرق‪ :‬أن الحنفية لا يجيزون "ضع وتعجل"‪ .‬انظر‪ :‬العناية شرح الهداية‪ ،‬للبابرتي‪ .426/8 ،‬وأجازوا مصالحة الكفيل‬
‫المكفول له على بعض الدين‪ .‬انظر‪ :‬المبسوط ‪.59/20‬‬
‫انظر‪ :‬المغني‪ ،86/8 ،334/6 ،‬بدائع الصنائع‪ ،186/4 ،‬تبيين الحقائق‪،138/5 ،‬‬
‫انظر‪ :‬إعلام الموقعين‪.499/3 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المغني‪.334/6 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المبسوط‪ ،100/15 ،‬بدائع الصنائع‪ ،186/4 ،‬المغني‪.86/8 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المدونة‪.420-419/3 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫يناقش ذلك‪:‬‬
‫بأن ما سمي "عقد هبة لجزء من الثمن" لا يخلوا من‪ :‬أن يكون مشترطاً في عقد المرابحة سواء كان كتابة‬
‫في العقد أو مشافهة فقط‪ ،‬أو غير مشترط‪ ،‬فإن كان غير مشترط‪ :‬فإن العميل لن يرضى بالدخول في مرابحة‬
‫أعلى من سعر السوق دون مقابل‪.‬‬
‫وأما إن كان "عقد الهبة" مشروطاً في عقد المرابحة‪ ،‬فإن ذلك يخرجه عن معنى التبرع إلى معنى‬
‫المعاوضة؛ فإن اشتراط عقد التبرع في عقد المعاوضه يحيله إلى عقد معاوضه؛ إذ إن اشتراطه في عقد‬
‫المعاوضة يجعل له جزء من العوض‪.‬‬
‫قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على حديث النهي عن سلف وبيع(‪ " : )2‬وكل تبرع جمعه إلى البيع‬
‫والإجارة مثل‪ :‬الهبة والعارية والعرية والمحاباة في المساقاة والمزارعة والمبايعة وغير ذلك هي‪ :‬مثل القرض‪.‬‬
‫فجماع معنى الحديث‪ :‬أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع؛ لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة لا تبرعا مطلقا‪،‬‬
‫فيصير جزءا من العوض‪ .‬فإذا اتفقا على أنه ليس بعوض جمعا بين أمرين متنافيين ‪.")3(...‬‬
‫ولا يغير في الحكم شيئاً تسمية الخصم هبة؛ فإن العبرة بالحقائق لا بالمسميات‪ .‬قال شيخ الإسلام ابن‬
‫تيمية‪" :‬الأسماء تتبع المقاصد‪ ،‬ولا يجوز لأحد أن يظن أن الأحكام اخت لفت بمجرد اختلاف ألفاظ لم تختلف‬
‫معانيها ومقاصدها‪ ،‬بل لما اختلفت المقاصد بهذه الأفعال اختلفت أسماؤها وأحكامها‪ ،‬وإنما المقاصد حقائق‬
‫الأفعال وقوامها (وإنما الأعمال بالنيات)(‪")4‬‬
‫وإذا تبين أن "عقد الهبة" المشروط في عقد المرابحة‪ :‬عقد معاوضة‪ ،‬فإنه لا ينطبق عليه جواز تعليق‬
‫الهبة(‪ ، )5‬أو هبة المجهول‪ ،‬بل يعود إلى المعاوضة عن المجهول‪.‬‬
‫أدلة الرأي الثاني (تحريم المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم)‪:‬‬
‫الدليل الأول‪:‬‬
‫اشتمال المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم على الغرر الممنوع شرعاً‪ ،‬ويظهر الغرر فيها من وجهين‪:‬‬
‫أ‪-‬‬
‫ب‪-‬‬
‫الجهل بحصول الخصم من عدمه‪ ،‬وذلك لأن الخصم معلق على انخفاض سعر المؤشر حين الأداء عن سعر‬
‫الربح في المرابحة‪ ،‬وحصول ذلك مجهول‪.‬‬
‫الجهل بمقدار الخصم؛ إذ إنه مرتبط بقدر انخفاض سعر المؤشر‪ ،‬وهو أمر مجهول‪.‬‬
‫وعلى هذا فقد اشتملت المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم على غرر فاحش (مجهول الحصول‪ ،‬ومجهول‬
‫القدر)‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫أن فيها معنى البيع بثمنين الذي هو أحد تفسيرات "بيعتين في بيعة"‪ ،‬من جهة أنه بيع بثمنين أحدهما‬
‫معلوم (وهو السعر المبين في العقد) والآخر مجهول (وهو السعر المترتب على سعر المؤشر حين الأداء)‪ ،‬بل‬
‫الصورة التي منعها أهل العلم أقل غرراً ؛ لأن كلا الثمنين فيها معلوم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن البيع في المرابحة مع حافز الخصم لا يقع إلا بأحد الثمنين ( الثمن المبين في العقد إن كان‬
‫سعر المؤشر حين الأداء مساوياً له أو أرفع منه‪ ،‬أو الثمن المترتب على سعر المؤشر إن تبين خلاف ذلك)‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تعليق متدبر على المرابحة بربح متغير د‪ .‬عبد الستار أبو غدة‪ ،‬ص ‪،9‬‬
‫(‪ )2‬جاء النهي عن ذلك في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً‪ ،‬ولفظه عند أبي داود (لا يحل سلف وبيع‪ .)...‬وقد أخرج‬
‫حديثه أبو داود‪ ،‬في كتاب البيوع والإجارات ‪ ،‬باب في الرجل يبيع ما ليس عنده‪ ،769/3 ،‬ح(‪ ، )3504‬والترمذي‪ ،‬في أبواب البيوع‬
‫عن رسول هللا ‪ ، ‬باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك‪ ،516-515/2،‬ح(‪ ،)1234‬والنسائي‪ ،‬في كتاب البيوع‪ ،‬باب بيع ما ليس‬
‫عند البائع‪ ،288/7 ،‬والإمام أحمد في المسند‪ ،205 ،178 ،174/2،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وأصل الحديث دون محل الشاهد رواه ابن ماجه في كتاب التجارات‪ ،‬باب النهي عن بيع ما ليس عندك‪ ،‬وعن ربح ما لم يضمن‪،‬‬
‫‪ ،541-540/3‬ح(‪.)2188‬‬
‫والحديث قال عنه الترمذي‪ " :‬هذا حديث حسن صحيح"‪ ،‬ووافقه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام‪ ،487/5 ،‬وصححه الحاكم في‬
‫المستدرك‪ ،21/2 ،‬والألباني في الإرواء‪.148/5 ،‬‬
‫فائدة‪ :‬جاء في ذخيرة الحفاظ‪ ،‬لمحمد بن طاهر المقدسي‪ " :‬قال أبو عبد الرحمن الأذرمي ‪ :‬ليس يصح من حديث عمرو بن شعيب إلا‬
‫هذا" ‪ .2704/5 :‬وانظر‪ :‬الكامل في الضعفاء‪ ،‬لابن عدي‪.115/5 ،‬‬
‫(‪ )3‬القواعد الكلية‪ ،‬ص‪ .284‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى‪.63-62/29 ،‬‬
‫(‪ )4‬بيان الدليل على بطلان التحليل‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫(‪ )5‬ليس المراد بحث العقد المعلق‪.‬‬
‫قيل‪ :‬كذلك البيع بثمين لا يمكن أن ينفذ إلا على أحدهما‪ ،‬ومع ذلك منع‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫دخول المرابحة مع حافز الخصم في بييع ال ُّث ْن َيا(‪ )1‬المنهي عنه‪ ،‬كما في حديث جابر بن عبد هللا ‪-‬رضي هللا‬
‫عنهما‪ -‬قال نهى رسول هللا ‪ ‬عن المحاقلة‪ ،‬والمزابنة‪ ،‬والمعاومة‪ ،‬والمخابرة ‪-‬قال أحدهما(‪ :)2‬بيع السنين هي‬
‫المعاومة‪ -‬وعن ال ُّث ْنيَا‪ ،‬ورخص في العرايا(‪.)3‬‬
‫والاستثناء في البيع المنهي عنه هو‪ :‬الاستثناء المجهول(‪ )4‬بدلالة الرواية الأخرى للحديث‪( :‬وعن ال ُّث ْنيَا إلا‬
‫أن تعلم(‪ ،) )5‬وبدلالة الأحاديث الأخرى التي جاء فيها ما يدل على جواز استثناء المعلوم(‪.)6‬‬
‫وإذا تبين أن الاستثناء المجهول في البيع منهي عنه‪ :‬فإن حقيقة المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم هو‪:‬‬
‫أنها استثناء معلق لمجهول‪ ،‬فهو استثناء معلق؛ لأنه متوقف على سعر المؤشر حين الأداء‪ ،‬ومجهول؛ لأنه قدر‬
‫المستثنى متوقف على مدى انخفاض سعر المؤشر‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن الاستثناء الوارد في الحديث هو في المثمن‪ ،‬والاستثناء هنا في الثمن‪.‬‬
‫سلم بأن الحديث في المثمن فحسب‪ ،‬فكذلك حكم الثمن؛ لأن مناط الحكم في النهي عن "ال ُّث ْن َيا‬
‫قيل‪ :‬إن ُ‬
‫إلا أن تعلم" هو‪ :‬الغرر(‪ ، )7‬قال الشوكاني‪" :‬والحكمة في النهي عن استثناء المجهول ما يتضمنه من الغرر مع‬
‫الجهالة(‪ ،")8‬والغرر يدخل على الثمن كما هو يدخل على المثمن‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ومع ما سبق من موانع شرعية للمرابحة مع الحافز الملزم بالخصم‪ :‬فإنه يلاحظ أن كثيراً من‬
‫الشركات قد لا تقبل بأن يسجل عليها ربحاً أعلى مما في السوق حتى ولو التزم المصرف بالخصم(‪.)9‬‬
‫الراجح‪:‬‬
‫بعد عرض المسألة وأدلتها‪ ،‬فالذي يظهر ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬هو منع المرابحة مع حافز الخصم الملزم‪ ،‬لقوة‬
‫أدلة المنع التي سبق بيانها‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫(‪) 7‬‬
‫( ‪)8‬‬
‫(‪) 9‬‬
‫إي الاستثناء في البيع‪.‬‬
‫أي أحد الراويين عن جابر ‪.‬‬
‫رواه مسلم‪.18/5 ،‬‬
‫انظر‪ :‬مشكل الآثار‪ ،‬للطحاوي‪ ،133-132/1 ،‬شرح النووي على مسلم‪ ،195/10 ،‬القواعد الكلية‪ ،‬ص‪ ،424-423‬نيل الأوطار‪-179/5 ،‬‬
‫‪.180‬‬
‫رواها أبو داود‪ ،‬في كتاب البيوع والإجارات‪ ،‬باب في المخابرة‪ ،695-694/2 ،‬ح(‪ ،)3405‬والترمذي في أبواب البيوع‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫النعي عن الثنيا‪ ،564/2 ،‬ح(‪ ،)1290‬والنسائي‪ ،‬في كتاب البيوع‪ ،‬باب النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع‪ ،38/7 ،‬وفي باب النهي‬
‫عن بيع الثنيا حتى تعلم‪ .296/7 ،‬وصحح إسنادها النووي في شرحه على مسلم‪.195/10 ،‬‬
‫كحديث جابر ‪ ‬في المتفق عليه لما باع جمله على النبي ‪ ‬واستثنى حملانه إلى أهله‪ .‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬في كتاب الشروط‪ ،‬باب إذا‬
‫اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز‪ ،189/3 ،‬ح(‪ .)2718‬ومسلم في صحيحه‪.51/5 ،‬‬
‫انظر‪ :‬أحكام القرآن‪ ،‬لابن العربي‪ ،323/1 ،‬كشاف القناع‪ ،167/3 ،‬نيل الأوطار‪.180/5 ،‬‬
‫نيل الأوطار‪.180/5 ،‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬يوسف الشبيلي‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫تغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر‬
‫المراد بتغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر‪:‬‬
‫يراد بهذا المقترح‪ :‬أن يتغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر مع بقاء‬
‫يد في مقدار القسط مقابل تخفيض مدة‬
‫أصل الدين دون تغيير‪ ،‬فإذا ارتفع المؤشر عن السعر المتفق عليه‪ِّ :‬ز َ‬
‫السداد‪ ،‬وإذا نخفض المؤشر عن السعر المتفق عليه‪ :‬ينخفض مقدار القسط مقابل الزيادة في مدة السداد(‪.)1‬‬
‫حكم تغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر‪:‬‬
‫حسب المقترح‪ ،‬لا يخلوا تغير مقدار القسط من حالين‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون تغير مقدار القسط ‪-‬على ما سبق بيانه‪ -‬يجري بالتراضي في حينه‪ ،‬بحيث لا يكون ملزماً في‬
‫أصل العقد‪ ،‬فليس في ذلك مان ع شرعي؛ لانتفائه من المحاذير الشرعية؛ فليس فيه التزام بمجهول‪ ،‬كما أن فيه‬
‫تحقيق مصلحة متبادلة للطرفين تكون بالرضا من قبلهما‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون تغير مقدار القسط ‪-‬على ما سبق بيانه‪ -‬يجري الاتفاق عليه في أصل العقد‪ ،‬بحيث يكون‬
‫ملزماً للطرفين‪ ،‬ويربط بقدر تغير في سعر الم ؤشر‪ :‬فإن هذه الصيغة لا تخلوا من الغرر المنهي عنه‪ ،‬من جهة‬
‫دخول الجهالة على مقدار القسط وأمد الأجل‪.‬‬
‫و"الأجل يأخذ قسطاً من الثمن(‪ ،")2‬فوجب أن يكون محدداً معلوماً للعاقدين‪ ،‬كما أن مقدار القسط وأمد‬
‫الأجل مقصود مراد لكلا العاقدين‪ :‬فلم تجز الجهالة فيهما‪.‬‬
‫ويدل على وجوب العلم بالأجل حديث ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬قال قدم النبي ‪ ‬المدينة وهم‬
‫يسلفون بالتمر السنتين والثلاث فقال‪" :‬من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل‬
‫معلوم(‪ ." )3‬قال الإمام الشافعي‪" :‬قول رسول هللا ‪( ‬من سلف فليسلف في كيل معلوم وأجل معلوم) يدل‪:‬‬
‫على أن الآجال لا تحل إلا أن تكون معلومة وكذلك قال هللا جل ثناؤه‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى‬
‫أجل مسمى فاكتبوه)(‪.")5()4‬‬
‫وقد اتفق العلماء ‪-‬رحمهم هللا‪ -‬في الجملة على اشتراط كون الأجل معلوماً في البيع المؤجل‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪ " :‬لا بد من كون الأجل معلوماً ‪ ...‬ولا نعلم في اشتراط العلم في الجملة اختلافاً(‪ ،")6‬وقال‬
‫النووي‪" :‬اتفقوا على أنه لا يجوز البيع بثمن إلى أجل مجهول(‪.")7‬‬
‫وربما يذهب المجيز لهذه المعاملة إلى كون الغرر يسيراً؛ من جهة أنه لا يعود على مقدار الثمن‪ ،‬والتغير‬
‫في الأجل إن حصل سيكون محدوداً‪.‬‬
‫لكن الأظهر‪ :‬هو المنع‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫(‪)6‬‬
‫( ‪)7‬‬
‫انظر‪ :‬التحوط في التمويل الإسلامي‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص ‪ ،143-141‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫مجموع الفتاوى‪ .499/29 ،‬وانظر‪.30/29 :‬‬
‫متفق عليه‪ ،‬البخاري في كتاب السلم‪ ،‬باب السلم في وزن معلوم‪ ،85/3 ،‬ومسلم‪ .55/5 ،‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫سورة البقرة‪ ،‬الآية (‪.)282‬‬
‫الأم‪.96/3 ،‬‬
‫المغني‪.403/6 ،‬‬
‫المجموع‪.412/9،‬‬
‫التحوط بالجمع بين البيع الآجل والمشاركة‬
‫بالتحوط بالجمع‬
‫المراد‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫بين البيع الآجل والمشاركة‪:‬‬
‫يمكن اللجوء إلى تحصيل ربح متغير عن طريق الجمع بين البيع الآجل والمشاركة‪ ،‬فبدلاً من بيع السلعة‬
‫جميعها بثمن آجل ثابت‪ :‬يقوم ببيع الجزء الأكبر من السلعة بثمن آجل‪ ،‬وليكن بنسبة رأس المال (‪ %90‬مثلاً)‪ ،‬أما‬
‫الجزء الباقي الذي يمثل نسبة الربح (‪ )%10‬فيدخل فيه المصرف فيه المصرف شريكاً للعميل مقابل نسبة‬
‫متفق عليها من الربح(‪.)2‬‬
‫ويمكن خروج المصرف من هذا الجزء الذي شارك فيه العميل عن طريق صيغة (الشركات المتناقصة)‬
‫ويمكن جعل ذلك متوافقاً مع أقساط البيع الآجل الذي يمثل الجزء الأكبر‪.‬‬
‫والهدف من هذه الصيغة هي الجمع بين‪:‬‬
‫أ‪ -‬الحفاظ على رأس المال وحمايته (عن طريق البيع الآجل)‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحصول على ربح متغير (عن طريق المشاركة المتناقصة)‪.‬‬
‫وميزة هذه الصيغة أن عائد التمويل فيها "مرتبط بأداء النشاط الاقتصادي‪ ،‬وليس بأداء أسواق الائتمان‬
‫ومعدلات الفائدة‪ .‬وهذا أكثر عدالة للطرفين من الفائدة ومؤشرات أسواق الائتمان؛ لما هو معروف من‬
‫الارتباط العكسي عموماً بين معدل الفائدة والنشاط الاقتصادي‪.")3(...‬‬
‫حكم التحوط بالجمع بين البيع الآجل والمشاركة‪:‬‬
‫تقوم هذه الصيغة في الأساس على بيع جزء مشاع من سلعة معينة (يشكل النسبة الأكبر منها التي‬
‫توازي رأس المال) على العميل‪ ،‬وعلى ذلك يكون المصرف وعميله شريكين في السلعة‪ .‬وقد أجمع العلماء‬
‫على جواز بيع الجزء المشاع(‪.)4‬‬
‫وإذا كانت الصيغة تقوم على أساس البيع مع "المشاركة المتناقصة"‪ :‬فليس في ذلك من بأس ما دام‬
‫أن العقدين المجموع بينهما من عقود المعاوضات المالية‪ ،‬ولا يترتب على الجمع بينهما محذور شرعي(‪.)5‬‬
‫وفي حالة المشاركة المتناقصة لا بد أن يكون الوعد من الطرفين غير ملزم؛ لأنه لا يجوز الالتزام بالبيع أو‬
‫الشراء بسعر السوق في المستقبل؛ لما يتضمنه ذلك الالتزام من الغرر‪ ،‬ومن شروط الالتزام إذا كان من باب‬
‫المعاوضات انتفاء الغرر‪ ،‬قال الحطاب‪ " :‬وأما الركن الثالث وهو الملتزم به‪ .‬فهو كل ما فيه منفعة‪ ،‬وسواء كان‬
‫فيه غرر أم لا(‪ )6‬؟ إلا فيما كان من باب المعاوضات‪ :‬فيشترط(‪ )7‬فيه انتفاء الغرر(‪.")8‬‬
‫وبما أن الغرض هو البيع بسعر السوق‪ :‬فإنه سيمكن المصرف بيع نصيبه في السوق‪ ،‬إذا لم يرغب‬
‫بشرائه العميل‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫(‪) 7‬‬
‫(‪) 8‬‬
‫قد يكون الأدق في التعبير‪" :‬اجتماع البيع الآجل والمشاركة"؛ وذلك لأنه إذا باع جزءاً مشاعاً من السلعة على طرف‪ :‬سيكون هو وإياه‬
‫تلقائياً شركاء فيها‪ ،‬كل بحسب حصته منها‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫التحوط في التمويل الإسلامي‪ ،‬ص ‪.148-147‬‬
‫انظر‪ :‬المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص‪،34‬‬
‫ّ‬
‫التحوط في التمويل الإسلامي‪ ،‬ص ‪.148-147‬‬
‫المرابحة بربح متغير‪ ،‬د‪ .‬سامي السويلم‪ ،‬ص‪ .34‬وانظر‪:‬‬
‫ّ‬
‫انظر‪ :‬المحلى‪ ،364/6 ،‬المجموع‪ ،308/9 ،‬مجموع الفتاوى‪.233/29 ،‬‬
‫ينظر‪ :‬المعايير الشرعية‪ ،‬معيار الجمع بين العقود (‪ ،)25‬ص‪.422-418‬‬
‫هذا بناء ًا على مذهب الإمام مالك في عدم اعتبار الغرر في التبرعات‪ .‬انظر المدونة‪.124 ،123 ،120 ،119/15 ،‬‬
‫في المطبوع (ويشترط)‪ ،‬والتصويب من مختصر تحرير الكلام في مسائل الالتزام ‪ ،‬لعلي بن إبراهيم البعلي المالكي‪ ،‬مصورة من‬
‫مخطوطات الأزهر‪/2 ،‬ب‪.‬‬
‫تحرير الكلام في مسائل الالتزام‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫مقترحات أخرى‬
‫ثمة صيغ أخرى يمكن أجيزت من قبل بعض الهيئات يمكن استخدامها عند من يجيزها لغرض تحقيق‬
‫العائد المتغير‪ ،‬مثل‪ :‬السلم بسعر السوق‪ ،‬والإجارة المتغيرة‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫ومن المقترحات التي يمكن مناقشتها‪ :‬تحقيق العائد المتغير عن طريق الجمع بين بيع آجل بثمن محدد‪،‬‬
‫وبيوع آجلة بسعر السوق يوم الأداء‪.‬‬
‫المراد بالجمع بين بيع آجل بثمن محدد‪ ،‬وبيوع آجلة بسعر السوق يوم الأداء‪:‬‬
‫يمكن الحصول على ربح متغير عن طريق الجمع بين بيع آجل بثمن محدد‪ ،‬وبيوع آجلة بسعر السوق يوم‬
‫الأداء‪ ،‬فبدلا ً من بيع السلعة جميعها بثمن آجل ثابت يواجه مشكلة تغير سعر العائد‪ :‬يقوم ببيع الجزء الأكبر من‬
‫السلعة الذي يمثل نسبة رأس المال بثمن آجل مقسط بأقساط محددة عند إجراء العقد(‪ %90‬مثلاً)‪ ،‬بقيمة‬
‫التكلفة الكلية للسلعة‪ ،‬أما الجزء الباقي (‪ ) %10‬الذي يمثل نسبة الربح‪ :‬فيقسم بعدد أقساط البيع الآجل الأول‪،‬‬
‫فإذا كان الثمن البيع الأول يؤدى في عشر أقساط في مدى عشر سنوات‪ :‬يقسم الجزء الذي يمثل الربح (‪)%10‬‬
‫على عشر أجزء يجرى على كل جزء منها عقد بيع آجل بثمن المثل حين الأداء‪ ،‬على أن يكون وقت الأداء متوافقاً‬
‫مع أقساط البيع الأول الذي يشكل نسبة (‪ )%90‬من السلعة‪.‬‬
‫والهدف من هذه الصيغة هي الجمع بين‪:‬‬
‫أ‪-‬‬
‫ب‪-‬‬
‫الحفاظ على رأس المال وحمايته (عن طريق البيع الآجل بثمن محدد عند إجراء العقد)‪.‬‬
‫الحصول على ربح متغير (عن طريق البيوع الآجلة بثمن المثل عند الأداء)‪.‬‬
‫وكان يمكن أن تقوم الصيغة بجميعها على أساس البيوع الآجلة بعدد الأقساط‪ ،‬بثمن المثل عند الأداء‪،‬‬
‫لكن هذا من شأنه أن يكون رأس المال خالي ًا من الحماية‪ ،‬بحيث يحتمل أن يكون مجموع أثمان هذه البيوع‬
‫القائمة على سعر المثل عند الأداء‪ :‬دون سعر التكلفة الكلي الذي تحمله المصرف‪ ،‬وهو ما يعني دخول‬
‫المصرف في مخاطرة حصول رأس المال فضلاً عن تحقيق الربح‪.‬‬
‫حكم الجمع بين بيع آجل بثمن محدد‪ ،‬وبيوع آجلة بسعر السوق يوم الأداء‪:‬‬
‫يتألف هذا المقترح من الجمع بين بيع آجل بثمن محدد‪ ،‬وبيوع آجلة بسعر السوق حين الأداء‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فإن حكم هذا المسألة ينبني على حكم البيع بسعر السوق حين الأداء‪ ،‬ومن قال بالجواز فلا يظهر أن في هذه‬
‫الصيغة المقترحة مانع شرعي عنده‪ ،‬ومن قال بالمنع فسيقول بالمنع هنا لهذا المحذور‪.‬‬
‫والراجح هو‪ :‬عدم جواز البيع بس عر السوق يوم الأداء؛ لما يدخل على هذا البيع من الغرر المؤثر‪ ،‬والذين‬
‫أجازوا البيع بسعر السوق حين العقد‪ :‬لم يجيزوا البيع بسعر السوق حين الأداء‪ ،‬كما صنع شيخ الإسلام ‪-‬رحمه‬
‫هللا‪ -‬حين فرق بين النوعين‪ :‬بين السعر المستقر الذي لا يختلف‪ ،‬وبين السعر الذي لم يستقر ويجوز اختلاف‬
‫قدره‪ .‬وقد سبق نقل شيء من كلامه في هذا الشأن(‪.)1‬‬
‫والخلاصة‪ :‬أن هذه المعاملة غير جائزة لقيامها على أساس السعر المستقبلي‪ ،‬لكن تتمشى على أصول‬
‫من يرجح جواز البيع بالسعر المستقبلي‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ص ( )‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وأصحابه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ففي خاتمة هذا البحث‪ ،‬أوجز أبرز ما ظهر من نتائج‪ ،‬فإن حالفني في ذلك الصواب فالحمد هلل الذي لا‬
‫يأتي الخير إلا من عنده‪ ،‬وإن كانت الأخرى فمن قصوري وتقصيري‪ ،‬وفي كلا الحالين أستغفر هللا من التقصير‪،‬‬
‫وأبرأ إليه من الحول والقوة‪.‬‬
‫أبرز النتائج‪:‬‬
‫‪-1‬‬
‫منع المرابحة بربح متغير؛ لما تشتمل عليه من الربا أو شبهته‪ ،‬والغرر‪ ،‬وغيرهما من المحاذير‪.‬‬
‫‪-2‬‬
‫منع التورق المتجدد قصير الأجل؛ لاشتماله على قلب الدين المحرم‪ ،‬والتورق المنظم الممنوع‪ ،‬وغيرهما من‬
‫المحاذير‪.‬‬
‫‪-3‬‬
‫غير ملزم‪ ،‬وإنما ُيتفق عليه في حينه‪.‬‬
‫لا يظهر مانع من المرابحة مع حافز الخصم إذا كان حافز الخصم‬
‫َ‬
‫‪-4‬‬
‫منع المرابحة مع حافز الخصم إذا كان حافز الخصم ملزماً؛ لاحتوائها على الغرر الممنوع‪ ،‬ودخولها في بيع ال ُّث ْنيَا‬
‫الممنوع‪ ،‬وغيرهما من المحاذير‪.‬‬
‫‪-5‬‬
‫لا يظهر مانع من تغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر إذا كان يقع بالتراضي‬
‫في حينه‪ ،‬بحيث لا يكون ملزماً في أصل العقد‪.‬‬
‫الأظهر منع تغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر إذا كان مشروطاً في أصل‬
‫العقد؛ لدخول الجهالة على الأجل ومقدار القسط‪.‬‬
‫لا يظهر مان ع من التحوط بالجمع بين البيع الآجل والمشاركة‪ ،‬بشرط أن يكون الوعد في المشاركة المتناقصة‬
‫غير ملزم‪.‬‬
‫منع الجمع بين بيع آجل بثمن محدد‪ ،‬وبيوع آجلة بسعر السوق يوم الأداء؛ لاحتواء هذه الصيغة على الغرر‬
‫المؤثر‪.‬‬
‫‪-6‬‬
‫‪-7‬‬
‫‪-8‬‬
‫هذا ولعل مسألة (تغير سعر السوق في التمويل طويل الأجل) ت كون داعية للمصارف الإسلامية إلى‬
‫التنويع بين صيغ التمويل‪ ،‬وزيادة حصة الصيغ القائمة على أساس المشاركة‪.‬‬
‫أخيرا‪ :‬فإن من المهم التأكيد على ألا تؤثر المنافسة الاقتصادية عند المصارف الإسلامية مع مثيلاتها أو‬
‫مع المصارف الربوية ‪-‬على المنافسة الشرعية في التي تتمثل في الخروج من الإشكالات الشرعية‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد وأزواجه وذريته‬
‫كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد(‪ ،))1‬والحمد هلل رب العالمين‪...‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه من حديث أبي حميد الساعدي ‪ : ‬البخاري في كتاب الأنبياء‪ ،‬باب ‪-‬دون ترجمة‪ ،146/4 ،-‬ح(‪ ،)3369‬وفي كتاب الدعوات‪،‬‬
‫باب هل يصلى على غير النبي ‪‬؟‪ ،77/8 ،‬ح(‪ ،)6360‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم في كتاب الصلاة‪ .17-16/2 ،‬ولفظه (وعلى أزواجه‬
‫وذريته) في الموضعين‪.‬‬
‫قائمة المحتويات‬
‫المقدمة ‪2..............................................................................................................................................................................................‬‬
‫العائد الثابت والعائد المتغير‪ :‬إيجابيات وسلبيات ‪4.......................................................................................................................‬‬
‫المرابحة بربح متغير‪7..........................................................................................................................................................................‬‬
‫المراد بالمرابحة بربح متغير‪7............................................................................................................................................................:‬‬
‫حكم المرابحة بربح متغير‪8................................................................................................................................................................:‬‬
‫القول الأول‪ :‬جواز المرابحة بربح متغير‪8........................................................................................................................................ .‬‬
‫القول الثاني‪ :‬تحريم المرابحة بربح متغير‪8.................................................................................................................................... .‬‬
‫الأدلة‪9.................................................................................................................................................................................................. :‬‬
‫أدلة القول الأول (جواز المرابحة بربح متغير)‪9..............................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الأول‪9.......................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثاني‪10 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثالث‪11 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الرابع‪12 ................................................................................................................................................................................... :‬‬
‫الدليل الخامس‪15 .............................................................................................................................................................................. :‬‬
‫الدليل السادس‪18 ............................................................................................................................................................................. :‬‬
‫أدلة القول الثاني (تحريم المرابحة بربح متغير)‪19 .......................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الأول‪19 ....................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثاني‪20 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثالث‪25 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الراجح‪27 ...............................................................................................................................................................................................:‬‬
‫التورق المتجدد قصير الأجل ‪29 ........................................................................................................................................................‬‬
‫المراد بالتورق المتجدد قصير الأجل‪29 ..........................................................................................................................................:‬‬
‫حكم التورق المتجدد قصير الأجل‪29 .............................................................................................................................................. :‬‬
‫الرأي الأول‪ :‬جواز التورق المتجدد قصير الأجل‪29 ........................................................................................................................ .‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬تحريم التورق المتجدد قصير الأجل‪29 .....................................................................................................................‬‬
‫الأدلة‪29 ............................................................................................................................................................................................... :‬‬
‫أدلة الرأي الأول (جواز التورق المتجدد قصير الأجل)‪29 ..............................................................................................................:‬‬
‫الدليل الأول‪29 ....................................................................................................................................................................................:‬‬
‫أدلة الرأي الثاني ( تحريم التورق المتجدد قصير الأجل)‪30 ........................................................................................................ :‬‬
‫الدليل الأول‪30 ....................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثاني‪31 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثالث‪33 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الراجح‪33 ...............................................................................................................................................................................................:‬‬
‫المرابحة مع حافز الخصم‪34 ..............................................................................................................................................................‬‬
‫المراد بالمرابحة مع حافز الخصم‪34 ............................................................................................................................................... :‬‬
‫حكم المرابحة مع حافز الخصم‪34 ....................................................................................................................................................:‬‬
‫الرأي الأول‪ :‬جواز المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم‪34 ..............................................................................................................‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬تحريم المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم‪35 ........................................................................................................ .‬‬
‫الأدلة‪35 ............................................................................................................................................................................................... :‬‬
‫أدلة الرأي الأول (جواز المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم)‪35 .................................................................................................. :‬‬
‫الدليل الأول‪35 ....................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثاني‪36 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثالث‪37 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الرابع‪37 ................................................................................................................................................................................... :‬‬
‫أدلة الرأي الثاني (تحريم المرابحة مع الحافز الملزم بالخصم)‪39 .............................................................................................. :‬‬
‫الدليل الأول‪39 ....................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثاني‪39 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الدليل الثالث‪40 ..................................................................................................................................................................................:‬‬
‫الراجح‪41 ...............................................................................................................................................................................................:‬‬
‫تغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر ‪42 ...........................................................................‬‬
‫المراد بتغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر‪42 .............................................................:‬‬
‫حكم تغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر‪42 ................................................................. :‬‬
‫التحوط بالجمع بين البيع الآجل والمشاركة ‪44 ...............................................................................................................................‬‬
‫بالتحوط بالجمع بين البيع الآجل والمشاركة‪44 .................................................................................................................:‬‬
‫المراد‬
‫ّ‬
‫حكم التحوط بالجمع بين البيع الآجل والمشاركة‪44 ..................................................................................................................... :‬‬
‫مقترحات أخرى‪46 ................................................................................................................................................................................‬‬
‫المراد بالجمع بين بيع آجل بثمن محدد‪ ،‬وبيوع آجلة بسعر السوق يوم الأداء‪46 ....................................................................:‬‬
‫حكم الجمع بين بيع آجل بثمن محدد‪ ،‬وبيوع آجلة بسعر السوق يوم الأداء‪47 ........................................................................ :‬‬
‫الخاتمة ‪48 .............................................................................................................................................................................................‬‬
‫أبرز النتائج‪48 .......................................................................................................................................................................................:‬‬
‫تعليقات وإضافات‬
‫على بحوث الملتقى الثالث للهيئات الشرعية‬
‫الذي يناقش‬
‫"مقترحات لمعالجة تغير سعر السوق في التمويل طويل الأجل"‬
‫د‪.‬عبدالعزيز بن محمد الناصر‬
‫‪1431‬هـ‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل‪ ،‬وأصلي وأسلم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وأصحابه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد قرأت البحثين النافعين الل َذ ْين أعدهما كل من‪ :‬فضيلة الشيخ طلال الدوسري تحت عنوان‪" :‬تغير سعر السوق في‬
‫التمويل طويل الأجل مقترحات وحلول"(‪ ، )221‬وفضيلة الدكتور العياشي فداد تحت عنوان‪" :‬ورقة مساندة حول أهم‬
‫الحلول للعائد المتغير"(‪ ،)222‬وقد استفدت منهما كثيراً‪ ،‬كما قيدت عليهما بعض الإضافات والأسئلة والتعليقات‪ ،‬وقد‬
‫جعلتها في ثلاثة أقسام على النحو الآتي‪:‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫القسم الأول‪ :‬تحديد المشكلة‪:‬‬
‫في نظري أن المشكلة التي يبحث عن حلول لها ما زالت بحاجة إلى إيضاح‪ ،‬فهل المشكلة تتعلق بمخاطر يتعرض لها‬
‫البنك في حال التمويل بثمن محدد تزول هذه المشكلة بكون جزء من الثمن مرتبطاً بالمؤشر؟‪ ،‬أو تتعلق بمخاطر‬
‫يتعرض لها العميل في حال انخفاض أسعار التمويل عما تعاقد عليه مع البنك؟‪ ،‬وهل هذه المخاطر في الحالين تعد‬
‫الف ًُضلى؟‪.‬‬
‫–إذا وقعت‪ -‬من قبيل الضرر‪ ،‬أو من قبيل فوات الفرصة المالية‬
‫ُ‬
‫وفي هذا الجانب ُيحتاج إلى رأي الاقتصاديين والماليين المتخصصين‪ ،‬بيد أنه قد يقال‪:‬‬
‫البنوك قسمان‪:‬‬
‫بنوك تكون تكلفة حصولها على الأموال (أي الالتزامات أو المطلوبات أو الخصوم) مرتبطة في جزء منها بمؤشر‬
‫أسعار الفائدة الربوية مثلاً‪ ،‬فترى أنها تحتاج إلى الموازنة بين التزاماتها وبين استثماراتها من عدة جوانب(‪ ،)223‬منها‪ :‬أن‬
‫تكون استثماراتها –كذلك‪ -‬مرتبطة بأسعار الفائدة‪ ،‬بحيث إذا زادت الأسعار فزادت التكلفة غطتها زيادة الأسعار في‬
‫الاستثمارات‪ ،‬وإذا انخفضت الأسعار فانخفضت الاستثمارات تنخفض التكلفة أيضاً‪.‬‬
‫البنوك الإسلامية التي تكون تكلفة حصولها على الأموال محددة‪ ،‬فتستثمر أموالها بعوائد محددة‪ ،‬فهذه لا مخاطر‬
‫عليها –بادئ النظر‪ -‬من انخفاض أسعار الفائدة أو ارتفاعها‪ ،‬إذ لا أثر لذلك على العقود القائمة؛ سواء أكانت عقود‬
‫تمول من قبل البنك (تكلفة) أو عقود تمويل (استثمارات)‪ ،‬وأما العقود الجديدة فتبرم وفقاً لما تقتضيه الأسعار‬
‫ّ‬
‫السائدة في حينه‪ ،‬وفي كل الأحوال فإن تسعير التمويل لديها يغطي مبلغ التكلفة وزيادة(‪.)224‬‬
‫مولت بثمن يرتبط جزء منه‬
‫بل إنها إذا كانت قد حصلت على الأموال بتكلفة محددة غير مرتبطة بالمؤشر‪ ،‬ثم ّ‬
‫بالمؤشر‪ ،‬فقد تتعرض لمخاطر انخفاض أسعار الفائدة مما يقلل من أرباحها أو يعرضها لخسارة‪.‬‬
‫تمولوا بأسعار محددة ثم ارتفعت أسعار الفائدة فلا إشكال عليهم إذاً‪ ،‬أما إذا انخفضت‬
‫أما العملاء فإنهم إذا‬
‫ّ‬
‫للتمول‪ ،‬لكن مثل ه ذا يقع في سائر البيوع‪ ،‬يستوي في ذلك ما‬
‫فسيكونون لم يحصلوا على الفرصة المالية ال ُفضلى‬
‫ّ‬
‫كان منها بثمن حال أو مؤجل(‪ ،)225‬إذ يشتري الإنسان شيئاً بثمن‪ ،‬ثم يقل ثمنه في السوق‪ ،‬أو يبيعه ثم يرتفع السعر‪.‬‬
‫وعلى ما سبق فإنه‪:‬‬
‫إذا كان الغرض من بحث ربط التمويل بمؤشر متغير حل مشكلة لدى البنك تتعلق بالموازنة بين التزاماته واستثماراته‬
‫فهذه المشكلة غير موجودة أصلاً في البنك الإسلامي بالنظر إلى جهة الثبات والتغير؛ لأن التزاماته غير مرتبطة‬
‫بالمؤشر‪ ،‬بل قد يكون ربط التمويل بالمؤشر حينئذ أكثر إشكالاً؛ لأنه سيخل بتلك الموازنة بين الالتزامات‬
‫والاستثمارات‪.‬‬
‫وأما إذا أريد أن تكون كل من التزامات البنك الإسلامي واستثماراته مرتبطة بالمؤشر المتغير بدلاً من الوضع الحالي‬
‫ وهو كون كل منها مبالغ محددة لا تتأثر بأسعار الفائدة‪ -‬فهنا نحتاج إلى بحث مدى أفضلية ذلك من الناحية‬‫الاقتصادية(‪.)226‬‬
‫وأما إذا كان الغرض أمراً آخر لا يتعلق بمشكلة داخلية لدى ا لبنك‪ ،‬وإنما يتعلق بعلاقته مع العميل؛ من جهة أن‬
‫العملاء يطلبون الربط بالمؤشر‪ ،‬فالظاهر أن أطراف العلاقة هنا لا يرون مصلحتهم في الثابت دائماً أو في المتغير‬
‫دائماً‪ ،‬وإنما بناء على ما يتوقعونه من ارتفاع أسعار الفائدة أو انخفاضها‪ ،‬فالعملاء سيطلبون الربط بالمؤشر إذا كانوا‬
‫يتوقعون انخفاض أسعار الفائدة‪ ،‬وهنا‪ :‬تتعارض مصلحة العميل في السعر مع مصلحة البنك‪ ،‬فإنه ليس من‬
‫مصلحة البنك القيام بذلك في ظل هذا التوقع‪ ،‬والعكس بالعكس‪ ،‬مما يتعذر معه أن يكون الربط بالمؤشر محققاً‬
‫لمصلحة الطرفين معاً‪ ،‬وليست مصلحة أحد الطرفين أولى بالمراعاة من مصلحة الطرف الآخر‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬مناقشة الحلول والمقترحات‪:‬‬
‫الأول‪ :‬المرابحة بربح متغير‪:‬‬
‫(‪ )221‬سأشير إليه فيما بعد بـ‪" :‬البحث" اختصاراً‪.‬‬
‫(‪ )222‬سأشير إليه فيما بعد بـ‪" :‬الورقة" اختصاراً‪.‬‬
‫(‪ )223‬انظر‪ :‬أسس العمل المصرفي الإسلامي والتقليدي‪ ،‬د‪.‬محمد نضال الشعار‪ ،‬ص ‪ 220‬وما بعدها‪ ،‬وقد أشارت الورقة إلى شيء من ذلك‬
‫في مقدماتها‪.‬‬
‫(‪ )224‬تسعير التمويل يشمل أموراً‪ ،‬من أهمها‪ :‬تكلفة الحصول على الأموال‪+‬التكاليف التشغيلية للبنك "الرواتب والتجهيزات المادية‬
‫ونحوها"‪+‬مخاطرة عدم السداد‪+‬هامش الربح‪ .‬انظر‪ :‬السابق ص ‪.454‬‬
‫(‪ )225‬أشار البحث إلى ذلك ص ‪.12‬‬
‫(‪ )226‬تعرض البحث ص ‪ 4‬إلى ذلك‪ ،‬لكنه أشار إلى أن عقود المبادلات مما يبين أن العائد الثابت هو الأصلح‪ ،‬وفي نظري أن عقود المبادلات‬
‫بذاتها لا تدل على أن الثابت أو المتغير أصلح على جهة العموم‪ ،‬فكما أن أحد طرفيها يطلب الثابت فالآخر يطلب المتغير‪ ،‬وكل منهما‬
‫قرر أن الثابت أصلح من جهات أخرى‪.‬‬
‫يرى أن الدخول في العقد من مصلحته‪ ،‬لكن قد ُي ّ‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪.4‬‬
‫‪.5‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫أتفق مع الباحثين الكريمين فيما انتهيا إليه في الجملة‪ ،‬وثمة مسائل أشير إليها فيما يأتي‪:‬‬
‫الثمن فيها يتكون من‪ :‬تكلفة السلعة ‪ +‬المؤشر " تكلفة الأموال" ‪ +‬هامش الربح وهو محدد بنسبة مئوية لا تتغير‪،‬‬
‫المبلغ المرتبط بالمؤشر ربحاً‪ ،‬وبناء على ذلك يراجع‬
‫يعد المصرفيون‬
‫فليس كل الربح مرتبطاً بالمؤشر‪ ،‬بل قد لا‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫تعريفها في البحث ص‪. 7‬‬
‫أشار البحث ص ‪ 8‬إلى قرار مجمع الفقه الإسلامي ذي الرقم (‪ ،)51‬وأشير إلى قرارين له في الموضوع‪ ،‬وهما‪ :‬القرار‬
‫ذو الرقم ‪ )12/9( 115‬بشأن موضوع التضخم وتغير قيمة العملة‪ ،‬وجاء فيه‪" :‬ثالثاً‪ :‬لا يجوز شرعاً الاتفاق عند إبرام‬
‫العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي‪ ... :‬ز– الربط بسعر الفائدة‪ ... .‬وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر‬
‫كثير وجهالة فاحشة بح يث لا يعرف كل طرف ما له وما عليه فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود‪ .‬وإذا‬
‫كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة وما يطلب‬
‫أداؤه‪ ،‬ومشروط في العقد فهو ربا"اهـ‪ ،‬والقرار ذو الرقم ‪ )5/4( 42‬وفيه‪" :‬لا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان‬
‫مصدرها بمستوى الأسعار"اهـ‪.‬‬
‫جاء في الورقة ص ‪ 20‬ما يفهم منه أن القول بأنه يكفي أن يتفق العاقدان على طريقة منضبطة لتحديد الثمن‪ ،‬هو‬
‫رواية في مذهب الإمام أحمد اختارها ابن تيمية وابن القيم‪ ،‬وهو قول لبعض الأحناف‪ .‬وفي نسبة هذا القول ‪-‬بهذه‬
‫الصيغة‪ -‬إليهم نظر‪.‬‬
‫في البحث ص ‪ 10‬جواب حسن عن استدلال مجيزيها بوجود التراضي‪ ،‬ويضاف إليه المعنى الذي ذكره القرافي‬
‫بقوله‪ « :‬ما من حق للعبد إلا وفيه حق هلل تعالى‪ ... ،‬وقد يوجد حق هللا تعالى ‪-‬وهو ما ليس للعبد إسقاطه‪-‬ويكون‬
‫معه حق العبد؛ كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات فإن هللا تعالى إنما حرمها صوناً لمال العبد عليه‬
‫وصوناً له عن الضياع بعقود الغرر والجهل فلا يحصل المعقود عليه أو يحصل دنيا ونزراً حقيراً فيضيع المال‪ ،‬فحجر‬
‫الرب تعالى برحمته على عبده في تضييع ماله الذي هو عونه على أمر دنياه و آخرته‪ ،‬ولو رضي العبد بإسقاط حقه‬
‫في ذلك لم يؤثر رضاه»(‪.)227‬‬
‫فيما يتعلق بالبيع بما ينقطع به السعر‪ ،‬هناك عدد من النقاط‪:‬‬
‫ُيلحظ الفرق بينه وبين المرابحة بربح متغير؛ من جهة أن السعر فيه هو سعر السوق الذي يتحدد بناء على العرض‬
‫والطلب‪ ،‬أما التغير في المؤشر فليس مبنياً على العرض والطلب للسلعة‪ ،‬بل على عوامل مختلفة‪ ،‬قد يكون منها‪:‬‬
‫التضخم‪ ،‬وحينئ ٍذ يحسن بحث حكم الربط بالمؤشر من جهة أخرى غير القياس على البيع بسعر السوق‪ ،‬وإنما بالنظر‬
‫في أثر التضخم على الديون‪ ،‬وحكم الربط القياسي‪ ،‬ونحو ذلك(‪.)228‬‬
‫ولذلك ينظر‪ :‬هل تغير المؤشر يعد من قبيل تغير سعر السوق‪ ،‬كما جاء في عنوان الملتقى؟‪.‬‬
‫عبارة "بما ينقطع به السعر" تحتاج إلى تحقيق مراد الفقهاء بها‪ ،‬وهل يراد السعر الذي انقطع أو السعر الذي ينقطع‬
‫فيما بعد؟ وهل يستوي في ذلك ما ينقطع في وقت قريب أو بعيد؟‪ .‬من المعلوم أن شيخ الإسلام ذكر أن نصوص‬
‫أحمد لا تجيز ما لم ينقطع بعد‪ ،‬لكن بعض فقهاء المالكية في مسألة البيع بالقيمة فسرها بالقيمة التي ستظهر‪ ،‬قال‬
‫الدردير‪ (" :‬وكالغرر ) ‪ :‬أي كبيعه فإنه فاسد للنهي عنه ( وهو ‪ :‬ذو الجهل ) بثمن أو مثمن أو أجل ( والخطر ; كتعذر‬
‫التسليم ) كبيع آبق وسمك في مائه وبيع ما فيه خ صومة ‪ ( .‬وكبيعها بقيمتها ) التي ستظهر أو التي يقولها أهل‬
‫السوق ( أو بما يرضاه فلان ) وكان البيع على رضاه ( على اللزوم ) لا على الخيار فإنه جائز لأن بيع الخيار منحل(‪.)229‬‬
‫كما أن حكم البيع بالسعر يحتاج إلى تحرير مذاهب الفقهاء فيه‪ ،‬فهل القول به مقصور على شيخ الإسلام؟ الواقع أن‬
‫المالكية يجيزونه إذا كان على الخيار –كما يتضح من نص الدردير السابق‪ ، )230(-‬كما أن بعض فقهاء الحنفية استثنى‬
‫من المنع ما إذا كان شيئ ًا لا يتفاوت‪ ،‬قال ابن الهمام "وكذا لا يجوز بمثل ما يبيع الناس إلا أن يكون شيئا لا يتفاوت‬
‫كالخبز واللحم"(‪ ،)231‬فضلاً عن أنهم يصححونه إذا بين في المجلس(‪.)232‬‬
‫وثمة نص واسع عند الحنفية يتعلق بشرط العلم بالمبيع من كلام الكاساني في معرض كلامه عن شرائط الصحة‬
‫في البيوع‪ ،‬قال‪(" :‬ومنها) أن يكون المبيع معلوم ًا وثمنه معلوم ًا علم ًا يمنع من المنازعة‪ .‬فإن كان أحدهما مجهولا ً‬
‫جهالة مفضية إلى المنازعة فسد البيع‪ ,‬وإن كان مجهولاً جهالة لا تفضي إلى المنازعة لا يفسد; لأن الجهالة إذا كانت‬
‫مفضية إلى المنازعة كانت مانعة من التسليم والتسلم فلا يحصل مقصود البيع‪ ,‬وإذا لم تكن مفضية إلى المنازعة لا‬
‫تمنع من ذلك; فيحصل المقصود"(‪ .)233‬فلْيناقش‪.‬‬
‫فيما ي تعلق ببيع بعض الجملة بتحديد سعر الوحدة‪ ،‬ناقش البحث ص ‪ 15‬قياس المرابحة بربح متغير عليه‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يضاف‪ :‬أن اختلاف قدر الثمن هنا يتبع اختلاف قدر المبيع‪ ،‬وقدر المبيع يحدده المتعاقد‪ ،‬أما في المرابحة بربح متغير‬
‫فاختلاف المؤشر خارج عن طرفي العقد‪.‬‬
‫فيما يتعلق باشتم ال المرابحة على الربا فقد جاء في الورقة ص ‪ 21‬أن "هذا الدين تصاحبه زيادة فهو في معنى‬
‫الربا"‪ ،‬ونحوها ما ورد في الوجه الأول من البحث ص‪ ، 19‬والذي يظهر لي أن هذا الوجه من الربا غير متحقق؛ كما في‬
‫(‪ )227‬الفروق للقرافي ‪ « 141/1‬الفرق الثاني والعشرون بين قاعدة حقوق هللا تعالى وقاعدة حقوق الآدميين»‪ ،‬وانظر‪ :‬شرح الخرشي على مختصر خليل ‪.110/8‬‬
‫(‪ )228‬انظر‪ :‬التضخم النقدي في الفقه الإسلامي‪ ،‬د‪.‬خالد المصلح‪ ،‬ص ‪ 190‬وما بعدها و‪208‬و‪261‬و‪.267‬‬
‫(‪ )229‬الشرح الصغير للدردير (شرح أقرب المسالك) ‪ ،92/3‬وانظر‪ :‬الشرح الكبير للدردير ‪.54/3‬‬
‫(‪ )230‬وهذا الحكم يجري على عدد من المسائل ذات الشبه‪ ،‬قال الخرشي في شرحه على خليل‪ " :69/5 :‬فإن كان على الخيار صح في الجميع"‪.‬‬
‫(‪ )231‬فتح القدير ‪260/6‬‬
‫(‪ )232‬الدر المختار ‪.112/5‬‬
‫(‪ )233‬بدائع الصنائع ‪.156/5‬‬
‫‪.4‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.5‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪o‬‬
‫‪o‬‬
‫‪o‬‬
‫‪o‬‬
‫الجواب عنه في البحث ص ‪ ،20‬ذلك أن حقيقة الأمر أن هذا الجزء من الدين لم يتحدد أصلا ً عند العقد بالمقدار‪ ،‬وإنما‬
‫حدد بالمعيار‪ ،‬ثم يجري تطبيق المعيار عند دفع القسط فيتحدد المقدار‪ .‬وليس الأمر أن الجزء المتغير في كل‬
‫الأقساط حدد بالمؤشر عند العقد فإذا زاد المؤشر زاد الدين‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬قد يأتي الربا من مدخل آخر‪ ،‬وذلك في حال تأخر المدين عن سداد بعض الأقساط الثابتة‪ ،‬وذلك أن الذي عليه‬
‫العمل نسبة الجزء المتغير إلى ما لم يسدد من الأجزاء الثابتة‪ ،‬وحينئ ٍذ فلو تأخر في سداد قسط فإن تطبيق هذه‬
‫غرامة تأخير‪.‬‬
‫القاعدة يؤدي إلى زيادة إجمالي ما سيدفعه من الجزء المتغير‪ ،‬فيكون ذلك‬
‫َ‬
‫فيما يتعلق بالأوجه الثلاثة التي وردت في البحث ص ‪ 27‬لبيان أن منع المرابحة بربح متغير هو الذي يتخرج على‬
‫أصول شيخ الإسلام‪ ،‬فمع عدم الاعتراض على النتيجة أشير إلى ما يأتي‪:‬‬
‫في الوجه الأول‪ُ :‬يلحظ أن كلام شيخ الإسلام هنا هو في حكاية قول أحمد(‪.)234‬‬
‫في الوجه الثاني‪ :‬الجهة منفكة‪ ،‬وقد لا يكون غرض العميل التورق‪ ،‬كما في الاعتمادات التي تفتح للمرابحة أو‬
‫المشاركة‪ ،‬فغرض العميل السلعة‪.‬‬
‫في الوجه الثالث‪ :‬النقل نفيس‪ ،‬وآمل أن يكون محلاً للمناقشة لتحرير معناه‪ ،‬والصور التي ينطبق عليها‪ ،‬فقد تدخل‬
‫فيه كثير من صور تعاملات البيع في المصارف إما مباشرة أو من باب أولى‪.‬‬
‫لدي سؤال عن الجزء من الدين الذي لا يتحدد مقداره في العقد (الجزء المرتبط بالمؤشر عند من يجيزه)‪ ،‬كيف تطبق‬
‫أحكام الدين التي تتعلق بمقداره؟ وعلى سبيل المثال‪ :‬ما حكم الزكاة فيه بالنسبة للدائن؟ وما أثره على زكاة أموال‬
‫المدين؟ وكيف تجرى الأحكام الأخرى عليه؟‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التورق المتجدد قصير الأجل‪:‬‬
‫الذي يظهر لي أنه إذا تحقق كونه قلباً للدين فلا يفرق فيه بين الموسر والمعسر؛ لأن علة المنع هي الربا أو شبهته‪،‬‬
‫فلا يختص منعه بالمعسر‪ ،‬فأتفق مع ما جاء في البحث والورقة من منعه‪ ،‬وثمة مسائل أشير إليها فيما يأتي‪:‬‬
‫جاء في البحث ص ‪ 29‬أن دليل المجيزين إخراجه من جنس قلب الدين‪ ،‬ويضاف إليه ما جاء في الورقة ص ‪ 24‬من أن‬
‫يخصون قلب الدين المحرم بأن يكون مع المعسر‪.‬‬
‫بعض مجيزيه يرون دخوله في قلب الدين لكن‬
‫ّ‬
‫الاستدلال على منعه باشتماله على التورق المنظم –كما في البحث ص ‪ -31‬يرد فيه سؤال وهو‪ :‬هل التورق‬
‫المنظم موجود في كل معاملة تورق منه على حدة‪ ،‬أو في تنظيم مجموع معاملات التورق المتجدد؟ إن كان‬
‫المقصود الأول فسبب المنع إذاً متعلق بأصل عملية التورق لا بهذه الصيغة محل البحث بذاتها‪ ،‬وحينئذ فقد يعود‬
‫هذا الوجه على أكثر الصيغ المطروحة بالمنع‪.‬‬
‫يمكن الاستف ادة من هذه الصيغة بعد تصحيحها لتكون على النحو الآتي‪ :‬يجرى مع العميل معاملة بيع بأجل قصير‪،‬‬
‫فإذا حل الأجل طلب من العميل السداد‪ ،‬فإذا سدد أعطي مباشرة مديونية جديدة وفقاً لما تقتضيه الأسعار في‬
‫حينه‪ .‬أي أن الحل يكون‪ :‬بسداد المديونية القائمة ثم إعطاء العميل مديونية جديدة في اليوم نفسه‪ ،‬لا بإعطاء‬
‫مديونية جديدة يتم منها سداد المديونية القائمة‪ ،‬وهذا الحل قد يصلح مع بعض العملاء الذين تتوفر لديهم سيولة‬
‫عند حلول أجل السداد‪ ،‬لكن يكون لديهم احتياجات لها في جوانب أخرى‪ :‬كالجوانب التشغيلية‪ ،‬والسداد للموردين‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فلا يم كنهم صرفها في السداد فقط‪ ،‬فيطلب منهم توجيهها إلى السداد‪ ،‬ويعطون مديونية أخرى توفر لهم‬
‫سيولة بديلة؛ لاستخدامها في احتياجاتهم الأخرى‪ .‬وقد طبقت بعض البنوك هذا مع بعض عملائها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬المرابحة مع حافز الخصم‪:‬‬
‫الذي يضبط الصورة الجائزة أمران‪:‬‬
‫ألا يكون الوعد ملزماً‪.‬‬
‫أن تجرى المرابحة وفقاً للمؤشر السائد وقت إجرائها فيما يتعلق بالجزء المتغير من ثمنها دون زيادة‪ ،‬والغرض من‬
‫ذلك ألا يتفق في العقد –بالنسبة للجزء المتغير‪ -‬على ربح أعلى بكثير من المؤشر لا يمكن أن يبلغه المؤشر عادة‪ ،‬مع‬
‫الالتزام بخصم ما زاد عن المؤشر عند أداء القسط؛ لأن هذا الاتفاق على الربح الأعلى يكون حينئذ اتفاقاً صورياً غير‬
‫مقصود حقيقة للعاقدين‪ ،‬فلا يعتد به‪ ،‬وتؤول المعاملة في حقيقتها إلى الربط المباشر بالمؤشر‪.‬‬
‫وبيان ذلك على النحو الآتي‪:‬‬
‫لنفرض أن‪ :‬تكلفة السلعة‪ ،100 :‬والمؤشر حين العقد ‪ ،٪1‬وهامش الربح الذي يريده المصرف (وهو هامش ثابت لا‬
‫يتغير) ‪ ،٪2‬والسداد سنوي على خمس سنوات‪.‬‬
‫فمثال الجائز‪ :‬أن يبيع المصرف السلعة على العميل بـ‪:‬‬
‫‪ 100‬مقسطة‬
‫‪+‬المؤشر عند العقد‪ ،‬مع الوعد بخصم ما زاد منه عن المؤشر عند أداء القسط‪ ،‬والناتج ينسب إلى ما لم يسدد من‬
‫‪100‬‬
‫‪( ٪2+‬ثابت) منسوباً إلى ما لم يسدد من ‪100‬‬
‫ومثال الممنوع‪ :‬أن يبيع المصرف السلعة على العميل بـ‪:‬‬
‫‪ 100‬مقسطة‬
‫(‪ )234‬ومثله ما ورد في البحث ص ‪ 18‬فكلام الشيخ في نقل منصوص أحمد‪ ،‬ومع ذلك فالصورة التي يصححها الشيخ من البيع بما ينقطع به‬
‫السعر هي الصورة التي نقل عن أحمد تصحيحها‪ ،‬ومما يفيد ذلك ما في الفتاوى الكبرى (‪ )387/5‬حيث قال‪" :‬ويصح البيع ‪ ...‬بما ينقطع‬
‫به السعر ‪ ...‬وهو أحد القولين في مذهب أحمد"‪.‬‬
‫‪o‬‬
‫‪o‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪ ٪20+‬مع الالتزام بخصم ما زاد عن المؤشر عند أداء القسط‪ ،‬والناتج يكون منسوب ًا إلى ما لم يسدد من ‪100‬‬
‫‪( ٪2+‬ثابت) منسوباً إلى ما لم يسدد من ‪.100‬‬
‫وقد أصدرت الهيئة الشرعية في مصرف الراجحي قرارها ذا الرقم (‪ )760‬والتاريخ ‪1428/4/29‬هـ‪ ،‬وموضوعه‪ :‬حكم‬
‫الوعد بإسقاط جزء من القسط من ثمن البيع بمقدار انخفاض المؤشر‪ ،‬وجاء فيه‪ ":‬قررت الهيئة أنه لا مانع من أن‬
‫تتعاقد الشركة مع عميلها على ثمن ينظر في تقديره إلى‬
‫مؤشر منضبط وقت التعاقد‪ ،‬مع وعد الشركة للعميل وعداً‬
‫ٍ‬
‫غير ملزم بأنه إذا انخفض ذلك المؤشر ‪-‬عند حلول أي قسط‪ -‬عن مقداره وقت التعاقد فإن الشركة تسقط عن العميل‬
‫من ذلك القسط بمقدار انخفاض المؤشر"‬
‫وأشير أخيراً إلى أن أدلة التحريم التي وردت في البحث ص ‪ 39‬وما بعدها جارية على اعتبار الوعد الملزم كالعقد‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬تغير مقدار القسط في التمويل طويل الأجل بحسب التغير في المؤشر‪:‬‬
‫في نظري أنه اقتراح حسن في الجملة‪ ،‬مع أنه ُيلحظ ما يأتي‪:‬‬
‫الجزء الذي سيقع عليه التعديل هو المبلغ الذي كان يراد أن يربط بالمؤشر‪ ،‬وأما الأجزاء الثابتة التي تمثل التكلفة فلن‬
‫يلحقها تغيير لا في مبلغ كل قسط منها ولا في أجله‪.‬‬
‫التعديل عليه سيكون من قبيل التراضي على‪:‬‬
‫التعجيل دون حط في حال زيادة المؤشر‪.‬‬
‫أو التأجيل دون زيادة في حال انخفاض المؤشر‪.‬‬
‫وهو مبني على تصور إمكان وجود رضا العميل في الحال الأولى‪ ،‬ورضا البنك في الحال الثانية‪.‬‬
‫المقتر ح إلى شيء من المعالجة المالية‪ ،‬وبخاصة فيما إذا كان السداد للمبلغ المفترض ربطه بالمؤشر يقل –‬
‫يحتاج‬
‫َ‬
‫من حيث الواقع بناء على انخفاض المؤشر ‪ -‬عن المتعاقد عليه‪ ،‬فيبقى جزء منه لم يسدد بعد انتهاء سداد الأقساط‬
‫الثابتة‪ .‬فهل يدفع ما بقي جملة واحدة‪ ،‬أو يقسط بنسب محددة؟ وحينئ ٍذ فما المنسوب إليه؟‪.‬‬
‫ومن ضوابط العمل به‪:‬‬
‫ابتداء‪ -‬على مبلغ محدد المقدار والأجل‪.‬‬
‫أن يجري التعاقد –‬
‫ً‬
‫أن يكون التعديل بالتراضي بين الطرفين في حينه‪ ،‬ويمكن أن يكون ذلك –إجرائياً‪ -‬بإشعار يرسله أحد الطرفين للآخر‬
‫يتضمن مبلغ القسط بعد تعديله بناء على المؤشر‪ ،‬ويرد الآخر بالموافقة‪.‬‬
‫من المهم إعادة جدولة باقي المبلغ بالنسبة للأقساط اللاحقة‪ ،‬ففي حال تعديل القسط بالزيادة يبين القسط الذي‬
‫خصمت منه هذه الزيادة‪ ،‬وفي حال تعديله بالنقص يبين متى يسدد الفرق‪ ،‬بحيث إذا لم يجر الاتفاق على تعديل‬
‫قسط لاحق يرجع إلى هذه الجدولة المتفق عليها بين الطرفين‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬التحوط بالجمع بين البيع بالأجل والمشاركة المتناقصة‪:‬‬
‫أتفق مع الترجيح الوارد في الورقة ص ‪ 23‬وفي البحث ص ‪ 45‬بالقيد المذكور فيه‪ ،‬وأشير إلى أن هذه الصيغة تصلح‬
‫عندما يكون مشروع العميل نفسه هو محل التعاقد بين البنك والعميل‪ ،‬ولا تصلح لعمليات التورق؛ لأن هذه الصيغة‬
‫وخروج البنك منها شيئاً فشيئاً‪ ،‬أما في التورق فالسلعة تباع مباشرة للحصول‬
‫تقوم على بقا ِّء السلعة ‪-‬أثناء السداد‪-‬‬
‫ِّ‬
‫على النقد‪.‬‬
‫وإذا كان محلها مشروعات العميل نفسها فيبقى النظر في مدى تحقق ملكية المصرف فيها ملكية حقيقية‪ ،‬ومدى‬
‫أفضليتها على الإجارة بأجرة متغيرة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬الجمع بين بيع إلى أجل بثمن محدد‪ ،‬وبيوع إلى أجل بسعر السوق يوم الأداء‪:‬‬
‫هذه الصيغة وردت في البحث ص ‪ ،46‬ويظهر لي أن كثيراً من أدلة منع المرابحة بربح متغير وارد على هذه الصورة‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫السابع‪ :‬الاتفاق بين المتعاقدين على التعديل في الثمن والمثمن‪:‬‬
‫عرضته الورقة ص ‪ ،6‬ولم تتضح صورته تماماً؛ وبخاصة كيفية التعديل في المثمن‪.‬‬
‫وأما فقرة معيار المرابحة التي اس ُتشهد بها فيختلف موضوعها‪ ،‬إذ إنها تتحدث عما قبل العقد‪ ،‬كما أن فقرة معيار‬
‫الاستصناع تتحدث عن التعديل في عوضي العقد معاً‪ ،‬وإن كانت آخر عبارة منها تفتقر إلى بيان‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬التعويض عن الالتزام بالوعد‪:‬‬
‫جاءت هذه الصيغة في الورقة ص ‪ ، 10‬ويظهر لي أنها برمتها خارجة عن موضوع الملتقى؛ إذ لا يوجد تمويل هنا‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬إعادة تشكيل المحفظة الاستثمارية للتخلص من الأصول ذات العائد الثابت‪:‬‬
‫استطردت الورقة ص ‪ 12‬في مسائل بيع الدين‪ ،‬ويظهر لي أن بعضها يحتاج إلى تحرير وإعادة تقسيم كما أنه لا‬
‫مدخل له في الموضوع‪ ،‬وبناء على ما ورد في الورقة ص ‪ 15‬من أن الحل هو "قيام المصارف ببيع ديونها ليس‬
‫بالنقد وإنما بأعيان ومنافع ‪ ...‬ثم بيع تلك الأعيان وإجارة المنافع للحصول على السيولة اللازمة لإعادة تشكيل‬
‫المحفظة الائتمانية" فإنه يمكن تحديد الصورة من بيع الدين ذات الصلة بهذا المقترح بأنها‪ :‬بيع الدين ‪-‬على من هو‬
‫فليكتف بتحرير هذه الصورة‪.‬‬
‫عليه أو على غير من هو عليه‪ -‬بعين أو منفعة‪.‬‬
‫َ‬
‫‪.1‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪.4‬‬
‫‪.5‬‬
‫العاشر‪ :‬التأمين التعاوني ضد مخاطر العائد‪:‬‬
‫فيما يتعلق بإنشاء شركة تكافل إسلامية واشتراك المصارف ثم تعويض الذي تنخفض عوائده ‪-‬كما في الورقة ص‬
‫‪ُ :-19‬يلحظ ما يأتي‪:‬‬
‫أن هذه الصيغة ليست حلاً للعلاقة بين المصرف والعميل‪.‬‬
‫يحتاج موضوعها إلى نظر من حيث مدى صحة كونه محلاً للتكافل‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالالتزام بالإسهام بمبا لغ معينة من قبل البنك والعميل وتعويض الطرف المتضرر‪- ،‬كما في الورقة ص‬
‫‪ -19‬يرد عليه الآتي‪:‬‬
‫ما معيار التضرر؟‪.‬‬
‫ما التوصيف الفقهي لدفع هذه المبالغ؟ وإذا كان دفعها التزاماً أفلا تكون مما جرت المعاوضة عليه؟ وحينئ ٍذ فما‬
‫حكم المعاوضة على هذه الصفة؟‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬وكل تبرع يجمعه إلى البيع والإجارة مثل الهبة والعارية والعرية والمحاباة في المساقاة والمزارعة‬
‫وغير ذلك هو مثل القرض‪ ،‬فجماع معنى الحديث(‪ : )235‬أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع؛ لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل‬
‫المعاوضة لا تبرعاً مطلقاً‪ ،‬فيصير جزءاً من العوض‪ ،‬فإذا اتفقا على أنه ليس بعوض جمعا بين أمرين متباينين"(‪.)236‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬تحديد الربح في الاستصناع بالتكلفة الفعلية مع نسبة مئوية‪:‬‬
‫ُيلحظ أن الكلام في جميع الصور السابقة عن تغير العائد‪ ،‬أمـا في هذه الصورة فالتكلفة ‪-‬أيضاً‪ -‬ليست محددة حين‬
‫إبرام العقد‪ ،‬وعليه فسيواجه البنك في الاستصناع مشكلتين‪:‬‬
‫الأولى ‪ :‬عدم القدرة على تحديد التكلفة في ظل احتمال ارتفاع الأسعار أو انخفاضها‪.‬‬
‫وحل هذه المشكلة إما‪:‬‬
‫بعقد الاستصناع الموازي‪ ،‬فيجعل البنك الثمن في العقد الذي يدخل فيه بصفته مستصنع ًا هو التكلفة في العقد‬
‫الذي يدخل فيه بصفته صانعاً ويضيف إليه العائد الذي يريد‪.‬‬
‫بالصيغة التي تفهم مما في الورقة ص ‪ ، 21‬وتحتاج إلى بحث‪ ،‬وهي أن يتكون ثمن الاستصناع من‪ :‬مبلغ التكلفة الذي‬
‫يحدد في العقد‪+‬الربح المحدد بنسبة مئوية (‪ ٪3‬مثلاً) تنسب إلى مبلغ التكلفة‪.‬‬
‫يتحدد فيما بعد ولا‬
‫ّ‬
‫الثانية ‪ :‬عدم القدرة على تحديد نسبة العائ د في ظل احتمال ارتفاع المؤشر أو انخفاضه‪.‬‬
‫وهذا هو الموضوع الذي يبحث فيه الملتقى‪ ،‬والحل المذكور في الورقة ص ‪ 21‬يتعلق بالمشكلة الأولى لا الثانية‪،‬‬
‫أي‪ :‬يتعلق بالمنسوب إليه (‪ ٪3‬من كذا وكذا) لا بالنسبة (‪ ٪3‬أو ‪ ٪2‬أو ‪ ،) ٪4‬بالرغم من أن الورقة عرضت هذه الفكرة‬
‫تحت الحلول المقترحة لتعديل العوائد‪.‬‬
‫وينظر في أن يكون حل المشكلتين معاً من خلال الجمع بين‪:‬‬
‫عقود بيع إلى أجل‪ ،‬يبيع فيها البنك على العميل المواد المستخدمة في الصناعة‪.‬‬
‫عقود وكالة بأجر‪ ،‬يقوم المصرف بموجبها بالعمل اللازم للصناعة في كل مرحلة‪ ،‬وتحدد الأجرة في كل عقد بالنظر‬
‫إلى الأسعار السائدة في حينه‪ ،‬ويمكن أن يعقد البنك –للقيام بهذا العمل‪ -‬عقوداً موازية مع مقاولين‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬صيغ أخرى‪:‬‬
‫أشير إلى الصيغة التالية التي جرى تطبيقها في بعض عقود التمويل‪ ،‬ولم ُتذكر في الورقة أو البحث‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫شراء سلع أو خدمات من العميل‪ ،‬ثم توكيله في بيعها في السوق بثمن مستهدف يحدد دوريا‪ ،‬وما زاد عنه فهو‬
‫للعميل ‪:‬‬
‫يتضح من الصورة أن‪ :‬ثمن الشراء بمنزلة مبلغ التمويل‪ ،‬وحصيلة البيع في السوق بمنزلة سداد التمويل‪ ،‬ولذا‬
‫سيحدد الثمن المستهدف للبيع في السوق لكل فترة بناء على‪ :‬سعر التكلفة‪ +‬المؤشر في تلك الفترة‪+‬هامش الربح‪،‬‬
‫ويعاد تحديد الثمن المستهدف بناء على تغير المؤشر‪.‬‬
‫ومن النقاط التي تحتاج إلى بحث فيها‪:‬‬
‫حكم كون السلعة أو الخدمة التي اشتراها البنك موصوفة‪ ،‬ومدى ضرورة التعيين‪.‬‬
‫مدى اشتراط قبض البنك للسلعة قبل توكيل العميل في بيعها‪.‬‬
‫حكم مسألة‪( :‬بعها بكذا‪ ،‬وما زاد فهو لك)‪.‬‬
‫حدود مسؤولية الوكيل‪ ،‬وما الحال إذا لم يتمكن من بيع السلعة أو الخدمة بالثمن المستهدف؟‪.‬‬
‫الضوابط التي تجعل ملكية البنك حقيقية لا صورية‪.‬‬
‫وهللا تعالى أعلم‬
‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان‪.‬‬
‫د‪.‬عبد العزيز بن محمد الناصر‬
‫(‪ )235‬يشير إلى قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪( :‬لا يحل سلف وبيع)‪.‬‬
‫(‪ )236‬الفتاوى الكبرى ‪ ، 35/4‬وقد ورد هذا النص في البحث ص ‪.38‬‬
‫تعقيب على‬
‫بحث الشيخ طلال الدوسري بعنوان تغير سعر السوق في التمويل طويل الأجل مقترحات وحلول‬
‫إعداد‪:‬‬
‫الشيخ منصور بن عبدالرحمن الغامدي‬
‫شهر جمادى الآخر عام ‪1431‬هـ‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد‪:‬‬
‫كان بحث الشيخ طلال الدوسري وفقه هللا وسدده لكل خير بحثا مؤصلا ناقش فيه المسائل بعد ذكر الأقوال والأدلة‬
‫والتعليلات ثم ختمها بترجيحاته المقترنة بالدليل والتعليل؛ فجزاه هللا خير الجزاء ووفقه للعلم النافع والعمل الصالح؛‬
‫إلا أن الجهد ال بشري لا يخلو من ملحوظات وتعقبات؛ لذا فقد كان لي على بحثه هذه الملحوظات‪:‬‬
‫‪ /1‬مقدمة البحث‪:‬‬
‫ورد في مقدمة البحث "أن الأصلح هو التعامل بالعائد الثابت" بينما واقع العمل المصرفي اليوم يميل إلى تفضيل‬
‫العائد المتغير في العقود طويلة الأجل مع الشركات والبنوك‪.‬‬
‫وأما كثرة عقود التحوطات في العالم وخصوصا عقود المبادلات بين الفائدة الثابتة والفائدة المتغيرة فلا يستدل بها‬
‫على أن الأصلح الثابت أو خلافه؛ لأن الأكثرية الغالبة منها ليست تحوطا من عقود قائمة لديهم؛ وإنما أغلب هذه‬
‫العقود مضاربات في السوق المالية لتحقيق وجني الربح من ت قلبات أسعار الفائدة‪ ،‬ولأن طرفي العقد المتقابلين‬
‫كل منهما يتحوط مما يريده الآخر‪.‬‬
‫والأولى أن تحال مسألة تحديد الأصلح للمؤسسات المالية إلى المتخصصين الماليين الذين يديرون المخاطر في‬
‫هذه البنوك والمؤسسات المالية‪.‬‬
‫‪ /2‬أوجه منع المرابحة بربح متغير‪:‬‬
‫حرم الباحث صورة ا لمرابحة بربج متغير‪ ،‬وأرجع المنع إلى ثلاثة أسباب‪ :‬الأول‪ :‬الربا أو شبهته‪ ،‬والثاني‪ :‬الغرر‪ ،‬والثالث‪:‬‬
‫بيعتان في بيعة‪.‬‬
‫وعند تحرير هذه الأسباب نجد أنه لا يستقيم منها إلا القول بوجود الغرر‪ ،‬وذلك لما يأتي‪:‬‬
‫‪/1 /2‬‬
‫مناقشة ما ذكره الباحث من وجود الربا أو شبهته‪:‬‬
‫ذكر الباحث وج هين لوجود الربا أو شبهته‪ ،‬وقد ناقش الوجه الأول مناقشة صحيحة‪ ،‬فلم يبق إلا الوجه الثاني‪ ،‬ويناقش‬
‫بما يلي‪:‬‬
‫‪ /1 /1 /2‬ما ذكره الباحث هنا لا يختص بالمرابحة بربح متغير؛ بل هو في المرابحة بربح ثابت‪ ،‬وفي التورق‪ ،‬والتورق المنظم‪،‬‬
‫والإجارة التمويلية وغير ذلك من العقود التمويلية ‪ .‬فالربح في جميع هذه العقود التمويلية يؤخذ نظير الأجل‪ ،‬ولا‬
‫نكير في ذلك وقد نقل الباحث كلمة لابن تيمية في بحثه وهي "أن الأجل يأخذ قسطا من الثمن"‪.‬‬
‫فصل الربح عن رأس المال؛ لأن‬
‫‪ /2 /1 /2‬قرار مجمع الفقه هو في بيع التقسيط‪ ،‬وأما في بيع المرابحة فيجب شرعا‬
‫ُ‬
‫المرابحة من بيو ع الأمانة المرتبطة برأس المال؛ فلا ينطبق عليها ما ذكره المجمع‪.‬‬
‫مناقشة ما ذكره الباحث من وجود بيعتين في بيعة‪:‬‬
‫‪/2 /2‬‬
‫ذكر الباحث أن هذا الوجه يرجع إلى الربا والغرر‪ ،‬وقد سبق بيان ما يتعلق بالربا؛ فلم يبق إذن من أوجه المنع إلا‬
‫الغرر‪.‬‬
‫‪ /3‬أهمية تحرير مستند المنع‪:‬‬
‫تظهر أ همية تحرير مستند المنع في مسائل كثيرة‪ ،‬إذ معرفة المستند يبين مكانة الممنوع‪ ،‬ومنزلته عند تعارض‬
‫الأدلة‪ ،‬وطريقة الاستثناء من المنع وهل يمكن الاستثناء في أحوال الحاجة أم في أحوال الضرورة فقط؛ فإن مما هو‬
‫معلوم أن تحريم ربا النسيئة وتحريم ربا الفضل‪ ،‬وتحريم شبهة الربا‪ ،‬وتحريم الغرر‪ ،‬وتحريم الثنيا إلا أن تعلم ليسوا‬
‫بمنزلة واحدة؛ بل بعضها لا يباح إلا بالضرورة‪ ،‬وبعضها تبيحه الحاجة‪ .‬ولهذا قيل إن معرفة مراتب الشرور من أعلى‬
‫درجات الفقه‪ ،‬ولشيخ الإسلام رحمه هللا تعالى كلام متين في المقارنة بين تحريم ربا النسيئة والفضل‪ ،‬والمقارنة بين‬
‫تحريم الربا وتحريم الغرر في سياق مقارنته بين مذهب مالك والشافعي في معاملات الربا والغرر‪.‬‬
‫وأما ذكر أوجه ضعيفة لتكثير أوجه المنع وهي لا تنهض أن تكون علة للتحريم فإن هذا يعد تشويشا على البحث من‬
‫حيث إنزال الأحكام في غير منزلها‪.‬‬
‫‪ /4‬ما اختصت به المرابحة المتغيرة‪:‬‬
‫اختصت المرابحة المتغيرة عن البيع بثمن معلوم محدد بوصفين‪ :‬الوصف الأول‪ :‬الربط بمؤشر أو بسعر السوق‪.‬‬
‫وقت التعاقد‪.‬‬
‫الربط = بمؤشر مستقبلي وليس بمؤشر‬
‫والوصف الثاني‪ :‬أن‬
‫حالي ٍ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ولتحرير الحديث عن المرابحة المتغيرة سأتحدث عن هذين الوصفين المميزين لها‪:‬‬
‫الوصف الأول‪ :‬أما الربط بمؤشر أو بسعر السوق؛ فإن له نظائر في الفقه جرى العمل واشتهرت الفتيا بجوازها؛ ومن‬
‫ذلك البيع بسعر السوق‪ ،‬أو البيع بما ينقطع به السعر‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬يلحظ أن المربوط بمؤشر في المرابحة المتغيرة= هو تقييم الأجل في ثمنها؛ وليس تقييم السلعة المبيعة‪.‬‬
‫نفسـها وإنما أحد أوصاف الثمن وهو الأجل؟ يظهر لي أنه لا‬
‫فهل ُيشكل‪ :‬أن المقيَّم بسعر السوق ليس السلعة‬
‫َ‬
‫إشكال من هذه الحيثية؛‬
‫فالمتعاقدان قد يتبايعان السلعة بسعر سوق السلعة نفسِّ ها‪،‬‬
‫وقد يقدران للسلعة (بدون وصف معين) ثمناً يتفقان عليه‪ ،‬ثم يتفقان أن يضيفا لهذا الثمن تقييم السوق للوصف‬
‫الذي تركا تقديره‪ .‬فمثلا‪ :‬قد يتبايعان سيارة بسعر ‪ 60,000‬ريال بالإضافة إلى تقييم السوق للوحة السيارة المميزة‬
‫مثلا‪ ،‬أو بالإضافة إلى تقييم السوق للون السيارة المميز مثلا‪ ،‬أو بالإضافة لتقييم السوق لتأجيل ثمنها سنة‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫ولنفرض أن تقييم السوق للوحة السيارة أو لتميز لونها أو لتأجيل ثمنها ُق ّدر بـ‪ 5,000‬ريال فإن الثمن الإجمالي سيكون‬
‫‪ 65,000‬ريال‪.‬‬
‫نفسها‪ ،‬وقد يكون أحد الأوصاف والشروط المتفق‬
‫وبهذا يظهر أن المربوط بمؤشر أو بسعر السوق‪ :‬قد يكون السلعة‬
‫َ‬
‫عليها في البيع‪.‬‬
‫ثـمت إشكال إلا عند من يقول بأنه لا يجوز البيع بسعر السوق مطلقا‪ ،‬أو لا يجوز البيع بما ينقطع‬
‫وإلى هنا‪ :‬لا يظهر ّ‬
‫به السعر‪ ،‬ولن أطيل بمناقشة هذه المسائل إذ إن مظا ّنـها معروفة‪.‬‬
‫الوصف الثاني ‪ :‬أن الأجل الذي جرى الاتفاق على تقييمه بسعر السوق أو على ربط قيمته بمؤشر معين= ليس‬
‫م ربوطا بسعر السوق الآن؛ وإنما بفترة مستقبلية‪ ...‬وهذا الوصف هو بيت القصيد وهو الجدير بالبحث والمناقشة‬
‫والتأمل ولعلي أناقش شيئا منه في الفقرة التالية المعقودة للمقارنة بين الإجارة المتغيرة والمرابحة المتغيرة‪.‬‬
‫‪ /5‬مقارنة بين الإجارة المتغيرة والمرابحة المتغيرة‪:‬‬
‫‪ /1 /5‬ال إجارة المتغيرة (التي تربط فيها الأجرة بمؤشر مستقبلي) والمرابحة المتغيرة (التي يربط فيها ربح الأجل بمؤشر‬
‫مستقبلي) بينهما أوجه شبه‪:‬‬
‫‪ /1 /1 /5‬كلا العقدين عقد مداينة ثابتة في الذمة‪.‬‬
‫‪ /2 /1 /5‬كلا العقدين عقد لازم لا يمكن لأحد طرفيه الفسخ إلا بموافقة الطرف الآخر‪.‬‬
‫‪ /3 /1 /5‬كلا العقدين يراد لهما أن يربطا بنفس المؤشر (مؤشر المرابحات في المصارف الإسلامية مثلا)؛ وبهذا يظهر أن‬
‫الغرر والجهالة التي تذكر في المرابحة المتغيرة ليست بزائدة على الغرر والجهالة الموجودة في الإجارة المتغيرة‬
‫(كماً‬
‫ّ‬
‫وكيفاً)‪ .‬وما قرره بعض الفقهاء في وجوب تحديد التغير في الإج ارة المتغيرة بحد أعلى يلزمهم كذلك أن يحددوا به‬
‫في المرابحة المتغيرة‪.‬‬
‫‪ /4 /1 /5‬أن ما يذكره العلماء من أدلة ومناقشات واعتراضات وأجوبة في شرط العلم بالأجرة هو= ما يذكرونه في شرط‬
‫العلم بالثمن‪ ،‬ولا فرق عندهم بين هذين الشرطين‪.‬‬
‫ذكر الباحث أن هناك فرقا بين الإجارة المتغيرة والمرابحة المتغيرة‪ :‬وهذا الفرق هو أن الإجارة تحصل منافعها شيئا‬
‫‪/2 /5‬‬
‫فشيئا‪ ،‬بخلاف المرابحة فإن السلعة تسلّم مرة واحدة‪.‬‬
‫وهذا الفرق‪ :‬لا ُينكر‪ ،‬ولنا في مناقشته وجهان‪:‬‬
‫‪ /1 /2 /5‬الوجه الأول‪ :‬أن هذا الفرق غير مؤثر؛ إذ الدين ثابت‪ ،‬ولا يمكن فسخه إلا بإقالة‪ ،‬وكون العوض قد قبض مرة‬
‫واحدة أو حصلت المنافع شيئا فشيئا لا يؤثر إذ حديثنا عن الثمن والأجرة؛ لا عن الـمثمن والمنفعة‪ .‬والمثمن والمنفعة‬
‫قد يقبضان حالّا أو مؤجلا أو على مراحل أو بصفات وأحوال‪ ،‬ولا ارتباط بين عوضي البيع أو بين عوضي الإجارة في‬
‫الأحكام الشرعية إلا في أحوال سأسوقها‪ .‬إذ إننا عند النظر في الأحكام الشرعية المقررة للثمن والأجرة نجد أنهما غير‬
‫مرتبطين بأحوال وصفات المثمن والمنفعة إلا في حالتين‪:‬‬
‫الأولى‪ :‬إذا كان المثمن مؤجلا وجب الحلول أو القبض في الثمن‪ ،‬والدليل‪ :‬هو الخروج من الدين بالدين‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إذا كان المثمن ربويا وجب أن يكون الثمن حالا ومساويا إن كان من نفس الجنس‪ ،‬أو وجب أن يكون الثمن‬
‫حالا إن كان من نفس العلة‪ ،‬والدليل‪ :‬هو أحاديث الربا‪.‬‬
‫فكون الباحث ينشئ علاقة جديدة بين الثمن والمثمن‪ ،‬أو بين المنفعة والأجرة‪ ،‬وهي‪ :‬إذا كان المثمن مقبوضا مرة‬
‫واحدة لم يجز أن يربط بسعر مستقبلي‪ ،‬وإذا كان المثمن (المنافع) يحدث شيئا فشيئا جاز أن تربط بسعر مستقبلي‪...‬‬
‫أقول هذه العلاقة الجديدة التي أنشأها الباحث بين الثمن والمثمن لا دليل عليها‪ ،‬فهي بالتالي فرق غير مؤثر؛ إذ هي‬
‫منفعة‪.‬‬
‫عين‪ ،‬وفي الثانية‬
‫من جنس قول القائل تختلف المرابحة المتغيرة عن الإجارة المتغيرة بأن العوض في الأولى‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫‪/2 /2 /5‬‬
‫‪/6‬‬
‫‪/7‬‬
‫‪/8‬‬
‫‪/9‬‬
‫وجه من أوجه الشبه بين الإجارة المتغيرة والمرابحة المتغيرة‪ .‬وبيان هذا‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن هذا الفرق في حقيقته=‬
‫ٌ‬
‫الوجه‪:‬‬
‫الربح= يحصل‬
‫مقابله‬
‫في‬
‫ذ‬
‫ؤخ‬
‫ي‬
‫الذي‬
‫الأجل‬
‫كون‬
‫يشبه‬
‫وهذا‬
‫ً‪،‬‬
‫ا‬
‫فشيئ‬
‫ا‬
‫شيئ‬
‫تحصل‬
‫الأجرة=‬
‫بها‬
‫تستحق‬
‫التي‬
‫المنافع‬
‫أن‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ربح‬
‫تقييم‬
‫هو‬
‫إنما‬
‫المتغيرة=‬
‫المرابحة‬
‫في‬
‫بمؤشر‬
‫المربوط‬
‫أن‬
‫من‬
‫سابقا‬
‫ه‬
‫ت‬
‫قرر‬
‫ما‬
‫ظهر‬
‫إذا‬
‫خصوصا‬
‫ً‪.‬‬
‫ا‬
‫فشيئ‬
‫ا‬
‫يئ‬
‫ش ً‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫تقييم السلعةِّ نفسها‪.‬‬
‫الأجل؛ لا‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫وجه شبه عند بعض الفقهاء‪:‬‬
‫تقرير كونه‬
‫َ‬
‫وهناك فرعان فقهيان يقربان ربح الأجل في المرابحة من الأجرة التي تستقر شيئا فشيئا‪:‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬ما قرره بعض الحنابلة واختاره ابن سعدي رحمهم هللا من أنه في حال حلول الأجل في بيع المرابحة‬
‫شبه باستقرار الأجرة‬
‫بالموت فإنه ُيخصم من ال َّدين بقدر الأرباح التي لم ينتفع المدين بما يقابلها من مدة‪ .‬وهذا فيه‬
‫ٌ‬
‫شيئا فشيئا‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬رأي من يرى زكاة الدين المؤجل بقيمته حالا‪ ،‬وتطبيق هذا القول محاسبيا يقتضي عدم تزكية ما اصطلح‬
‫عليه محاسبيا بالأرباح المؤجلة (غير المستحقة)‪ ،‬وهو شبيه برأي الجمهور في عدم إخراج زكاة الأجرة غير المستحقة؛‬
‫لأنها لم تستوف المنفعة التي تقابلها‪.‬‬
‫وكلا الفرعين الفقهيين ُيفتى بهما في بعض البنوك الإسلامية‪ ،‬كبنك البلاد‪.‬‬
‫تقرير كونه وجه شبهٍ في العرف‪:‬‬
‫ونحن نجد كذلك أن الأعراف المحاسبية تعامل الربح في المرابحة معاملة الأجرة في الإجارة؛ بجامع أن الأجل في‬
‫المرابحة والمنفعة في الإجارة تحصل شيئا فشيئا‪ ،‬والأجرة والربح يستحقان شيئا فشيئا‪.‬‬
‫وكذلك نجد أن ما يقبض ويستوفى شيئا فشيئا= يحسن في أعراف الناس الاعتبار فيه بالسعر المستقبلي حين‬
‫الاستيفاء؛ لأنه أبعد عن الغبن؛ خصوصا في العقود طويلة الأجل جدا (التي تتجاوز خمسة عشر عاما)‪ ،‬ولا تحتاج‬
‫يقسط (اليوم) منازل اشتراها مرابحة بربح سنوي يتجاوز ‪ ،% 9‬ولو أن هذه‬
‫لمعرفة قدر الغبن إلا أن تعلم أن هناك من‬
‫ّ‬
‫العقود انتهت آثارها لما حصل غبن‪ ،‬ولكن لأنه لا يزال يدفع الأقساط وفقا للربح السنوي المتفق عليه قبل عشر‬
‫سنين فإنه يشعر بالغبن اليوم لأنه يدفع ربحا على الأجل بقدر ‪ % 9‬بينما غيره يدفع بقدر ‪ % 3‬اليوم‪.‬‬
‫وأعراف الناس تختلف لمعالجة أوضاعهم وإشكالاتهم؛ ولعله قد بلغكم أن كثيراً من المقاولين اليوم صاروا يقدرون‬
‫سعر المقاولة قائلين‪" :‬إن هذا التقدير باعتبار أن سعر الحديد كذا‪ ..‬فإذا ارتفع سعر الحديد زاد الثمن بقدره"؛ بينما لم‬
‫يكن الوضع كذلك قبل عامين فقط! لما أصابهم وأصاب عم لاءهم من خسائر نتيجة تقلب في أسعار الحديد خلال‬
‫هذين العامين‪.‬‬
‫رأيي في المرابحة المتغيرة‪:‬‬
‫غاية ما أقرره في هذا التعقيب هو نفي الفارق المؤثر بين المرابحة المتغيرة والإجارة المتغيرة؛ بل إثبات الشبه الكبير‬
‫بينهما‪.‬‬
‫وأما القول بجوازهما أو تحريـمهما= فلا يظهر لي ف يه حكم شرعي‪ ،‬ولا مجال لأن أحكم فيه بين يدي أساتذتي أصحاب‬
‫الفضيلة العلماء وفقهم هللا لكل خير‪.‬‬
‫ملحوظة على تخريج الباحث القول بمنع المرابحة المتغيرة على أصول ابن تيمية‪:‬‬
‫تخريج المنع على رأي ابن تيمية رحمه هللا بناء على الأمور الثلاثة التي ذكرها الباحث فيه نظر‪ :‬لأن ما ذكره تحت‬
‫الوجه الأول كان شيخ الإسلام يتكلم فيه عن الإمام أحمد رحمه هللا‪ ،‬والثاني والثالث لا يخفى خروجه عن مسألتنا‪ .‬ولا‬
‫أود الإطالة بتقرير خلاف هذا لأن العبرة بالأدلة‪.‬‬
‫نسب الباحث إلى شيخ الإسلام رحمه هللا تعالى منع قلب الدين على الموسر بمعاملة‪ ،‬وأحال إلى ستة فتاوى لشيخ‬
‫الإسلام رحمه هللا‪ .‬وقد رجعت إلى هذه الفتاوى الستة فوجدت فيها‪ :‬النص على تحريم قلب الدين على المعسر إما‬
‫أي ٍ منها تحريم قلب الدين على الموسر‪.‬‬
‫في جواب الفتوى‪ ،‬أو في نص الاستفتاء‪ ،‬ولم أجد في ّ‬
‫فإن كان عند الباحث مواضع أخرى نص فيها شيخ الإسلا م رحمه هللا على تحريم قلب الدين على الموسر فليفدنا بـها‬
‫جزاه هللا خيرا‪.‬‬
‫يلاحظ أن الباحث جزاه هللا خيرا بنى الحلول الأربعة اللاحقة وهي‪ :‬المرابحة مع حافز الخصم‪ ،‬وتغير مقدار القسط في‬
‫التمويل طويل الأجل‪ ،‬والتحوط بالجمع بين البيع الآجل والمشاركة‪ ،‬والجمع بين بيع آجل بثمن محدد وبيوع آجلة‬
‫بسعر السوق يوم الأداء= على مبدأ الوعد غير الملزم‪.‬‬
‫ولا يخفى أن أبلغ نقد يوجه إلى هذا الرأي‪ :‬ما ذكره الباحث نفسه في سياق حديثه عن المرابحة مع حافز الخصم‪" :‬لا‬
‫يظهر أن هذا المقترح عملي؛ لأن العميل لن يرضى بإجراء عقد بسعر ربح أعلى مما هو في السوق مقابل وعد قابل‬
‫لعدم التنفيذ بالخصم" وكذلك الصور الأخرى يجري عليها نفس الإشكال‪.‬‬
‫وفي ختام هذا التعقيب أسأل هللا أن يوفقنا للحق وأن يرشدنا للصواب‪ ،‬وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه‪ ،‬ويرينا‬
‫الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه‪ ،‬وصلى هللا وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬