تحميل الملف المرفق

‫العَدالَـــــــــــــــة‬
‫ْ‬
‫االج ِت َما ِعيَّــــــــــــــة‬
‫في ضوء ال ِف ْكر اإلسالمي المعاصر‬
‫اطروحة أُعدَّت لنيل درجة الدكتوراه‬
‫في الدراسات اإلسْالميَّة‬
‫إشراف‬
‫األستاذ الدكتور نايف معروف‬
‫إعداد‬
‫الدكتور ‪ :‬محمد أحمد عبد الغني‬
‫‪1424‬هـ‪/2004 /‬م‬
‫إىل الذين يعايشون يقظةً علمية‪ ،‬تَ تَ َهلَّ ُل هلا ُسبُحات الوجوه ويتقلبون يف أعطاف‬
‫العلم ُمثقلني حبمله يَعُلُّ ْون منه وينهلون‪.‬‬
‫إىل الص ال العلم ال ذر أوة الاعاي ة والعناي ة يف التم ا العل م يف أ‬
‫ان‬
‫اإلسالميَّة ابملدينة املنورة خبري الربية‪...‬‬
‫اجلامعة ْ‬
‫واللل ِّ ي ة الش اكة كلِّّي ة اإلم او اا َْوااع ال تتعه د اة ال‬
‫إىل النواة املبارك ة‬
‫ِّّ‬
‫املدهش والغوص على ملنوانت املسائل ما يفال به املسلمون نصااً‪...‬‬
‫إىل ال ذين ينب ذون ألق ان ال ذين كف اوا لل ذين أس لموا وال ذين اس تغابوا لل ذين‬
‫آمنوا وثبتوا والذين غلبوا على أماهم للذين است عفوا‪.‬‬
‫إىل الطائفة الظاهاة على احلق القائمة أبما هللا القاهاة لعدوها ة ي اها خالف‬
‫املنافقني وخذةن املستغابني ىت ينصا هللا هذا الدين‪.‬‬
‫ْب و ّ‬
‫إىل هنا البارد ‪ ,‬هنا الدماء ‪ ,‬و ّ‬
‫دمعة الع ّ‬
‫البؤ ّ ‪ ,‬و ُج ْا ّل القل ّ‬
‫ني‬
‫القه ّا ‪ ,‬وَر ْج ّع ْ‬
‫صوت ْ‬
‫‪ ,‬ومهوى الفؤاد ‪ ,‬وملعب الصبا ‪ ,‬وَم ّ‬
‫الاأ ّ ‪.‬‬
‫شيب ِّ‬
‫إىل والدر الذر اختار يل الطِّاي ق‪ ،‬ووال دا ال ت دعو دوم اً ابلس داد والتوفي ق‬
‫وأساا ال ه خري رفيق أهدر الثماة الثانية من جهدر العلم وك لم م نهم ج ا ج ديا‬
‫و قيق‪.‬‬
‫فهرس الموضوعات والمحتويات‬
‫املوضو‬
‫الصفحة‬
‫‪ ‬املقدم ة‪:‬‬
‫الدوافع وراء اختيار هذا البحث‬
‫منهج البحث و ايقة السري فيه‬
‫خطة البحث‬
‫شلا وعافان‬
‫‪ ‬فصل متهيدر ‪:‬‬
‫‪ :‬أمهيِّة حتديد االفاظ الشاعية واملصطلحات اإلسالمية‬
‫املبح ث‬
‫اةولث الثا ‪ :‬املاجع يف بيان معا االفاظ الشاعية‬
‫املبح‬
‫‪ :‬حتديد مصطلحات البحث‬
‫املبح ث‬
‫‪ -1‬الفلا‬
‫الثالث‬
‫‪ -2‬املفهوو‬
‫‪ -3‬الغاائز‬
‫‪ -4‬احلاجات الع ويِّة‬
‫الشخصيِّة‬
‫‪ِّ -5‬‬
‫‪ -6‬الثِّقافة‬
‫‪ -7‬احل ارة واملدنيِّة‬
‫‪ -8‬اجملتمع‬
‫‪ -9‬النظاو‬
‫‪ -10‬التوفيق‬
‫‪17‬‬
‫‪24‬‬
‫‪29‬‬
‫‪29‬‬
‫‪31‬‬
‫‪32‬‬
‫‪34‬‬
‫‪35‬‬
‫‪37‬‬
‫‪39‬‬
‫‪40‬‬
‫‪41‬‬
‫‪42‬‬
‫‪ ‬الفصل ااول ‪:‬مفهوو العدالة يف اللغة و الفلا اإلنسا‬
‫‪48‬‬
‫املبحث ااول ‪ :‬مفهوو العدالة يف اللغة والشا‬
‫العدالة يف الوض ع اللغ ور‬
‫املطلب‬
‫‪49‬‬
‫‪50‬‬
‫‪52‬‬
‫‪60‬‬
‫‪62‬‬
‫ااول‪:‬‬
‫العدالة يف الوض ع الشاع‬
‫العدالة يف الوضع العايف الع او‬
‫العدالة يف الوضع العايف اخلاص‬
‫‪3‬‬
‫‪5‬‬
‫‪9‬‬
‫‪12‬‬
‫‪15‬‬
‫املبحث الثا ‪:‬‬
‫املطلب‬
‫املطلب‬
‫ااول‪:‬‬
‫املطلب‬
‫الثا ‪:‬‬
‫املطلب‬
‫الثالث‪:‬‬
‫مفهوو العدالة عند اامم والدايانت السماويِّة السابقة‬
‫العدالة يف اجملتمع البشار القدمي‬
‫العدالة عند اليهود‬
‫العدالة عند النصارى‬
‫العدالة يف شبه اجلزياة العابية‬
‫‪67‬‬
‫‪68‬‬
‫‪76‬‬
‫‪84‬‬
‫‪90‬‬
‫الاابع‪:‬‬
‫املوضو‬
‫املبحث الثالث‬
‫املطلب‬
‫املطلب‬
‫ااول‪:‬‬
‫املطلب‬
‫الثا ‪:‬‬
‫الثالث‪:‬‬
‫املبحث الاابع‬
‫املطلب‬
‫املطلب‬
‫ااول‪:‬‬
‫املطلب‬
‫الثا ‪:‬‬
‫الثالث‪:‬‬
‫‪ :‬مفهوو العدالة عند الفالسفة واملتللمني‬
‫العدالة يف الفلسفة اليواننيِّة‬
‫العدالة عند املتللمني املسلمني‬
‫العدالة عند متفلسفة املسلمني‬
‫ الفارايب‬‫ ابن مسلويه‬‫ ابن سينا‬‫ ابن رشد‬‫‪ :‬مفهوو العدالة اةجتماعية يف الفلا السياس الغايب‬
‫مفهوو العدالة اةجتماعية يف الفلا الاأمسايل احلا‬
‫مفهوو العدالة اةجتماعية يف الفلا اةشرتاك (الدميقاا )‬
‫مفهوو العدالة اةجتماعية يف الفلا املاركس (الشيوع )‬
‫الصفحة‬
‫‪94‬‬
‫‪95‬‬
‫‪102‬‬
‫‪109‬‬
‫‪110‬‬
‫‪111‬‬
‫‪113‬‬
‫‪113‬‬
‫‪115‬‬
‫‪116‬‬
‫‪123‬‬
‫‪126‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫املقدمة ‪:‬‬
‫وأعز أركانه على من غالبه‪،‬‬
‫شا اإلسالو‪ ،‬فسهَّل شاائعه ملن َوَر َده‪َّ ،‬‬
‫احلمد هلل الذر ِّ‬
‫فجعله أمناً ملن علقه‪ ،‬وسلماً ملن دخله وباهاانً ملن تللم به‪ ،‬وشاهداً ملن خاصم به‪ ،‬ونوراً ملن‬
‫است اء به وأنعم علينا إبرسال الاسل عليهم الصالة والسالو إرشاداً للعباد ودةلة وإنقاذاً هلم من‬
‫السقوط يف دركات الظلم وال اللة‪ ،‬وجعل املصطفى اجملتىب رمحة مهداة‪ ،‬ونعمة مسداة‪ ،‬لاواو‬
‫العدالَة وانهل اةستقامة‪ ،‬وأرسله والنا صنفان ‪ :‬ظامل ومظلوو‪ .‬فأم ى ابلعدل‬
‫النجاة‪ِّ ،‬‬
‫وقصاد َ‬
‫لمه‪ ،‬وقان ابلصوان تدبريه وأباو ابلسداد أموره‪ ،‬ووصل ابجلد عمله واحلق ابلقصد سريته‪ ،‬وأما‬
‫ابلعدل والقسط غريه و ذر من الوكس والشطط من حلقه فما أصبح ابلعباد نعمة إة هو ايقها‪،‬‬
‫وما راو غاية إة هو دليلها‪.‬‬
‫اللهم على حممد املبعوث ابلدةئل الواضحة واحلجج القا عة والرباهني السا عة‬
‫فصل َّ‬
‫ِّّ‬
‫الذر انتهت إليه أصول الاساةت‪ ،‬وجتمعت لاسالته جتابة النبوات‪ ،‬فحمل القاآن بني دفتيه‬
‫قص من أخبار اامم‪ ،‬والشهود احل ارر مبا جتسد من سرية الاسول ‪‬‬
‫الشهود التارخي ‪ ،‬مبا ِّ‬
‫أصل من قواعد‪ ،‬ووضع من معامل‪ ،‬وكلَّف من نظا‬
‫‪،‬ومتثل يف خري القاون‪ ،‬والشهود املستقبل مبا َّ‬
‫وتدبا يف ُسنَن هللا يف اانفس واآلفاق ال ه السبيل للتملني يف اارض‪ ،‬والقياو َّ‬
‫هادة‬
‫ابلش َ‬
‫على النا والقيادة هلم ‪َ  :‬ولَتَ ْعلَ ُم َّن نَبَأَهُ بَ ْعدَ ِحين‪. )1( ‬‬
‫وأصدق الدعوات للمؤمنني حببل هللا املتني‪ ،‬أن ياشدهم تعاىل إىل الصوان إلدراك ما ُُياك هلم‬
‫ورأْن صدعهم وس ِّّد ثغاهم لتلون‬
‫وُميلا جم من نواا الشا فيعملوا على ل ِّّم شعتهم ورتْق فتقهم َ‬
‫وشق لعصاهم ىت تُاسى قواعد‬
‫هلم يد متينة حتول دون حتقيق ما يااد هلم من تبديد لشملهم ٍِّّ‬
‫اخلالفة ويُربو بلها فتحفظ احلواة وتاعى الاعية وتلف اجلنف وتدرأ احليف وتنتصف للمظلومني‬
‫من الظاملني وتقوو ابستيفاء احلقوق من املمتنعني وإيفائها على املستحقني دون فصل للدنيا عن‬
‫الدين إلشاعة عدالة السماء بني ربو اإلنسانية مجعاء‪.‬‬
‫( ‪ )1‬ص ‪. 88 /‬‬
‫وبع د ‪:‬‬
‫يدر هذه الاسالة‪ ،‬لتوضيح بعض اجلوانب فيها‪،‬‬
‫فهذه إضاءات هادية‪ ،‬أقدمها بني ِّّ‬
‫تتعلق ابامور التالية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الدوافع اللامنة وراء اختيارر للبحث يف هذا املوضو ‪.‬‬
‫ن‪ -‬منهج البحث و ايقة السري يف معامل الاسالة‪.‬‬
‫ج‪ -‬خطة البحث‪.‬‬
‫د‪ -‬واجب الشلا للل من أعان على البحث‪.‬‬
‫الدوافع وراء اختيار هذا البحث‬
‫عامة وشاملة قائمة على العدل‪ ،‬وقد اكتنفت أفلاراً معينة‬
‫أنزل هللا تعاىل رسالة اإلسالو َّ‬
‫تنظم شؤون احلياة وتعاجل مشلالت اإلنسان فأوجدت‬
‫ارة مميزة و ددت مفاهيم معينة‬
‫وبلورت أذواق معتنقيها بدقِّة وجعلت هلم وجهة نظا يف ياة معيِّنة و ايقة يف العيش حمددة‪،‬‬
‫وأقامت جمتمعاً عادةً متميزاً يف أفلاره ومفاهيمه ومشاعاه وأنظمته وأشخاص أفااده‪.‬‬
‫وجذا الشمول وتلك السعة كفل ا لامها التطبيقية النمو والتجدد على مدى ااامان ‪،‬‬
‫وقد بذل الفقهاءُ اجله َد‪ ،‬واستفاغوا الوسع يف التطبيق والقيا ‪ ،‬والتفايع مما كفل ا لاو اإلسالو‬
‫أن تليب اجات اجملتمع املتجددة يف ذاك الزمان الذر لم به بشايعة الامحن مث وقف هذا اجلهد‬
‫ان التقليد‬
‫عندما ختلى اجملتمع عن اإلسالو بتخليه عن شايعة امللك العالِّو‪ ،‬فغفى أبناؤه يف أ‬
‫اامة يف ٍّ‬
‫شغل عنهم‪ ،‬كلم مبا‬
‫وانموا على أ الو ماض جميد يارى تتقاذفهم ااهواء‪ ،‬وعلماء ِّ‬
‫يشغله وياى أنه ااسلم‪.‬‬
‫واامة على تلك احلال وجد ااوروبيون أمامهم ِّأمة مل‬
‫وملا قامت النه ة ااوروبية احلديثة ِّ‬
‫يبق من مقوماهتا احلقيقية شئ يذكا‪.‬‬
‫فالعقيدة خاملة‪ ،‬والسلوك منحاف واةستقامة معدومة ّ‬
‫والف ْلا جامد واةجتهاد معطل والفقه‬
‫اامة ليست ه ‪ ،‬فاهتبل الغَ ْابيِّون هذه‬
‫مفقود والبد قائمة والسنة انئمة والوع غائب ىت ِّ‬
‫للأن ِّ‬
‫الفاصة‪ ،‬وا تلوا البالد وامتللوا أامة العباد‪ ،‬وغدت م َقاليد أموران أبيدر أعدائنا يقارون مصائاان‪،‬‬
‫وبتنا نلتمس عندهم احلل ملشلالت ومع الت أوجدانها أبنفسنا‪ ،‬وشللناها أبيدينا‪.‬‬
‫وخالل ذلك اولت اامة مبا بق هلا من صبابة احلياة أن تنهض من كبوهتا‪ ،‬وتستقيل من عثاهتا‪،‬‬
‫ٍّ‬
‫بفشل ذريع‪ ،‬اهنا أخطأت السبل املؤدية إىل النجال‪ ،‬فقد قامت تلك‬
‫فباءت كل حماوةهتا‬
‫احملاوةت من منطلق تقليد ااجنيب والتبعية للمحتل ىت اادادت أ والنا سوءاً وبدأ اجليل اجلديد‬
‫بعد منتصف القان الاابع عشا اهلجار يبحث عن البلسم الشايف ملا تعانيه اامة من ال يا‬
‫ّ‬
‫الف ْلار والسياس واةقتصادر واةجتماع وما أهدر من احلقوق اإلنسانية فارتفعت أصوات‬
‫املَُف ِّّلاين املسلمني عالياً منادية بلثم اجلاال ورأن الصدا وإعطاء احلقوق ورفع الظلم‪.‬‬
‫وكان من أباا املفاهيم ال نودر هلا من قبل الفالسفة واملفلاين‪ ،‬و لب من الدول‬
‫حتقيقها ونصت عليها لوائح قوق اإلنسان يف هيئة اامم وغريها » مفهوو العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة «‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫فاجتهت الوجوه شطا الغَ ْان تستجلب منه احللول ملشلالهتا كما تستورد منه السلع ملعاشها غري‬
‫أهنا عند استرياد السلع تااجع أرصدهتا القدمية وحتص ب اعتها َّ‬
‫املدخاة وتنظا يف قدرهتا على‬
‫وإن هذا ملن أعظم ما فنت به‬
‫اإلنتاج فأما عند استرياد املبادئ والقوانني فال ت ع شيئاً من هذا‪ِّ ،‬‬
‫اإلسالميَّة ابعتبارها فلسفة خيالية كما ياث اليوو اليوانن‬
‫املسلمون اليوو اهنم ورثوا اافلار ْ‬
‫فلسفة أرسطو وأفال ون وقد تناسوا أن اافلار يف أية ِّأمة من اامم ه أعظم ثاوة تناهلا اامة يف‬
‫ياهتا وأعظم هبة يتسلمها اخللف من سلفه إذا كانت اامة عايقة يف ّ‬
‫الف ْلا املستنري وأن الثاوة‬
‫املادية دون أفلار احلياة بلثري فإذا دمات ثاوة اامة املادية فساعان ما ميلن جتديدها ما دامت‬
‫اامة حمتفظة بثاوهتا ّ‬
‫الف ْلاية‪.‬‬
‫ومن هنا تباينت وجهات نظا املَُف ِّّلاين من أبناء اامة ول اافلار الوافدة فمنهم من‬
‫أدرك » أن آخا هذه اامة لن يصلح إة مبا صلح جا أوهلا « فاجتهوا حنو اإلسالو ينهلون من‬
‫عذن معينة‪ ،‬وجيتهدون على ضوء اللتان والسنة بناء على اا داث والوقائع‪ ،‬ومنهم من ارتد‬
‫إىل ااصالة جامداً على نصوصها متمسلاً بظاهاها دون تن زيل اا لاو على الوقائع وفهم‬
‫الواجب منها‪ ،‬ومنهم من ذا ذو الغَ ْان من منطلق التقليد دون تفايق بني الواقع اإلسالم‬
‫الشاعية وااصالة ّ‬
‫الف ْلاية مبنظور غايب أو مبنظور‬
‫والواقع الغَ ْا ِّيب ومنهم من تعامل مع الن ُ‬
‫ُّصوص َّ ْ‬
‫نصاً أو داً‪.‬‬
‫توفيق بني اإلسالو وما هو غايب مدعني أن اإلسالو رول ليق قبل أن يلون ِّ‬
‫غريت مقاييسنا لألشياء وقناعاتنا‬
‫وسبب هذا التباين هو الغزوة اللاسحة من احلَ َ َارة الغَ ْابية ال ِّ‬
‫ال كانت متصلة يف نفوسنا وكأننا تناسينا العدل وامليزان والقسط يف شاعة هللا‪.‬‬
‫العدل هو احلق الذر قامت به السموات واارض‪ ،‬وان بط على هديه‬
‫أن‬
‫َ‬
‫وة ريب ِّ‬
‫العدالَة يف ياة اامم خي ع ملوروث عادهتا وأعاافها وما تسنُّه من‬
‫مسار الوجود‪ ،‬إة أن تطبيق َ‬
‫أنظمة يف واقع روابطها وعالقاهتا الدولية‪.‬‬
‫وعلى هذا اضطابت مواقف الفالسفة واحللماء ورجال القانون قدمياً و ديثاً من مسالك‬
‫العدالَة ‪ ،‬فمنهم من جعل الظلم سبيالً لتحقيق العدل كقول اهري بن أيب سلمى‪:‬‬
‫حتقيق َ‬
‫ّ‬
‫يظل م(‪)1‬‬
‫ومن ة ّ‬
‫َّ‬
‫وضه بسال ّه‬
‫ومن مل يذ ْد عن‬
‫يظلم النا َ ُ‬
‫يهدو َ‬
‫العدالَة ماهون توافاها‬
‫ومنهم من جعل القوة أهم عناصا العدل‪ ،‬ومنهم من رأى أن َ‬
‫بتوافا احلاايت اجملادة من القيود وال وابط ومنهم من ياى العدل أ لاماً ممزقة وتاقيعات انظمة‬
‫فاسدة‪.‬‬
‫وأماو هذه املذاهب املختلفة والنظاات املتباينة‪ ،‬مل تبلغ ثقة الفالسفة على امتداد التاريخ‬
‫من القوة مبلغ اإلميان بتوافا العدل اللامل يف واقعه العلم رغم دور صيحات املنصفني‪.‬‬
‫وللن الدار ملعا املنهج اإلهل جيدها مبجموعها دعوة صاُية إىل العدل اللامل يف‬
‫ياة اخللق انه من أما هللا ة من خلقه وشتِّان ما بني ما أنزل هللا وبني ما هو مستمد من اقات‬
‫البشا ّ‬
‫الف ْلاية والثقافية والعا فية ومزاجاهتم النفسية وجتارجم الفادية واجلماعية‪ ،‬ال تبدأ ابلطعن‬
‫واةهتاو‪.‬‬
‫وعليه فإن من أ ِّق املبا ث ابلتسطري وأنفسها عند اجلمع والتحبري تبيان وجه احلق فيما‬
‫تتعاوره اافهاو وتتعاض له ااذهان من اجلهل وااوهاو يف ضوء علم َّ‬
‫الش ّا َيعة‪ ،‬علم السيادة‪،‬‬
‫در ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة إذ يقول ‪ » :‬إن حمنة اإلسالو والقاآن من‬
‫ومفتال اهلدر وهنج السعادة وهلل ِّ‬
‫جهل الصديق وبغ ذر الطغيان «‬
‫اسيَّة واةجتّم ّ‬
‫ّ ّ‬
‫والسي ّ‬
‫ّ‬
‫اعيَّة ال‬
‫العدالَة ْ‬
‫من هنا تناولت مفهوو َ‬
‫اةجت َماعيَّة‪ ،‬أ د املفاهيم الفلسفية ِّ َ‬
‫ْ َ‬
‫اإلسالميَّة والغَ ْابيِّة لنصل يف أعقان مناقشتنا‬
‫ا ت للبحث عن صيغة للتوفيق بني احل ارتني ْ‬
‫هلذا املفهوو إىل قناعة اتمة لتعديل العبارة إىل البحث عن سبيل جملاجة احلَ َ َارة الغَ ْابيِّة من خالل‬
‫ّ‬
‫اإلسالميَّة‪.‬‬
‫اةجتّ َماعيَّة والتحصن منها أبصول احلَ َ َارة ْ‬
‫العدالَة ْ‬
‫مفهوو َ‬
‫( ‪ )1‬ابن أيب سلمى اهري‪ ،‬ديوان‪ ،‬شال ثعلب‪ ،‬ص (‪.)88‬‬
‫فشاعت جبمع ااما وحتايا تليده و ارفه وكشف مستغلقه وخافيه فاأيت املوضو قيد‬
‫ااايدر حبثاً ودرساً فأجلت دقائق النظا وأ لت سوانح ّ‬
‫الف ْلا فعنت يل أصول ة جيهلها من له‬
‫الش ْا مدارها على عالقة العبد أبما هللا ون هيه فعلمت َّ‬
‫أنسة بعلوو َّ‬
‫أن ااايدر مل تنل منه مامى‬
‫فقد الته بنبال يش كثري ومل تصب فيه إة الن زر اليسري إذ َّ‬
‫مد فيه املؤمن والفاسق بل اللافا‬
‫ابعه وتللم فيه العامل واجلاهل وكل يصدر من مورده وجيذن ابلدةء من بئاه ومع أن يف القوو‬
‫للن أكثاهم اكتفى ابلتلميح واإلشارة وبواجب النصيحة أو اكتفى‬
‫فحوةً عظاماً‪ ،‬وعلماء أعالماً َّ‬
‫ابلتنبيه والتنويه‪ ،‬فاأيت قاً عل َّ أن أحبث هذا املوضو وأمشا له عن ذراع رغم قصا ابع وقلة‬
‫إ الع مستمداً العون من هللا املتعال‪.‬‬
‫ونظااً ملا يتسم به البحث من ارتباط بواقع احلياة‪ ،‬فقد رأيت أن أ صا ملان واتريخ‬
‫موضوعه تاكيزاً عليه يف الوقت املعاصا‪ .‬فسميته » مفهوو العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة يف ضوء ّ‬
‫الف ْلا‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫اإلسالم املعاصا« ‪.‬‬
‫فما هو مفهوو العدالَة يف اللغة ّ‬
‫والف ْلا اإلنسا ؟‬
‫َ‬
‫العدالَة يف املنهج اإلهل ؟‬
‫وما ه مسات َ‬
‫وكيف متثلت تلك املعا يف وقائع ياة الاسول ؟‬
‫ومن بعده من اخللفاء الااشدين واائمة املهتدين ؟‬
‫العدالَة يف اماننا املعاصا ؟‬
‫وأين موقع َ‬
‫وما نظاة املَُف ِّّلاين املسلمني هلا ؟‬
‫وما ه‬
‫اجة استنهاض الفقهاء واجملتهدين إىل فتح ااقنية اةجتهادية بني اإلسالو‬
‫ومظاها احلياة العصاية الوافدة من الغَ ْان؟‬
‫وهل تتأهب اامة للقياو بدور‬
‫ارر كغابا عهدها ؟‬
‫أو أهنا تاتدر الثون احل ارر الغَ ْا ِّيب الذر يفقدها ثقتها بنفسها وتااثها احل ارر؟‬
‫هذا ما أردت جذه الدراسة ملفهوو العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة عند املَُف ِّّلاين القدامى واحملدثني‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫ومدى أتثا املسلمني به وهذا التقدمي حماولة لتقدمي منوذج إسالم يف معاجلة اإلسالو للق ااي‬
‫ّ ّ‬
‫والسي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة والقانونية واللشف عن قدرة اإلسالو على معاجلة مشلالت‬
‫ْ‬
‫اةجت َماعيَّة واةقتصادية ِّ َ‬
‫اإلنسان املعاصا وبيان أن اإلسالو صاحل للل امان وملان‪.‬‬
‫ولعل جذا املوضو أضع لبنة بسيطة يف املعمار اإلسالم احل ارر فأقدو جهداً يف‬
‫صن‬
‫العمل على إعادة ثقة اامة أبفلار اإلسالو ومعاجلته لق ااي العصا ليلون قاعدة أتصيلية ُحت ِّ‬
‫اإلسالو وتدرأ املثالب عن الدعاة‪.‬‬
‫وهللا تعاىل أسأل أن جيعل فيما عزمت عليه وشاعت به نفعاً وهداية ورشداً وأن يوشحه‬
‫ابلتوفيق واإلخالص‪.‬‬
‫سير فيه‬
‫منهج البحث وطريقة ال َّ‬
‫وضعت نصب عيين للبحث منهجاً أوجز أركانه‪ ،‬وأفند دعائمه يف النقاط التالية‪:‬‬
‫يت ابادلة َّ‬
‫الش ْاع ية من املصادر ااصلية‪ ،‬والاجو إىل املصادر ااصيلة يف تفاسري‬
‫‪ -1‬عُنّ ُ‬
‫القاآن اللامي وشاول السنة النبوية واملصادر الفقهية من كتب اائمة ااربعة واملعتمدة‬
‫عليها ‪ :‬كاملُغْين ةبن قُدامة (‪ 620‬ه ) وجممو الفتاوى ةبن تَ ْي ّميَّة (‪ 728‬ه ) ‪ ،‬ونيل‬
‫ااو ار للشوكا (‪ 1250‬ه )‪.‬‬
‫ّ‬
‫ياسة َّ‬
‫الش ْاعية ائمة اإلسالو كاا لاو السلطاني ة للم اوردر (‪ 450‬ه )‬
‫‪ -2‬عُنّ ُ‬
‫الس َ‬
‫يت بلتب ِّ‬
‫ّ‬
‫ياسة َّ‬
‫الش ْاعية يف إصالل الااع والاعية ةبن تَ ْي ّميَّة (‪728‬ه )‪.‬‬
‫والس َ‬
‫ِّ‬
‫يت بلتب التاريخ والسري ومناقب الاجال ذات الصلة ابملوضو حنو‪ :‬سري أعالو النبالء‬
‫‪ -3‬عُنّ ُ‬
‫َّ‬
‫يب (‪748‬ه ) وااعالو للزركل ووفيات‬
‫وميزان اةعتدال يف نقد الاجال لإلماو الذ َهّ ِّ‬
‫ااعيان ةبن خللان و لية ااولياء لألصفها ‪.‬‬
‫اإلسالميَّة احلديثة يف كثري من مسائل البحوث ال تناولتها‬
‫‪ -4‬رجعت إىل كثري من الدراسات ْ‬
‫اللهم إة إن‬
‫ُ‬
‫فاستفدت وانقشت ووافقت وخالفت إة أنِّين ني املخالفة ة أجنح للتجايح ِّ‬
‫كان يف معاض الاد على املستشاقني واملستغابني على علس ما جنده يف بعض ااقالو ال‬
‫تلتزو جانب اادن اجلم مع املفاهيم الغَ ْابيِّة يف ميدان من أخطا ميادين الصاا بني‬
‫اإلسالميَّة تربا ااقالو املؤدَّبة‬
‫اإلسالو واللفا وتااها يف مناقشة العاملني يف قل الدعوة ْ‬
‫شدة ورهقا‪.‬‬
‫ال تندلع منها ألسنة داد تقطا ِّ‬
‫‪ -5‬رجعت إىل كثري من الدراسات الفلسفية احلديثة من العان والغَ ْان من أجل إي ال‬
‫املفاهيم الغَ ْابيِّة وتوثيق مااجعها‪.‬‬
‫‪ -6‬عند حتديد املصطلحات العامة كاحلَ َ َارة والثَّقافَة أسعى لبياهنا بطايق اإلمجال عند اآلخاين‬
‫اإلسالميَّة وتنقيتها مما علق‬
‫مث أ دد معىن اثبتاً هلا أسري عليه يف البحث رجاء بلورة املفاهيم ْ‬
‫الص ّح ْيحة على‬
‫هلا من الشوائب لتصبح ضوابط لسلوك املسلمني ولينه وا النه ة َ‬
‫أساسها‪.‬‬
‫‪ -7‬رصد معىن مفهوو العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة عند املفلا من خالل تتبع أقواله وتاصد أ اديثه يف‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫كتبه ابلدرجة ااوىل مع عدو إغفال ما كتب عنهم ة سيما فيما يتعلق ب هذا املفهوو‪.‬‬
‫العدالَة عند فالسفة اإلغايق اقتصات على بعض الفالسفة دون غريهم‬
‫‪ -8‬عند التعاض ملفهوو َ‬
‫ممن أخذ عنهم متفلسفة املسلمني من أمثال سقااط وأفال ون وأرسطو‪.‬‬
‫‪ -9‬عند التعاض ملتفلسفة املسلمني يف القاون الوسطى اقتصات على ثلِّة ممن اتصل ّ‬
‫ابلف ْلا‬
‫الفلسف اليوان مربااً منطني من التفلري ‪:‬‬
‫ااول ‪ :‬منط املتفلسفني الذر تسوده الاول الفلسفية احمل ة كالفارايب ( املعلم الثا ) وابن‬
‫مسلويه (اارسط ) وابن ابجة (اافال و ) كلم يف آرائه اخللقية‪.‬‬
‫الثا ‪ :‬منط املُتَ َل ّلِّمني الذر تسوده الن زعة الدينية ويت اءل فيه نصيب البحث النظار‬
‫اإلسالميَّة‬
‫الفلسف يف املسائل املتصلة ابلبحث كاإلماو املاوردر والغَ َزايل وبعض الفاق ْ‬
‫كاملعتزلة وااشاعاة واملاتايدية‪.‬‬
‫‪ -10‬املواانة بني وجهات نظا املَُف ِّّلاين ابلتحليل واملقارنة للتعاف على احلل اامثل للمشلالت‬
‫اسيَّة واةجتّم ّ‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اعيَّة املعاصاة على ضوء اإلسالو‪.‬‬
‫ِّ َ‬
‫ْ َ‬
‫‪ -11‬عند التعاض ملفهوو العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة عند بعض املَُف ِّّلاين املسلمني املعاصاين صات‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫اإلسالميَّة‬
‫احلقبة الزمنية بعد احلان العاملية الثانية واقتصات على رموا متثل معامل للحاكة ْ‬
‫احلديثة ما اال أثاها واضحاً للعيان كوضول الشمس يف رابعة النهار كاائمة ااعالو‬
‫املَو ّ‬
‫دودر وقطب والغَ َزايل‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪ -12‬عند تناويل ملفلا إسالم معاصا أقدو نبذة موجزة عن سريته يف اشية البحث ماكزاً على‬
‫مولده ونسبه وعلمه و ياته ّ‬
‫الف ْلاية بغية التعاف على العوامل املؤثاة يف فلاه واجتاهاته‪.‬‬
‫‪ -13‬كما أبني مفهومه للعدالة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة وتصوره له وكيفية حتقيقه يف الواقع العمل وصوةً‬
‫ْ َ‬
‫لبيان منهجه يف التعامل مع املفاهيم املعاصاة عامة‪ .‬متوخياً يف ذلك اعتماد نق ل اآلراء‬
‫بل ل شخ ص أو فئ ة م ن املااجع ااصيل ة وع دو اعتماد املااجع الناق دة هلم والناقل ة عنهم‬
‫غالباً‪.‬‬
‫العدالَة اإلهلية يف َّ‬
‫قسمت املوضو إىل أقساو‬
‫اإلسالميَّة‪َّ :‬‬
‫الش ّا َيعة ْ‬
‫‪ -14‬عند التطاق لبيان معامل َ‬
‫متعددة بقاً انظمة اإلسالو يف احلياة حنو‪ :‬النِّّظَاو اةقتصادر والنِّّظَاو اةجتماع ونظاو‬
‫احللم ونظاو العقوابت كأمثلة واضحة املعامل ملا ناى من ضاورة هذا التقسيم واستقالل كل‬
‫عن اآلخا يف معاجلة نوا احلياة إذ يطلق اللثريون على مجيع أنظمة احلياة اسم النِّّظَاو‬
‫اةجتماع وهو إ الق يف غري حمله ان أنظمة احلياة أوىل أن يطلق عليها أنظمة اجملتمع‬
‫ابلا ُجل والعلس وينظم‬
‫يت ابلنِّّظَاو اةجتماع ‪ ،‬النِّّظَاو الذر ينظم اجتما املاأة َّ‬
‫لذلك عُنّ ُ‬
‫العالقة ال تنشأ بينهما عن اجتماعهما وكل ما يتفا عن هذه العالقة‪.‬‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫وعُنّ ُ ّ‬
‫اسيَّة ال هتدف ل مان حتقيق اإلشبا جلميع‬
‫يت ابلنِّظَاو اةقتصادر‪ :‬تلك ِّ َ‬
‫احلاجات ااَ َساسيَّة للل فاد ومتلينه إشبا احلاجات اللمالية بقدر ما يستطيع وكل هذا‬
‫بغية إظه ار عدال ة السم اء يف أنظمة اجملتمع من خالل أهم اامثلة ال تندرج حتتها‪.‬‬
‫ٍّ‬
‫حبواش كان من أباا استعماةهتا ‪:‬‬
‫‪ -15‬لقد وشيت هذه الاسالة‬
‫أ‪ -‬عزو اآلايت إىل سورها وذكا أرقامها‪.‬‬
‫ن‪ -‬ختايج اا اديث الواردة يف الاسالة ذلك أ مل أستجز لنفس أن أتاك ديثاً بدون‬
‫ختايج أستفاغ فيه اجلهد نصيحة لألمة وأداء لألمانة وللين ملا كنت يف بداية شدور يف‬
‫تص ّح ْيح أهل العلم القدماء منهم واملعاصاين‪.‬‬
‫علم احلديث مل يلن يل إة أن أعتمد على َ‬
‫عافت اباعالو الذين وردت أمساؤهم غالباً يف هذا البحث ومل أفاق بني عامل مشهور‬
‫ج‪ِّ -‬‬
‫وغريه‪.‬‬
‫د‪ -‬توثيق النقول من خالل التصدر ابسم املؤلف مث اللتان مستثنياً من ذلك مااجع‬
‫الرتاجم لتعدد تلاارها‪.‬‬
‫هـ‪-‬‬
‫عندما أنقل اللالو بتصاف أو أختصاه أو أرجع إىل أكثا من مصدر أو ماجع أ يل‬
‫بقول‪ ( :‬أنظا ول هذه املسألة ) ‪.‬‬
‫يت يف ختاو الاسالة بوضع فهار مفصلة تلون مفاتيح للبحث وجنوماً للقارئ يهتدر‬
‫‪ -16‬عُنّ ُ‬
‫جا فلانت فهار‬
‫تشمل اآلايت القاآنية واا اديث النبوية وااعالو واملصطلحات‬
‫واابيات الشعاية واملذاهب والفاق واملصادر واملااجع واملوضوعات‪.‬‬
‫‪ -17‬اصت فيما يتصل أبسلون اللتابة على انتقاء العبارة‪ ،‬واشتماهلا على التسهيل والتيسري‬
‫واإلي ال والتقايب كما تناثات بعض املاادفات الفاظ أو مجل بقصد اإلغناء اللفظ‬
‫وليس اإل نان املستهجن‪.‬‬
‫خطة البحث‬
‫لقد بنيت قواعد هذه الاسالة على فصل متهيدر‪ ،‬وستة فصول وخامتة‪.‬‬
‫فأما الفصل التمهيدر فقد بنيت فيه ثالثة مبا ث‪.‬‬
‫ااول‪ :‬أمهية حتديد االفاظ َّ‬
‫اإلسالميَّة ذلك أن فهم مصطلحات البحث‬
‫الش ْاعية واملصطلحات ْ‬
‫هو مفتال فهم ماام البا ث ومقاصده ان تلك املصطلحات‪-‬يف الغالب‪ -‬ألفاظ جامعة ينبين‬
‫عليها كثري من مسائل البحث وموضوعاته وعليه فال ميلن أن تلون نسبية يستخدمها كل فايق‬
‫بناء على ما تدفعه م إلي ه ااه واء وة ميل ن محله ا عل ى اإلصالل احلادث لقوو أو‬
‫كما ُيلو له ً‬
‫فئة ةختالط املعا ‪.‬‬
‫الثا ‪ :‬يف بيان املاجع ملعا االفاظ َّ‬
‫بد من الاجو إىل معيار اثبت إذ لو ُوِّكّلَت‬
‫الش ْاعية فال ِّ‬
‫الق ية ل لبشا اصبحت نسبية حبسب اختالف أهوائهم وتنو مشارجم فثبات املعيار الذر ينظا‬
‫بواسطته وتفهم احلقائق يف ضوئه أما ة حميد عنه وتاكه يف‬
‫إىل فساد عايض وفلا مايض‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬بيان جمموعة من املصطلحات املبثوثة يف ثنااي البحث وه إمجاةً عشاة مصطلحات‪،‬‬
‫ّ‬
‫الع ْ ويَّة والشخصي ة والثَّقافَة واحلَ َ َارة واملَ َدنيَّ ة واجملتمع‬
‫الف ْلا واملفهوو والغاائ ز واحلاج ات ُ‬
‫والنِّّظَاو والتوفيق‪.‬‬
‫وأما الفصول الستة فهي‪:‬‬
‫الفصل ااول‪:‬‬
‫فقد حتدثت فيه عن مفهوو العدالَة يف اللغة ّ‬
‫والف ْلا اإلنسا من خالل أربعة مبا ث‬
‫َ‬
‫أوهلا‪ :‬مفهوو ال َعدالَة يف الوضع اللغور َّ‬
‫والش ْاع ‪ ،‬والوضع العايف العاو والوضع العايف اخلاص‪،‬‬
‫العدالَة يف اجملتمع البشار القدمي وعند الدايانت السماوية السابقة‪ ،‬كأهل اللتان‬
‫واثنيها‪ :‬مفهوو َ‬
‫ّ‬
‫العدالَة‬
‫العدالَة عند الفالسفة واملُتَ َللِّمني‪ ،‬ورابعها‪ :‬مفهوو َ‬
‫(اليهود والنصارى)‪ ،‬واثلثها‪ :‬مفهوو َ‬
‫اةجتّم ّ‬
‫والف ْلا اةشرتاك ‪/‬الدميقاا ‪ّ ،‬‬
‫كالف ْلا الاأمسايل احلا ّ‬
‫الف ْلا السياس الغَايب ّ‬
‫اعيَّة يف ّ‬
‫والف ْلا‬
‫ْ َ‬
‫ْ ِّ‬
‫املاركس ‪ /‬الشيوع (اة ْشّرتاكّيَّة العلمية)‪.‬‬
‫الفصل الثا ‪:‬‬
‫فقد بنيت فيه مفهوو العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة عند بعض املَُف ِّّلاين املسلمني املعاصاين كاإلماو‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫أبو ااعلى املَو ّ‬
‫دودر واإلماو الشهيد َسيِّّد قطب ‪ ،‬والشيخ حممد الغَ َزايل مقتصااً يف بيان مفهوو‬
‫ْ‬
‫العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة عند كل وا د على ثالثة مطالب‪:‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫ااول‪ :‬معىن العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة عند املفلا‪.‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫الثا ‪ :‬كيفية حتقيق العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة عند املفلا‪.‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫الثالث‪ :‬منهج املفلا يف التوفيق بني العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة ّ‬
‫والف ْلا اإلسالم ‪.‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫اإلسالميَّة واحلَ َ َارة الغَ ْابيِّة لنصل يف أعقان ذلك‬
‫وانتهيت إىل القول يف قيقة كل من احلَ َ َارة ْ‬
‫إىل بيان مفهوو العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة من املنظور َّ‬
‫الش ْاع من خالل ايقة اإلسالو يف استنباط‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫اا لاو‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫العدالَة يف النِّّظَاو اةقتصادر اإلسالم من خالل ثالثة مبا ث أوهلا ‪:‬‬
‫فقد بينت فيه َ‬
‫َّملُّك الفادر ‪ ،‬بينت فيه ااسبان املرتتبة على اجلهد اخلاص كااجاة وإ ياء‬
‫َ‬
‫العدالَة يف ق الت َ‬
‫اارض املوات واستخااج ما يف اب ن اارض من املعادن كما أوضحت الطاق املبا ة اباسبان‬
‫َّ‬
‫الش ْاعية كالزكاة واملرياث واللفارات إضافة إىل ااموال املرتتبة على إرادة اآلخا كالوصية واهلبة‬
‫واإلقطا ‪.‬‬
‫َّملُّك كالعقود املنه عنها والتسعري‬
‫ويف املبحث الثا بينت ااعمال احملظورة يف الت َ‬
‫ِّّ‬
‫والاَاب وختمت الفصل ببيان ضمانة احلاجات يف اإلسالو وحتقيق الافاه يف العيش من‬
‫والا ْش َوة‬
‫َّ‬
‫َساسيَّة للفاد وقدمت أمثلة‬
‫خالل توضيح عدالة اإلسالو يف توايع الثاوة وضمانته للحاجات اا َ‬
‫مجِّة على قاعدة حتقيق الافاه افااد اجملتمع‪.‬‬
‫الفصل الاابع‪:‬‬
‫الا ُجل واملاأة من خالل‬
‫فقد بينت فيه عدالة اإلسالو يف النِّّظَاو اةجتماع القائم على َّ‬
‫الا ُجل واملاأة وتقايا شاعة اإلسالو يف عمل املاأة‬
‫بيان نظاة التشايع اإلسالم للصالت بني َّ‬
‫ااصل مع التعاض لألعمال املبا ة ال هلا أن متارسها يف احلياة العامة ضمن ال وابط َّ‬
‫الش ْاعية‬
‫وبيان عدل اإلسالو يف التعدد والطالق والتلاليف َّ‬
‫الا ُجل واملاأة مظهااً بيعة‬
‫الش ْاعية للل من َّ‬
‫احلقوق والواجبات والقوامة وماهيتها وعدالة التوايع يف املرياث وعدالة التفاوت يف َّ‬
‫هادة‬
‫الش َ‬
‫الا ُجل واملاأة‪.‬‬
‫وختمت الفصل ببيان قيقة دعوى اية املاأة واملساواة بني َّ‬
‫الفصل اخلامس‪:‬‬
‫بينت فيه عدالة اإلسالو يف نظاو العقوابت من خالل بيان بعض القواعد الائيسة يف نظاو‬
‫العقوابت حنو كل إنسان بارء ىت تثبت إدانته وما يتفا منها من قاعدة درء احلدود ابلشبهات‬
‫وكون اخلطأ يف العفو خري من اخلطأ يف العقوبة وقاعدة ة جامية وة عقوبة بال نص يف جاائم‬
‫احلدود والقصاص والتعاايا ‪ ،‬مث بينت خصائص العقوبة يف َّ‬
‫اإلسالميَّة من يث أن‬
‫الش ّا َيعة ْ‬
‫العقوابت مقياسها َّ‬
‫الش ْا وإهنا حتفظ مصاحل اجلماعة وإهنا رمحة وإهنا اواجا رادعة وجوابا يف‬
‫َّ‬
‫الش ّا َيعة ابلقانون الوضع‬
‫اآلخاة وكوهنا تتفاوت تبعاً لتفاوت مااتب اجلناايت وعليه فيبطل قيا‬
‫‪ ،‬مث بينت بيعة القوانني احلديثة مع العقوابت اجلسدية مظهااً اجلامية يف الغَ ْان ابلواثئق واارقاو‬
‫مستنتجاً بنتائج قيِّمة ول فشل الغَ ْان يف ملافحة اجلامية‪.‬‬
‫الفصل الساد ‪:‬‬
‫بينت فيه عدالة اإلسالو يف نظ او احللم ‪ ،‬فاحللم ة يلون إة هلل وإن احلاكم يطبق شا‬
‫هللا وإن احمللومني عليهم واجب الطاعة يف لم هللا ‪ ،‬فال اعة ملخلوق يف معصية اخلالق‪ ،‬وبينت‬
‫لألمة يف اخلالف ‪ ،‬فال شاعية للحاكم إة بشورى شاعية وابختيار من قبل اامة‬
‫ق املشاورة ِّ‬
‫الاأْر فيما ياى فيه املصلحة أو إاالة املفسدة انطالقاً من قاعدة ااما‬
‫ولألفااد ق إبداء َ‬
‫الاأْر عند الغَ ْان راف اً فلاة املعارضة للمعارضة‬
‫ابملعاوف والنه عن املنلا مقارانً ذلك حباية َ‬
‫وختمت الفصل ببيان مفهوو أنه ة إكااه يف الدين لغري املسلمني وكونه يتعارض مع مبدأ احلاايت‬
‫َساسيَّة املنبثقة من القاعدة الللية للل منها‪.‬‬
‫يف الغَ ْان نتيجة ةختالف املنطلقات اا َ‬
‫شكر وعرفان‬
‫وقبل أن أختم املقدمة‪ ،‬يق عل ِّ الواجب أن أتقدو جبزيل الشلا ومجيل العافان إىل‬
‫ف يلة ااستاذ الدكتور انيف معاوف الذر قبل مشلوراً اإلشااف على الاسالة وما بذله من‬
‫توجيهات سنة ومال ظات قيِّمة لل ُجينِّب الاسالة بعض املآخذ والعيون ممِّا يدل على رغبة‬
‫صادقة يف جعلها أبعد عن النقد‪ ،‬وأكثا إشااقاً وأعظم فائدة‪ ...‬فله الشلا الوافا والثناء العا ا‪.‬‬
‫َك َما أتوجه ابلشلا اجلزيل إّ َىل أساتذا اافاضل الَّ ّذيْ َن تف لوا بقبول مناقشة َه ّذ ّه الاسالة وتقوميها‬
‫‪ ،‬وشافو ابلنظا ّف ْي َها ‪ ،‬وأخص منهم ف يلة اةستاذ الدكتور الشيخ كامل موسى وف يلة‬
‫ااستاذ الدكتور عل د اوج فجزاهم هللا عين خري اجلزاء ‪.‬‬
‫ٍّ‬
‫أر ٍّ‬
‫ٍّ‬
‫مصدر أو‬
‫بدةلة على‬
‫عون خالل اللتابة‬
‫إيل َّ‬
‫وأتقدو ابلشلا ‪ ،‬للل من أسدى ِّ‬
‫إبعارةٍّ للتان‪ ،‬أو بزايرةٍّ مللتبة أو بللمة يِّبة‪.‬‬
‫ويف اخلتاو أرجو أن يااق هذا العمل ابلقبول عند هللا‪ ،‬وأن أكون خالصاً لوجهه اللامي‬
‫عما قد يلون فيه من نقص أو فهم أن فيه انتقاص‪ ،‬فلست‬
‫وأن ينتفع به املسلمون‪ ،‬معتذراً ِّ‬
‫بناقص ا ٍّد ف الً وة ٍّ‬
‫ٍّ‬
‫ال بع هم وهلل درهم‪:‬‬
‫عائب له قوةً فأكون كما قَ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫وص ومف ول‬
‫أهل الف ّل ب ان لن ا‬
‫أَنِّ ك منق ٌ‬
‫بنقصك َ‬
‫درهم‪:‬‬
‫ال بع هم وهلل‬
‫صل فأكون كما قَ َ‬
‫كما ة أدع لنفس إ ااا الف ل واةستبداد ابخلَ ْ‬
‫ويس ء ابإل ّ‬
‫سان ظنِّاً ة َك َم ْن‬
‫ُ ُ‬
‫ُه و اببن ّه وبّ ّش ْع ّاّه َم ْفتُ ون‬
‫(‪)2‬‬
‫وة أسلِّّم نفس عن ٍّ‬
‫وخطَل فهو عمل مسته عدو‬
‫وهم َ‬
‫خطإ والل وة أعصم قول عن َ‬
‫اللمال متمثالً فيه قول القائل‪:‬‬
‫اء الا ّ‬
‫مؤمِّالً جب َا ما ةقيتهُ من َع َا ّج‬
‫عاج‬
‫كب ذا ٍّ‬
‫لقد م ُ‬
‫يت ور َ‬
‫لان الورى يف النا ّ من فَ َا ّج‬
‫فإن حلقت جم من بعدما سبق وا‬
‫فلم ِّّ‬
‫ضللت بقف ّا اا ّ‬
‫فما على أعاج يف النا ّ من َ َا ّج‬
‫وإن‬
‫رض منقطعاً‬
‫ُ‬
‫فلل بين آدو خطِّاء‪ ،‬والفاضل من تُ ُّ‬
‫وحتصى غلطاته والسامل من ذلك كتان هللا اجمليد‬
‫عد سقطاته ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫اط ُل ِم ْن بَي ِْن يَدَ ْي ِه َو َال ِم ْن َخ ْل ِف ِه ت َ ْن ِزي ٌل ِم ْن َح ِكيم َح ِميد ‪‬‬
‫الذر ‪َ  :‬ال يَأ ْ ِتي ِه ْالبَ ِ‬
‫( ‪ )1‬ابن محزة ‪ ،‬اإلماو ُيىي‪ :‬الطااا املت من اساار البالغة وعلوو قائق اإلعجاا ‪.)4/1( ،‬‬
‫( ‪ )2‬ابن محزة‪ ،‬الطااا ‪.)5/1( ،‬‬
‫فصلت‪.42/‬‬
‫( ‪ِّ )3‬‬
‫وأان أسأل هللا تعاىل جبوده الذر هو غاية مطلب الطُّالِّن وكامه الواسع الذر ة ُيول‬
‫دونه ٍّ‬
‫سرت وة جان أن جيعله يف إصالل الدين ورجحاان يف ميزا عند ّخ َّفة املوااين إنه خري‬
‫مأمول وأكاو مسؤول‪...‬‬
‫كتب ه‪:‬‬
‫حممد أمحد عبد الغين‬
‫لبن ان – اابلس‬
‫هنا البارد‬
‫فصــل تمهيدي‬
‫تحديد مصطلحات البحث‬
‫ويشتمل الفصل التمهيدي على ثالثة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬أهمية تحديد األلفاظ ال َّ‬
‫شرْ عية والمصطلحات اإلسْالميَّة‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬المرجع في بيان معاني األلفاظ ال َّ‬
‫شرْ عية‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬تحديد مصطلحات البحث ‪:‬‬
‫‪ -1‬ال ِف ْكر‬
‫‪ -2‬المفهوم‬
‫‪ -3‬الغرائز‬
‫‪ -4‬الحاجات العُ ْ‬
‫ضويَّة‬
‫‪ -5‬الشخصية‬
‫‪ -6‬الثَّقافَة‬
‫‪ -7‬ال َح َ‬
‫ارة وال َمدَنيَّة‬
‫ض َ‬
‫‪ -8‬المجتمع‬
‫‪ -9‬النظام‬
‫‪ -10‬التوفيق‬
‫المبحث األول‬
‫أهميـة تحديد األلفـاظ ال َّ‬
‫ش ْرعيـة والمصطلحـات‬
‫اإل ْسالميَّة‬
‫إن فهم مصطلحات البحث هو مفتال فهم ماام البا ث ومقاصده‪َّ ،‬‬
‫ان تلك‬
‫ِّ‬
‫املصطلحات – يف الغالب – ألفاظ جامعة ينبين عليها كثري من مسائل البحث وموضوعاته‪.‬‬
‫كما َّ‬
‫أن العلم حبقائق ااشياء‪ ،‬والوع مبفاهيمها يُعد مدخالً أساسياً لت يق دائاة اخلالف‪ ،‬أو‬
‫إاالته‪ ،‬إذ ما تلاد أن جتد خالفاً يف لم إة ومن ورائه اختالف أو سوء فهم أو جهل حبقيقة‬
‫إن كثرياً من نزا النا سببه ألفاظ‬
‫ااما املختلف فيه‪ .‬يقول شيخ اإلسالو ابن تَ ْي ّميَّة(‪ِّ » : )1‬‬
‫الا ُجل ين يتخاصمان‪ ،‬ويتعاداين على إ الق ألفاظ ونفيها‪ ،‬ولو‬
‫جمملة ومعان مشتبهة‪ ،‬ىت جتد َّ‬
‫ُسئل كل منهما عن معىن ما قَالَه مل يتصوره‪ ،‬ف الً عن أن يعاف دليله « (‪.)2‬‬
‫فأ لاو النا على اافلار أو على ااشخاص عائدة إىل التصور‪ ،‬ويف املأثور من أق وال أسالفنا‬
‫« احللم على الش ء فا من تصوره‬
‫«‪.‬‬
‫وااصل يف االفاظ أهنا لغوية املنشأ‪ ،‬قد وضعت يف ااسا لتدل على ٍّ‬
‫معان كان يتخا ب جا‬
‫العان قبل اإلسالو‪ ،‬غري أنه بعد تدوين العلوو‪ ،‬وظهور املبادئ واملذاهب الفلسفية فق َد اللثري‬
‫من تلك االفاظ مدلوةهتا اللغوية لتلتسب مدلوةت اصطال ية لتلك العلوو واملبادئ أو‬
‫مدلوةت شاعية‪ ،‬ومنها مصطلحات خاصة ُختريت لتدل على ٍّ‬
‫ختريهتا‬
‫معان تنفاد جا اجلهة ال َّ‬
‫والاأْ ُمساليَّة‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫كاة ْشّرتاكّيَّة َّ‬
‫(‪ )1‬هو أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالو بن تيميِّة‪ ،‬احلاا ‪ ،‬الدمشق ‪ .‬شيخ اإلسالو وحبا العلوو‪.‬ولد يف‬
‫ظن الاائ والسامع أنه ة يعاف غري‬
‫سنة (‪661‬ه ) قَ َ‬
‫فن من الفنون ِّ‬
‫ال عنه ابن الزمللا ‪ " :‬كان إذا ُسئل عن ِّ‬
‫أن أ داً ة يعاف مثله "‪ .‬تصانيفه قيمة منها ‪ " :‬الفتاوى " و " اإلميان " و " منهاج السنة‬
‫ذلك الفن ‪ ،‬و لم ِّ‬
‫ّ‬
‫ياسة َّ‬
‫الش ْاعية يف إصالل الااع والاعيِّة "‪ .‬تويف سنة (‪728‬ه )‪ .‬أنظا تامجته يف ذيل بقات‬
‫الس َ‬
‫النبوية " و " ِّ‬
‫احلنابلة (‪ ،)387/2‬البدر الطالع (‪ ،)63/1‬املنهل الصايف (‪ ،)336/1‬بقات املفساين للداودر (‪.)45/1‬‬
‫(‪ )2‬ابن تَ ْي ّميَّة‪ ،‬أمحد بن عبد احلليم ‪ :‬جممو الفتاوى ( ‪.)114/12‬‬
‫وكم ا للمب ادئ واملذاه ب مصطلحات ها فلإلس الو مصطلحات ه‪ ،‬غري أن مثةَ فارقاً مهماً بني‬
‫هذه وتلك‪.‬‬
‫فاللفظة ني تلون منتمية إىل اإلسالو فإهنا تلتسب املعىن َّ‬
‫الش ْاع الذر جيب اةلتزاو به‬
‫أر تداخل بني االفاظ ذات املصطلحات‬
‫اعتقاداً وعمالً‪ ،‬ويرتتب على هذا اةنتماء ظا ِّ‬
‫اإلسالميَّة من جهة وكل املصطلحات غري اإلسالميَّة من ٍّ‬
‫جهة أخاى‪ ،‬ويرتتب على هذه‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫اةستقاللية لإلسالو ظا استعمال كل مصطلح له انتماء إىل عقيدة غري اإلسالو‪ .‬بل املفرتض أن‬
‫أن هذا ااما غري‬
‫يلون منع التداخل يف املفاهيم واملصطلحات عاماً للل مذهب أو عقيدة‪ ،‬غري ِّ‬
‫معمول به واقعياً اليوو فال يفتأ أصحان املذاهب يف التفنن يف إجااء التعديالت على مذهبهم‬
‫دون أن ياوا اجاً يف أن يقتبسوا من آخاين‪.‬‬
‫أن عامة املذاهب وأمناط الفلسفة ه وضعية‬
‫وياجع هذا اةقتبا والسمال ابةادواجية ِّ‬
‫واب لتايل فه فاقدة للقداسة و املا أهنا اجتهادات لبشا فال بد وأن تتفاوت العقول يف فهم الواقع‬
‫وتقديا اامور‪.‬‬
‫لذلك اهتم العلماء املسلمون ابالفاظ َّ‬
‫الش ْاعية اهتماماً جعلهم ُياصون على حتديد‬
‫مفاهيمها امور أمهها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ة تلون هذه االفاظ واملصطلحات نسبية غري حمارة يستخدمها كل فايق كما ُيلو له‪،‬‬
‫بناء على ما تدفعهم إليه ااهواء‪ ،‬وما متليه عليهم العقائد واملذاهب واملبادئ الفاسدة(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬أن ة حتمل االفاظ َّ‬
‫الش ْاعية على اةصطالل احلادث لقوو أو فئة‪ ،‬فلثري من النا ينشأ‬
‫ُّصوص َّ‬
‫الش ْاعية‪ ،‬أو يف كالو‬
‫على اصطالل قومه وعادهتم يف االفاظ‪ ،‬مث جيد تلك االفاظ يف الن ُ‬
‫أهل العلم‪ ،‬فيظن أن ماادهم جا نظري مااد قومه‪ ،‬ويلون مااد َّ‬
‫الشا ّر خالف ذلك(‪ .)2‬وهذا‬
‫( ‪ )1‬ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة‪ ،‬حممد بن أيب بلا ‪ :‬الصواعق املاسلة‪)955-925/3 ( ،‬‬
‫( ‪ )2‬ابن تَ ْي ّميَّة ‪ :‬جممو الفتاوى‪ .)243/1( ،‬وأنظ ا بع ض تل ك اة القات والتسميات عند ابن قَيِّّم اجلَْوّايَّة‬
‫يف الصواعق املاسل ة (‪.)955-925/1‬‬
‫ااما ات ح يف العصا احلديث وضول الشمس يف رابعة النهار ملا لإلعالو من أثا يف تغيري‬
‫املصطلحات بلثاة استعماهلا مااداً جا ٍّ‬
‫معان غري املعا ال كانت هلا أصالً‪.‬‬
‫وجذا تصبح االفاظ واملصطلحات أدوات يف الصاا ّ‬
‫الف ْلار‪ ،‬إذ يهتم أعداء أر فلاة أو‬
‫مبدأ يف صااعهم مع اافلار ااخاى ابالفاظ واملصطلحات العلمية من خالل حتايفها وتغييب‬
‫القول احلق فيها‪.‬‬
‫ويقوو عملهم هذا على حمورين أساسني ‪:‬‬
‫ااول ‪ :‬جلب االفاظ واملصطلحات الفاسدة لتنفري النا جباسها اللفظ – انهيك عن معناها‬
‫– من ّ‬
‫الف ْلاة أو املذهب الذر يعادونه‪ ،‬أو مما يت منه من احلق‪ .‬وممن ورن جذا رسل هللا‬
‫عليهم الصالة والسالو » فأشد ما اول أعداء الاسول حممد ‪ ‬من التنفري عنه سوء التعبري كما‬
‫جاء به‪ ،‬وضان اامثال القبيحة له‪ ،‬والتعبري عن تلك املعا أبلفاظ منلاة ألقوه ا ف مسام ع‬
‫املغرتي ن املخدوعني‪ ،‬فوصل ت إىل قلوب هم فنفات منه‪ ،‬وهذا شأن كل مبطل «(‪.)1‬‬
‫ومن اامثلة على استخداو املصطلحات كأداة للصاا ّ‬
‫الف ْلار واملذهيب ما ظها واضحاً‬
‫يف اتريخ مذ اهب اإلسالميني‪ ،‬يث مس أهل السنة واجلماعة مبجموعة من التسميات‬
‫واملصطلحات املُ ِّّنفاة من هذا املذهب وأهله‪ :‬فاملع ّطِّلة(‪ )2‬أمسوهم املشبِّّ َهة(‪ ،)3‬واملشبِّّ َهة أمسوهم‬
‫املع ّطِّلة‪ ،‬وهم بني ذلك على صااط مستقيم مل تتقاذفهم ااهواء(‪.)4‬‬
‫( ‪ )1‬ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة ‪ :‬الصواعق املاسلة‪.)944/3( ،‬‬
‫( ‪ ) 2‬التعطيل ‪ :‬هو نف الصفات اإلهلية عن هللا وإنلار قيامها بذاته أو إنلار بع ها‪ ،‬واملعطلة اسم للطوائف‬
‫ال تنف الصفات كاجلهمية‪ .‬أنظا ‪ :‬السلمان‪ ،‬عبد العزيز حممد ‪ :‬اللواشف اجللية عن معا الواسطية‪ ،‬ص‬
‫(‪.)87‬‬
‫( ‪ )3‬املشبهة ‪ :‬اسم لطوائف وفاق متعددة‪ ،‬وهم الذين شبهوا هللا خبلقه وهم صنفان ‪ :‬صنف شبهوا ذات‬
‫البارر بذات غريه‪ ،‬وصنف شبهوا صفاته بصفات غريه‪ .‬أنظا ‪ :‬البغدادر‪ ،‬عبد القاها بن اها البغدادر ‪:‬‬
‫أصول الدين‪ ،‬ص(‪َّ )214‬‬
‫والش ْه َا ْستا ِّ ‪ :‬امللل والنحل‪.)108-103/1( ،‬‬
‫( ‪ )4‬أنظا ‪ :‬ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة ‪ :‬الصواعق املاسلة‪.)955-925/3( ،‬‬
‫ومن أمثلة ذلك يف الصاا ّ‬
‫الف ْلار يف احلياة املعاصاة‪ ،‬ما نُعت به اإلسالو من‬
‫مصطلحات ُم ِّّنفاة من َّ‬
‫اإلسالميَّة‪ ،‬كااصولية(‪ )1‬واإلرهان(‪.)2‬‬
‫الش ّا َيعة ْ‬
‫( ‪ )1‬ظها مصطلح ااصولية ‪ Fundamentalism‬أول ما ظها يف أورواب يف أواخا القان التاسع عشا‬
‫امليالدر‪ ،‬وذلك للدةلة على موقف اللنيسة من العلوو والفلسفة احلديثة‪ ،‬وعلى اةلتزاو التاو مبعتقدات‬
‫النصارى‪ .‬وتعترب اكة الربوتستانت أسا‬
‫ااصولية‪ ،‬فه تقوو على عقائد نصاانية تعارض التقدو العلم‬
‫الناجم عن املبدأ الاأمسايل الذر يقوو على عقيدة فصل الدين عن احلياة‪ ،‬ومع أن هذه احلاكة قد تالشت مع‬
‫احلان العاملية الثانية إة أنه استقا يف أذهان ااوروبيني أن ااصولية عدوة التقدو والعلم‪ ،‬وه ختلف عقل ة‬
‫يليق بعصا النه ة‪ ،‬وجيب أن ُحتارن ىت تزول مجيع آاثرها من اجملتمع واحلياة‪.‬‬
‫فااصولية نشأت يف أورواب على أثا التقدو العلم والصناع كاد فعل لعدو قدرة النصاانية على التجاون مع‬
‫اإلسالميَّة من قبل السياسيني واملَُف ِّّلاين‬
‫أنظمة احلياة اجلديدة‪ .‬وإ الق هذا الوصف اليوو على كثري من احلاكات ْ‬
‫الغَ ْابيِّني‪ ،‬الغاية منه حماربة ومقاومة هذه احلاكات‪ ،‬ومن خالل رأر عامل مو د‪ ،‬ابعتبارها تعين التخلف‬
‫والاجعية‪ ،‬وتعين معارضة كل تقدو علم أو صناع ‪ .‬وجذا يت ح أن ااصولية مبعناها اةصطال بعيدة كل‬
‫اإلسالميَّة ‪.‬‬
‫البعد عن املفاهيم ْ‬
‫أنظ ا ‪ - :‬اللوُيق‪ ،‬عبد الامحن بن معال ‪ :‬الغلو يف الدين يف ياة املسلمني املعاصاين‪ ،‬ص (‪.)171-170‬‬
‫‪.)43‬‬
‫‪ -‬مفاهيم خطاة ل ان اإلسالو وتاكيز احلَ َ َارة الغَ ْابيِّة‪ ،‬منشورات زن التحايا‪ ،‬ص( ‪-42-41‬‬
‫ال تعاىل ‪  :‬تُاّهبو َن بّ ّه ع ُد َّو َّّ‬
‫اَّلل‬
‫فز ‪ .‬قَ َ‬
‫َ‬
‫( ‪ )2‬اإلرهان لغة ‪ :‬مصدر مشتق من الفعل أرهب‪ ،‬مبعىن أخاف أو ِّ‬
‫ْ ُ‬
‫َو َع ُد َّوُك ْم‪[ ‬اانفال‪ ]60-‬أر ختيفون به العدو ‪ .‬إة أن هذا املعىن متِّ صافه إىل معىن اصطال جديد‪ ،‬فقد‬
‫أن اإلرهان‬
‫اتفقت كل من اةستخبارات اامايلية والربيطانية يف ندوة عقدت هلذا الغاض عاو ‪1979‬و على ِّ‬
‫هو ‪ » :‬استعمال العنف ضد مصاحل مدنية لتحقيق أهداف سياسية «‪ .‬إة أن هذا التعايف ة يتسم ابلدقة‬
‫خل وعه لالجتاهات ّ ّ‬
‫مهدت للقوانني والتشايعات املتعلقة ابإلرهان‪ .‬فعلى سبيل املثال ‪:‬‬
‫السيَاسيَّة للدول ال ِّ‬
‫ِّ‬
‫تعترب أمايلا مقتل أندياا غاندر عمالً إرهابياً‪ ،‬وأما اغتيال امللك فيصل فليس إرهابياً‪ .‬كما تعترب اكة ثوار‬
‫نيلارغوا‪ ،‬وجيش التحايا اإلرلندر‪ ،‬اكات مقاومة شعبية‪ .‬بينما تعترب اكة اجلهاد اإلسالم ‪ ،‬وكتائب‬
‫ااقصى‪ ،‬و اكة محا يف فلسطني‪ ،‬منظمات إرهابية‪ .‬وابلتايل فلل فاد أو دولة أو اكة تعارض أمايلا فه‬
‫إرهابية‪.‬‬
‫أنظا ‪ - :‬اللوُيق‪ ،‬عبد الامحن بن معال ‪ :‬الغلو يف الدين يف ياة املسلمني املعاصاين‪ ،‬ص (‪)135‬‬
‫الثان ‪ :‬أهنم أخذوا بعض االفاظ السليمة الصاحلة‪ ،‬وجعلوها أعالماً على ما ينفا منه أصحان‬
‫ّ‬
‫الف ْلاة املعادية ليسهل دخول أفلارهم وعقائدهم دون صول النفاة واللااهية‪ .‬ومن أمثلة ذلك‬
‫يف اخلالف ّ‬
‫الف ْلار بني مذاهب اإلسالميني أن التو يد » الذر قيقته إثبات صفات اللمال هلل‬
‫وتن زيهه عن أضدادها وعبادته و ده ة شايك له اصطلح أهل البا ل على وضعه للتعطيل‬
‫احملض‪ ،‬مث دعوا النا إىل التو يد فخدعوا به من مل يعاف معناه يف اصطال هم«(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫العلْمانية ال من مظاهاها‬
‫ومن أمثلة ذلك يف الصاا الف ْلار يف احلياة املعاصاة أن َ‬
‫فصل الدين عن احلياة‪ ،‬ألبست لبو العلم فنسبت إليه ليسهل دخوهلا بالد املسلمني‪ .‬وأن‬
‫اةنفتال الذر قيقته كسا للطوق‪ ،‬وفتح فجوات يف أسوار أ لاو اإلسالو‪ ،‬قد أضحى أمالً‬
‫ياجتى‪ ،‬وصدى ساراً عند من يايد أن يتحار من قيود َّ‬
‫الش ْا ويطلق العنان لغاائزه تتخبط يف احلياة‬
‫خبط عشواء‪.‬‬
‫ومما ينبغ أن نلفت إليه ‪ :‬ما يبدو من نزو من بعض الشبان هلذه االفاظ‪ .‬ومن ُيقق‬
‫ار على‬
‫يف ااسبان احلوافز لذلك جيدها تتمثل يف اخندا اللثريين جا‪ ،‬ملا حتمل من مدلول ِّ‬
‫النفس‪.‬‬
‫كل فاد أن‬
‫فاةنفتال يستعمل كنقيض ل " اةنغالق " املمقوت والذر يتهيب ويتحاشى ِّ‬
‫يُوصف به‪.‬‬
‫ولذلك فإنه يقبل اةنفتال يف مقابل اةنغالق‪ ،‬ويقبل ِّّ‬
‫احلايَّة يف مقابل العبودية‪ ،‬ويقبل‬
‫اةعتدال يف مقابل التطاف واإلرهان‪ ،‬ويقبل املساواة يف مقابل التمييز والتباين‪.‬‬
‫وإن أول ما ينبغ معافته‪ ،‬ضاورة إقصاء املفهوو اللغور هلذه االفاظ واملفاهيم‪ ،‬مث‬
‫ِّ‬
‫يلتمس بعد ذلك ما ميلن استخالصه من ٍّ‬
‫معان مستحدثة تقصد من وراء إدخال هذه االفاظ يف‬
‫ُ‬
‫قامو التفاهم‪.‬‬
‫ مفاهيم خطاة ل ان اإلسالو‪ ،‬منشورات زن التحايا‪ ،‬ص(‪.)11-10-9‬‬‫( ‪ )1‬ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة ‪ :‬الصواعق املاسلة‪.)929/3( ،‬‬
‫وال ابط ااسا هلذه املعا يتحدد يف أهنا تقار لوانً من ّ‬
‫الف ْلا هو "فلسف اةنتماء" يُؤثِّّا‬
‫يف مفاهيم اإلنسان وسلوكه‪ .‬وجذا ختاج هذه االفاظ عن إ ار مدلوهلا اللغور الوضع إىل معىن‬
‫مستحدث يناقض مفاهيم اإلسالو‪.‬‬
‫فإان ناى من ميار وسائل اخلدا واملغالطات يف سبيل إضفاء َّ‬
‫الش ْاعية على هذا‬
‫ولألسف ِّ‬
‫اإلسالميَّة‪ ،‬فيلتمس هؤةء ما يدعونه أدلة من أصول الفقه من أمثال‬
‫النمط من املفاهيم غري ْ‬
‫القواعد املعاوفة ك " ال اورات تبيح احملظورات"‪ ،‬و" املصاحل املاسلة " وغريها‪.‬‬
‫اإلسالميَّة هلا ضوابطها‪،‬‬
‫ويلف دفعاً هلذا اجلنول واحليدة عن ضوابط العلم أن ااصول ْ‬
‫ٌ‬
‫وحمال لتطبيقها‪ ،‬وهذه املفاهيم هلا صفتها اةستقاللية ‪ ،‬وجماةت خاصة وحمددة للعمل جا‪ ،‬وحتمل‬
‫معىن فلسفياً يتناقض مع اإلسالو‪.‬‬
‫انهيك عما يشهد له التاريخ من عالقة بني واقع اامة وبني اهتمامها ابالفاظ َّ‬
‫الش ْاعية‪،‬‬
‫اإلسالميَّة عزيزة‪ ،‬قوية‪ ،‬مهابة اجلانب‪ ،‬كانت‬
‫اإلسالميَّة‪ .‬فحيثما كانت اامة ْ‬
‫واملصطلحات العلمية ْ‬
‫االفاظ َّ‬
‫الش ْاعية ه السائدة‪ ،‬وإليها املاد عند اةختالف‪ .‬و يثما كانت اامة واقعة حتت سلطان‬
‫أعدائها‪ ،‬مقهورة مغلوبة‪ ،‬جتد االفاظ َّ‬
‫الش ْاعية مهجورة منبوذة‪ ،‬ومصطلحات ااعداء تتلقف‪،‬‬
‫ويتهافت عليها أبناء اامة‪ ،‬ويعدون التلفظ جا‪ ،‬وااخذ مبا تعنيه‪ ،‬عني التقدو والتح ا(‪.)1‬‬
‫ولو نظات يف التاريخ اإلسالم ‪ ،‬لوجدت االفاظ َّ‬
‫الغابة يث كانت‬
‫الش ْاعية تصيبها ْ‬
‫غابة الدين‪ .‬وة تلاد‪ ،‬جتد‪ ،‬على ما العصور‪ ،‬مثل غابة احلقائق واالفاظ َّ‬
‫الش ْاعية يف هذا العصا‪.‬‬
‫فما ارتفع لفظ اة ْشّرتاكّيَّة إة يف فرتة ضعف ّ‬
‫الف ْلا اإلسالم يف بلدان إسالمية تتبىن‬
‫اة ْشّرتاكّيَّة مذهباً‪ ،‬أو تتسمى به شلالً‪ .‬بل هان على اللثري دينهم‪ ،‬فمارسوا وسائل اخلدا‬
‫الشاعية على هذا النمط الدخيل على ّ‬
‫الف ْلا اإلسالم ‪.‬‬
‫واملغالطات يف سبيل إضفاء َّ ْ‬
‫( ‪ )1‬أبو ايد‪ ،‬بلا بن عبد هللا ‪ :‬املواضعة يف اإلصالل على خالف َّ‬
‫الش ّا َيعة وأفصح اللغة‪ ،‬دراسة ونقد‪،‬‬
‫ص(‪.)90-73‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫المرجـــع فــي بيـــان معانــــي األلفـــاظ‬
‫ال َّ‬
‫ش ْرعيـــة‬
‫َّ‬
‫إن مصدر الفقه مبعىن قول َّ‬
‫الشا ّر ياجع إىل أماين ‪:‬‬
‫ااول ‪ :‬اللغة العابية ال خو بنا ب ها‪.‬‬
‫الثا ‪ :‬مقصود َّ‬
‫الشا ّر من االف اظ‪.‬‬
‫» فمعافة العابية ال خو بنا جا‪ ،‬مما يعني على أن نفقه مااد هللا ورسوله بلالمه‪ .‬وكذلك معافة‬
‫دةلة االفاظ على املعا ‪ ،‬فإن عامة ضالل أهل البد ‪ ،‬كان جذا السبب‪ ،‬فإهنم صاروا ُيملون‬
‫كالو هللا ورسوله على ما يَ َّدعون أنه دال عليه وة يلون ااما كذلك «(‪.)1‬‬
‫وفهم مااد َّ‬
‫ُّصوص والنظا‬
‫الشا ّر ابالفاظ إمنا يلون مبعافة عادته يف اخلطان جبمع الن ُ‬
‫ال شيخ اإلسالو ابن تَ ْي ّميَّة‪ » :‬ينبغ أن يقصد إذا ذكا لفظ من القاآن أو احلديث‪ ،‬أن‬
‫فيها‪ .‬قَ َ‬
‫يذكا نظائا ذلك اللفظ‪ ،‬ماذا عىن جا هللا ورسوله فيعاف بذلك لغة القاآن واحلديث«(‪.)2‬‬
‫وهذه قاعدة مطادة ىت يف معافة معا كالو البشا إذ ة يعاف املعىن من اللفظ ابتداءً‬
‫ال اإلماو ابن أيب العز احلنف (‪ »: )3‬دةلة اللفظ على املعىن‬
‫وللن يعاف منه ومن قاائن أخاى‪ .‬قَ َ‬
‫ه بواسطة دةلته على ما عناه املتللم وأراده وإرادته وعنايته يف قلبه‪ ،‬فال يعاف ابللفظ ابتداء‪،‬‬
‫وللن يعاف املعىن بغري اللفظ ىت يُعلم أوةً أن هذا املعىن املااد هو الذر يااد بذلك اللفظ‬
‫ويعىن به «(‪.)4‬‬
‫واملخا ب ة يفهم معىن اللفظ ىت يعاف عني املقصود وة يعاف عني املقصود يف كالو‬
‫َّ‬
‫ال ابن أيب العز ‪ »:‬واعلم أن املخا ب ة يفهم املعا املعرب عنها‬
‫الشا ّر إة جبمع النصوص‪ ،‬قَ َ‬
‫ابللفظ إة أن يعاف عينها أو ما يناسب عينها ويلون بينها قدر مشرتك ومشاجة يف أصل املعىن‬
‫وإة فال ميلن تفهيم املخا بني بدون هذا قط«(‪.)5‬‬
‫( ‪ )1‬ابن تَ ْي ّميَّة ‪ :‬جممو الفتاوى‪.)116/7( ،‬‬
‫( ‪ )2‬ابن تَ ْي ّميَّة ‪ :‬جممو الفتاوى‪.)115/7( ،‬‬
‫( ‪ )3‬هو اإلماو عل بن عل بن أيب العز احلنف الدمشق ‪ :‬فقيه كان رأ الق اء بدمشق مث الداير املصاية‪،‬‬
‫له عدة مؤلفات منها ‪" :‬شال العقيدة الطحاوية"‪ ،‬و "التنبيه على مشلالت اهلداية" و "اةتبا " ‪ .‬تويف عاو‬
‫(‪792‬ه ‪ ).‬ودفن بسفح قاسيون يف دمشق‪ .‬أنظا ‪ِّّ :‬‬
‫الزّرْكل ِّ ‪ ،‬خري الدين ‪ :‬ااعالو‪ ،‬قامو تااج م اشها‬
‫الاجال والنساء ‪.)313/4( ،‬‬
‫( ‪ )4‬ابن أيب العز ‪ ،‬عل بن عل ‪ :‬شال العقيدة الطحاوية‪.)65/1( ،‬‬
‫( ‪ )5‬ابن أيب العز ‪ :‬شال العقيدة الطحاوية‪.)64/1( ،‬‬
‫فالصالة مل نعاف أهنا ااقوال واافعال املخصوصة املبتدأة ابلتلبري واملختتمة ابلتسليم‪ ،‬من‬
‫ُّصوص الواردة يف الصالة وصفتها‬
‫منطوق ااما ابلصالة‪ ،‬وإمنا عافنا ذلك ااما من جممو الن ُ‬
‫َّ‬
‫الش ْاعية‪.‬‬
‫وهذا البحث عن املعا اللغوية‪ ،‬واملقاصد املعنوية إمنا أ تيج إليه بعد عهود الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم الذين كان هلم من صفاء ااذهان واثقب اافهاو – ف الً عن معايشتهم‬
‫الش ْا وعلمهم بلغته – ما يساعدهم على العلم مبعا قول َّ‬
‫لصا ب َّ‬
‫الشا ّر دون تللف‪ ،‬فقد‬
‫كان يلفيهم ينما يسمعون لفظ الصالة أن يفهموا املااد اهنم رأوا عني املقصود من املتللم ذاته‬
‫عليه الصالة والسالو‪ ،‬ورؤية عني املقصود أبلغ درجات فهم املعىن‪.‬‬
‫يب » كالو تطبيق نفيس يؤكد ما أسلفت من‬
‫وللعالِّمة ابن فار (‪ )1‬يف كتابه ‪َّ « :‬‬
‫الصا ِّ‬
‫الش ْاعية على معناها اللغور واستعمال َّ‬
‫أن قياو فهم االفاظ واحلقائق َّ‬
‫الشا ّر هلا على املعىن الذر‬
‫ال‪ » :‬إن مما جاء به اإلسالو ذكا املؤمن واملسلم واللافا واملنافق‪ ،‬وأن العان إمنا‬
‫يقصده‪ .‬ف َق َ‬
‫عافت املؤمن من اامان‪ ،‬واإلميان وهو التصديق مث اادت َّ‬
‫الش ّا َيعة شاائط‪ ،‬وأوصافاً جا مس‬
‫املؤمن ابإل الق مؤمناً «(‪.)2‬‬
‫الشا ّر عند اةختالف يف املعىن َّ‬
‫ومما يؤكد أمهيِّة الاجو إىل قصد َّ‬
‫الش ْاع ما يل ‪:‬‬
‫رد ااما إىل هللا ورسوله ‪ ‬كما‬
‫‪ -1‬إن من املتفق عليه عند اةختالف سواء يف اا لاو أو املعا ِّ‬
‫ق ى هللا تعاىل ذلك يف قوله ‪  :‬فَ ِإ ْن تَنَ َ‬
‫از ْعت ُ ْم فِي ش َْيء فَ ُردُّوهُ إِلَى َّ‬
‫اَّللِ َوالرَّ سُو ِل إِ ْن ُك ْنت ُ ْم‬
‫ت ُ ْؤ ِمنُونَ ِب َّ‬
‫س ُن تَأ ْ ِو ًيال‪.)3(‬‬
‫اَّللِ َو ْاليَوْ ِم ْاْل ِخ ِر ذَ ِلكَ َخي ٌْر َوأ َ ْح َ‬
‫( ‪ ) 1‬هو أمحد بن فار بن اكااي‪ ،‬أبو احلسني‪ ،‬اإلماو اللغور املفسا‪ ،‬أشها مصنفاته ‪ " :‬جامع التأويل يف‬
‫َّيب صلى هللا عليه وسلم " و " اجململ " يف اللغة و " مقاييس اللغة " و " لية‬
‫تفسري القاآن " و "سرية النّ ِّ‬
‫الفقهاء " ‪ .‬تويف (‪325‬ه ) وقيل غري ذلك‪ .‬أنظا تامجته ‪ :‬إنباه الاواه (‪ )92/1‬بغية الوعاة (‪َ )352/1‬ش َذرات‬
‫َّ‬
‫الذ َهب (‪ )132/3‬معجم اادابء (‪ )80/4‬وفيات ااعيان (‪ )100/1‬تاتيب املدارك (‪ )610/4‬وسري أعالو‬
‫النبالء (‪ )103/17‬ااعالو (‪.)193/1‬‬
‫( ‪ )2‬ابن فار ‪ ،‬أبو احلسني أمحد ‪ :‬الصا يب ‪ ،‬ص (‪.)79‬‬
‫( ‪ )3‬النساء ‪.59 /‬‬
‫وهذا ما دأن عليه علماء السلف من احلاص على حتايا موضع الن زا يف كثري من‬
‫املصطلحات كاإلميان(‪ )1‬و اللفا(‪ )2‬و الشاك(‪ )3‬و النفاق(‪ )4‬فعلموا أن تلك االفاظ لغوية‬
‫املنشأ يف ااصل إة أهنا اكتسبت مدلوةً شاعياً وأن ورود تلك االفاظ يستعمل يف دةةت‬
‫كتلفة‪ ،‬فاإلميان عند إ القه يااد به اإلقاار ابللسان والتصديق ابجلنان والعمل اباركان ومنه‬
‫ص َال ِت ِه ْم َخا ِشعُونَ ‪)5(‬وقد يطلق اإلميان وة‬
‫قوله تعاىل‪ :‬قَ ْد أ َ ْفلَ َح ْال ُم ْؤ ِمنُونَ ‪‬الَّ ِذينَ ُه ْم ِفي َ‬
‫يااد أصله‪ ،‬كقولنا ليس باجل من ة يغار على أهله‪،‬وليس بعامل من مل يعمل بعمله فالنف هنا‬
‫ني يز وهو‬
‫للمال الاجولة ة اصلها وللمال العلم ة أصله‪ ،‬كقوله ‪ » : ‬ة يز الزا‬
‫مؤمن« (‪ » . )6‬مااده أنه غري مؤمن يف ني ركوبه ِّّ‬
‫الزَان‪ ،‬وقيل غري مستلمل لإلميان أر ليس‬
‫الص ّح ْيحني » أن من مات على‬
‫بلافا كما تقول اخلوارج‪ ،‬انه قد جاء يف رواية أيب ذر يف َ‬
‫(‪)1( )7‬‬
‫التو يد دخل اجلنة وإن اىن وإن ساق«‬
‫( ‪ )1‬اإلميان ‪ :‬هو ما جيمع عند إ القه اإلقاار ابللسان والتصديق ابجلنان والعمل اباركان وإليه أشار ابن قَ يِّّم‬
‫اجلَْوّايَّة‪،‬‬
‫وأشهد عليهم أن إميان الورى قول وفعل مث عق د جن ان‬
‫أنظا ‪ :‬الشايف‪ ،‬أمحد بن إبااهيم بن عيسى ‪ :‬شال قصيدة ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة‪-140-139/2 ( ،‬‬
‫‪.)141‬‬
‫( ‪ ) 2‬ياد اللفا مبعىن اجلحود والتلذيب وهو املت من إنلار الابوبية أو الطعن فيها وقد ياد مبعىن الادة عن‬
‫اإلسالو وقد‬
‫ياد مبعىن املعاص والذنون ‪ .‬أنظا ‪ :‬ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة ‪ ،‬مدارج الساللني (‪.)335/3‬‬
‫الشاك يف تو يد اامساء والصفات والشاك يف تو يد‬
‫الشاك يف الابوبيِّة‪ِّ ،‬‬
‫( ‪ )3‬الشاك ااكرب أقساو ثالثة‪ِّ :‬‬
‫االوهية والعبادة‬
‫والشاك ااصغري وهو املوجب للعقان دون اخللود ابلنار‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬النفاق منه العمل الذر ة يتجاوا‬
‫ومنه اإلعتقادر الذر يستحق اخللود ابلنار‪.‬‬
‫لم ماتلب اللبري ويعرب عنه اباصغا‪ ،‬حنو « إذا دَّث كذن »‬
‫( ‪ )5‬املؤمنون ‪. 1 /‬‬
‫ور ‪.‬‬
‫َّو ِّ‬
‫( ‪ )6‬أخاجه البُ َخا ّر ِّ‬
‫ر (‪ )119/5‬يف فتح البارر ومسلم (‪ )41/2‬من ديث أيب هاياة يف شال الن َ‬
‫ر‬
‫( ‪ )7‬واحلديث » من قَ َ‬
‫ال ة إله إة هللا كلصاً‪ ،‬فهو يف اجلنِّة وإن اىن وإن ساق «‪ .‬أخاجه البُ َخا ّر ِّ‬
‫(‪ ،)110/3‬يف فتح‬
‫ُّصوص لفهم احلقيقة وتصورها تصوراً سليماً ومن مثِّ يلون احللم يف‬
‫فال بد من مااجعة الن ُ‬
‫ضوء ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬إن االفاظ واملصطلحات ال وقع فيها اخلالف وكثا فيها العجاج ةبد فيها من الاجو إىل‬
‫معيار اثبت‪ ،‬إذ لو وكلت الق ية إىل البشا اصبحت نسبية حبسب اختالف أهوائهم‪،‬‬
‫ٍّ‬
‫منقض ‪َ ‬ولَ ِو اتَّبَ َع‬
‫ومشارجم وانتماءاهتم‪ ،‬وإتبا اهلوى يف ةختالف غري متناهٍّ وفساد غري‬
‫س َم َو ُ‬
‫ْال َح ُّ‬
‫ت ال َّ‬
‫يه َّن‪.)2(‬‬
‫سدَ ِ‬
‫ق أ َ ْه َوا َء ُه ْم لَفَ َ‬
‫ات َو ْاألَرْ ضُ َو َم ْن فِ ِ‬
‫وهذا ما وقعت به اخلوارج(‪ )3‬ني َّ‬
‫كفاوا واستحلوا دماء وأموال مسلمني بسبب عدو ضبطهم‬
‫ملفاهيم ومصطلحات كثرية وردت يف نصوص َّ‬
‫الش ْا فأساؤوا فهمها ووصفوا هلا مدلوةت من‬
‫أنفسهم غري ما أراده َّ‬
‫الشا ّر منها‪ ،‬ف لوا وأضلوا‪.‬‬
‫ومما يوضح أن احلقيقة عندما يوكل بياهنا إىل البشا تصبح أمااً نسبياً يتفاوت ويتشلل حبسب‬
‫ااهواء ‪ :‬ما نااه يف كثري من املفاهيم املعاصاة كالعدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة ال حنن بصددها إذ تاى‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫ائفة أهنا من صميم النِّّظَاو اإلسالم بل أحلوا على أن العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة واإلسالو ش ء وا د‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫مع اختالفهم يف املنهج الذر على ضوئه أدخل مفهوو العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة يف ّ‬
‫الف ْلا اإلسالم ‪.‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫بينما تاى ائفة أخاى م ْنع تداول هذا املفهوو يف ّ‬
‫الف ْلا اإلسالم ويعتربون الدعوة إليه‬
‫َ‬
‫والرتويج له يف بالد املسلمني وقوعاً يف الشاك الغَايب وأتثااً ّ‬
‫ابلف ْلا املعادر ملا يلتنف من دةلة‬
‫ْ ِّ‬
‫خاصة تتناقض مع مفاهيم اإلسالو وختالف اا لاو َّ‬
‫الش ْاعية(‪.)4‬‬
‫البارر ومسلم (‪ )93/2‬يف شال النوور‪ ،‬من ديث أيب ذر رض هللا عنه ‪.‬‬
‫( ‪ )1‬ابن منده ‪ ،‬حممد بن إسحاق بن ُيىي ‪ :‬اإلميان ‪. )687-595/2 ( ،‬‬
‫( ‪ )2‬املؤمنون ‪. 71 /‬‬
‫يلفاون ابللبائا‬
‫( ‪ )3‬مس اخلوارج جذا اةسم خلاوجهم على عل بن أيب الب رض هللا عنه‪ ،‬وهم فاق شىت ِّ‬
‫وخياجون‬
‫ويلفاون بعض صحابة رسول هللا يف بعض آرائهم ‪ .‬أنظا ‪َّ :‬‬
‫الش ْه َا ْستا ِّ ‪ :‬امللل والنّحل‬
‫على أئمة اجلور ِّ‬
‫(‪.)139-114/1‬‬
‫(‪ )4‬ابن عابدين‪ ،‬حممد أمني (‪1252‬ه ) اشية رد احملتار على الدر املختار ( اشية ابن عابدين)‪.)502/4( ،‬‬
‫كالاأْ ُمساليَّة ِّّ‬
‫والدميُْقاا ّ يَّة‬
‫وإىل جانب هذا املفهوو هناك اللثري من املفاهيم املعاصاة‪َّ :‬‬
‫ّ‬
‫والعلْمانية(‪ )1‬والقومية والغلو(‪ )2‬والتطاف وااصولية واإلرهان وغري ذلك مما تتفاوت‬
‫واة ْشّرتاكيَّة َ‬
‫ااذهان يف فهمه وتتشلل معانيه حبسب ااهواء‪.‬‬
‫فثبات املعيار الذر ينظا بواسطته‪ ،‬وتفهم احلقائق يف ضوئه أما ة حميد عنه وتاكه يف‬
‫إىل‬
‫فساد عايض وفلا مايض‪.‬‬
‫وجاايً على هذا املنهج – وهو بيان معىن االفاظ َّ‬
‫الش ْاعية – بدراسة املعىن اللغور ودراسة‬
‫استعمال َّ‬
‫العدالَة يف الفصل ااول‪.‬‬
‫الشا ّر سيلون شا نا ملفهوو َ‬
‫والعلْمانيةابللغة اإلنلليزية ‪Secularism‬‬
‫العلْمانيةه مذهب‬
‫عقائدر غايب ااصل واملنشأ‪َ ،‬‬
‫( ‪َ )1‬‬
‫ِّ‬
‫الص ّح ْيحة "الالدينية" أو الدنيوية وإقامة احلياة على غري الدين‪ .‬أنظا ‪ :‬البعلبل ‪ :‬موسوعة املورد‬
‫وتامجتها َ‬
‫(‪ )9،17‬والندوة العاملية للشبان اإلسالم ‪ ،‬املوسوعة امليساة لألداين واملذاهب املعاصاة‪ ،‬ص(‪.)367‬‬
‫ال شيخ اإلسالو ابن تَ ْي ّميَّة ‪ :‬الغلو ‪ :‬جماواة احلد أبن يزاد يف الش ء يف محده أو ذمه على ما يستحق‬
‫( ‪ )2‬قَ َ‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬
‫عاف ه َّ‬
‫الش ا ّّيب‪ .‬وه ذا يع ين أن الغل و‬
‫وقَ َ‬
‫ال ابن جا‪ :‬إنِّه املبالغة يف الش ء والتشديد في ه بتج اوا احل د ومبثل ه ِّ‬
‫هو جتاوا احلد َّ‬
‫الش ْاع ابلزايدة‪ ،‬واحلدود ه النهاايت ملا جيوا من املبال املأمور به وغري امل أمور ب ه وه ذا م ؤدى‬
‫اإلف ااط ويقابل ه التف ايط يف ال دين وه و التقص ري يف أ لام ه وت ييع قوق ه وإظه ار العج ز ع ن القي او بواجبات ه‬
‫ومن هنا نشأت مقولة » ة إفااط وة تفايط يف اإلسالو « ‪ .‬إة أن الغَ ْان ني يطال فل اة التط اف أو الغل و‬
‫ف إن ا ه مل ينطل ق م ن منطل ق ش اع كم ا بين ا وإمن ا م ن موق ف سياس يعم ل عل ى تل ايس توج ه عن د اام ة‬
‫اإلس الميَّة ابلتط اف اهن م ة‬
‫يناسب الغَ ْان من خالل استعمار العقول فإنه ينعت اإلس الو ابلتط اف واحلاك ات ْ‬
‫يقبلون التعامل معه‪ ،‬فالغَ ْان يايد من وراء ا ه أن يق على ما يشلل خطااً على وجوده واستعماره‪ .‬أنظا ‪:‬‬
‫اب ن تَ ْي ّميَّ ة ‪ :‬اقت اء الص ااط املس تقيم ص(‪ ،)289‬واب ن ج ا ‪ :‬ف تح الب ارر (‪ )278/13‬واةعتص او‬
‫(‪ .)304/3‬عبد الوهان ‪ ،‬سليمان ‪ :‬تيسري العزيز احلميد ص(‪ . )256‬احملمود ‪ ،‬أمحد ‪ :‬الدعوة إىل اإلسالو ‪،‬‬
‫ص (‪.)316‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫تحديـــــد مصطلحــــــــات البحـــــــث‬
‫إن فهم مصطلحات البحث هو مفتال ماام البا ث ومقاصده وإن بيان مدلوهلا بدقة‬
‫ووضول يافع عنها الغموض واةشتباه‪.‬‬
‫ويف هذا البحث كثري من املصطلحات املبثوثة يف ثناايه وال ميلن تصنيفها إىل صنفني ‪:‬‬
‫العدالَة ‪.‬‬
‫الصنف ااول ‪ :‬املصطلحات ال ه من صميم موضو البا ث وذلك مثل‪َ :‬‬
‫الصنف الثا ‪ :‬املصطلحات العامة ال استخدمت يف العناوين الائيسة يف البحث‪ ،‬وذلك‬
‫مثل‪ّ :‬‬
‫الف ْلا واملفهوو واملعاصاة‪...‬‬
‫وكال الصنفني قيق ابلبيان واإلي ال لتلون كاملفاتيح بيد القارئ يفتح ب ها ما ينغلق عليه من‬
‫ٍّ‬
‫معان‪ ،‬بيد أن بعض املصطلحات تتجاذبه مواضع عدة من هذا البحث‪ ،‬وةعتبارات عدة أمهها‬
‫عدو قطع املصطل ح عن سياقه كان إرجاء بياهنا إىل مواضعها اخلاصة جا‪ .‬وما كان غري ذلك فقد‬
‫عقدت هذا املبحث لبياهنا‪ ،‬وه إمجاةً عشاة مصطلحات وهذا شا ها‪:‬‬
‫أوةً ‪ّ :‬‬
‫الف ْلا‪:‬‬
‫بناء على ما‬
‫من املعلوو أن لإلنسان العاقل املدرك قدرة على إصدار احللم على الواقع ً‬
‫حتصله احلوا اخلمس من أ اسيس ومدارك تنقل إىل الدماغ املنطور على معلومات سابقة يُفسا‬
‫بواسطتها الواقع‪ ،‬وهذه القدرة على الابط والتمييز ه خاصية رئيسة لدى اإلنسان دون سائا‬
‫اللائنات اارضية وهذا احللم هو ّ‬
‫الف ْلا‪.‬‬
‫فالف ْلا لم على الواقع بعد عملية عقلية حتصل للمفلا الذر ينتج ّ‬
‫ّ‬
‫الف ْلا ة من يُنقل‬
‫الف ْلا فال حتصل له هذه العملية ان ّ‬
‫الف ْلا ‪ .‬أما من ينقل إليه ّ‬
‫إليه ّ‬
‫الف ْلا نتج وانتهى فيعطيه‬
‫منتجه للنا ‪ ،‬وينقله النا لبع هم‪ ،‬مث يعربون عنه ابصطال ات اللغة‪ ،‬واللغة ليست فلااً وإمنا‬
‫ُ‬
‫ه أداة للتعبري عن هذا ّ‬
‫الف ْلا فقولنا‪ » :‬اإلنسان يوان ان ق « مجلة لغوية هلا مدلول وهذا‬
‫املدلول هو ّ‬
‫الف ْلا‪ .‬وأما الليفية ال جيار مبوجبها إنتاج العقل لألفلار فيطلق عليها ايقة‬
‫التفلري العقلية وه الطايقة ال يسري عليها اإلنسان من يث هو إنسان يف تفلريه و لمه‬
‫على ااشياء وإدراكه حلقيقتها وصفاهتا من خالل قدرة العقل على الابط بني املعلومات السابقة‬
‫َساسيَّة يف التفلري وال إذا ما استعملت على‬
‫وما ينقل من احلوا وهذه الطايقة ه الطايقة اا َ‬
‫ّ‬
‫ص ّح ْيحة‪ ،‬فإن كانت هذه النتيجة ه احللم على وجود‬
‫الصح ْيح فإهنا تعط نتائج َ‬
‫وجهها َ‬
‫الش ء فه قطعية ان احللم جاء عن ايق اإل سا‬
‫ابلواقع وإن كانت النتيجة ه احللم‬
‫على قيقة الش ء أو صفته فإهنا تلون نتيجة ظنيِّة ان حتليالت الواقع احملسو مع املعلومات‬
‫مما ميلن أن يتسان إليها اخلطأ وللن تبقى فلااً صائباً ىت يتبني خطؤها(‪.)1‬‬
‫الف ْلا الغَايب‪ّ ،‬‬
‫الف ْلا قد ينسب إىل النا الذين ُيملونه ويتبنونه في َقال‪ّ :‬‬
‫وهذا ّ‬
‫والف ْلا‬
‫ُ‬
‫ْ ِّ‬
‫الف ْلا املاركس ‪ّ ،‬‬
‫الف ْلا‪ ،‬في َقال‪ّ :‬‬
‫العايب‪ ،‬وقد ينسب إىل واضع أسا هذا ّ‬
‫والف ْلا اافال و ‪،‬‬
‫ُ‬
‫الف ْلا إىل القاعدة ااَساسيَّة ال بين عليها هو الص ّحيح‪ ،‬في َقال‪ّ :‬‬
‫وللن نسبة ّ‬
‫الف ْلا اإلسالم‬
‫َ ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫الف ْلا هو احللم على الواقع‪ ،‬فإن ّ‬
‫لبنائه على العقيدة اإلسالميَّة‪ ،‬وعليه فإذا كان ّ‬
‫الف ْلا اإلسالم‬
‫ْ‬
‫ه و‪ « :‬احللم على الواقع من وجهة نظا اإلسالو » فتلون عناصا ّ‬
‫الف ْلا اإلسالم ثالثة‪ :‬الواقع‬
‫ُ‬
‫واحللم‪ ،‬والابط بينهما‪.‬‬
‫والواقع قد يلون شيئاً ‪ ،‬وقد يلون فعالً‪ ،‬فإن كان شيئاً فإما أن يلو َن لمه مبا اً أو‬
‫ااماً في َقال ‪ّ :‬‬
‫واخلما ااو‪ ،‬وإن كان الواقع فعالً‪ ،‬فإما أن يلون لمه فاضاً أو‬
‫العنب ُمبال‪،‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫والصدقة مندوبة‪ ،‬وأكل اخلبز مبال ‪،‬‬
‫مندوابً أو مبا اً أو ملاوهاً أو ااماً‪ .‬فصياو رم ان فاض ِّ‬
‫وأكل الثوو عند الصالة ملاوه‪ِّّ ،‬‬
‫والاَاب ااو‪.‬‬
‫ّ‬
‫والف ْلا اإلسالم نوعان‪ :‬نو له عالقة ابلعقيدة‪ ،‬كأصول اإلميان‪ ،‬ونو له عالقة‬
‫ابا لاو َّ‬
‫الش ْاعية العملية كأركان اإلسالو‪.‬‬
‫الف ْلا اإلسالم ‪ ،‬ة فاق بني ّ‬
‫فلل ذلك ممِّا يطلق عليه ّ‬
‫الف ْلا الذر نقل عن َّ‬
‫الشافّ ّع‬
‫ُ‬
‫أو الب َخا ّرر‪ ،‬أو أيب ااعلى املَو ّ‬
‫دودر‪ ،‬فهو فلا إسالم رغم اختالف جنسية أو لغة ااشخاص‬
‫ْ‬
‫ُ ِّ‬
‫الذين اجتهدوا فيه أو نقلوه ما داو ّ‬
‫الف ْلا ينطلق من وجهة نظا اإلسالو‪.‬‬
‫( ‪ )1‬أنظا ول هذا املوضو ‪:‬‬
‫ عبد هللا ‪ ،‬حممد سني ‪ :‬مفاهيم إسالمية ‪ ،‬ص (‪)48-34‬‬‫‬‫‬‫‬‫‪-‬‬
‫الشواف‪ ،‬د‪ .‬حمام منري حممد اها‪ ،‬هتافت القااءة املعاصاة‪ ،‬الصفحات ( ‪)111-47‬‬
‫النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫الدين ‪ :‬التفلري ‪ ،‬الصفحات (‪)20-8‬‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫صاحل‪ ،‬افظ ‪ :‬النه ة ‪ ،‬ص(‪)32-28‬‬
‫الزين‪ ،‬مسيح عا ف ‪ :‬ايق اإلميان ‪ ،‬أو اإلميان ابهلل عن ايق ّ‬
‫الف ْلا املستنري‪ ،‬الصفحات (‪-19‬‬
‫‪.)49‬‬
‫اثنياً ‪ :‬املفه وو ‪:‬‬
‫الفهم هو‪ » :‬معافتك الش ء ابلقلب «‬
‫(‪)1‬‬
‫واخلصائص املوضحة ملعىن كل «‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ :‬الصدق يف العمل‪.‬‬
‫‪ .‬واملفهوو لغة ‪ » :‬جممو الصفات‬
‫العدالَة ‪ ،‬أو يلون تاكيب إضافة‪ ،‬حنو‬
‫وقد يلون كلمة حنو َ‬
‫ومن يث عالقة املفهوو ابملعىن‪ ،‬ياى الدكتور مجيل صليبا‪ » :‬أن املفهوو واملعىن‬
‫متحدان ابلذات‪ ،‬فإن كال منهما هو الصورة احلاصلة يف العقل أو عنده ومها كتلفان ابعتبار‬
‫القصد واحلصول‪ ،‬فمن يث أن الصورة مقصورة ابللفظ مسيت معىن‪ ،‬ومن يث إهنا اصلة يف‬
‫العقل مسيت ابملفهوو «(‪.)3‬‬
‫وقد سبق قولنا إن ّ‬
‫الف ْلا لم على واقع فقولنا‪ » :‬اإلنسان يوان ان ق « مجلة لغوية‬
‫هلا مدلول وهذا املدلول هو ّ‬
‫الف ْلا‪ ،‬فإن كان هلذا املدلول واقع خارج يدركه العقل كما يف مجلة‬
‫» اإلنسان يوان ان ق « كان هذا ّ‬
‫الف ْلا مفهوماً عند من يدرك هذا املدلول وإن مل يلن هلذا‬
‫الف ْلا مفهوو ان احلوا ة تقع على مدلول هذا ّ‬
‫الف ْلا مدلول مل يلن هلذا ّ‬
‫ّ‬
‫الف ْلا وان العقل‬
‫البشار ة يدرك واقعاً هلذا املدلول كأفلار أفال ون عن مجهوريته فال تعترب مفاهيم ان مدلوةت‬
‫هذه اافلار ة واقع حمسوساً هلا يف احلياة‪.‬‬
‫فاافلار ىت تلون مفاهيم لدى اإلنسان‪ ،‬ة بد أن يلون ملدلول هذه اافلار واقع‬
‫عند هذا اإلنسان‪.‬‬
‫وعليه‪ » ،‬فاملفاهيم ه املعا املدرك هلا واقع يف الذهن سواء أكان واقعاً حمسوساً يف‬
‫اخلارج أو واقعاً مسلماً به أنه موجود يف اخلارج تسليماً مبنياً على واقع حمسو «(‪.)4‬‬
‫ومن هنا تصنف املفاهيم إىل سيِّة وعقلية وو ييه(‪ ،)5‬فاحلسية يدركها العقل‪ ،‬كمفهوو‬
‫اإلنسان ملون من مادة فقط‪ ،‬ابعتباره مفهوماً له مدلول يف الواقع اخلارج ‪ ،‬يدركه العقل مباشاة‪.‬‬
‫( ‪ )1‬ابن منظور ‪ :‬لسان العان ‪ ،‬مادة فهم‪ ،‬اف امليم فصل الفاء‪.‬‬
‫( ‪ )2‬املعجم الوسيط ‪ ،‬ص (‪.)704‬‬
‫( ‪ )3‬صليبا ‪ ،‬د‪ .‬مجيل ‪ :‬املعجم الفلسف ابالفاظ العابية والفانسية واإلنلليزية والالتينية‪.)403/2( ،‬‬
‫( ‪ )4‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫اإلسالميَّة ‪.)12/1( ،‬‬
‫الدين ‪ :‬الشخصية ْ‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫( ‪ )5‬مثة تصنيفات كثرية للمفاهيم يف كتب علم النفس الرتبور‪ ،‬ولعل أ دثها ما أورده جانييه سنة ‪ ،1988‬من‬
‫تصنيفها‬
‫وأما العقلية اجملادة فال يدركها العقل مباشاة‪ ،‬وإمنا يدركها من إدراكه اثاها‪ ،‬أو مظاهاها‪،‬‬
‫كمفهوو » يف اإلنسان خاصية تسمى غايزة النو « فالغايزة تدرك من خالل مظاهاها فيحس‬
‫واحلايَّة ِّّ‬
‫كالعدالَة ِّّ‬
‫والدميُْقاا ّ يَّة‬
‫حبب أوةده وامليل إىل والديه‪ ،‬ومن ذلك املفاهيم املعاصاة َ‬
‫اإلنسان ِّّ‬
‫وغريها‪.‬‬
‫وأما الو يية فال يتم إدراكها من العقل مباشاة‪ ،‬وة من آاثرها ومظاهاها‪ ،‬وإمنا عن ايق‬
‫الدليل النقل املقطو بصحته كاجلنة والنار من مفاهيم العقيدة عند املسلم وال أدرك واقعها من‬
‫مدلول الو ‪.‬‬
‫ومن هنا كان من احملتم على الشخص أن يتلقى اللالو تلقائياً فلاايً مبعىن أن يفهم معا‬
‫اجلمل كما تدل عليه من يث ه ة كما يايدها ةفظها أو يايدها هو أن تلون‪ .‬وأن يدرك يف‬
‫الوقت نفسه واقع هذه املعا يف ذهنه إدراكاً يشخص له هذا الواقع ىت تصبح هذه املعا‬
‫مفاهيم‪.‬‬
‫وبتلون هذه املفاهيم يف اإلنسان تتلون عقليته ويتحدد سلوكه وتتبلور ميوله وتتميز‬
‫ِّ‬
‫الاأْ ُمساليَّة‪ ،‬والعقلية‬
‫اإلسالميَّة‪ ،‬والعقلية َّ‬
‫شخصيته‪ .‬ومن هنا أيا اختالف العقليات كالعقلية ْ‬
‫العلْمانية والعقلية الفوضوية ال تابط الدوافع مبفاهيم غري املفاهيم ال تلونت جا عقليته‪،‬‬
‫َ‬
‫فتصبح شخصية كتلفة متباينة أفلاره غري ميوله‪ ،‬انه يفهم االفاظ واجلمل ويدرك الوقائع على‬
‫وجه خيتلف عن ميله لألشياء(‪.)1‬‬
‫اثلثاً ‪ :‬الغاائ ز ‪:‬‬
‫الغاائز خاصيات يف اإلنسان تدفعه ان مييل إىل أشياء وأعمال‪ ،‬أو ان ُُيجم عن أشياء‬
‫وأعمال وذلك من أجل أن يشبع أمااً داخله‪.‬‬
‫وقد اختلف البا ثون يف عدد هذه الغاائز والسبب عدو وقو احلوا على واقعها وعدو‬
‫إدراك العقل هذا الواقع مباشاة‪ ،‬فاعتربوا مظاها الغاائز غاائز كاخلوف وامليل اجلنس والعطف‬
‫إىل نوعني رئيسني مها املفاهيم احملسوسة واملفاهيم اجملادة‪.‬‬
‫( ‪ )1‬أنظا ول هذه املسألة ‪:‬‬
‫ النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬‫اإلسالميَّة ‪ ،‬ص (‪.)13-12‬‬
‫الدين ‪ :‬الشخصية ْ‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫‪ -‬عبد هللا‪،‬حممد سني ‪ :‬مفاهيم إسالمية ‪ ،‬ص (‪.)9-8-7‬‬
‫َّملُّك والتقديس وغريها‪ .‬وبعد استقااء هذه املظاها وجد أن هذه املظاها تنتظم يف ثالث‬
‫والت َ‬
‫جمموعات‪ ،‬كل جمموعة تنتم إىل غايزة‪.‬‬
‫َّملُّك و ب اةستطال ‪ ،‬و ب الو ن‪ ،‬و ب القوو‪ ،‬و ب‬
‫فمظاها اخلوف‪ ،‬و ب الت َ‬
‫السيادة‪ ،‬و ب السيطاة وغريها تاجع إىل غايزة البقاء ان هذه املظاها تؤدر إىل أعمال ختدو‬
‫بقاء اإلنسان كفاد ذلك أن اإلنسان ُياص على بقاء ذاته فهو ميلك ويتجمع وخياف ويندفع‬
‫ابإلقداو من أجل بقاء ذاته‪.‬‬
‫وأما مظاها امليل اجلنس ‪ ،‬واامومة‪ ،‬واابوة‪ ،‬و ب اابناء والعطف وامليل ملساعدة‬
‫الفقااء وغريها تاجع إىل غايزة النو ان هذه املظاها تؤدر إىل أعمال ختدو بقاء النو اإلنسا‬
‫كنو وليس كفاد وأما مظاها امليل ة رتاو اابطال و امليل لعبادة هللا والشعور ابلنقص واة تياج‬
‫وغريها تاجع إىل غايزة التدين أو التقديس‪.‬‬
‫فالغايزة خاصية فطاية موجودة يف اإلنسان من أجل احملافظة على بقائه ونوعه وهدايته إىل‬
‫وجود اخلالق‪.‬‬
‫وهذه الغاائز ة ميلن الق اء عليها أو سلبها من اإلنسان ان الغايزة جزء من ماهية‬
‫اإلنسان وإمنا ميلن كبت أو حمو أو إ الل مظها غايزر حمل اآلخا كأن ُيل ب الزوجة حمل‬
‫َّملُّك وتقديس البشا وااصناو حمل عبادة هللا‪.‬‬
‫ب ااو و ب السيادة حمل ب الت َ‬
‫َّملُّك‪ ،‬ان امليل‬
‫وة بد من التمييز بني املظها والعمل للمظها فامليل للتملك غري الت َ‬
‫َّملُّك هو القياو ابلعمل‬
‫للتملك شعور يف نفس اإلنسان جتاه ااشياء ل مها إليه و يااهتا بينما الت َ‬
‫كشااء متا أو ساقة مال‪ .‬فاملظه ا ة يشب ع الغاي زة وإمنا العمل الذر ُيقق جزءاً من اإلشب ا ‪.‬‬
‫هذه الغاائز وما يتفا عنها من مظاها تتفاوت قوة وضعفاً بني إنسان وآخا‪ ،‬وتتباين قوة‬
‫وضعفاً يف الفاد نفسه‪ ،‬وختتلف قوة وضعفاً تبعاً لنوعية املثريات اخلارجية هلا‪ ،‬وتبعاً للعما الذر‬
‫وصل إليه اإلنسان‪ .‬فنجد إنساانً ممتلئاً يوية يايد أن يشبع غاائزه الثالث بنهم‪ ،‬وجند آخا يف‬
‫سنه يلتف ابلقليل القليل ومن جهة أخاى جند إنساانً منصافاً ليشبع غايزة البقاء وغري مهتم‬
‫إلشبا غايزة التدين‪ ،‬أو نال ظ أن نان ااو يصاف شخصاً عن به لزوجته أو العلس‪.‬‬
‫هذا التفاوت يف الغاائز ومظاهاها بني النا‬
‫يقدو عليها بع هم اآلخا مما جعل أ لاو النا‬
‫جعل بع هم يقدو على القياو أبعمال ة‬
‫على اافعال وااشياء ال هلا عالقة إبشبا‬
‫غاائزهم ختتلف وتتأثا ابلبيئة أر املثريات اخلارجية‪ ،‬وقد أدى ذلك إىل تنو يف اإلشباعات‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫إشبا ّ‬
‫الا ُجل‬
‫ص ّح ْيح إشباعاً للميل اجلنس وأما إن أتى َّ‬
‫صح ْيح عند املسلم كإتيان املاأة بعقد َ‬
‫َ‬
‫اماأة ة حتل له‪ ،‬أو أاتها بدون اواج كان إشباعه للميل اجلنس خا ئاً‪ ،‬انه كالف للنظاو‬
‫ّ‬
‫ص ّح ْيح‪،‬‬
‫َّملُّك ابلشااء إشبا َ‬
‫َ‬
‫الصح ْيح‪ ،‬وإشبا غايزة البقاء مبا أما هللا به من أعمال مبا ة كالت َ‬
‫ابلس ّاقَة اموال اآلخاين إشبا خا ئ‪.‬‬
‫وإشباعها َّ‬
‫الص ّح ْيح يف الغاائز ولو سلك علماء الغَ ْان الطايقة العقلية بنقل اإل سا‬
‫هذا هو َ‬
‫ابإلنسان وأفعاله وفساوا هذا الواقع أو هذا اإل سا ابلواقع املصحون ابملعلومات السابقة‬
‫ةهتدوا حلقيقة هذا الواقع وللن سلوكهم الطايقة العلمية واعتبارهم أن اإلنسان كاملادة وظنهم أن‬
‫مال ظة أفعال اإلنسان ه كمال ظة املادة ضللهم عن احلقيقة وغماهم يف نتائج خا ئة عن‬
‫الغاائز ويف غريها من أحباث علم النفس وعلم اةجتما وعلوو الرتبية وهذا شأن من خي ع‬
‫اإلنسان وعمله كما خت ع املادة للتجابة ومن هنا كان اخلطأ هو اختاذ الطايقة العلمية أساساً‬
‫للتفلري وجعلها َ َلماً يف احللم على ااشياء(‪.)1‬‬
‫رابعاً ‪ :‬احلاج ات العُ ْ ويَّة ‪:‬‬
‫إن ا تياج جسم اإلنسان امور معينة و لب اإلنسان هلذه اامور‪ ،‬ه خاصية أودعها‬
‫هللا يف اإلنسان وه ما تُسمى ابحلاجات العُ ْ ويَّة‪ .‬وهذه احلاجات تتطلب إشباعاً ومن أجل‬
‫إشباعها ُيتاج اإلنسان إىل أوضا وأشياء وأعمال معينة‪ ،‬فمن هذه ااوضا احلاجة إىل النوو‬
‫والتغوط‪.‬‬
‫والاا ة‪ ،‬ومن هذه ااشياء اهلواء ‪ ،‬ومن هذه اافعال التنفس وااكل ِّ‬
‫والغاائز واحلاجات العُ ْ ويَّة تتشابه يف أهنا خاصيات فطاية يف اإلنسان كخاصية السيولة‬
‫يف املاء » وختتلف فيما بينها من وجهني ‪:‬‬
‫( ‪ )1‬أنظا ول هذه املسألة ‪:‬‬
‫ الزين ‪ ،‬مسيح عا ف‪ ،‬ملن احللم ؟ هلل أو لإلنسان‪ ،‬للشا أو للعقل ‪ ،‬ص (‪.)126-110‬‬‫ الشواف‪ ،‬د‪ .‬حمام منري حممد اها ‪ ،‬هتافت القااءة املعاصاة ‪ ،‬ص (‪.)76-75-74‬‬‫‪ -‬الزين‪ ،‬مسيح عا ف ‪ :‬اإلسالو وثقافة اإلنسان‪ ،‬ص(‪.)17-16‬‬
‫ااول ‪ :‬إن إشبا احلاجات العُ ْ ويَّة تم فإن مل أيكل أو مل ينم اإلنسان هلك يف احلياة‪ .‬وأما‬
‫الغاائز ف إن إشباعها غري تم وابلتايل فإن عدو إشباعها ة يؤدر إىل اهلالك وإمنا يؤدر إىل القلق‬
‫والشقاء كما هو كائن عند الزوجني اللذين ة ينجبان أ فاةً بسبب عقم أ دمها أو كليهما‪.‬‬
‫الثا ‪ :‬إن احلاجات العُ ْ ويَّة تثار من الداخل فاإلنسان يشعا حباجة إىل الطعاو إذا جا وإىل‬
‫النوو إذا سها وة يستطيع له رداً‪ .‬وأما الغاائز فإهنا تثار من خارج جسم اإلنسان فمن رأى ماةً‬
‫َّملُّك الصادر عن غايزة البقاء ومن َّ‬
‫فلا ابملثريات اجلنسية ث ارت غايزته انه‬
‫اثر لديه ب الت َ‬
‫سها سابقاً« (‪.)1‬‬
‫أ َ َّ‬
‫ورغم أن وجود هذه احلاجات العُ ْ ويَّة مدرك لإلنسان فقد أشار إليها تعاىل يف قول ه‪ :‬‬
‫ت َما َر َز ْقنَا ُك ْم‬
‫ال‪ :‬يَاأَيُّ َها الَّ ِذينَ َءا َمنُوا ُكلُوا ِم ْن َط ِيبَا ِ‬
‫َو ِم ْن َءايَاتِ ِه َمنَا ُم ُك ْم ِباللَّ ْي ِل َوالنَّ َه ِار‪ )2(‬وقَ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫الع ْ ويَّة ني يتعاض‬
‫‪ ‬ىت إنه أابل أكل ما امه عليه من اا عمة من أجل إشبا احلاجة ُ‬
‫ال تعاىل ‪  :‬فَ َم ِن ا ْ‬
‫ض ُطرَّ َغي َْر بَاغ َو َال عَاد فَ َال ِإثْ َم َعلَ ْي ِه‪.)4(‬‬
‫للهالك‪ .‬قَ َ‬
‫خامساً ‪ :‬الشخصي ة ‪:‬‬
‫يقوو اإلنسان أبعماله ليشبع اجاته العُ ْ ويَّة وغاائزه وجممو هذه ااعمال هو سلوك‬
‫اإلنسان‪ ،‬وهذا السلوك ماتبط مبفاهيم اإلنسان عن ااشياء واافعال واحلياة‪ ،‬والسلوك هو الذر‬
‫يدل على شخصية اإلنسان‪ ،‬فالشخصية ه‬
‫الواقع‪ .‬ومبعىن آخا فه عقليته ونفسيته‪.‬‬
‫ايقة عقل اإلنسان للواقع‪ ،‬وه أي اً ميوله حنو‬
‫« والعقلية ه الليفية ال جتار على أساسها عقل الش ء أو إدراكه‪ ،‬أو ه الليفية ال يابط‬
‫جا اإلنسان الواقع ابملعلومات بقياسها إىل قاعدة أو قواعد معينة »(‪.)5‬‬
‫( ‪ )1‬عبد هللا‪ ،‬حممد سني ‪ :‬مفاهيم إسالمية ‪ ،‬ص(‪.)29‬‬
‫( ‪ )2‬الاوو ‪.23 /‬‬
‫( ‪ )3‬البقاة ‪.172 /‬‬
‫( ‪ )4‬البقاة ‪.173 /‬‬
‫( ‪ )5‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫اإلسالميَّة ‪ )13/1( ،‬بتصاف‪.‬‬
‫الدين ‪ :‬الشخصية ْ‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫َّملُّك‪ ،‬فيحلم عليه‬
‫فالبرتول – مثالً – واقع ُيس به اإلنسان‪ ،‬ويثري عنده ب الت َ‬
‫اإلنسان أبنه يشبع غايزة البقاء‪ .‬وللن القاعدة ّ‬
‫الف ْلاية ال يتخذها اإلنسان مقياساً للحلم على‬
‫ااشياء ت يف للحلم السابق بعداً آخا‪.‬‬
‫فاملسلم ياى أن البرتول جيب أن يلون مللية عامة أيخذ منها صته كما أيخذ غريه‬
‫صصهم‪ ،‬فألفااد اجملتمع ق فيه‪ ،‬وياى الاأمسايل أن البرتول مللية فادية ُيق له أن يتملك ما‬
‫يستطيع متلله منه دون أن يااع‬
‫قوق اآلخاين‪.‬‬
‫الا ُجل فيحلم عليه أنه اماأة تشبع جزءاً من‬
‫واملاأة اجلميلة واقع يثري امليل اجلنس عند َّ‬
‫غايزة النو ‪ ،‬إة أن املسلم ياى أن املاأة ه عاض جيب أن يُصان‪ ،‬بينما ياى الاأمسايل أن املاأة‬
‫ه سلعة يستفاد منها يف إشبا غايزة النو ‪ ،‬ويف حتقيق امللاسب املادية كالتجسس والدعاية‬
‫وجلب الزابئن‪ ،‬وحتقق له قيمة مادية‪.‬‬
‫وسبب اةختالف يف احللم الذر أ لقه املسلم والاأمسايل على البرتول وعلى املاأة ٍّ‬
‫آت‬
‫من اختالف القاعدة ّ‬
‫الف ْلاية ال يفلا على أساسها كل من اةثنني‪.‬‬
‫الاأْ ُمساليَّة ال تنبثق عنها‬
‫اإلسالميَّة ال تنبثق عنها أ لاو املسلم غري العقيدة َّ‬
‫فالعقيدة ْ‬
‫أ لاو الاأمسايل‪.‬‬
‫اإلسالميَّة يف إدراك الواقع واحللم عليه ُيمل عقلية إسالمية‪،‬‬
‫وعليه فمن يسلك الطايقة ْ‬
‫فيحلم على اجلهاد أبنه فاض‪ ،‬وعلى الصدقة أبهنا مندون‪.‬‬
‫« وأما النفسية فه الليفية ال يابط جا اإلنسان دوافع اإلشبا ابملفاهيم »(‪ .)1‬وهذه املفاهيم‬
‫تعود إىل أفلار معينة تنبثق عن العقيدة‪.‬‬
‫اإلسالميَّة كانت النفسية نفسية إسالمية وإن كانت‬
‫فإن كانت املفاهيم تنبثق عن العقيدة ْ‬
‫الاأْ ُمساليَّة كانت النفسية نفسية رأمسالية وإن كانت تنبثق عن قواعد متعددة كانت‬
‫تنبثق عن العقيدة َّ‬
‫النفسية فوضوية‪.‬‬
‫( ‪ )1‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫إلسالميَّة ‪ )13/1( ،‬بتصاف‪.‬‬
‫الدين ‪ :‬الشخصية ا ْ‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫والنفسية ه ال جتعل اإلنسان يقدو على القياو ابلعمل أو ُيجم عنه‪ ،‬فه ال تتحلم‬
‫يف دوافع الغاائز واحلاجات العُ ْ ويَّة(‪.)1‬‬
‫فاملسلم قبل حتامي اخلما كان يقدو على شاجا ان مفهومه عنها أهنا مبال وملا نزل لم‬
‫ال املسلم ‪ :‬مسعنا وانتهينا‪.‬‬
‫هللا ابجتناجا قَ َ‬
‫غري امليل إىل اخلما وهذا امليل اجلديد الناتج عن ربط الدافع‬
‫فتغيري املفهوو عن اخلما َّ‬
‫ابملفهوو هو النفسية‪.‬‬
‫اإلسالميَّة أنس بن مالك بن الن ا رض هللا عنه فقد‬
‫ومن اامثلة الدالة على الشخصية ْ‬
‫ما يف غزوة أُ د باجال من املهاجاين واانصار‪ ،‬ألقوا سال َ هم بعدما أُشيع أن رسول هللا ‪ ‬قد‬
‫ِّ‬
‫ال ‪ :‬فماذا تصنعون ابحلياة بعده؟‬
‫ال هلم أنس ‪ :‬ما جيلسلم ؟ قَالوا ‪ :‬قُتل رسول هللا ‪ ،‬ف َق َ‬
‫قُتل ف َق َ‬
‫قوم وا فموت وا على ما م ات علي ه رسول هللا ‪ ‬مث استقب ل قايش اً فقاتل ىت قُتل رمحه هللا تعاىل(‪.)2‬‬
‫هذا السلوك من أنس بن الن ا يدل على شخصية إسالمية متميزة‪ ،‬ويدل على ارتباط‬
‫س ابلواقع وهو إ جاو بعض الصحابة عن القتال بعد صدور‬
‫وثيق بني عقليته ونفسيته‪ ،‬فلما أ ِّ‬
‫الز ف‪ ،‬وأثا‬
‫اإلشاعة‪ ،‬ربط هذا الواقع ابملعلومات السابقة ( ماارة اهلزمية‪ ،‬وحتامي الت َّ‬
‫َّويل يوو ِّ‬
‫َساسيَّة‬
‫إشاعة مقتل الاسول على الصحابة ) و لم على هذا الواقع بقياسه إىل القاعدة اا َ‬
‫اإلسالميَّة‪ ،‬أبن القتال فاض‪ ،‬وأن مآل الشهيد اجلنة‪ ،‬وأن ااجل حمدود‪،‬‬
‫افلاره‪ ،‬وه العقيدة ْ‬
‫وأن الفاار حمظور وهذه اافلار ه مفاهيم عنده انه يتصورها ويؤمن بصحتها‪ ،‬مث ربط بني‬
‫فسري هذه‬
‫املفاهيم ودوافع غايزة البقاء ال من مظاهاها‪ ،‬احملافظة على احلياة واخلوف من املوت ِّ‬
‫الدوافع مبفاهيمه‪ ،‬وصار مييل إىل القتال‪.‬‬
‫( ‪ )1‬أنظا ول هذا املوضو ‪:‬‬
‫ الزين‪ ،‬مسيح عا ف ‪ :‬اإلسالو وثقافة اإلنسان‪ ،‬ص(‪.)95-94‬‬‫‪ -‬عبد هللا‪ ،‬حممد سني ‪ :‬مفاهيم إسالمية‪ ،‬ص (‪ )83‬وما بعدها‪.‬‬
‫( ‪ )2‬ابن كثري‪ :‬تفسري القاآن العظيم‪. ،)414/1( ،‬وانظا‪ :‬عبد هللا ‪ ،‬حممد سني ‪ :‬مفاهيم إسالمية ‪ ،‬ص‬
‫(‪.)92‬‬
‫فعقلية أنس بن الن ا غريت دوافعه‪ ،‬وجعلتها ميوةً إسالمية فصارت نفسيته متيل إىل‬
‫القتال وإىل َّ‬
‫هادة واللحاق باسول هللا ‪.)1( ‬‬
‫الش َ‬
‫سادساً ‪ :‬الثَّقافَة ‪:‬‬
‫الثَّقافَة لغة ‪ :‬مشتقة من املادة – ث ق ف – مبعىن صقل‪ ،‬وي َقال ثَ ُقف ثَقفاً وثقافة‪ :‬أر‬
‫صار اذقاً خفيفاً فطناً(‪.)2‬‬
‫والثَّقافَة اصطال اً تتعدى التعايف الوا د(‪ ،)3‬إة أهنا يف صورهتا العامة عند البا ثني ة‬
‫ختاج عن كوهنا صيلة فلا اامة‪ ،‬ووجداهنا‪ ،‬فه نسق من القيم ياتبط أبفااد جمتمع معني‬
‫يلتسبون خربات كتلفة إىل د ما وهلذا فمن املتوقع دائماً أن تنطور ثقافة أر جمتمع على قدر‬
‫من عدو التجانس تفاضه اةختالفات اجلبليِّة واإلقليمية والدينية والطبقية واملهنية‪.‬‬
‫يقول اتيلا ‪ « :‬إهنا اللل املاكب الذر يت من املعارف والعقائد واةختالف والقوانني والعادات‬
‫والفنون »(‪.)4‬‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬أبو الشبان ‪ ،‬د‪ .‬أمحد عوض‪ .‬مقومات النصا يف القاآن‬
‫( ‪ )1‬انظا ول كيفية بناء الشخصية ْ‬
‫والسنة ‪ ،‬الفصل الثا ‪( ،‬رسالة دكتوراه ) ‪.)114/1( ،‬‬
‫( ‪ )2‬ابن منظور ‪ :‬لسان العان‪ ،‬اف الفاء فصل الثاء‪.)19/9( ،‬‬
‫( ‪ )3‬تطور مفهوو الثَّقافَة يف استعماةت احملدثني واملعاصاين فقيل‪ :‬ه الدراسات اادبية والنظاية والعقلية‬
‫والفلسفية وقيل إهنا مجلة من اافلار وااشياء ‪ ،‬وقيل جمموعة من الصفات اخللقية‪ ،‬والقيم اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة ال‬
‫ْ َ‬
‫تؤثا يف الفاد منذ وةدته‪ ،‬وتصبح ة شعورايً العالقة ال تابط سلوكه أبسلون احلياة يف الوسط الذر ولد فيه‬
‫وقيل جمموعة اافلار واملثل واملعتقدات والت َقاليد والعادات واملهارات و اق التفلري‪ ،‬وأسلون احلياة والنِّّظَاو‬
‫ااسار‪ ،‬وتااث املاض ووسائل اإلنت َقال واإلتصال و بيعة املؤسسات اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة يف اجملتمع الوا د‪.‬‬
‫ْ َ‬
‫أنظا ‪:‬‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬ص (‪.)42‬‬
‫ اخلطيب‪ ،‬عما عودة ‪ :‬حملات يف الثَّقافَة ْ‬‫‪ -‬بن نيب‪ ،‬مالك ‪ :‬مشللة الثَّقافَة ‪ ،‬ص (‪.)39‬‬
‫( ‪ )4‬اخلويل ‪ ،‬حممد عل ‪ :‬قامو الرتبية‪ ( ،‬عايب إنلليزر )‪ ،‬ص(‪.)103‬‬
‫وأنظا ‪:‬‬
‫‪ -‬مطاو ‪ ،‬إبااهيم عصمت ‪ :‬أصول الرتبية ‪ ،‬ص (‪.)34‬‬
‫‪ -‬اجلندر‪ ،‬أنور ‪ :‬الثَّقافَة العابية إسالمية ‪ ،‬أصوهلا وانتماؤها‪ ،‬ص(‪.)22‬‬
‫بيد أن التعايف خيلط بني العلم والثَّقافَة‪ ،‬فالعلم عامل جلميع اامم وة ختتص به ِّأمة دون‬
‫أخاى‪ ،‬وهو املعافة ال تؤخذ عن ايق املال ظة والتجابة واةستنتاج كعلم الطبيعة والليمياء‪،‬‬
‫نتجت عنها أو تلون من خصوصياهتا ومميزاهتا‬
‫بينما الثَّقافَة تلون خاصة تنسب لألمة ال‬
‫كاادن وسري اابطال والتاريخ واللغة والفقه والفلسفة وسائا املعارف غري التجايبية وهناك‬
‫معارف غري جتايبية تلحق ابلعلم وإن كانت تدخل يف الثَّقافَة مثل احلسان واهلندسة والصناعات‬
‫فإهنا وإن كانت من الثَّقافَة‪ ،‬وللنها تعترب اعتبار العلم من يث كوهنا عامة جلميع النا وة ختتص‬
‫أبمة من اامم‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن للثقافة خصوصية تاتبط ابجملتمع و ياته واترخيه وهذه اخلصوصية جانبها‬
‫املميز ومدلوهلا املعني ومن هنا ي َقال ثقافة غابية وثقافة إسالمية‪.‬‬
‫اإلسالميَّة َسبباً يف حبثها سواء‬
‫اإلسالميَّة ه مجلة املعارف ال كانت العقيدة ْ‬
‫« والثَّقافَة ْ‬
‫اإلسالميَّة وتبحثها مثل علم التو يد أو كانت مبنية على‬
‫أكانت هذه املعارف تت من العقيدة ْ‬
‫اإلسالميَّة من اا لاو مثل املعارف‬
‫العقيدة مثل الفقه أو كان يقت يها فهم ما ينبثق عن العقيدة ْ‬
‫ال يوجبها اةجتهاد يف اإلسالو كعلوو اللغة العابية ومصطلح احلديث وعلم ااصول فهذه كلها‬
‫ثقافة إسالمية ان العقيدة ه السبب يف حبثها وتاجع مبجملها إىل اللتان والسنة»(‪.)1‬‬
‫سابعاً ‪ :‬احلَ َ َارة واملَ َدنيَّة‪:‬‬
‫إن كلم احلَ َ َارة واملَ َدنيَّة مها من أكثا املصطلحات شيوعاً يف أايمنا هذه‪ ،‬وجيدر بنا أن‬
‫ِّ‬
‫نقف عند مدلول هاتني الللمتني ىت يدرك القارئ ما نام إليه من معىن عند إيااد هذين‬
‫املفهومني‪.‬‬
‫ّ‬
‫واحلاضاة‪ ،‬خالف‬
‫احلَ َ َارة كما ورد يف لسان العان ‪ « :‬اإلقامة يف احلَ َ ا ‪ ...‬واحلَ َ ا واحلَ ْ اة‬
‫البادية‪ ،‬وه املدن والقاى والايف »(‪ .)2‬فاحلَ َ َارة يف اللغة ما هو علس البداوة‪ ،‬أر سلن املدن‬
‫والقاى‪ .‬إة أن هذا املعىن اللغور ليس هو املااد ني اللالو عن احل َ ارة يف النُّصوص ّ‬
‫الف ْلاية‬
‫ُ‬
‫َ َ‬
‫والسي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة املعاصاة‪.‬‬
‫والتارخيية ِّ َ‬
‫ سن‪ ،‬د‪ .‬الشحات أمحد ‪ :‬دراسات ّ‬‫الف ْلا الرتبور اإلسالم ‪ ،‬ص (‪.)17-16‬‬
‫( ‪ )1‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫اإلسالميَّة‪.)265/1( ،‬‬
‫الدين ‪ :‬الشخصية ْ‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫( ‪ )2‬ابن منظور ‪ :‬لسان العان‪ ،‬اف الااء فصل احلاء ‪.)196/4( ،‬‬
‫إن نشأة هذا اةصطالل تعود إىل الدراسات ااوروبية ني درج الغَ ْابيِّون‬
‫ِّ‬
‫استخداو كلمة ‪ - Civilisation‬وتامجتها إىل العابية احلَ َ َارة أو املَ َدنيَّة – للتعبري جا عن التطور‬
‫املادر والصناع والعماا الذر أخذ يطِّاد بساعة خالل العصور احلديثة ال تلت القان‬
‫(‪)1‬‬
‫على‬
‫اخلامس عشا امليالدر وال ُمسيت بعصور النه ة‪ .‬إة أن تلك العبارة حتولت مع ماور الوقت‬
‫لتأخذ مدلوةً آخا فقد أصبحت تطلق على مجلة مظاها الاق املادر والعلم والفين وااديب‬
‫واةجتماع يف جمتمع من اجملتمعات أو أمة من اامم وأصبح املؤرخون واملفلاون واللتان‬
‫اإلسالميَّة واحلَ َ َارة‬
‫يتللمون عن ارات سالفة ومعاصاة كاحلَ َ َارة املصاية القدمية واحلَ َ َارة ْ‬
‫الغَ ْابيِّة املعاصاة(‪.)2‬‬
‫إة أن املشللة يف هذا اةصطالل(‪ )3‬أنه يُدخل يف مدلوله كل ما ميلله جمتمع ما أو ياثه أو يبدعه‬
‫من أفل ار وتشايع ات وفن ون وإجن ااات بصاف النظا عما هو من مميزات ذلك اجملتمع وما ليس‬
‫من مميزاته‪.‬‬
‫مع أننا ني نتللم عن‬
‫ارة جمتمع ما‪ ،‬فإننا نتللم عن ايقة العيش ال متيزه عن‬
‫غريه وجتعل منه مجاعة بشاية ذات شخصية معينة ولون متميز وهوية خاصة‪ ،‬لذلك جيب أن‬
‫يلحظ ني استخداو ذلك اةصطالل أَ ْن ة يدخل ضمنه إة ما هو مقومات شخصية اجملتمع‬
‫ال جتعل منه جمتمعاً خيتلف عن غريه من اجملتمعات يف ايقة عيشه‪ ،‬فال تدخل ااشلال‬
‫( ‪ )1‬الغَ ْابيِّون نسبة إىل الغَ ْان و أقصد جم‪ :‬املنظِّاون والساسة واإلعالميون املوجهون للاأر العاو يف الدول‬
‫الليربالية ‪ :‬أورواب وأمايلا ومن درج درجهم وسلك مسللهم‪.‬‬
‫( ‪ )2‬القصص‪ ،‬أمحد ‪ :‬أسس النه ة الااشدة ‪ ،‬ص(‪.)65‬‬
‫ال أنه « جمموعة املعارف العلمية‬
‫( ‪ )3‬توسع البا ثون يف العصا احلديث يف إ الق هذا املصطلح فمنهم من قَ َ‬
‫ّ‬
‫والسي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة‪ ،‬والفنية‪،‬‬
‫والتشايعات والنظم والعادات واآلدان ال متثل احلالة الف ْلاية‪ ،‬واةقتصادية واخللقية ِّ َ‬
‫أر بقعة من بقا اارض‪ ،‬سواء مشلت شعباً أو‬
‫وسائا مظاها احلياة املادية واملعنوية يف ماا ل= = التاريخ‪ ،‬ويف ِّّ‬
‫أكثا»‪ .‬وقيل ‪ « :‬قصة اإلنسان يف كل ما أجنزه على اختالف العصور وتقلب ااامان‪ ،‬وما صورت به عالقته‬
‫ابللون وما وراءه»‪.‬‬
‫أنظا ‪:‬‬
‫ املبارك‪ ،‬حممد ‪ّ :‬‬‫الف ْلا اإلسالم احلديث يف مواجهة اافلار الغَ ْابيِّة‪ ،‬ص(‪.)27‬‬
‫‪ -‬سني‪ ،‬حممد حممد ‪ :‬اإلسالو واحلَ َ َارة الغَ ْابيِّة ‪ ،‬ص(‪.)6‬‬
‫والوسائل املادية‪ ،‬فاملصانع والسيارات ال تنتجها أمة ليست ه ال متيزها وتعطيها هويتها ان‬
‫اإلجنااات املادية عامة للل البشا‪.‬‬
‫كل ذلك ُيتم علينا أن ن بط املصطلح الدال على منط العيش وهوية اجملتمع فنميز بينه‬
‫وبني ما يدل على جمموعة ااشلال والوسائل املادية يف شؤون احلياة وابلاجو إىل واقع اجملتمعات‬
‫أن املفاهيم ال يعتنقها جمتمع ما عن احلياة ه ال تعطيه هويته وشخصيته وبناء عليه «‬
‫جند ِّ‬
‫ميلن تعايف احلَ َ َارة أبهنا جمموعة املفاهيم عن احلياة‪ ،‬وميلن تعايف املَ َدنيَّة أبهنا جمموعة ااشلال‬
‫والوسائل املادية املستخدمة يف شؤون احلياة»(‪.)1‬‬
‫ٍّ‬
‫اإلسالميَّة‪ ،‬ان أخذها يعين‬
‫وعليه‪ ،‬فإنه ة جيوا للمسلم أخذ‬
‫ارة غري احلَ َ َارة ْ‬
‫قسم له عالقة ابحلَ َ َارة‪ ،‬ويلون جزءاً منها وه‬
‫اة تلاو لغري اإلسالو‪ .‬أما املَ َدنيَّة فه قسمان‪ٌ :‬‬
‫والصلبان‪ ،‬فال جيوا أخذها‪.‬‬
‫ااشلال املَ َدنيَّة املادية ال تنتج عن وجهة النِّظا يف احلياة كالتماثيل ِّ‬
‫وقسم انتج عن العلم والصناعة كأدوات املخترب واااثث والسيارة‪ ،‬فال يُااعى يف أخذها أر ش ء‬
‫ٌ‬
‫اهنا ليست انمجة عن احلَ َ َارة وة تتعلق جا‪.‬‬
‫اثمناً ‪ :‬اجملتم ع ‪:‬‬
‫صاه على جمموعة من اافااد أو‬
‫تباينت التعايفات يف حتديد معىن اجملتمع ‪ ،‬فمنهم من قَ َ‬
‫مجاعة و ِّ دهتم اآلمال واآلةو أو و دة سياسية مجعها نظاو سياس وا د‪ ،‬أو ثقافة وا دة أو‬
‫أهداف مشرتكة‪.‬‬
‫ومن املعاوف بداهة أن « اإلنسان مد ابلطبع »‬
‫(‪)2‬‬
‫ة يعيش منفاداً وأن كل إنسان‬
‫بد وأن تنشأ عالقات يتملن‬
‫يسعى دائماً لسد اجاته وإشبا جوعاته وإرضاء رغباته ‪ ،‬لذلك ة ِّ‬
‫بد من اتفاق بينهم على أفلار‬
‫سد اجاهتم وإشبا جوعاهتم ولتحقيق ذلك ة ِّ‬
‫جا اافااد من ِّ‬
‫معينة لتنظيم عالقاهتم‪.‬‬
‫( ‪ )1‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫الدين ‪ :‬نظاو اإلسالو‪ ،‬ص(‪.)63-59‬‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫ّ‬
‫تصح ْيحها‪،‬‬
‫أنظا ول مفهوو املَ َدنيَّة ‪ - :‬شليب‪ ،‬د‪ .‬أمحد ‪ :‬املناهج ْ‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬أصوهلا‪ ،‬احناافاهتا‪ ،‬وجون َ‬
‫ص(‪.)21-20-19‬‬
‫( ‪ )2‬ابن خلدون ‪ :‬مقدمة ابن خلدون ‪ ،‬ص (‪.)49‬‬
‫فاجملتمع سب نشأته الطبيعة يتلون من مجاعة من النا‬
‫بينهم عالقات دائمة مبنية‬
‫على أفلار ومفاهيم وا دة ومسببة مشاعا وا دة حنو امليل لألشياء واافعال أو اإل جاو عنها‬
‫ينظم هذه العالقات نظاو ي بط سلوك اافااد وياعى شؤون اجلماعة ويفض املنااعات ويفصل يف‬
‫اخلصومات ومينع املخالفات‪ .‬وجذا تلون مقومات اجملتمع قائمة على أسس ثالثة‪ :‬اافلار‬
‫واملشاعا والنظاو‪.‬‬
‫واجملتمع إما أن يلون متميزاً إذا اجتمعت املقومات الثالث يف جمموعة من اافااد‬
‫اإلسالميَّة ال تنبثق منها أفلارهم وتتلون‬
‫كاجملتمع اإلسالم امللون من أفااد يعتنقون العقيدة ْ‬
‫من خالهلا مشاعاهم ويطبقون نظاو اإلسالو يف عالقاهتم ومثله يف التمييز اجملتمع الاأمسايل‪،‬‬
‫واجملتمع اةشرتاك ةعتقاد أفاادها مببدأ يطبقونه على أنفسهم وُيملونه إىل غريهم‪.‬‬
‫وإما أن يلون جمتمعاً غري متميز إذا تباينت مقومات اجملتمع عند اافااد كاجملتمع اهلندر‬
‫ِّ‬
‫فأفااده يعتنقون عقائد ة تنبثق عنها أفلار أو نظم ملعاجلة مشلالهتم ‪ ،‬فال عالقة بني النِّّظَاو‬
‫والعقائد واافلار لتعدد أدايهنم وأفلارهم ومفاهيمهم واختالفها عن النِّّظَاو الاأمسايل املطبق‬
‫عليهم(‪.)1‬‬
‫اتسعاً ‪ :‬النِّّظَاو‪:‬‬
‫النِّّظَاو جمموعة من القوانني ال تنظم العالقات ال تقوو بني النا‬
‫جمتمع معني‪ ،‬بغض النظا عن اجتماعهم أو تفاقهم‪ .‬وهو ما يعرب عنه أبنظمة اجملتمع وه تشمل‬
‫ّ‬
‫ياسة والتعليم والعقوابت واملعامالت وغري ذلك‪.‬‬
‫والس َ‬
‫اةقتصاد واحللم ِّ‬
‫« فالنِّّظَاو معاجلات ملشلالت اإلنسان‪ ،‬وبيان لليفية تنفيذ املعاجلات »(‪.)2‬‬
‫الذين يعيشون يف‬
‫( ‪ )1‬أنظا ول هذه املسالة ‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫صاحل‪ ،‬افظ ‪ :‬النه ة‪ ،‬ص(‪.)113-107‬‬
‫‪ -‬عبد هللا‪ ،‬حممد سني ‪ :‬مفاهيم إسالمية ‪ ،‬ص(‪ )101‬وما بعدها‪.‬‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬ص(‪ )15‬وما بعدها‪.‬‬
‫ القحطا ‪ ،‬سن بن فالل ‪ :‬الطايق إىل النه ة ْ‬‫( ‪ )2‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫الدين ‪ :‬نظاو اإلسالو ص(‪.)22‬‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫وهذه املعاجلات وكيفية تنفيذها تنبثق عن العقيدة العقلية ال يؤمن جا جمتمع من اجملتمعات‪.‬‬
‫فاإلسالو عقيدة ونظم‪ ،‬وعقيدته ه اإلميان وأركانه ونظمه ه اا لاو َّ‬
‫الش ْاعية ال تنظم شؤون‬
‫اإلنسان‪ .‬وبتعدد العالقات واختالفها يف اجملتمع تعددت واختلفت أنظمة اجملتمع إىل‪:‬‬
‫والا ُجل ابملاأة وينظم‬
‫ابلا ُجل ‪َّ ،‬‬
‫النِّّظَاو اةجتماع ‪ « :‬وهو النِّّظَاو الذر يُنظم اجتما املاأة َّ‬
‫العالقة ال تنشأ بينهما عن اجتماعهما وكل ما يتفا عن هذه العالقة »(‪ )1‬ومن أمثلة ذلك منع‬
‫الا ُجل واملاأة‪ ،‬ومىت متلك املاأة القها‪ ،‬وأما ما ينتج عن مصاحلها يف اجملتمع كالتجارة‬
‫اخللوة بني َّ‬
‫واملرياث فهو مما يدخل يف النِّّظَاو اةقتصادر‪.‬‬
‫النِّّظَاو اةقتصادر ‪ :‬واةقتصاد هو تدبري شؤون املال إما بتلثريه وأتمني إجياده وهذا يبحث فيه‬
‫علم اةقتصاد وإما بليفية توايعه وهذا يبحث فيه النِّّظَاو اةقتصادر‪ ،‬فعلم اةقتصاد والنِّّظَاو‬
‫اةقتصادر ُكلم منهما يبحث يف اةقتصاد وللنهما شيئان متباينان‪ ،‬فااول يتعلق ابلوسائل وة‬
‫عالقة له بوجهة النظا يف احلياة‪ ،‬والثا يتعلق ّ‬
‫ابلف ْلا ابعتباره فلااً يؤثا يف وجهة النظا يف احلياة‬
‫ويؤثا فيها‪.‬‬
‫فالنِّّظَاو اةقتصادر‪ ،‬نظاو يبحث يف كيفية توايع الثاوة بني النا‬
‫احلياة(‪.)2‬‬
‫نظاو احللم‪ ،‬هو النِّّظَاو الذر يبني شلل َّ‬
‫الد ْولَة وصفتها وقواعدها وأركاهنا وأجهزهتا‪ ،‬وااسا‬
‫الذر تقوو عليه واافلار واملفاهيم واملقاييس ال تاعى الشؤون مبقت اها والدستور والقوانني ال‬
‫بناء على وجهة النظا يف‬
‫تطبقها(‪.)3‬‬
‫عاشااً ‪ :‬التوفي ق ‪:‬‬
‫( ‪ )1‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫الدين ‪ :‬النِّّظَاو اةجتماع يف اإلسالو ‪ ،‬ص(‪.)9‬‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫( ‪ )2‬أنظا ول هذه املسألة ‪:‬‬
‫ يُونُس املصار ‪ ،‬د‪ .‬رفيق ‪ :‬أصول اةقتصاد اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)19‬‬‫ النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬‫الدين ‪ :‬النِّّظَاو اةقتصادر يف اإلسالو ‪ ،‬ص(‪.)58-57‬‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫( ‪ )3‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫الدين ‪ :‬النِّّظَاو احللم يف اإلسالو ‪ ،‬ص(‪.)15-13‬‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬ص(‪ )207‬وما بعدها‪.‬‬
‫وأنظا ‪ :‬البياا ‪ ،‬د‪ .‬منري محيد ‪ :‬النظم ْ‬
‫ت بني القوو ‪ :‬أصلحت بينهم والتوفيق‬
‫التوفيق يف ااصل ‪ :‬هو التسديد‪ ،‬وتقول ‪ :‬وفَّ ْق ُ‬
‫ضم بع ها إىل بعض ملناسبة بينها(‪.)1‬‬
‫بني ااشياء املختلفة ‪ِّ :‬‬
‫اإلسالميَّة واحلَ َ َارة الغَ ْابيِّة منهج ديث سلله بعض‬
‫والتوفيق بني اإلسالو وغريه‪ ،‬أو بني احلَ َ َارة ْ‬
‫املَُف ِّّلاين واللتان اغااض كتلفة‪.‬‬
‫أ‪ -‬إبااا مسو اإلسالو على غريه وأنه دين ارر قائم على العلم‪ ،‬وة يتناقض مع احلقائق‬
‫واةكتشافات العلمية احلديثة‪ ،‬ىت يشعا اجليل احلاضا بنفاسة ما عنده فيؤثاه ويات يه‪،‬‬
‫كما فعل صا ب كتان(‪( )2‬التوفيق العلم بني احلَ َ َارة واإلسالو) ويتمثل هذا النمط‬
‫ّ‬
‫وسيِّّد قطب والغَ َزايل والسباع بقصد رد‬
‫اةنتقائ التوفيق يف تفلري كل من املَْودودر َ‬
‫املفتونني ابملبادئ اجلديدة إىل مواريث أمسى وأغىن‪.‬‬
‫وأباا ما ميتاا به هذا النمط هو اةهتداء ابملصاحل املاسلة وحتقيق املنافع يف تعاملهم مع‬
‫ّ‬
‫ُّصوص َّ‬
‫الش ْاعية أو يف تسويغهم للفلا‬
‫الف ْلا اإلسالم الرتاث أو يف تعاملهم مع الن ُ‬
‫الغَايب يف ّ‬
‫الف ْلا اإلسالم جدف الدعاية لإلسالو(‪.)3‬‬
‫ْ ِّ‬
‫ن‪ -‬وقد يلون للغاض نفسه وللن من منطلق اهنزام جافهم التيار خارج دائاة اإلسالو وهم‬
‫يظنون أهنم ُيسنون لإلسالو صنعاً كما فعل صا ب كتان (اللتان والقاآن قااءة‬
‫معاصاة)(‪ )4‬ونظايته تتلخص أبنه ة بد من نظاية جديدة إلهناض العان واملسلمني تقوو‬
‫على تلبيس اإلسالو اقية املاركسية بعد إدخال بعض التعديالت اجلوهاية على املاركسية‬
‫( ‪ )1‬الفيوم ‪ ،‬أمحد بن حممد بن عل املقار ‪ :‬املصبال املنري يف غايب الشال اللبري‪ ،‬ص(‪.)667‬‬
‫أنظا ‪ :‬جممع اللغة العابية‪ ،‬معجم الوسيط ‪ ،‬ص(‪.)1046‬‬
‫( ‪ )2‬وهو الشيخ رضوان شافع املتعايف واللتان نشاته املطبعة السلفية يف ةهور سنة ‪1354‬ه الطبعة الثانية‪.‬‬
‫( ‪ )3‬انتقد د‪ .‬حممد سعيد البو‬
‫هذا املنهج ومل يوافق عليه‪.‬‬
‫أنظا ‪ :‬جملة اامة القطاية العددين ‪ 32 ،31‬من السنة الثالثة عاو ‪1983‬و‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬هو د‪ .‬املهند حممد بن ديب شحاور‪ ،‬أنفق من عماه كما يقول عشا سنوات كامالت يدر اإلسالو‬
‫فاكتشف أنه مسلم يعتقد اإلسالو عقيدة ونظاماً ومنهجاً للحياة وأن السنة ليست و ياً وأن الفقه هو من‬
‫الرتاث وأن الفقهاء من ِّجا اإلسالو وأن املاركسية ه مصدر التفلري وأن فهم القاآن يعتمد على العقل‬
‫فقط‪.‬‬
‫أنظا ‪ :‬الشواف‪ ،‬د‪ .‬حمام منري حممد اها‪ ،‬هتافت القااءة املعاصاة ‪ ،‬ص (‪.)46-11‬‬
‫واإلسالو‪ .‬وأن يُغلَّف ذلك ابحلاايت ال أ لقها املبدأ الاأمسايل وألغتها املاركسية وأن يُبَ هَّا‬
‫الناتج ابلعوا ف القومية والو نية ىت ة يبقى لنظايته لون أو عم وبذلك يلون املسلم‬
‫الذر أرضى اجلميع عند ظنه ووضع نظاية جديدة للنه ة قد توصل إليها من بني فاث‬
‫ودو لبناً سائغاً للشاربني‪.‬‬
‫ج‪ -‬رمبا كان ذلك بسبب اجلهل ابإلسالو ذاته‪ ،‬ومبقاصده‪ ،‬و لمه كما يفعل بعض تالمذة‬
‫كالعلْمانية والدميقاا ية‪.‬‬
‫املستشاقني‪ ،‬الذين جيمعون بني اإلسالو والعقائد الفاسدة َ‬
‫ومن املصطلحات ال تدور يف فلك التوفيق ما يل ‪:‬‬
‫‪ -1‬التقارن الثقاف ‪:‬‬
‫والتقارن‪ :‬دنو الش ء من اآلخا(‪ ،)1‬وهو تفاعل‪ ،‬أر أن الش ء يقرتن من اآلخا‪ .‬وهو‬
‫اإلسالميَّة إىل غريها من الثقافات ااخاى(‪.)2‬‬
‫تعبري يااد به تقايب الثَّقافَة ْ‬
‫وقد يؤدر إىل التوفيق‪ ،‬وقد يلون وسيلة إىل الوصول إىل التوفيق‪ .‬مث إن التقارن قد‬
‫أيخذ معىن عاماً يف أمور شىت ّ‬
‫كالف ْلا واةقتصاد وقد يلون يف جمال حمدد كاةعتقاد كما هو صنيع‬
‫دعاة التقايب بني ما يُسمى اباداين السماوية ( اإلسالو والنصاانية واليهودية ) وحنو التقايب بني‬
‫منهج أهل السنة والشيعة(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬التفاعل الثقاف ‪:‬‬
‫والفعل يف ااصل مبعىن‪ :‬التأثري من جهة ُمؤثِّّا‪ ،‬وتفاعال‪ :‬أثِّا كل منهما يف اآلخا‪.‬‬
‫والفاعلية‪ :‬وصف يف كل ما هو فاعل(‪.)4‬‬
‫( ‪ )1‬املعجم الوسيط ‪ ،‬ص(‪.)723‬‬
‫( ‪ )2‬الطايق ‪ ،‬د‪ .‬عبد هللا بن إبااهيم بن عل ‪ :‬الثَّقافَة والعامل اآلخا‪ ،‬ااصول وال وابط‪ ،‬ص(‪.)21‬‬
‫( ‪ )3‬الشيعة هم الذين شايعوا علياً رض هللا عنه على وجه اخلصوص وقَالوا إبمامته وخالفته‪ ،‬واعتقدوا أن‬
‫اإلمامة ة ختاج عن ولده وهم فاق شىت ‪ .‬أنظا ‪َّ :‬‬
‫الش ْه َا ْستا ِّ ‪ :‬امللل والنحل (‪.)191-146/1‬‬
‫( ‪ )4‬ااصفها ‪ ،‬احلسني بن حممد بن املف ل (‪502‬ه ) ‪ :‬املفادات يف غايب القاآن‪ ،‬ص(‪.)382‬‬
‫وأنظا ‪ :‬املعجم الوسيط ص(‪.)695‬‬
‫والتفاعل الثقايف‪ :‬مصطلح ديث يااد به تقايب الثقافات بع ها إىل بعض لتؤثا كل‬
‫منها يف ااخاى(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬اةخرتاق الثقاف ‪:‬‬
‫واخلاق‪ :‬القطع والثقب‪ ،‬وكرتق الاايل‪ :‬مهبها‪ ،‬واخرتق الثون‪ :‬شقه‪ ،‬واخرتق القوو‪:‬‬
‫م ى وسطهم(‪.)2‬‬
‫اإلسالميَّة‬
‫واةخرتاق الثقايف تعبري يااد به‪ :‬كسا احلواجز النفسية القائمة بني الثَّقافَة ْ‬
‫وغريها‪ ،‬لتدخل كلم منها يف ااخاى(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬تعايش الثقاف ات(‪:)4‬‬
‫عجم الوسيط(‪:)5‬‬
‫والعيش‪ :‬هو احلياة‪ ،‬وتقول عايشه‪ :‬عاش معه‪ ،‬مثل عاشاه‪ ،‬وقَ َ‬
‫ال يف املُ َ‬
‫تعايشوا‪ :‬عاشوا على االفة واملودة‪ ،‬ومنه التعايش السلم ‪.‬‬
‫التعايش السلم ‪ :‬التعاون بني دول العامل على أسا‬
‫من التفاهم وتبادل املصاحل‬
‫اةقتصادية والثقافية(‪.)6‬‬
‫وتعايش الثقافات يااد منه‪ :‬كسا احلواجز املانعة من التقاء الثقافات وتفاعلها وأتثري‬
‫بع ها يف بعض يف جو سلم بعيد عن الاول العدائيِّة والتعصب ضد الثقافات ااجنبيِّة(‪.)7‬‬
‫املتقدمة واملتخلِّفة‪ ،‬فأما ااوىل فبقصد تو ني اامم ااخاى‬
‫وهذا شعار تافعه اامم املتحدة‬
‫ِّ‬
‫وختدياها متهيداً لغزوها‪ .‬وأما الثانية فبسبب ما يلللها من اةهنزاو وال عف واةحنطاط(‪.)8‬‬
‫( ‪ )1‬الطايق ‪ ،‬الثَّقافَة والعامل اآلخا‪ ،‬ااصول وال وابط‪ ،‬ص(‪.)22‬‬
‫( ‪ )2‬الفريواابدر‪ ،‬جمد الدين حممد بن يعقون ‪ :‬القامو‬
‫ص(‪.)329‬‬
‫احمليط‪ ،‬ص(‪ .)1135‬وأنظا ‪ :‬املعجم الوسيط‬
‫( ‪ )3‬الطايق ‪ ،‬الثَّقافَة والعامل اآلخا‪ ،‬ااصول وال وابط ‪ ،‬ص(‪.)23‬‬
‫( ‪ )4‬من أباا من استعمل هذا املصطلح ااستاذ مالك بن بين‪ .‬أنظا ‪ :‬كتابه مشللة الثَّقافَة الفصل الثالث‪.‬‬
‫( ‪ )5‬املعجم الوسيط ‪ ،‬ص(‪.)639‬‬
‫( ‪ )6‬عطية هللا‪ ،‬أمحد ‪ :‬القامو السياس ‪ ،‬ص(‪.)420‬‬
‫( ‪ )7‬الطايق ‪ ،‬الثَّقافَة والعامل اآلخا‪ ،‬ااصول وال وابط‪ ،‬ص(‪.)24‬‬
‫( ‪ )8‬من أباا من استعمل هذا املصطلح ااستاذ مالك بن نيب‪ .‬أنظا كتابه‪ :‬مشللة الثَّقافَة الفصل الثالث‬
‫فإن من املبالغة الدعوة إىل يُسمى ابلسالو العامل ‪ ،‬أو النِّّظَاو العامل ‪ ،‬أو التعايش‬
‫و ابلتايل ِّ‬
‫اإلسالميَّة‬
‫السلم ‪ ،‬أو تعايش الثقافات ملا يرتتب على هذا ااما من تذويب الفاوق بني العقيدة ْ‬
‫والعقائد ااخاى‪ ،‬وكسا احلواجز النفسيِّة بني املسلم وغري املسلم وإيقاف اجلهاد‪ .‬ومن مثِّ ذوابن‬
‫اإلسالميَّة يف مجلتها ابلشخصيِّة ااجنبيِّة إىل غري ذلك من مظاها التفايط‪.‬‬
‫الشخصية ْ‬
‫اطي ُم ْ‬
‫ست َ ِقي ًما‬
‫فالواجب على املسلم أن يلون على هدى قول هللا تعاىل‪َ  :‬وأ َ َّن َهذَا ِص َر ِ‬
‫فَاتَّبِعُوهُ َو َال تَتَّبِعُوا ال ُّ‬
‫سبِي ِل ِه ذَ ِل ُك ْم َوصَّا ُك ْم بِ ِه لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ ‪ .)1( ‬وإذا ابن‬
‫سبُ َل فَتَفَرَّ قَ بِ ُك ْم ع َْن َ‬
‫السبل املتعاجة واملناهج املغاياة‪ ،‬فب دها تتميز ااشياء‪.‬‬
‫الطايق املستقيم‪ ،‬ابنت ُ‬
‫وهذا الطايق املستقيم يُلزمنا ابحلذر واحلَْزو‪ .‬واحلذر‪ « :‬هو اة رتاا‪ ،‬واة رتا وتوق ما‬
‫ُخياف منه »(‪ .)2‬واحلَْزو هو‪ « :‬النظا يف اامور قبل نزوهلا‪ ،‬وتوق املهالك قبل الوقو فيها‪ ،‬وتدبري‬
‫(‪)3‬‬
‫كل‬
‫اامور على أ سن ما تلون من وجوهها » ‪ .‬ولذلك قيل‪ « :‬احلااو ُيذر ِّ‬
‫عدوه على ِّ‬
‫ال‬
‫اَّلل أ َ َعدَّ ِل ْلكَافِ ِرينَ َعذَابًا ُم ِهينًا ‪ ،)5(‬وقَ َ‬
‫ال»(‪ .)4‬وقد قَ َ‬
‫ال هللا تعاىل‪َ  :‬و ُخذُوا ِح ْذ َر ُك ْم ِإ َّن َّ َ‬
‫اَّللُ َو َال تَت َّ ِبعْ أ َ ْه َوا َء ُه ْم َو ْ‬
‫اح ُك ْم َب ْينَ ُه ْم ِب َما أ َ ْن َز َل َّ‬
‫هللا تعاىل‪َ  :‬وأ َ ِن ْ‬
‫ْض َما‬
‫احذَرْ ُه ْم أ َ ْن َي ْف ِتنُوكَ ع َْن َبع ِ‬
‫أ َ ْن َز َل َّ‬
‫اَّللُ إِلَيْكَ ‪ « .)6(‬فالعدول أو التعديل يف شايعة هللا ة يعين شيئاً إة الفساد يف اارض وإةِّ‬
‫العدالَة يف ياة البشا وإةِّ عبوديِّة النا بع هم‬
‫اةحنااف عن املنهج الو يد القومي‪ ،‬وإةِّ انتفاء َ‬
‫لبعض أرابابً من دون هللا‪ ،‬وهو ش ما عظيم وفسا ٌد عظيم»(‪.)7‬‬
‫من نوا‬
‫بد أن نلون متيقظني ذرين‬
‫لذا فإننا عند تعاملنا مع اآلخاين من غري ملِّة اإلسالو‪ ،‬ة ِّ‬
‫ثالث‪:‬‬
‫العامة‪.‬‬
‫اامة ِّ‬
‫ااوىل‪ :‬التأكد من عدو مصادمة ما نؤخذه مع مبادئنا وقيمنا‪ ،‬أو تعارضه مع مصاحل ِّ‬
‫( ‪ )1‬اانعاو ‪.153 /‬‬
‫( ‪ )2‬الطايق ‪ ،‬الثَّقافَة والعامل اآلخا‪ ،‬ااصول وال وابط‪ ،‬ص(‪.)107‬‬
‫( ‪ )3‬ابن ااارق‪ ،‬بدائع السلك يف با امللك‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عل سام النِّشار ‪.)498/1( ،‬‬
‫( ‪ )4‬ابن قتيبة‪ :‬عيون ااخبار‪.)112/2( ،‬‬
‫( ‪ )5‬النساء ‪.102 /‬‬
‫( ‪ )6‬املائدة ‪.49 /‬‬
‫( ‪ )7‬قطب‪َ ،‬سيِّّد ‪ :‬يف ظالل القاآن ‪ ،‬ص(‪.)903‬‬
‫الثانيِّة‪ :‬عدو اةغرتار مبا يُزيِّنه البا ل‪-‬من اللفاة أنفسهم أو من بين جلدتنا‪ -‬من حتسني للقبح‬
‫واخافة للبا ل ٍّ‬
‫اإل ْن ِس‬
‫ال تعاىل ‪َ  :‬و َكذَ ِلكَ َجعَ ْلنَا ِل ُك ِل نَ ِبي َ‬
‫عدُوًّ ا َ‬
‫وقلب للحقائق كما قَ َ‬
‫شيَ ِ‬
‫اطينَ ْ ِ‬
‫ف ْالقَوْ ِل ُ‬
‫ُوحي َب ْع ُ‬
‫ورا َو َلوْ شَا َء َربُّكَ َما فَ َعلُوهُ فَذَرْ ُه ْم َو َما‬
‫َو ْال ِج ِن ي ِ‬
‫غ ُر ً‬
‫ض ُه ْم ِإلَى َبعْض ُز ْخ ُر َ‬
‫يَ ْفت َ ُرونَ ‪َ ‬و ِلت َ ْ‬
‫صغَى إِلَ ْي ِه أ َ ْفئِدَةُ الَّ ِذينَ َال ي ُْؤ ِمنُونَ ِب ْاْل ِخ َر ِة َو ِليَرْ َ‬
‫ضوْ هُ َو ِليَ ْقت َ ِرفُوا َما ُه ْم ُم ْقت َ ِرفُونَ ‪‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫الثالثة‪ :‬اةنتباه إىل كيد العدو وملاه‪ ،‬بغية اإلساءة إىل املسلمني يف عقيدهتم وعبادهتم وأخالقهم‬
‫ال تعاىل‪  :‬يَاأَيُّ َها الَّ ِذينَ َءا َمنُوا َال تَت َّ ِخذُوا ِب َطا َنةً ِم ْن دُونِ ُك ْم َال‬
‫وعاداهتم واعزعة كياهنم‪ ،‬وقد قَ َ‬
‫ت ْال َب ْغضَا ُء ِم ْن أ َ ْف َوا ِه ِه ْم َو َما ت ُ ْخ ِفي ُ‬
‫ور ُه ْم أ َ ْك َب ُر قَ ْد َبيَّنَّا لَ ُك ُم‬
‫َيأْلُونَ ُك ْم َخ َب ًاال َودُّوا َما َ‬
‫ع ِنت ُّ ْم قَ ْد َبدَ ِ‬
‫صدُ ُ‬
‫ت ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع ِقلُونَ ‪َ ‬ها أ َ ْنت ُ ْم أ ُ َ‬
‫ب ُك ِل ِه َو ِإذَا لَقُو ُك ْم‬
‫ْاْل َيا ِ‬
‫وال ِء ت ُ ِحبُّونَ ُه ْم َو َال ي ُِحبُّونَ ُك ْم َوت ُ ْؤ ِمنُونَ ِب ْال ِكتَا ِ‬
‫ع ُّ‬
‫ام َل ِمنَ ْالغَي ِْظ قُ ْل ُموتُوا ِبغَي ِْظ ُك ْم ِإ َّن َّ‬
‫ت‬
‫اَّللَ َ‬
‫ضوا َ‬
‫قَا لوا َءا َمنَّا َو ِإذَا َخلَوْ ا َ‬
‫ع ِلي ٌم ِبذَا ِ‬
‫علَ ْي ُك ُم ْاألَنَ ِ‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫س ِيئ َة َي ْف َرحُوا بِ َها َو ِإ ْن ت َ ْ‬
‫ال ُّ‬
‫س ْ‬
‫صبِ ُروا َوتَتَّقُوا َال‬
‫سنَة تَس ُْؤ ُه ْم َو ِإ ْن ت ُ ِص ْب ُك ْم َ‬
‫س ُك ْم َح َ‬
‫ور‪ِ ‬إ ْن تَمْ َ‬
‫صدُ ِ‬
‫اَّللَ ِب َما َي ْع َملُونَ ُم ِح ٌ‬
‫َي ُ‬
‫ش ْيئًا ِإ َّن َّ‬
‫يط ‪.)2( ‬‬
‫ضرُّ ُك ْم َك ْيدُ ُه ْم َ‬
‫وبتقايا هذه احلقائق يتبني عور تلك الدعاوى والتمويهات ال يُاددها البعض كقوهلم‪ :‬اإلسالو‬
‫اإلسالميَّة والغَ ْابيِّة‬
‫دين التسامح يف معاض التناال عن أ لاو اإلسالو والتقايب بني احل ارتني ْ‬
‫وبتقايا هذا تتأكد أمهيِّة احلذر واحلَْزو يف التعامل الثقايف مع اآلخاين وأنه ة جيوا التساهل فيه‪.‬‬
‫( ‪ )1‬اانعاو ‪.113-112 /‬‬
‫( ‪ )2‬آل عماان ‪.120-118 /‬‬
‫الفصـل األول‬
‫مفهــــوم العَدالَة فــي اللغــة وال ِف ْكر اإلنسانـــي‬
‫ويشمل على أربعة مباحث ‪:‬‬
‫‪ -1‬المبحث األول‬
‫‪ -2‬المبحث الثاني‬
‫‪ -3‬المبحث الثالث‬
‫‪ -4‬المبحث الرابع‬
‫‪ :‬مفهوم العَدا َلة في اللغـــــــــــــة وال َّ‬
‫شرْ ع‪.‬‬
‫‪ :‬مفهوم العَدالَة عند األمم والديانات السماوية السابقة‪.‬‬
‫‪ :‬مفهوم ال َعدالَة عند الفالسفة والمتكلمين‪.‬‬
‫‪ :‬مفهوم العَدالَة ْ‬
‫االجتِ َما ِعيَّة في ال ِف ْكر السياسي الغَرْ بي ‪.‬‬
‫المبحث‬
‫األول‬
‫مفهوم ال َعدالَة في اللغة وال َّ‬
‫ش ْرع‬
‫ويشتمل على أربعة مطالب ‪:‬‬
‫‪ -1‬ال َعدا َلة‬
‫‪ -2‬العَدالَة‬
‫‪ -3‬العَدالَة‬
‫‪ -4‬العَدالَة‬
‫في الوضـــــــــــــــــع اللغـــــــــــوي‪.‬‬
‫في الوضــــــــــع ال َّ‬
‫شرْ عـــــــــــــي‪.‬‬
‫في الوضع العرفي العــــــــــام‪.‬‬
‫في الوضع العرفي الخاص‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫ال َعدالَة فــــــي الوضــــــع اللغــــــــوي‬
‫أ لق ت م ادة –‬
‫د ل – عن د كث ري م ن علم اء اللغ ة ومج ع م ن ذاق البي ان عل ى مع ٍّ‬
‫ان‬
‫اء ةش تقاقها يف الل الو ف أتوا‬
‫مجِّة تبع اً ل ورود اس تعماهلا يف الوض ع ال ذر وق ع في ه التخا ب واقت ً‬
‫ٍّ‬
‫ويقل شيوعه‪.‬‬
‫مبعان متفاوتة منها ما يغلب استعماله يف التخا ب ومنها ما يندر ُّ‬
‫ص ّح ْيحني‪ ،‬للنهم ا متق ابالن كاملت ادين‪:‬‬
‫وميلن عند ُّ‬
‫التأمل إرجا تلك املعا إىل أصلني َ‬
‫أ دمها يدل على اةستواء‪ ،‬واآلخا يدل على اةعوجاج‪.‬‬
‫فمن ااصل ااول ‪:‬‬
‫وع ْد ّ‬
‫ةن‪،‬‬
‫ الع دل م ن الن ا ‪ :‬املاض املس تور الطايق ة‪ .‬يُ َق ال ‪ :‬ه ذا َع ْد ٌل ومه ا َع ْد ٌل‪َ ،‬‬‫وهم عُ ٌ‬
‫الع ْدل والعُ ُدولة(‪.)1‬‬
‫دول‪ِّ ،‬‬
‫وإن فالانً َلع ْد ٌل ِّبني َ‬
‫ال اهري بن أيب سلمى(‪: )2‬‬
‫قَ َ‬
‫قوو يَ ُق ْل َس َاوا ُهت م‬
‫مىت‬
‫يشتجا ٌ‬
‫ْ‬
‫عدل‬
‫وه ُم ُ‬
‫وهم بيننا فهم ّرضاً ُ‬
‫( ‪ )1‬وردت لفظة العدولة يف القامو احمليط ومقاييس اللغة دون اللسان‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو اهري ب ن أيب سلمى ربيعة بن رابل املز ‪ ،‬من الشعااء اجلاهلني‪ ،‬ول د يف مزين ة م ن ن وا‬
‫قبل اهلجاة بثالث عشا سنة له ديوان مطبو ‪.‬‬
‫( ‪ )3‬ابن أيب سلمى‪ ،‬اهري ‪ :‬الديوان ‪ ،‬ص( )‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫املدين ة‪ ،‬وت ويف‬
‫ والع دل احلل م ابةس تواء‪ :‬وي َق ال للش ء يس اور الش ء ‪ :‬ه و ّع ْدلُ ه‪ .‬واملش اك يَ ْع دل‬‫وع َدلت فالانً بف الن إذا‬
‫بابه‪ ،‬كأنه يسور به تعاىل غريه‪ِّ ،‬‬
‫وعدل املوااين وامللاييل‪ :‬سواها‪َ ،‬‬
‫سويِّت بينهما‪.‬‬
‫ال هللا تعاىل ‪َ  :‬و َال ي ُْق َب ُل ِم ْن َها َع ْد ٌل ‪ )1(‬أر فدية‪ ،‬وكل‬
‫ والعدل قيمة الش ء وفداؤه‪ ،‬قَ َ‬‫ذلك من املعادلة‪ ،‬وه املساواة‪.‬‬
‫ والع دل‪ :‬م ا ق او يف النف و أن ه مس تقيم‪ ،‬وه و نق يض اجل ور‪ .‬نق ول‪َ :‬ع َدل يف رعيت ه‪ ،‬وي وو‬‫معت دل‪ ،‬إذا تس اوى اة اه وب اده‪ .‬وك ذلك يف الش ء امل أكول‪ .‬وي َق ال َع َدلت ه ىت‬
‫اعتدل‪ ،‬أر أقمته ىت استقاو واستوى‪.‬‬
‫والع ْدل ة ‪ :‬املزُّك ون‪ ،‬ورج ل عُ َدل ه وق وو‬
‫ والعدل‪ :‬التزكية‪ ،‬ي َق ال َع َّدل َّ‬‫والع َدلَة َ‬
‫الا ُج ل ‪ :‬اك اه َ‬
‫عُ َدله‪ :‬هم الذين يزُّكون الشهود وهم عدول‪.‬‬
‫وأما ااصل الثا ‪:‬‬
‫وع دل ع ن الش ء‪ :‬اد ع ن الطاي ق‪ :‬ج ار‬
‫في َقال يف اةعوجاج‪َ :‬ع َدل‬
‫َ‬
‫وانعدل‪ ،‬أر انع اج َ‬
‫وع َدل الطاي ق‪ :‬م ال وي َق ال ‪ :‬انظ اوا إىل س وء معادل ه‪ ،‬وم ذموو مداخل ه‪ :‬أر إىل س وء مذاهب ه‬
‫َ‬
‫ومسالله‪.‬‬
‫عج م ي ة(‪ )2‬مل ادة « ع دل » ومش تقاهتا نلح ظ إفادهت ا‬
‫وبع د ك ل م ا تق دو م ن ه ذه النُّق ول املُ َ‬
‫معىن‪ :‬اإلنصاف‪ ،‬والتسوية‪ ،‬واةستقامة‪ ،‬والن زاهة والفدية والتزكية‪ ،‬ونقيض اجلور والقيم ة والقوام ة‪،‬‬
‫واملماثلة واةنعااج وامليل‪.‬‬
‫( ‪ )1‬البقاة ‪.123 /‬‬
‫( ‪ )2‬أنظا ‪:‬‬
‫‪ -‬جممع اللغة العابية ابلقاهاة‪ ،‬املعجم الوسيط‪ ،‬ص(‪.)588‬‬
‫ الفريواآابدر‪ ،‬جمد الدين حممد بن يعقون ‪ :‬القامو احمليط‪ )13/4( ،‬فصل العني ابن الالو‪.‬‬‫ ابن منظور‪ ،‬حممد بن ملاو ‪ :‬لسان العان (‪.)449 -106 /10‬‬‫‪ -‬ابن فار ‪ ،‬أيب احلسني أمحد‪ :‬معجم مقاييس اللغة‪.)246/4( ،‬‬
‫ومث ة مع ٍّ‬
‫ان واش تقاقات أخ اى يف ااص ل اللغ ور ة ت دعو احلاج ة لبياهن ا لتوقفن ا ع ن ج ِّل‬
‫املقص ود يف حتقي ق اب ن ف ار (‪ )1‬اص ول م ادة « ع دل » لب اً للطاي ق الواض ح ومه ا اةس تواء‬
‫واةعوج اج ليتناس ب م ع املقص ود ال ذر ينب ين علي ه أ ُّ البح ث وه و الع دل مبع ىن اةس تواء‬
‫واةستقامة يف امل َقال والفعال واحلال‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫ال َعدالَة فــــــي الوضــــــع ال َّ‬
‫ش ْرعـــــــي‬
‫العدالَة نقله ا َّ‬
‫الش ْا يف اللت ان والس نة م ن أص ل الوض ع اللغ ور الع او وقص اها‬
‫إن لفظة َ‬
‫على الدةلة ال يستفاد من جهة َّ‬
‫الش ْا وضعها وه ‪« :‬اةستقامة يف الدين والدنيا»(‪.)2‬‬
‫وهذه الدةلة مستقاة من املعا املختلفة املوض وعة م ن جه ة َّ‬
‫العدالَة كلف ظ‬
‫الش ا ّر للفظ ة َ‬
‫مشرتك‪ ،‬فتلون جذا لفظة مشرتكة دلِّت على أاي د م ن مع ىن وا د كتلف ة يف قائقه ا عل ى الظه ور‬
‫بوضع وا د(‪ )3‬ويف كوهن ا لفظ ة وا دة ينتف إثب ات التب اين وال رتادف يف قه ا إلهنم ا ة يقع ان إة‬
‫يف جمم و االف اظ لفظت ني فص اعداً ويف كوهن ا دال ة عل ى أاي د م ن مع ىن وا د ا رتاا ع ن اللفظ ة‬
‫املف ادة ال ة ت دل إة عل ى مع ىن وا د‪ ،‬ويف كوهن ا كتلف ة يف قائقه ا ا رتاا ع ن املتوا ئ ة ف إن‬
‫اختالفها ليس يف احلقائق وإمنا اختالفها يف العدد ويف كوهنا أمااً ظاهااً ا رتاا عن االفاظ املش تبهة‬
‫ال تدل على أكثا من قيقة وا دة كتلفة يف قائقها‪.‬‬
‫ُّص وص القاآني ة واحلديثي ة جي د نصوص اً متع ددة ق د أوردت لفظ ة‬
‫وعلي ه‪ ،‬ف إن الن اظا يف الن ُ‬
‫العدالَة سواء بصيغة الفعل أو املصدر تدل يف معظمه ا عل ى مع ٍّ‬
‫ان متباين ة تظه ا م ن خ الل الس ياق‬
‫َ‬
‫( ‪ )1‬سبق التعايف به ص( )‪.‬‬
‫( ‪ )2‬الساخس ‪ ،‬أبو بلا حممد بن أمحد بن أيب سهيل احلنف ‪ :‬أصول الساخس ‪.)113/3( ،‬‬
‫( ‪ )3‬بن محزة‪ ،‬اإلماو ُيىي‪ :‬الطااا املت من اساار البالغة وعلوو قائق اإلعجاا‪.)155/2( ،‬‬
‫اللفظ وقد تتساوى املعا ال وضعت هلا عند انتقاء القاينة مما يؤدر إىل ا تم ال ك ون ك ل مع ىن‬
‫منها مااداً يف تلك املوا ن فيختلف اجملته دون يف مح ل ذل ك اللف ظ عل ى أر م ن معاني ه ال وض ع‬
‫هلا‪ ،‬أو عليها كلها‪.‬‬
‫فف اللت ان املطه ا وردت لفظ ة العدالَ ة مبش تقاهتا يف مثاني ة وعش اين موض عاً(‪ )1‬مبع ٍّ‬
‫ان‬
‫َ‬
‫نبني أصوهلا ‪:‬‬
‫متباينة ِّ‬
‫َّ َّ‬
‫أاء ذِي ْالقُرْ بَأأى‬
‫ِن‬
‫‪ -1‬اةس تقامة ‪ :‬ومن ه قول ه تع اىل ‪  :‬إ‬
‫أان َوإِيتَأ ِ‬
‫اإل ْح َ‬
‫سأ ِ‬
‫اَّللَ يَأأأ ْ ُم ُر بِ ْالعَ أ ْد ِل َو ْ ِ‬
‫َاء َو ْال ُم ْنك َِر َو ْالبَ ْغأي ِ يَ ِع ُظ ُكأ ْم لَعَلَّ ُكأ ْم تَأذَ َّك ُرونَ ‪ ،)2(‬فق د أم ا هللا تع اىل عب اده‬
‫َويَ ْن َهى ع َِن ْالفَ ْحش ِ‬
‫ال عب د هللا ب ن َعبَّ ا (‪ )3‬رض هللا عن ه ‪ « :‬الع دل ش هادة أن‬
‫ابلعدل وهو اةستقامة على احلق‪ ،‬قَ َ‬
‫ال س فيان ب ن عيين ة (‪ « : )4‬الع دل يف ه ذا املوض و ه و اس تواء الس اياة‬
‫ة إل ه إة هللا »‪ ،‬وقَ َ‬
‫والعالني ة م ن ك ل عام ل هلل عم الً‪ .‬فاش تملت عل ى الع دل الع او اآلم ا ابةس تقامة عل ى احل ق»(‪،)5‬‬
‫َّ َّ‬
‫اَّللَ يَأأأ ْ ُم ُر ِب ْال َع أ ْد ِل‬
‫ِن‬
‫ال عب د هللا ب ن مس عود رض هللا عن ه ‪ « :‬إن أمج ع آي ة يف الق اآن ‪ ‬إ‬
‫وقَ َ‬
‫ان ‪ .)6(» ‬ومن ه قول ه تعال ى‪َ  :‬ه ْل َي ْ‬
‫علَأى ِص َأراط‬
‫ست َ ِوي ُه َو َو َم ْن َيأأ ْ ُم ُر ِب ْال َعأ ْد ِل َو ُه َأو َ‬
‫اإل ْح َ‬
‫س ِ‬
‫َو ْ ِ‬
‫( ‪ )1‬عبد الباق ‪ ،‬حممد فؤاد ‪ :‬املعجم املفها الفاظ القاآن اللامي‪ ،‬ص(‪.)449-448‬‬
‫( ‪ )2‬النحل ‪.90 /‬‬
‫اام ة‪،‬‬
‫العبَّ ا ‪ ّ،‬رب ِّ‬
‫العبَّا ابن عبد املطلب بن هاشم بن عبد مناف القاش اهل امش ‪ ،‬أب و َ‬
‫(‪ )3‬هو عبد هللا بن َ‬
‫الصحايب اجللي ل‪ُ ،‬ول د مبل ة قب ل اهلج اة ب ثالث س نني نش أ يف ب دء عص ا النب وة‪ ،‬ف الاو رس ول هللا ‪ ،‬وروى عن ه‬
‫ِّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الصح ْيحة‪ُ ،‬ك َّ‬
‫الص ح ْيحني‬
‫ف بصاه يف آخا ياته ‪ ،‬فسلن ابلطائف وتويف جا سنة ‪ 68‬هجاية‪ ،‬له يف َ‬
‫اا اديث َ‬
‫ال َع ْم او ب ن دين ار ‪ « :‬م ا‬
‫ال اب ن مس عود « نّع م تامج ان الق اآن اب ن َعبَّ ا »‪ .‬وقَ َ‬
‫وغريمه ا ‪ 1660‬ديثاً‪ .‬قَ َ‬
‫رأيت جملساً كان أمجع للل خري من جملس ابن َعبَّا احلالل واحلااو والعابية واانسان والشعا»‪ .‬انظا ااعالو‬
‫(‪ .)95/4‬واإلصابة يف متييز الصحابة (‪.)90/4‬‬
‫ال‬
‫(‪ )4‬ه و س فيان ب ن عيين ة ب ن أيب عم اان ميم ون‪ ،‬الل ويف مثِّ املل ‪ ،‬أب و حمم د‪ ،‬وه و م ن اتبع الت ابعني‪ ،‬قَ َ‬
‫الن وور‪ :‬روى عن ه خالئ ق ة ُيص ون م ن اائم ة ‪ ،‬واتفق وا عل ى إمامت ه وعظ م ماتبت ه ومل يل ن ل ه كت ب‪ ،‬و ِّج‬
‫ودفن ابحلَجون‪ .‬انظا ‪ :‬تامجته يف تذكاة احلفاظ (‪ ،)262/1‬وميزان‬
‫سبعني جة‪ ،‬تويف مبلة سنة ‪ 198‬هجاية‪ُ ،‬‬
‫اةعت دال (‪ ، )170/2‬الفهاس ت (‪ ،)316‬اخلالص ة (‪ ،)145‬بق ات احلِّف اظ (‪ ،)113‬وفيِّ ات ااعي ان‬
‫(‪.)129/2‬‬
‫( ‪ ) 5‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء عماد الدين إمساعيل الدمشق ‪ :‬كتصا التفسري حملمد على الصابو ‪.)343/2( ،‬‬
‫( ‪ )6‬ابن كثري‪ ،‬املصدر نفسه (‪ .)514/3‬وانظا‪ :‬البَ ْي َه ّق ِّ ‪ُ :‬شعب اإلميان (‪ )458/2‬عن سعيد بن مساوق‪.‬‬
‫ُم ْ‬
‫ست َ ِقيم ‪« )1(‬فم َقاله ق وفعال ه مس تقيمة وامل َق ال هن ا م َق ال عثم ان ب ن عف ان رض هللا عن ه أو‬
‫عم ار ب ن ايس ا(‪ )2‬رض هللا عن ه‪ ،‬ف ااول ك ان ينف ق عل ى م وىل ل ه ويلفل ه املؤون ة إة أن امل مون‬
‫يلاه اإلسالو وأيابه وينهى ال امن عن الصدقة واملعاوف‪ ،‬واآلخا كان اثبت اةستقامة عل ى احل ق‬
‫أم او َس يِّّده أيب جه ل من زل الع ذان والعن ت والوص ب عل ى جس ده »(‪ .)3‬ويف ه ذا املع ىن يق ول‬
‫العدالَ ة ه اةنزج ار ع ن حمظ ورات ديني ة وه متفاوت ة‪ ،‬وأقص اها أن يس تقيم‬
‫الش يخ الته انور‪َ « :‬‬
‫كما أما هللا »(‪ )4‬ومنه قول اجلاجا (‪ « :)5‬ه اةس تقامة عل ى اي ق احل ق والبع د عم ا ه و حمظ ور‪،‬‬
‫ورجحان العقل على اهلوى»(‪ ،)6‬ومنه ق ول أب و البق اء ‪« :‬ه اةس تقامة عل ى اي ق احل ق ابةختب ار‬
‫عما هو حمظور داينة»(‪.)7‬‬
‫أاس أ َ ْن ت َ ْح ُك ُمأأوا‬
‫‪ -2‬إعط اء ك ل ذر ق ق ه‪ :‬ومن ه ق ول هللا تع اىل‪َ  :‬وإِذَا َحكَمْ أت ُ ْم بَ أيْنَ النَّأ ِ‬
‫ال حمم د ب ن كع ب واي د ب ن أس لم‬
‫ِب ْالعَ ْد ِل ‪ .)8( ‬فهذا أما منه تعاىل ابحللم ابلعدل ب ني الن ا ‪ ،‬قَ َ‬
‫ٌ‬
‫إن‬
‫وشها بن وشب‪ « :‬إمنا نزلت يف اامااء‪ ،‬يعين احللاو بني النا »(‪ .)9‬وقَ َ‬
‫ال رس ول هللا ‪ِّ « : ‬‬
‫هللا مع القاض م ا مل جي ا ف إذا ج ار وِّكل ه إىل نفس ه »(‪ .)10‬واحلل م ابلع دل ب ني الن ا‬
‫لم اً مطلق اً‬
‫( ‪ )1‬النحل‪.76/‬‬
‫صفني‪ .‬انظا‪ :‬أُسد الغابة‪.)43/4( ،‬‬
‫عمار بن ايسا العنس ‪ ،‬من السابقني ااولني‪ ،‬قُتل يوو ِّ‬
‫( ‪ِّ )2‬‬
‫( ‪ )3‬ابن كثري ‪ :‬كتصا تفسري القاآن (‪.)340/2‬‬
‫اإلسالميَّة ‪.)1015-1014/4( ،‬‬
‫( ‪ )4‬التهانور‪ ،‬الشيخ املولور حممد‪ :‬موسوعة اصطال ات العلوو ْ‬
‫( ‪ )5‬اجلاجا ‪ :‬هو عل ِّ بن حممد بن عل ‪ ،‬املعاوف ابلشايف اجلاجا ‪ ،‬فيلسوف‪ ،‬من كبار العلماء ابلعابيِّة‪.‬‬
‫ُولد يف اتكو سنة (‪740‬ه ‪1340-‬و) ودر يف شرياا‪ ،‬وتويف جا سنة (‪816‬ه ‪1413-‬و) وله حنو مخسني‬
‫مصنفاً منها‪ :‬التعايفات‪ ،‬وشال مواقف اإلجي ‪ ،‬وشال السااجيِّة (يف الفاائض) وغريها‪ .‬أنظا‪ :‬ااعالو‪ :‬للزركل‬
‫(‪ ،)7/5‬والبدر الطالع مبحاسن من بعد القان السابع للشوكا ‪.)488/1( ،‬‬
‫( ‪ )6‬اجلاجا ‪ ،‬عل بن حممد الشايف (‪816‬ه ) ‪ :‬التعايفات ‪ ،‬ص(‪.)147‬‬
‫( ‪ )7‬أ بو البقاء‪ ،‬أيون بن موسى احلسيين‪ :‬معجم املصطلحات والفاوق اللغور‪ ،‬القسم الثالث ‪ ،‬ص(‪-253‬‬
‫‪.)253‬‬
‫( ‪ )8‬النساء‪.58/‬‬
‫( ‪ )9‬ابن كثري ‪ :‬تفسري القاآن العظيم (‪.)687/1‬‬
‫والا ْش َوة ‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬عن عبد هللا بن أيب‬
‫( ‪ )10‬رواه ابن ماجه يف كتان اا لاو‪ ،‬ابن التغليظ يف احليف َّ‬
‫أوىف (‪ّ .)2312( ،)775/2‬‬
‫الص ّح ْيحني‬
‫وصح ْيح ابن بِّان‪ ،)448/11( ،‬وعند احلاكم يف املستدرك على َ‬
‫َ‬
‫ش امالً دون النظ ا إىل ل ون أو ج نس أو قااب ة و أر ص لة كان ت م ن مص لحة أو منفع ة‪ ،‬ب ل إعط اء‬
‫ك ل ذر ق ق ه‪ ،‬ة ف اق ب ني أف ااد اجملتم ع‪ ،‬فال عيف ق ور ىت يُعط ى ق ه‪ ،‬والق ور ض عيف‬
‫ىت يُؤخ ذ احل ق من ه‪ ،‬وه ذا م ؤدى ق ول أيب بل ا رض هللا عن ه يف خطبت ه بع د البيع ة ‪ « :‬الق ور‬
‫عن در ض عيف ىت آخ ذ احل ق من ه إن ش اء هللا »(‪ .)1‬ومن ه ق ول هللا تع اىل‪  :‬فََ ِلأأأذَ ِلكَ فَأأأا ْد ُ‬
‫ع‬
‫اَّللُ ِم ْ‬
‫أن ِكتَأاب َوأ ُ ِمأرْ ُ‬
‫ست َ ِق ْم َك َما أ ُ ِمرْ تَ َو َال تَتَّبِعْ أ َ ْه َوا َء ُه ْم َوقُأ ْل َءا َم ْنأ ُ بِ َمأا أ َ ْن َأز َل َّ‬
‫َوا ْ‬
‫ت ِأل َ ْعأ ِد َل بَيْأنَ ُك ُم‬
‫‪ ،» )2(‬والعدل يف احللم كما أما هللا إبعطاء كل ذر ق قه‪.‬‬
‫سأ ُ‬
‫أطوا إِ َّن َّ‬
‫ومن ه قول ه تع اىل ‪ :‬فَ أ ِإ ْن فَأأا َء ْت فَأ َ ْ‬
‫أطينَ‬
‫اَّللَ ي ُِحأأبُّ ْال ُم ْق ِ‬
‫ص أ ِلحُوا بَ ْينَ ُه َمأأا بِ ْالعَ أ ْد ِل َوأ َ ْق ِ‬
‫سأ ِ‬
‫ال رس ول هللا ‪ « : ‬املقس طون عن د هللا تع اىل ي وو القيام ة عل ى من ابا م ن ن ور عل ى مي ني‬
‫‪ .)3(‬قَ َ‬
‫إن املقس طني‪ ،‬مثِّ هللا‬
‫الع اش ال ذين يع دلون يف لمه م وأه اليهم وم ا ولِّ وا »(‪ .)4‬ويف رواي ٍّة‪ « :‬مث ِّ‬
‫عل ى من ابا م ن ن ور ع ن مي ني ال امحن ع ِّز وج ِّل وكلت ا يدي ه مي ني الذي ن يعدل ون يف لمه م وم ا ولِّ وا‬
‫»(‪.)5‬‬
‫امينَ ِ ََّّللِ ُ‬
‫ش َهدَا َء ِب ْال ِقس ِْط‬
‫‪ -3‬اإلنصاف ‪ :‬ومنه قول هللا تع اىل ‪  :‬يَاأَيُّ َها الَّ ِذينَ َءا َمنُوا ُكونُوا قَوَّ ِ‬
‫شنَ ُ‬
‫آن قَوْ م َعلَى أ َ َّال ت َ ْع ِدلُوا ا ْع ِدلُوا ُه َو أ َ ْق َربُ ِللت َّ ْق َوى ‪.)6(‬فاآلية ت منت النه‬
‫َو َال يَ ْج ِر َمنَّ ُك ْم َ‬
‫الرتّم ّذر‪ ،)618/3( ،‬وموارد الظمآن ابن إعانة‬
‫بلفظ (فإذا جار تربأ هللا ِّ‬
‫وسنَن ِّّْ‬
‫وجل منه ) ‪ُ ،)105/4( ،‬‬
‫عز ِّ‬
‫وص ّح ْيح اجلامع لأللبا بلفظ ( فإذا جار ختلِّى‬
‫هللا للقاض العدل‪ ،)307/1( ،‬واآل اد واملثا ‪َ ،)331/4( ،‬‬
‫ال ديث سن رقم (‪.)1253‬‬
‫هللا عنه ولزمه الشيطان ) وقَ َ‬
‫( ‪ )1‬الطَّ َربر‪ ،‬حممد بن جايا ‪ :‬اتريخ اامم وامللوك ‪ . )203/3( ،‬وأنظا‪ :‬اللاندهلور‪ ،‬ياة‬
‫الصحابة‪.)427-426/3(،‬‬
‫( ‪ )2‬الشورى‪.15/‬‬
‫( ‪ )3‬احلجاات‪.9/‬‬
‫ص ّح ْيح مسلم‪)1458/3( ،‬‬
‫( ‪ )4‬أخاجه مسلم والنسائ وابن أيب امت عن عبد هللا بن عما‪ .‬أنظا ‪َ :‬‬
‫وص ّح ْيح ابن ّ بِّّان (‪ )336/10‬وموارد الظمآن (‪.)369/1‬‬
‫َ‬
‫)‪.‬والس نَن الل ربى‪ ،‬كت ان‬
‫ص ّح ْيحه‪ ،‬ابن ف يلة اإلماو العادل وعقوبة اجلائا‪1453/3( ،‬‬
‫(‪ )5‬أخاجه مسلم يف َ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الق اء (‪ّ .)460/3‬‬
‫َ‬
‫وصح ْيح ابن بِّّ ان بلف ظ «مثِّ املقس طون ع ن مي ني ال ِّامحن» (‪ُ .)337/10‬‬
‫وس نَن البَ ْي َهق ِّ‬
‫الل ربى ‪ ،‬بلف ظ « مثِّ املقس طون ‪ ،‬مثِّ هللا» (‪ .)87/10‬وم وارد الظم آن (‪ )369/1‬ع ن عب د هللا ب ن َع ْم او ب ن‬
‫العاص‪.‬‬
‫( ‪ )6‬املائدة‪.8 /‬‬
‫للذين آمنوا من أن ُيملهم بغ هم لقوو على أن ة ينصفوا هلم ويعدلوا معهم‪ ،‬ان من ي بغض قوم اً‬
‫ُيمل ه بغ ه عل ى أن يل ون ظامل اً هل م‪ ،‬أو ج ائااً عل يهم‪ ،‬أو معت دايً عل ى ق وقهم يف قول ه‪ ،‬أو فعل ه‬
‫أو لمه أو ة بد أن ياكب ماكب اجلامية » ويف اس تخداو كلم ة ش نآن مبع ىن ال بغض إش عار أبن‬
‫البغض بغض ش ديد م طان متح اك»(‪ )1‬وهل ذا ج اء مؤك داً اام ا ابلع دل ‪  :‬ا ْعأ ِدلُوا ُه َأو أ َ ْق َأربُ‬
‫ال س فيان ب ن عيين ة ‪ « :‬س ئل عل ع ن ق ول هللا ع ِّز وج ِّل ‪ِ ‬إ َّن َّ‬
‫اَّللَ َيأأأأ ْ ُم ُر‬
‫أأوى ‪ .)2(‬وقَ َ‬
‫ِللت َّ ْقأ َ‬
‫ال ‪ :‬الع دل اإلنص اف واإل س ان التف ل »(‪ )3‬ومن ه ق ول هللا تعال ى ‪ :‬‬
‫ان ‪ ‬ف َق َ‬
‫اإل ْح َ‬
‫س ِ‬
‫بِ ْالعَ ْد ِل َو ْ ِ‬
‫اء َولَوْ َح َر ْ‬
‫َولَ ْن ت َ ْ‬
‫صت ُ ْم ‪.)4(‬‬
‫س ِ‬
‫ست َ ِطيعُوا أ َ ْن ت َ ْع ِدلُوا بَيْنَ النِ َ‬
‫« لن تستطيعوا أن حتققوا الع دل الت او اللام ل ب ني النس اء وتس ووا بي نهن يف احملب ة واان س‬
‫واةس تمتا ول و ب ذلتم ك ل جه دكم ان التس وية يف احملب ة ومي ل القل ب ل يس مبق دور اإلنس ان »‬
‫(‪)5‬‬
‫وع ن عائش ة(‪ )6‬رض هللا عنه ا قَالَ ت ‪ «:‬ك ان رس ول هللا ‪ ‬يقس م ب ني نس ائه فيع دل ث م يق ول‪« :‬‬
‫ال عب د هللا‬
‫اللِّهم هذا قسم فيم ا أمل ك فال تلمن فيما متلك وة أمل ك »(‪ )7‬وم ااده القل ب‪ .‬وقَ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫(‪)9‬‬
‫(‪)8‬‬
‫بد من التفاوت يف احملب ة والشه وة واجلما »‬
‫بن َعبَّا وجماهد وال ِّحاك «وة ِّ‬
‫اإلسالميَّة وأسسها‪.)633/1( ،‬‬
‫( ‪ )1‬امليدا ‪ ،‬عبد الامحن سن بنلة‪ :‬اخلالفة ْ‬
‫( ‪ )2‬املائدة‪.8 /‬‬
‫َصبَ َها ‪ ،‬أبو نعيم بن عبد هللا‪ :‬لية ااولياء و بقات ااصفياء‪.)291/7( ،‬‬
‫(‪ )3‬اا ْ‬
‫( ‪ )4‬النساء‪.129/‬‬
‫( ‪ )5‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القاآن العظيم (‪ )750/1‬وكتصا تفسري القاآن‪.)444/1( ،‬‬
‫(‪ ) 6‬عائشة بنت أيب بلا الصديق‪ ،‬الصديقة بنت الص ديق ‪ ،‬العفيفة الطاهاة امل ربأة م ن ف وق س بع مس اوات ‪ ،‬أو‬
‫َّيب قبل اهلجاة بسنتني‪ ،‬توفيت سنة (‪ 57‬هجاية)‪ .‬انظا‪ :‬أُسد الغابة‪.)501/5( ،‬‬
‫املؤمنني‪ ،‬تزوجها النّ ِّ‬
‫( ‪ )7‬ص ّحيح ابن ّ بّان (‪ ،)5/10‬و سنَن ِّّ ّ ّ‬
‫وسنَن ابن ماجة‬
‫َ ْ‬
‫ْ‬
‫ِّ‬
‫وسنَن أيب داوود (‪ُ ،)242/2‬‬
‫الرتمذر(‪ُ ،)446/3‬‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وم ْسنَد‬
‫وسنَن البَ ْي َهق ِّ (‪ُ ،)298/7‬‬
‫وسنَن الدَّا ّرم ِّ (‪ُ ،)193/2‬‬
‫(‪ )633/1‬واملستدرك للحاكم (‪ُ ،)204/2‬‬
‫أمحد (‪ )144/6‬عن عائشة أو املؤمنني‪ .‬وانظا‪ :‬مجع الفوائد (‪.)594/1‬‬
‫َّ‬
‫يب ‪:‬‬
‫(‪ )8‬هو جماهد بن جرب‪ ،‬أبو ِّ‬
‫احلجاج املل ‪ ،‬موىل بين كزوو‪ ،‬اتبع مفسا‪ُ ،‬ولد سنة ‪ 21‬هجاية‪ .‬قَا َل الذ َهّ ِّ‬
‫« هو شيخ القااء واملفساين» ‪ ،‬أخذ التفسري عن عبد هللا بن َعبَّا ‪ ،‬تويف عاو ‪ 104‬هجاية‪ .‬انظا‪ :‬سري أعالو‬
‫النبالء (‪ .)449/4‬وهتذيب التهذيب (‪ ،)42/10‬وااعالو (‪.)278/5‬‬
‫فس ا‪ ،‬ك ان ي ؤدن اا ف ال‪ ،‬ل ه كت ان يف‬
‫(‪ )9‬ه و ال ِّ حاك ب ن م زا م البلخ ‪ ،‬اخلااس ا ‪ ،‬أب و القاس م ‪ُ ،‬م ِّ‬
‫التفسري‪ ،‬تويف خبااسان سنة ‪ 105‬هجاية‪ .‬انظا‪ :‬ااعالو (‪.)215/3‬‬
‫‪ -4‬املاض املقن ع يف احلل م َّ‬
‫ضأ َأر أ َ َح أدَ ُك ُم ْال َمأأوْ ُ‬
‫ت ِحأأينَ‬
‫هادة ‪ :‬ومن ه قول ه تع اىل‪  : :‬إِذَا َح َ‬
‫والش َ‬
‫ان ِم ْن َغي ِْر ُك ْم ‪.)2(‬‬
‫ان ذَ َوا َ‬
‫ع ْدل ِم ْن ُك ْم أَوْ َءا َخ َر ِ‬
‫ْال َو ِصيَّ ِة اثْنَ ِ‬
‫وقوله تعاىل‪َ  :‬و ْليَ ْكتُبْ بَ ْينَ ُك ْم كَاتِبٌ بِ ْالعَ ْد ِل ‪ )3(‬أر يلتب ابلسوية ة يزي د وة ي نقص وة ميي ل‬
‫إىل أ د اجلانبني‪ .‬وهو أما للمتداينني ابختيار كاتب متصف جذه الصفة ة يل ون يف قلب ه وة قلم ه‬
‫هواده ا دمها على اآلخا بل يتحاى احلق بينهم واملعدلة فيهم(‪.)4‬‬
‫ال عب د هللا ب ن‬
‫‪ -5‬الفدي ة‪ :‬ومن ه قول ه تع اىل‪َ  :‬و ِإ ْن ت َ ْع أ ِد ْل ُك أ َّل َع أ ْدل َال ي ُْؤ َخأ ْأذ ِم ْن َهأأا ‪ .)5(‬قَ َ‬
‫َعبَّا ‪ « :‬العدل الفدية »(‪ « )6‬والفدية مماثلة الش ء ابلش ء »(‪ )7‬واملعىن‪ :‬وإن ب ذلت تل ك ال نفس‬
‫سلمت للهالك كل فدية ة يؤخذ منها ذلك العدل ىت تنج و ب ه م ن اهل الك(‪ .)8‬ومنه ا قول ه تع اىل‪:‬‬
‫ش أفَاعَةٌ َو َال ي ُْؤ َخأأذُ ِم ْن َهأأا َع أ ْد ٌل ‪ .)9(‬ف أخرب تع اىل أهن م إن مل يؤمن وا باس وله‬
‫‪َ ‬و َال ي ُْقبَ أ ُل ِم ْن َه أا َ‬
‫ويت ابعوه عل ى م ا بعث ه ب ه وواف وا هللا ي وو القيام ة عل ى م ا ه م علي ه فإن ه ة ي نفعهم قااب ة قاي ب وة‬
‫شفاعة ذر جاه وة يقبل منهم فداء ولو مبلء اارض ذهباً(‪. )10‬‬
‫( ‪ )1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القاآن العظيم (‪ )750/1‬وكتصا تفسري القاآن‪.)445/1( ،‬‬
‫( ‪ )2‬املائدة‪.106/‬‬
‫( ‪ )3‬البقاة ‪.282 /‬‬
‫( ‪َّ )4‬‬
‫الش ْوَكا ‪ :‬فتح القديا (‪.)300/1‬‬
‫( ‪ )5‬اانعاو ‪.70 /‬‬
‫( ‪ )6‬ابن كثري‪ :‬كتصا تفسري القاآن‪.)62/1( ،‬‬
‫( ‪ )7‬اخلاان‪ ،‬عالء الدين على بن حممد بن إبااهيم البغدادر‪ :‬لبان التأويل يف معا التن زيل (‪.)48/1‬‬
‫( ‪َّ )8‬‬
‫الش ْوَكا ‪ ،‬حممد بن عل بن حممد(‪1250‬ه )‪ :‬فتح القديا اجلامع بني فين الاواية والدراية يف علم‬
‫التفسري‪)129/2(،‬‬
‫( ‪ )9‬البقاة ‪.48 /‬‬
‫( ‪ )10‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القاآن العظيم (‪.)103/1‬‬
‫ْأط‬
‫امينَ ِب ْال ِقس ِ‬
‫‪ -6‬امليل واةحنااف واإلشااك‪ :‬ومن ه قول ه تعال ى‪  :‬يَاأَيُّ َها الَّ ِذينَ َءا َمنُأوا ُكونُأوا قَأوَّ ِ‬
‫أن َ‬
‫علَى أ َ ْنفُسِأ ُك ْم أ َ ِو ْال َوا ِلأدَي ِْن َو ْاأل َ ْق َأر ِبينَ ِإ ْن يَ ُك ْ‬
‫ُ‬
‫يأرا فَ َّ‬
‫أاَّللُ أَوْ لَأى ِب ِه َمأا َف َأال‬
‫ش َهدَا َء ِ ََّّللِ َولَوْ َ‬
‫غنِيًّأا أَوْ فَ ِق ً‬
‫تَت َّ ِبعُوا ْال َه َوى أ َ ْن ت َ ْع ِدلُوا‪.)1(‬‬
‫ال اإلماو ابن جايا(‪ « :)2‬اي أيها ال ذين آمن وا ابهلل وباس وله ل يلن م ن أخالقل م وص فاتلم القي او‬
‫قَ َ‬
‫هلل ش هداء ابلع دل يف أولي ائلم وأع دائلم وة جت وروا يف أ ل املم وأفع اللم فتج اواوا م ا ددت‬
‫لل م يف أع دائلم لع دواهتم وة تقص اوا فيم ا ددت لل م م ن أ ل ام و دودر يف أولي ائلم‬
‫لوةيته م لل م ولل ن انته وا يف مجيعه م إىل در واعمل وا في ه أبم ار »(‪« )3‬وة ُيمل نلم اهل وى‬
‫والعصبية وبغض النا إليلم على تاك العدل يف أموركم وشؤونلم بل الزموا الع دل عل ى أر ال‬
‫أأق ال َّ‬
‫ت‬
‫سأأأ َم َوا ِ‬
‫»(‪ )4‬دون مي ل أو احن ااف ع ن احل ق ‪ ،‬ومن ه قول ه تعال ى‪ْ  :‬الحَمْ أأأدُ ِ ََّّللِ الَّأأأذِي َخلَأ َ‬
‫ض َو َجعَ أ َل ُّ‬
‫الظلُ َمأأا ِ‬
‫َو ْاألَرْ َ‬
‫ت َوالنُّأ َ‬
‫أور ث ُ أ َّم الَّ أ ِذينَ َكفَأ ُأروا ِبأ َأر ِب ِه ْم يَ ْع أ ِدلُونَ ‪ )5(‬جعل وا ل ه ش ايلاً‬
‫وعدةً واختذوا له صا بة وولداً تعاىل هللا عز وجل عن ذلك علواً كبرياً يف جعلهم له ّ‬
‫الع ْد َل والنظ ري‬
‫ِّ ِّ‬
‫واملثيل وتسويتهم ل ه م ع غ ريه م ن املخلوق ات‪ .‬ل ذلك اس تنلا تع اىل اهلم بقول ه ‪  :‬أَئِلَأهٌ َمأ َع َّ‬
‫اَّللِ‬
‫ِْ‬
‫ً ‪ )7(‬وه اآلهل ة ال‬
‫دالً ونظيرا‬
‫َب ْل ُهأ ْم قَأوْ ٌم َيعْأ ِدلُونَ ‪  .)6(‬يجعلون هلل ع‬
‫عبدوها عدلوها ابهلل وليس هلل ّعدل وة ند(‪.)8‬‬
‫( ‪ )1‬النساء ‪.135 /‬‬
‫(‪ )2‬ه و حمم د ب ن جاي ا‪ ،‬أب و جعف ا الطَّ َربر‪ُ ،‬ول د يف آم ل بطربس تان واس تو ن ببغ داد‪ُ ،‬ع اض علي ه الق اء‬
‫ف امتنع‪ .‬ل ه كت ان التفس ري‪ ،‬والت اريخ‪ ،‬واخ تالف العلم اء ‪ ،‬التبص ري يف أص ول ال دين‪ ،‬وغ ريهم‪ ،‬ت ويف س نة ‪310‬‬
‫هجاي ة‪ .‬انظ ا تامجت ه يف وفي ات ااعي ان ‪ ،)332/3( ،‬و بق ات َّ‬
‫الش افّ ّع ة للس بل (‪َ ،)120/3‬ش َذرات‬
‫َّ‬
‫الذ َهب (‪ ،)262/2‬هتذيب اامساء واللغات (‪ ،)78/1‬املنتظم (‪ ،)170/6‬وسري أعالو الن بالء (‪،)267/14‬‬
‫وااعالو‪.)69/6( ،‬‬
‫( ‪ )3‬الطَّ َربر‪ ،‬حممد بن جايا ‪ :‬جامع البيان عن أتويل آر القاآن ‪.)95/10( ،‬‬
‫( ‪ )4‬ابن كثري‪ ،‬كتصا تفسري القاآن (‪.)447/1‬‬
‫( ‪ )5‬اانعاو‪.1/‬‬
‫( ‪ )6‬النمل ‪.60 /‬‬
‫( ‪ )7‬ابن كثري‪ ،‬كتصا تفسري القاآن (‪.)567/1‬‬
‫( ‪َّ )8‬‬
‫فين الاوايِّة والدرايِّة يف علم التفسري (‪.)99/2‬‬
‫الش ْوَكا ‪ :‬فتح القديا اجلامع بني ِّ‬
‫‪ -7‬اةس تواء يف ااش ياء‪ :‬وم ن ق ول هللا تع اىل‪  :‬الَّأذِي َخلَقَأأكَ فَ َ‬
‫سأأوَّ اكَ فَعَأدَلَكَ ‪ ،)1(‬جعل ك س وايً‬
‫مس تقيماً معت دل القام ة‪ ،‬منتص بها يف أ س ن اهليئ ات وااش لال(‪ .)2‬فع ن بش ا ب ن جح اش القاش‬
‫ال هللا ع ِّز وج ِّل اي اب ن آدو‬
‫ال ‪ « :‬قَ َ‬
‫أن رسول هللا ‪ ‬بص ق يوم اً يف كف ه فوض ع عليه ا إصبع ه مث قَ َ‬
‫أىن تعجز وقد خلقت ك م ن مث ل ه ذه ؟ ىت س ويتك وع دلتك‪ ،‬مش يت ب ني ب ادين ول ألرض من ك‬
‫َّ‬
‫وأىن أوان الصدقة »(‪.)3‬‬
‫وئيد فجمعت ومنعت ىت إذا بلغت الرتاق قلت أتصدق ِّ‬
‫ال رسول هللا ‪ ‬يف قول ه تع اىل‪َ  :‬وكَأذَ ِلكَ‬
‫‪-8‬الوسطية‪ «:‬والوسط يف الش ء أعدله وخياره »(‪ )4‬وقَ َ‬
‫س ًطا‪.)5(‬‬
‫َجعَ ْلنَا ُك ْم أُمَّةً َو َ‬
‫س ُ‬
‫أأأط ُه ْم‪ ،)7(‬أر أع دهلم وخ ريهم(‪ )8‬ويف احل ديث‬
‫قَ َ‬
‫ال ‪ « :‬ع دةً »(‪ )6‬ويف التن زيل ‪ ‬قَأأأا َل أَوْ َ‬
‫الشايف « خري اامور أوسطه ا »(‪.)9‬‬
‫( ‪ )1‬اةنفطار‪.7/‬‬
‫( ‪ )2‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القاآن العظيم (‪ )620/4‬وكتصا تفسري القاآن‪.)611/3( ،‬‬
‫الص ّح ْيحني‬
‫( ‪ُ )3‬م ْسنَد اإلماو أمحد (‪ )210/4‬واللفظ‬
‫له‪.‬وم ْسنَد الشاميين (‪ ،)269/1‬واملستدرك على َ‬
‫ُ‬
‫ال‬
‫ال ‪ :‬رواه الرتمذر‪ ،‬وقَ َ‬
‫ص ّح ْيح ومل ُخياجاه‪ ،‬والرتغيب والرتهيب‪ )266/1( ،‬وقَ َ‬
‫(‪ )545/2‬وقَ َ‬
‫ال هذا ديث َ‬
‫‪ :‬ديث سن غايب‪ .‬ورواه أمحد عن أيب الدرداء ورواته كلِّهم ثقات‪.‬‬
‫( ‪ )4‬الفريواآابدر‪ :‬القامو احمليط (‪.)391/2‬‬
‫( ‪ )5‬البقاة‪.143/‬‬
‫ر يف التفسري ابن «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» (‪ )4487( )21/8‬ويف اةعتصاو ابن‬
‫( ‪ )6‬رواه البُ َخا ّر ِّ‬
‫والرتّم ّذر يف التفسري سورة البقاة (‪)238-237/8‬‬
‫«وكذلك جعلناكم أمة وسطا»(‪ِّّْ )7349( )328/3‬‬
‫والنسائ يف التفسري من اللربى (‪ )1107()1106()292/6‬وأمحد (‪ )32/3‬والطَّ َربر (‪)2170( )9/2‬‬
‫(‪.)2172( )2171‬‬
‫( ‪ )7‬القلم‪.28/‬‬
‫( ‪ )8‬القا يب‪ :‬اجلامع ا لاو القاآن (‪.)154-153/2‬‬
‫الس َخاور يف املقاصد احلسنة (‪ :)455‬رواه ابن السمعا يف ذيل اتريخ بغداد بسند جمهول عن‬
‫( ‪ )9‬قَا َل َّ‬
‫عل مافوعاً به وذكاه َّ‬
‫الش ْوَكا يف الفوائد اجملموعة يف اا اديث املوضوعة (‪ )742‬ص(‪ )251‬وانظا كشف‬
‫اخلفاء (‪ )391/1‬ومصنف ابن أيب شيبه بلفظ (خري أموركم أوسطها) (‪ )186/7‬واجلامع الصغري للسيو‬
‫(‪ )224/1‬ط‪ .‬ائا‪.‬‬
‫ابلعدالَ ة‬
‫فالع دل ه و الوس ط والوس ط ه و الع دل واام ة ْ‬
‫اإلس الميَّة ه « أم ة تتص ف م ن هللا َ‬
‫وأهنا خيار »(‪« ،)1‬والعدل هو املعتدل الذر ة مييل إىل أ د الطافني من اخلصماء»(‪.)2‬‬
‫هذا وإذا ضممنا إىل هذا احلشد من آايت القاآن اآلايت اآلم اة ابلقس ط والداعي ة إلي ه وق د‬
‫وردت يف مخسة وعشاين موضعاً مث مجعت إىل ذلك كله اآلايت ال تنهى عن الظلم يف م ائ وتس عة‬
‫وتس عني موض عاً‪ ،‬والنه ع ن الظل م دع وة إىل الع دل‪ ،‬ابن لن ا م ن خ الل ذل ك كل ه مق دار م ا أراد‬
‫َّ‬
‫الشا ّر للعدالة من سيادة يف اجملتمع يف كل ميادين احلياة وجماةهتا وأمهها ‪:‬‬
‫‪ -1‬الوةي ة عل ى الن ا س واء أكان ت وةي ة خاص ة أو وةي ة عام ة‪ ،‬وم ن الع دل فيه ا إس ناد‬
‫ااعمال إىل أهلها اا ْكفاء ‪.‬‬
‫‪ -2‬الق اء ويل ون يف الفص ل ب ني اخلص ماء‪ ،‬إبعط اء ك ل ذر ق ق ه أو م ا يس اويه إىل‬
‫مس تحقيه ويل ون ابلتس وية ب ني اخلص ماء يف جمل س الق اء وإبقام ة احل دود واجل زاءات‬
‫والقص اص ابملق دار ال ذر يل افئ ذن ب امل ذنب ويل افئ ق هللا عب اده أو ق الن ا عل ى‬
‫النا ‪.‬‬
‫‪َّ -3‬‬
‫هادة ‪ ،‬وذل ك أبن يش هد الش اهد ش هادة مس اوية مل ا ميلي ه علي ه أص حان العالق ة فيه ا‬
‫الش َ‬
‫ومساوية للحق الذر يعلمه فيها‪.‬‬
‫‪ -4‬معاملة الزوجات وذلك أبن يعط كالً منهن نصيبها من النفقة والسلن واملبيت ابلعدل‪.‬‬
‫‪ -5‬معامل ة ااوةد ويل ون الع دل فيه ا ابلتس وية بي نهم ابلعط اء والرتبي ة وغي ا ذل ك مم ا ميلل ه‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -6‬الليل وامليزان أبن يليل ذو الليل ويزن ذو الوان ابلقسطا املستقيم‪.‬‬
‫‪ -7‬اانس ان أبن يُنس ب اإلنس ان إىل أبي ه ال ذر ول ده ة إىل آخ ا يتبن اه فنس بته إىل غ ري أبي ه‬
‫شهادة كاذبة‪.‬‬
‫‪ -8‬اإلص الل ب ني الفئ ات املتقاتل ة بي ن املس لمني فيج ب إتب ا قواع د الع دل يف اإلص الل ب ني‬
‫الن ا ‪.‬‬
‫الااار احلنف ‪ ،‬أ لاو القاآن ‪.)88/1( ،‬‬
‫( ‪ )1‬اجلصاص ‪ :‬أبو بلا َّ‬
‫الااار ‪ :‬اإلماو فخا الدين‪ :‬التفسري اللبري املُسمى ب مفاتيح الغيب (‪.)6/2‬‬
‫( ‪َّ )2‬‬
‫إىل غري ذلك من أمور تتطلب عدةً بقدر قوق أصحان احلقوق فيها‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫ال َعدالَة فــي الوضــــع العرفــــي العـــــام‬
‫العدالَ ة يف الع اف الع او يف ص در اإلس الو م ن معن اه اللغ ور إىل املع ىن‬
‫‪ ...‬وك ذلك انتق ل لف ظ َ‬
‫َّ‬
‫الش ْاع ‪ ،‬ىت صار هذا اللفظ عند إ القه ة يُفهم منه إة معىن اةلتزاو ابإلسالو واةس تقامة عل ى‬
‫الدين فتوافق الوضع َّ‬
‫العدالَة ‪.‬‬
‫الش ْاع والوضع العايف على معىن وا د للفظ َ‬
‫‪ -1‬وم ن ذل ك م ا ورد م ن ديث عب د هللا ب ن َعبَّ ا رض هللا عن ه‪ «:‬ق الوا وم ا يُغ ين عن ا‬
‫اإلسالو وقد َع َدلنا أر أش اكنا ب ه وجعلن ا ل ه م ثالً»(‪ .)1‬وع ن عب د هللا ب ن َعبَّ ا قَ ا َل ‪ :‬يف‬
‫ال ‪ « :‬لعادلون »(‪.)3‬‬
‫اط لَنَا ِكبُونَ ‪ )2(‬قَ َ‬
‫الص َر ِ‬
‫قوله تعاىل‪  :‬ع َِن ِ‬
‫(‪)4‬‬
‫يب ‪ ‬ليخ اص عل ى أه ل خي رب مث ارهم واروعه م‬
‫‪ -2‬ق ول عب د هللا ب ن روا ة مل ا بعث ه النَّ ّ ِّ‬
‫ال ‪ :‬ك ان رس ول هللا ‪ ‬يبع ث عب د‬
‫فأرادوا أن ياشوه لريفق جم فقد رواه مالك بن أن س قَ َ‬
‫( ‪ّ )1‬‬
‫وص ّح ْيح مسلم (‪.)2318/4‬وانظا‪ :‬تفسري الطَّ َربر (‪)219/5‬‬
‫ر (‪َ )1785/4‬‬
‫َ‬
‫صح ْيح البُ َخا ّر ِّ‬
‫و(‪)42/19‬و(‪ )43/19‬وتفسري ابن كثري (‪.)66/4‬‬
‫(‪ )2‬املؤمنون ‪.74 /‬‬
‫(‪ )3‬ابن جايا الطَّ َربر ‪ :‬التفسري (‪.)44/18‬‬
‫(‪ )4‬هو عبد هللا بن روا ة بن ثعلب ة ب ن ام ائ الق يس ب ن َع ْم او ب ن ام ائ الق يس ب ن س لك ب ن ثعلب ة‪ .‬اخلزرج‬
‫اانصارر‪ ،‬الشاعا املشهور‪ ،‬يُلىن أبيب حممد‪ ،‬ليس له عقب‪ ،‬من السابقني ااولني م ن اانص ار‪ ،‬ش هد ب دراً وم ا‬
‫هللا بن روا ة إىل خي رب فيخ اص بين ه وب ني يه ود خي رب فجمع وا ل ه لي اً م ن ل ى نس ائهم‬
‫ال عب د هللا ب ن روا ة اي معش ا‬
‫ف َقالوا له‪ :‬خذ هذا لك وخفف عن ا وجت اوا يف القس م ف َق َ‬
‫إيل وم ا ذاك حب امل عل ى أن أ ي ف عل يلم ِّأم ا م ا‬
‫اليه ود وهللا إنل م مل ن أبغ ض خل ق هللا ِّ‬
‫الا ْش َوة فإهن ا س حت وإان ة كله ا‪ .‬ويف رواي ة « وم ا ُيمل ين يب إايه‬
‫عاض تم م ن َّ‬
‫وبغ للم على أن ة أعدل فيلم‪ .‬ف َقالوا‪ :‬جذا قامت السموات واارض »(‪.)1‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ -3‬ويف رسالة عما بن اخلطَّان املشه ورة اب موس ى ااش عار(‪ )2‬رض هللا عن ه‪ « :‬آ‬
‫ب ني الن ا يف وجه ك وع دلك وجملس ك ىت ة يطم ع ش ايف يف يف ك(‪ )4‬وة يي أ‬
‫ضعيف من عدلك»‬
‫(‪)5‬‬
‫د ل – يف العاف العاو‪ ،‬يف صدر اإلسالو ابت ت ة خت اج ع ن‬
‫وهلذا يتجلى لنا أن مادة –‬
‫اإل ار َّ‬
‫الش ْاع املتمثل ابةلتزاو واةستقامة يف الدين‪.‬‬
‫بع دها إىل أن استش هد مبؤت ة‪ .‬انظ ا ‪ :‬اب ن ج ا‪ :‬اإلص ابة يف متيي ز الص حابة ‪ .)307-306/2(،‬واب ن ااث ري‪:‬‬
‫أسد الغابة (‪.)151/3‬‬
‫سيِّّب ‪ ،)704/2( ،‬و‬
‫( ‪ )1‬رواه مالك يف املُو أ‪ ،‬كتان املساقاة ‪ ،‬ابن ما جاء يف املساقاة عن سعيد ابن املُ َ‬
‫أخاجه البَ ْي َه ّق ِّ عن ابن عما فذكا احلديث بطوله يف قصة خيرب وأنظا ياة الصحابة‪ ،‬لللاندهلور‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪ )24/2‬ومصنف عبد الاااق (‪.)103/8‬‬
‫(‪ .)108/2‬وتفسري ابن كثري (‪ُ )566/1‬‬
‫(‪ )2‬هو عبد هللا بن قيس‪ ،‬من الوةة الفاحتني من أهل اليمن‪ ،‬قدو ملة عند ظهور اإلسالو فأسلم مثِّ هاجا إىل‬
‫احلبشة‪ ،‬استعمله الاسول‪ ‬على ُابيد وعدن‪ ،‬واستعمله عما على البصاة‪ ،‬كان أ سن الصحابة صواتً‪ ،‬له ‪355‬‬
‫ديثاً‪ ،‬تويف يف اللوفة عاو ‪ 44‬هجاية‪ .‬انظا‪ :‬سري أعالو النبالء‪ .)380/2( ،‬وهتذيب التهذيب (‪.)362/5‬‬
‫وااعالو (‪.)414‬‬
‫سو بينهم‪.‬‬
‫( ‪ )3‬آ ‪ِّ :‬‬
‫( ‪ )4‬يفك‪ :‬أر ميلك معه لشافه‪.‬‬
‫ال ‪ :‬هذا كتان جليل تلقاه العلماء‬
‫رن العاملني (‪ )154/1‬وقَ َ‬
‫( ‪ )5‬ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة ‪ :‬أعالو املوقعني عن ِّ‬
‫ابلقبول وبنوا عليه أصول احللم َّ‬
‫هادة ‪ ،‬واحلاكم واملف أ وج ش ء إليه وإىل أتمله والتفقه فيه‪.‬‬
‫والش َ‬
‫المطلب الرابــع‬
‫ال َعدالَة فــي الوضــــع العرفــــي الخــاص‬
‫(‪)1‬‬
‫إن علم اء َّ‬
‫العدالَة يف عل ومهم ال‬
‫ِّ‬
‫الش ّا َيعة ْ‬
‫اإلس الميَّةمل يص طلحوا عل ى مع ىن خ اص للف ظ َ‬
‫عاجلوها‪ ،‬وإمنا تبنوا املعىن َّ‬
‫الش ْاع ‪ ،‬واملعىن العايف العاو‪ ،‬وهو اةستقامة على احل ق‪ ،‬إة أن عب اراهتم‬
‫ق د تباين ت ب ني عم وو وخص وص بس بب تن و موض وعاهتم املبحوث ة كالاواي ة و َّ‬
‫هادة واإلمام ة‬
‫الش َ‬
‫واملعاملة وااخالق‪.‬‬
‫( ‪ )1‬العاف اخلاص‪ :‬هو ما كان جارايً على ّ‬
‫كل علم‪ ،‬فإهنا يف‬
‫ألسنة العلماء من اةصطال ات ال‬
‫ختص َّ‬
‫ِّ‬
‫استعماهلا قائق وإن خالفت ااوضا اللغوية‪ ،‬وهذا حنو ما جيايه املتللمون يف ُمبا ثاهتم يف علوو النظا‬
‫كاجلوها والعاض‪ ،‬وما يستعمله النحاة يف مواضعاهتم من الافع والنصب فصارت هذه املصطلحات مستعملة يف‬
‫غري جماريها الوضعية‪ ،‬يفهموهنا فيما بينهم‪ ،‬وجتار يف الوضول جماى احلقائق اللغوية ( أنظا‪ :‬ابن ُيىي‪ ،‬الطااا‬
‫(‪.))54/1‬‬
‫ال ابن كثري‪ :‬العدل هو املسلم البالغ العاقل الذر َسلّ َم من أس بان الفس ق وخ وارو امل اوءة‬
‫‪ -1‬قَ َ‬
‫وأن يل ون م ع ذل ك متيقظ اً غ ري مغف ل إن ِّدث م ن فظ ه فامه اً إن ِّدث عل ى املع ىن ف إن‬
‫(‪)1‬‬
‫ال‪ :‬توس ع اب ن عب د‬
‫اخت ل ش اط مم ا ذك اان ردت روايت ه(‪ )2‬ونظ ري ه ذا ع اف اب ن الص الل(‪ )3‬وقَ َ‬
‫العدالَ ة ىت‬
‫البَ ِّّا (‪ )4‬ف َق َ‬
‫ال ‪ « :‬ك ل ام ل عل م مع اوف العناي ة فه و ع دل حمم ول أم اه عل ى َ‬
‫ُيمل هذا العلم من كل خلف عُدلُه »(‪ )5‬وفيما قَالَه اتسا غري ماض‬
‫يتبني جا ُ ه لقوله ‪ُ « : ‬‬
‫»(‪.)6‬‬
‫ال اجلمه ور ه ص فة اائ دة عل ى اإلس الو‬
‫العدالَة‪ ،‬ف َق َ‬
‫‪ -2‬وقَ َ‬
‫ال ابن رش د‪ « :‬واختلف وا فيم ا ه َ‬
‫وه و أن يل ون ملتزم اً لواجب ات َّ‬
‫ال‬
‫الش ْا ومس تحباته جمتنب اً للمحام ات وامللاوه ات وقَ َ‬
‫العدالَة ظاها اإلسالو وأن ة تعلم منه ُج ْا ه»(‪.)7‬‬
‫اإلماو أبو نيفة ‪ :‬يلف يف َ‬
‫العدالَ ة يف اص طالل الفقه اء م ن اجتن ب اللب ائا ومل يص ا عل ى الص غائا‬
‫‪ -3‬وقَ َ‬
‫ال امل اوردر‪َ « :‬‬
‫وغلب ثوابه واجتنب اافعال اخلبيثة»(‪.)1‬‬
‫( ‪ ) 1‬والعدل هو املسلم البالغ العاقل الذر سلم من أسبان الفسق وخوارو املاوءة‪ .‬على ما قق يف ابن‬
‫هادة يف شاط ِّّ‬
‫الشهادات من كتب الفقه‪ .‬إة أن الاواية ختالف َّ‬
‫احلايَّة والذكورة وتعدد الااور‪ .‬وقد كتب‬
‫الش َ‬
‫العالمة القاايف يف الفاوق فصالً بديعاً للفاق بني َّ‬
‫هادة والاواية‪ .‬أنظا القاايف‪ ،‬شهان الدين الصنهاج ‪،‬‬
‫الش َ‬
‫(‪684‬ه ) الفاوق‪.)22/1( ،‬‬
‫( ‪ )2‬شاكا‪ ،‬أمحد حممد الباعث احلثيث شال اختصار علوو احلديث لإلماو ابن كثري‪ ،‬ص(‪.)87‬‬
‫(‪ ) 3‬هو عثمان بن عبد الامحن (صالل الدين ) بن عثمان النصار‪ ،‬أبو عما املعاوف اببن الصالل من ف الء‬
‫َّ ّ ّ‬
‫در يف القد ودمشق‪ ،‬وتويف فيها عاو ‪ 643‬هجاية‪ .‬من‬
‫الشافعية ومقدميهم يف التفسري واحلديث والفقه‪ِّ ،‬‬
‫مؤلفاته ‪ :‬معافة أنوا احلديث‪ .‬انظا ‪ :‬السبل ‪ :‬بقات َّ‬
‫الشافّ ّعية ‪ ،‬ااعالو (‪.)208-207/4‬‬
‫احلف اظ والفقه اء‪،‬‬
‫(‪ )4‬هو يوسف بن عبد هللا بن حممد بن عبد البَ ِّّا النُّمار القا يب املالل أبو عما م ن كب ار ِّ‬
‫وويل ق اء بعض بلداهنا‪،‬‬
‫مؤرخ أديب‪ ،‬ي َقال له افظ املغان‪ُ ،‬ولد بقا بة سنة ‪368‬هجاية ور ل إىل ااندلس ِّ‬
‫تويف بشا بة سنة ‪ 463‬هجاي ة‪ .‬ل ه كت ب مش هورة منه ا‪ :‬التمهي د مل ا يف املو أ م ن املع ا وااس انيد‪ .‬انظ ا س ري‬
‫أعالو النبالء‪ .)153/18( ،‬ااعالو (‪.)240/8‬‬
‫( ‪ )5‬داود‪ ،‬د‪ .‬حممد سليمان وعبد املنعم‪ ،‬د‪ .‬فؤاد املاجع السابق (‪.)168‬‬
‫( ‪ )6‬ابن الصالل‪ ،‬أبو َع ْماو عثمان بن عبد الامحن الشهااورر (‪642‬و)(‪1244‬و)‪ ،‬مقدمة ابن الصالل يف‬
‫علوو احلديث‪ ،‬ص(‪.)50‬‬
‫( ‪ )7‬ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد القا يب(‪595‬ه ) بداية اجملتهد ‪.)462/2( ،‬‬
‫ويف م و ن آخ ا يق ول ‪«:‬إن ال دين املش او ه و احل ق‪ ،‬وه و الع دل‪ ..‬فالع دل اس تئمار دائ م‬
‫واجل ور استئص ال منقط ع»(‪ )2‬ويق ول عن د كالم ه عل ى ش اوط اإلم امة يف اإلس الو ‪ « :‬فالش اوط‬
‫العدالَ ة عل ى ش او ها اجلامع ة »(‪ )3‬ويف مواض ع أخ اى جع ل الع دل‬
‫املعت ربة ف يهم س بعة‪ ،‬أ دمها ‪َ :‬‬
‫وفس َا الع دل بقول ه ‪ « :‬الع دل‬
‫القاع دة الثالث ة م ن القواع د ال ي دور عليه ا ص الل أم ا ال دنيا ِّ‬
‫الشامل ‪ ..‬ويلون من اإلنسان م ع م ن ه و دون ه كالس لطان م ع الاعي ة‪ ،‬ف يحلم بي نهم ابحل ق‪ ،‬وق د‬
‫يلون إبخالص الطاعة وبذل النصاة وصدق ال وةء كالاعي ة م ع الس لطان‪ ،‬وق د يل ون م ع ااَ ْكف اء‬
‫وذلك برتك التطاول عن اآلخاين وكف ااذى عنهم»(‪.)4‬‬
‫والعدالَ ة أن يس ور ب ني اخلص وو ‪...‬‬
‫العدالَ ة املس اواة أم او الق انون « َ‬
‫ويف م و ن آخ ا جع ل َ‬
‫دون متييز بني الشايف واملشاوف واملسلم وغري املسلم»‪.‬‬
‫ال ابن قُدامة‪ « :‬العدل هو الذر تعتدل أ واله يف دينه وأفعاله »(‪.)5‬‬
‫وقَ َ‬
‫العدالَ ة ه اس تواء أ وال ه يف دين ه واعت دال أقوال ه وأفعال ه وه و أن ة ياتل ب‬
‫وقَ َ‬
‫ال املقدس ‪َ « :‬‬
‫كبرية وة يداوو على صغرية»(‪.)6‬‬
‫(‪)7‬‬
‫العدالَة اجتنان اللبائا واجتنان اإلصاار على الصغائا»(‪.)8‬‬
‫وقَ َ‬
‫ال اخلطيب الشابيين ‪َ «:‬‬
‫ال ص ا ب اللفاي ة‪« :‬للعدال ة مخ س ش اائط أن يل ون جمتنب اً لللب ائا غ ري مص ا عل ى‬
‫وقَ َ‬
‫الصغائا‪ ،‬سليم الساياة مأموانً عند الغ ب حمافظاً على ماؤة مثله(‪. )1‬‬
‫ص ّار‪ ،‬البغدادر ( أبو احلسن ) ‪ :‬اا لاو السلطانية ‪ ،‬ص(‪.)94‬‬
‫( ‪ )1‬املاوردر‪ ،‬عل بن حممد بن بيب البَ ْ‬
‫( ‪ )2‬داود‪ ،‬د‪ .‬حممد سليمان ‪ ،‬وعبد املنعم‪ ،‬د‪ .‬فؤاد‪ ،‬من أعالو اإلسالو أبو احلسن املاوردر‪ ،‬ص(‪.)127‬‬
‫ص ّار‪ ،‬البغدادر‪ :‬اا لاو السلطانية ‪ ،‬ص(‪.)17-6‬‬
‫( ‪ )3‬املاوردر‪ ،‬أبو احلسن‪ ،‬عل بن حممد بن بيب البَ ْ‬
‫( ‪ )4‬املاوردر‪ ،‬أبو احلسن‪ ،‬أدن الدنيا والدين‪ ،‬ص(‪.)142-141‬‬
‫( ‪ )5‬ابن قُدامة‪ ،‬أبو حممد عبد هللا بن أمحد املقدس (‪630‬ه ) ‪ :‬املُْغين على كتصا اخلاق ‪ ،‬ص(‪.)32‬‬
‫(‪ )6‬ابن قُدامة املقدس ‪ ،‬مشس الدين أيب الفاج عبد الامحن بن حممد بن أمحد بن قُدام ة املت وىف س نة (‪: )682‬‬
‫الشال اللبري منت املقنع‪.)37/12( ،‬‬
‫ويل مش يخة اااه ا ك ان‬
‫(‪ )7‬الشابيين ‪ ،‬عبد الامحن بن حممد ب ن أمح د الش ابيين‪ ،‬فقي ه ش افع أص ويل مص ار‪ِِّّ ،‬‬
‫ورع اً ااه داً ‪ ،‬ت ويف يف الق اهاة ‪1326‬ه ‪ .‬م ن مص نفاته‪ :‬مغ ين احملت اج يف ش ال منه اج الط البني‪ ،‬واإلقن ا يف ل‬
‫ألفاظ ايب شجا ‪.‬‬
‫انظا ِّّ‬
‫الزّرْكل ِّ ‪ ،‬ااعالو‪.)110/4( ،‬‬
‫(‪ )8‬الشابيين‪ ،‬الشيخ حممد‪ :‬املُغْين احملتاج‪ ،‬ص(‪.)427/4‬‬
‫ّ‬
‫العدالَة‪ :‬اةستقامة‪ ،‬والعدل هو كل ما دل عليه اللتان والسنة س واء‬
‫وقَ َ‬
‫ال ابن تَ ْيميَّة ‪َ « :‬‬
‫يف املع امالت املتعلق ة ابحل دود أو غريه ا م ن اا ل او‪ ...‬ف إن الع دل يف ك ل ذل ك ه و م ا ج اء يف‬
‫اللتان والسنة فإن عام ة م ا هن ى عن ه اللت ان م ن املع امالت يع ود إىل حتقي ق الع دل‪ ،‬والنه ع ن‬
‫العدالَة إقام ة احل دود ال‬
‫الظلم دقه وجله مثل أكل املال ابلبا ل‪ ،‬ويف موضع آخا يق ول‪َ :‬‬
‫ده ا‬
‫لبها هللا تعال ى »(‪. )2‬‬
‫هللا تعاىل واحملافظ ة على احلقوق ال‬
‫ال ابن تَ ْي ّميَّة‪ « :‬العدل من انتفى فجوره وهو إتيان اللبرية واإلصاار على الص غرية ف إذا‬
‫وقَ َ‬
‫انتفى إتيانه للبرية وانتفى إصااره على الصغرية انتفى فجوره وكان عدةً»(‪.)3‬‬
‫ص ّار‪« :‬استواء الساياة والعالنية يف العمل هلل تعاىل»(‪.)4‬‬
‫وقَ َ‬
‫ال احلسن البَ ْ‬
‫ال ابن َ ْزو‪ « :‬د العدل أن تعط من نفسك الواجب وأتخ ذه و د اجل ور أن أتخ ذه‬
‫وقَ َ‬
‫(‪)5‬‬
‫وة تعطيه»‬
‫العدالَ ة ه وظيف ة ديني ة اتبع ة للق اء وم ن م واد تص ايفه و قيق ة‬
‫وقَ َ‬
‫ال اب ن خل دون‪َ « :‬‬
‫َّ‬
‫هادة بني النا فيما هلم وعل يهم‪ ...‬وش او ها اإلنص اف‬
‫هذه الوظيفة‪ ،‬القياو عن إذن القاض‬
‫ابلش َ‬
‫ابلعدالَ ة َّ‬
‫الش ْاعية وال رباءة م ن اجل ال‪ ...‬وص ار م دلول ه ذه اللفظ ة مش رتكاً ب ني ه ذه الوظيف ة‪...‬‬
‫َ‬
‫(‪)6‬‬
‫العدالَة َّ‬
‫الش ْاعية ال ه أخت اجلال وقد يتواردان ويفرتقان» ‪.‬‬
‫وبني َ‬
‫(‪ )1‬احلسيين‪ ،‬اإلماو تق ِّّ‬
‫الدين أبو بلا حممد‪ :‬كفاية ااخيار‪.)170/2( ،‬‬
‫ِّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ياسة َّ‬
‫الش ْاعية يف إصالل الااع والاعيِّ ة‪ ،‬ص(‪ )15،67،156‬وأنظ ا اب ن تَ ْيميَّ ة الفت اوى ‪،‬‬
‫الس َ‬
‫(‪ )2‬ابن تَ ْيميَّة‪ِّ :‬‬
‫(‪ )98/10‬و (‪.)64/13‬‬
‫(‪ )3‬ابن تَ ْي ّميَّة‪ ،‬أمحد بن احلليم احلاا (‪728‬ه ) ‪ :‬جممو فتاور شيخ اإلسالو‪.)338/15( ،‬‬
‫(‪ )4‬احلسيين‪ :‬كفاية ااخيار (‪.)171/2‬‬
‫(‪ )5‬اب ن َ ْزو‪ ،‬أب و حمم د عل ب ن أمح د ب ن س عيد َ ْزو ااندلس الظ اهار (‪456‬ه ) ‪ :‬ااخ الق والس ري‪،‬‬
‫ص(‪.)31‬‬
‫(‪ )6‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الامحن بن احل ام ‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ص(‪.)188-187‬‬
‫(‪)1‬‬
‫العدالَة عب ارة ع ن وق و ه ذه الق وى – احللم ة والش جاعة والعف ة –‬
‫وقَ َ‬
‫ال الغَ َزايل ‪َ « :‬‬
‫والعدالَ ة عل ى الرتتي ب الواج ب فيه ا ت تم مجي ع اام ور ول ذلك قي ل ابلع دل قام ت الس موات‬
‫َ‬
‫واارض‪ ...‬أما العدل فهو الة للقوى الثالث يف انتظامها على التناسب حبس ب الرتتي ب الواج ب‬
‫يف اةس تعالء واةنقي اد‪ ،‬فل يس الع دل ج زءاً م ن الف ائل ب ل ه و عب ارة ع ن مجل ة الف ائل‪...‬‬
‫وك ذلك الع دل يف مملل ة الب دن‪ ...‬والع دل يف أخ الق ال نفس يتبع ه ة حمال ة الع دل يف املعامل ة‬
‫والسي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة‪ ،‬ويلون كاملتفا منه‪ ،‬ومعىن العدل‪ :‬الرتتيب املستحب‪ .‬إما يف ااخالق وإم ا يف ق وق‬
‫ِّ َ‬
‫املعامالت وإم ا يف أج زاء م ا ب ه ق واو البل د‪ ،‬والع دل يف املعامل ة وس ط ب ني رذيلت ني‪ :‬الغ والتغ ابن‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة تاتيب أجزاء املدينة تاتيباً مشاكالً لرتتيب أجزاء النفس»‬
‫والعدل يف ِّ َ‬
‫العدالَة يف اةص طالل متباين ة احل دود ةعتم اد الفقه اء يف‬
‫خنلص من كل م ا س بق أن لفظ ة َ‬
‫ابلعدالَة يف قول ه أو فعل ه أو ال ه‪،‬‬
‫اصطال هم على صفات معينة رأوا أن ة بد م ن توافاه ا ليتس م َ‬
‫مبع ىن أهن م قص اوا احل د عل ى ج زء م ن التل اليف َّ‬
‫والعدالَ ة أع م وأمش ل س ب وروده ا يف‬
‫الش ْاعية‪َ ،‬‬
‫ُّصوص َّ‬
‫الش ْاعية‪.‬‬
‫الن ُ‬
‫وعليه فإن التعايفات املوضوعة للعدال ة يف مع ىن َّ‬
‫الش ْا تناول ت أص الً م ن أص وهلا أو جم اةً‬
‫م ن جماةهت ا دون أن تل ون جامع ة مانع ة ت م ااص ول وتل م اجمل اةت يف مع ىن حم دد ول ذلك ة‬
‫العدالَة ‪.‬‬
‫تصلح أن تلون معىن شاعياً عاماً ملفهوو َ‬
‫ف املعىن َّ‬
‫العدالَ ة وتن و اس تعماةهتا يف‬
‫الش ْاع ال دقيق حبس ب اةس تعمال الق اآ لللم ة َ‬
‫اس يَّة منه ا واةجتّم ّ‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اعيَّ ة والقانوني ة‬
‫العدي د م ن اجمل اةت ويف ك ل ش ؤون احلي اة اخلاص ة والعام ة ِّ َ‬
‫ْ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ال تع اىل ‪َ  :‬وت َ َّم ْ َك ِل َمةُ َر ِبكَ ِص ْدقًا َوعَأ ْد ًال ‪‬‬
‫وغري ذلك هو اةلتزاو ابإلسالو ليس غري‪ .‬قَ َ‬
‫(‪ )1‬هو حممد بن حممد بن حممد الغَ َزايل‪ ،‬الطوس ‪َّ ،‬‬
‫ال اب ن‬
‫الشافّ ّع ‪ ،‬أب و ام د ‪ ،‬امللق ب حبج ة اإلس الو‪ ،‬قَ َ‬
‫السبل ‪ « :‬جامع أشتات العلوو‪ ،‬واملربا يف املنقول منها واملفهوو» من تص انيفه « املستص فى» و « املنح ول »‬
‫يف أصول الفقه و« الوسيط » و «الوجيز» و«اخلالصة» يف الفقه‪ ،‬و« هتافت الفالسفة» و«إ ياء علوو الدين»‬
‫تويف سنة (‪505‬ه )‪ .‬أنظا تامجته‪ :‬وفيات ااعيان (‪َ )353/3‬ش َذرات َّ‬
‫الذ َهب (‪.)10/4‬‬
‫(‪ )2‬الغَ َزايل أبو امد حممد بن حممد (‪505‬ه )‪ ،‬ميزان العمل‪ ،‬ص(‪.)82-76،81‬‬
‫( ‪ )3‬اانعاو ‪.115 /‬‬
‫أاب َو ْال ِم َ‬
‫أاس‬
‫س ْلنَا ُر ُ‬
‫سلَنَا ِب ْالبَ ِينَا ِ‬
‫وقَ َ‬
‫يأزانَ ِليَقُأو َم النَّ ُ‬
‫ال سبحان ه ‪  :‬لَقَ ْد أَرْ َ‬
‫ت َوأ َ ْن َز ْلنَا َمعَهُأ ُم ْال ِكت َ َ‬
‫ِب ْال ِقس ِْط‪.)1(‬‬
‫وميلن أن نعافه‪ :‬أبن ه املس اواة ب ني التص اف وب ني م ا يقت يه احل ق دون اايدة وة نقص ان‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك كان املي زان رم زاً إلقام ة الع دل‪ ،‬ويف ه ذا املع ىن يق ول اب ن تَ ْي ّميَّ ة‪ « :‬الع دل ه و ك ل‬
‫م ا دل علي ه اإلس الو – اللت ان والس نة – س واء يف املع امالت املتعلق ة ابحل دود أو غريه ا م ن‬
‫اا لاو »(‪.)2‬‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫وورد ع ن اب ن قَ يِّّم اجلَْوّايَّ ة(‪ )3‬قول ه ‪ « :‬وم ن ل ه ذوق يف َّ‬
‫اس يَّة‬
‫الش ّا َيعة‪ ...‬تب ني ل ه أن ِّ َ‬
‫العادلة جزء من أجزائها وفا من فاوعها»(‪ .)4‬ويقول القا يب(‪)5‬عن ابن عطي ة‪ « :‬العدل ‪ :‬ه و ك ل‬
‫ش ء مف اوض م ن عقائ د وش اائع »(‪ .)6‬ويق ول اإلم او الغَ َزايل‪ « :‬ع دل العب د أن يس تعمل وظيفت ه‬
‫ال أذن َّ‬
‫الش ْا جا وأن جيعل هواه أسرياً للدين »(‪.)1‬‬
‫( ‪ )1‬احلديد ‪.25 /‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ياسة َّ‬
‫الش ْاعية يف إص الل الااع والاعيِّ ة‪ ،‬ص(‪ )15‬وص(‪ .)156‬وأنظ ا اجلاج ا عل ب ن‬
‫الس َ‬
‫(‪ )2‬ابن تَ ْيميَّة‪ِّ :‬‬
‫حممد بن عل ‪ :‬التعايفات‪ ،‬ص(‪.)147‬‬
‫(‪)3‬ه و حمم د ب ن أيب بل ا ب ن أي ون الزرع ‪ ،‬الدمش ق ‪ ،‬مش س ال دين أب و عب د هللا اب ن قَ يِّّم اجلَْوّايَّ ة‪ ،‬الفقي ه‪،‬‬
‫ال عن ه َّ‬
‫الش ْوَكا ‪ « :‬ب ا يف مجي ع العل وو‪ ،‬وف اق ااق اان واش تها يف اآلف اق‪،‬‬
‫ااص ويل‪ ،‬املفس ا‪ ،‬النح ور‪ ،‬قَ َ‬
‫وتبحا يف معافة مذاهب الس لف»‪ .‬م ن كتب ه «م دارج الس اللني» و «ااد املع اد» و«إع الو امل وقعني» ت ويف س نة‬
‫(‪751‬ه ) ‪ .‬أنظ ا تامجت ه يف ‪ :‬ذي ل بق ات احلنابل ة (‪ ،)447/2‬ال درر اللامن ة (‪ )21/4‬بغي ة الوع اة (‪)62/1‬‬
‫بقات املفساين للداودر (‪َ )90/2‬ش َذرات َّ‬
‫الذ َهب (‪.)168/6‬‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة َّ‬
‫الش ْاعية‪ ،‬ص(‪.)5-4‬‬
‫(‪ )4‬ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة‪ ،‬حممد بن أيب بلا ‪ :‬الطاق احللمية يف ِّ َ‬
‫(‪ )5‬هو حممد بن أمحد بن أيب بلا ب ن فَ ْال – بف تح الف اء وس لون ال ااء – اانص ارر اخلزرج ‪ ،‬أب و عب د هللا‬
‫القا يب‪ ،‬الفقيه املفس ا‪ ،‬م ن مؤلفات ه « أ ل او الق اآن » يف التفس ري‪ ،‬و«ش ال أمس اء هللا احلس ىن» و«الت ذكار يف‬
‫أف ل ااذك ار» و«التقص » وغ ريه ت ويف (‪671‬ه )‪ .‬أنظ ا تامجت ه يف ال ديباج امل ذهب(‪ )308/2‬ش جاة الن ور‬
‫الزكية ص(‪َ )197‬ش َذرات َّ‬
‫الذ َهب (‪.)335/5‬‬
‫(‪ )6‬القا يب‪ ،‬أبو عبد هللا بن أمحد اانصارر (‪671‬ه )‪ ،‬اجلامع ا لاو القاآن (‪.)0166-165/10‬‬
‫وهذه ااقوال تؤكد لنا أن املعىن َّ‬
‫الش ْاع للعدال ة يلم ن يف اةلت زاو ابإلس الو واةلت زاو ه و‬
‫اةستقامة على الدين وهو الصااط املستقيم فغاية ااما أن هللا تعاىل أنزل دين اً قيم اً وأم اان ابإلمي ان‬
‫العدالَة ‪.‬‬
‫واةستقامة وهذا يتطلب أن تستقيم وفق توجيهاته وأ لامه وهذه اةستقامة ه َ‬
‫المبحث‬
‫الثاني‬
‫مفهوم العَدالَة عند األمــــــــــــم‬
‫والديانات السماويــــة السابقـــــة‬
‫ويشتمل على أربعة مطالب ‪:‬‬
‫‪ -1‬المطلب األول‬
‫‪:‬‬
‫ال َعدالَة في المجتمع البشري القديم‪.‬‬
‫(‪ )1‬مغنية‪ ،‬حممد جواد‪ ،‬فلسفة ااخالق يف اإلسالو‪ ،‬ص(‪.)180-179‬‬
‫العَدالَة عنـــــــــــــــــد‬
‫‪ -2‬المطلب الثاني ‪:‬‬
‫اليهــــــــــــــــــــــــــــــــود ‪.‬‬
‫العَدالَة عنــــــــــــــــد‬
‫‪ -3‬المطلب الثالث ‪:‬‬
‫النصــــــــــــــــــــــــارى‪.‬‬
‫العَدالَة في شبه الجزيرة العربيــــــــة‪.‬‬
‫‪ -4‬المطلب األول ‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫ال َعدالَة فــي المجتمــــع البشــــري القديـــــم‬
‫م ن خ الل مط الع يف بع ض الدراس ات ال تناول ت اجملتم ع البش ار الق دمي‪ ،‬وأنظمت ه يف‬
‫احلياة وجدت أن فئة من العلماء والبا ثني قد وقع وا يف خطأي ن‪:‬‬
‫ااول ‪ :‬أهنم بنوا نظاايهتم على جماد الظن واةفرتاض واحلد والتخمني‪ .‬يقول جان جاك روس و‬
‫(‪)1‬‬
‫وهو يتحدث عن نظايت ه ف نش وء السلط ة وأهنا كان ت بعقد اجتماع ‪« :‬إ أف رتض»(‪ ،)2‬مثل ه ول‬
‫ديورانت(‪ )3‬صا ب كتان (قصة احلَ َ َارة) ب دأ كالم ه بقوله ‪ « :‬سوف أفرتض»(‪.)4‬‬
‫إذن فهذه الدراسات ظن وختمني‪ ،‬وجمملها ميليه اهلوى واخل و لس لطان اةجت اه العق در‪،‬‬
‫فق د اول الش يوعيون أن ينحت وا م ن الت اريخ ااول م ا يواف ق مب دأهم يف احلي اة واإلنس ان والل ون‬
‫فوص فوا اإلنس ان ااول ابإلاب ي ة املطلق ة يف امل ال واجل نس‪ .‬كم ا اول الاأمس اليون إثب ات ِّّ‬
‫احلايَّ ة‬
‫َّملُّ ك والتص اف‪ ،‬والل ل إمن ا يب ىن تص وره عل ى جم اد احل د والتخم ني‪ .‬وب ني الف ايقني‬
‫املطلق ة يف الت َ‬
‫ثلِّ ة م ن العلم اء بن ت تص ورها عل ى اجملتمع ات اإلنس انية القدمي ة م ن خ الل دراس تها حلي اة القبائ ل‬
‫املتو ش ة واجلماع ات البدائي ة ال تعاص ا امانن ا كجماع ات الب ومشن يف أفايقي ا اجلنوبي ة ومجاع ات‬
‫ااس ليمو يف أمايل ا ومجاع ات الف دا ال تقط ن ش اق جزي اة س يالن وقبيل ة ااروبنت ا يف أس رتاليا‬
‫وغريها(‪.)5‬‬
‫وه ذا الن و م ن الدراس ات ة ميل ن اةعتم اد علي ه والاك ون إلي ه فم ا ه و إة آراء‬
‫واجتهادات ونظاايت قائم ة عل ى ااوه او واةفرتاض ات واخلط أ فيه ا يطغ ى عل ى الص وان‪ ،‬فلي ف‬
‫(‪)1‬روسو‪ ،‬جان جاك‪ )1778-1712( ،‬كاتب فانس ولد يف جنيف له آتليف فلسفية واجتماعية‪ ،‬اندى فيها‬
‫بطبيعة اإلنسان وابلعودة إىل الطبيعة منها‪ :‬العقد اةجتماع ‪ ،‬آميل‪ ،‬اعرتافات وكان ملبادئ ه أتث ري يف نش أة الث ورة‬
‫الفانسية والاومانطيقية‪ .‬فادينان‪ ،‬املنجد يف ااعالو‪ ،‬ص(‪.)313-312‬‬
‫(‪ )2‬متويل‪ ،‬د‪ .‬عبد احلميد ‪ :‬مبادئ نظاو احللم يف اإلسالو‪ ،‬ص(‪.)571‬‬
‫( ‪ )3‬ول ديورانت (‪1402-1303‬ه ) ‪1981-1885( ،‬و)‪ ،‬املؤرخ والفيلسوف اامايل صا ب موسوعة‬
‫قصة احل ارة‪ ،‬انل جائزة نوبل لآلدان عاو (‪1968‬و)‪.‬‬
‫(‪ )4‬ديورانت ول ‪ :‬قصة احلَ َ َارة‪ ،‬تامجة حممد بدران‪ ،‬ص(‪.)24/1‬‬
‫شاكا‪ ،‬ااستاذ حممود‪ :‬اجلماعات البدائية‪ ،‬ص(‪ )34‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬أنظا‪:‬‬
‫نبولة‪ ،‬د‪ .‬حممود عل ‪ :‬الوظيفة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة للمللية اخلاصة‪ ،‬ص(‪.)26-23‬‬
‫ْ َ‬
‫لنا أن نستنتج أعااف وعادات وت َقاليد ِّأمة من اامم مغيبة يف واقعه ا‪ ،‬وحنل م عليه ا ون دع احلل م‬
‫معافة وعلماً وما كانت اا لاو متفقة بني البا ثني؟!‬
‫وكيف لنا أن حنلم على اتريخ اجلماعات البدائية يف اماننا ابةحنط اط وحن ن ن اى م ن خ الل الت اريخ‬
‫ارات سادت مث ابدت؟! ومن ذا الذر يستطيع اجلزو أن اجملتمع البشار الق دمي مل يل ن أ س ن‬
‫اةً من هذه اجلماعات‪ ،‬مث أتخات بدل أن تتقدو ةنتفاء عوامل هن تها؟!‬
‫ويف عص اان احلاض ا ال ذر بل غ اإلنس ان في ه ش أواً كب رياً م ن التق دو يف اجمل اةت املادي ة جن د‬
‫قبائل جمهولة وبعيدة عن أعني الع امل‪ .‬فاحلي اة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة جلمي ع أف ااد البشاي ة ة ميل ن أن تس ري يف‬
‫ْ َ‬
‫خط بيا وا د‪.‬‬
‫ومن املعلوو يف الدراسات العلمية أنه إذا كان هنال ك أكث ا م ن فاض ية يف تفس ري أم ا مع ني‬
‫فإن ه ة يص ح تب ين أي ة فاض ية منه ا إة إذا اس تبعدت مجي ع الفاض يات ااخ اى ابل دليل املقن ع‪،‬‬
‫و يث ة دليل لدى أصحان هذه الدراسة‪ ،‬فإن رأيهم ة تقوو به جة‪.‬‬
‫الث ا ‪ :‬إ الق وص ف الت و ش والقس وة وااانني ة واةن زواء عل ى مجي ع اجملتم ع البش ار ااول‪ ،‬ب ل‬
‫إن املطلع على ما كتب يف تصويا احلياة البشاية ااوىل بعي داً ع ن م نهج الق اآن والس نة‪ ،‬ليج د م ن‬
‫ِّ‬
‫الغاائب الش ء اللث ري م ن ق ول بو ش ية اإلنس ان ااول وش يوعية اجل نس‪ ،‬وأن و دة بن اء اجملتم ع‬
‫ااول ه القبيلة‪ ،‬وليس ت ااس اة ال مل يل ن هل ا وج ود إمن ا كان ت تق وو مقامه ا الفوض ى اجلنس ية‬
‫واملالية(‪.)1‬‬
‫وجنع ل عي ون ه ذه الدراس ة يف أمور مخسة ‪:‬‬
‫ ديورانت ول‪ :‬قصة احلَ َ َارة و‪ 1‬ج‪ ، 1‬ص(‪ )39‬وما بعدها‪.‬‬‫(‪ )1‬أنظا‪:‬‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة‪ ،‬ص(‪ )7‬وما بعدها‪.‬‬
‫ عبد القادر‪ ،‬د‪ .‬عل أمحد‪ :‬دراسات يف املذاهب ِّ َ‬‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة‪ ،‬ص(‪.)90‬‬
‫ اخلشان‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‪ :‬النظاايت واملذاهب ِّ َ‬‫ جامع‪ ،‬د‪ .‬أمحد‪ :‬اةقتصاد اةشرتاك ‪ ،‬ص(‪.)9-8‬‬‫ نبولة‪ ،‬د‪ .‬حممود عل ‪ :‬الوظيفة اةجتّم ّ‬‫اعيَّة للمللية اخلاصة‪ ،‬ص(‪ )11‬وما بعدها‪.‬‬
‫ْ َ‬
‫ااول ‪ :‬إن ه ذه الدراس ة مل تس لم م ن ااه واء املنبثق ة م ن املف اهيم املادي ة املنحاف ة كالش يوعية‬
‫َّ‬
‫والاأْ ُمساليَّة‪ ،‬فلل وا د من اةجتاهني ُي اول أن جيع ل م ن حتايف ه وتزييف ه لواق ع البش اية ااوىل تربي ااً‬
‫ملفاهيمه املطاو ة اليوو ومفاسده اجلامثة على أرضه‪.‬‬
‫الثا ‪ :‬إن هذه الدراسة ملا قبل تدوين الت اريخ وه عص ور جيه ل الن ا أكث ا شؤون ها لع دو ت وافا‬
‫املعلومات اللافية عن ايق الدراسات التارخيية املتخصصة‪ .‬فلل ما نعافه ع ن الت اريخ قب ل مخس ة‬
‫آةف سنة قلي ل‪ ،‬أم ا م ا نعاف ه قب ل عش اة آةف ع او فيعت رب أق ل م ن القلي ل وم ا قب ل ذل ك فيعت رب‬
‫جماهي ل ة ي درر عل م الت اريخ م ن شأن ها ش يئاً‪ ،‬ل ذا ف إن كث رياً م ن احلقيق ة ض ا ب يا الت اريخ‬
‫اإلنسا ‪.‬‬
‫وابلتايل فإن احلقائق ال ورثها اإلنسان اختلطت ببا ل كثري ب ل ض اعت يف أم واج متال م ة واس عة‬
‫من الزيف والدجل والتحايف ومما يدل على ذلك أن كتابة اتريخ قيق لشخصية أو مجاع ة م ا يف‬
‫العصا احلديث تعترب من أشق اامور فليف بتاريخ ميتد إىل فجا البشاية‪.‬‬
‫ول ذا ف إن املص در احل ق لدراس ة انطالق ة البش اية ااوىل ه و الق اآن والس نة اهنم ا ت منا ق ائق‬
‫اترخيية اثبتة‪  :‬إِ َّن َّ‬
‫ض َو َال فِي ال َّ‬
‫س َما ِء‪.)1(‬‬
‫اَّللَ َال يَ ْخفَى َ‬
‫علَ ْي ِه ش َْي ٌء فِي ْاألَرْ ِ‬
‫الثال ث‪ :‬إن هم ق دروا أن اإلنس ان ااول خل ق خلق اً انقص اً‪ ،‬غ ري مؤه ل ان يتلق ى احلق ائق العظم ى‬
‫اللاملة‪ ،‬بل أن تصوراهتم عن اإلنسان ااول جتعله أقان إىل احليوان منه إىل اإلنسان‪.‬‬
‫الاابع‪ :‬أهن م ظن وا أن اإلنس ان اهت دى إىل املف اهيم اجمل ادة‪ :‬كالع دل والظل م والف يلة واخل ري والش ا‬
‫بنفسه بدون معلم يعلمه وماش د يوض ح ل ه وأن ه تاق ى يف معافت ه ابهلل والف يلة كم ا تاق ى يف العل وو‬
‫والصناعات‪.‬‬
‫اخلامس‪ :‬أهنم حبث وا يف ااداين ليتبين وا اترخيه ا فل م جي دوا أم امهم إة تل ك ااداين احملاف ة أو ال الة‬
‫وأىن هل م أن يعاف وا احلقيق ة م ن تل ك‬
‫فجعلوه ا مي دان حب ثهم‪ ،‬فأخ عوها للدراس ة والتمح يص‪ِّ ،‬‬
‫ااداين ال متثل احنااف اإلنسان يف فهم العقيدة؟!‬
‫ولق د ص ِّور الق اآن الل امي اجملتمع ات البش اية ااوىل أبهن ا نش أت أساس اً م ن آدو و واء‬
‫الل ذين ش ِّلال أول أس اة يف اتري خ البش اية‪ ،‬انبث ق منه ا أول جتم ع بش ار عل ى وج ه اارض وأن‬
‫( ‪ )1‬آل عماان ‪.5 /‬‬
‫اهلداية الاابنية قد فت البشاية منذ اللحظ ة ااوىل‪ ،‬ي ث مل توج د يف اارض لتل ون ش يئاً مهم الً‬
‫يعيش ياة الفوضى ة يعاف للعدل ابابً‪.‬‬
‫وم ن اادل ة عل ى ذل ك ‪:‬‬
‫أوةً‪ :‬تل امي هللا لإلنس ان وخلق ه يف أ س ن تق ومي ‪َ ‬ولَقَ أ ْد ك ََّرمْ نَأأا َبنِأأي َءادَ َم َو َح َم ْلنَ أا ُه ْم فِأأي ْال َبأ ِأر‬
‫َو ْال َب ْح ِر َو َر َز ْقنَا ُه ْم ِمنَ َّ‬
‫َّأن َخلَ ْقنَأا ت َ ْف ِض ً‬
‫علَى َك ِثيأر ِمم ْ‬
‫ت َوفَ َّ‬
‫أيال‪.)1(‬يق ول الق ا يب‬
‫ض ْلنَا ُه ْم َ‬
‫الط ِي َبا ِ‬
‫يف تفس ريه هل ذه اآلي ة‪ «:‬كامن ا ت عيف ك او‪ ،‬أر جعلن ا هل م كام اً أر ش افاً وف الً‪ ،‬وه ذا التل امي‬
‫نف النقص ان ة ك او امل ال‪ .‬وه ذه اللاام ة ي دخل فيه ا خلقه م عل ى ه ذه اهليئ ة‪ ...‬وختصيص هم مب ا‬
‫والص ّح ْيح ال ذر يع ول علي ه أن التف يل أمن ا ك ان‬
‫ص ب ه م ن املط اعم واملش ارن واملالب س‪َ ...‬‬
‫خ ِّ‬
‫ابلعق ل‪ ،‬إة أن ه مل ا مل ي نهض بل ل امل ااد م ن العب د بُعث ت الاس ل وأنزل ت اللت ب‪ .‬فمث ال َّ‬
‫الش ْا‬
‫الش مس ومث ال العق ل الع ني ف إذا فتح ت وكان ت س ليمة رأت الش مس وأدرك ت تفاص يل‬
‫ااشياء»(‪.)2‬‬
‫اثني اً‪ :‬لق د اتص لت البش اية ابل و‬
‫اإلهل والتوجي ه ال ااب م ن أول ي وو عاش ته عل ى ظه ا ه ذه‬
‫الأر ِحي ُم‪.)3(‬‬
‫أاب َ‬
‫اارض‪ .‬قَ َ‬
‫علَيْأ ِه إِنَّأهُ ُه َأو التَّأوَّ ابُ َّ‬
‫ال تع اىل ‪  :‬فَتَلَقَّى َءادَ ُم ِم ْن َر ِب ِه َك ِل َمأات فَت َ َ‬
‫فلي ف يص ور الب ا ثون يف اتري خ اجملتمع ات القدمي ة م ن علم اء اةجتم ا والت اريخ ه ذه احلي اة‬
‫ابلو شية والربباي ة واإلاب ي ة والفوض ى ودون أن يتص لوا ابملف اهيم اجمل ادة كالع دل واةس تقامة‪ .‬وم ا‬
‫فت ئ التش ايع ال ااب مواكب اً س ري البش اية ‪َ ‬و ِإ ْن ِمأ ْ‬
‫أن أ ُ َّمأة ِإ َّال َخأ َأال ِفي َهأأا نَأذِير ‪ )4(‬ي نظم أ ل او‬
‫املال ويقيد مساره استغالةً واستهالكاً وانت َقاةً منه إىل غريه حتقيقاً للعدالة‪ ،‬وما الع دل إة أم ا إهل‬
‫وقاعدة سنها هللا تعاىل يف اخللق تلويناً‪ ،‬وللخلق تشايعاً فهو سنة هللا تعاىل يف خلق ه‪ ،‬و ب الع دل‬
‫يوافق فطاة هللا ال فطا عليها النا ‪ ،‬وتطبيق ال نظم العادل ة يتناس ب م ع تل امي هللا تع اىل لإلنس ان‬
‫عزت ه وكاامت ه‪ ،‬وُيف ظ ل ه شخص يته اآلدمي ة حم ارة م ن‬
‫املس تخلف يف اارض‪ ،‬ان الع دل ُيق ق ل ه ِّ‬
‫العبودية لبشا أو جا أو هوى‪.‬‬
‫( ‪ )1‬اإلسااء ‪.70 /‬‬
‫(‪ )2‬القا يب‪ ،‬أبو عبد هللا حممد بن أمحد اانصارر‪671( ،‬ه )‪ :‬اجلامع ا لاو القاآن ‪.)294-293/10( ،‬‬
‫( ‪ )3‬البقاة ‪.37 /‬‬
‫( ‪ )4‬فا ا ‪.24 /‬‬
‫ومن هذا املنطلق كانت اجملتمعات البشاية القدمية تعاف معىن العدل والظل م مب ا ب اهم هللا‬
‫من عناية وتوجيه وتاشيد بواسطة الو‬
‫وما من احنااف ع ن ج ادة الص وان وت داخل يف دود هللا‬
‫ال هللا تع اىل ‪ :‬وإ خلق ت عب ادر نف اء كله م‬
‫ال رس ول هللا ‪ «: ‬قَ َ‬
‫إة م ن غواي ة الش يطان‪ .‬قَ َ‬
‫وإهنم أتتهم الشيا ني فاجتالتهم عن دينهم و امت عليهم ما أ للت هلم »(‪.)1‬‬
‫ومما يشهد هل ذا اةجتي ال م ا ش هده الع امل يف الت اريخ الق دمي م ن‬
‫ارات س ادت أرجاؤه ا‬
‫كاحلَ َ َارة املصاية والسوماية وااشورية والبابلي ة والفارس ية واليواننيَّ ة والاوماني ة فق د احناف ت ع ن‬
‫العدل اإلهل يف تسيري ياهتا وشوؤهنا لتعلقها ابلوثنية‪ ،‬وة يعين هذا أن ها مل تعاف العدل ب ل عافت ه‬
‫إة أهن ا مل تل ن تع اف دود ك ل م ن الع دل ونقي ه الظل م فاحل دود متداخل ة بينه ا ش أهنا يف ذل ك‬
‫شأن أكثا املعا اجملادة إذ ذاك بسبب خ و الشعون مل وروث عاداهت ا وأعاافه ا فس نِّت اانظم ة‬
‫وشاعت القوانني وألزمت الاعية ابة تلاو إليها وقد وصل إلينا من ه ذه الق وانني الوض عية ال م ا‬
‫اال بع ها حمفوظ اً يف املتح ف الربيط ا وغ ريه‪ .‬وبع ها اآلخ ا دل ت علي ه اةكتش افات ااثاي ة‬
‫احلديثة‪.‬‬
‫العدالَ ة يف‬
‫وس نلتف بع اض مجل ة م ن مب ادئ ومف اهيم بع ض ه ذه الق وانني ال تظه ا لن ا َ‬
‫تلك اجملتمعات البشاية القدمية‪.‬‬
‫‪ «-1‬ي زعم ص ا ب قص ة احلَ َ َارة أبن الق وانني املَ َدنيَّ ة واجلزائي ة يف مص ا القدمي ة غاي ة يف الاق ‪،‬‬
‫وإن الن ا مجيع اً متس اوون فيه ا مس اواة اتم ة أم او الق انون كم ا ه م متس اوون أمام ه يف ه ذه‬
‫ااايو‪...‬ومن القوانني املتبعة أن احلانث بيمينه يعاقب ابإلعداو‪...‬وأن املذنب يتعاض إىل عقوبة ق د‬
‫تلون جبد أنفه أو صلم أذنه أو قطع لسانه أو نفي ه أو إعدام ه ابلش نق أو ابملخ زق أو بقط ع رأس ه‬
‫أو إب ااقه مصلوابً أو أبشد ضاون العقان بتحنيطه ياً »(‪.)2‬‬
‫اجملاشع وأمحد يف املُ ْسنَد (‪ )262/4‬مبعناه‬
‫ص ّح ْيح مسلم‪ ،‬صفة اجلنة (‪ )2197/4‬عن عياض بن ّمحار‬
‫ِّ‬
‫( ‪َ )1‬‬
‫ّ‬
‫ّّ‬
‫والسنَن اللربى للنسائ (‪.)26/5‬واملعجم ااوسط ‪ .)206/3( ،‬واملعجم‬
‫َ‬
‫وصح ْيح ابن بِّان (‪ُ )423/2‬‬
‫اللبري (‪ .)358/17‬وفتح البارر (‪.)248/3‬‬
‫( ‪ )2‬ديورانت‪ ،‬ول‪ :‬قصة احلَ َ َارة‪ ،‬تامجة اك جنيب حممود (‪.)91-90/3‬‬
‫« وإن ق انون مح ورايب(‪ )1‬مي زج أرق ى الق وانني وأعظمه ا اس تنارة أبقص ى العق وابت وأش دها و ش ية‬
‫وت ع قانون التحليم اإلهل وهو إثبات اجلامية على املتهم أو نفيها عن د إلقائ ه يف امل اء أو يف الن ار‬
‫فإن جنا كان بايئاً وإة عُ َّد مذنباً»(‪.)2‬‬
‫ولقد جاء يف املقدمة ‪ « :‬أان محورايب امللك الذر اختارتين اآلهلة نيابة عنه ا حلل م البش ا وإس عادهم‬
‫ونشا العدل بني النا ‪ ،‬والق اء عل ى الش ا والس وء ىت يطغ ى الق ور عل ى ال عيف»‪ ،‬وورد يف‬
‫اخلامتة ‪ « :‬أان محورايب امللك العادل و اللام ل ‪ ...‬أان ال ذر تس لم الق وانني م ن مش اش إل ه الش مس‬
‫والعدالَة»(‪.)3‬‬
‫واحلقيقة َ‬
‫« وتلش ف لن ا ق وانني مح ورايب ع ن بني ة اجملتم ع الب ابل يف ذل ك العص ا‪ ،‬وتطلعن ا عل ى أر الفئ ات‬
‫اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة ك ان يعتم د املل وك يف ل م ال بالد‪ .‬وم ن خ الل ق وانني مح ورايب‪ ،‬نس تطيع التع اف إىل‬
‫ْ َ‬
‫الطبقات والفئات اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة للمجتمع البابل ‪ ،‬وعالقاهتا احلقوقية »(‪.)4‬‬
‫ْ َ‬
‫« فلق د ك ان أف ااد الطبق ة العلي ا م ن اا اار ( اامبل و ) يتمتع ون ابحلق وق كاف ة وهل م الس يادة يف‬
‫اجملتمع‪ ...‬وكان أفااد الطبقة العامة (املوش لينو) م ن فق ااء اا اار وم ن اارق اء ال ذين حت اروا وم ن‬
‫أبناء الاجال اا اار الذين تزوجوا إبماء‪ ،‬وه ؤةء ميارس ون كتل ف امله ن‪ ،‬ولل نهم غ ري متس اوين يف‬
‫احلق وق املَ َدنيَّ ة‪ ،‬فلق اء التش ويه ال ذر يس بب لش خص م ن (اامبل و) ك ان امل ذنب يعاق ب بتش ويه‬
‫مماثل العني ابلعني والسن ابلسن سب املادة (‪ )196‬من القانون‪ ،‬أما لقاء التش ويه ا د أف ااد (‬
‫املوشلينو ) فلانت العقوبة تقتصا على دف ع غاام ة وا دة مين اً م ن الف ة س ب امل ادة (‪)198‬‬
‫من القانون »(‪.)5‬‬
‫(‪ )1‬ساد ملوك اببل‪ ،‬وأشهاهم كان بني (‪ 750-792‬ق‪.‬و) وضع قانوانً يف وايل ثالمثائة مادة‪.‬‬
‫انظا املوسوعة امليساة ‪،‬ص(‪..)1130‬‬
‫( ‪ )2‬ديورانت‪ ،‬ول‪ :‬قصة احلَ َ َارة (‪.)91-90/3‬‬
‫( ‪ )3‬دلو‪ ،‬باهان الدين‪ :‬ارة مصا والعااق‪ ،‬ص(‪.)400-399‬‬
‫( ‪ )4‬دلو‪ ،‬باهان الدين‪:‬‬
‫( ‪ )5‬دلو‪ ،‬باهان الدين‪:‬‬
‫ارة مصا والعااق‪ ،‬ص(‪.)400-399‬‬
‫ارة مصا والعااق‪ ،‬ص(‪.)400-399‬‬
‫هذا‪ ،‬وياى البا ثون أن هناك قوانني قد سبقت محورايب ليُ َعاف أن ما سنِّه محورايب مل يلن م ن لَ ُدنْه‬
‫بل أخذ من هذه التشايعات وسار على منواهلا و ورها مبا يالئ م املتغ ريات اةقتص ادية واةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة‬
‫ْ َ‬
‫والسي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة املستجدة يف عصاه‪ .‬ومن تلك القوانني قانون أورمنو وأشنوان وليبيت عشتار(‪.)1‬‬
‫ِّ َ‬
‫وه ذه الق وانني مبجمله ا تش ري إىل ع دو املس اواة يف اجملتم ع املص ار الق دمي‪ ،‬وم ا ورد يف‬
‫العدالَ ة وإس عاد الن ا ‪ ،‬فه ش لل م ن‬
‫مقدم ة الق انون م ن عب ارات‪ ،‬ومج ل نان ة م ن أمث ال‪ :‬نش ا َ‬
‫أش لال الق وانني الص ورية قص د منه ا امتص اص نقم ة اجلم اهري‪ ،‬وت ليلها‪ ،‬ومتوي ه وإخف اء الط ابع‬
‫الطبق اةستغاليل للقانون إذ يستحيل حتقيق ما ُميسى ب (العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة) يف ظل جمتم ع ملل‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫تلون فيه وسائل اإلنتاج مللاً بيد أقليِّة من أفااد اجملتمع ويسمح ابستغالل اإلنسان لإلنسان‪.‬‬
‫فأي ة عدال ة اجتماعي ة ه ذه وق وانني مح ورايب تقس م اجملتم ع الب ابل إىل بق ات ُمس تَ ّغلَّة‬
‫وم ْس تَ غَلة وإىل أ اار وعبي د وإىل أغني اء وفق ااء خيتلف ون م ن ي ث احلق وق والواجب ات؟! اللِّه م م ا‬
‫ُ‬
‫ورد يف ّ‬
‫الف ْل ا ااخالق م ن تع اليم عملي ة وردت عل ى ألس نة لم ائهم‪ ،‬متثل ت عموم اً بوج ون‬
‫كالس ّاقَة‪ ،‬والظل م والس ع وراء جتمي ع الث اوة بط اق غ ري ش ايفة‬
‫ابتعاد اإلنسان عن اافعال القبيحة َّ‬
‫(يف ع افهم) وغريه ا م ن الاذائ ل « وجمم ل ه ذه الق وانني يف اع م الب ا ثني م ن وض ع إل ه الق انون‬
‫(حتوت) وأن (معان) إهلة العدل تشاف على تطبيق القوانني »(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬واهلندوسية دين اجلمهاة العظمى من سلان اهلند وه جمموعة من الت َقاليد والع ادات والعقائ د‬
‫يُطلق عليها اسم الربمهية نسبة إىل «بامه ا» ومعن اه يف اللغ ة السنس لاتية « هللا » وأم ا رج ال ال دين‬
‫اللذين يتصلون يف بقاهتم بعنصا «الربمها» فيطلق عليهم «الربامهة»‪.‬‬
‫وم ن أق دو نصوص هم التش ايعية م ا يُس مى بتش ايع «م انو»(‪ )3‬وم انو ه و الس لف ااس طورر ال ذر‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫ُّص وص–ابن اً هلل‪-‬‬
‫تسلس لت عن ه مجاع ة املانوي ة ( أو مدرس تها الف ْلاي ة ) وق د ص ورته ه ذه الن ُ‬
‫( ‪ )1‬رابل‪ ،‬غسان‪ :‬اتريخ القوانني والنظم اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة ‪ ،‬ص(‪.)27‬‬
‫ْ َ‬
‫وأنظا‪ - :‬ابقا‪ ،‬ه‪ :‬مقدمة يف اتريخ احل ارات‪ ،‬اتريخ العااق القدمي‪)288/1(،‬و (‪.)188/1‬‬
‫‪ -‬دلو‪ ،‬باهان الدين‪:‬‬
‫( ‪ )2‬يلن‪ ،‬اهدر‪ :‬اتريخ القانون‪ ،‬ص(‪.)81‬‬
‫ارة مصا والعااق ص(‪.)439-423‬‬
‫يب تعاض ت تش ايعاته‬
‫(‪ )3‬شخص ية ديني ة اختلف ت اآلراء فيه ا‪ ،‬م نهم م ن قَ َ‬
‫ال أن ه مص لح ‪ ،‬وآخ ا ي ِّدع أن ه ن ِّ‬
‫للتحايف‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫يتلق ى الق وانني م ن بامه ا نفس ه وه ذا التش ايع مؤل ف م ن ‪ 685‬بيت اً م ن الش عا‪ ،‬ك انوا ياجعون ه إىل‬
‫الس يِّّد املس يح علي ه‬
‫س نة ‪ 1200‬ق‪.‬و‪ .‬لل ن الب ا ثني الي وو يادون ه إىل الق اون ااوىل بع د م يالد َ‬
‫السالو(‪.)2‬‬
‫وت ذكا ق وانني م انو أن الربمه ا خل ق الربمه م ن فم ه واللاس رتاي م ن ذراع ه والويش يا م ن فخ ذه‬
‫والشودرا من رجله فلان لل ل م ن ه ذه الطبق ات من زلته عل ى ه ذا النح و ولل ل بق ة م ن بق ات‬
‫اجملتمع اهلندوس وظائفها وواجباهتا‪.‬‬
‫فعل ى الربمه أن يش تغل ابلتعل يم فل ان ه و املعل م والل اهن والقاض أم ا كش رتاي فعلي ه أن ي تعلم‬
‫ويقدو القاابني وينفق يف الصدقات وُيمل السالل للدفا عن و نه أما وشيا فعليه أن يزر ويتج ا‬
‫وجيم ع امل ال وينف ق عل ى املعاه د العلمي ة والديني ة وأم ا ش ودرا فعلي ه أن خي دو الطوائ ف الثالث ة‬
‫الشايفة‪.‬‬
‫وينص تش ايع م انوا « عل ى أن يل ون م ن ق الربمه س يادته عل ى س ائا اللائن ات وإن ك ل م ا يف‬
‫العامل ملك الربمه ولن يدنس الربمه بذنب ولو قتل العوامل الثالثة»(‪.)3‬‬
‫العدالَة م ن‬
‫وجذا يظها اختالط فلاة القانون مببادئ ااخالق وقواعد الدين وال مبااعاهتا تتحقق َ‬
‫وجهة نظاهم‪.‬‬
‫وأر عدالة يف هذه الداينة الوثنية مب ا فاض ت عل ى أتباعه ا م ن عزل ة ع ن احلي اة و ام ان م ن يباهت ا‬
‫ومتعه ا وتع ذيب لل نفس‪ ،‬وم ن بقي ة بش عة فيه ا اإلذةل والعبودي ة وم ن امته ان للعق ل بقب ول‬
‫اخلاافات وااوهاو وااسا ري؟!‬
‫(‪ )1‬املانوية‪ ،‬نسبة إىل املل وك الس بعة امل ؤهلني‪ ،‬عن د اهلن ود‪ ،‬ال ذين لم وا يف اعمه م الع امل‪ .‬ووض عوا ق انوانً يف‬
‫القان الثالث عش ا أو ال ذر قبل ه قب ل امل يالد‪ ،‬م ن (‪ )2685‬بيت اً م ن الش عا‪ .‬انظ ا‪:‬اجلَُهين ‪ ،‬املوس وعة امليس اة‬
‫‪،‬ص(‪.)1130‬‬
‫( ‪ )2‬يلن‪ ،‬اهدر‪ :‬اتريخ القانون‪ ،‬ص(‪.)146-145‬‬
‫( ‪ )3‬أنظا ول هذه املسألة‪:‬‬
‫ ديورانت‪ ،‬ول‪ :‬قصة احلَ َ َارة‪ )172-166/3( ،‬تصاف‪.‬‬‫‪ -‬الق ما ‪ ،‬حم الدين سن‪ :‬صفحات من اضا العامل اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)18-17‬‬
‫‪ -3‬ومهما يلن من أما هذه اامم يف العص ور الس الفة فق د ال ت ع ن اي ق احل ق فق د أظلم ت يف‬
‫وجوههم مسارن احلياة وأصبحوا يف جحيم ة يطاق ويف ش قاء م ٍّن ة ِّق بي نهم إة للق ور‪ ،‬وة‬
‫ع دل إة م ا واف ق اهل وى أو أدى إىل نف ع ذاا‪ ،‬ولبغ ى ااق وايء عل ى ال عفاء وس لبوهم ي اهتم مث‬
‫لبغى ااقوايء بع هم على بعض فاقتتلوا‪.‬‬
‫وأما ما ورد على لساهنم من الف ائل املثلى واملناقب الف لى فما هو إة من سبيل التأثا ابإلس الو‬
‫الذر ما يزال يتأثا أو ينتفع به من ة ينتسب إليه‪.‬‬
‫ال‪« :‬نع م‬
‫يب ك ان آدو؟ قَ َ‬
‫ويف ديث أيب أمام ة أن رج الً س أل رس ول هللا ‪ ‬ف َق َ‬
‫ال‪ :‬اي رس ول هللا أن ِّ‬
‫ال‪« :‬عشاة قاون»(‪.)1‬‬
‫ال‪ :‬فلم بينه وبني نول ؟ قَ َ‬
‫مللَّم»‪ .‬قَ َ‬
‫ال ‪ « :‬وكان بني آدو ونول عشاة قاون كلهم على اإلسالو ومق دار الق ان‬
‫وعن عبد هللا بن َعبَّا قَ َ‬
‫مائة سنة» (‪.)2‬‬
‫وعلى ذلك يلون بني آدو ونول ألف س نة وق د تل ون امل دة بينهم ا أكث ا م ن ذل ك إذ قيِّ د‬
‫اب ن َعبَّ ا ه ذه الق اون العش اة أبهن ا كان ت عل ى اإلس الو ف ال ينف أن يل ون بينهم ا ق اون أخ اى‬
‫على غري اإلسالو‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫ال َعدالَة عنــــــــد اليهــــــــــــود‬
‫فل ت معتق دات ب ين إس اائيل – اليه ود‪ -‬ابلتص ورات الوثني ة وابللوث ة القومي ة عل ى‬
‫الس واء‪ ،‬فإس اائيل وبن وه ج اءهتم رس لهم ابلتو ي د اخل الص ال ذر علمه م إايه أب وهم إب ااهيم علي ه‬
‫الس الو مث ج اءهم نب يهم ااك رب موس ى علي ه الس الو ب دعوة التو ي د ولل نهم احناف وا عل ى م دى‬
‫( ‪ّ )1‬‬
‫ّّ‬
‫عما كان بني آدو ونول صلوات هللا عليهما من القاون (‪)69/14‬‬
‫َ‬
‫صح ْيح ابن بِّان ‪:‬ابن ذكا اإلخبار ِّ‬
‫مؤسسة الاسالة‪ ،‬وموارد الظمآن (‪ )509/1‬دار اللتب العلمية‪ .‬وجممع الزوائد (‪ .)160/1‬واملعجم ااوسط‬
‫(‪ )77/5‬بلفظ « وبينهما عشاة آابء »‪.‬‬
‫( ‪ )2‬املستدرك للحاكم‪ .)418/6( ،)480/2( ،‬وجممع الزوائد (‪.)418/6‬‬
‫ال زمن وهبط وا يف تص وراهتم إىل مس توى الوثني ات‪ ،‬وأثبت وا يف كت بهم املقدس ة ويف ص لب الت وراة‬
‫أسا ري ة تاتفع عن غريهم من الوثنيني الذين مل يتلقوا رسالة مساوية‪.‬‬
‫ولقد كانت عقيدة التو يد ال أنزهل ا هللا عل ى إب ااهيم علي ه الس الو عقي دة خالص ة انص عة‬
‫ش املة متلامل ة‪ ،‬وم ن ه ذا التو ي د اخل الص وه ذه العقي دة الناص عة ان تلس اا ف اد‪ ،‬وظل وا يف‬
‫انتلاس تهم ىت ج اءهم موس ى علي ه الس الو بعقي دة التو ي د والتن زيه م ن جدي د‪ ،‬ولل نهم احناف وا‬
‫وبدلوا وموسى عليه السالو بني أظهاهم‪.‬‬
‫‪ -1‬العدل فيما بينهم ‪:‬‬
‫لق د أم اهم موس ى علي ه الس الو كم ا أم اهم أنبي اؤهم ‪-‬ص لوات ريب وس المه عل يهم‪ -‬أن‬
‫وفص ل هل م يف الت وراة احل دود واا ل او‬
‫يقوم وا ابلع دل والقس ط وأن ة يتظ املوا وة يظلم وا أ داً ِّ‬
‫ور يَ ْح ُك ُم ِب َها النَّ ِبيونَ الَّأ ِذينَ‬
‫والقصاص الع ادل‪ ،‬قَ َ‬
‫ال تعال ى‪ِ  :‬إنَّا أ َ ْن َز ْل َنا التَّوْ َراةَ فِي َها ُهدًى َونُ ٌ‬
‫س أت ُ ْح ِف ُ‬
‫ظوا ِمأ ْ‬
‫ب َّ‬
‫أار بِ َمأأا ا ْ‬
‫أَ ْ‬
‫علَ ْي أ ِه‬
‫اَّللِ َو َكأأانُوا َ‬
‫س ألَ ُموا ِللَّ أ ِذينَ َهأأادُوا َوالربأأانِيُّونَ َو ْاأل َ ْحبَأ ُ‬
‫أن ِكتَأأا ِ‬
‫اس َو ْ‬
‫شت َ ُروا ِبآيَاتِي ث َ َمنًا قَ ِل ً‬
‫أيال َو َم ْ‬
‫اخشَوْ ِن َو َال ت َ ْ‬
‫ُ‬
‫أن لَأ ْم يَ ْح ُكأ ْم ِب َمأا أ َ ْن َأز َل‬
‫ش َهدَا َء فَ َال ت َ ْخشَوُ ا النَّ َ‬
‫س ِبالنَّ ْف ِس َو ْال َعأيْنَ ِب ْ‬
‫َّ‬
‫أف‬
‫اَّللُ فَأُولَ ِئكَ ُه ُم ْالكَا ِف ُرونَ ‪َ ‬و َكت َ ْبنَا َ‬
‫أال َعي ِْن َو ْاأل َ ْن َ‬
‫علَي ِْه ْم ِفي َها أ َ َّن النَّ ْف َ‬
‫ف َو ْاألُذُنَ بِ ْاألُذُ ِن َوالس َّ‬
‫ارةٌ لَهُ َو َم ْن‬
‫صدَّ َ‬
‫صاصٌ فَ َم ْن ت َ َ‬
‫ِن َو ْالج ُُرو َح قِ َ‬
‫بِ ْاأل َ ْن ِ‬
‫ق بِ ِه فَ ُه َو َكفَّ َ‬
‫ِن بِالس ِ‬
‫اَّللُ فَأُولَئِكَ ُه ُم َّ‬
‫لَ ْم يَ ْح ُك ْم بِ َما أ َ ْن َز َل َّ‬
‫الظا ِل ُمونَ ‪.)1(‬‬
‫وفيم ا بق ب ني أي در الق وو م ن أس فار الت وراة – م ع حت ايفهم وتب ديلهم هل ا – أث ا مم ا ورد‬
‫ذكاه يف القاآن اللامي وسأورد بعض نصوص أسفار التوراة ال توج ب عل ى اليه ود احلل م ابلع دل‬
‫والقسط وحتذرهم من اجلور والظلم يف الق اء والليل والوان‪.‬‬
‫فف سفا الالويني أن الان كلم موسى عليه السالو ق ائالً ‪ « :‬ة تاتلب وا ج وراً يف الق اء‬
‫وة أتخذوا بوجه مسلني وة حترتو وجه كبري‪ ،‬ابلعدل حتلم لقايبك»(‪.)2‬‬
‫وفيه أي اً‪ « :‬وإذا ن زل عن دك غاي ب يف أرض لم ف ال تظلم وه‪ ،‬ك الو ين م نلم يل ون لل م‬
‫الغايب الناال عندكم وحتبه كنفسك‪ ،‬انل م كن تم غ اابء يف أرض مص ا أان ال ان إهلل م‪ ،‬ة تاتلب وا‬
‫( ‪ )1‬املائدة ‪.45-44 /‬‬
‫( ‪)2‬اللتان املقد ‪ ،‬العهد القدمي‪ ،‬سفا الالويني إصحال ‪ 19‬فقاة‪.15/‬‬
‫جوراً يف الق اء ة يف القيا وة يف الوان وة يف الليل ال ذر أخ اجلم م ن أرض مص ا فتحفظ ون‬
‫كل فاائ وكل أ لام وتعملوهنا أان الان»(‪.)1‬‬
‫ويف سفا اخلاوج ما ي دل عل ى القص اص ابلقت ل « م ن ض ان إنس اانً فم ات يُقت ل ‪ ...‬وإذا‬
‫ص لت أذي ة تعط ى نفس اً ب نفس‪ ،‬وعين اً بع ني‪ ،‬وس ناً بس ن‪ ،‬وي داً بي د ورج الً باج ل‪ ،‬وكي اً بل ‪،‬‬
‫وجا اً جبال‪ ،‬ورضاً باض‪ ،‬وإذا ضان إنسان عني عبده أو عني أمته فأتلفها يطلقه ااً عوض اً ع ن‬
‫عينه»(‪.)2‬‬
‫دل‪ ،‬إذن‪ ،‬الق اآن الل امي‪ ،‬وأس فار الت وراة ال بقي ت أبي ديهم عل ى وج ون الع دل‪،‬‬
‫فق د ِّ‬
‫عليهم والقصاص احلق عندهم‪ ،‬وحتامي الظلم واجلور فم اذا فع ل الق وو؟ لق د اف وا وب ِّدلوا وتالعب وا‬
‫بنص وص الت وراة ومل يقوم وا فيم ا بي نهم ابلقس ط والع دل‪ .‬وفاق وا ب ني الق ور وال عيف‪ ،‬والوض يع‬
‫والش ايف ومل يس اووا ب ني الن ا يف إقام ة احل دود والقص اص‪ ،‬كم ا أخ ربان رس ول هللا ‪ ‬ع نهم يف‬
‫ديث املخزومي ة ال س اقت فقط ع ي دها وغ ب عل ى م ن ج اء يش فع فيه ا وق او ف يهم خطيب اً‬
‫ق ائالً ‪ « :‬أيه ا الن ا إمن ا ض ِّل م ن ك ان ق بللم أهن م ك انوا إذا س اق الش ايف تاك وه وإذا س اق‬
‫ال عيف أقاموا عليه احلد‪.)3(» ...‬‬
‫ومن الشواهد على هذا املس لك املش ني ليه ود م ا أخاج ه أب و داود وغ ريه ع ن عب د هللا ب ن‬
‫ال ‪ « :‬كان قايظة والن ري وكان الن ري أش اف م ن قايظ ة وك ان إذا قت ل‬
‫َعبَّا رض هللا عنهما قَ َ‬
‫رج ل م ن قايظ ة رج الً م ن الن ري قت ل ب ه‪ ،‬وإذا قت ل رج ل م ن الن ري رج الً م ن قايظ ة ف ودر مبائ ة‬
‫يب ‪ ‬قت ل رج ل م ن الن ري رج الً م ن قايظ ة ف َق الوا‪ :‬ادفع وه لن ا نقتل ه‪،‬‬
‫وس ق م ن مت ا فلم ا بع ث النَّ ّ ِّ‬
‫َّيب ‪ ‬فأتوه فن زلت ‪َ  :‬و ِإ ْن َحكَمْ َ فَ ْ‬
‫ْأط‪ .)4(‬والقس ط‪:‬‬
‫ف َق َ‬
‫اح ُك ْم بَ ْينَ ُه ْم ِب ْال ِقس ِ‬
‫ال وا‪ :‬بيننا وبينلم النّ ِّ‬
‫النفس ابلنفس‪ ،‬مث نزلت ‪ ‬أَفَ ُح ْك َم ال َجا ِهليَّة َي ْبغُونَ ‪.)1( » )5(‬‬
‫( ‪ )1‬اللتان املقد ‪ ،‬سفا الالويني إصحال ‪ 19‬فقاة‪.37-33/‬‬
‫( ‪ )2‬اللتان املقد ‪ ،‬سفا اخلاوج إصحال ‪ 21‬ص(‪ )122-121‬الفقاات من ‪ 12‬إىل ‪.27‬‬
‫( ‪ّ )3‬‬
‫)والسنَن اللربى‬
‫َ‬
‫صح ْيح البُ َخا ّر ِّ‬
‫ر‪ ،‬ابن كااهية الشفاعة يف احلد إذا رفع إىل السلطان‪ُ 2491/6(،‬‬
‫ّ‬
‫صح ْيح اجلامع لأللبا رقم (‪.)2348‬‬
‫للنسائ (‪.)333/4‬وانظا‪َ :‬‬
‫( ‪ )4‬املائدة ‪.42 /‬‬
‫( ‪ )5‬املائدة ‪.50 /‬‬
‫ف انظا كي ف ادوا عل ى ل م هللا تع اىل وتالعب وا حب دوده‪ ،‬فأق اموا احل د والقص اص عل ى‬
‫ال عيف فيهم وصافوه عن ذر امللانة والقوة واملنعة ‪.‬‬
‫وهذا شاهد آخا على اختالل ميزان العدل عند يهود‪ ،‬ومبلغ ظلمه م وج ورهم‪ ،‬وتعط يلهم‬
‫وجل‪:‬‬
‫حلدود هللا ِّ‬
‫عز ِّ‬
‫ال ‪ « :‬إن‬
‫ر رمح ه هللا ع ن عب د هللا ب ن عم ا(‪)2‬رض هللا عنهم ا أن ه قَ َ‬
‫أخ اج اإلم او البُ َخ ا ّر ِّ‬
‫ال هل م رس ول هللا ‪«:‬م ا‬
‫اليه ود ج اءوا إىل رس ول هللا ‪ ‬ف ذكاوا ل ه أن رج الً م نهم وام اأة اني ا ف َق َ‬
‫ال عب د هللا ب ن س الو(‪ :)3‬ك ذبتم‬
‫جتدون يف التوراة يف شأن الاجم؟» ف َق الوا‪ :‬نف حهم‪ ،‬وجيل دون‪ .‬قَ َ‬
‫إن فيها الاجم‪ ،‬فأتوا ابلتوراة فنشاوها‪ ،‬فوضع أ دهم يده على آية الاجم فقاأ ما قبله ا وم ا بع دها‬
‫ال له عبد هللا بن سالو ‪ :‬ارفع يديك‪ ،‬فافع يده‪ ،‬فإذا فيه ا آي ة ال اجم‪ ،‬قَ الوا‪ :‬ص دقت اي حمم د‬
‫ف َق َ‬
‫ّ‬
‫(‪ّ ) 1‬‬
‫ص ّح ْيح‬
‫الص ّح ْيحني للح اكم (‪ .)407/4‬وقَ َ‬
‫ال ه ذا َ‬
‫ص ح ْيح اب ن بِّّ ان (‪ )442/11‬واملس تدرك عل ى َ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫وس نَن البَ ْي َهق ِّ الل ربى‪ :‬ابن إجي ان القص اص يف العم د‬
‫اإلس ناد ومل خياج اه‪ .‬وم وارد الظم آن (‪ُ )430/1‬‬
‫دايت (‪ ،)168/4‬واملعج م‬
‫وس نَن أيب داود‪ :‬ابن احلل م ب ني أه ل ِّ‬
‫الذم ة (‪ ،)303/3‬وكت ان ال ِّ‬
‫(‪ُ ،)24/8‬‬
‫ااوسط (‪ ،)22/2‬و ول سبب نزول اآلية انظا‪ :‬تفسري القا يب (‪.)187/6‬‬
‫(‪ )2‬عبد هللا بن عما بن اخلطَّان العدور أبو عبد الامحن‪ ،‬صحايب من أعز بيوت قايش يف اجل ّ‬
‫اهليَّ ة ك ان جايئ اً‬
‫َ‬
‫جهرياً نشأ يف اإلسالو وهاجا إىل املدينة مع أبيه وشهد فتح ملة وولد فيها سنة ‪ 10‬قبل اهلجاة‪ ،‬أفىت النا يف‬
‫كف بصاه يف‬
‫اإلسالو ستني سنة غزا أفايقية ماتني ااوىل مع ابن سال والثانية مع معاوية بن ديج سنة ‪34‬ه و ِّ‬
‫ال أبو سلمة بن عبد الامحن‪ « :‬م ات اب ن عم ا‬
‫آخا ياته له يف كتب احلديث ‪ 2630‬ديثاً‪ .‬ويف اإلصابة‪ :‬قَ َ‬
‫وهو مثل عما يف الف ل وكان عما يف امان له فيه نظااء وعاش ابن عما يف امان ليس له فيه نظري » ‪ ،‬تويف يف‬
‫مل ة س نة ‪73‬ه وه و آخ ا م ن ت ويف مبل ة م ن الص حابة‪ .‬ااع الو (‪ ،)108/4‬اإلص ابة يف متيي ز الص حابة‬
‫(‪.)107/4‬‬
‫ال ‪ :‬مل ا مسع ت باس ول هللا ‪ ،‬عاف ت ص فته وامس ه‪ ،‬وامان ه ال ذر كن ا‬
‫(‪ )3‬عبد هللا ب ن س الو‪ ،‬ك ان رباً عامل اً‪ ،‬قَ َ‬
‫ّ‬
‫فلم ا مسع ت اخل رب خاج ت فأس لمت‪.‬‬
‫سااً لذلك صامتاً عليه ىت قَدو رس ول هللا ‪ ‬املدين ة‪ِّ ،‬‬
‫نرتقب له‪ ،‬فلنت ُم ِّ‬
‫انظا‪ :‬ابن هشاو السرية النبويِّة‪.)516/2( ،‬‬
‫الا ُج ل ُي ين عل ى امل اأة يقيه ا م ن احلج ارة‬
‫فيه ا آي ة ال اجم‪ ،‬ف أما جم ا رس ول هللا ‪ ‬فامج ا‪ ،‬فاأي ت َّ‬
‫»(‪.)1‬‬
‫َّيب ‪: ‬‬
‫ويف رواية عند مسلم‪ « :‬أن اليهود َمح ُ‬
‫َّموا وجه الزا وجلدوه وملا سأهلم النّ ِّ‬
‫ال ‪ :‬ة ‪ ،‬ول وة أنِّ ك نش دتين ج ذا مل أخ ربك جن ده ال اجم‬
‫أهل ذا جت دون د ال زا يف كت ابلم؟ قَ َ‬
‫وللن كثا يف أشاافنا فلنا إذا أخذان الش ايف تاكن اه‪ ،‬وإذا أخ ذان ال عيف أقمن ا علي ه احل د‪ ،‬قلن ا‪:‬‬
‫تع الوا فلنجتم ع عل ى ش ء نقيم ه عل ى الش ايف والوض يع فجعلن ا التحم يم واجلل د مل ان‬
‫الاجم‪.)2(»...‬‬
‫ويف سفا التثنية من التوراة جاء يف شأن د الزا ‪:‬‬
‫ص ّح ْيحاً مل توج د عُ ْذ َرةٌ للفت اة‪ ،‬خياج ون الفت اة إىل ابن بي ت‬
‫« ولل ن إن ك ان ه ذا اام ا َ‬
‫أبيها ويامجها رجال مدينتها ابحلجارة ىت متوت اهنِّا عملت قبا ة يف إساائيل بزانه ا يف بي ت أبيه ا‬
‫الا ُج ل‬
‫فتن ز الش ا م ن وس طك وإذا وج د رج ل م طجعاً م ع ام اأة اوج ة بع ل يُقت ل اةثن ان َّ‬
‫امل طجع مع املاأة واملاأة‪ ،‬فتن تز الشا من إساائيل‪.‬‬
‫إذا كان ت فت اة كطوب ة لاج ل فوج دها رج ل يف املدين ة فاض طجع معه ا فأخاجومه ا كليهم ا‬
‫والا ُج ل‬
‫إىل ابن تلك املدينة وأرمجومها ابحلجارة ىت ميوات الفت اة م ن أج ل أهن ا مل تص اخ يف املدين ة‪َّ ،‬‬
‫من أجل أنه أذل اماأة صا به‪ ،‬فتن ز الشا من وسطك »(‪.)3‬‬
‫ويف س فا اخل اوج يف ش أن إاب ة ااعم ال املش اوعة للتمل ك و ظ ا أعم ال معين ة «ة‬
‫تس اق»(‪)4‬وواض ح أهن ا حت رتو املّل ّ‬
‫ْليَّ ة الفادي ة وتنه ى ع ن اةعت داء عليه ا إة أن اليه ود مل يااع وا‬
‫الص ّح ْيح ومواس اة الفق ااء‪ ،‬فق د ك ان‬
‫َّملُّ ك يف ايق ه َ‬
‫ق هللا ال ذر أوجب ه عل يهم يف الس ري ابلت َ‬
‫( ‪ّ )1‬‬
‫ر كتان احلدود‪ ،‬ابن أ لاو أهل الذمة وإ صاهنم إذا انوا ورفعوا لإلماو‪)1330/3( ،‬‬
‫َ‬
‫صح ْيح البُ َخا ّر ِّ‬
‫(‪ّ ،)2510/6( )166/4‬‬
‫وسنَن البَ ْي َه ّق ِّ اللربى (‪ ،)246/8‬واللفظ له عن‬
‫َ‬
‫وصح ْيح مسلم (‪ُ ،)1326/3‬‬
‫عبد هللا بن عما‪ .‬وانظا‪ :‬معتصا املختصا (‪.)145/2‬‬
‫ص ّح ْيح مسلم‪ ،‬كتان احلدود‪ ،‬ابن رجم اليهود‪ ،‬أهل الذمة يف ِّّ‬
‫وم ْسنَد أيب عوانة‬
‫( ‪َ )2‬‬
‫الزَان(‪ُ .)1327/3‬‬
‫ّ‬
‫وم ْسنَد الاواي‬
‫وسنَن أيب داود (‪ُ ،)154/4‬‬
‫وسنَن البَ ْي َهق ِّ (‪ُ )246/8‬‬
‫(‪ )144/4‬دار املعافة بريوت ُ‬
‫(‪.)285/1‬‬
‫( ‪ )3‬اللتان املقد ‪ ،‬العهد القدمي سفا التثنية إصحال‪ 22‬فقاة ‪.25-20‬‬
‫( ‪ )4‬اللتان املقد ‪ ،‬العهد القدمي سفا اخلاوج إصحال ‪ 5‬فقاة (‪.)16-15‬‬
‫أغني اؤهم عل ى جان ب كب ري م ن القس وة‪ ،‬ورج ال دي نهم ة أيل ون جه داً يف حتاي ف أ ل او دي نهم مب ا‬
‫يوافق مااد املنحافني ‪ .‬فقامت يف اجملتمع اليهودر مادي ة اغي ة‪ ،‬وع اش احملاوم ون في ه عيش ة ال ذل‬
‫واهلوان‪ ،‬وهذا م ا جن ده عل ى ألس نة أنبي ائهم وه م يع اجلون ه ذا اجلان ب ابمل واعظ والتنبيه ات احمل ذرة‬
‫من مغبة تلك ااعمال وبيان قيقة الفقا والغىن‪ ،‬وعالج مشللة الفقا ومن معامل ذلك‪:‬‬
‫م ا ورد يف س فا اامث ال ‪ « :‬ة حت ب الن وو ل ئال تفتق ا‪ ،‬اف تح عيني ك تش بع خب زاً » وفي ه‬
‫(‪)1‬‬
‫ٍّ ٍّ‬
‫ُّص وص ث عل ى العم ل لع الج‬
‫«العام ل بي د رخ وة يفتق ا أم ا ي د اجملته د فتغ ىن » ‪ .‬ويف ه ذه الن ُ‬
‫مشللة الفقا‪.‬‬
‫‪ -2‬العدل فيما بينهم وبني غريهم‪:‬‬
‫إذا كان اليهود مل يقيموا العدل فيما بينهم‪ ،‬وهم شعب وا د وأبناء عمومة فلي ف ج م م ع‬
‫غ ريهم م ن اام م؟ إن نظ اة اليه ود إىل غ ريهم م ن اام م والش عون نظ اة تع ٍّ‬
‫ال واادراء‪ ،‬فه م ي اون‬
‫ال ‪  :‬بَأ ْل أ َ ْنأت ُ ْم بَش ٌَأر ِمم ْ‬
‫َّأن‬
‫أهنم شعب هللا املخت ار وأن هم أبن اء هللا وأ باؤه فأكذن هللا م َقالَتهم ف َق َ‬
‫َخلَ َق‪.)2(‬‬
‫ف‪ ،‬ب ل ويس تحلون م نهم‬
‫ص َ‬
‫وك انوا ي اون أن غ ريهم م ن اام م ة ق هل م يف ع دل وة نَ َ‬
‫كف ار مش اكون ة‬
‫الدماء ويستبيحون اانفس وااموال وكل ما ي ا ابآلخاين حبجة أن غري اليهود‪ِّ ،‬‬
‫سأأأ ِبي ٌل‬
‫ْس َ‬
‫علَ ْينَأأأا فِأأأي ْاأل ُ ِم ِيأأأينَ َ‬
‫ام ة هل م‪ .‬وع ِّد هللا ق وهلم ه ذا فاي ة ‪  :‬ذَ ِلأأأكَ ِبأأأأَنَّ ُه ْم قَأأأالوا لَأأي َ‬
‫علَى َّ‬
‫ِب َو ُه ْم يَ ْعلَ ُمونَ ‪.)3(‬‬
‫َويَقُولُونَ َ‬
‫اَّللِ ْال َكذ َ‬
‫وماادهم اباميني العان واملش اكني وك ل م ن ل يس بيه ودر‪ .‬روى اب ن جاي ا ع ن قَتَ ادة‬
‫(‪)4‬‬
‫ال ‪ :‬ل يس علين ا يف املش اكني س بيل يعن ون‪ :‬م ن‬
‫رمحه هللا يف قول ه‪ :‬ل يس علين ا يف اامي ني س بيل‪ ،‬قَ َ‬
‫ليس من أهل اللتان(‪.)5‬‬
‫( ‪ )1‬اللتان املقد ‪ ،‬العهد القدمي سفا اامثال (‪.)13/20‬‬
‫( ‪ )2‬املائدة ‪.18 /‬‬
‫( ‪ )3‬آل عماان ‪.75 /‬‬
‫املفسا ‪ُ ،‬ولد سنة (‪ )61‬هجاية وتويف بوسط‬
‫(‪ )4‬هو قَ تَادة بن دعامة السدوس البَ ْ‬
‫ص ّار ‪ ،‬احلافظ ‪ ،‬العالِّمة ‪ِّ ،‬‬
‫سنة (‪ )108‬هجاية‪ .‬انظا بقات الداودر (‪ ،)47/2‬وميزان اةعتدال (‪.)385/3‬‬
‫( ‪ )5‬الطَّ َربر‪ :‬جامع البيان عن أتويل آر القاآن (‪.)522/6‬‬
‫ويف أس فار الت وراة احملاف ة م ا يش ج ذا املس لك ال ذر انتهج ه يه ود جت اه اام م ااخ اى‪:‬‬
‫فف سفا اخلاوج ض من الوص ااي العش ا ال يزعم ون أن موس ى تلقاه ا م ن رب ه ‪ « :‬ة تش هد عل ى‬
‫قاي ب ش هادة اور‪ ،‬ة تش ته بي ت قايب ك ‪ ،‬ة تش ته ام اأة قايب ك وة عب ده وة أمت ه وة ث وره وة‬
‫محاره وة ش يئاً مم ا لقايب ك »(‪ .)1‬فمفه وو قول ه « قايب ك » يف ه ذا ال نص أن غ ري القاي ب جي وا هل م‬
‫اشته اء اماأت ه وبيت ه و‪...‬وق د فه م اليهود هذا الفهم‪ ،‬ونص التلموذ على ِّل ك ل ذل ك‪.‬‬
‫ويف س فا التثني ة إاب ة التعام ل ابل ِّّاَاب م ع غ ري اليه ودر وحتامي ه م ع اليه ودر ‪ « :‬لألجن يب‬
‫تق اض ال ِّّاَاب ولل ن اخي ك ة تق اض ال ِّّاَاب »(‪ .)2‬ب ل مين ع التلم وذ (‪ )3‬إق ااض غ ري اليه ود إة ب ااب ‪:‬‬
‫«غ ري مص ال لليه ودر أن يق اض ااجن يب إة ابل ِّّاَاب »(‪ )4‬وق د ِّاو هللا عل يهم ال ِّّاَاب وأك ل أم وال‬
‫النا ابلبا ل وهذه بعض نصوص التلموذ ال تبيح لليهود أموال اامميني بل دماءهم وأعااض هم‪،‬‬
‫نسوق منها مناذج كتصاة لتبني مدى ظلم القوو وجورهم ‪:‬‬
‫‪ -1‬إاب ة دماء غري اليهود ‪:‬‬
‫يق ول «التلم وذ» ‪ « :‬اقت ل الص احل م ن غ ري اإلس اائيل ‪ ،‬وحم او عل ى اليه ودر أن ينج‬
‫أ داً من ابق اامم من ه الك‪ ،‬أو خياج ه‪ ،‬م ن ف اة يق ع فيه ا ان ه ب ذلك يل ون ف ظ ي اة أ د‬
‫الوثنيني»(‪ « .)5‬من العدل أن يقتل اليهودر بيده كل ك افا ان م ن يس فك دو الل افا يق ان ق اابانً‬
‫هلل »(‪. )6‬‬
‫‪ -2‬إاب ة عاضه ‪:‬‬
‫( ‪ )1‬اللتان املقد ‪ ،‬العهد القدمي سفا اخلاوج إصحال ‪ 5‬فقاة ‪.16-15‬‬
‫( ‪ )2‬اللتان املقد ‪ ،‬العهد القدمي سفا اخلاوج إصحال ‪ 20‬فقاة ‪.17-16‬‬
‫( ‪ ) 3‬التلموذ هو اللتان الذر ُيتور على التعاليم اليهودية والتشايعات‪ ،‬يزعم اليهود أن موسى عليه السالو‬
‫عندما تلقى التوراة من هللا ملتوبة تلقى منه كذلك التلموذ مشافهة وهو تفسري وتفصيل للتوراة وهو عندهم‬
‫أقد منها‪ .‬أنظا بااان يتسن آر‪،‬يب ( ف ح التلموذ) إعداد اهدر الفاتح‪ .‬ص(‪.)21‬‬
‫( ‪ )4‬نصا هللا‪ ،‬د‪ .‬يوسف‪ :‬اللن ز املاصود يف قواعد التلموذ‪ ،‬ص(‪.)150‬‬
‫( ‪ )5‬نصا هللا‪ ،‬د‪ .‬يوسف(املرتجم)‪ :‬اللن ز املاصود يف قواعد التلموذ‪ ،‬ص(‪.)87‬‬
‫( ‪ )6‬نصا هللا‪ ،‬د‪ .‬يوسف(املرتجم)‪ :‬اللن ز املاصود يف قواعد التلموذ‪ ،‬ص(‪.)91‬‬
‫يق ول التلم وذ ‪ « :‬ة خيط ئ اليه ودر إذا تع دى عل ى ع اض ااجن يب ان ك ل عق د نل ال‬
‫عند ااجانب فاسد‪ ،‬ان املاأة ال مل تلن من بين إساائيل كبهيمة والعقد ة يوجد مع البه ائم وم ا‬
‫شاكلها»(‪.)1‬‬
‫ال ميمون د(‪ « : )2‬إن لليه ود احل ق يف اغتص ان النس اء الغ ري مؤمن ات‪ :‬أر الغ ري‬
‫قَ َ‬
‫يهودايت»(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬إاب ة ماله‪:‬‬
‫يقول التلم وذ‪ « :‬إن هللا ل ِّل أم وال ابق اام م لب ين إس اائيل مل ا رآه م ق د خ الفوا الس بع‬
‫والس ّاقَة‪ ،‬وأك ل حل م احلي واانت الغ ري مذبو ة‪،‬‬
‫الوص ااي املختص ة بعب ادة ااواثن‪ ،‬وال ِّّزَان والقت ل َّ‬
‫وخصاء اإلنسان وإيالد احليوان من غري جنسه»(‪.)4‬‬
‫« إذا ساق أوةد نول – غري اليهود – شيئاً ولو كان ت قيمت ه فيف ة ج داً يس تحقون امل وت‪ ،‬اهن م‬
‫ق د خ الفوا الوص ااي ال أعطاه ا هللا هل م وأم ا اليه ود فمص ال هل م أن ي اوا اام ‪ ،‬ان ه ج اء يف‬
‫ال علماء التلموذ مفساين ه ذا الوص ية‪ :‬إن اام ل يس بقاي ب‪،‬‬
‫الوصااي‪ :‬ة تساق مال القايب‪ ،‬قَ َ‬
‫وإن موسى مل يلتب يف الوصية ة تس اق م ال اام »‪ ،‬فسلب ماله مل يلن كالفاً للوصااي‪.‬‬
‫ويف شأن رد ااموال املفقودة لغري اليهودر يقول التلموذ‪ « :‬إن هللا ة يغفا ذنب اً لليه ودر‬
‫ياد لألم ماله املفقود‪ ،‬وغري جائز رد ااشياء املفقودة من ااجانب»(‪.)5‬‬
‫ال ‪  :‬فَ ِب ُ‬
‫ص ِأد ِه ْم‬
‫ظ ْلم ِمنَ الَّ ِذينَ َهادُوا حَرَّ مْ َنا َ‬
‫وصدق هللا فيهم ني قَ َ‬
‫ع َلي ِْه ْم َط ِيبَأات أ ُ ِحلَّأ ْ لَهُأ ْم َو ِب َ‬
‫عأ ْ‬
‫س أبِي ِل َّ‬
‫اط أ ِل َوأ َ ْعت َ أ ْدنَا‬
‫الربَأأا َوقَ أ ْد نُ ُهأأوا َ‬
‫َ‬
‫أاس بِ ْالبَ ِ‬
‫أن َ‬
‫ع ْن أهُ َوأ َ ْك ِل ِه أ ْم أَمْ أ َأوا َل النَّأ ِ‬
‫اَّللِ َكثِيأ ًأرا‪َ ‬وأ َ ْخ أ ِذ ِه ُم ِ‬
‫(‪)6‬‬
‫ِل ْلكَا ِف ِرينَ ِم ْن ُه ْم َعذَابًا أ َ ِلي ًما‪. ‬‬
‫( ‪ )1‬نصا هللا‪ ،‬د‪ .‬يوسف(املرتجم)‪ :‬اللن ز املاصود يف قواعد التلموذ‪ ،‬ص(‪.)95‬‬
‫( ‪ )2‬هو ‪ :‬موسى بن ميمون الذر وضع امليشناه‪ .‬أنظا ‪ - :‬بااان يتس‪ ،‬ف ح التلموذ‪ ،‬ص(‪.)21‬‬
‫( ‪ )3‬نصا هللا‪ :‬اللن ز املاصود ‪ ،‬ص(‪.)95‬‬
‫( ‪ )4‬نصا هللا‪ :‬اللن ز املاصود ‪ ،‬ص(‪.)152‬‬
‫‪ -‬خان‪ ،‬ظفا اإلسالو ‪ ،‬التلموذ اترخيه وتعاليمه‪ ،‬ص(‪.)31‬‬
‫( ‪ )5‬نصا هللا‪ :‬اللن ز املاصود ‪ ،‬ص(‪.)79-78‬‬
‫( ‪ )6‬النساء ‪.161-160 /‬‬
‫وإن اس تنطقنا اتري خ الق وو يف ه ذا الق ان‪ ،‬وه أكث ا م ن أن حتص ى مب َقال ة وأك رب م ن أن‬
‫حتاكم يف هذه العجالة‪ ،‬أفصحت لنا الوقائع التارخيية ظلم وجور اليهود على أهل فلسطني وأكن اف‬
‫بيت املقد انطالقاً من الوصية اجلامع ة ال تس طاها كت بهم الديني ة كالتلم وذ‪ « :‬أه دو ك ل ق ائم‪،‬‬
‫ِّلوث كل اها‪ ،‬ا اق كل أخ ا ك تنفع يهودايً بفلس» و « اقتل وا مجي ع م ن يف امل دن م ن ام اأة‬
‫وشيخ ورجل و فل‪ ...‬حبد السيف»(‪. )1‬‬
‫ف ال عج ب م ن ق ٍّ‬
‫وو ة يعاف ون م ن الع دل إة رمس ه أن يعت دوا عل ى النس اء والش يوخ‬
‫واا ف ال الع زل إره اابً لآلخ اين‪ ،‬فف دي ا ايس ني هامج ت عص ابتا إياج ون وش ترين حت ت قي ادة‬
‫منا يم بيجني وإسحاق شامري(‪ )2‬أهايل القاية العزل يف ليل ة الث امن م ن نيس ان ع او ‪ 1948‬وقتل ت‬
‫‪ 254‬رج الً وام اأة و ف الً وقطع ت أوص اهلم وألق ت جبث ث عدي دة يف بئ ا القاي ة ويف قاي ة قبي ة يف‬
‫ال فة الغَ ْابيِّة نفذت الفاقة رقم ‪ 101‬بقيادة إيايل شارون يف ليلة الاابع عشا من تش اين أول ع او‬
‫‪ 1953‬وقتل ت ‪ 66‬ونس فت ‪ 45‬من زةً ويف كف ا قاس م مس اء ي وو ‪ 29‬تش اين أول ع او ‪1956‬‬
‫قتل اليهود ‪ 47‬من ااهايل العائدين من قوهلم إىل بيوهتم(‪.)3‬‬
‫وك م م ن مس ٍّ‬
‫اث ب ه التهت ك واجمل ون‪ ،‬وك م م ن مذحب ة يف لبن ان كص ربا‬
‫جد أص بح يب اابً وع َ‬
‫وشاتيال وقاان قد بقات فيها بطون ومسلت عيون و زت رقان كما جزت بن اهتا غص ون‪ ،‬وم ا اال‬
‫بيت املقد يئن لظلمهم وجورهم وإخااج أهله من دايرهم وإ الل شعب بال أرض ملاهنم‪.‬‬
‫وما جيار اآلن من جماار ااباايء وأهنار ال دماء عل ى أرض اإلس ااء ل دليل عل ى ظل م الق وو‪،‬‬
‫قم ع وو ش ية يهودي ة‪ ،‬هج وو ابلص واريخ والط ائاات املاو ي ة‪ ،‬ص ااخ وعوي ل وأن ني وقت ل وتش ايد‬
‫للع زل م ن امل دنيني‪ ،‬هت ك ع اض وهن ب أرض وه دو بي وت وختاي ب أش جار وجا ى مص ابون‬
‫وآخاون مشوهون ومعاقون‪ ،‬وإان هلل وإان إليه راجعون‪.‬‬
‫( ‪ )1‬النتشة‪ ،‬رفيق شاكا‪ :‬اإلسالو وفلسطني‪ ،‬ص(‪.)40‬‬
‫( ‪ )2‬إسحاق شامري‪ ،‬سياس صهيو ‪ُ ،‬ولد عاو (‪1915‬و)‪ .‬اخناط عاو (‪1937‬و) يف العصابة اإلرهابية‬
‫الصهيونية املعاوفة ابسم (إياون افار ليوم )‪ .‬اعتقلته سلطات اةنتدان اإلنلليزر عاو (‪1946‬و) ونفته إىل‬
‫احلبشة‪ ،‬توىل رائسة احللومة اإلساائيلية للماة ااوىل عاو (‪1983‬و)‬
‫( ‪ )3‬ايتون‪ ،‬صفاء سني‪ :‬صربا وشاتيال – املذحبة ‪ ،‬ص(‪.)3-2‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫ال َعدالَة عنــــــــد النصـــــــــــارى‬
‫يُ َقال النصاانية وه يف ااصل نسبة إىل نصاانه وه قاية املسيح علي ه الس الو م ن أرض‬
‫اجللي ل « وتس مى ه ذه القاي ة انص اة ونص ورية والنص اانية والنص اانة ك ذلك وا دة النص ارى ويف‬
‫أارى‪.)1(‬‬
‫اةص طالل النص ارى وه م املنتس بون لإلجني ل كم ا قَ َ‬
‫ال تع اىل‪  :‬الَّ أ ِذينَ قَأأالوا إِنَّأأا نَ َ‬
‫صأ َ‬
‫ويطلق عليهم أهل اللتان‪.‬‬
‫والنص ارى يتبع ون الت وراة يف اا ل او والتش ايعات وم ا أم ا ب ه اليه ود م ن الع دل يف‬
‫اا لاو واحلدود وإيفاء الليل والوان وخالف ذلك فإنه يساى على أمة النصارى كذلك‪.‬‬
‫العدل فيما بينهم ‪:‬‬
‫مل ا بغ ى اليه ود وقس ت قل وجم‪ ،‬وأ ل وا م ا او هللا‪ ،‬وأكل وا أم وال الن ا ابلبا ل ج اء‬
‫املسيح عليه السالو لريدهم إىل اجلادة‪ ،‬فلم أيماهم ابلع دل فحس ب ب ل جت اواه إىل الف ل والعف و‪،‬‬
‫ال هل م كم ا ج اء يف‬
‫وأماهم أة يقابلوا اإلساءة مبثلها‪ ،‬وأن ة يعت دوا عل ى م ن اعت دى عل يهم ب ل قَ َ‬
‫إجنيل مىت الذر يزعمون أنه مما أنزل عل ى عيس ى علي ه الس الو‪ .‬ق د مسع تم أن ه قي ل‪ « :‬الع ني ابلع ني‬
‫والس ن ابلس ن‪ ،‬أم ا أان ف أقول لل م ة تق اوموا الش ايا ب ل م ن لطم ك عل ى خ دك اامي ن فح ول ل ه‬
‫( ‪ )1‬املائدة ‪.82 /‬‬
‫اآلخ ا وم ن أراد أن خياص مك وأيخ ذ ثوب ك فخ ل ل ه رداءك أي اً‪ ،‬وم ن س خاك م يالً ف امش مع ه‬
‫اثنني‪ ،‬من س ألك فأعط ه‪ ،‬وم ن أراد أن يع رتض من ك ف ال متنع ه‪ ،‬وق د مسع تم أن ه قي ل‪ :‬أ ب ب قايب ك‬
‫وابغ ض ع دوك أم ا أان ف أقول لل م‪ :‬أ ب وا أع داءكم وأ س نوا إىل م ن يبغ لم وص لَّوا اج ل م ن‬
‫يعنتلم وي طهدكم»‬
‫« وياوى ع ن َس يِّّدان عيس ى علي ه الس الو م ا يُس تفاد من ه ض مناً ع دو إمل ان إقام ة احل د ش اعاً ان ه‬
‫(‪)1‬‬
‫اشرتط بااءة الاامجني من كل عيب‪ ،‬وأما الزانية ال اعرتفت بني يديه ابلتوبة واةستغفار»(‪.)2‬‬
‫وهذا املستفاد ضمناً ول ق ية اجل زاء ة ميل ن أن يتص ور أن ه نظ او إهل للحي اة البش اية‬
‫يف قب ة م ن احلق ب التارخيي ة وم ن مث ك الف لطبيع ة اإلنس ان ال تنط ور عل ى اخل ري والش ا ف ال‬
‫يتصور ياة خالية من قتل قاتل وضان ٍّ‬
‫معتد وسجن ظامل وقمع شا وقصاص عادل‪ ،‬بل هذه س نة‬
‫هللا يف اإلنس ان ب دءاً م ن قص ة قت ل قابي ل اخي ه هابي ل إىل أن ي اث هللا اارض وم ن عليه ا ‪« .‬‬
‫وعل ى ذل ك يل ون م ا يف اإلجني ل م ن وص ااي ابلعف و يف اجل اائم الشخص ية ل يس ق انوانً ينف ذ وللن ه‬
‫وصية لشخص اجملين عليه إن أراد أن يتبعها وإة فالقانون هو الذر ينفذ »(‪.)3‬‬
‫وإن اف ت النص ارى يف العقوب ة والقص اص الع ادل فق د ع دلوا ب اجم غ ريه وجعل وا ل ه‬
‫شاكاء‪ ،‬إذ جعلوه اثلث ثالثة ‪َ ‬وقَالَ‬
‫أارى ْال َمسِأي ُح اب ُ‬
‫ْأن َّ‬
‫اَّللِ‪ )4(‬فأش اكوا و‪ِ ‬إ َّن الشِأرْ كَ‬
‫النَّ َ‬
‫ص َ‬
‫لَ ُظ ْل ٌم ع َِظي ٌم‪ )5(‬وإذا ك ان الق وو ق د ارتلب وا أعظ م الظل م واجل ور وظلم وا أنفس هم‪ ،‬فم اذا يتوق ع يف‬
‫إقامة العدل فيما بينهم‪.‬‬
‫وقد أخرب الاسول ‪ ‬يف قصة املخزومية ال ساقت‪ ...« :‬إمن ا ض َّل م ن ك ان ق بللم أن هم‬
‫كان وا إذا س اق الشاي ف تاك وه وإذا ساق ال عيف أقام وا علي ه احل د»(‪ )6‬يشملهم وإن ك ان ه و يف‬
‫اليه ود أظه ا‪ ،‬وه ؤةء رهب اهنم ال ذين ه م علم اؤهم جن دهم ظلم ة ج ائاين آكل ني ام وال الن ا‬
‫أان لَيَأأ ْ ُكلُونَ أَمْ َأوا َل‬
‫ابلبا ل قَ َ‬
‫أار َو ُّ‬
‫ال تع اىل‪  :‬يَاأَيُّ َها الَّأ ِذينَ َءا َمنُأوا إِ َّن َكثِ ً‬
‫يأرا ِمأنَ ْاأل َ ْحبَ ِ‬
‫الر ْهبَ ِ‬
‫( ‪ )1‬اجنيل مىت‪ :‬اإلصحال الساد فقاة ‪.44-38‬‬
‫( ‪ )2‬النواور‪ ،‬عبد اخلالق‪ :‬التشايع اجلنائ يف َّ‬
‫اإلسالميَّة والقانون الوضع ‪ ،‬ص(‪.)82‬‬
‫الش ّايعَة ْ‬
‫( ‪ )3‬أبو ايد‪ ،‬سني‪ ،‬العقوبة اجلسدية بني َّ‬
‫اإلسالميَّة والقانون الوضع ‪ ،‬ص(‪.)134‬‬
‫الش ّا َيعة ْ‬
‫( ‪ )4‬التوبة ‪.30 /‬‬
‫( ‪ )5‬لقمان ‪.13 /‬‬
‫( ‪ )6‬احلديث سبق ختاجيه‪ ،‬ص( )‬
‫س ِبي ِل َّ‬
‫اط ِل َويَ ُ‬
‫اَّللِ‪ .)1(‬ولعل من أباا مظاها ذل ك م ا متارس ه اللنيس ة م ن‬
‫صدُّونَ َ‬
‫اس ِب ْالبَ ِ‬
‫ع ْن َ‬
‫النَّ ِ‬
‫إص دار م ا عُ اف ب «ص لوك الغف اان» وه ص لوك يص درها أه ل الس لطة يف اللنيس ة م ن‬
‫الباابوات واملطارنة والبطاركة والقساوسة ابسم اللنيسة‪ ،‬يغفا مبقت اها حلاملها ما اقرتف ه م ن اآلاثو‬
‫واخلط ااي يف يات ه‪ ،‬مقاب ل أن ي دفع مب الغ لللنيس ة وه ذا إىل جان ب كون ه أك الً ام وال الن ا‬
‫ابلبا ل فهو أي اً قول على هللا بال علم وافرتاء عليه‪.‬‬
‫وم ن ص ور ج ور ه ذه اام ة وع دو ع دهلا‪ ،‬أن ك ل فاق ة و ائف ة منه ا‪ ،‬إذا تس لطت عل ى‬
‫الف اق ااخ اى أذاقته ا أل واانً م ن الظل م وال بطش واةض طهاد ومل تاق ب فيه ا إةِّ وة ذم ة‪ ،‬يق ول‬
‫الدكتور أمحد شليب‪ « :‬تلار يف اتريخ املسيحية دث عظيم مل يتخلف وهو التج اء اجلان ب الق ور‬
‫إىل أعنف وأقسى وسائل اةضطهادات والتعذيب والتنليل واحلاق‪ ،‬واإلفناء يسلطها عل ى اجلان ب‬
‫ال عيف‪ ...‬والعجي ب أن املس يحيني ( النص اانيني) أُض طهدوا م ن اليه ود والاوم ان‪ ،‬ونزل ت ج م‬
‫الويالت يف القاون الثالث ااوىل‪ ،‬فلما ب دأ ج انبهم يش تد رأين اهم ين زلون نف س ال ويالت م ن أبن اء‬
‫دينهم ومن أتبا ااداين ااخاى‪ ،‬ومن هنا فنيت م ذاهب مس يحية كث رية ك ان بع ها يف وق ت م ا‪،‬‬
‫ل ه الغلب ة يف الع دد ولل ن تنقص ه الق وة والس لطان وك ان فن اء ه ذه امل ذاهب بس بب قس وة اليه ود‬
‫والاوم ان أ ي اانً وأ ي اانً بس بب قس وة ف اق مس يحية أخ اى قوي ت واش تدت ابااب اة وذور‬
‫النفوذ»(‪.)2‬‬
‫ارى أ َ َخ ْأذنَا ِميثَأاقَ ُه ْم فَنَسُأوا َح ًّ‬
‫ظأا‬
‫وهذا مصداق قوله تعاىل‪َ  :‬و ِمنَ الَّ ِذينَ قَالوا ِإنَّا نَ َ‬
‫ص َ‬
‫ف يُنَبِأئ ُ ُه ُم َّ‬
‫اَّللُ بِ َمأا‬
‫َاوةَ َو ْالبَ ْغضَأا َء إِلَأى يَأوْ ِم ْال ِقيَا َمأ ِة َو َ‬
‫سأوْ َ‬
‫ِممَّا ذُ ِك ُروا بِ ِه فَأ َ ْغ َر ْينَأا بَيْأنَ ُه ُم ْالعَأد َ‬
‫كَانُوا يَ ْ‬
‫صنَعُونَ ‪.)3(‬‬
‫( ‪ )1‬التوبة ‪.34 /‬‬
‫( ‪ )2‬شليب‪ ،‬د‪ .‬أمحد ‪ :‬املسيحية ‪ ،‬ص(‪.)237‬‬
‫( ‪ )3‬املائدة ‪.14 /‬‬
‫ال احل افظ اب ن كث ري رمح ه هللا ‪ « :‬فألقين ا بي نهم الع داوة والتب اغض لبع هم بع اً وة‬
‫قَ َ‬
‫يزال ون ك ذلك إىل قي او الس اعة‪ ،‬وك ذلك وائ ف النص ارى عل ى اخ تالف أجناس هم ة يزال ون‬
‫متباغ ني متعادين‪ ،‬يلفا بع هم بع اً‪ ،‬ويلعن بع هم بع اً‪ ،‬فلل فاقة حتاو ااخاى وة‬
‫ت دعها تل ج معب دها فاملللي ة(‪ )1‬تلف ا اليعقوبي ة(‪ )2‬وك ذلك اآلخ اون وك ذلك النس طورية‬
‫(‪)3‬‬
‫واآلريوس ية(‪ )4‬ك ل ائف ة تلف ا ااخ اى »(‪ .)5‬وكمث ال عل ى م ا ةق اه ااقب اط يف مص ا – وه م م ن‬
‫الطائف ة اليعقوبي ة – م ن ظل م عل ى ي د أبن اء دي نهم البي زنطيني ال ذين ك انوا ُيلم وهنم قب ل الف تح‬
‫اإلسالم ملصا‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫يلونون‬
‫يقول املستشاق توما آرنولد « ‪ ...‬فإن اليعاقبة ‪-‬وهم ااقباط‪ -‬الذين كانوا ِّ‬
‫السواد ااعظم من السلان املسيحيني قد عوملوا معاملة جمحف ة م ن أتب ا امل ذهب اارثوذكس‬
‫(‪)1‬‬
‫التابعني للبالط‪ ،‬الذين ألقوا يف قلوجم بذور السخط واحلنق اللذين مل ينسهما أعقاجم ىت اليوو‪.‬‬
‫( ‪ )1‬املل ّ‬
‫ْليَّة‬
‫التثليث وقَالوا‪:‬‬
‫أو املللانية‪ ،‬أصحان مللان الذر ظها أبرض الاوو ومعظم الاوو مللانية‪ ،‬صا وا ابثبات‬
‫«إن الللمة احتدت جبسد املسيح وتدرعت بناسوته‪ .‬أنظا ‪َّ :‬‬
‫الش ْه َا ْستا ِّ ‪ :‬امللل والنحل (‪.)27/2‬‬
‫( ‪ ) 2‬اليعقوبية نسبة إىل يعقون الرباذع ‪ ،‬مصار ظها يف منتصف القان الساد امليالدر‪ ،‬وهم الذر يقولون‬
‫وتلون من اةحتاد بيعة وا دة جامعة‬
‫أبن املسيح ذو بيعة وا دة قد امتزج فيه عنصا اإلله بعنصا اإلنسان ِّ‬
‫بني الالهوت والناسوت‪ .‬أنظا‪ :‬أبو اهاة‪ ،‬حممد‪ :‬حماضاات يف النصاانية‪ ،‬ص(‪.)159-140‬‬
‫( ‪ )3‬النسطورية‪ :‬نسبة إىل نسطور احلليم الذر ظها يف امان املأمون كان بطاياك القسطنطينية ياى أن العذراء‬
‫مل تلد إهلاً بل ولدت إنساانً وهو ياى أن ااقنوو الثا وهو اةبن مل يتجسد وتلده مامي كما ياى غريه من‬
‫املثلثني‪ ،‬أنظا َّ‬
‫الش ْه َا ْستا ِّ ‪ :‬امللل والنحل (‪ .)29/2‬وأبو اهاة‪ ،‬حممد‪ :‬حماضاات يف النصاانية ص(‪.)157‬‬
‫( ‪ )4‬اآلريوسية‪ :‬هم أصحان آريو وكان قسيساً ابةسلندرية ومن قوله‪ :‬التو يد‪ ،‬اجملاد وأن عيسى عليه‬
‫السالو عبد كلوق وأنه كلمة هللا ال جا خلق السماوات واارض‪ .‬أنظا ابن َ ْزو الفصل يف امللل وااهواء‬
‫والنحل(‪.)48/1‬‬
‫( ‪ )5‬ابن كثري‪ :‬تفسري القاآن العظيم ن (‪.)62/3‬‬
‫( ‪ )6‬توما‬
‫ووكا آرنولد (‪1349-1280‬ه ) مستشاق إنلليزر‪ ،‬تعلم يف كمربدج واشتغل يف التدريس يف‬
‫عدة جامعات ابهلند وابكستان مث عاد إىل لندن ودر يف جامعتها‪ ،‬عني مديااً ملعهد الدراسات الشاقية‪ ،‬له عدة‬
‫اإلسالميَّة ‪ .‬أنظا ِّّ‬
‫الزّرْكل ِّ ‪ ،‬ااعالو (‪ )77-76/2‬وأنظا جنيب العقيق ‪،‬‬
‫كتب ابإلنلليزية عن العلوو ْ‬
‫املستشاقون (‪.)84/2‬‬
‫ك ان بع هم يع ذن مث يلق ى ج م يف ال يَّم وتب ع كث ري م نهم بط ايقهم إىل املنف ى لينج وا م ن‬
‫أيدر م طهديهم وأخفى عدد كبري منهم عقائدهم احلقيقية وتظاها بقبول قاار خلقدونية(‪. )2‬‬
‫وقد جل ب الف تح اإلس الم إىل ه ؤةء الق بط – اليعاقب ة – ي اة تق وو عل ى ِّّ‬
‫احلايَّة الديني ة‬
‫ال مل ينعموا جا قبل ذلك بقان من الزمان »(‪.)3‬‬
‫وكثرياً م ا ك ان احلل م اإلس الم كلِّص اً للث ري م ن وائ ف النص ارى م ن ظل م واض طهاد مل ا‬
‫يتس م ب ه الع دل يف أه ل الذم ة مم ا جع ل املس يحيني يف لون احلل م اإلس الم عل ى ل م أبن اء‬
‫دينهم‪.‬‬
‫العدل فيما بينهم وبني غريهم من اامم‪:‬‬
‫س بق لن ا يف حب ث الع دل فيم ا بي نهم كي ف أن املس يح علي ه الس الو أم اهم مبقابل ة الس يئة‬
‫ابحلسنة وأن ة يادوا على من أساء إليهم وتل ك مثالي ة عالي ة مل تبلغه ا مه م الق وو ولع ل م ا ن زل ج م‬
‫من ظلم اليهود والاومان ما تاك يف أنفسهم الاغبة يف اةنتقاو م ىت اس تطاعوا ذل ك ب ل اةعت داء إن‬
‫قدروا‪.‬‬
‫وإن حن ن اس تنطقنا اتري خ الق وو أفص ح لن ا ع ن س وءات يت وارى امل اء خج الً‪ ،‬إذ تثب ت‬
‫الوقائع التارخيية أن القوو كانوا شديدر الظلم ملن يقع حتت سلطاهنم م ن أه ل ااداين ااخ اى‪ ،‬إذ‬
‫ليس اهل ااداين بينهم مقاو فإما التنصا وإما القتل أو الا يل‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬وهم التابعون لللنيسة الشاقية اارثوذكسية‪ ،‬وأكثا أتباعها من الاوو الشاقيني ومن البالد الشاقية كاوسيا‬
‫والبلقان واليوانن‪ ،‬وكان مقاها ااصل القسطنطينية‪ .‬أنظا ‪ :‬شليب‪ ،‬د‪ .‬أمحد ‪ :‬املسيحية ص(‪.)238‬‬
‫( ‪ ) 2‬هو ثغا منه املصيصة و ا و وأدنة يف آسيا الصغاى على البسفور وينسب إليه جممع مسيح عقد فيها‬
‫سنة ‪،451‬‬
‫اه‪ 520 ،‬أسقفاً وقيل أكثا وكان من أهم قااراته‪:‬‬
‫‪ -1‬أن املسيح فيه بيعتان ة بيعة وا دة وأن االوهية بيعة و دها‪ ،‬والناسوت بيعة و دها التقتا يف‬
‫املسيح‪.‬‬
‫‪ -2‬لعن «ديسفور » بطاياك كنيسة اإلسلندرية ونفيه‪ .‬أنظا ‪ :‬أبو اهاة‪ ،‬حممد حماضاات يف النصاانية‪،‬‬
‫ص(‪.)137‬‬
‫( ‪ )3‬توما آرنولد‪ :‬الدعوة إىل اإلسالو‪ ،‬ص(‪.)94‬‬
‫ومل يلن اضطهادهم للمخ الفني عم الً ف ادايً يب دو ين اً وخيتف‬
‫امسة تستهدف إفناء اخلصوو وحمو آاثرهم‪.‬‬
‫ين اً ب ل ك ان سياس ية اثبت ة‬
‫فلان ت امل ذابح العام ة ت دبا وتنف ذ بو ش ية ابلغ ة تاتل ب خالهل ا فظ ائع وج اائم ين دى هل ا‬
‫جبني اإلنسانية ف الً عن أتبا نيب كان من تعاليمه ما ذكاان‪.‬‬
‫ولعل من أبلغ اامثل ة الش اهدة عل ى مبل غ ظل م الق وو و ق دهم تل ك امل ذابح ال ارتلبه ا‬
‫الص ليبيون ض د س لان بي ت املق د إابن اس تيالئهم عليه ا عن دما خت اذل ع ن ال دفا عنه ا‬
‫العبيديون‪ ،‬إذ اكتفى واليهم آنذاك – افتخار َّ‬
‫الد ْولَة– بتأمني جناته م ع اس ه اخل اص‪ ،‬وت اك املدين ة‬
‫للصليبيني يعيثون فيها فساداً بعد أن دافع عنها دفاعاً هزيالً‪،‬ذراً للاماد يف العيون‪.‬‬
‫يقول شاهد عيان هو القس «رميوند» « بعد دخوله بني املقد ‪ :‬وش اهدان أش ياء عجيب ة‪،‬‬
‫إذ قطعت رؤو ع دد كب ري م ن املس لمني‪ ،‬وقت ل غ ريهم رمي اً ابلس هاو أو أرغم وا أن يلق وا أبنفس هم‬
‫من فوق اابااج‪ ،‬وظل بع هم يعذبون عدة أايو مث أ اقوا يف الن ار‪ ،‬وكن ت ت اى يف الش وار أك واو‬
‫الاؤو واايدر واارجل وااقداو وك ان اإلنس ان أينم ا س ار ف وق ج واده يس ري ب ني جث ث الاج ال‬
‫واخليل»(‪.)1‬‬
‫ويق ول املستش اق س تيفن رنس يمان يف وص ف ذل ك‪ « :‬انطلق وا يف ش وار املدين ة وإىل‬
‫ال دور واملس اجد يقتل ون ك ل م ن يص ادفهم م ن الاج ال والنس اء واا ف ال دون متيي ز‪ ،‬اس تمات‬
‫املذحبة وال مساء ذلك اليوو و وال اللي ل‪ ،‬ومل يل ن َعلَ ُم اتنل اد(‪ )2‬عاص ماً لالجئ ني إىل املس جد‬
‫ااقص ى م ن القت ل‪ ،‬فف الص بال الب اكا م ن الي وو الث ا اق تحم ابن املس جد ثلِّ ة م ن الص ليبيني‬
‫فأجهزت على مجيع الالجئني و ني توجه رميوند آجيل يف ال حى لزايرة س ا ة املعب د أخ ذ ي تلمس‬
‫ايقه بني اجلثث والدماء ال بلغت ركبته»(‪.)4()3‬‬
‫اإلس الميَّة فيه ا وتَغلُّ ب النص ارى عليه ا أحلق وا‬
‫ويف اان دلس عن د أف ول جن م اخلالف ة ْ‬
‫ابملسلمني ضاوابً من الظلم وااذى‪ ،‬يصور ذلك الدكتور توفيق الطويل فيقول‪:‬‬
‫( ‪ )1‬انظا ‪ :‬وول ديورانت‪ :‬قصة احلَ َ َارة (‪.)25/15‬‬
‫( ‪ )2‬اتنلاد‪ :‬أ د قواد الصليبيني‪ ،‬كان املسلمون ملا رأوه استسلموا ورفعوا علمه على املسجد‪.‬‬
‫( ‪ )3‬ستيفن رنسمان‪ :‬اتريخ احلاون الصليبية‪.)405-404/1( ،‬‬
‫( ‪ )4‬ذكا ابن ااثري أهنم يزيدون على سبعني ألفاً‪ .‬أنظا ‪ :‬ابن ااثري ‪ :‬اللامل يف التاريخ‪)189/8( ،‬؟‪.‬‬
‫« وق د اس تنفذت اللنيس ة جه دها يف إقن ا املس لمني املقيم ني يف أس بانيا لل يات دوا ع ن دي نهم‪،‬‬
‫ويعتنقوا املس يحية دين اً‪ ،‬وعل ى غ ري ج دوى م ا ب ذلت م ن جه ود‪ ،‬فاس تجمعت حملم ة التفت يش ك ل‬
‫قواه ا واعتص مت ابجل اأة والتعص ب وص بت ع ذاجا عل ى املس لمني يف غ ري رف ق وة عدال ة‪ ،‬ىت‬
‫اعتن ق معتق دات النص ارى م ن خ ار يف مي دان اللف ال‪ ،‬وه اجا م ن ار ب ني التمس ك بعقيدت ه‪،‬‬
‫وا تم ال آةو الع ذان‪ ،‬ويف ع او ‪ 1609‬و‪ 1610‬مت ج الء أل وف املس لمني ع ن أس بانيا بع د أن‬
‫أغاقوا بدمهم أرضها‪ ،‬وكتبوا مبقاومتهم أنصع الصفحات يف اتريخ اجلهاد يف سبيل هللا»‬
‫(‪)1‬‬
‫المطلب الرابـع‬
‫مفهـــوم ال َعدالَة فـي شبـــه الجزيــرة العربيــة‬
‫( ‪ )1‬الطويل‪ ،‬د‪ .‬توفيق‪ :‬قصة اةضطهاد الديين يف املسيحية واإلسالو‪ ،‬ص(‪.)72-71‬‬
‫لقد أتيح هلذه الاقعة املرتامية اا ااف أن تتوسط بالد العامل املختلفة ش اقاً وغ اابً َ وتص ل‬
‫جنوابً ومشاةً وأن ت م عدة ممالك صغرية بني الشمال واجلنون تتوسطها منطق ة احلج اا و واض اها‬
‫م ن مل ة واملدين ة والط ائف وم ا وهلم م ن الب وادر وااع اان يف عص ا أ ل ق علي ه قب ل اإلس الو‬
‫(العصا اجلاهل )‪.‬‬
‫والعص ا اجل اهل عص ا ق ائم عل ى بني ان القبيل ة ة اام ة ومعتق د للوثني ة املتع ددة ة‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اس يَّة والديني ة امل طابة‪ ،‬ي ث ة لوم ة‬
‫الو داني ة املطلق ة ومش تمل عل ى آ اد م ن ال نظم ِّ َ‬
‫تاعى مصاحلهم وة جيش ُيم ثغ ورهم وإمن ا ق يم خت ع مل وروث ع اداهتم ُيلمه ا اهل وى وااع ااف‬
‫اجل ّ‬
‫اهليَّة السائدة ال أتصلت جذورها يف نفوس هم واس تحالت ي اهتم إىل ق وو يتن ااعون ويتالعن ون‬
‫َ‬
‫ويتشامتون وابخلاافة يؤمنون وااقدال واااةو يستقسمون وابلطري يتفاءلون ويتشاءمون وإذا م ِّات‬
‫ج م س احنة أو ابر ة يفزع ون واق ل ش ء ينهب ون ويقتل ون ف ال ت اى إة ذه ان النف و وام تالء‬
‫اللؤو وسفك الدماء وهتك ااعااض وض يا اام وال واخ تالل اام ن وانتش ار الفوض ى وفس اد‬
‫احلال وخساان املآل‪.‬‬
‫أهن ا مجاع ة م ن الب دائيني‬
‫وق د أ ل ق كث ري م ن الب ا ثني عل ى القبيل ة العابي ة تص وراً ي و‬
‫يس لنون اخلي او ويقطن ون الفي ايف والقف ار‪ .‬واحل ق إن اجل ّ‬
‫اهليَّ ة وص ف لف رتة قب ل اإلس الو يف الع اف‬
‫َ‬
‫اخلاص ة يو ابجله ل ال ذر ه و ض د العل م‪ .‬وكي ف وه م ق د ارتق وا إىل مس توى رفي ع بفص ا تهم‬
‫وبالغ تهم يف منث ور الل الو ومنظوم ة ىت غَ َدوا أُ َّ البي ان ومص در اللغ ة ال ن زل ج ا الق اآن‪ ،‬وة‬
‫يع ين ه ذا أهن م أم ة عايق ة كغ ريهم م ن اام م املتمدن ة اس تناداً إىل م ا خلف وه لن ا م ن آاثر عمااني ة يف‬
‫بالد اليمن أو ما وقع على ألسنتهم من لم نثاوها على لسان شاعا أو خطيب أو ليم‪.‬‬
‫ال ال دكتور اني ف مع اوف(‪ « :)1‬إذ واحل ق ‪ -‬ي َق ال‪ -‬أن اجله ل املنس ون إىل ذل ك‬
‫قَ َ‬
‫العصا ة يعين املخالف للمعافة بل هو اجلهل الذر يقابل احللم دون مبالغ ة يف وص ف س وء اهلم‬
‫»(‪.)2‬‬
‫الاأْر ما جاء يف معلقة َع ْماو بن كلثوو‬
‫ولعل ما ياجح هذا َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ال (‪:)4‬‬
‫ني قَ َ‬
‫أة ة َْجي َهلَ َّن أ ٌد علين ا فَ نَ ْج َه َل فو َق َج ْه ّل اجلاهلين ا‬
‫وقول رسول هللا ‪ ‬ايب ذر الغفارر(‪ )5‬ني مسع ه يع ِّري رج الً أبم ه فعاتب ه وأنِّب ه ق ائالً ‪ « :‬اي‬
‫أاب ذر أعريته أبمه‪ ،‬إنك اماؤ فيك جاهلية»(‪ )6‬أر فيك رول اجل ّ‬
‫اهليَّة و يشها‪.‬‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫وم ا عب ادة ااواثن كم ا ت وهم كث ري م ن الب ا ثني أن الق وو يعب دوهنا ل ذاهتا واحل ق أن الع ان‬
‫كانوا يؤمنون بصفة الابوبي ة هلل تع اىل وبص فة االوهي ة لألص ناو كم ا يق ول هللا تع اىل‪َ  :‬مأا نَ ْعبُأدُ ُه ْم‬
‫( ‪ )1‬د‪ .‬انيف معاوف ‪ ،‬املفلا ‪ ،‬ااديب‪ ،‬املولود يف قاية ديا القاس ‪ ،‬ق اء علا يف فلسطني عاو ‪1934‬و ‪.‬‬
‫هاجا إىل لبنان عاو ‪1948‬و‪ .‬أثا سقوط فلسطني يف يد اليهود‪ ،‬عمل مدرساً ‪ ،‬مث مديااً ‪ ،‬مثِّ موجهاً للغة العابية‬
‫يف مدار (ااناوا) يف لبنان ممِّا ميزه خبربة يف تعليم اللغة وختصص يف أصول التدريس‪ ،‬كما عمل أستاذاً يف كلي ة‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬ومااال ع واً يف جملسها العلم ‪،‬‬
‫اآلدان جبامعة بريوت العابية وجامعة اإلماو ااوااع ‪ ،‬للدراسات ْ‬
‫الف ْلا ورجا ة الاأْر وقوة احلجة يف املناقشات واملناظاات ّ‬
‫ويعاف بعمق ّ‬
‫الف ْلاية‪ .‬له مصنفات ‪ ،‬منها‪ :‬املعجم‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫الوس يط يف اإلع اان‪ ،‬اادن اإلس الم يف عه د النب وة‪ ،‬وخالف ة الااش دين‪ ،‬اإلنس ان والعق ل‪ ،‬خص ائص العابي ة‬
‫و اائق تدريسها‪ ،‬اخلوارج يف العصا اامور ‪.‬‬
‫( ‪ ) 2‬معاوف‪ ،‬د‪ .‬انيف‪ :‬اادن اإلسالم يف عهد النبوة وخالفة الااشدين‪ ،‬ص(‪.)104‬‬
‫( ‪َ )3‬ع ْماو بن كلثوو ‪ ،‬بن مالك‪ .‬بن عتِّان ‪ ،‬بن سعد ‪ِّ ،‬أمه ليلى بنت ُمهلهل‪ ،‬وهو شاعا جاهل ِّ من‬
‫أصحان املعلقات‪.‬‬
‫( ‪ ) 4‬ابن اانبارر‪ ،‬أبو بلا حممد بن القاسم‪ :‬شال القصائد السبع الطوال‪ ،‬ص(‪.)426‬‬
‫صحايب أول من يِّا الاسول ‪ ‬بتحية اإلسالو‪ ،‬سلن دمشق‬
‫غفار‬
‫(‪ )5‬هو جندن بن جنادة بن سفيان من بين ِّ‬
‫ِّ‬
‫واستقدمه عثمان إىل املدينة مثِّ الابدة إىل أن مات‪ .‬له (‪ )82‬ديثاً ‪ ،‬تويف عاو (‪ )32‬هجاية ‪ .‬انظا‪ :‬سري أعالو‬
‫النبالء (‪ ،)46/2‬التهذيب (‪ ،)90/12‬ااعالو (‪.)140/12‬‬
‫( ‪ )6‬ص ّحيح الب َخ ا ّرر‪ ،‬ابن املعاص م ن أم ا اجل ّ‬
‫لف ا ص ا بها ابرتلاج ا إة الش اك‪)20/1( ،‬و‬
‫اهليَّ ة وة يُ ِّ‬
‫َ‬
‫َ ْ ُ ِّ‬
‫ّ‬
‫وسنَن البَ ْي َهق ِّ اللربى (‪.)7/8‬‬
‫(‪ )2248/5‬وفتح البارر (‪ )87/1( ،)85/1‬و مسلم (‪ُ )1283-1282/3‬‬
‫وم ْس نَد الب ِّزار‬
‫وم ْس نَد أمح د (‪ُ )161/5‬‬
‫وس نَن أيب داود (‪ )340/4‬ومص نف عب د ال ِّاااق (‪ُ .)448-447/9‬‬
‫ُ‬
‫(‪ ،)402-400/9‬وعون املعبود (‪ ،)45/14‬وفيض القديا (‪.)221/1‬‬
‫إِ َّال ِليُقَ ِربُونَأأأا إِلَأأأى َّ‬
‫اَّللِ ُز ْلفَأأأى‪ ، )1(‬ولع ل م ا يع زا ه ذا ال َاأْر ق ول الش اعا اجل اهل أو ب ن‬
‫جا(‪: )2‬‬
‫وابهلل َّ‬
‫أن هللا منه ن أكب ا‬
‫وابلالت والعزى ومن دان دينها‬
‫وجذه اجل ّ‬
‫اهليَّة املقابلة للحلم‪ ،‬والوثنية املعرتفة بواجب الوجون واملعظمة لألصناو احلجاي ة‬
‫َ‬
‫دون اعتق اد الابوبي ة هل ا كالف ة ب ذلك اام م الس ابقة ال مس ت م دنيتها يف أ ان ارة الوثني ة‬
‫(‪)3‬‬
‫املطلقة‪.‬‬
‫ج ذين اام اين تش للت بيع ة احلي اة مبفاهيمه ا وس لوكها ووج داهنا وقيمه ا ال اتس مت‬
‫ابلظلم واجلور وفسدان نظم العيش ما خال بع ض الق يم النافع ة م ن م دل للل او وذو للبخ ل ودع وة‬
‫للماؤة و ث على الشجاعة وغري ذلك من الصفات النَّبّيِّلة‪.‬‬
‫ّ‬
‫العدالَة وتباين ت آراؤه م يف مس الك حتقيقه ا فق د‬
‫اء علي ه اض طان موق ف اجلَاهليَّ ة م ن َ‬
‫وبن ً‬
‫(‪)4‬‬
‫العدالَ ة يف ف ظ‬
‫ك ان « ااخ ذ ابلث ائا ه و املب دأ الس ائد » وم نهم م ن اعت ربه س بيالً لتحقي ق َ‬
‫ال دماء ورعاي ة امته ا‪ ،‬وع َّد التخ اذل عن ه ع ني الظل م والع دوان ب ل ويس تحق املتخ اذل عن ه ذم اً‬
‫وتقبيحاً حنو قول اماأة ختاذل قومها عن ااخذ بثأر أخيها(‪:)5‬‬
‫ّ‬
‫اباباق‬
‫ووشحوا‬
‫إن أنتم ل م تث أروا اخيل ُم‬
‫فَدعوا السالل ِّّ‬
‫ّ (‪)6‬‬
‫ُ لَل النساء فبئس رهط املاه ق‬
‫وخذوا امللا ل واجملاسد والبسوا‬
‫ال الش اعا‬
‫فمناص اة ااخ اخي ه م ن الثواب ت ال ة حتت اج إىل باه ان لتلبيته ا‪ ،‬كم ا قَ َ‬
‫الع ْنربر التميم (‪:)7‬‬
‫قُ َايْط بن أُنَ ْيف َ‬
‫( ‪ )1‬الزما ‪.3 /‬‬
‫( ‪ )2‬أو اب ن َ َج ٍّا ب ن مال ك التميم (‪ 98‬ق‪.‬ه ) ‪530( ،‬و) حن و (‪ 2‬ق‪ .‬ه ) (‪ 620‬و)‪ .‬ش اعا مت يم يف‬
‫اجل ّ‬
‫اهليَّة وهو اوج أو اهري بن أيب ُسلمى‪ .‬انظا‪ِّّ :‬‬
‫الزّرْكل ِّ ‪ ،‬ااعالو (‪.)374/1‬‬
‫َ‬
‫( ‪ )3‬ابن جا‪ ،‬أو بن جا بن مالك التميم ‪ :‬ديوان‪ ،‬ص(‪.)36‬‬
‫( ‪ )4‬البهنس ‪ ،‬أمحد فتح ‪ :‬العقوبة يف الفقه اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)61‬‬
‫العدالَة ‪ ،‬ص(‪.)6‬‬
‫( ‪ )5‬ملتيب‪ ،‬نذيا حممد‪ :‬صفحات رائدة يف مسرية َ‬
‫العدالَة يف مقدمته‪.‬‬
‫( ‪ )6‬مل أعثا على مصدر البيتني وذكامها صفحات رائدة يف مسرية َ‬
‫( ‪ )7‬املااوق ‪ ،‬أمحد بن حممد احلسن‪ :‬شال ديوان احلماسة‪.)23-22/1( ،‬‬
‫الشا أبدى ّ‬
‫انج َذيْ ّه هلم‬
‫قوو إذا ُّ‬
‫ٌ‬
‫أخاهم ني ي ْن ُد ُجم‬
‫ة يسألو َن ُ‬
‫اروا إليه ارافات َوُو ْجداان‬
‫ّ‬
‫ال بُاهاان‬
‫للنائبات على ما قَ َ‬
‫ومل يل ن ش خص اجل ا ابل ذات حم الً للث أر ابل اورة فق د ك ان ل ويل ال دو أن يقت ل م ن ه و‬
‫أعز فقداً عند قبيلة املتهم ولو مل يلن املذنب(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫وك ان قب ول الدي ة كتع ويض يعت رب يف غال ب اا ي ان ع اراً ودل يالً عل ى ال عف واجل ف ال‬
‫سبيل للعفو أو الديِّة وإمنا القصاص‪.‬‬
‫أة ة أتخذوا لبناً ولل ن أذيقوا قوملم َّد السالل‬
‫(‪)2‬‬
‫فقد كان التعطش إىل الثأر واةنتقاو اجلماع واإلسااف يف القتل قد بلغ أش ده‪ ،‬فالع دوان‬
‫يقابل أبفظع منه وكثرياً ما كانت كلمة وا دة تس بب القت ل وبلغ ت رول اةنتق او درج ة ماوع ة ىت‬
‫النساء صان يصبغن مالبسهن بدو القتيل وأكل قلبه وكبده(‪.)3‬‬
‫ومنهم من ذهب إىل أن الظلم يف بعض أ وال ه س بيل إىل حتقي ق الع دل ب ل ه و أ د ص ونه املنيع ة‬
‫ال تَّقيِّاإلنسان غائلة ظلم اآلخاين له وهذا ما أش ار إلي ه اه ري ب ن أيب ُس لمى ال ذر عُ اف باص انته‬
‫و لمته‪:‬‬
‫ّ (‪)4‬‬
‫ّ‬
‫ومن ة ّ‬
‫َّ‬
‫يظلم النا َ يُظل م‬
‫وضه بسال ّه‬
‫ومن مل يذ ْد عن‬
‫يهدو َ‬
‫وقول النابغة الذبيا (‪:)5‬‬
‫كالن له‬
‫تعدو الذائن على من ة َ‬
‫ّ‬
‫املستأسد ال ارر‬
‫وتتَ ّقيِّصولَه‬
‫(‪)6‬‬
‫( ‪ )1‬البهنس ‪ :‬العقوبة يف الفقه اإلسالم ص(‪.)64-63‬‬
‫( ‪ )2‬الشاابص ‪ ،‬أمحد ‪ :‬القصاص يف اإلسالو‪ ،‬ص(‪.)42‬‬
‫( ‪ )3‬كحالة‪ ،‬عما رضا‪ :‬اتريخ العامل اإلسالم ‪ ،‬العان قبل اإلسالو‪ ،‬ص(‪.)115‬‬
‫(‪ )4‬ابن أيب سلمى‪ُ ،‬اهري‪ .‬ديوان ‪ ،‬شال ثعلب ‪ ،‬ص(‪ .)88‬وانظا‪ :‬اجلندر‪ ،‬د‪ .‬عل ‪ :‬ش عا احل ان يف العص ا‬
‫اجلاهل ‪ ،‬ملتبة اجلامعة العابية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪ 3‬سنة ‪ 1966‬و ‪،‬ص (‪.)22‬‬
‫( ‪ )5‬النابغة الذبيا ‪ ،‬هو اايد بن معاوية بن ضبان بن جابا‪ُ ،‬مس ِّ النابغة لقوله‪ :‬لقد نبغت لنا منهم شؤون‪.‬‬
‫انظا‪ :‬ابن قتيبة‪ :‬الشعا والشعااء‪.)98/1( ،‬‬
‫( ‪ )6‬اجلندر‪ ،‬د‪ .‬عل ‪ :‬شعا احلان يف العصا اجلاهل ‪،‬ص (‪.)21‬‬
‫وم نهم م ن اعت رب امل اأة ع اراً يف اجملتم ع « فمارس وا س لوكاً ة إنس انياً ي وو ك انوا ُيزن ون إن‬
‫ولدت املاأة أنثى وكانوا يع دوهنا س بباً جلل ب الع ار‪ ،‬انطالق اً م ن ش ايعة اإلغ ارة والتقات ل فيم ا بي نهم‬
‫أو يعتربوهنا رمزاً للخطيئة انطالق اً مم ا أحلق ه ابمل اأة م ن اف وا احلقيق ة وع دوا واء مص در غواي ة يف‬
‫اجلن ة آلدو فاس ودت وج وههم م ن ي ث بُش اوا ابانث ى فدس وها يف ال رتان ي ة ومس فعله م وأْداً‬
‫َّ‬
‫وذكاان ذلك ابلظلم ااول الذر مارسه قابيل ضد أخيه هابيل»(‪.)1‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫مفهــــــــوم ال َعدالَة عنــــــــــد‬
‫الفالسفـــــــــة والمتكلميـــــــن‬
‫ويشتمل على ثالثـــــة مطالب ‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫المطلب الثاني‬
‫المطلب الثالث‬
‫‪:‬‬
‫العَدالَة في الفلسفـــــــــة اليونانيَّــة ‪.‬‬
‫‪:‬‬
‫ال َعدالَة عند ال ُمتَك َِلمين المسلميــــــن‪.‬‬
‫‪:‬‬
‫العَدالَة عند متفلسفة المسلميـــن‪.‬‬
‫( ‪ )1‬السحماا ‪ ،‬د‪ .‬أسعد ‪ :‬العدل فاي ة إسالمية ِّّ‬
‫واحلايَّة ضاورة إنسانية‪ ،‬ص(‪.)32‬‬
‫المطلب األول‬
‫مفهـــوم ال َعدالَة فـي الفلسفــــة اليونانيَّة‬
‫إن الفلسفة يف كل صورها « علم إنسا » يتحلم فيه كل م ا يف بيع ة اإلنس ان م ن قي ود‬
‫و دود وتدرج بط ء يف الوص ول إىل اجمله ول وقابلي ة للتغي ري والتح ول وتقل ب ب ني اهل وى وال الل‬
‫واقرتان أو ابتعاد عن درجة اللمال‪.‬‬
‫والفلسفة اليواننيَّة ‪-‬شأن ك ل فلس فة‪ -‬جمموع ة م ن التص ورات الذهني ة واملف اهيم العام ة‬
‫اجمل ادة ال اول ت تفس ري الطبيع ة والل ون ونظام ه ع ن اي ق التأم ل ّ‬
‫الف ْل ار والبح ث النظ ار‬
‫الل ذين جع ال ا ّلف ْل ا الي وان يت أرجح ب ني ص ورتني‪ :‬عقلي ة علمي ة وص وفية عافاني ة تتج اذن ك ل م ن‬
‫الص ورتني نزع ات متباين ة واجتاه ات مت ادة تلش ف ع ن اخ تالف منطلق ات أص حاجا ّ‬
‫الف ْلاي ة م ن‬
‫اختالف املصادر واملنابع وتنو املناهج وقصور العقل البشار وتباين اق اةستدةل‪.‬‬
‫وأماو هذا الواقع أترجح الفالسفة بني منطني من الفلسفة(‪:)1‬‬
‫الفلسفة املثالية ممثلة بفلسفة أفال ون(‪ )2‬وأستاذه سقااط(‪.)1‬‬
‫( ‪ )1‬امليدا ‪ ،‬عبد الامحن سن بنلة‪ :‬كواشف وايوف يف املذاهب ّ‬
‫الف ْلاية املعاصاة‪ ،‬ص(‪.)71‬‬
‫( ‪ )2‬أفال ون‪ ،‬فيلسوف يوان يعترب أعظم فالسفة اإلغايق‪ ،‬عاش ما بني سنة (‪ )347-427‬ق‪.‬و نشأ يف‬
‫أثينا القدمية‪ ،‬وهو تلميذ سقااط وأستاذ أرسطو‪ ،‬وكان رجالً ُواةً وسيماً أشقا عايض املنلبني‪ ( -‬ومعىن كلمة‬
‫أفال ون ‪ :‬عايض املنلبني ) – وكان رايضياً قوايً مصارعاً وقد فاا جبائزتني يف لبة املصارعة‪ ،‬وكان شاعااً‬
‫وأديباً‪ ،‬جان أقطاراً كبرية يف أورواب وآسيا‪ ،‬اخناط يف إيطاليا يف سلك اجلماعة الفيثاغورية ال ت م أصدقاء‬
‫والفلسفة املادية ممثلة مبادية دميقاا يس(‪ ،)2‬ومادية أبيقور(‪.)3‬‬
‫وهنا ة ب ِّد م ن اإلش ارة إىل أن ه يف العص ور الس الفة ك ان الق انون يعت رب متمتع اً بقداس ة تنب ع‬
‫من مصدر إهل أو مساور‪ ،‬وكان القانون وااخالق والدين مرتابطني مع بع هم البعض‪.‬‬
‫فلانت هناك قوانني أعت ربت مس نونة م ن ش ا إهل ‪ ،‬مث ل الوص ااي العش ا وأخ اى أعطي ت‬
‫هال ة م ن القداس ة رغ م أهن ا م ن مص در بش ار مباش ا وذل ك م ن خ الل إغ داق ص فة اإلهل او اإلهل‬
‫على واضعيها من البشا‪.‬‬
‫لذلك رأينا يف الفلسفة اليواننيَّة تلك التصورات الذهنية املتمثلة يف فل اة « وج ود ق انون‬
‫اثب ت ة يتغ ري يعت رب املث ل ااعل ى ال ذر جي ب أن تنس ج عل ى منوال ه ق وانني اجملتم ع ان ه ق ائم عل ى‬
‫مب ادئ مل تؤخ ذ م ن ت َقالي د متواض ع عليه ا وة م ن قواع د حم دودة يف كت ان ب ل مص دره الطبيع ة ‪-‬‬
‫احلق‪ ،‬يف ااربعني من عماه أسس أكادميية علمية يف أثينا‪ ،‬وه أول جامعة يف العامل القدمي‪ ،‬عمل يف صقلية‬
‫مستشاراً للملك ديونيسيو الثا ‪ ،‬كتب ثالثني حماورة ضمنها آراءه الفلسفية وأعظم كتان له اجلمهورية‪.‬‬
‫أنظا‪ :‬امليدا ‪ ،‬سن بنلة‪ :‬كواشف وايوف يف املذاهب ّ‬
‫الف ْلاية املعاصاة‪ ،‬ص(‪.)71‬‬
‫( ‪ )1‬سقااط‪ :‬فيلسوف يوان ‪ ،‬عاش ما بني (‪ 399-469‬ق‪.‬و) وهو من أثينا ‪ ،‬أبوه حنات وأمه قابلة‪ ،‬مل يرتك‬
‫أثااً ملتوابً للن سجل ياته وتعاليمه تلميذه أفال ون يف حماوراته‪ ،‬أمهل شؤونه اخلاصة‪ ،‬وجال يف اةسواق‬
‫والطاقات واملالعب يتحدث إىل النا يف الف يلة والعدل والتقوى وما إىل ذلك ‪ ،‬كان يؤمن ابهلل وببقاء الاول‬
‫بعد املوت كان يتبع يف واره منهج التوليد‪ ،‬أبن يعاون من ُياوره على استخااج املعافة من دخيلة نفسه‪.‬‬
‫أنظا‪ :‬امليدا ‪ ،‬سن بنلة‪ :‬كواشف وايوف يف املذاهب ّ‬
‫الف ْلاية املعاصاة‪ ،‬ص(‪.)71‬‬
‫( ‪ )2‬دميقاا يس‪ :‬فيلسوف يوان عاش وايل (‪ 370-460‬ق‪.‬و) ياى العامل مؤلفاً من ذوات متجانسة يف‬
‫بيعتها‪ ،‬للنها كتلفة جماً وشلالً وثقالً‪ ،‬وه ة تدرك ابحلوا وة تنقسم وة تفىن وتتحاك دائماً فيلتصق‬
‫بع ها ببعض وتتلون ااجساو ومن آرائه أنه ة ياكن إىل احلوا يف إدراك قائق ااشياء بل ياكن إىل العقل‬
‫ومن آرائه أن غاية احلياة السعادة وتتحقق ابلسلينة النفسية‪ .‬أنظا‪ :‬امليدا ‪ ،‬سن بنلة‪ :‬كواشف وايوف يف‬
‫املذاهب ّ‬
‫الف ْلاية املعاصاة‪ ،‬ص(‪.)72‬‬
‫( ‪ )3‬أبيقور‪ :‬فيلسوف يوان عاش بني (‪ 270-342‬ق‪.‬و) ولد يف جزياة « سامو » إ دى جزر حبا إجية‪،‬‬
‫كان أبوه معلماً أثينياً أظها ميالً إىل الاايضة العقلية منذ كان صغرياً‪ .‬وهو الذر وضع أصول مذهب اللذة‬
‫ألف كتباً كثرية ة تقل عن ثالمثائة كتان‪ ،‬للن فقد معظمها‪ .‬مذهبه أن اهلدف من احلياة اةستمتا‬
‫والساور‪ِّ ،‬‬
‫ابللذات وليس عمل آخا‪ ،‬أخذ عن دميقايطس نظايته الذرية‪ .‬أنظا‪ :‬امليدا ‪ ،‬سن بنلة‪ :‬كواشف وايوف‬
‫يف املذاهب ّ‬
‫الف ْلاية املعاصاة‪ ،‬ص(‪.)72‬‬
‫سب اعتقادهم‪ -‬ويلش فه العق ل م ن رول املس اواة والع دل اللامن ة يف ال نفس »(‪ )1‬وع اف ذل ك‬
‫ابلقانون الطبيع ‪.‬‬
‫« فلم ا أن الطبيع ة مب ا حتتوي ه م ن ااج ااو واللواك ب واملخلوق ات تس ري عل ى نظ او اثب ت‬
‫مقار وُيلم هذا القانون ااشياء املادية مث ل الق ول‪ :‬أبن الن ار حماق ة ف إن هن اك ق انوانً بيعي اً ُيل م‬
‫الس ّاقَة حمام ة يف‬
‫املي ول والن زعات اإلنس انية وخت ع ل ه تص افات البش ا وعالق اهتم وهل ذا تل ون َّ‬
‫لم هذا القانون الطبيع »(‪.)2‬‬
‫وي اى ك ل امل دققني السياس يني أن أول م ن س هل ه ذا املس لك يف الي وانن احللم اء ي ث‬
‫ّ‬
‫ياس ة إب ي ائهم عق دة اةش رتاك‬
‫الس َ‬
‫حتيلوا على ملوكهم املستبدين يف محلهم عل ى قب ول اةش رتاك يف ِّ‬
‫العدالَ ة إبل ه‬
‫يف االوهي ة ال أخ ذوها ع ن اآلش وريني ومزجوه ا أبس ا ري املص ايني بص ورة ختص يص َ‬
‫واحلان إبله واامطار إبل ه إىل غ ري ذل ك م ن التواي ع وجعل وا آلهل ة اآلهل ة ق النظ ارة عل يهم و ق‬
‫الرتجيح عند وقو اةختالف بينهم(‪.)3‬‬
‫وابلنظ ا إىل ماهي ة ه ذا الق انون الطبيع ف إن التعاي ف امل أثور عن ه يف تل ك احلقب ة أن ه «‬
‫جمموع ة القواع د العام ة اابدي ة الس امدية اخلال دة ال أودعه ا هللا يف ه ذا الل ون وال يلش فها‬
‫اإلنسان ابلتأمل والتعقل والتفلري »(‪ )4‬فما على اإلنسان إة أن خي ع تص افاته لن داء العق ل ال ذر‬
‫يهدي ه لق انون الطبيع ة وب ذلك يص ل إىل ذروة الس عادة وُيق ق غايت ه املثل ى‪ ،‬وف يلة الع دل ف يلة‬
‫من الف ائل ال ياتلز عليها هذا القانون الطبيع ‪.‬‬
‫« وج ذا يل ون الق انون الطبيع ال ذر ُيل م البش ا يف نظ ا الفالس فة اإلغاي ق ه و إرادة‬
‫اآلهلة أو القانون ااخالق الصادر عن إرادة اآلهلة ة عن اإلنسان الفا »(‪.)5‬‬
‫( ‪ )1‬مصطفى‪ ،‬عما ممدول‪ :‬القانون الاوما ‪ ،‬ص(‪.)16‬‬
‫( ‪ )2‬عثمان‪ ،‬د‪ .‬حممد فتح ‪ :‬من أصول ّ‬
‫الف ْلا السياس اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)74‬‬
‫( ‪ )3‬اللواكيب‪ ،‬عبد الامحن‪ :‬بائع اةستبداد ومصار اةستعباد‪ ،‬ص(‪.)39-38‬‬
‫( ‪ )4‬مدكور‪ ،‬عبد الفتال عبد الباق ‪ :‬املدخل إىل القانون‪ ،‬ص(‪ )36‬وما بعدها‪.‬‬
‫وأنظا‪:‬‬
‫مدكور‪ ،‬نظاية القانون ‪ ،‬ص(‪ )42‬وما بعدها‪.‬‬
‫منصور‪ ،‬عل عل ‪ :‬املدخل للعلوو القانونية والفقه اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)92‬‬
‫( ‪ )5‬يلن‪ ،‬اهدر ‪ :‬اتريخ القانون ‪ ،‬ص(‪.)236-233‬‬
‫وعند سع الفالسفة إىل بيان أسس هذا القانون جاهم إىل اةخ تالف في ه فتش عبت اآلراء‬
‫وتع ددت امل ذاهب فم نهم م ن ب ىن الق انون عل ى الش لل أر عل ى مص دره فأدخ ل في ه ك ل أم ا‬
‫اكتسى لِّة التشايع الصادر عن السلطة املختصة يف الدولة‪ ،‬ومنهم من التجأ إىل م مون الق انون‬
‫بدةً من مبن اه فأوج ب أن يل ون موافق اً للعق ل والق انون الطبيع أو احل ق اإلهل أو بيع ة ااش ياء‬
‫ومنهم من بىن القانون على الت َقاليد وااعااف واحلاجات اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة‪.‬‬
‫ْ َ‬
‫العدالَة ابعتب اره مفهوم اً ينبث ق م ن ه ذا‬
‫ومن هذا املنطلق تباينت نظ اة الفالس فة إىل مفه وو َ‬
‫القانون ومن هؤةء‪:‬‬
‫‪ -1‬هيس ود ‪ :‬م ن أوائ ل م ن ع اجل مفه وو العدالَ ة يف ّ‬
‫الف ْل ا الي وان ‪ ،‬وأ ُّ نظايت ه الفلسفي ة « أن‬
‫َ‬
‫العدالَة لب ين‬
‫العدالَة هب ة يهبه ا اي و رن َ‬
‫اللون خي ع لق در حمت وو أملت ه إرادة اآلهل ة وابلت ايل ف إن َ‬
‫البشا وه و دها بيت القصيد يف ياة البشا»(‪ .)1‬وقد أوض ح لن ا هيس ود ذل ك ف افتتا ي ة «‬
‫العدالَة(‪.)2‬‬
‫ااعمال وااايو » ال ت منت الدعاء لزيو رن َ‬
‫‪ -2‬وجاء عن أصحان باواتغورا (‪ 411-485( )3‬ق‪.‬و) « أن القص اص ه و ع دل‪ .‬وأن ُيتم ل‬
‫املاء ما قد فعل ذلك هو العدل احلق »‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ -3‬س قااط ( ‪ 399-469‬ق‪.‬و)‪ :‬فق د ق ارن ب ني الق وانني املَ َدنيَّ ة وب ني الق وانني غ ري املدون ة ال‬
‫ال عن نفس ه أن ه مل زو بطاع ة‬
‫تعم مجيع البالد وال وضعتها اآلهلة للجماعات اإلنسانية كلها « ف َق َ‬
‫اإلرادة اإلهلي ة ال‬
‫(‪)5‬‬
‫سلطات َّ‬
‫الد ْولَة»‬
‫ختا ب ش عوره ال داخل وتعت رب ه الق وة اامس ى أم او ض مريه ودوهن ا إرادة‬
‫( ‪ )2،1‬عثمان‪ ،‬د‪ .‬أمحد ‪ :‬الشعا اإلغايق ‪ ،‬تاااثً إنسانياً وعاملياً‪ ،‬ص(‪ .)81،82‬وأنظا‪ :‬وايف‪ ،‬د‪ .‬عل عبد‬
‫الوا د‪ ،‬اادن اليوان القدمي‪ ،‬ص(‪.)92‬‬
‫(‪)3‬باواتغورا ‪ 411-485( :‬ق‪.‬و)‪ ،‬ولد باواتغورا أشها السوفطائيني يف أب درا قب ل مول د دمق ايطس جبي ل‬
‫من الزمان‪ ،‬كانت فلاته يف العقوبة املثل ابملثل والقصاص ابلقصاص أ به أفال ون دون أتباعه‪.‬‬
‫أنظا‪ :‬ديورانت ول‪ :‬قصة احلَ َ َارة (‪ )314-313-312/7‬بتصاف‪.‬‬
‫( ‪ )4‬اليس‪ ،‬أرسطو‪ :‬علم ااخالق إىل نيقوماخو ‪.)78/2( ،‬‬
‫( ‪ )5‬عثمان‪ ،‬د‪ .‬حممد فتح ‪ :‬أصول ّ‬
‫الف ْلا السياس اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)75‬‬
‫ال ‪ « :‬إن م ن ُي رتو الق وانني العادل ة‬
‫لذا أشاد سقااط ابلقانون ودعا إىل ا رتاو القوانني ف َق َ‬
‫إمن ا ُي رتو العق ل والنِّّظَ او اإلهل وه ذا اة رتاو ة يقتص ا عل ى الق وانني امللتوب ة‪ ،‬ب ل جي ب أي اً‬
‫ا رتاو القوانني غري امللتوبة ال فاضتها اآلهلة على اإلنسان يف كل ملان»(‪.)1‬‬
‫فس قااط ين ادر بعدال ة علي ا ة يُعل ق وجوده ا عل ى ج زاء وض ع ‪ ،‬أو ص يغة ملتوب ة ج اء‬
‫فيه ا‪ « :‬فطاع ة ق وانني َّ‬
‫الد ْولَ ةه ك ذلك واج ب مف اوض يف مجي ع اا وال وعل ى امل وا ن الص احل‬
‫اع ة ق وانني َّ‬
‫الد ْولَ ة ىت ل و كان ت فاس دة ف ان ب ذلك م ثالً يف وج ون ا رتاو الق انون بص اف‬
‫النظا عن صوابه»(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫العدالَ ة ابعتباره ا خت ص اجملتم ع امل د ‪،‬‬
‫‪ -4‬أرس طو (‪ 381-445‬ق‪.‬و)‪ « :‬فق د حت دث ع ن َ‬
‫فذهب إىل تصنيفها إىل عدالة تعوي ية‪ ،‬وعدالة توايعية‪ ،‬تتعلق ااوىل ابحلق وق والواجب ات وتتحق ق‬
‫م ن خ الل إعط اء ك ل ذر ق ق ه‪ ،‬وأم ا الثاني ة فتتعل ق بتواي ع اخل ريات العام ة عل ى ك ل ف اد م ن‬
‫أفااد اجملتمع‪ ،‬ويف كال احلالتني ة بد أن ينال مجيع امل وا نني ظه م عل ى ول امل دى ىت تتحق ق‬
‫العدالَة»(‪.)4‬‬
‫َ‬
‫« فالع دل الق انو أو التش ايع عن د أرس طو ه و ال ذر ميلي ه املش ا ابلق انون امللت ون‬
‫لتلمل ة الع دل الطبيع إذ م ا يس تخلص مبال ظ ة الطبيع ة ل يس كافي اً و ده فالطبيع ة م ثالً توج ب‬
‫( ‪ )1‬اجلليب‪ ،‬سن‪ :‬اةجتاهات العامة يف فلسفة القانون‪ ،‬ص(‪.)43‬‬
‫( ‪ )2‬اجلليب‪ ،‬سن‪ :‬اةجتاهات العامة يف فلسفة القانون‪ ،‬ص(‪.)43‬‬
‫(‪) 3‬أرس طو‪ :‬فيلس وف ي وان ‪ ،‬ول د يف س تاجري ( مق دونيا ) ك ان م ؤدن ( م ايب ) اإلس لندر اللب ري ومؤس س‬
‫والسي ّ‬
‫ّ‬
‫اس يَّة والت اريخ الطبيع والفي زايء‬
‫املدرس ة املش ائية‪ ،‬يعت رب أرس طو ص ا ب كت اابت كث رية يف املنط ق ِّ َ‬
‫وامليتافيزيك‪.‬‬
‫أنظا‪ :‬القامو الصغري املصور‪ ،‬ص(‪.)1127‬‬
‫( ‪ )4‬أنظا ول ذلك‪:‬‬
‫ بدور‪ ،‬د‪ .‬عبد الامحن‪ :‬أرسطو‪ ،‬ص(‪ )262‬وكتابه ااخالق النظاية ص(‪.)167-165‬‬‫‪ -‬وهبة‪ ،‬د‪ .‬مااد ‪ :‬املعجم الفلسف ‪ ،‬ص(‪.)265‬‬
‫التص ّح ْيحية‪ ،‬ولل ن الطبيع ة ة حت دد كي ف‬
‫العدالَ ة التعوي ية‪ ،‬أو َ‬
‫عق ان الس ارق وفق اً ملقت يات َ‬
‫(‪)1‬‬
‫يلون العقان‪ ،‬فيتوىل هذا التحديد يف املدينة الاؤساء املؤهلون لذلك بطبيعتهم»‬
‫العدالَ ة بن و م ن الدق ة والعم ق عن د‬
‫‪ -5‬أفال ون (‪ 347 -428‬ق‪.‬و) ‪:‬اتس مت النظ اة إىل َ‬
‫أفال ون فق د واان ب ني الع دل املطل ق وب ني الت َقالي د والق وانني يف ال بالد املختلف ة ف ذهب إىل الق ول‬
‫العدالَة تنشأ من الرتتيب الذر وضعته الطبيعة بني قوى ال نفس واةنس جاو بينه ا وه ذا املث ال‬
‫أبن َ‬
‫العدالَة يف اجملتم ع مبع ىن أن ك ل ق وة م ن ق وى ال نفس تقابله ا بق ة اجتماعي ة‬
‫نفسه هو ال ذر ُيق ق َ‬
‫متاثله ا‪ ،‬فالعق ل يقابل ه الطبق ة َّ‬
‫الذ َهبّيِّ ة – الفالس فة – والق وى الغ بية يقابله ا الطبق ة الف ية‬
‫العدالَ ة يف اجملتم ع عن ده ة ب د م ن خ و‬
‫والق وى الش هوانية يقابله ا الطبق ة النحاس ية ولتحقي ق َ‬
‫الطبقة الف ية والنحاسية للطبقة َّ‬
‫الذ َهبّيِّة خ وعاً اتماً(‪.)2‬‬
‫وهناك فاق بني موق ف أفال ون كم ا بس طه يف كت ان اجلمهوري ة م ن م دى ض اورة الق انون‬
‫وأمهيته للمجتمع وبني موقفه من هذه املسألة كما بسطه يف كتان القوانني‪:‬‬
‫فف كتان اجلمهورية يقسم اجملتمع إىل ثالث بقات‪:‬‬
‫‪ ‬الطبقة ااوىل‪ :‬احللاو والفالسفة وقد شبههم ابلعقل من اإلنسان‪.‬‬
‫‪ ‬الطبقة الثانية‪ :‬احملاربون واحلاا وهم املسؤولون عن محاية املدينة وشبههم ابلعني‪.‬‬
‫والزرا وهم املسؤولون عن اإلنت اج وش بههم ابل بطن والش هوة وق د‬
‫‪ ‬الطبقة الثالثة‪ :‬العمال والصنِّا‬
‫ِّ‬
‫َّملُّك وتلوين أسا من خالل نظاو الزواج‪.‬‬
‫تاك أفال ون هلذه الطبقة اية الت َ‬
‫أم ا ابلنس بة للطبقت ني ااوليت ني احلل او واحل اا ف أراد أن يُفاغهم ا م ن ك ل م ا يُ ْش غلهما ع ن‬
‫احلل م واحلااس ة‪ ،‬ف اقرتل ش يوعية امل ال والنِّس اء بي نهم ليلف ل هل م م ا ُيت اجون م ن م ال ونس اء دون‬
‫س ان أو اواج لي من ع دو انش غاهلم ع ن أعم اهلم‪ .‬ويف كتاب ه الق وانني‪ :‬ع اد إىل مااجع ة ه ذه‬
‫اافلار فأقا نظاو املّل ّ‬
‫ْليَّة الفادية بشلل أوس ع واع رتف بنظ او ال زواج‪ .‬ول ذا فم ن الص عب اعتب ار‬
‫ِّ‬
‫ّ ّ (‪)3‬‬
‫أفال ون من دعاة اة ْشرتاكيَّة ‪.‬‬
‫( ‪ )1‬اجلليب‪ :‬اةجتاهات العامة يف فلسفة القانون‪ ،‬ص(‪ )69-68‬بتصاف‪.‬‬
‫( ‪ )2‬كاسون‪ ،‬اندريه‪ :‬املشللة ااخالقية والفالسفة‪ ،‬ص(‪.)46‬‬
‫وأنظا‪ :‬شبل‪ ،‬د‪ .‬فؤاد حممد‪ّ ،‬‬
‫الف ْلا السياس (‪.)105-100/1‬‬
‫( ‪ )3‬أنظا ول ذلك‪:‬‬
‫فأفال ون يف كتان اجلمهورية ي اى أن ة اج ة إىل الق انون كنظ او حمل م م ن قواع د ملزم ة‬
‫العدالَة مرتوك للحلماء احلاكمني ُيلمون وفقاً ملا توص ى ب ه لم تهم ويف ه ذه‬
‫للجماعة إذ حتقيق َ‬
‫احللمة ضمان احللومة العادلة « فاحلاكم الفيلسوف واحلليم هو القانون احل و لم ه ه و احلل م‬
‫الع دل»(‪ . )1‬ويف كت ان الق وانني ي اى « أن هللا ة ُيلمن ا مباش اة ب ل بواس طة العق ل ال ذر وهبن ا‬
‫إايه‪ ،‬فالقوانني ال يقارها العقل حتاك ق وانني العناي ة اإلهلي ة وت دعوا إىل اخل ري الع او‪ ،‬ل ذا فاخل و‬
‫هلا واجب(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬املدرس ة الاواقي ة(‪ « ، )3‬والاواقي ة نزع ة خاص ة ت دعو إىل الزه د وض بط ال نفس وت اى أن‬
‫َساس يَّة ااربع ة ه احللم ة واةعت دال والش جاعة والع دل »(‪ )4‬وإن اللائن ات البش اية‬
‫الف ائل اا َ‬
‫كالطبيعة‪ ،‬وإن الطبيعة نظاو يتصف ابلتناسق مطابق للعقل فليس من تعارض بني اإلنسان والطبيع ة‬
‫العدالَة تلم ن يف م دى اةنس جاو م ع الطبيع ة مبع ىن إخ ا مجي ع الق يم والع ادات‬
‫يف فلاهم‪ .‬وإن َ‬
‫للق انون الطبيع وم اادهم م ن الطبيع ة الل ون أبس اه ف اللون ه و هللا وهللا ه و العق ل وب ذلك يتح د‬
‫البشا مع هللا عن ايق العقل(‪.)5‬‬
‫ لطف ‪ ،‬عبد احلميد‪ :‬علم اةجتما ص(‪.)207-205‬‬‫ نبولة‪ ،‬د‪ .‬حممود عل ‪ :‬الوظيفة اةجتّم ّ‬‫اعيَّة للمللية اخلاصة‪ ،‬ص(‪.)379‬‬
‫ْ َ‬
‫( ‪ )1‬أفال ون‪ :‬كتان القوانني‪ ،‬ص(‪.)61-60-59‬‬
‫( ‪ )2‬العوجى ‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‪ :‬اامن اةجتماع تقنياته‪ ،‬ارتبا ه ابلرتبية املَ َدنيَّة‪ ،‬ص(‪.)29‬‬
‫علم البه يف ّرواق‪،‬‬
‫( ‪ُ )3‬‬
‫ومس ِّ أصحاجا ابلاواقيني ان الفيلسوف اليوان ‪ ،‬ايوف صا ب هذا املذهب كان يُ ِّ‬
‫أن السعادة يف الف يلة وهو ة يفال بش ٍّء أاته وة ُيزن على ش ٍّء فقده‪ ،‬ان اإلنسان جزء من‬
‫والاواق ِّ ياى ِّ‬
‫اللل منذ ااال‪ ،‬فإذاً هو‬
‫اللون‪ ،‬وياى ِّ‬
‫كل ما يقع يف الطبيعة ِّإمنا هو بتأثري القدر‪ ،‬أر بتأثري ما قدره العقل ِّ‬
‫أن ِّ‬
‫كل ما جيار له‪ .‬انظا‪ :‬الزين‪ ،‬مسيح‪ ،‬ايق اإلميان‪ ،‬ص(‪.)242‬‬
‫ُم ِّ‬
‫سري وة دخل له يف ِّ‬
‫( ‪ )4‬عثمان‪ ،‬د‪ .‬حممد فتح ‪ :‬من أصول ّ‬
‫الف ْلا السياس اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)76‬‬
‫( ‪ )5‬شبل‪ ،‬د‪ .‬فؤاد حممد‪ّ :‬‬
‫الف ْلا السياس ‪.)143،144/1( ،‬‬
‫العدالَة ‪ ،‬فم نهم‬
‫فنال ظ من خالل استعااض أقوال وآراء الفالس فة اخ تالفهم يف مفه وو َ‬
‫من ياى هذا املفهوو من املفاهيم املطلقة مثل هيسود وأفال ون والاواقي ون وم نهم م ن ي اى أنِّه م ن‬
‫املفاهيم النسبيِّة‪ :‬كأرسطو وتبعه يف ذلك ال‪-‬يون(‪.)1‬‬
‫( ‪ )1‬اابيقوريون ‪ ،‬وا دها اابيقورر ‪ ،‬وهو املنسون إىل أبيقور‪ 370-460( ،‬ق‪.‬و) الذر يقوو مذهبه على‬
‫بلذةٍّ معنويٍِّّة يلون اإلنسان اذقاً يف اختياراها عارفاً يف دقائق قيمها‪ ،‬وعليه فاإلنسان هو الذر‬
‫إسعاد الذات ِّ‬
‫أر إكااه انظا‪ :‬الزين‪ ،‬مسيح‪ ،‬ايق اإلميان‪ ،‬ص(‪.)241‬‬
‫خيتار ويفعل مجيع اافعال إبرادته واختياره دون ِّ‬
‫المطلب الثاني‬
‫ال َعدالَة عنــــد ال ُمت َ َك ِلمين المسلميــــــن‬
‫اإلس الميَّة يف فه م مش اق وإمي ان‬
‫انص او الق ان ااول للهج اة واملس لمون يتلق ون اافل ار ْ‬
‫اإلس الميَّة أدى إىل التق اء اإلس الو حب ارات اام م‬
‫قطع ووع م دهش إة أن مح ل ال دعوة ْ‬
‫ااخاى‪ ،‬فرتتب على هذا اةلتقاء صاا فلار‪ ،‬كان له أبلغ ااث ا يف هن ة عق ول بع ض املس لمني‬
‫اإلس الميَّة ود ض العقائ د املخالف ة‪ ،‬وعل ى رأس ها الفلس فة اليواننيَّ ة‬
‫ممن انربى لل دفا ع ن العقي دة ْ‬
‫‪ ،‬ال‬
‫تس لح النص ارى أبفلاره ا للوق وف يف وج ه دع وة اإلس الو ف أدى ذل ك إىل اك ة تامج ة‬
‫انتقلت من خالهلا الفلسفة اليواننيَّة إىل من اشتغل جذا ااما من املسلمني ‪ ،‬فلان هل ا أثاه ا فيم ا‬
‫يُس مى ب « عل م الل الو » والط اق اللالمي ة‪ ،‬وش غل أهل ه ابجل دل فتفاق وا إىل م ذاهب وحن ل‪،‬‬
‫واس تلربت العق ول فتطاول ت عل ى ك ل ش ء وابلغ ت يف التفل ري يف ذات هللا‪ ،‬وتقلي ب ال َاأْر يف‬
‫صفاته‪ ،‬واإلنسان يف قيقته عاجز ع ن استقص اء م ا يف ذات ه م ن دقي ق اخلل ق‪ ،‬فلي ف ميل ن للعق ل‬
‫أن ي درك خالق ه وم ن بي ده اام ا كل ه؟ا وكي ف ي درك اخل الق بص فاته‪ ،‬ول يس كمثل ه ش ء نقيس ه‬
‫عليه؟ا‬
‫وم ا يهمن ا يف ه ذا املق او ه و َّ‬
‫أن م ا وف د م ن النص ارى قب ل الرتمج ة م ن مس ائل فلس فية‬
‫وق ااي منطقي ة جع ل املس لمني ي رباون هل م ب اوا الف ار يف س ا ة ال وغى ي دفعهم إىل حماج ة الق وو‬
‫فيم ا أاثروه م ن ش بهات أ ل او اإلس الو وأفل اره يف اجل دال واحل وار وال اد وال نقض فعلف وا عل ى‬
‫التسلح أبفلار فلسفية من جنس ما ُياربون به‪.‬‬
‫ومن الطبيع أن اجلدل يستدع النظا ويثري التأمل‪ ،‬وقد يؤدر إىل الت أثا وه ذا م ا ص ل‬
‫فوجد أشخاص ينهجون هنجاً جدي داً يف البح ث واجل دل مت أثاين بط اق اس تدةل الفالس فة فتل َّون‬
‫عل م الل الو كعل م أساس ه الق اآن وهدف ه ال دفا ع ن اإلس الو وبي ان أفل ار الق اآن مب نهج خ اص‬
‫خيالف منهج القاآن واحلديث وسلف اامة يف البحث والتقايا والتدليل‪.‬‬
‫ووج دت وائ ف تعلق ت مبش لالت أمهه ا خل ق اافع ال وال و‬
‫امل دار املعتزل ة (‪ )1‬وااش اعاة‬
‫(‪)2‬‬
‫واملاتايدي ة‬
‫(‪)3‬‬
‫والعق ل‪ ،‬وم ن أه م تل ك‬
‫واملتفلس فني م ن املس لمني‪ ،‬وس نتللم ع ن ه ذه‬
‫الطوائف مبا يناسب مع موضوعنا يف الدراسة‪.‬‬
‫(‪ )1‬فاق ة إسالمية‪،‬رأس ها واص ل ب ن عط اء (‪131‬ه ) ُمس وا ج ذا اةس م‪ ،‬نتيج ة ةعت زال واص ل لق ة احلس ن‬
‫ص ّار‪ ،‬بع د خ الف ول ماتل ب اللب رية‪ ،‬ومس ى املعتزل ة أنفس هم أبص حان الع دل‪ ،‬وأص حان التو ي د‪،‬‬
‫البَ ْ‬
‫واعتمدوا على العقل يف إثبات العقائد وردوا على تيار الزندقة‪ ،‬وانالوا الوثنيني‪ ،‬ومارسوا اجلدل‪ ،‬وأغاق وا ّ‬
‫الف ْل ا‬
‫اإلسالم ابملناظاات‪ ،‬وجادلوا اجملو ‪ ،‬والوثنية‪ ،‬وااشاعاة ‪ ،‬واملاتايدية‪ ،‬ىت أصابت محلتهم الفقهاء واحملدثني‪،‬‬
‫افرتقوا إىل فّاق منها‪ :‬الواصلية‪ ،‬واهلذيلية‪ ،‬والنظامية‪ ،‬واجلا ظية‪.‬‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬ص(‪.)82-76‬‬
‫أنظا‪ :‬عزوا‪ ،‬إسحاق بن عقيل املل ‪1415( ،‬ه )‪ :‬الفاق ْ‬
‫(‪ )2‬ااشاعاة‪ :‬فاقة كالمية إسالمية‪ ،‬تُنسب ايب احلسن ااشعار الذر خاج عل ى املعتزل ة وق د اخت ذ ااش اعاة‬
‫الرباهني والدةئل العقلية واللالمية وسيلة يف حماجج ة خص ومها م ن املعتزل ة والفالس فة وغ ريهم‪ ،‬ةثب ات ق ائق‬
‫اإلس الميَّة ‪ .‬وم ن أب اا أئم ة امل ذهب‪ :‬الب اقال ‪ ،‬والغَ َزايل‪ ،‬واةس فااييين وإم او احل امني والفخ ا‬
‫ال دين والعقي دة ْ‬
‫إن عقي دة ااش اعاة‪ ،‬تُنس ب إىل عقي دة أه ل الس نة واجلماع ة ابملع ىن الع او يف مقاب ل اخل وارج‬
‫ال َّااار وعموم اً ف ِّ‬
‫وأن ااش اعاة وخباص ة أش اعاة الع ااق ااوائ ل أمث ال‪ :‬أب و احلس ن ااش عار‪ ،‬والب اهل ‪ ،‬واب ن‬
‫والش يعة واملعتزل ة‪ِّ .‬‬
‫جماهد والباقال وغريهم‪ ،‬أقان إىل الس نِّة واحل ق م ن الفالس فة واملعتزل ة ب ل وم ن أش اعاة خااس ان ك أيب بل ا ب ن‬
‫وإهنم ليحمدوا على مواقفهم يف الدفا عن السنِّة يف وجه البا نيِّة والااف ة والفالس فة‪ .‬وممِّا جي ب‬
‫فورك وغريه‪ِّ ،‬‬
‫التنبيه إليه هو ما آل إليه اإلماو أبو احلسن ااشعار بعد كتان اإلابنة ع ن أص ول الداين ة ال ذر مح ل في ه ل واء‬
‫ٍّ‬
‫تلييف وة تشبيه وة تعطيل وة حتايف وة تبديل‪،‬‬
‫أمحد بن نبل ورجع فيه إىل إثبات الصفات مجيعها من غري‬
‫وة متثي ل‪ ،‬ورج ع في ه ع ن كث ري م ن آرائ ه اللالمي ة إىل اي ق الس لف يف اإلثب ات وع دو التأوي ل‪ ،‬كم ا ب ِّني ذل ك‬
‫احلافظ ابن عساكا يف تبيني كذن املف رتر ص(‪ ،)136‬واحل افظ البَ ْي َه ّق ِّ يف كت ان اةعتق اد ص(‪)109 ،96‬‬
‫اإلس الميَّة لل ربور ‪ ،‬ص(‪ )518‬و مقدم ة اإلابن ة لفوقي ة حمم د‬
‫و وبع ض الدراس ات اجل ادة حن و امل ذاهب ْ‬
‫ص(‪.)27‬‬
‫أنظا‪ :‬اجلُهين ‪ ،‬د‪ .‬مانع بن ِّمح اد‪ :‬املوس وعة امليس اة يف ااداين وامل ذاهب واا زان املعاص اة ‪ ،‬ص(‪ ،)86‬إىل‬
‫ص(‪.)97‬‬
‫(‪ )3‬املاتايدية ‪ :‬فاقة كالميِّة إسالميِّة ‪ ،‬تُنسب إىل أيب منصور املاتايدر‪ ،‬قامت على استخداو الرباهني والدةئل‬
‫اإلسالميَّة ‪.‬‬
‫العقليِّة واللالمية يف حماججة خصومها من املعتزلة واجلهمية وغريهم‪ ،‬إلثبات قائق الدين والعقيدة ْ‬
‫م ن أب اا أئم ة املاتايدي ة‪ :‬أب و اليُس ا الب زدور‪ ،‬وأب و املع ني النس ف ‪ ،‬واللم ال ب ن مهِّ او وينتس بون يف جممله م إىل‬
‫ال القاض عب د اجلب ار(‪ « :)1‬اتف ق ك ل أه ل‬
‫يس م املعتزل ة أنفس هم أص حان الع دل‪ ،‬قَ َ‬
‫العدل على أن أفعال العباد من تصافهم‪ ،‬وقيامهم‪ ،‬وقعودهم‪ ،‬ادثة م ن جه تهم وأن هللا ع ِّز وج ِّل‬
‫ال أن هللا س بحانه خالقه ا وحم دثها‪،‬‬
‫أقدرهم على ذلك وة فاعل هلا‪ ،‬وة حمدث سواهم و إن من قَ َ‬
‫فقد عظم خطؤه‪.)2(» ...‬‬
‫فالعب د خ الق افع ال نفس ه بق درة أودعه ا هللا في ه عن دهم فم ن جن ا فبفعل ه وم ن هل ك‬
‫فبفعله‪ ،‬انه تعاىل عادل ة يظلم أ داً‪.‬‬
‫ويايدون ابلعدل أنه تعاىل يصدر الفعل على وجه الص وان واملص لحة وأن احلل يم ة يفع ل‬
‫إة الصالل واخلري‪ ،‬فيج ب م ن ي ث احللم ة رعاي ة مص احل العب اد وأم ا التل اليف فألط اف للب ارر‬
‫أرس لها إىل العب اد بتوس ط اانبي اء والاس ل امتح اانً واختب اراً ليهل ك م ن هل ك عل ى بينِّ ة وُي ىي م ن‬
‫ىي عن بينِّة‪.‬‬
‫إن ال ان تع اىل من زه أن ي اف إلي ه ش ا وظل م وفع ل وه و كف ا ومعص ية ان ه ل و‬
‫وقَ الوا ‪ِّ :‬‬
‫خلق الظلم كان ظاملاً كم ا ل و خل ق الع دل ك ان ع ادةً‪ ،‬وبن و عل ى ذل ك أن هللا ة ُي ب الفس اد وة‬
‫خيلق أفعال العباد بل يفعلها العباد ابلقدرة ال ركبه ا هللا ف يهم‪ ،‬فالعب د عن دهم ق ادر خ الق افعال ه‬
‫اإلم او أيب نيف ة ومذهب ه يف الف او وتعم ل اجلامع ات وامل دار عل ى نش ا مذهب ه يف كث ري م ن أص قا اارض‬
‫وتُدر العقيدة املاتايدية يف اهلند وابكستان وتاكيا واملغان على أهنِّا عقيدة أهل السنة واجلماعة‪.‬‬
‫أنظ ا‪ :‬اجله ين‪ ،‬د‪ .‬م انع ب ن محِّ اد‪ :‬املوس وعة امليس اة يف ااداين وامل ذاهب واا زان املعاص اة ‪ ،‬ص(‪ 99‬إىل‬
‫‪.)108‬‬
‫(‪ )1‬هو عبد اجلبار بن أمحد بن خلي ل ب ن عب د هللا اهلم ذا ااس د آابدر (‪330‬ه ) تقايب اً‪ .‬ول د يف مدين ة أس د‬
‫آابد ويف ق زوين ب دأ يتلق ى دروس ه ااوىل يف الفق ه وااص ول والل الو واحل ديث‪ ،‬ويف البص اة حت ول م ن امل ذهب‬
‫ااشعار إىل مذهب املعتزلة ‪ ،‬مث انتقل إىل بغداد فواصل دراسته لالعتزال ىت بلغ ماتبة العلم اء يف اةعت زال ‪،‬‬
‫ويف اامهام ز بن وا‬
‫خواس تان ش ا يلق دروس ه عل ى تالمذت ه ىت اس تدعاه الص ا ب ب ن عب اد إىل ال ار‬
‫َّولَ ةيف س نة ‪367‬ه س نة ‪977‬و ىت واف اه ااج ل‬
‫َّولَةالبوجي ة‪ ،‬وهن اك ت وىل منص ب قاض ق اة الد ْ‬
‫عاصمة الد ْ‬
‫‪415‬ه ‪1024-‬و وخلف كتباً ه أغىن مصدر لدراس ة اةعت زال ومنه ا‪ :‬ش ال العم د‪ ،‬ف ل اةعت زال و بق ات‬
‫املعتزلة وشال ااصول اخلمسة واملُْغين يف أبوان التو يد والعدل‪ ،‬أنظا ‪ :‬عثمان‪ ،‬د‪ .‬عبد اللامي‪ :‬قاض الق اة‬
‫عبد اجلبار اهلمذا ‪.)413/411/2( ،‬‬
‫( ‪ )2‬اهلمذا ‪ ،‬عبد اجلبار بن أمحد‪ :‬املُغْين يف أبوان العدل والتو يد‪.)3/8( ،‬‬
‫خريها وشاها‪ ،‬يستحق على ما يفعله ثواابً أو عقاابً‪ ،‬وأنه تع اىل ة أيم ا مب ا أراد ومل ين ه إة عم ا ك اه‪،‬‬
‫وأنه ويل كل سنة‪ ،‬أما جا وبائ من كل سيئة هنى عنها‪.‬‬
‫وقَالوا‪ :‬من جن ى بفعل ه اس تحق الث وان ‪ ،‬وم ن خس ا فبفعل ه اس توجب العق ان‪ ،‬وأن العق ل‬
‫م ن ي ث احللم ة يقت‬
‫ذل ك‪ ،‬وق اروا أن فع ل الص الل وااص لح واج ب ل ه تع اىل وأن لألش ياء‬
‫سناً ذاتياً وقبح اً ذاتي اً فمس تحيل أن أيم ا هللا بفع ل م ا ه و قب يح لذات ه‪ ،‬وذل ك م ا يس مى عن دهم‬
‫فع ل الص الل‪ ،‬فالص الل واج ب ل ه وة ش ء يفعل ه إة وه و ص احل‪ ،‬ويس تحيل علي ه أن يفع ل غ ري‬
‫الصاحل ومسوا هذا النمط عدةً(‪.)1‬‬
‫ال ااش اعاة‪ :‬إن الفع ل كل وق هلل واللس ب م ن العب د‪ ،‬وابللس ب يل ون التللي ف‬
‫وقَ َ‬
‫ويلون الثوان ويلون العقان‪.‬‬
‫واملاتايدر(‪ :)2‬يف هذه الق ية يقار أن هللا سبحانه وتعاىل خالق ااش ياء كله ا ف ال ش ء يف‬
‫ه ذا الوج ود إة وه و كل وق هلل تع اىل ة ش ايك ل ه س بحانه‪ ،‬وإثب ات اخلل ق لغ ريه إثب ات للش ايك‬
‫وذلك غري مقبول وة معقول‪.‬‬
‫أة يلون ثوان إة وللعبد اختيار فيم ا يس تحق علي ه‬
‫إن لمة هللا تق‬
‫مث يقول املاتايدر أي اً‪ِّ :‬‬
‫وأن ذل ك ف وق إن ه مقت ى احللم ة ه و‬
‫الثوان وة عقان اباوىل إة فيما يل ون العب د اختي ار من ه ِّ‬
‫مقت ى العدل أي اً‪.‬‬
‫( ‪ )1‬أنظا ول تلك املسألة‪:‬‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬ص(‪.)72-71‬‬
‫ عزوا‪ ،‬إسحاق بن عقيل‪ :‬الفاق ْ‬‫ ابن تَ ْي ّميَّة‪ :‬منهاج السنة‪.)298/2( ،‬‬‫‪ -‬ابن قَ يِّّم اجلَْوّايَّة ‪ :‬شفاء العليل يف مسائل الق اء والقدر واحللمة والتعليل‪ ،‬ص(‪.)42‬‬
‫ال عبد هللا املاائ يف‬
‫( ‪ )2‬املاتايدر‪ :‬هو حممد بن حممد بن حممود املاتايدر السماقندر‪ ،‬نسبة إىل (ماتايد)‪ .‬قَ َ‬
‫ورد‬
‫كتابه الفتح املبني يف بقات ااصوليني ‪« :‬كان أبو منصور‬
‫احلجة دافع عن عقائد املسلمني‪ِّ ،‬‬
‫قور ِّ‬
‫ِّ‬
‫ال عنه أبو احلسن الندور يف كتابه رجال ّ‬
‫الف ْلا والدعوة « جهب ٌذ‬
‫شبهات امللحدين»‪ )194-193/1( .‬وقَ َ‬
‫من جهابذة ّ‬
‫الف ْلا اإلنسا امتاا ابلذكاء والنبوغ و دق الفنون العلمية املختلفة » ‪ ،‬ص(‪ .)139‬بل كان‬
‫ودفن‬
‫ياجحه على أيب احلسن ااشعار يف كتابه اتريخ الدعوة (‪ .)115-114/1‬تويف عاو ‪333‬هجاية ُ‬
‫ورد ااصول اخلمسة ‪،‬‬
‫بسماقند‪ ،‬وله مؤلفات منها ‪ :‬أتويالت أهل السنِّة أو أتويالت القاآن ‪ ،‬وكتان التو يد‪ِّ ،‬‬
‫والاد على فاو مذهب القاامطة‪ .‬انظا ‪ :‬اجلُهين‪ ،‬املوسوعة املُيساة‪ ،‬ص(‪.)100‬‬
‫ِّ‬
‫وعل ى ذل ك تل ون أفع ال العب اد عن ده كلوق ة هلل تطبيق اً لقول ه تع اىل‪َ  :‬و َّ‬
‫اَّللُ َخلَقَ ُكأ ْم َو َمأأا‬
‫ت َ ْع َملُونَ ‪ ،)1(‬ويبقى التوفيق بني اختيار العبد عنده وبني كون الفعل كلوقاً هلل سبحانه‪.‬‬
‫وللتوفي ق يق ول م ا قَال ه ااش عار‪ « :‬إن العب د ل ه اللس ب وه و كت ار في ه وج ذا اللس ب‬
‫يلون الثوان والعقان مث يفرتق عن ااشعار»‪.‬‬
‫إذ اةش عار يق ار أن ذل ك اللس ب ه و اةق رتان ب ني الفع ل ال ذر ه و كل وق هلل تع اىل‬
‫واختي ار العب د م ن غ ري أن يل ون للعب د أتث ري يف ه ذا اللس ب‪ .‬وعل ى ذل ك يل ون اللس ب عن د‬
‫ااشعار كلوقاً هلل تعاىل كالفعل نفسه‪.‬‬
‫أما اللسب عن د املاتاي در فإن ه يل ون بق درة أودعه ا هللا يف العب د‪ ،‬فالعب د عن ده يس تطيع‬
‫أن يلس ب الفع ل بق درة كلوق ة في ه ويس تطيع أن ة يلس به ج ذه الق درة‪ ،‬فه و ا كت ار يف ه ذا‬
‫اللسب إن شاء فعل واقرتن ابلفعل الذر هو كلوق هلل تعاىل‪ ،‬وإن شاء تاك وبذلك يلون الث وان‬
‫ويلون العقان‪ ،‬و ٍّ‬
‫ينئذ ة يتناىف مع كون هللا خالقاً افعال العباد مع اختيارهم(‪.)2‬‬
‫وم ؤدى اام ا‪ :‬أن املعتزل ة ق اروا أن خل ق الفع ل بق درة أودعه ا هللا يف العب د‪ ،‬وااش اعاة‬
‫ق اروا أن ة ق درة للعب د يف الفع ل ولل ن ل ه اللس ب واللس ب ة يل ون إة ابةق رتان ة بت أثري م ن‬
‫العبد‪ ،‬واملاتايدر قار أن اللسب بقدرة العبد وبتأثريه وهذه القدرة ة يلون جا الت أثري يف اللس ب‬
‫ويظها أثاه ا عن د وج ود الفع ل ه اةس تطاعة ال ه من اط التللي ف عن د أيب نيف ة وتبع ه فيه ا‬
‫املاتايدر‪ ،‬وتلون عند الفعل اهنا القدرة املتجددة احلادثة فال يلزو أن تل ون قب ل الفع ل‪ ،‬واملعتزل ة‬
‫قاروا أن اةستطاعة تلون قبل الفعل ان التلليف واخلطان به يلون قبل الفعل ة بعده‪.‬‬
‫من خالل ما سبق‪ ،‬يظه ا أن ق ية اجل رب واةختي ار جعله ا املتللم ون ق ية تتعل ق بعالق ة‬
‫اإلنسان ابلذات اإلهلية وابحلدود الفاصلة بني فعل اخللق وفعل اخلالق‪ ،‬وابجلزاء والث وان والعق ان‪،‬‬
‫ف اأى املعتزل ة املس ِّمون أب د ااص ول اخلمس ة ال اجتمع وا عليه ا وأمجع وا عل ى اإلمي ان ج ا متيي زاً‬
‫ملدرستهم وتيارهم ّ‬
‫الف ْلار عن غريه من التيارات وهو أه ل الع دل والتو ي د‪ ،‬ي اون أن الق ول جبربي ة‬
‫اإلنسان نفياً للعدل عن الذات اإلهلية‪ ،‬ونس بة اجل ور ان يف س ان اإلنس ان ومثوبت ه وعقاب ه عل ى‬
‫( ‪ )1‬الصافات ‪.96 /‬‬
‫( ‪ )2‬أنظا املااجع السابقة ول هذه املسألة‪.‬‬
‫أعمال هو جمرب على إتياهن ا ج وراً ة حمال ة‪ ،‬إذ في ه تللي ف اإلنس ان م ا ة يُطي ق فعل ه أو ة يس تطيع‬
‫الفلاك من إتيانه‪.‬‬
‫يق ول مانل دمي(‪ « : )1‬إن النب وات والش اائع داخ الن يف الع دل ان ه ك الو يف أن ه تع اىل‪ ،‬إذا عل م أن‬
‫صال نا يف بعثة الاسل‪ ،‬وأن نتعبد َّ‬
‫ابلش ّا َيعة‪ ،‬وجب أن يبعث ونتعب د وم ن الع دل أن ة خي ل مب ا ه و‬
‫واجب عليه‪.‬‬
‫وكذلك يدخل الوعد والوعيد يف العدل‪ ،‬انه كالو يف أنه تعاىل إذا وعد املطيع ني ابلث وان‪،‬‬
‫وتوع د العص اة ابلعق ان‪ ،‬ف ال ب د م ن أن يفع ل وة خيل ف يف وع ده وة يف وعي ده وم ن الع دل أة‬
‫خيلف وة يلذن وكذلك املن زلة بني املن زلتني داخل يف ابن الع دل‪ ،‬ان ه ك الو يف أن هللا تع اىل‪ ،‬إذا‬
‫علم أن صال نا يف أن يتعبدان إبج ااء اامس اء واا ل او عل ى املللف ني وج ب أن يتعب دان ب ه‪ ،‬وم ن‬
‫العدل أة خي ل ابلواجب وكذلك اللالو يف ااما ابملعاوف والنه عن املنلا»(‪.)2‬‬
‫وااد القاس م ب ن إب ااهيم(‪ )3‬أص الً سادس اً أمس اه حمم د عم ارة يف تقدمي ه لاس ائل الع دل‬
‫والتو ي د ب « العدالَ ة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة واملالي ة واةقتص ادية »(‪ )4‬وذل ك عن دما يق ول‪ « :‬وأن التقل ب‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫اباموال والتجارات وامللاسب يف وقت ما تعطل فيه اا لاو وينته ما جعل هللا لألرامل واايت او‬
‫(‪) 1‬هو مانلدمي أمحد بن أمحد بن احلسني بن أيب هاشم احلسيين ششديو‪ ،‬أ د أئمة الزيدية‪ ،‬خاج ابلار سنة‬
‫(‪411‬ه ) وتويف جا سنة (‪420‬ه ) وهو أ د تالميذ القاض عبد اجلبار اهلمذا املعت زيل‪ ،‬كم ا أنه أ د من مجع‬
‫شال ااصول اخلمسة للقاض وعلق عليها‪.‬‬
‫أنظا‪ :‬عمارة‪ ،‬د‪ .‬حممد‪ :‬رسائل العدل والتو يد ( خلمسة أئمة ) ‪ ،‬ص(‪.)78‬‬
‫( ‪ )2‬اهلمذا ‪ ،‬عبد اجلبار بن أمحد ‪ :‬شال ااصول اخلمسة‪ ،‬ص(‪.)25‬‬
‫ابلا ِّّس (‪246-169‬ه )‪،‬‬
‫(‪)3‬هو أبو حممد القاسم بن إبااهيم بن إمساعيل‪ ،‬بن إبااهيم بن احلسن املثىن‪ ،‬الشهري َّ‬
‫متللم وفقيه وشاعا ومن أئمة الزيدية وهو شقيق اإلماو الزيدر ابن با با هنض أبما الدعوة العلوية ومتت له‬
‫َةالعبَّاسية وظل متخفياً عنها ةئذاً ابلفاار من وجه خلفائها ياى رأر املعتزلة يف‬
‫َّول َ‬
‫البيعة ولو ق على أثاها من الد ْ‬
‫ااصول اخلمسة‪.‬‬
‫أنظا‪ :‬تامجته ‪ ،‬الفهاست ص(‪ ، )193‬ااصفها ‪ :‬يف مقاتل الطالبني ص(‪ )556-553‬و عمارة‪ ،‬د‪ .‬حمم د‪:‬‬
‫رسائل العدل والتو يد‪ ،‬ص(‪.)22‬‬
‫( ‪ )4‬عمارة‪ ،‬د‪ .‬حممد‪ :‬رسائل العدل والتو يد ( خلمسة أئمة ) ‪ ،‬ص(‪.)76‬‬
‫واملل افيف والزمن ا(‪ )1‬وس ائا ال عفاء ل يس م ن احل ل واإل الق كمثل ة يف وق ت وةة الع دل‬
‫واإل سان والقائمني حبدود الامحن »‬
‫(‪)2‬‬
‫إن أص ل الع دل م ن أص ول املعتزل ة كم ا ي دل عل ى ذل ك اةقتب ا ال ذر فاغن ا م ن إي ااده‬
‫هنا‪ ،‬وهذا ااصل تنطور حتته ثالثة أصول أخاى‪ ،‬ه الوع د والوعي د واملن زلة ب ني املن زلتني واام ا‬
‫ابملعاوف والنه عن املنلا وذلك ابإلضافة إىل النِّ ِّبوات َّ‬
‫والش ْاعيات‪ ،‬ف إذا أض فنا إىل أص ل الع دل‬
‫أصل التو يد كنا قد مجعنا كل أصول اةعتزال‪.‬‬
‫أن بعض التيارات ّ‬
‫الف ْلاية غري اةعتزالية قد ش اركت املعتزل ة يف الق ول ابلع دل أو‬
‫ويال ظ ِّ‬
‫ابلتو ي د أو جم ا مع اً أو جبزئي ات وعناص ا م ن ه ذين ااص لني اجل امعني لفل ا أص حان اةعت زال‪،‬‬
‫كالزيدي ة(‪ )3‬املتبني ة أص ول اةعت زال وع نهم يق ول َّ‬
‫الش ْه َا ْس تا ِّ (‪ « )4‬أم ا يف ااص ول ف ريون رأر‬
‫املعتزلة ذو القذة ابلقذة ويعظمون أئمة اةعتزال أكثا من تعظيمهم أئمة أهل البيت »‪.‬‬
‫ويف خت او ه ذه النقط ة ة ب د م ن التنوي ه مل ا عق ده بع ض الب ا ثني م ن ص لة ب ني اةختي ار‬
‫كمشللة كالمية وبني ِّّ‬
‫احلايَّة بوجه عاو وبني اجلرب كمشللة كالمية واةستبداد‪.‬‬
‫فق د اعت رب حمم د عم ارة قي او ص لة وثيق ة ب ني مص طلح اةختي ار ِّّ‬
‫واحلايَّة وجع ل م ن الث ا‬
‫البديل املعاصا لشبيهه القدمي‪.‬‬
‫( ‪ )1‬الزمنا‪ :‬مجع امن وهو العاجز‪.‬‬
‫( ‪ )2‬جمموعة رسائل اإلماو القاسم‪29086( ،‬ن)‪ .‬وأنظا‪ :‬عمارة‪ ،‬د‪ .‬حممد‪ :‬رسائل العدل والتو يد‪،‬‬
‫ص(‪.)76‬‬
‫( ‪ ) 3‬تعترب الزيدية أقان فاق الشيعة إىل أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وتاجع نسبتها إىل مؤسسها ايد بن عل اين‬
‫العابدين‪ ،‬وكان ياى صحة إمامة أيب بلا وعما وعثمان رض هللا عنهم ومل يقل أ د منهم بتلفري أ د من‬
‫الصحابة‪ ،‬ومييلون إىل اةعتزال فيما يتعلق بذات هللا واةختيار يف ااعمال‪ ،‬وماتلب اللبرية يعتربونه يف منزلة‬
‫بني املنزلتني وخيالفون الشيعة يف اواج املتعة ويستنلاونه ويف الفاو ة خياجون عن إ ار مدار الفقه اإلسالم‬
‫ومذاهبه‪ ،‬وموا ن اةختالف بني الزيدية والسنِّة يف مسائل الفاو ة تلاد تُذكا‪ .‬انظا‪ :‬أبو اهاة ‪ ،‬حممد اإلماو‬
‫ايد واجلهين املوسوعة امليساة ‪ ،‬ص(‪.)86-81‬‬
‫( ‪َّ )4‬‬
‫الش ْه َا ْستا ِّ ‪ :‬هو حممد بن عبد اللامي بن أمحد ‪ ،‬أبو الفتح‪ ،‬ولد بشهاستان عاو ‪ 479‬هجاية‪ ،‬كان عاملاً‬
‫مبذاهب الفالسفة وأداين اامم‪ ،‬عاش يف بغداد وتويف بشهاستان عاو (‪548‬ه ) من كتبه امللل والنِّحل ‪.‬‬
‫انظا ‪ :‬سري أعالو النبالء (‪ ،)286/20‬وااعالو ‪.)215/6( ،‬‬
‫ال ‪ « :‬وكل ذل ك يؤك د العالق ة الوثيق ة ب ني اجل رب واةس تبداد وم ن مث العالق ة الوثيق ة ب ني‬
‫قَ َ‬
‫واحلايَّ ة» (‪ )1‬وليؤك د ه ذه الص لة أمس ى كتاب ه « مش للة ِّّ‬
‫اةختي ار ِّّ‬
‫احلايَّ ة اإلنس انية » ملعاجل ة ه ذه‬
‫الق ية ولينتص ا إىل اةختي ار ( ِّّ‬
‫احلايَّ ة ) ق ائالً‪ « :‬اي ة اإلنس ان رس وةً هلل‪ ،‬وماس الً إلي ه و اي ة‬
‫املالئلة‪ ،‬وكذلك إبليس فجعل التلليف قائماً على ِّّ‬
‫احلايَّة واةختيار»(‪ .)2‬وكل ذل ك ظ ن والظ ن ة‬
‫يغين عن احلق شيئاً‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫ال َعدالَة عنــــد متفلسفـــــــة المسلميــــــن‬
‫( ‪ )1‬عمارة‪ ،‬د‪ .‬حممد‪ :‬املعتزلة ومشللة ِّّ‬
‫احلايَّة اإلنسانية‪ ،‬ص(‪.)217/88/5‬‬
‫( ‪ )2‬عمارة‪ ،‬د‪ .‬حممد‪ :‬املعتزلة ومشللة ِّّ‬
‫احلايَّة اإلنسانية‪ ،‬ص(‪.)106‬‬
‫لقد أتيح لثلة م ن املَُف ِّّل اين اإل ال عل ى اافل ار الفلس فية اليواننيَّ ة م ن كت ب الفلس فة‬
‫فأكبوا على دراستها دراسة عميقة ودراسة كلية مطلقة يف كل ش ء ىت أتهل وا ان يفل اوا تفل رياً‬
‫فلس فياً وينتج وا إنتاج اً فلس فياً‪ ،‬مس وا ابلفالس فة املس لمني‪ ،‬أمث ال اللن در والف ارايب واب ن مس لويه‬
‫وابن سينا وابن اهليثم وابن ابجة وابن فيل وابن رشد‪.‬‬
‫وق د ك ان ج ِّل م ا ع ىن ب ه متفلس فة املس لمني ه و التوفي ق ب ني التفل ري اإلس الم وب ني‬
‫الفلسفة اليواننيَّ ة وحماول ة إجي اد فلس فة تلتَ ّقيِّفيه ا ه ذه العناص ا‪ ،‬معتم دين عل ى مص درين مه ا العق ل‬
‫والو ‪.‬‬
‫إة أن بيعة البحث يف الفلسفة وال تتمثل يف البحث اجملاد من خ الل النظ ا يف املس ائل‬
‫كما يدل عليها الربهان العقل بغض النظ ا ع ن النتيج ة كائن ة م ا كان ت جعل ت متفلس فة املس لمني‬
‫مع اختالف فيم ا بي نهم أكث ا م يالً إىل الفلس فة اليواننيَّ ة « فالف ارايب م ثالً ك ان أكث ا م يالً لفلس فة‬
‫أرس طو‪ ،‬وم ال اب ن س ينا لألفال وني ة احلديث ة»(‪ ،)1‬ل ذلك « كان ت أحب اثهم فلس فية حم ة ة عالق ة‬
‫اإلسالميَّة»(‪.)2‬‬
‫اء إسالمية وأفلارهم ة تدخل يف دائاة الثَّقافَة ْ‬
‫لإلسالو جا وآراؤهم ة تعترب آر ً‬
‫« وم ن ه ذا املنطل ق ك ان م ن الظل م وخ الف الواق ع أن تس مى الفلس فة ال اش تغل ج ا‬
‫أمث ال اللن در والف ارايب واب ن س ينا وغ ريهم ‪ -‬م ن متفلس فة املس لمني – فلس فة (إس الميِّة) لع دو‬
‫الصلة بينها واإلسالو وللتناقض التاو يف ااسا ال ذر ينطلق ون من ه وه و فه م الوج ود املطل ق وم ا‬
‫يقت يه لذات ه خب الف اإلس الو فإن ه يبح ث يف الواق ع احملس و وأيم ا ابلتس ليم فيم ا وراء الل ون‬
‫تسليماً مطلقاً »(‪.)3‬‬
‫اإلسالميَّة يف بعض املواض يع فه و‬
‫وأما ما يشاهد من عالقة بني البحث الفلسف واافلار ْ‬
‫إم ا تس ليم م ن متفلس فة املس لمني مب ا ورد م ن النقلي ات ال ة ميل ن إقام ة الربه ان العقل عل ى‬
‫وإم ا أن يل ون خب اوجهم ع ن ااس ا ال ذر‬
‫صحتها أو بطالهنا كالبعث والنشور واملعاد اجلس ما ‪ِّ ،‬‬
‫ينطلق منه وهو فهم الوجود املطلق وما يقت يه لذاته فيصدرون احللم قبل البحث اجملاد‪.‬‬
‫( ‪ )1‬شليب‪ ،‬د‪ .‬أمحد ‪ّ :‬‬
‫الف ْلا اإلسالم منابعه وآاثره‪ ،‬ص(‪.)137‬‬
‫( ‪ )2‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫اإلسالميَّة ‪ )125/1( ،‬بتصاف‪.‬‬
‫الدين ‪ :‬الشخصية ْ‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫( ‪ )3‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫اإلسالميَّة ‪ )125/1( ،‬بتصاف‪.‬‬
‫الدين ‪ :‬الشخصية ْ‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫اإلس الميَّة بس بب‬
‫وإم ا أن يل ون حماول ة للتوفي ق ب ني بع ض الق ااي الفلس فية والق ااي ْ‬
‫ِّ‬
‫كون هم مس لمني يت أثاون ابإلس الو أش به م ا يل ون بت أثا الفالس فة املس يحيني ابملس يحية والفالس فة‬
‫اليه ود ابليهودي ة ابعتب ار أن ه ة ب د أن تظ ل مف اهيم ااعم اق رواس ب تقف ز أثن اء البح ث‪ ،‬إة أن‬
‫البحث يبقى حبثاً فلسفياً والعقلية عقلية يواننية ة صلة هلا ابإلسالو‪.‬‬
‫العدالَة‪.‬‬
‫وسوف نتعاض آلراء بعض الفالسفة ول َ‬
‫‪ -1‬الفارايب(‪339-260( )1‬ه ‪950-874،‬و)‪:‬‬
‫يق ول يف كتاب ه املدين ة الفاض لة ‪ « :‬الع دل إعط اء ك ل وا د قس طه‪ ...‬وه ذا ابلنس بة‬
‫للخريات املشرتكة اهل املدينة على مجيعهم‪ ...‬مث يف فظ ما قسم عليهم‪ ...‬فلل وا د م ن أه ل‬
‫املدينة له قسط من هذه اخلريات مساوايً ةستئهاله‪...‬فنقص ه ذل ك واايدة علي ه ج ور‪ ،‬مث بع د ذل ك‬
‫وإم ا أبن خي اج بش اائط وأ وال ة يلح ق‬
‫ُيف ظ عل ى ك ل وا د قس طه‪ِّ ،‬إم ا أبن ة خي اج ع ن ي ده ِّ‬
‫خباوجه عند يده من قس طه ض ار ة ب ه وة ابملدين ة‪ ،‬فالع دل إذن أن يع اد للم اء م ا خ اج ع ن ي ده‬
‫من قسطه‪ ،‬سواء عاد علي ه يف خاص ة نفس ه أو عل ى املدين ة‪ ،‬والع دل عن ده ك ذلك اس تعمال أفع ال‬
‫الف يلة فيم ا بين ه وب ني غ ريه‪ ،‬أر ف يلة كان ت وعل ى ه ذا إعط اء ك ل وا د قس طه و فظ ه علي ه‬
‫نو من أنوا العدل‪ ،‬وهناك أنوا أخاى مث ل التف ويض لل ل وا د م ن أه ل املدين ة بعم ل يف اد ب ه‬
‫وة ي رتك أ د م نهم ي زاول أعم اةً كث رية ومث ل إع داد أم وال للطوائ ف ال ذين ل يس م ن ش أهنم أن‬
‫يلس بوا م اةً‪ ،‬كحمل ة ال دين‪ ...‬واا ب اء وذويه م‪ ...‬وك الزمىن وال ذين ة ق درة هل م أن يلس بوا‬
‫ااموال‪ ...‬ومثل احلان من أجل إعطاء العدل والنص فة‪ ،‬أو قم ع مت اد‪ ،‬وجع ل ق وو عل ى ق وو عل ى‬
‫(‪ )1‬الف ارايب (‪339-260‬ه ‪950-874،‬و)‪ ،‬حمم د ب ن حمم د ب ن اخ ان ب ن أوال غ أب و نص ا الف ارايب‪ ،‬يع اف‬
‫ابملعلم الثا ‪ ،‬أكرب متفلسفة املسلمني‪ ،‬تاك ااصل‪ ،‬مس تعان ول د يف ف اران ( عل ى هن ا جيح ون ) وانتق ل إىل‬
‫َّولَ ةابن مح دان‪ ،‬ت ويف بدمش ق‪،‬‬
‫بغداد فنشأ فيها وألِّف فيها أكثا كتبه‪ ،‬ور ل إىل مصا والشاو واتصل بس يف الد ْ‬
‫ك ان ُيس ن اليواننيَّ ة أكث ا اللغ ات الش اقية يف عص اه‪ ،‬وع اف ابملعل م الث ا لش ا ه مؤلف ات أرس طو (املعل م‬
‫ااول) ‪ ،‬ل ه حن و مئ ة كت ان منه ا «الفص وص» و«إ ص اء العل وو والتعاي ف أبغااض ها» و « آراء أه ل املدين ة‬
‫الفاضلة »‪.‬‬
‫أنظا‪ِّّ :‬‬
‫الزّرْكل ِّ ‪ ،‬خري الدين‪ :‬ااعالو قامو تااجم اشها الاجال‪.)20/7( ،‬‬
‫ما ه و ااج ود واا ظ ى‪ ،‬أر احل ان ةكتس ان خ ري للمدين ة ورده م إىل ااص لح هل م‪ ،‬ودف ع ع ٍِّّ‬
‫دو‬
‫ابلق وة‪ ،‬ك ل ه ذا ع دل»(‪ )1‬ويق ول « ‪...‬فم ا يف الطب ع ه و الع دل‪ ،‬فالع دل إذن التغال ب فاس تعباد‬
‫القاها للمقهور هو أي اً من العدل وأن يفعل املقهور م ا ه و اانف ع للق اها ه و أي اً ع دل‪ ،‬فه ذه‬
‫كلها من العدل الطبيع ‪ ،‬وه الف يلة‪ ..‬وأ ي اانً يتق ارن ااف ااد وتتق ارن اجلماع ات يف الق وة‪...‬‬
‫عندئذ يصطلح اافااد واجلماعات على شاائط يتعاملون جا‪ ...‬فالوف اء مب ا اص طلح علي ه ك ل فاي ق‬
‫هو العدل الوضع وهو انتج عن ضعف وخوف يف الفايقني »(‪. )2‬‬
‫فالعدالَة عن د الف ارايب ة تتم ايز كث رياً عم ا ه فلس فة أرس طو « وهل ذا ع اف يف‬
‫وعلى هذا َ‬
‫اتري خ ّ‬
‫الف ْل ا أبن ه املعل م الث ا أو الش ارل لش ا ه أكث ا م ن مائ ة كت ان نص فها تقايب اً نق د وش اول‬
‫وتعليق ات عل ى أحب اث أرس طو(‪ )3‬وة خيف ى أتث ريه فيم ا اقتبس ناه أبفال ون فيم ا يتعل ق ابل ابط ب ني‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اس يَّة وااخ الق وإىل م ا ذه ب إىل الق ول ب ه م ن الع دل الطبيع والع دل الوض ع ‪ ،‬إض افة إىل‬
‫ِّ َ‬
‫اس يَّة واةجتّم ّ‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اعيَّ ة ال كان ت س ائدة يف عص اه وابافل ار الش يعية اإلمامي ة م ن‬
‫أتث اه ابحلي اة ِّ َ‬
‫ْ َ‬
‫خالل دور الااع أر رئيس املدينة الفاضلة ووظيفته مع رعيته « كم ا أن القل ب أوةً مث يل ون ه و‬
‫(‪)4‬‬
‫الس بب يف أن يل ون س ائا أع اء الب دن والس بب يف أن حتص ل هل ا قواه ا وأن ترتت ب مااتبه ا »‬
‫ويف هذا التأثا يقول د‪ .‬اجلاواميله « فلسفة الفارايب مزيج م ن أرسططاليس ية وأفال وني ة ديث ة م ع‬
‫صبغة إسالمية واضح ة ونزع ة شيعي ة إمامية ة شك فيها »(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬ابن مسلويه(‪1030-972 ()6‬و) ‪:‬‬
‫( ‪ )1‬اندر‪ ،‬د‪ .‬ألبري نصار‪ :‬أبو نصا الفارايب آراء أهل املدينة الفاضلة‪ ،‬ص(‪.)160-157‬‬
‫( ‪ )2‬فاوخ‪ ،‬د‪ .‬عما ‪ :‬اتريخ ّ‬
‫الف ْلا العايب‪ ،‬ص(‪.)365-364‬‬
‫( ‪ )3‬شليب‪ ،‬د‪ .‬أمحد‪ّ :‬‬
‫الف ْلا اإلسالم منابعه وآاثره‪ ،‬ص(‪ )140-139‬بتصاف‪.‬‬
‫( ‪ )4‬اندر‪ ،‬د‪ .‬ألبري نصار‪ :‬أبو نصا الفارايب آراء أهل املدينة الفاضلة‪ ،‬ص(‪)129-128‬بتصاف‪.‬‬
‫( ‪ )5‬الفاخورر‪ ،‬د‪ .‬خليل اجلاو نا ‪ :‬اتريخ الفلسفة العابية‪.)152/2( ،‬‬
‫(‪)6‬ابن مسلوية (‪421‬ه ‪ 1030-‬و) أمحد بن حممد بن يعقون بن مسلوية‪ ،‬أبو عل ‪ ،‬مؤرخ حباث‪ ،‬أص له م ن‬
‫الار وسلن أص فهان وت ويف ج ا‪ ،‬اش تغل ابلفلس فة والليمي اء واملنط ق م دة‪ ،‬مث أول ع ابلت اريخ واادن واإلنش اء‪،‬‬
‫َّولَ ةابن بوي ه فلق ب ابخل اان‪ ،‬مث اخ تص ببه اء‬
‫ك ان قيم اً عل ى خزان ة كت ب اب ن العمي د مث كت ب عمي د الد ْ‬
‫َّولَةالبوي ه وعظم شأنه عنده‪.‬‬
‫الد ْ‬
‫أنظا‪ِّّ :‬‬
‫الزّرْكل ِّ ‪ ،‬خري الدين‪ :‬ااعالو يف قامو تااجم اشها الاجال والنساء‪.)212-211/1( ،‬‬
‫العدالَة م ن خ الل ديث ه ع ن أس س‬
‫تناول ابن مسلويه يف كتابه هتذيب ااخ الق‪ ،‬مفه وو َ‬
‫الرتبية ااخالقية انطالقاً من معافة اتمة ابلنفس البشاية ومقوماهتا وقواها‪.‬‬
‫« فإنسانية اإلنسان تتم بتوافا إرادته واجتاهها حن و اخل ري وابتعاده ا ع ن الش ا وق وى ال نفس ال ثالث‬
‫ه ق وة التفل ري وق وة الغ ب وق وة الش هوة‪ ،‬م ىت اعت دلت ل دى اإلنس ان ول دت لدي ه ف يلة‬
‫العدالَة والعفة واحللمة‪ ،‬والشجاعة تلك ال لإلنسان أن يتباهى ويفتخا جا »(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫فالعدالَة ‪ « :‬ف يلة لل نفس حت دث هل ا اجتم ا الف ائل ال ثالث احللم ة والعف ة والش جاعة وذل ك‬
‫َ‬
‫عند مساملة هذه القوى بع ها لبعض واستسالمها للقوة املميزة »(‪.)2‬‬
‫العدالَة تقسم إىل ثالثة أقساو‪:‬‬
‫وياى ابن مسلويه أن َ‬
‫‪ -1‬عدالة دينية وه فيما بني اإلنسان وخالقه‪.‬‬
‫‪ -2‬عدالة مدنية وه فيما يؤديه النا بع هم لبعض‪ ،‬وتشمل ‪:‬‬
‫أ‪ -‬قسمة ااموال واللاامات وتلون نسبة كل وا د كنسبة من كان يف مثل‬
‫ماتبته‪.‬‬
‫ن‪ -‬قسمة املعامالت اإلدارية‪ ،‬كالبيع والشااء واملعاوضات‪.‬‬
‫فالعدالَة توجب أن يلحق ال ار‬
‫ج‪ -‬قسمة ااشياء ال وقع فيها الظلم والتعدر‪َ ،‬‬
‫اآلخا ليعود التناسب‪ ،‬فالعادل من شأنه أن يساور بني ااشياء الغري متساوية‪.‬‬
‫العدالَ ة الل ربى‪ :‬وه م ا جي ب أن يل ون ب ني الن ا م ن ق وق جت اه أس الفهم مث ل أداء‬
‫‪َ -3‬‬
‫الديون وانفاذ وصاايهم(‪.)3‬‬
‫العدالَة اسم يشملها ويعمها كلها‪« ...‬وأن َّ‬
‫الش ّا َيعة‬
‫وياى أن الف ائل كلها اعتداةت وأن َ‬
‫مل ا كان ت تق در اافع ال اإلرادي ة ال تق ع ابلاوي ة وابلوض ع اإلهل ص ار التمس ك ج ا يف معامالت ه‬
‫العدالَة لقب للتمسك َّ‬
‫ابلش ّا َيعة»(‪.)4‬‬
‫عدةً واملخالف هلا جائااً فلهذا قلنا أن َ‬
‫( ‪ )1‬ابن مسلويه‪ ،‬أمحد بن حممد بن يعقون‪ :‬هتذيب ااخالق يف الرتبية ص(‪)15 ، 14 ،13‬بتصاف‪.‬‬
‫( ‪ )2‬ابن مسلويه‪ :‬هتذيب ااخالق يف الرتبية‪ ،‬ص(‪.)14‬‬
‫( ‪ )3‬اندر‪ ،‬د‪ .‬ألبري نصار‪ :‬أبو نصا الفارايب آراء أهل املدينة الفاضلة‪ ،‬ص(‪)129-128‬بتصاف‪.‬‬
‫( ‪ )4‬فخار‪ ،‬د‪ .‬ماجد‪ّ :‬‬
‫الف ْلا ااخالق العايب‪.)139/2( ،‬‬
‫وم ن ذل ك تب ني لن ا أن اب ن مس لويه « ُي اول التوفي ق ب ني آراء ش ىت جيمعه ا م ن ش تات‬
‫املذاهب اخللقية وبني تعاليم َّ‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬وكان أشبه أبرسطو م ن غ ريه »(‪ )1‬كم ا يب دو أتث ريه‬
‫الش ّا َيعة ْ‬
‫العدالَ ة‬
‫أبفال ون خاص ة يف قول ه ابعت داةت ال نفس وتقس يم الق وى فيه ا إىل ث الث ق وى وجعل ه َ‬
‫التنس يق ب ني ه ذه الق وى‪ ،‬وه ذه املنهجي ة ه أس ا كتاب ه هت ذيب ااخ الق ي ث انتق ل م ن‬
‫التعايف ابلنفس البشاية وقواها إىل اخللق وهتذيبه بغية الوصول إىل اللمال اإلنسا وم ن مثَّ جتدي د‬
‫العدالَ ة مبين اً أن الس لوك املعت دل يف ك ل ش ء امل واان ب ني الق وى‬
‫اخل ري والس عادة ومااتبه ا‪ ،‬مث إىل َ‬
‫ال تتحلم ابلنفس البشاية فال جتنح إىل التطاف « فالعادل من شأنه أن يس اور ب ني ااش ياء غ ري‬
‫املتساوية‪...‬ويف هذه احلال ة بد من العلم بطبيعة الوسط ىت ياد الط افني إلي ه َّ‬
‫والش ّا َيعة ه ال‬
‫تاسم يف كل وا د من هذه ااشياء التوسط واةعتدال»(‪. )2‬‬
‫‪ -3‬ابن سينا(‪1036()3‬و)‪:‬‬
‫والعدالَة ‪،‬‬
‫والعدالَة عند ابن سينا ف يلة من الف ائل ااربع العفة والش جاعة واحللم ة َ‬
‫« َ‬
‫والعدالَة أصل ياجع إليها جمموعة من الف ائل تتفا عنه ا‪ ،‬إم ا ك اانوا هل ا أو كاملاك ب فيه ا وه‬
‫َ‬
‫السخاء والقناعة والص رب والل او واحلل م والعف ة والص فح والتج اوا وكتم ان الس ا واحللم ة ‪ ...‬فه ا‬
‫هو يف هذا املفهوو مل يتجاوا اافال ونية احملدثة »(‪.)4‬‬
‫( ‪ )1‬ذكاى‪ ،‬أبو بلا‪ :‬اتريخ النظاايت ااخالقية‪ ،‬ص(‪.)31‬‬
‫( ‪ )2‬فخار‪ ،‬د‪ .‬ماجد‪ :‬املاجع نفسه‪.)134-132/2( ،‬‬
‫(‪)3‬ابن سينا ‪ :‬أبو عل احلسني بن عبد هللا‪1036-980( ،‬و) فيلسوف و بيب مسلم يلقب ابلشيخ‬
‫والائيس‪ ،‬ولد يف أخشنة‪ ،‬قان خبارى‪ ،‬ودر العلوو َّ‬
‫الش ْاعية والعقلية وأصبح جة يف الطب والفلك والاايضة‬
‫والفلسفة‪ ،‬وفيها اختالل يف املعتقد ة ُيتمل وقد انقش شيخ اإلسالو ابن تَ ْي ّميَّة كثرياً منها يف كتابه تعارض‬
‫العقل والنقل‪ .‬تويف ودفن يف مهذان‪ ،‬من مصنفاته ‪ :‬الشفاء‪ ،‬النجاة‪ ،‬اإلشارات‪ ،‬التنبيهات‪.‬‬
‫أنظا‪ :‬سري أعالو النبالء (‪ ،)531/17‬وااعالو (‪.)241/2‬‬
‫( ‪ )4‬فخار‪ ،‬د‪ .‬ماجد‪ّ :‬‬
‫الف ْلا ااخالق العايب‪.)148/2( ،‬‬
‫‪ -4‬ابن رشد(‪:)1‬‬
‫أورد اب ن رش د ثالث ة مع ان للعدال ة‪ :‬فلس ف وفقه ولغ ور‪ ،‬ف « ال َعدالَ ة ه اقتص ار ك ل‬
‫فاد على تللف ااعمال ال ُيس ن هل ا الطب ع » (‪ « )2‬والع دل مث اة املعاف ة احلقيقي ة كم ا أن الظل م‬
‫مثاة اجلهل »‬
‫(‪)3‬‬
‫« إن حتقيق كل ما يف الطبع هو العدل وهو الف يلة »(‪.)4‬‬
‫العدالَة‬
‫العدالَة مذهب اً فقهي اً ص افاً ي ث قَ َ‬
‫ال‪َ « :‬‬
‫وإىل جانب هذا جند أنه ذهب يف معن ى َ‬
‫(‪)5‬‬
‫ه التزاو الواجبات َّ‬
‫والعدالَة ه ض د‬
‫الش ْاعية ومس تحباهتا واجتن ان احملام ات وامللاوه ات»‬
‫َ‬
‫اجلور « إن العادل ملا كان ضد اجلائا‪.)6( »...‬‬
‫العدالَة ‪ ،‬يلحظ الت أثا الب الغ ابلفلس فة اليواننيَّ ة‬
‫إن املتتبع ملا ذكاه متفلسفة املسلمني عن َ‬
‫إما بطايق التبين هلا أو النقل والشال آلراء منها دون تبين هل ا‪ ،‬وإم ا بطاي ق التوفي ق ب ني آراء متفاق ة‬
‫وأفل ار متع ددة منه ا الفلس ف وغ ري الفلس ف وه ذا الت أثا و بيعت ه مم ا أك ده مؤرخ و الفلس فة عن د‬
‫املسلمني‪:‬‬
‫يقول أنور اجلندر(‪:)7‬وقد تبني مفاسد كل حماوةت الفالسفة املشائني أمثال الفارايب‬
‫(‪)1‬ابن رشد‪ :‬أبو الوليد حممد بن أمحد (‪1198-1126‬و) فيلسوف و بيب وفقيه ‪ ،‬ولد يف قا بة‪ ،‬ويل‬
‫الق اء ف أشبيلية مث يف قا بة‪ ،‬أتثا ابن رشد أبرسطو فشال من كتبه‪ :‬الطبيعيات‪ ،‬والسماء والنفس‪ ،‬له يف‬
‫الطب كتان اللل يات‪ ،‬أهم مصنفاته الفلسفية‪ :‬هتافت التهافت الذر رد فيه على كتان الغَ َزايل هتافت‬
‫الفالسفة‪.‬‬
‫أنظا‪ :‬غاابل‪ ،‬حممد شفيق‪ :‬املوسوعة العابية املوسعة‪..)16/1( ،‬‬
‫( ‪ ) 5-4-3‬فخار‪ ،‬د‪ .‬ماجد‪ :‬ابن رشد فيلسوف قا بة ‪ ،‬ص(‪.)122-121‬‬
‫( ‪ )5‬ابن رشد‪ ،‬حممد بن أمحد ‪ :‬بداية اجملتهد‪.)462/2( ،‬‬
‫( ‪ )6‬ابن رشد‪ :‬املقوةت ‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممود قاسم‪ ،‬ص(‪.)128‬‬
‫(‪)7‬أنور اجلندر‪ ،‬ولد عاو ‪ 1917‬ودر يف مطالع ياته مادا التجارة والصحافة وهو اب ث إسالم عمل يف‬
‫اإلسالميَّة‬
‫قل الدعوة منذ عاو ‪ 1946‬ومن أوائل الصحفيني اإلسالميني‪ ،‬اشرتك يف العديد من املؤمتاات ْ‬
‫و اضا يف جامعات إسالمية منها جامعة اإلماو حممد بن سعود‪ ،‬وجامعة العني ابإلمارات‪ ،‬واجملمع اللغور‬
‫اباردن‪ .‬له عشاات الدراسات يف جمال اادن ّ‬
‫والف ْلا اإلسالم ‪ ،‬املوضو الائيس الذر أوةه اهتماماً كبرياً‬
‫واب ن س ينا يف التوفي ق ب ني الفلس فة اليواننيَّ ة وب ني مفه وو اإلس الو‪ ...‬واعت رب اللن در‬
‫والفارايب وابن س ينا واب ن رش د جم اد ش َّاال امت داداً لل اول اهلليني ة‪ ...‬وأعل ن اب ن تَ ْي ّميَّ ة عب ث حماول ة‬
‫الفارايب وابن سينا وعقم جتابة التلفيق عندمها بني اإلسالو و اإلفال وني ة احملدث ة كم ا رأى أن ه دف‬
‫التلفيق هو هدو اإلسالو من الداخل»(‪.)1‬‬
‫ويقول الدكتور أجلاواميله‪ « :‬وان م ن ألق ى النظ ا عل ى فه ار ومؤلف ات الف ارايب وج د أن‬
‫القس م ااك رب منه ا ش اول وتعليق ات عل ى فلس فة أرس طو وأفال ون»(‪ ، )2‬وأم ا اب ن س ينا « فق د‬
‫ك ان تلمي ذاً للف ارايب اول أن يفص ل آراءه ويب ني معاني ه فق د اتبع ه يف فلس فته الطبيعي ة واملاورائي ة‬
‫وااخالقية ومل ُيد عنه إة يف بعض التفاصيل»(‪.)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫جل ما ع ىن ب ه متفلس فة املس لمني‬
‫ويقول الدكتور أمحد شليب ‪ « :‬وعلى العموو فقد كان ِّ‬
‫أول ااما هو التوفيق بني التفلري اإلسالم وب ني فلس فة أرس طو واافال وني ة احلديث ة‪ ...‬فالف ارايب‬
‫م ثالً ك ان أكث ا م يالً َ لفلس فة أرس طو‪ ،‬وم ال اب ن س ينا لألفال وني ة احلديث ة ومل يثم ا ه ذا اةجت اه‬
‫الثماة املاجوة »(‪.)5‬‬
‫ّ‬
‫والعلْمانيةواةستشااق‪ ،‬قدو موسوعة «مقدمات العلوو واملناهج» وموسوعة‬
‫هو الغزو الف ْلار والتغايب َ‬
‫«معلمة اإلسالو»‪ ،‬وجمموعة من تااجم عظماء اإلسالو وغريها‪ .‬أنظا‪ :‬اجلندر‪ ،‬أنور‪ :‬تيارات مسمومة ونظاايت‬
‫هدامة معاصاة‪ ،‬الصفحة ااخرية‪.‬‬
‫َساسيَّة‬
‫( ‪ )1‬اجلندر‪ ،‬أنور‪ :‬تيارات مسمومة ونظاايت هدامة معاصاة‪ ،‬حتاصا اإلسالو وحتمل لواء هدو قيمه اا َ‬
‫‪ ،‬ص(‪.)21-20‬‬
‫( ‪ )2‬الفاخورر‪ ،‬د‪ .‬خليل أجلاو نا‪ :‬املاجع السابق (‪.)97/2‬‬
‫( ‪ )3‬الفاخورر‪ ،‬د‪ .‬خليل أجلاو نا‪ :‬املاجع السابق (‪.)93/2‬‬
‫(‪) 4‬د‪ .‬أمحد شليب‪ ،‬مفلا إسالم ‪ ،‬تلقى دراسته يف اااها ويف كلية دار العلوو ويف جامعة لندن وجامعة كمربدج‬
‫‪،‬مثِّل مصا يف عدة مؤمتاات دولية‪ ،‬اضا يف العديد من اجلامعات العابية منتدابً واائااً ومعاراً‪ .‬تزيد مؤلفاته ع ن‬
‫اإلس الميَّة ومقارن ة ااداين‪ ،‬إض افة إىل‬
‫مخس ني كت اابً أمهه ا ‪ :‬موس وعة الت اريخ اإلس الم وموس وعة احلَ َ َارة ْ‬
‫اإلسالميَّة للل ااعمار وال بلغت ‪ 100‬كتاابً من السري والتاريخ وقصص القاآن‪ ،‬وقد تُامجت معظم‬
‫امللتبة ْ‬
‫مؤلفاته إىل لغات عدة‪.‬‬
‫( ‪ )5‬شليب‪ ،‬د‪ .‬أمحد‪ّ :‬‬
‫الف ْلا اإلسالم منابعه وآاثره‪ ،‬ص(‪.)137‬‬
‫يق ول ااس تاذ أب و بل ا ذك اى ع ن اب ن مس لويه أن ه ‪ُ « :‬ي اول التوفي ق ب ني آراء ش ىت‬
‫جيمعها من أشتات املذاهب اخللقية وبي ن تعالي م َّ‬
‫اإلس الميَّة‪ ،‬وك ان أش به أبرسط و م ن غي اه‬
‫الش ّا َيعة ْ‬
‫»(‪.)1‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫مفهـوم العَدالَة ْ‬
‫االجتِ َما ِعيَّة‬
‫( ‪ )1‬ذكاى‪ ،‬أبو بلا‪ :‬اتريخ النظاايت ااخالقية‪ ،‬ص(‪.)31‬‬
‫في ال ِف ْكر السياسي الغَ ْربي‬
‫ويشتمل على ثالثـــــة مطالب ‪:‬‬
‫‪ :‬العَدالَة ْ‬
‫االجتِ َما ِعيَّة في ال ِف ْكر الرأسمالـــــــــــــي‬
‫المطلب األول‬
‫الحــــــــــــــــــر‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬ال َعدالَة ْ‬
‫االج ِت َما ِعيَّة في ال ِف ْكر االشتراكي الديمقراطي‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬العَدالَة ْ‬
‫االجتِ َما ِعيَّة في ال ِف ْكر الماركســـــــــــي‬
‫الشيوعــــــي‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫االج ِت َما ِعيَّة في ال ِف ْكر الرأسمالي‬
‫مفهـوم العَدالَة‬
‫ْ‬
‫الحـر‬
‫َّ‬
‫صل الدين عن احلياة اهنا تايد أن يلون س ري احلي اة نفعي اً‬
‫الاأْ ُمساليَّة فلاة تقوو على مبدأ فَ ْ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اء‬
‫حبت اً َ ة ش أن لل دين ب ه‪ ،‬وه ذه الف ْل اة ه عقي دهتا وقيادهت ا الف ْلاي ة وقاع دهتا اا َ‬
‫َساس يَّة‪ ،‬وبن ً‬
‫عليها كان اإلنس ان ه و ال ذر ي ع نظام ه يف احلي اة يف إ ار م ن ِّّ‬
‫احلايَّة اللامل ة لتحقي ق أك رب ق در‬
‫م ن املنفع ة ل ه‪ ،‬ابعتب ار أن ه ذه املنفع ة اخلاص ة للف اد ة تتع ارض م ع منفع ة اجلماع ة‪ ،‬ان مص احل‬
‫الفاد ومصاحل اجلماعة متوافقة ومنسجمة‪.‬‬
‫وقد قامت هذه النظاية على أسس نوجزها يف النقط التالية(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬الفاد هو نقطة البداي ة يف التنظ يم اةجتم اع ‪ ،‬ومص لحته ه الغاي ة ااوىل واهل دف ااساس‬
‫الذر يسعى اجملتمع إىل حتقيقه‪.‬‬
‫‪ -2‬الف اد ل ه جمموع ة م ن احلق وق‪ :‬أ ل ق عليه ا «ج ون ل وك» احلق وق الطبيعي ة‪ ،‬مث ل ق العم ل‪،‬‬
‫َّملُّك‪ ،‬إىل جانب ق التجمع واةعتقاد‪...‬‬
‫و ق الت َ‬
‫وه ذه احلق وق الفادي ة مص درها احلال ة الطبيعي ة ال عاش ها اإلنس ان قب ل دخول ه يف احلي اة‬
‫اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة ولذلك ة ُيق للمجتمع سلبها منه‪.‬‬
‫ْ َ‬
‫‪ -3‬ة تع ارض ب ني مص احل الف اد ومص احل اجملتم ع‪ ،‬ان مص احل اجملتم ع عب ارة ع ن جمم و املص احل‬
‫الفادية‪ ،‬فإذا سعد الفاد سعد اجملتمع‪.‬‬
‫‪ -4‬التفاوت الطبق يف الثااء واملللية‪ ،‬أما بيع يتفق مع الفطاة نتيجة تف اوت الن ا يف ال ذكاء‬
‫والقدرات اخلاصة وامليول واةستعدادات‪.‬‬
‫( ‪ )1‬ياجع أصل هذا املذهب إىل كتاابت«لوك ونتياو»مث اعتنقها آدو مسيث (‪)1790-1723‬وريلاردو‬
‫ّ‬
‫ياسة واةقتصاد يف القان التاسع عشا‪ ،‬وقامت بدور كبري يف منع‬
‫الس َ‬
‫(‪ )1823-1772‬وأخذ جا أكثا علماء ِّ‬
‫التدخل احللوم يف اجملاةت اةقتصادية وملا ظهات مساوئ هذا املذهب نتيجة ِّّ‬
‫احلايَّة املطلقة‪ ،‬أدخل عليها‬
‫دعاهتا كثرياً من التعديالت ىت تقف أماو اهلجوو من قبل أنصار اةجتاه اجلماع ‪ .‬وقد قامت هذه النظاية على‬
‫أسس كما أوجزان وقد صنفها بعض البا ثني إىل أسس أخالقية توجب أن يرتك الفاد ااً ليتملن من استعمال‬
‫َّولَة وإىل أسس اقتصادية تتيح للفاد حتقيق أكرب قدر من الابح وإىل أسس علمية‬
‫مجيع قواه دون تدخل من الد ْ‬
‫تعتمد على ااخذ مببدأ البقاء لألصلح‪.‬‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة‪ ،‬ص(‪.)215-213‬‬
‫أنظا‪ :‬غايل‪ ،‬د‪ .‬بطا بطا وعيسى‪،‬د‪ .‬حممود خرير‪ :‬مبادئ العلوو ِّ َ‬
‫‪ -5‬إن التفاوت يف املّل ّ‬
‫ْليَّة والثااء ب ني الن ا ‪ ،‬ي دفع الفق ااء م نهم إىل ب ذل اجله د ىت يلون وا‬
‫مثل ااثاايء‪ ،‬فهو يشحذ مهمهم من أجل التفوق‪.‬‬
‫‪ -6‬افز ال ابح واملص لحة الشخص ية‪ ،‬واملنفع ة الذاتي ة ه اام ور احملاك ة للنش اط اةقتص ادر‬
‫والباعث له‪.‬‬
‫‪ -7‬مب دأ املنافس ة ب ني الن ا مب دأ مش او ‪ ،‬فل ل إنس ان يس عى للحص ول عل ى أك رب ق در م ن‬
‫املنفعة‪ ،‬أبقل قدر من اجلهد‪ ،‬وجذا تتحقق املصلحة العامة‪.‬‬
‫الد ْولَة يف النشاط اةقتصادر‪ ،‬ىت يتنافس فيه اافااد دون قيد‪ِّّ ،‬‬
‫‪ -8‬عدو تدخل َّ‬
‫فاحلايَّة مت وافاة‬
‫هل م يف اإلنت اج واةس تهالك َّ‬
‫والد ْولَ ة ه املس ؤولة ع ن محايته ا اهن ا وس يلة لتحقي ق املص لحة‬
‫العام ة‪ ،‬وتنمي ة اإلنت اج والث اوة العام ة‪ ،‬وه التعب ري اللام ل ع ن اللاام ة اإلنس انية و ق‬
‫اإلنسان يف احلياة‪.‬‬
‫وقد انتشات هذه اافلار خالل الق ان الث امن عش ا ب ني رج ال اةقتص اد وك ان م ن أوائ ل‬
‫من اندى جا آدو مسيث (‪ )1‬يف إنلل رتا ‪ ،‬وج ان ج اك روس و وج ون ل وك(‪ )2‬وف ولتري(‪ )3‬وغ ريهم مم ن‬
‫(‪)1‬آدو مسي ث‪1790-1723( ،‬و) فيلس وف م ن اس لتلندا‪ ،‬يعت رب م ن مؤسس امل ذهب الف ادر احل ا‪َ ،‬د َر َ‬
‫الفلسفة جبامعة جالسلو مث َد َّر َ فيها الفلسفة ااخالقية‪ ،‬كان مش هوراً ابلش اود وق د تع ود أه ل بلدت ه أن ي اوه‬
‫دائم اً يف من اظا كتلف ة ت نم ع ن ش اوده وت ادده‪ ،‬ل ه مص نفات منه ا نظاي ة املش اعا ااخالقي ة وث اوة اام م ال ذر‬
‫النق اد وه و أدم ون ب اك بقول ه ‪« :‬يع د م ن ي ث نتائج ه النهائي ة أعظ م مؤل ف خط ه قل م إنس ان»‪.‬‬
‫وص فه أ د ِّ‬
‫اإلسالميَّة اللربى‪ ،‬ص(‪ .)65‬واجلهين‪ :‬املوسوعة املُيساة‪.)921/2( ،‬‬
‫انظا‪ :‬سول‪ ،‬جورج‪ :‬املذاهب ْ‬
‫احلا (الطبيع ) يف النصف الثا من القان الثامن‬
‫(‪ )2‬جون لوك‪1704-1632( ،‬و) من أشها دعاة املذهب ِّ‬
‫عشا يف فانسا يث ظها الطبيعيون‪ .‬وقد صاغ لوك النظاية الطبيعية احلاة‪ ،‬يث يقول عن املّل ّ‬
‫ْليَّة الفادية ‪« :‬‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫ٍّ‬
‫وهذه املّل ّ‬
‫ْليَّة مق من قوق الطبيعة وغايزة تنش أ م ع نش أة اإلنس ان‪ ،‬فل يس ا د أن يُع ارض ه ذه الغاي زة »‪.‬‬
‫انظا‪ :‬اجلهين املوسوعة املُيساة‪.)921/2( ،‬‬
‫(‪)3‬فولتري‪ ،‬فاانسوا م ارر أروار‪1778-1694( ،‬و) ول د يف ابري س‪ ،‬مؤل ف فانس م ن نواب غ امان ه‪ ،‬أق او يف‬
‫باوسيا وسويساا‪ ،‬تزعم اكة الفلسفة املادية وقاوو رجال السلطة الدينية واملَ َدنيَّة ونقدهم بقلمه الالذ ‪ ،‬كتب يف‬
‫الشعا والتاريخ واملسال واملااسلة والفلسفة وأجاد يف أكثاها‪ .‬م ن مؤلفات ه ‪ :‬احمل اورات الفلس فية‪ ،‬كن در‪ ،‬ائ ري ‪،‬‬
‫حممد ‪ ،‬شارل ‪.12‬‬
‫أنظا‪ :‬فادينان‪ ،‬املنجد يف ااعالو‪ ،‬ص(‪.)534‬‬
‫‪ -‬والنبهان‪ ،‬حممد فاروق‪ :‬اةجتاه اجلماع يف التشايع اةقتصادر اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)59‬‬
‫أرسوا دعائم املذهب الفادر الذر تشللت هلم مذاهب فلسفية تقد‬
‫اية اإلنس ان الف اد ىت‬
‫أص بحت ه القاع دة الس ائدة يف ك ل أم ور احلي اة وظه ا ه ذا املب دأ يف مجل ة أص بحت ت دل علي ه‬
‫ه « دعه يعمل دعه ميا »‪.‬‬
‫وبع د س يطاة ه ذا اةجت اه الف ادر عل ى ّ‬
‫الف ْل ا اةقتص ادر يف أورواب خ الل الق ان الث امن‬
‫عشا ا تاج الاأمساليون لدعم السلطات احلاكمة يف محاية مصانعهم وأتيي د ا تل اراهتم بع د اتس ا‬
‫الص ناعات اآللي ة ف اجتهوا لنص اة لوم اهتم أو نص اة رج ال ي دفعون ج م إىل س ِّدة احلل م لين الوا‬
‫منهم احلماية والتأييد ورمبا أدخلوهم شاكاء معهم يف مص انعهم لتل ون املص لحة بي نهم مش رتكة‪ ،‬مم ا‬
‫أدى إىل م نح ص ال يات واس عة للمللي ة الفادي ة وتل ايس اإلقطاعي ات واة تل ارات اللب رية‬
‫فأدى ذلك إىل ظهور الفاوق اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة الواسعة ب ني الطبق ات‪ ،‬وإىل اس تغالل أص حان املش اريع‬
‫ْ َ‬
‫ال خمة والص ناعات الل ربى للمالي ني م ن العم ال يس تغلوهنم دون أن يوف وهم أج ورهم ابلع دل‪،‬‬
‫واحناات احللومات حلماية الاأمساليني ومتلينهم من استغالل العمال‪ ،‬ومساعدهتم عل ى ا تل اراهتم‬
‫واس تغالل املس تهللني بغ ري ق‪ .‬وك ان ذل ك م ن أس بان ش حن اجلم اهري اللث رية ابلنقم ة م ن‬
‫الاأمس اليني وم ن الس لطات احلاكم ة املنح ااة هل م ابس م ِّّ‬
‫احلايَّ ة الفادي ة يف النش اط اةقتص ادر‪.‬‬
‫الاأْ ُمساليَّ ة وإس اافها يف اس تغالهلا‬
‫وظه ات نُ ُذر الص اا الطبق م ن جدي د م ع س يادة التطبيق ات َّ‬
‫وا تلاراهت ا ال كان ت حتم ل يف نفس ها ب ذور ال دمار والفن اء هل ذا النِّّظَ او الف ادر ال ذر انلش ف‬
‫عواره وجتلى فساده جلميع البلدان ال كانت حتت نفوذ الغَ ْان‪.‬‬
‫وحت ت ض غط املطال ب الش عبية واحلاك ات اجلماعي ة ال‬
‫أتث ات بدعاي ة اةش رتاكيني يف‬
‫روسيا‪ ،‬انبثقت دعوات إصال ية معتدلة‪ ،‬خالل النص ف ااول م ن الق ان التاس ع عش ا م ن بع ض‬
‫أنصار املذهب أمث ال ج ون س تيوارت مي ل(‪ )1873-1806( )1‬وغ ريه ممِّن ي اون إمل ان إص الل‬
‫الاأْ ُمساليَّة القائمة وختفيف و أهت ا‪ ،‬والعم ل عل ى اس تبعاد ااس بان ال ت ؤدر إىل ظل م بق ة‬
‫النظم َّ‬
‫العم ال واس تغالهلم بغ ري ق‪ ،‬وإجي اد تنظيم ات جزئي ة حتق ق الق در ال الاو م ن العدالَ ة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة‪،‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫حنو‪:‬‬
‫رواد املذهب اللالسيل ويُعد لقة اتصال بني املذهب‬
‫( ‪ )1‬جون ستيوارت ميل (‪ ،)1873-1806‬من ِّ‬
‫الفادر واملذهب اةشرتاك ‪،‬نشا سنة (‪ )1836‬كتاابً أمساه مبادئ اةقتصاد السياس ‪ .‬انظا‪ :‬اجلهين‪ :‬املوسوعة‬
‫املُيساة‪.)921/2( ،‬‬
‫‪ -1‬إلغ اء العم ل امل أجور ان العم ل امل أجور س وف يبق العام ل يف س وية م ن الع يش منخف ة ة‬
‫تسم ح ل ه ب أن ياف ع م ن مست واه املعيش ول ذلك اقت ال إنش اء مجعي ات تعاوني ة إنتاجي ة‬
‫يشرتك فيها العمال مع بع هم البعض يف العمل ويقتسمون الابح فيما بينه م‪.‬‬
‫إض افة إىل تنظ يم ق وق العم ال يف ااج ور العادل ة ويف حتدي د س اعات العم ل ويف الت أمني‬
‫الصح ويف أتمني العجز والشيخوخة والعيش بعد سن التقاعد كالتعليم اجملا العاو‪.‬‬
‫‪ -2‬مص ادرة الاي ع العق ارر‪ :‬ان س بب وج ود ه ذا الاي ع ه و تزاي د الس لان‪ ،‬وه ذا الاي ع س وف‬
‫ي زداد كلم ا ااداد ع دد الس لان‪ ،‬ونظ ااً ان س ببه اجملتم ع ل ذلك وج ب أن يع ود إىل اجملتم ع‬
‫اثنية‪ ،‬ان املالك أيخذون صة ااسد من اإلنتاج دون أن يلون هلم جه د معق ول س وى أهن م‬
‫م اللون‪ ،‬واق رتل ل ذلك أن تف اض َّ‬
‫الد ْولَ ة ض اائب كب رية عل ى اام الك ىت مت تص الاي ع م ن‬
‫أيدر املالك‪.‬‬
‫ص ّح ْيحة إة أن تتحق ق‬
‫‪ -3‬حتدي د ق الوراث ة‪ :‬ي ث أن املزامح ة ب ني املنتج ني ة ميل ن أن تل ون َ‬
‫املساواة بني املتزامحني من يث اإلملانيات املادي ة‪ ،‬ول ذلك اق رتل حتدي د ق اإلرث ىت ة‬
‫الص ّح ْيحة للمنافس ة‬
‫ي ؤدر ذل ك إىل تف اوت يف اإلمل اانت املادي ة‪ ،‬وعندئ ذ تت وافا الش اوط َ‬
‫احلاة‪.‬‬
‫وه ذه اآلراء ة تع ين اخل اوج ع ن امل ذهب احل ا فق د بق املفل اون يتمس لون ابملب ادئ‬
‫َساس يَّة إة أن ه ذه اةنتق ادات ق د ه دت م ن كي ان ه ذا امل ذهب وأض عفته أم او‬
‫َّ‬
‫الاأْ ُمساليَّ ة اا َ‬
‫اهلجمات املتوالية ال شنِّها دعاة ّ‬
‫الف ْلا اةشرتاك (‪.)1‬‬
‫ومن خالل ما سبق يتبني لنا أن ّ‬
‫الف ْلا الاأمسايل يتمثل ضمن اإل ار الفلس ف التنظيم يف‬
‫اجتاهني اثنني أملتها ظاوف وأوضا سياسية واقتصادية خاصة‪.‬‬
‫ااول‪ :‬ه و ولي د اك ة التن ويا ال ظه ات يف أورواب الغَ ْابيِّ ة والوس طى عل ى أث ا اافل ار الفلس فية‬
‫ال انتش ات بع د الث ورة الفانس ية‪ ،‬ال ذر ياك ز عل ى اي ة ااف ااد و ق وقهم الطبيعي ة ال كان ت‬
‫مسلوبة يف ظل اللنيسة واستبداد احللاو الذين ُيلمون النا ابسم احلق اإلهل ‪.‬‬
‫( ‪ )1‬سول‪ ،‬جورج ‪ :‬املذاهب اةقتصادية اللربى‪ ،‬ص(‪ .)134-127‬وانظا‪ :‬النبهان‪ ،‬د‪ .‬حممد فاروق ‪،‬‬
‫اةجتاه اجلماع يف التشايع اةقتصادر اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)63‬‬
‫الثا ‪ :‬كان ظه وره نتيج ة لألض اار ال حلق ت ابلعدي د م ن الطبق ات اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة م ن ج ِّااء إ الق‬
‫ْ َ‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫ِّّ‬
‫اس يَّة واةقتص ادية‪ .‬مم ا دى ابلعدي د م ن املَُف ِّّل اين الاأمس اليني ابلعم ل عل ى‬
‫احلايَّ ة الفادي ة ِّ َ‬
‫إدخال تعديالت وتاقيعات اشرتاكية على ّ‬
‫الف ْلا الاأمسايل‪.‬‬
‫الاأْ ُمساليَّ ة يف اجملتم ع وه أ ل او ظ اها فيه ا‬
‫« يااد منها التخفيف من احليف الفظيع الذر توجده َّ‬
‫الرتقيع»(‪.)1‬‬
‫وما داو ااما ابلنسبة للفلا الاأمسايل على هذا النحو‪ ،‬فإن للل اجتاه مفهوم ه املتمي ز ع ن‬
‫العدل والعدالَة ضمن إ اره ّ‬
‫الف ْلار اخلاص‪.‬‬
‫َ‬
‫ف دعاة ِّّ‬
‫العدالَ ة تتمث ل يف « اس تيالء ااف ااد عل ى مث ار‬
‫احلايَّ ة الفادي ة املطلق ة ي اون أن َ‬
‫جهدهم دون تدخل من أ د ‪ -‬للحد من ِّّ‬
‫احلايَّة اةقتص ادية ‪ -‬مهم ا تات ب عل ى ذل ك م ن تف اوت‬
‫ومتايز يف امللك والعمل تبعاً للتمايز الطبيع يف القدرات والطاقات الفادية‪ ،‬اتركني للاول التنافس ية‬
‫ال حت دثها املن افع الشخص ية‪ ،‬أن تس ري احلي اة اةقتص ادية ك يص ل اجملتم ع م ن ج ااء ذل ك إىل‬
‫التواان العاو بني أفااده و بقاته‪.‬‬
‫وعل ى أس ا ه ذه النظ اة‪ ،‬ف إن الف اد ه و حم ور الق انون وغايت ه‪ ،‬ويف متل ني الف اد تنمي ة‬
‫مواهب ه ومللات ه وف ق إرادت ه وميول ه الشخص ية وقدرات ه العقلي ة تق دو اجملتم ع وااده اره ان تق دو‬
‫اجملتم ع م اتبط بتق دو أف ااده‪ ،‬ف إذا تق دو الف اد تق دو اجملتم ع‪ ،‬ول ذلك ف إن م ن واج ب الق انون‬
‫َّ‬
‫والد ْولَةهو متلني الفاد وتقويته وصيانة ايته ال يايدها‪.‬‬
‫احلايَّة املطلقة يف إبااا دور ِّّ‬
‫هلذا دأن دعاة ِّّ‬
‫العدالَة ‪.‬‬
‫احلايَّة يف إجياد التواان اةجتماع وحتقيق َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ّ ّ‬
‫العدالَة أبن‬
‫يقول سبنسا ‪ ... « :‬فأما امللْليَّة اخلاصة فإهنا تستمد أص وهلا م ن ق انون َ‬
‫(‪)3‬‬
‫يتساوى النا يف اة تفاظ بثماة اقتصادهم وتوفريهم »‬
‫ّ‬
‫ياسة اةقتصادية املثلى‪ ،‬ص(‪.)34‬‬
‫الس َ‬
‫( ‪ )1‬املالل ‪ ،‬عبد الامحن‪ِّ :‬‬
‫( ‪ )2‬هابات سبنسا ‪ ،‬الفيلسوف اإلنلليزر ُولد سنة (‪1820‬و) مال يف شبابه إىل العلوو الطبيعية واملسائل‬
‫السياسية‪ ،‬كان موظفاً يف اخلط احلديد بلندن‪ ،‬مثِّ شغل وظيفة سلاتري التحايا يف جايدة (اإليلو نوميست )‪ ،‬من‬
‫سنة (‪1853-1848‬و)‪.‬‬
‫( ‪ )3‬ديورانت‪ ،‬ول ‪ :‬قصة احلَ َ َارة ‪( ،‬الفلسفة) ‪ ،‬تامجة فتح هللا املشعع‪.)492-491/2( ،‬‬
‫العدالَ ة حتل م بق انون املنفع ة‪ ،‬منفع ة املن تج ومنفع ة املس تهلك‬
‫ويق ول آدو مسي ث‪ « :‬إن َ‬
‫تتطابقان إذا امتنعت احللومة عن التدخل‪ ،‬وأفسحت اجملال ُ ِّااً بيعياً ‪.)1( »..‬‬
‫العدالَة تتحق ق م ن ج ااء ت دخل َّ‬
‫الد ْولَة‬
‫وأما دعاة الت دخل والتوجي ه اةقتص ادر ف ريون أن َ‬
‫للح د م ن ِّّ‬
‫احلايَّ ة اةقتص ادية ال تعتم د عل ى الق انون الطبيع وذل ك بتواي ع الث اوة يف اجملتم ع‬
‫وتقسيمها تقسيماً عادةً ُيقق الافاهية جلميع النا ‪.‬‬
‫« وأص بحت َّ‬
‫الد ْولَةتت دخل يف توجي ه اةقتص اد احل ا توجيه اً اجتماعي اً ن تج عن د تع ديل ب ني العم ال‬
‫وأرابن العمل‪ ...‬ومن هنا كان ظهور العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة »(‪. )2‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫« وحت ت أتث ري ّ‬
‫الف ْل ا اةش رتاك وم ذاهب الت دخل أخ عت َّ‬
‫الد ْولَ ة املعاص اة احل اايت اةقتص ادية‬
‫لتنظيم دقيق وقيود عديدة حتقيقاً ملبادئ العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة »(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫من هذا كله يتبني لنا أن العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة يف ّ‬
‫الف ْلا الاأمس ايل احل ديث ة ت دل عل ى نظ او‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫اقتصادر كاة ْشّرتاكّيَّة أو فلا فلسف خاص‪ ،‬وإمنا ه كلم ة اص طال ية وض عت م ن قب ل فالس فة‬
‫ّ‬
‫الف ْلا الاأمسايل للدةلة عل ى ت دخل َّ‬
‫الد ْولَة ع ن اي ق التش ايعات وال نظم لتخفي ف املفاس د واملظ امل‬
‫ال نتجت عن ِّّ‬
‫احلايَّة الفادية املطلقة فه أ لاو معينة يااد جا التخفيف من احليف الفظي ع ال ذر‬
‫الاأْ ُمساليَّة يف اجملتمع وه أ لاو ظاهاها الرتقيع‪.‬‬
‫أوجدته َّ‬
‫يقول الدكتور جعفا عبد السالو ‪ «:‬جاء املفل اون الاأمس اليون بفل اة العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫ال عنوا جا إعطاء املزيد من احلقوق للعمال واايدة اةهتم او ج م لص افهم ع ن اافل ار اة ْش ّرتاكّيَّة‬
‫حمافظة على النِّّظَاو الاأمسايل احلا»(‪.)4‬‬
‫يقول الدكتور صليبا‪ « :‬العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة‪ ...‬ه ا رتاو قوق اجملتمع‪ ...‬كتنظ يم العم ل‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫ومنح العمال أجوراً متناسبة مع كفالتهم وتوفري اخلدمات والتأمينات اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة »(‪.)5‬‬
‫ْ َ‬
‫( ‪ )1‬العوا‪ ،‬د‪ .‬عادل‪ :‬املذاهب ااخالقية‪ ،‬عاض وفقد ‪.)496/2( ،‬‬
‫( ‪ )2‬عبد السالو‪ ،‬د‪ .‬جعفا‪ :‬املنظمات الدولية‪ ،‬ص(‪.)259‬‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة‪.)378/1( ،‬‬
‫( ‪ )3‬بدور‪ ،‬د‪ .‬ثاوت‪ :‬النظم ِّ َ‬
‫( ‪ )4‬عبد السالو‪ ،‬د‪ .‬جعفا‪ :‬املنظمات الدولية‪ ،‬ص(‪.)259‬‬
‫( ‪ )5‬صليبا‪ ،‬د‪ .‬مجيل‪ :‬املعجم الفلسف ‪.)60-58/2( ،‬‬
‫وبعد كل ما تقدو نستطيع أن نصيغ تعايفاً للعدال ة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة يف ّ‬
‫الف ْل ا الاأمس ايل احل ديث‬
‫ْ َ‬
‫م ؤداه‪ :‬ه أ ل او معين ة م ن التش ايعات وال نظم ال متل ن َّ‬
‫الد ْولَ ة ق الت دخل لاف ع املس توى‬
‫املعاش لل عفاء واحمل اومني م ن خ الل ف اض ال اائب عل ى ااغني اء أو اس تقطا ج زء م ن أم وال‬
‫امل وظفني لتع ود ب ه َّ‬
‫الد ْولَ ةعلى الفق ااء م ن اجملتم ع عل ى ش لل خ دمات ص حية وتعليمي ة أو عل ى‬
‫ش لل ملاف آت نقدي ة تعوي ية‪ .‬ه ذا إىل جان ب هتيئ ة العم ل وتق دمي بع ض اخل دمات العام ة‬
‫واملس اعدات املالي ة ل بعض الفئ ات العمالي ة مقاب ل اش رتاكات تؤخ ذ م نهم أو مس اعدة الفئ ات‬
‫ال عيفة من املاضى والشيوخ والعا لني عن العمل بغية الوصول إىل مستوى ةئق من العيش‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫االجتِ َما ِعيَّة في ال ِف ْكر‬
‫مفهوم العَدالَة ْ‬
‫االشتراكي‪/‬الديمقراطي‬
‫عن دما انلش ف ع وار النِّّظَاو الاأمس ايل وجتلَّ ت مفاس ده ظه ات فلس فات سياس ية متفق ة يف‬
‫نظاهت ا للحاي ة اةقتص ادية ومتباين ة يف نظاهت ا إىل ايق ة إدارة احلي اة اةقتص ادية‪ ،‬س واء م ن جه ة‬
‫مللية وسائل اإلنتاج أو من جهة توايع الثاوة وقد أ لقت على هذه اافلار اسم اة ْشّرتاكّيَّة‪.‬‬
‫فل ان ظه ور اة ْش ّرتاكّيَّة نتيج ة للظل م ال ذر ع اانه اجملتم ع م ن النِّّظَاو اةقتص ادر الاأمس ايل‬
‫ولألخطاء واملثالب اللثرية ال فيه(‪.)1‬‬
‫( ‪ )1‬لعبت الثورة الفانسية دوراً يف اتريخ ّ‬
‫الف ْلا اةشرتاك اهنا مهدت الطايق لظهور هذه اافلار على ضوء‬
‫الاأْر العاو فلاايً أماو املظامل ال كانت قائمة ينذاك‪.‬‬
‫مب ادئ قوق اإلنسان‪ ،‬فحاضت َ‬
‫الاأْ ُمساليَّ ة القائم ة وختفي ف‬
‫فلان منها دعوات إصال ية معتدلة‪ ،‬تاى إملان إصالل النظم َّ‬
‫و أت ها والعمل على استبعاد ااسبان ال تؤدر إىل ظلم بقة العمال واستغالهلم بغري ق وإجي اد‬
‫تنظيمات جزئية حتقق الق در ال الاو م ن العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة ك نظم ق وق العم ال يف ااج ور العادل ة‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫ويف حتدي د س اعات العم ل ويف الت أمني الص ح ‪ ،‬ويف أتم ني العج ز والش يخوخة والع يش بع د س ن‬
‫التقاعد وغري ذلك‪.‬‬
‫وكان يف ليعة دعاة اة ْشّرتاكّيَّة املثالية(‪ )1‬وتطبيقها بوسائ ل اإلصالل اةجتماع‬
‫اللات ب الفانس س ان س يمون(‪1825-1760()2‬و) فق دو أفل اراً يف تنظ يم اجلماع ة ويف ال دور‬
‫الذر ميلن أن يؤديه الدين املسيح يف تنظيم اجملتمع اةشرتاك ‪.‬‬
‫ومنهم روبات أوين(‪1858-1771( )3‬و) وهو أول م ن أنش أ نظام اً للتع اون ب ني العم ال وم دار‬
‫لتعليم أبنائهم وأول من اول تطبيق اة ْشّرتاكّيَّة بوسائل اإلصالل اةجتماع ‪.‬‬
‫( ‪ )1‬اة ْشّرتاكّيَّة املثالية ه اافلار اة ْشّرتاكّيَّة ال ظهات يف النصف ااول من القان التاسع عشا ال‬
‫شللت يف اةجتاه الفادر احلا‪ ،‬ومتثل بداية تلوين املدرسة اة ْشّرتاكّيَّة ااوىل ال مهدت لظهور اة ْشّرتاكّيَّة‬
‫املاركسية ومن أهم رواد اة ْشّرتاكّيَّة املثالية‪ ،‬سان سيمون (‪1825-1760‬و)‪ ،‬روبات أوين (‪-1717‬‬
‫‪1858‬و)‪ ،‬شارل فورييه (‪1837-1772‬و)‪ ،‬بيري جوايف باودون (‪1865-1809‬و)‪.‬‬
‫أنظا‪ - :‬شقري‪ ،‬د‪ .‬لبيب‪ :‬اتريخ ّ‬
‫الف ْلا اةقتصادر‪ ،‬ص(‪.)139‬‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة‪ ،‬ص(‪.)476‬‬
‫‪ -‬بدور‪ ،‬د‪ .‬ثاوت‪ :‬النظم ِّ َ‬
‫‪ -‬احملجون‪ ،‬د‪ .‬رفعت‪ :‬النظم اةقتصاديِّة‪ ،‬ص(‪.)13‬‬
‫ال أبهن ا‬
‫(‪)2‬س ان س يمون‪ :‬ول د يف ابري س ع او ‪1760‬و وت ويف يف ‪1825‬و‪ ،‬انتق د يف كتب ه املدرس ة الفادي ة وقَ َ‬
‫سبب الفوضى يف اجملتمع‪ ،‬قسم اجملتمع إىل بقتني‪ ،‬منتجة وتشمل رجال الص ناعة والزراع ة والعل م والف ن و بق ة‬
‫َّولَ ةمن لوم ة‬
‫عقيم ة وه م ااش ااف والربجوااي ون وجي ب الق اء عل ى الطبق ة العقيم ة‪ ،‬وي اى تغي ري مفه وو الد ْ‬
‫سياسية إىل لومة اقتصادي ة وقد اقتبست املاركس ية عن ه ه ذا املفه وو‪ .‬م ن مص نفاته املس يحية اجلدي ة‪ ،‬وم ذكاة‬
‫ع ن عل م اإلنس ان ونظ اات ول املّل ّ‬
‫ْليَّ ة والتش ايع وإع ادة تنظ يم اجملتم ع ااورويب‪ .‬أنظ ا ‪ :‬س ول‪ ،‬ج ورج ‪:‬‬
‫املذاهب اةقتصادية اللربى ‪ ،‬ص(‪.)87‬‬
‫(‪ )3‬روبات أوين‪ ،‬ولد يف إنللرتا عاو ‪1771‬و وتويف يف ‪1858‬و من كبار رجال الصناعة يف إنللرتا‪ ،‬أنشأ عدة‬
‫مصان ع لغزل القط ن ووفا لعماله الشاوط املالئمة للعمل فأنشأ هلم املساكن يف نفس املعمل وأقاو وهلا احلدائق‬
‫وخفض ساعات العم ل وااد ااجور‪ ،‬دعا إىل إلغاء الابح بواسطة اةستغناء عن النقد واةستعاض ة عن ه بقس ائم‬
‫عمل وأقاو عدة جممعات تعاوني ة اراعية‪ .‬أنظا‪ :‬سول‪ ،‬جورج‪ :‬املذاهب اةقتصادية اللربى‪ ،‬ص(‪.)92-91‬‬
‫وب دأت احلاك ة اة ْش ّرتاكّيَّة يف إنلل رتا يف أواخ ا الق ان التاس ع عش ا وظه ات اجلمعي ة‬
‫الفابي ة(‪ )1‬اعيم ة اة ْش ّرتاكّيَّة اإلنلليزي ة‪ .‬ويف س نة ‪1893‬و ق او زن العم ال املس تقل ب نهج‬
‫اشرتاك وسار على اخل ط نفس ه ونش ط يف احلق ل السياس واس تطا أن يل ون ل ه ق وة باملاني ة وأن‬
‫يستلم احللم يف بعض اا يان وينفذ بااجمه اة ْشّرتاكّيَّة‪.‬‬
‫الاأْ ُمساليَّ ة‬
‫وك ان منه ا دع وات ثوري ة ة تقب ل التط ور اإلص ال ‪ ،‬ب ل تن ادر ج دو ال نظم َّ‬
‫القائمة هدماً كامالً عن ايق الصاا الطبق والثورة املدماة وإقامة لم العمال والل اد ني بنظ او‬
‫اس تبدادر ص ارو وف اض اة ْش ّرتاكّيَّة املتطاف ة ال تن ز فيه ا املللي ات الفادي ة ة س يما وس ائل‬
‫اإلنت اج لتل ون ملل اً عام اً يف ي د َّ‬
‫الد ْولَةتش اف علي ه وت دياه وجتع ل ك ل الق ادرين والق ادرات عل ى‬
‫العم ل عم اةً حت ت ي دها‪ ،‬مطبق ة عل يهم مجيع اً قاع دة « م ن ك ل س ب اس تطاعته ولل ل حبس ب‬
‫اجت ه» وك ان اع يم ه ذا اةجت اه اليه ودر ك ارل م اركس واإلنللي زر فادري ك إجنل ز(‪ ، )2‬ويف س نة‬
‫‪1448‬و أصدر ماركس وإجنلز بياهنما الشيوع املش هور وانطلق ت بع د ذل ك احلاك ات واملنظم ات‬
‫واا زان الش يوعية والث َّْوري ة ىت اس تطاعت أن تس قط ل م القيص اية الاوس ية وتق يم أول دول ة‬
‫شيوعية يف روسيا عاو ‪.1917‬‬
‫( ‪ )1‬الفابي ة‪ ،‬اك ة اجتماعي ة سياس ية تبن ت اإلص الل الت درجي الس لم مبف اهيم اش رتاكية‪ ،‬دع ت إليه ا مجعي ة‬
‫أتسس ت ع او ‪1883‬و يف لن دن وم ن مبادئه ا إع ادة بن اء اجملتم ع عل ى أس س أخالقي ة وه‬
‫اك ة غ ري ثوري ة‬
‫اختارت لنفسها اسم الفابية نسبة إىل القائد الاوما فابيو امللقب ابملتزن ان أصوله احلابية كانت تعتمد على‬
‫جتنب املواجهة مع العدو‪ ،‬واعتماد الصرب ىت حتني الفاصة املناس بة لتوجي ه ال ابة القاض ية‪ ،‬وق د أول ت الفابي ة‬
‫اهتمام اً خاص اً لألم ور التطبيقي ة العملي ة كإقام ة نظ او ماك زر يف اإلدارة‪ ،‬والت أميم لوس ائل اإلنت اج الل ربى‪،‬‬
‫ّ‬
‫ياس ة اإلس لانية واملعماري ة وك ان هل ا دوره ا‬
‫والس َ‬
‫وال مان اةجتماع والتخبط اةقتص ادر وتنظ يم للمس تهللني ِّ‬
‫البارا يف أتسيس زن العمال الربيطا عاو (‪1906‬و) الذر ة ختتلف أهدافه عن ااه داف الفابي ة وم ن أب اا‬
‫وسيِّّدانر و ابتزيس و يب وكوبا هاردر‬
‫الذين سامهوا بتأسيس احلاكة الفابية جورج باانرد شو َ‬
‫أنظا‪ :‬كول‪ ،‬مارجايت‪ :‬اة ْشّرتاكّيَّة الفابية‪ ،‬تامجة حممد عب د ال اااق مه در‪ ،‬ص(‪ .)27‬وأنظ ا‪ :‬ك ول ‪ ،‬مارجاي ت‬
‫وكاومسال وغريه م َقاةت يف اة ْشّرتاكّيَّة الفابية تامج ة إب ااهيم لطف عم ا‪ .‬وأنظ ا‪ :‬م اكنزر‪ ،‬نورم ان‪ :‬م وجز اتري خ‬
‫اة ْشّرتاكّيَّة ‪ ،‬تامجة أمحد عبد الا يم مصطفى‪ ،‬ص(‪.)123‬‬
‫( ‪ )2‬فادريك إجنلز (‪ )1895-1820‬صديق كارل ماركس احلميم‪ ،‬ساعده يف نشا الشيوعية املذهب ّ‬
‫الف ْلار‬
‫ِّ‬
‫وظل ينفق على مارك وعائلته ىت مات‪ .‬ومن مؤلفاته ‪( :‬أصل ااساة‪ ،‬الثنائية يف الطبيعة اة ْشّرتاكّيَّة‬
‫اإلحلادر ِّ‬
‫اخلاافية واة ْشّرتاكّيَّة العلميِّة‪ .‬انظا اجلهين‪ :‬املوسوعة امليساة‪.)929/2( ،‬‬
‫يقول الدكتور عبد الوا د وايف ‪ « :‬ومع أن املدار اة ْش ّرتاكّيَّة ختتل ف ول إص الل نظ او املّل ّ‬
‫ْليَّ ة‬
‫الفادية‪ ...‬غري أن التعديالت املقرت ة على نظاو املّل ّ‬
‫ْليَّة الفادية تاجع إىل ائفتني‪:‬‬
‫‪ -1‬قص ا املّل ّ‬
‫ْليَّ ة الفادي ة عل ى بع ض اام ور وأتم يم بع ها اآلخ ا‪ ،‬أر جعل ه ملل اً مش اعاً‬
‫للجميع أو وصفه حتت إشااف الدولة‪.‬‬
‫‪ -2‬تعديل يف قوق املّل ّ‬
‫ْليَّة املفصلة حباية تصاف املالك يف ملله ويل ون ابحل د م ن مب دأ اي ة‬
‫التصاف على الوجه الذر يقت يه الصاحل العاو‪.)1(» ...‬‬
‫وم ن ه ذه ااق وال الدال ة يتب ني أن ّ‬
‫الف ْل ا اةش رتاك يتمث ل يف منط ني فل ايني متم ايزين‪ :‬من ط‬
‫يتصل ّ‬
‫ابلف ْل ا الاأمس ايل ع ِّرب عن ه ول يم جااه او س افا بقول ه‪ « :‬اة ْش ّرتاكّيَّة ه أي ة خط ة أو م ذهب‬
‫يس تهدف إنق اذ الف اد م ن أي ة مص اعب أو متاع ب يلقاه ا يف ن اله م ن أج ل البق اء ويف تنافس ه يف‬
‫معرتك احلياة وذلك عن اي ق ت دخل َّ‬
‫الد ْولَة»(‪ . )2‬كم ا ع ِّرب عن ه ج يمس ب وانر بقول ه‪ « :‬اة ْش ّرتاكّيَّة‬
‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة أو النظاية ال تستهدف حتقيق توايع أف ل للث اوة وي ؤدر ذل ك ابل اورة إىل إنت اج‬
‫ه ِّ َ‬
‫أف ل وذلك عن ايق تدخل السلطة ِّّ‬
‫الدميُْقاا ّ يَّة املاكزية »(‪.)3‬‬
‫الف ْلا الاأمسايل وي دعو للث ورة علي ه وه و ّ‬
‫ومنط يناقض ّ‬
‫الف ْل ا املاركس أو اة ْش ّرتاكّيَّة العلمي ة‪،‬‬
‫وقد عاضنا النمط ااول وسنفاد النمط الثا يف مبحث خاص‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫االج ِت َما ِعيَّة فـي ال ِف ْكر الماركسي ‪/‬‬
‫مفهــوم ال َعدالَة ْ‬
‫الشيوعي‬
‫اال ْش ِترا ِكيَّة العلمية‬
‫( ‪ )1‬وايف‪ ،‬د‪ .‬عبد الوا د‪ :‬اةقتصاد السياس وحتقيق مسائله يف ضوء علم اةجتما ‪ ،‬ص(‪.)38-36‬‬
‫وأنظا‪ :‬النبهان‪ ،‬د‪ .‬حممد فاروق‪ :‬اةجتاه اجلماع يف التشايع اةقتصادر اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)71‬‬
‫( ‪ )2‬سويزر‪ ،‬بول اة ْشّرتاكّيَّة ‪ ،‬تامجة د‪ .‬عما ملاور‪ ،‬ص(‪.)16‬‬
‫( ‪ )3‬سويزر‪ ،‬بول اة ْشّرتاكّيَّة ‪ ،‬تامجة د‪ .‬عما ملاور‪ ،‬ص(‪.)16‬‬
‫م ن الب ديهيات للث ري م ن الب ا ثني املعاص اين أن املش اريع اة ْش ّرتاكّيَّة ال‬
‫ا ه ا ونف ذ‬
‫بع ها شد من اةشرتاكيني يف فانس ا وإنلل رتا وغريه ا م ن بل دان أورواب ‪ ،‬كان ت احمل اوةت اجل ادة‬
‫ااوىل حل ل املش للة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة إة أن ه س اعان م ا غ ت عليه ا الطاو ات اخليالي ة ب دةً م ن‬
‫ْ َ‬
‫التصميم الواقع واحللول الوس طية وب دةً م ن التغي ري اجل ذرر‪ ،‬ومل تس تو ه ذه املعاجل ات اة ْش ّرتاكّيَّة‬
‫(‪)1‬‬
‫على سوقها وتتبلور وأتخذ نسقها العلم – كما ياى كثري من الدارسني ‪ -‬إة عل ى ي د م اركس‬
‫ورفيقه إجنلز اللذين ا ا يف مؤلفاهتما وخباصة املنشور الشيوع ااول وكتان رأ امل ال التص ميم‬
‫النه ائ للمس ألة اةجتّم ّ‬
‫أن نت ائج دراس تهما ه جه ٌد عقل خ الص وق د أمس وه‪:‬‬
‫اعيَّ ة‪ُ ،‬م ِّدعني ِّ‬
‫ْ َ‬
‫اة ْش ّرتاكّيَّة العلمي ة متيي زاً هل ا ع ن س ائا اةش رتاكيات‪ ،‬كم ا أهن ا اكتش اف علم م ن ق ائق احلاك ة‬
‫تب ديل دورر يف وس ائل اةنت اج‪،‬‬
‫التارخيي ة و تمياهت ا اجلدلي ة ( الدايللتيلي ة ) تل ك ال تق‬
‫يوج د ظاوف اً انتاجي ة معين ة تل ون مبثاب ة قاع دة حتتي ة ش املة تت أثا ج ا وتنفع ل س ائا الفاعلي ات‬
‫احل ارية‪ ،‬و تمت تناق ات احلاك ة التارخيي ة اوال الظ اوف اإلنتاجي ة للاأمسالي ة‪ ،‬وس ائا مؤسس اهتا‬
‫احل ارية‪ ،‬وقياو لم الطبقة العاملة يث تلغ قوق املّل ّ‬
‫ْليَّة أساساً َ ‪ ،‬فه يف نظ اهم أس ا‬
‫ك ل الش اور ومم ا جي ب الق اء علي ه وإ الل املّل ّ‬
‫ْليَّ ة العام ة م ن خ الل قي او َّ‬
‫الد ْولَ ةأو الطبق ة‬
‫احلاكم ة نياب ة ع ن اجملتم ع‪ ،‬إبدارة واس تثمار وتواي ع اام وال العام ة أبك رب ق در م ن التس اور ب ني‬
‫اجلمي ع وج ذا ي تم الق اء بنظ اهم عل ى الطبقي ة واملّل ّ‬
‫ْليَّ ة والتم ايز الف ادر واةجتم اع ‪ ،‬وحتقي ق‬
‫املس اواة احلس ابية ب ني البش ا وحتوي ل العم ل إىل غاي ة للحي اة وحتقي ق اجلماع ة اللامل ة يف احلي اة‬
‫اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة ( يف املّل ّ‬
‫ْليَّة والنساء واملأكل وامللبس ‪ ) ...‬ويلون توايع الثاوة حبسب مب دأ احلاج ة‬
‫ْ َ‬
‫( للل سب اجته ) وليس حبسب كمية اجلهد املبذول(‪.)2‬‬
‫( ‪ )1‬كارل‪ ،‬ماركس‪1883-1818( :‬و) فيلسوف الشيوعية البائدة‪ ،‬من أصل يهودر‪ ،‬أملا ‪ ،‬در القانون يف‬
‫جامع ة يين ا‪ ،‬أملاني ا‪ ،‬مث انص اف إىل اةقنتص اد والفلس فة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة‪ ،‬اض هد يف أملاني ا بس بب نش ا ه الثَّ ْورر‪،‬‬
‫ْ َ‬
‫فانتقل إىل ابريس ي ث التق ى أبجنل ز وتع اوان عل ى اص دار الوثيق ة الش يوعية ااوىل ‪ ،‬مثِّ ه اجا إىل إنلل رتا ي ث‬
‫أق او ج ا ىت وفات ه‪ .‬م ن مص نفاته ‪ :‬رأ امل ال ‪ ،‬س نة (‪1867‬و)‪ .‬انظ ا‪ :‬اجله ين‪ ،‬املوس وعة امليس اة‪،‬‬
‫ص(‪.)929/2‬‬
‫وأنظا‪ :‬النبهان‪ ،‬د‪ .‬حممد فاروق‪ :‬اةجتاه اجلماع يف التشايع اةقتصادر اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)71‬‬
‫( ‪ )2‬أنظا‪ - :‬شقري‪ ،‬د‪ .‬لبيب‪ :‬اتريخ ّ‬
‫الف ْلا اةقتصادر ‪ ،‬ص(‪.)141،145،150‬‬
‫وجذا فاملاركس ياى « أن املذاهب اة ْشّرتاكّيَّة ال جاءت قبله تعتمد يف انتص ار أفلاره ا‬
‫عل ى م ا فط ا علي ه اإلنس ان م ن ب ه للع دل وانتص اره للمظل وو‪ ،‬فلان ت ت ع اق اً جدي دة تعتق د‬
‫ابإلملان تطبيقها على اجملتمع وتتقدو جا إىل احللاو واملتمولني والطبقة املتنورة حتثهم على تنفي ذها‪،‬‬
‫وللن كارل ماركس مل ي مذهبه على ذلك‪ ،‬ومل يسلك الطاق ال س للوها‪ ،‬فق د ب ىن مذهب ه عل ى‬
‫أسا مبدأ فلسف يع اف ابملادي ة التارخيي ة‪ ...‬ورأى أن قي او النِّّظَاو اجلدي د يف اجملتم ع س يتم مبج اد‬
‫عمل القوانني اةقتصادية ومبقت ى قانون التطور يف اجملتم ع من غري تدخل إدارة متش ِّّا أو مص لح‬
‫»(‪.)1‬‬
‫وعلي ه ف إن فالس فة اة ْش ّرتاكّيَّة املاركس ية‪ ،‬ك انوا يبتع دون ع ن املف اهيم التجايدي ة املطلق ة‬
‫معتربين أن املفاهيم‪ ،‬تتغري تبعاً لتغري العالقات اةقتصادية القائمة‪ ،‬هذا ف الً ع ن ك وهنم ة يؤمن ون‬
‫ابلتدخل والتوجيه والرتشيد م ن قب ل َّ‬
‫الد ْولَةوة يؤمن ون ابلرتقي ات اإلص ال ية وق د ورد م ا يؤي د ه ذا‬
‫يف املوسوعة السوفيتية‪:‬‬
‫العدالَة والظلم يتغريان من عه د آلخ ا تبع اً للتغ ريات ال تط اأ عل ى‬
‫« فاحلقيقة أن هذين املفهومني َ‬
‫العالقات اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة‪ ..‬وقد أوضحت املاركسية مفهوو الع دل وقاس ته يف عالقت ه ابحلاج ات احليوي ة‬
‫ْ َ‬
‫للتطور اةجتماع الطبيع ‪ ،‬وت ابط ااخ الق املاركس ية ب ني مفه وو الع دل وفل اة حتاي ا اجملتم ع م ن‬
‫اةس تغالل‪ ،‬واة ْش ّرتاكّيَّة و دها ه ال ختل ق عالق ات عادل ة أص يلة م ن املس اواة‪ ،‬ويبل غ الع دل‬
‫ذروته يف اجملتمع الشيوع الذر ختتف فيه كل آاثر الفاوق اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة اةقتصادية »(‪.)2‬‬
‫ْ َ‬
‫فاملاركس ية كنتيج ة ملنطلقه ا امل ادر الص اف حتص ا م دى الع دل يف تنفي ذ مطال ب اإلنس ان‬
‫املادية فحسب وتغفل‪ ،‬بل تق ف – اص اً منه ا عل ى تنفي ذ ومحاي ة مسته ا الطبقيِّ ة ونزعته ا اجلماعي ة‬
‫– مبواجه ة س ائا املطال ب ااخ اى رو ي ة ونفس ية وفلاي ة ووجداني ة واجتماعي ة‪ ،...‬كم ا أهن ا جتع ل‬
‫‪ -‬سول‪ ،‬جورج‪ :‬املذاهب اةقتصادية اللربى‪ ،‬ص(‪.)100،215‬‬
‫ احملجون‪ ،‬د‪ .‬رفعت‪ :‬النظم اةقتصادية‪ ،‬ص(‪.)118،127،148‬‬‫السي ّ‬
‫ّ‬
‫اسيَّة‪ ،‬ص(‪.)481 ،479‬‬
‫ بدور‪ ،‬ثاوت‪ :‬النظم ِّ َ‬‫ امليدا ‪ :‬كواشف وايوف يف املذاهب ّ‬‫الف ْلاية املعاصاة‪ ،‬ص(‪.)600‬‬
‫ النبهان‪ ،‬د‪ .‬حممد فاروق‪ :‬اةجتاه اجلماع يف التشايع اةقتصادر اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)100-83‬‬‫( ‪ )1‬النَّب هاّ ‪ ،‬تق ِّّ‬
‫الدين ‪ :‬النِّّظَاو اةقتصادر يف اإلسالو‪ ،‬ص(‪.)45‬‬
‫َ َ ِّ ِّ‬
‫( ‪ ) 2‬د‪ .‬يودين‪ :‬املوسوعة الفلسفية‪ ،‬تامجة مسري كاو‪ ،‬جلنة من العلماء السوفييت إشااف روانتال‪ ،‬ص(‪.)293‬‬
‫الس يِّّد املطل ق ول يس اإلنس ان‬
‫الطبيعة حباكته ا الداينامي ة اابدي ة القائم ة عل ى جت اوا النقي ني‪ ،‬ه َ‬
‫س وى (منف ذ) غ ري ا وة ماي د ملش يئة ه ذا الس يّد‪ ،‬وأن ه أاي كان ت املا ل ة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة ال مي ار‬
‫َ ِّ‬
‫ْ َ‬
‫الاأْ ُمساليَّ ة‪ ،‬أو اة ْش ّرتاكّيَّة‪ ،‬فإن ه يفع ل‬
‫فيها عالقاته‪ ،‬املا ل ة املش اعية أو ما ل ة ال اق‪ ،‬أو اإلقط ا أو َّ‬
‫ذل ك أبم ا م ن الطبيع ة‪ ،‬ة حم يص ل ه عنه ا أب داً‪ .‬وه ذا املوق ف ميث ل وة ري ب‪ ،‬نزع ة م ن أقس ى‬
‫الن زعات اجلربي ة ال‬
‫ش هدها الت اريخ‪ ،‬تق ف ومس ألة الع دل عل ى ايف نق يض‪ ،‬وإن كان ت‬
‫التحل يالت التربياي ة اجلدلي ة ه ال ت دفع املاركس ية إىل مزي د م ن اإلمي ان بفل اة التق دو والعم ل‬
‫الث َّْورر الدائم لإلساا ابجلدل الطبق احملتوو إىل غايته‪.‬‬
‫العدالَ ة نظ اة نس بية تقتص ا عل ى املس اواة يف‬
‫وم ن خ الل ذل ك جن د املاركس ية تنظ ا إىل َ‬
‫مللية وسائل اإلنتاج وتوايع الثاوة من خ الل إلغ اء املّل ّ‬
‫ْليَّ ة الفادي ة والطبقي ة يف اجملتم ع‪ ،‬ويص ور‬
‫هذا الدكتور عبد امل نعم النم ا أدق تص ويا يف قول ه‪ « :‬إذن املاركس ية تص ورت العدالَة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة‪،‬‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫ة تتحقق إة يف اجملتمع اةشرتاك وذلك إبلغاء املّل ّ‬
‫ْليَّة الفادية وتطبيق نظاو ااجور على قاع دة‬
‫(من كل سب قدرته وللل سب اجته) (‪, ،)1‬إلغاء الطبقية واملناداة ابملساواة »(‪.)2‬‬
‫العدالَ ة‬
‫وقاي ب م ن ه ذا م ا ذك اه ال دكتور عب د ال امحن يس ار « أم ا املاركس ية أو َ‬
‫اةجتّم ّ‬
‫اعيَّة الشيوعية يف اة ْشّرتاكّيَّة‪ ،‬فتتلخص يف العمل على حتقي ق املس اواة التام ة ب ني الع املني يف‬
‫ْ َ‬
‫الدولة‪ ،‬فهم يف جمموعهم ميتللون وسائل اإلنتاج ويستحقون الدخل الذر يتحقق م ن وراء النش اط‬
‫اإلنت اج ب ال تفاق ة » ه ذه ه العدالَ ة املثل ى « العدالَ ة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة يف رأر اة ْش ّرتاكّيَّة املاركس ية‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫»(‪.)3‬‬
‫فأر عدالة هذه ال تقيس اامور مبقيا بق حمدود إذا جاا لنا أن نسم ذل ك ع دةً‪،‬‬
‫وت ع يف غمار هذه النسبية املتغرية والطبقية ال يقة‪ ،‬صيحات املظلومني ومقت ى احلق وق م ن ك ل‬
‫ج نس وفئ ة ول ون؟ وأر عدال ة ه ذه ال تلت زو املب دأ املاكي افلل « الغاي ة ت ربر الواس طة » وتعتم د‬
‫أش د ااس اليب الالأخالقي ة للوص ول إىل أه دافها ويش هد هل ذا م ذاحبهم وجم اارهم يف ص ااعهم‬
‫الالأخالق املاض ؟‬
‫( ‪ )1‬هذه القاعدة تطب ق ف اجملتمع الشيوع كما لة قادمة يف ّ‬
‫الف ْلا املاركس أما يف املا لة اة ْشّرتاكّيَّة اآلنية‬
‫فالقاعدة « من كل سب قدرته وكل سب عمله »‪.‬‬
‫( ‪ )2‬النما‪ ،‬د‪ .‬عبد املنعم‪ :‬إسالو ة شيوعية ‪ ،‬ص(‪.)87-78‬‬
‫( ‪ )3‬أمحد‪ ،‬د‪ .‬عبد الامحن يسار‪ :‬التنمية اةقتصادية يف اإلسالو‪ ،‬ص(‪.)49‬‬
‫وأر عدالة هذه ال تاغم الفاد على أن يتشلل وف ق ال َقال ب اةجتم اع وأن ُيج ا عل ى‬
‫اقات ه واملاانت ه لل ة تتفج ا إة عل ى اي ق الطبق ة احلاكم ة‪ ،‬وأن ينقل ب يف كث ري م ن اا ي ان‬
‫على مسته الذاتية‪ ،‬وتلوينه النفس وبصمات أصابعه‪ ،‬وأشواقه ومطاحمه؟‬
‫العدالَ ة» م و ن حب ث عن د الفالس فة‬
‫وم ن ك ل م ا س بق م ن املبا ث نلح ظ أن كلم ة « َ‬
‫العدالَ ة يف ك ل‬
‫واملفل اين‪ ،‬وتع ين عل ى د ق ول هن ار باجس ون املس اواة والنسب ة والتع ويض « َ‬
‫ااامن ة تث ري يف ال ذهن أفل ار املس اواة والنس بة والتع ويض»(‪ ،)1‬ومل خت اج ع ن ه ذه ال دةةت م ع‬
‫اخ تالف نس يب غ ري أن التغي ريات ّ ّ‬
‫والسي ّ‬
‫ّ‬
‫اس يَّة ال ظه ات يف منتص ف الق ان التاس ع‬
‫ْ‬
‫اةجت َماعيَّ ة ِّ َ‬
‫عش ا أدت إىل ظه ور م ا ع اف ابلعدالَ ة اةجتّم ّ‬
‫اعيَّ ة‪ ،‬وم ن ذل ك احل ني أص بحت كلم ة م ن املف اهيم‬
‫َ‬
‫ْ َ‬
‫الاأْ ُمساليَّ ة احلديث ة ال دخل ت إىل احلق ل املعجم عن د بع ض املَُف ِّّل اين املس لمني‬
‫واملص طلحات َّ‬
‫املعاصرين‪ .‬وهو ما سنتطرق إليه يف الفصل الثاين‪.‬‬
‫( ‪ )1‬باجسون‪ ،‬هنار‪ :‬منبع ااخالق‪ ،‬تعايب الدوريب ‪ ،‬ص(‪.)72-71‬‬