تحميل الملف المرفق

‫العدالة‬
‫في النظام االقتصادي‬
‫في االسالم‬
‫تأليف‬
‫الدكتور ‪ :‬محمد عبد الغني‬
‫‪ ‬الفصل الثالث ‪ :‬العدالة في النظام االقتصادي في اإلسالم‬
‫ تمهيد‬‫ تعريف الملكية لغة وشرعا‬‫ طبيعة الملكية في الشريعة اإلسالمية‬‫المبحث األول‬
‫‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫‪:‬‬
‫العدالة في حق التملك الفردي‬
‫األسباب المترتبة على الجهد الخاص‬
‫‪ -1‬األجرة على العمل المشروع‬
‫‪ -2‬إحياء األراضي الموات‬
‫‪ -3‬استخراج ما في باطن األرض‬
‫‪242‬‬
‫‪243‬‬
‫‪243‬‬
‫‪245‬‬
‫‪252‬‬
‫‪254‬‬
‫‪254‬‬
‫‪259‬‬
‫‪261‬‬
‫‪ -4‬الصيد‬
‫‪ -5‬السّمسرة والداللة‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫الطرق المباحة باألسباب ال ّ‬
‫شرعيّة‬
‫‪ -1‬الزكاة‬
‫‪ -2‬الميراث‬
‫‪ -3‬نظام الكفارات‬
‫المطلب الثالث‪:‬‬
‫األمور المترتبة على إرادة اآلخر‬
‫‪ -1‬الوصية‬
‫‪ -2‬الهبة‬
‫‪ -3‬اإلقطاع‬
‫المبحث الثاني‬
‫‪:‬‬
‫العدالة في منع التملك من األعمال المحظورة‬
‫المطلب األول‬
‫‪:‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫التسعير‬
‫المطلب الثالث‪:‬‬
‫الرشوة‬
‫ّ‬
‫المطلب الرابع‪:‬‬
‫الربـــــــــا‬
‫ّ‬
‫العقود المنهي عنها‬
‫الموضوع‬
‫المبحث الثالث‬
‫‪:‬‬
‫ضمانة الحاجات وتحقيق الرفاه في العيش‬
‫المطلب األول‬
‫‪:‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫التأمينات االجتماعية في الرأسماليّة‬
‫المطلب الثالث‪:‬‬
‫ضمانة اإلسالم للحاجات األساسية بالتشريع‬
‫المطلب الرابع‪:‬‬
‫تحقيق قاعدة الرفاه في المجتمع اإلسالمي‬
‫عدالة توزيع الثروة‬
‫‪ -1‬تعزيز األموال في ك ّل والية‬
‫‪ -2‬تعزيز المرافق العامة‬
‫‪ -3‬توفير فرص العمل لكل مواطن‬
‫‪ -4‬ضمان للعاطلين عن العمل‬
‫‪ -5‬ضمان للمواليد الجدد‬
‫‪ -6‬ضمان لألرامل والعجزة‬
‫‪264‬‬
‫‪266‬‬
‫‪267‬‬
‫‪267‬‬
‫‪272‬‬
‫‪277‬‬
‫‪280‬‬
‫‪280‬‬
‫‪281‬‬
‫‪282‬‬
‫‪285‬‬
‫‪287‬‬
‫‪294‬‬
‫‪299‬‬
‫‪208‬‬
‫الصفحة‬
‫‪313‬‬
‫‪314‬‬
‫‪321‬‬
‫‪324‬‬
‫‪330‬‬
‫‪330‬‬
‫‪331‬‬
‫‪333‬‬
‫‪334‬‬
‫‪335‬‬
‫‪338‬‬
‫‪ -7‬ضمان رواتب الجند وكفالة أسرهم‬
‫‪ -8‬ضمان ألهل الذ ّمة‬
‫‪340‬‬
‫‪341‬‬
‫ويشمل على تمهيد و ثالثة مباحث ‪:‬‬
‫‪ -‬تمهيد‪:‬‬
‫الم ْل ِكيَّـــــــة لغــــــة وشرعــــــــــــا‪.‬‬
‫تعريـــــــــــف ِ‬
‫الم ْل ِكيَّة في ال َّ‬
‫ش ِري َعة اإلسْالميَّة ‪.‬‬
‫طبيعة ِ‬
‫‪ -1‬المبحث األول‬
‫‪ :‬العَدالَة في حق‬
‫الت َّ َم ُّلك‬
‫الفردي‪.‬‬
‫ويشتمل على ثالثة مطالب‪:‬‬
‫‪ -1‬المطلب األول‪ :‬األسباب المترتبة على الجهد الخاص‪:‬‬
‫‪ -1‬األجرة على العمل المشروع‪.‬‬
‫‪ -2‬إحياء األراضي الموات‪.‬‬
‫‪ -3‬استخراج ما في باطن األرض‪.‬‬
‫‪ -4‬الصيد‪.‬‬
‫‪ -5‬السمسرة والداللة‪.‬‬
‫‪ -2‬المطلب الثاني‪ :‬الطرق المباحة باألسباب ال َّ‬
‫ش ْرعية‪:‬‬
‫‪ -1‬الزكاة‪.‬‬
‫‪ -2‬الميراث‪.‬‬
‫‪ -3‬نظام الكفارات‪.‬‬
‫‪ -3‬المطلب الثالث‪ :‬األمور المترتبة على إرادة اآلخر‪:‬‬
‫‪ -1‬الوصية‪.‬‬
‫‪ -2‬الهبة‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلقطاع‪.‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫الم ْل ِكيَّة لغــــــــــــة وشرعـــــا‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريــــــــــــف ِ‬
‫إ ّن الباحث يف معاجم اللغة‪ ،‬جيد أن معىن امللك‪ :‬احتواء الشيء والقدرة على االستبداد به‬
‫والتصرف ابنفراد(‪ ،)1‬وأما يف االصطالح الش َّْرعي فقد تباينت التعريفات له يف ثنااي الكتب الفقهية‪،‬‬
‫والباعـث علـى هذا االختالف هو أن امللك قد أشكل ضبطه على كثري من الفقهاء(‪.)2‬‬
‫فقد عرفه شيخ اإلسالم ابن تَـْي ِميَّة بقوله‪ « :‬امللك هو القدرة الش َّْرعية على التصرف يف الرقبة »(‪.)3‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وعرفه ابن عابدين(‪ )4‬بقوله‪ « :‬امللك ما من شأنه أن يتصرف فيه بوجه االختصـاص »‬
‫وعرفه القرايف(‪ )6‬بقوله ‪ « :‬امللك حكم شرعي مق ّدر يف العني أو املنفعة يقتضي متكني من يضاف إليه‬
‫من انتفاعه ابململوك والعوض عنه من حيث هو كذلك»(‪.)7‬‬
‫السبكي(‪ )8‬بقوله‪ « :‬واملختـار يف تعريفـه أنـه أمـر معنـوي‪ ،‬وإن شئت قلت‪ :‬حكم شرعي‬
‫وعرفه ُّ‬
‫يقدر يف عني أو منفعة يقتضي متكن من ينسب إليه من انتفاعه والعوض عنه من حيث هو كذلك‬
‫»(‪.)9‬‬
‫الدهان أبنه‪ « :‬اختصاص شرعي بعني منتفع هبا »(‪.)10‬‬
‫وعرفه ابن ّ‬
‫ّ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ -1 :‬ابن دريد‪ ،‬مجهرة اللغة (‪ -3 .)170-169/3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب (‪.)492/10‬‬
‫‪ -2‬الفريوزآابدي‪ ،‬القاموس احمليط (‪ -4 .)320/3‬جممع اللغة‪ ،‬املعجم الوسيط (‪.)893/2‬‬
‫(‪ )2‬القرايف‪ ،‬أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن (‪ )684‬الفروق‪.)208/3( ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن تَـْي ِميَّة‪ ،‬القواعد النورانية الفقهية‪ ،‬وانظر ‪ ،‬الفتاوى (‪.)178/29‬‬
‫(‪ )4‬ابن عابدين‪ ،‬حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي‪ ،‬فقيه الداير الشامية وإمام احلَنَ ِفيَّة يف عصره‪ ،‬ولد يف دمشق سـنة ‪1198‬هــ‪،‬‬
‫وتــويف ســنة ‪ 1253‬هــ‪ ،‬مــن كتبــه‪« :‬رد احملتــار علــى الــدر املختــار»‪ ،‬و«العقــود الدريــة يف تنقــيا الفتــاوي احلامديــة»‪ ،‬و «نســمات احســعار علــى شــرح‬
‫املنار» و«الرحيق املختوم يف الفرائض وحواشي على تفسري البيضـاوي» وجمموعـة رسـائل وهـي ‪ 32‬رسـالة وريـري كلـك‪ .‬تـويف يف دمشـق سـنة ‪1252‬هــ‪.‬‬
‫انظر احعالم (‪.)42/6‬‬
‫(‪ )5‬ابن عابدين‪ ،‬حممد أمني حاشية رد احملتار على الدر املختار (حاشية ابن عابدين)‪.)502/4( ،‬‬
‫(‪ )6‬هو شـهاب الـدين أمحـد بـن إدريـس البهفشـي‪ ،‬القـرايف‪ ،‬أحـد احعـالم املشـهورين يف الفقـه املـالكي‪ .‬ولـد سـنة ‪626‬هجريـة‪ ،‬وتـويف سـنة‬
‫املذهب‪ .)236/1( ،‬وهدية العارفني ‪.)99/1( ،‬‬
‫‪ 684‬هجرية‪ ،‬من كتبه‪ :‬الفروق‪ ،‬انظر ‪ :‬الديباج ّ‬
‫(‪ )7‬القرايف‪ ،‬الفروق‪.)209/3( ،‬‬
‫السْب ِك ّي الشَّافِعِي املصري‪ ،‬تويف سنة ‪ 756‬م‪.‬‬
‫تقي ال ِّدين علي بن عبد الكايف ُّ‬
‫(‪ )8‬السبكي‪ ،‬هو شيخ االسالم ّ‬
‫انظر ‪ :‬الدرر الكامنة ‪ ،)134/3(،‬احعالم‪.)302 /4( ،‬‬
‫ِِ‬
‫السبكي‪ :‬احشباه والنظائر ‪ ،‬ص(‪.)57‬‬
‫(‪ )9‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين بن عبد الرمحن‪ :‬احشباه والنظائر يف قواعد وفروع الشَّافعية‪ ،‬ص(‪ .)316‬و ّ‬
‫الدهان‪ ،‬أبو شجاع حممد بن علي‪ :‬تقومي النّظر (خمطوط) ‪ ،‬ص(‪.)111‬‬
‫(‪ )10‬ابن ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وانظر‪ :‬املصلا‪ ،‬د‪ .‬عبد هللا بن عبد العزيز‪ :‬قيود امللْكيَّة اخلاصة ‪ ،‬ص(‪.)30‬‬
‫الش ِر َيعة‪ ،‬قد اختلفت أنظارهم يف املعىن االصطالحي للملك‬
‫مما سبق ككره يتبني أن فقهاء َّ‬
‫أقره الشَّا ِرع ورتب عليه آاثراً ونتائج مالزمة كما‬
‫فمنهم من نظر إليه ابعتباره حقيقة شرعية أو حكماً ّ‬
‫السبكي‪ .‬ومنهم من نظر إليه على أساس ككر موضوعه ومثرته وآاثره كما هو عند ابن‬
‫هو عند القرايف و ُّ‬
‫ِ‬
‫الدهان‪.‬‬
‫تَـْيميَّة‪ .‬ومنهم من نظر إليه ابعتباره عالقة بني املالك واململوك كما هو عند ابن ّ‬
‫السْب ِك ّي‬
‫والذي يظهر يل من هذه التعريفات رجعان ما كهب إليه القرايف الذي أتثر به ُّ‬
‫العتبارات منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أن امللك حكم شرعي مقدر‪ ،‬حنه يتبع احسباب الش َّْرعية‪ ،‬وكل ما يتبعها فهو حكم شرعي مقدر‬
‫وكلك حنه يرجع إىل تعلق إكن الش َّْرع لإلنسان ابالنتفاع هبما استهالكاً ومنفع ًة ومبادلة‪ « :‬وهذا‬
‫اإلكن من أكل الررييف‪ ،‬وسكن الدار كما يتمكن من بيعها‪ .‬فبالنسبة للررييف‪ ،‬احلكم الش َّْرعي‬
‫مقدر ابلعني‪ ،‬وهو اإلكن ابستهالكها وابلنسبة للدار‪ ،‬احلكم الش َّْرعي مقدر ابملنفعة‪ ،‬وهو اإلكن‬
‫بسكناها »(‪.)1‬‬
‫أقر الشَّا ِرع وجوده‪ ،‬وال يرتتب عليه من اآلاثر حينئذ إال ما رتبه‬
‫‪ .2‬إن امللك ال يكون له وجود إال إكا َّ‬
‫الشَّا ِرع عليه‪ ،‬وعلى كلك فإن امللك ليس صفة انشئة عن طبيعة احشياء وكواهتا وال عن اصطالح‬
‫الناس وعرفهم‪ ،‬وال تثبت إال إبثبات الشَّا ِرع هلا‪ ،‬وتقريره حسبابـهـا‪ « .‬وهلذا أكن يف متلك بعض‬
‫احعيان ومنع من متلك بعضها‪ ،‬وأكن يف بعض العقود‪ ،‬ومنع بعضها‪ ،‬فمنع متلك اخلمر واخلنـزير‬
‫للمسلم كما منع متلك مال ِّ‬
‫اإلسالميَّة وأكن يف البيع‬
‫الرَاب‪ ،‬ومال القمار حي واحد من رعية الد َّْولَة ْ‬
‫فأحلّه ومنع ِّ‬
‫الرَاب فعرمه »(‪.)2‬‬
‫ال السبكي‪ :‬فقد أشكلت حقيقة امللك على طوائف من النّظار َّ‬
‫ال منهـم‪ « :‬إنه‬
‫وزل من قَ َ‬
‫‪ .3‬قَ َ ّ‬
‫التصـرف‪ ،‬حن احملجـور عليـه ميلك وال يتصـرف‪ ،‬كمـا أن الويل يتصرف وال ميلك»(‪.)3‬‬
‫وعلى ضوء هذا التعريف املختار ميكن أن يُفهم أ ّن هناك أسباابً مشروعة للتملك وأحواالً‬
‫يدل على‬
‫معينة للتصرف هبذه املِْل ِكيَّة وكيفية معينة لالنتفاع مبا ميلك‪ ،‬وبعبارة أخرى فإنه ّ‬
‫املعىن احلقيقي للملكية‪.‬‬
‫ِ‬
‫تقي ال ِّدين ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)72‬‬
‫(‪ )1‬النَّـبَـ َهاِنّ‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫تقي ال ِّدين ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)73‬‬
‫(‪ )2‬النَّـبَـ َهاِنّ‪ّ ،‬‬
‫(‪ )3‬السيوطي‪ :‬احشباه والنظائر ‪ ،‬ص(‪ .)316‬والسبكي‪ :‬احشباه والنظائر‪ ،‬ص(‪.)57‬‬
‫اإلسالميَّة (‪.)141/1‬‬
‫وانظر العبادي‪ ،‬د‪ .‬عبد السالم داود ‪ :‬املِلْ ِكيَّة اخلاصة يف َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫الم ْل ِكيَّة في ال َّ‬
‫ش ِري َعة اإل ْسالميَّة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬طبيعــــــة ِ‬
‫يقرر اإلسالم حق املِْل ِكيَّة الفردية للمال تلبية لغريزة الت ََّملُّك املركوزة يف فطرة اإلنسان‪ ،‬فمن‬
‫فطرة اإلنسان أن يندفع إلشباع حاجاته‪ ،‬ولذلك كان من فطرته أن حيوز املال إلشباع هذه احلاجات‪،‬‬
‫ومن فطرته أن يسعى هلذه احليازة‪ ،‬حن إشباع اإلنسان جلوعاته أمر حتمي‪ ،‬ومن هنا كانت حيازة‬
‫اإلنسان للثروة فوق كوهنا أمراً فطرايً هي أمر حتمي ال ب ّد منه‪ .‬إال أن هذه احليازة ال جيوز أن ترتك‬
‫لإلنسان يناهلا ويسعى هلا ويتصرف هبا كما شاء حن هذا يؤدي إىل الفوضى من ريلوائها ويهدئ من‬
‫اندفاعها‪ ،‬فمثل هذه الغريزة وأخواهتا مندفعة بطبعها‪ ،‬ال تكاد تقف عند ح ّد‪ ،‬لذلك كان ال ب ّد من أن‬
‫َساسيَّة‬
‫يكون متكني النّاس من حيازة الثروة ومن السعي هلا سائراً على وجه يضمن إشباع احلاجات اح َ‬
‫جلميع الناس على تفاوت قواهم وحاجاهتم‪.‬‬
‫ِِ‬
‫العدالَة بني اجلهد واجلزاء‪ ،‬فوق مسايرته للفطرة واتفاقه مع‬
‫« وتقرير حق امل ْلكيَّة الفردية حيقق َ‬
‫امليول احصيلة يف النفس البشرية‪ ،‬تلك امليول اليت حيسب اإلسالم حساهبا يف إقامة نظام اجملتمع‪ ،‬ويف‬
‫الوقت كاته يتفق مع مصلعة اجلماعة إبريراء الفرد على بذل أقصى جهد يف طوقه لتنمية احلياة‪ ،‬فوق‬
‫ما حيقق من العزة والكرامة واالستقالل ومنو الشخصية لألفراد حبيث يصلعون أن يكونوا أمناء على‬
‫هذا الدين‪ ،‬يقفون يف وجه املنكر‪ ،‬وحياسبون احلاكم وينصعونه‪ ،‬دون خوف من انقطاع أرزاقهم لو‬
‫كانت يف يديه »(‪.)1‬‬
‫فالعدالَة تقتضي تلبية أشواق الفرد وإرضاء ميوله يف احلدود املشروعة جزاء ما بذل من طاقته‬
‫َ‬
‫وجهده وعرق جبينه وكدح فكره وكد أعصابه لذلك كانت كل حماولة ملنع اإلنسان من إشباع حاجاته‬
‫معني أمراً خمالفاً للفطرة‬
‫خمالفة للفطرة وكانت كل حماولة ملنعه من حيازة الثروة أو لتعديد حيازته مبقدار ّ‬
‫»(‪.)2‬‬
‫و لكن إقرار اإلسالم حبق املِْل ِكيَّة الفردية ال يعين احلق املطلق(‪ )3‬بال قيود وال حدود‪ ،‬بل‬
‫يقره ويشرعه‪ ،‬ويشرع له احلدود والقيود إك َّ‬
‫ُّصوص الش َّْرعية قد أظهرت طبيعة متميزة للملكية تظهر‬
‫أن الن ُ‬
‫من خالل ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬سيِد‪ :‬العدالَة االجتِم ِ‬
‫اعيَّة يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)116‬‬
‫َّ َ‬
‫َْ‬
‫ِ‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬النَّـبَـ َه ِاِنّ‪ :‬النّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪،‬ص(‪ .)71‬بتصرف‬
‫اإلسالميَّة أتخذ بفكرة املِلْ ِكيَّة املطلقة وابلنشـاط الفـردي احلـر‪ ،‬فـاحفراد يف نظـر هـؤالء‬
‫(‪ )3‬كهب بعض احملدثني إىل القول أبن َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫يعتربون أحراراً يف االستيالء على مجيع ما يرريبـون يف االسـتيالء عليـه مـن ثـروات معدنيـة وطبيعيـة ومـنهم الشـيخ حممـد ابقـر الصـدر يف كتابـه‬
‫ال ‪ « :‬إن املمارس الذي يريد أن يتعـرف علـى طبيعـة االقتصـاد اإلسـالمي مـن خـالل التطبيـق قـد يـوحي إليـه التطبيـق أبن‬
‫اقتصادان حيث قَ َ‬
‫‪َّ .1‬‬
‫علَى‬
‫س َم َوا ِ‬
‫ال تعالـى‪َّّ ِ  :‬لِلِ ُم ْلكُ ال َّ‬
‫ت َو ْاأل َ ْر ِ‬
‫إن هللا هو املالك احلقيقي‪ ،‬فقد قَ َ‬
‫ض َو َما فِي ِه َّن َو ُه َو َ‬
‫ُك ِّل ش َْيءٍ قَدِير ‪.)1(‬‬
‫ال تعالـى‪َ  :‬ء ِامنُـــــوا بِ َّ‬
‫سو ِل ِه َوأ َ ْن ِفقُوا ِم َّما َجعَلَ ُك ْم‬
‫اّلِلِ َو َر ُ‬
‫‪ .2‬استخالف هللا لإلنسان‪ ،‬فقد قَ َ‬
‫ال القرطيب‪ « :‬إهنا دليل على أ ّن أصل امللك هلل سبعانه وأن العبد ليس له‬
‫ُم ْست َْخلَفِينَ فِي ِه ‪ )2(‬قَ َ‬
‫فيه إال التصرف الذي يُرضي هللا فيثيبه على كلك ابجلنة ممن أنفق منها يف حقوق هللا وهان عليه‬
‫الر ُجل النفقة من مال وريريه إكا أكن فيه‪ ،‬فإن له الثواب اجلزيل واحجر‬
‫اإلنفاق منها كما يهون على َّ‬
‫ال ‪ « :‬هذا يدل على أهنا ليست أبمواهلم يف احلقيقة وما أنتم فيها إال مبنـزلة النّواب‬
‫العظيم‪ ،‬مثّ قَ َ‬
‫والوكالء فاريتنموا الفرصة فيها إبقامة احلق قبل أن تزال عنكم إىل بعدكم »(‪.)3‬‬
‫ال الزخمشري(‪ « :)4‬يعين أن احموال اليت يف أيديكم إمنا هي أموال هللا خبلقه وإنشائه هلا وإمنا‬
‫وقَ َ‬
‫نولكم إايها وخولكم االستمتاع هبا وجعلكم خلفاء يف التصرف فيها‪ ،‬فليست هي أموالكم يف‬
‫احلقيقة وما أنتم فيها إال مبنـزلة الوكالء والنواب »(‪.)5‬‬
‫ص اآلية إىل أتويل ليؤدي املعىن الذي فهمناه منه وهو أن املال‬
‫وقَ َ‬
‫ال َسيِّد قطب‪ « :‬وال حيتاج ن ّ‬
‫الذي يف أيدي البشر هو مال هللا‪ ،‬وهم فيه خلفاء ال أُصالء‪ .‬ويف آية أخرى يف صدى املكاتبني من‬
‫احرقاء يقول تعاىل‪َ  :‬و َءاتُو ُه ْم ِم ْن َما ِل َّ‬
‫اّلِلِ الَّذِي َءات َا ُك ْم ‪‬‬
‫(‪)6‬‬
‫فما يعطوهنم هذا املال من ملكهم‬
‫ولكنهم يعطوهنم من مال هللا وهم فيه وسطاء(‪.)7‬‬
‫االقتصاد اإلسالمي رأمسايل يؤمن اب ِّ‬
‫حلريَّة االقتصادية ويفسا اجملال أمام املِلْ ِكيَّة اخلاصة والنشاط الفردي احلـر كمـا كهـب إىل كلـك بكـل‬
‫صـراحة بعــض امل َف ِّكـرين املســلمني حــني تـراءى هلــم أفـراد اجملتمــع الــذي عاشـوا ربــة االقتصــاد اإلســالمي وهــم أحـرار يف تصــرفاهتم ال حيســون‬
‫ُ‬
‫بضــغط أو يديــد ويتمتعــون حبـق ملكيــة أي ثــروة يتــاح هلــم االســتيالء عليهــا مــن ثــروات الطبيعــة‪ .‬وحب ـق اســتثمارها والتصــرف فيهــا وليس ـت‬
‫ْمساليَّة إال هذا االنطالق احلر الذي كان أفراد اجملتمع اإلسالمي ميارسونه يف حياهتم االقتصادية‪ ( .‬اقتصادان‪ ،‬ص(‪.)384-383‬‬
‫َّ‬
‫الرأ ُ‬
‫(‪ )1‬املائدة ‪.120 /‬‬
‫(‪ )2‬احلديد ‪.7 /‬‬
‫(‪ )3‬القرطيب‪ ،‬أبو عبد هللا حممد بن أمحد احنصاري‪ :‬اجلامع ححكام القرآن‪.)130/1( ،‬‬
‫(‪ )4‬هو حممود بن عمر بن حممد اخلوارزمي الزخمشري جار هللا مـن املفسـرين‪ ،‬لـه التفسـري املشـهور ابلكشـاف وهـو ملـيء ابالعتزاليّـات كمـا‬
‫أنه من اللغويني له أساس البالرية‪ ،‬معجم مطبوع تويف سنة ‪538‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬سري احعالم النبالء (‪ ،)153/2‬احعالم (‪.)178/7‬‬
‫الكشاف عن حقائق ريوامض التنـزيل‪.)61/4( ،‬‬
‫(‪ )5‬الزخمشري‪ ،‬جار هللا حممود بن عمر‪ّ :‬‬
‫(‪ )6‬النور ‪.33 /‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫االجت َماعيَّة ‪ ،‬ص(‪.)119‬‬
‫العدالَة ْ‬
‫(‪ )7‬قطب‪َ ،‬سيِّد‪َ :‬‬
‫‪.3‬‬
‫تقييد استخالف هللا لإلنسان‪ ،‬فاالستخالف اإلهلي ليس استخالفاً مطلقاً من دون قيد بل بقيود‬
‫ووضعت طريقة االنتفاع والتمتع مبا سخره هللا تعاىل يف هذا الكون‬
‫حددت مدى هذا االستخالف ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫« تقدمة ملصاحلهم و أهبة لسد مفاقرهم » ولو أن هللا أابح هلم ما يف احرض مجيعاً من دون قيد‬
‫وال حد وال نظام حدى احمر ابلغرائز اجلاحمة إىل التسلط والقهر والغلبة وإىل الفوضى واملنازعات‬
‫وأكل القوي الضعيف‪ ،‬هلذا فهم ليسوا أحراراً يف التّصرف فيما استخلفوا فيه يفعلون كما حيلو هلم‪،‬‬
‫بل هم خملوق ون لغاية أساسية وهي عبادة هللا تعاىل‪ ،‬وعبادته تقتضي إتباع أوامره‪ ،‬واالبتعاد عن‬
‫نواهيه‪ ،‬فإن مل يفعلوا كلك فقد أخلّوا بشرط االستخالف هلذه احرض‪.‬‬
‫ال َسيِّد قطب‪ « :‬ليست ملكية أصلية يتصرف فيها على هواه إمنا هي ملكية معارة له‬
‫قَ َ‬
‫خاضعة لشروط الت ََّملُّك احصلي وتعليماته‪ ،‬فإكا تصرف املستعري فيها تصرفاً خمالفاً لشروط املالك وقع‬
‫هذا التصرف ابطالً ويتم على املؤمنني رده يف الدنيا‪ ،‬أما يف اآلخرة فهو حماسب على ابطله وخمالفته‬
‫لشرط اململك احصلي وابلقدر الذي يلتزم به الناس مبا وضع هللا سبعانه وتعاىل من القواعد الناظمة‬
‫للملكية من حيث نشأهتا أو حصوهلا‪ ،‬ومن حيث نقلها إىل يد أخرى يكون حساهبم يوم القيامة سهالً‬
‫حيث يسألون يف كلك اليوم عن املال من أين اكتسبوه وفيما أنفقوه»(‪.)2‬‬
‫ال‪ « :‬ال تزول قدما عبد يوم‬
‫وقد ّبني صلى هللا عليه وسلّم هذا املعىن يف حديثه حيث قَ َ‬
‫فيم أباله‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه‬
‫فيم أفناه‪ ،‬وعن شبابه َ‬
‫القيامة حىت يُسأل عن أربع‪ :‬عن عمره َ‬
‫وفيم أنفقه‪ ،‬وعن علمه ماذا عمل فيه»(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫وإكا كان ما يف الكون مملوك هلل تعاىل فهو التكييف الش َّْرعي الختصاص اإلنسان ابحشياء من‬
‫أجل االنتفاع هبا؟‬
‫(‪ )1‬ابن العريب‪ ،‬أبو بكر حممد عبد هللا ‪ :‬أحكام القرآن‪.)15-14/1( ،‬‬
‫(‪ )2‬قطب‪َ ،‬سيِّد‪ :‬يف ظالل القرآن ‪ )119/5( ،‬و (‪ .)886/6‬وانظر‪:‬‬
‫اإلسالميَّة ‪.)411/1( ،‬‬
‫‪ -1‬اخلفيف‪ ،‬علي‪ :‬املِلْ ِكيَّة يف َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫َّولَةيف تقييده‪ ،‬ص(‪.)163‬‬
‫‪ -2‬الدريين‪ ،‬د‪ .‬فتعي‪ :‬احلق ومدى سلطان الد ْ‬
‫(‪ )3‬رواه ِ ِ ِ‬
‫ص ِـعْيا اجلـامع رقـم (‪ ، )7300‬واملعجـم احوسـط (‪ .)74/5‬شـرح ُسـنَن ابـن ماجـه (‪)171/1‬‬
‫ّْ‬
‫الرتمذي وصععه احلباِن يف َ‬
‫عن ايب الدرداء‪.‬‬
‫يقول الدكتور أمحد شليب‪ « :‬املال مال هللا وملكيته اخلاصة وظيفة اجتماعية‪ :‬يقر اإلسالم حق‬
‫املِْل ِكيَّة الفردية كما سبق القول‪ ،‬ولكن املقصود من هذا التعبري هو ملكية الفرد ابلنسبة لألفراد‬
‫اآلخرين أو قل‪ :‬إنه ملكية الظاهر‪ ،‬أو ملكية االنتفاع‪ ،‬أما املالك احلقيقي لكل شي فهو هللا سبعانه‬
‫تعاىل »(‪.)1‬‬
‫ويقول َسيِّد قطب‪ « :‬وأول مبدأ يقرره اإلسالم جبوار حق املِْل ِكيَّة الفردية أن الفرد أشبه‬
‫ابلوكيل يف هذا املال عن اجلماعة وأن حيازته له إمنا هي وظيفة أكثر منها امتالكاً‪ ،‬وأن املال يف عمومه‬
‫إمنا هو‪ ،‬أصالً‪ ،‬حق للجماعة‪ ،‬واجلماعة مستخلفة فيه عن هللا الذي ال مالك لشيء سواه واملِْل ِكيَّة‬
‫الفردية تنشأ من بذل الفرد جهداً خاصاً حليازة شيء معني من هذه املِْل ِكيَّة العامة اليت استخلف‬
‫فيها هللا جنس اإلنسان»(‪.)2‬‬
‫ويقول رمحه هللا‪ « :‬وهناك ما هو أصرح من هذا يف حقيقة ملكية املال الفردية بوصفها ملكية‬
‫التصرف واالنتفاع وهذا هو الواقع‪ ،‬فاملِْل ِكيَّة العينية ال قيمة هلا من دون حق التصرف واالنتفاع‪،‬‬
‫فشرط بقاء هذه الوظيفة هو الصالحية للتصرف‪ ،‬فإكا سفه التصرف كان للوايل أو للجماعة اسرتداد‬
‫سفَ َها َء أ َ ْم َوالَ ُك ُم الَّتِي َجعَ َل َّ‬
‫اّلِلُ لَ ُك ْم قِيَاما َو ْار ُزقُو ُه ْم فِي َها َوا ْك ُسو ُه ْم ‪‬‬
‫حق التصرف ‪َ ‬و َال تُؤْ تُوا ال ُّ‬
‫فعق التصرف مرهون ابلرشد وإحسان القيام ابلوظيفة »(‪.)3‬‬
‫ويقول الشيخ علي اخلفيف‪ « :‬إن املال مال هللا والناس مجيعاً عباد هللا‪ ،‬منعهم هذا املال‬
‫ليكون هلم مجيعاً فهو وإن ربط ابسم شخص معني لكن اجلميع عباد هللا‪ ،‬فاختصاص اإلنسان بشيء‬
‫منه‪ ،‬إنـَّما هو نوع من اخلالفة والوالية تلقاها عن اجملتمع الذي يعترب صاحب الوالية احوىل على مجيع‬
‫ما يف احرض‪ ...‬وإكا كانت خالفة كانت وظيفة اجتماعية هلا مع كلك صفة االختصاص اليت أضفت‬
‫عليها صفة احلق حني تكون خاصة »(‪.)4‬‬
‫تقي ال ِّدين النَّـبَـ َه ِاِنّ‪ « :‬وملا كان املال هلل‪ ،‬وهللا قد استخلف العبد فيه إبكن منه‪،‬‬
‫وقَ َ‬
‫ال الشيخ ّ‬
‫كانت حيازة الفرد للمال أشبه بوظيفة‪ ،‬يقوم هبا لالنتفاع ابملال وتنميته‪ ،‬منها ابالمتالك‪ .‬حن الفرد‬
‫حني ميلك املال أمنا ميلكه لالنتفاع به وهو معتمد به حبدود الش َّْرع وليس مطلق التصرف فيه كما أنه‬
‫ِ‬
‫اإلسالميَّة رقم‪ ،)4/‬ص(‪.)39‬‬
‫(‪ )1‬شليب‪ ،‬د‪ .‬أمحد‪ :‬االقتصاد يف الفكْر اإلسالمي (موسوعة احلَ َ‬
‫ض َارة ْ‬
‫(‪ )2‬قطب‪ ،‬سيِد‪ :‬العدالَة االجتِم ِ‬
‫اعيَّة يف اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)118‬‬
‫َّ َ‬
‫َْ‬
‫(‪ )3‬قطب‪ ،‬سيِد‪ :‬العدالَة االجتِم ِ‬
‫اعيَّة يف اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)119‬‬
‫َّ َ‬
‫َْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫اإلسالميَّة (‪ )33/1‬و (‪ )34/1‬وقـد وافقـه علـى هـذا ال َـرأْي د‪ .‬مصـطفى السـباعي يف‬
‫(‪ )4‬اخلفيف‪ ،‬الشيخ علي‪ :‬امللْكيَّة يف َّ‬
‫الشر َيعة ْ‬
‫كتاب اشرتاكية اإلسالم‪ ،‬ص( ‪.)135-134‬‬
‫ليس مطلق التصرف يف العني نفسه‪ ،‬ولو ملكها ملكية عينية‪ ،‬بدليل أنه تصرف ابالنتفاع هبذا املال‬
‫تصرفاً ريري شرعي‪ ،‬ابلسفه والتبذير كان على الد َّْولَة أن يجر عليه ومتنعه من هذا التصرف‪ ،‬وأن تسلبه‬
‫هذه الصالحية اليت منعته إايها‪ .‬وعلى كلك يكون التصرف ابلعني واالنتفـاع بـها هـو املعنـى املراد من‬
‫ملكيتها أو هو أثر هذه املِْل ِكيَّة »(‪.)1‬‬
‫ومن هذا يتبني أن اإلسالم ينظر إىل املِْل ِكيَّة‬
‫وظيفة اجتماعية‪ ،‬املالك فيها عامل وخازن وعليه أن يعمل يف هذا املال مبا يستطيعه يف نطاق إرادته‬
‫ومواهبه وقوته وله حبكم كلك مثره عمله ابتداءً بقدر حاجته وما به طيب عيشه‪ ،‬وأما ما فضل بعد‬
‫كلك فهو من حق صاحب املال‪ ،‬ومالكه احلقيقي جيب أن يوجه فيما أرشد إليه مالكه فال جيوز‬
‫مينع عن كي احلاجة وعماً تتطلبه مصاحل‬
‫اختزانه واكتنازه دون استثمار وعمل فيه‪ ،‬كما ال جيوز أن َ‬
‫بنظرتني‪ :‬ابعتبارها حقاً لصاحبها‪ ،‬وابعتبارها‬
‫الد َّْولَة عند ظهور حاجتها إليه‪.‬‬
‫ِ‬
‫تقي ال ِّدين ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)125‬‬
‫(‪ )1‬النَّـبَـ َهاِنّ‪ّ ،‬‬
‫المبحث األول‬
‫ال َعدالَة فـــــي حـــــق الت َّ َملُّك الفــــــردي‬
‫متهيــد‪:‬‬
‫قبل البدء يف شرح تنظيم اإلسالم لقضااي الت ََّملُّك الفردي‪ ،‬ال ب ّد من اإلشارة إىل‪:‬‬
‫‪ .1‬إن نظام اخللق يكمه سنّة التفاضل ال التساوي‪ ،‬فشعار املساواة بصيغته التعميمية يتناىف مع نظام‬
‫اخللق وهو مطلب مناقض للعدل إال يف بعض اححوال‪ ،‬وهي اليت يقضي العدل فيها ابلتساوي‪.‬‬
‫فاإلسالم ال يقر املساواة على اعتبارها مبدأ عاماً وقاعدة مطردة‪ ،‬وإمنا يقرها حينما يقتضيها العدل‪.‬‬
‫وعلى جادة املثال « إ ّن املذاهب اال ْشِرتاكِيَّة كلها مبا فيها الشيوعية تعمل لتعقيق املساواة الفعلية‬
‫وإما املساواة املطلقة وكل واحد من‬
‫وإما املساواة يف وسائل اإلنتاج‪ّ ،‬‬
‫بني احفراد‪ ،‬إما املساواة ابملنافع‪ّ ،‬‬
‫أنواع هذه املساواة مستعيل الوقوع وهو فرض خيايل‪ .‬وكلك أن املساواة من حيث هي ريري واقعية‪،‬‬
‫فهي ريري عملية‪ .‬أما كوهنا ريري واقعية فإن الناس بطبيعة فطرهتم اليت خلقوا عليها متفاوتون يف القوى‬
‫اجلسمية والعقلية ومتفاوتون يف إشباع احلاجات‪ ،‬وابلتايل فاملساواة بينهم ال ميكن أن يصل إك لو‬
‫ساويت بينهم يف حيازة السلع واخلدمات جرباً ابلقوة يت سلطة احلديد والنار‪ ،‬فإنه ال ميكن أن‬
‫يتساووا يف استعمال هذا املال يف اإلنتاج وال يف االنتفاع به وال ميكن أن تساوي بينهم مبقدار ما‬
‫يشبع حاجاهتم‪ ،‬فاملساواة بينهم أمر نظري خيايل(‪ .)1‬فاملساواة بني الناس مع تفاوهتم يف القوى‬
‫العدالَة ‪ ،‬وكل حماولة للمساواة يف حيازة املنافع ويف وسائل اإلنتاج مكتوب هلا‬
‫تعترب بعيدة عن َ‬
‫اإلخفاق‪ ،‬حهنا مناقضـة للفطـرة‪ .‬وقد كان الناس وال يزالون متفاوتني يف إمكاانهتم متباينني يف‬
‫أنشطتهم خمتلفني يف إبداعاهتم‪ ،‬فإن وزعت مثرات جهودهم املتفاوتة عليهم مجيعاً ابلسواء‪ ،‬فذلك هو‬
‫الظلم كاته‪ ،‬وإ ْن بدا يف الظاهر أهنا املساواة املطلوبة‪ ،‬فمن هنا كان ال بد يف اجملال االقتصادي من‬
‫العدالَة حىت ال تنطلق املساواة مدمرة للعوافز‪.‬‬
‫تقييد املساواة مبيزان َ‬
‫العدالَة ‪ ،‬نظام‬
‫« ومن مناكج اححكام االقتصادية اليت روعيت فيها ضرورة ضبط مبدأ املساواة مبيزان َ‬
‫العدالَة مساعدة على كلك‪،‬‬
‫توزيع املرياث‪ ،‬فقد روعي يف توزيعه أصل املساواة بني الوارثني ما دامت َ‬
‫ِ‬
‫تقي ال ِّدين ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)50-49‬‬
‫(‪ )1‬النَّـبَـ َهاِنّ‪ّ ،‬‬
‫العدالَة عن املساواة احلرفية‪ ،‬فاحفضلية عندئذ ملا تقتضيه‬
‫فإكا لوحظ أن هناك حاالت تتخلف فيها َ‬
‫العدالَة ‪ ،‬كلك حن الرصيد النهائي للعدالة هي املساواة دائماً ولكن ليس الرصيد النهائي للمساواة‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫العدالَة ابلضرورة» ‪ .‬وعليـه‪ ،‬فالتفاضل سنة هللا يف خلقه والدعوة إىل املساواة بني متفاضلني‬
‫هو َ‬
‫يث َو َّ‬
‫ال تعاىل‪  :‬قُ ْل َال يَ ْست َ ِوي ْال َخبِ ُ‬
‫ب‬
‫الط ِيّ ُ‬
‫دعوة إىل احخذ أبمر ابطل وإىل إلغاء قانون العدل‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪َ  :‬ال يَ ْست َ ِوي ِم ْن ُك ْم َم ْن أ َ ْنفَقَ ِم ْن قَ ْب ِل ْالفَتْحِ َوقَات َ َل أُولَئِكَ أ َ ْع َ‬
‫ظ ُم دَ َر َجة ِمنَ الَّذِينَ أ َ ْنفَقُوا‬
‫‪ )2(‬وقَ َ‬
‫اّلِلُ ْال ُح ْسنَى َو َّ‬
‫عدَ َّ‬
‫اّلِلُ بِ َما ت َ ْع َملُونَ َخبِير ‪.)3(‬‬
‫ِم ْن بَ ْعدُ َوقَاتَلُوا َو ُك ًال َو َ‬
‫فاإلسالم يقوم يف احلقوق على قاعدة العدل ال على فكرة املساواة‪ ،‬ويف بيان الواقع يقوم على ما هو‬
‫احلق يف واقع احلال ال على التسوية مطلقاً وإن كان الواقع متفاضالً‪ ،‬فال ميكن أن يستوي من يبذل‬
‫جهداً وإمكانيات مالية وجسمية وعقلية ونفسية مع آخرين تضاءلوا يف جهدهم وقدراهتم‪.‬‬
‫‪ .2‬ليس من املعقول أن ترتك قضااي الت ََّملُّك بال تنظيم وال تنسيق وال ضوابط إك معىن هذا جعل احمور‬
‫تؤدي إىل الفوضى واالضطراب وتسبب الشر والفساد حيث يرتك الناس للغرائز اجلاحمة والتسلط‬
‫والقهر والغلبة على اآلخرين حبيث أيكل القوي الضعيف‪ ،‬ويؤكل املال ابحلق والباطل ويقوم ميزان‬
‫اجلور ويلغى ميزان العدل‪ .‬فال ب ّد من تنظيم عادل كامل مضبوط لقضااي الت ََّملُّك حيقق من انحية‬
‫العدل الكامل‪ ،‬ومن انحية أخرى ال يؤدي إىل أن تصبا احموال كلها بيد أو ٍ‬
‫أبيد قليلة‪.‬‬
‫فالنِّظَام الرأمسايل حني قرر حرية الت ََّملُّك والعمل مل يضع الضماانت احلقيقية أو الواقعية لضمان‬
‫يقيق هذه احلرايت فعالً بل ترك احمر جلهود احفراد احمر الذي حرم الضعفاء من الت ََّملُّك والعمل‬
‫وأدى إىل انطالق الناس بشكل مسعور للعصول على احرابح وزايدة الثروات بكل السبل مشروعة‬
‫أو ريري مشروعة وكأن املهم هو يقيق الربا الفـردي دون اكتـراث ابملبـادئ الدينيـة واحفكـار‬
‫احخالقية أو مبصلعة اآلخرين أو اجملتمع ككل‪ .‬والنِّظَام االشرتاكي حني ألغى املِْل ِكيَّة الفردية‬
‫تعارض والطبيعة اإلنسانية اليت فطر عليها اإلنسان يف ميله إىل متلك مثرة عمله فأدى إىل قتل احلافز‬
‫الفردي للعمل‪ ،‬كلك أن اإلنسان ال يبذل كـل عنايتـه واهتمامـه إال ملا ميلكه شخصياً وأن عنايته‬
‫ختف أو تنعدم ملا ال ميلكه‪.‬‬
‫(‪ )1‬البوطي‪ ،‬د‪ .‬حممد سعيد رمضان‪ :‬هللا أم اإلنسان أيهما أقدر على رعاية حقوق اإلنسان‪ .‬ص(‪.)33-32‬‬
‫(‪ )2‬املائدة ‪.100 /‬‬
‫(‪ )3‬احلديد ‪.10 /‬‬
‫‪ .3‬إ ّن املال هو كل ما يتموله الناس مهما كانت عينه‪ ،‬واملقصود من سبب متلكه هو السبب الذي‬
‫أنشأ ملكية املال للشخص بعد أن مل يكن مملوكاً له‪ .‬ولتملّك املال أسباب شرعية حصرها الشَّا ِرع‬
‫يف أسباب معينة ال جيوز اوزها‪ ،‬ويف هذا يديد للملكية الفردية على الوجه الذي يتفق مع الفطرة‬
‫وهذا التنظيم حيمي اجملتمع من احخطار املرتتبة على إطالقها‪ ،‬لذلك ال بد من يديد الكيفية اليت‬
‫حيصل فيها اإلنسان على املال(‪.)1‬‬
‫ويف إطار هذا التعديد تباينت طرق العلماء يف تقسيمه على النعو التايل‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬ابعتبار وجود اإلدارة وعدمها إىل‪:‬‬
‫‪ .1‬أسباب اختيارية‪ ،‬وهي ما كان اإلنسان خمتاراً يف إجيادها كما االستيالء على املباح وسائر‬
‫العقود‪.‬‬
‫‪ .2‬وأسباب جربية وهي ما ليس لإلنسان فيها اختيار كما يف املرياث واملتولد عن اململوك(‪.)2‬‬
‫اثنيا‪ :‬ابعتبار الصفة احصلية إىل‪:‬‬
‫الصيــد‪.‬‬
‫‪ .1‬أسباب منشئة كاإلحياء و ّ‬
‫‪ .2‬وأسباب انقلة كما يف العقود واملرياث‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬ابعتبار الصيغة إىل‪:‬‬
‫‪ .1‬أسباب فعليّة‪ ،‬كاالستيالء على املباح‪.‬‬
‫‪ .2‬أسباب قوليّة‪ ،‬كما يف العقود يف أكثر صور انت َقاهلا‪.‬‬
‫‪ .3‬أسباب اعتبارية‪ ،‬كما يف املرياث‪ ،‬فسببه ليس من ابب القول ولكنه حالة خاصة(‪ )3‬اعتربها‬
‫الشا ِرع سبباً لوراثة املال عن طريق امليت‪.‬‬
‫َّ‬
‫رابع ا‪ :‬ابعتبار الشخص الذي تؤول إليه املِْل ِكيَّة إىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫تقي ال ِّدين ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)77-76‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ - :‬النَّـبَـ َهاِنّ‪ّ ،‬‬
‫‪ -‬حوى‪ ،‬الشيخ سعيد‪ :‬اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)417-416-415‬‬
‫الش ـ ِر َيعة‪ ،‬أن ال ي ــدخل يف ملــك اإلنســان شــيء م ــا بغــري اختيــاره إال يف امل ـرياث‪ ،‬ويف مجلــة مــن املســائل اجلزئيــة يف الوص ــية‬
‫(‪ )2‬وكلــك حن احصــل يف َّ‬
‫والشفعة ككرها الفقهاء على سبيل احلصر‪ ،‬ومن هنا جاءت القاعدة الفقهية « ليس ححد متليك ريريه بال رضاه »‪.‬‬
‫‪ -1‬السيوطي‪ ،‬احشباه والنظائر‪ ،‬ص(‪ -2 .)317‬الزرقا‪ ،‬املدخل الفقهي العام‪.)1082/2( ،‬‬
‫انظر القاعدة‪:‬‬
‫اإلسالميَّة ص(‪ .)205-204‬إك فصـل القول يف‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬حبث الشيخ حممد علي السايس يف املؤمتر احول جملمع البعوث ْ‬
‫هذه املسألة‪.‬‬
‫‪ .1‬ما كان بعمل شرعي‪ ،‬كالتجارة والصناعة والزراعة والصيد‪.‬‬
‫‪ .2‬ما كان حبكم شرعي كالزكاة واإلرث‪.‬‬
‫‪ .3‬ما كان إبرادة ريريه كاهلبة والصدقة والوصية‪.‬‬
‫وسوف أتناول أسباب الت ََّملُّك املشروع بشيء من التفصيل‪ ،‬وقد قسمتها إىل ثالثة أقسام من‬
‫خالهلا تتجلى الضوابط الش َّْرعية يف دخول املِْل ِكيَّة إىل صاحبها‪:‬‬
‫األول‪ :‬احسباب املرتتبة على اجلهد اخلاص‪.‬‬
‫الثاين‪:‬‬
‫احسباب املباحة ابحلكم الش َّْرعي(‪.)1‬‬
‫الثالث‪ :‬احسباب املرتتبة على إرادة اآلخر‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫األسبــاب المترتبـــــة علـى الجهـد الخاص‬
‫َّملُّك يف اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)26‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ - :‬اجلنيدل‪ ،‬د‪ .‬محد العبد الرمحن‪ ،‬نظرية الت َ‬
‫‪ .1‬األجرة على العمل املشروع‬
‫الش ِر َيعة يف كثري‬
‫اإلسالميَّة‪ ،‬لذلك جند َّ‬
‫العمل له مكان رئيسي يف أسباب الت ََّملُّك يف َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫ام ُ‬
‫شوا فِي‬
‫من املواضع يث على الكسب والعمل وتنهى عن اخلمول والكسل‪ ،‬يقول هللا تعاىل‪  :‬فَ ْ‬
‫َمنَا ِكبِ َها َو ُكلُوا ِم ْن ِر ْزقِ ِه َوإِلَ ْي ِه النُّ ُ‬
‫ور ‪.)1( ‬‬
‫ش ُ‬
‫فالقرآن الكرمي أورد العمل بتصريفاته املختلفة وأبعاده اجلزئية والشاملة‪ ،‬املادية واحخالقية‪،‬‬
‫الدنيوية واحخروية مبا يقدر بثالمثائة ومثانية وعشرين موضعاً(‪ )2‬ويف السنّة الشريفة تتوارد اححاديث ترتى‬
‫عن مكانة العمل فيسعى ‪ ‬إىل أن يدرأ حبض أتباعه على العمل‪ ،‬ظواهر التبطل والكسل والتواكل‬
‫الفعال‪ ،‬فعن‬
‫واالستجداء اليت تتناقض أساساً مع متطلبات العدل وصورة اجملتمع الذي يسوده التوازن ّ‬
‫ال‪ « :‬ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا‬
‫أنس بن مالك رضي هللا عنه عن رسول هللا ‪ ‬أنه قَ َ‬
‫فيأكل منه طريٌ أو إنسا ٌن أو هبيمة إال كان له به صدقة »(‪ )3‬فكل قادر على العمل مطالب يف‬
‫شريعة اإلسالم أن يسعى سعيه ريري مستنكف عن الصغري من احعمال أو ُحمقر له فذلك العمل على‬
‫صغر شأنه خري من الفراغ والبطالة إنه عمل يشغل اجلوارح وحيفظ ماء الوجه من السؤال‪ .‬فعن أيب هريرة‬
‫ال‪ « :‬والذي نفسي بيده ألن أيخذ أحدكم حبلة فيحتطب على ظهره خري له من‬
‫أن رسول هللا ‪ ‬قَ َ‬
‫ال ‪ « : ‬على كل مسلم صدقة » قَالوا ‪ :‬اي نيب هللا‬
‫أن أييت رجالا فيسأله أعطاه أو منعه »(‪ )4‬وقَ َ‬
‫ال‪ « :‬يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق» قَالوا‪ :‬فإن مل جيد؟ قَال‪ « :‬يعني ذا احلاجة‬
‫فمن مل جيد؟ قَ َ‬
‫شر فإهنا له صدقة‬
‫امللهوف » قَالوا‪ :‬فإن مل جيد؟ قَ َ‬
‫ال‪ « :‬فليعمل ابملعروف وليمسك عن ال ّ‬
‫(‪ )1‬امللك ‪.15 /‬‬
‫(‪ )2‬عبد الباقي‪ ،‬حممد فؤاد‪ ،‬املعجم املفهرس حلفاظ القرآن الكرمي‪ ،‬ص(‪.)488-483‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخا ِري يف ِ‬
‫ص ِـعْيعه‪ ،‬كتـاب البيـوع‪،‬‬
‫صعْيعه‪ ،‬كتاب املزارعة‪ ،‬ابب فضل الزرع والغـرس‪ ،‬إكا أكـل منـه‪ .)817/2( ،‬ومسـلم يف َ‬
‫َُ ّ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـععه‪ ،‬كتــاب اححكــام ابب مــا جــاء يف فضــل الغــرس‪،‬‬
‫ابب فضــل الغــرس والـ ّـزرع‪ .)1189-1188/3( ،‬ورواه ّ ْ‬
‫الرتمــذي يف ُســنَنه وصـ ّ‬
‫ِ‬
‫وم ْسـ ــنَد أمحـ ــد‬
‫وسـ ــنَن البَـْيـ َهقـ ـ ّـي الكـ ــربى‪ُ .)137/6( ،‬‬
‫وسـ ــنَن الـ ــدارمي‪ُ .)347/2( ،‬‬
‫(‪ .)666/3‬وانظـ ــر‪ :‬فـ ــيض القـ ــدير‪ُ .)496/5( ،‬‬
‫(‪ .)243-228/3‬واملعجم الكبري‪.)101/25( ،‬‬
‫ي يف كتاب الزكـاة‪ ،‬ابب ‪ :‬االسـتعفاف عـن املسـألة‪ .)535/2( ،‬ورواه ابـن ماجـة يف كتـاب الزكـاة‪ ،‬ابب‪ :‬كراهيّـة املسـألة‪،‬‬
‫(‪ )4‬رواه البُ َخا ِر ّ‬
‫(‪ .)588/1‬ورواه أمحد يف مسنده‪ .)167/1( ،‬وانظر ‪ :‬املوطأ بشرح الزرقاِن‪ .)445/4( ،‬و اللؤلؤ واملرجان‪ ،‬فيما اتفـق عليـه الشـيخان‬
‫‪.)219/1( ،‬‬
‫»(‪.)1‬فاملهم هو أن يعمل املسلم وأن يكون إجيابياً‪ ،‬فإكا عجز عن تفجري طاقاته يف بعض مساحات‬
‫النشاط البشري فإن هناك مساحات أخرى ريريها‪.‬‬
‫ال ‪ « :‬لئن ميشي‬
‫اإلسالميَّة أمر ملزم ومفضل على سكون العبادة‪ ،‬قَ َ‬
‫فالعمل يف احلياة ْ‬
‫أحدكم مع أخيه يف قضاء حاجته أفضل من أن يعتكف يف مسجدي هذا شهرين»(‪ )2‬ويبلغ من‬
‫ال ‪ « :‬إذا‬
‫تقييمه للعمل وتقديره للعطاء وإدراكه العميق للدور الذي يلعبه على املستوى العام أن قَ َ‬
‫قامت الساعة ويف يد أحدكم فسيلة فاستطاع أال تقوم حىت يغرسها فليغرسها‪ ،‬فله بذلك‬
‫أجر»(‪.)3‬‬
‫وإكا كانت النظم االقتصادية الوضعية كلها‪ ،‬رد العمل واإلنتاج عن كل دافع نفسي وروحي‬
‫و عله جمرد سلوك لتعصيل لقمة العيش وتكثري املال‪ ،‬فإن القيمة احلقيقية للعمل واإلنتاج تربز على‬
‫وجه كما هلا يف اإلسالم حيث يعترب العمل واإلنتاج ملصلعة الفرد واجلماعة نوعاً من أنواع الطاعة‬
‫والعبادة يف اإلسالم‪ ،‬له مكانه وحسابه يف ميزان السلوك واجلزاء يف الدنيا ويف اآلخرة يوم احلساب‪ ،‬فقد‬
‫ِ‬
‫َّيب ‪ ‬رجل فرأى أصعاب رسول‬
‫روى الطَّرباِن(‪ )4‬عن كعب بن عجرة رضي هللا عنه قَ َ‬
‫ال ‪ّ « :‬‬
‫مر على الن ّ‬
‫ال رسول هللا ‪ « :‬وإن‬
‫هللا ‪ ‬من جلده ونشاطه‪ ،‬ف َقالوا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬لو كان هذا يف سبيل هللا‪ ،‬ف َق َ‬
‫كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو يف سبيل هللا‪ ،‬وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخني‬
‫رايء‬
‫كبريين فهو يف سبيل هللا وإن كان يسعى على نفسه يُعفها فهو يف سبيل هللا‪ ،‬وإن كان خرج ا‬
‫ومفاخرة فهو يف سبيل الشيطان »(‪.)5‬‬
‫صـ ِـعْيعه‪ ،‬ابب صــدقة الكســب والتجــارة ‪ ،)524/2(،‬عــن أيب ســعيد بــن أيب بــردة عــن أبيــه عــن جـ ّده واللفــظ لــه‪.‬‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )1‬رواه البُ َخــا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫وس ــنَن البَـْيـ َه ِقـ ـ ّـي الكـ ــربى‪ ،)94/10( ،‬و(‪،)35/2‬‬
‫وسـ ــنَن ال ــدَّا ِرم ّي ابب علـ ــى كـ ــل مس ــلم صـ ــدقة‪ُ ،)399/2( ،‬‬
‫ومسـ ــلم (‪ُ ،)699/2‬‬
‫وم ْســنَد أيب اجلعــد‪ ،)92/1( ،‬وج ــامع‬
‫وم ْســنَد الطيالســي‪ُ ،)67/1( ،‬‬
‫وم ْســنَد أمح ــد‪ُ ،)395/4( ،‬‬
‫ومصــنف ابــن أيب شــيبة (‪ُ ،)336/5‬‬
‫العلوم واحلكم‪.)241/1( ،‬‬
‫الص ِعْيعني‪ .)300/4( ،‬والرترييب والرتهيب‪.)263/3( ،‬‬
‫(‪ )2‬املستدرك على َ‬
‫(‪ )3‬رواه أمحد يف مسنده‪ ،)191/3( ،‬وجممع الزوائد (‪ ،)63/4‬واحدب املفرد (‪ ،)168/1‬وفيض القدير ‪.)12/2( ،‬‬
‫(‪ )4‬الطَّرباِن‪ ،‬سليمان بن أمحد الشـامي‪ ،‬مـن كبـار احملـدثني‪ ،‬ولـد يف طـرباي يف الشـام ‪ ،‬سـنة (‪ 260‬هجريـة) وتـويف سـنة (‪ 360‬هجريـة)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املنهج احمحد‪ ،)46/2( ،‬واحعالن‪.)181/3( ،‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطَّـرباِن يف املعجــم الكبــري‪ )129/19( ،‬واللفــظ لــه ‪ ،‬واملعجــم الصــغري‪ ،)148/2( ،‬والبيــان والتعريــف ‪ ،)291/1( ،‬وفــيض‬
‫القدير‪ ،)31/3( ،‬واتريخ واسط ‪.)163/1( ،‬‬
‫ال رسول هللا ‪ « :‬خري الكسب كسب يد العامل إذا‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قَ َ‬
‫ال رسول هللا ‪ « :‬من أمسى كاالا من عمل يده‬
‫نصح »(‪ )1‬وعن عائشة رضي هللا عنها قَالَت‪ :‬قَ َ‬
‫أمسى مغفورا له »(‪.)2‬‬
‫فهذه نصوص نبوية‪ ،‬تربط كلها بني احلرفة والعمل بنصا وجهد وإخالص‪ ،‬وبني هللا ومغفرته‬
‫ورضوانه‪ ،‬وهكذا حني يرتبط مفهوم العمل واإلنتاج يف اإلسالم هبذه املعاِن السامية‪ ،‬فإن شأن العمل‬
‫واإلنتاج ال يقتصر حينئذ يف مفهوم الناس على جمرد القيام بعمل مادي للعصول على أجر معني‪ ،‬بل‬
‫يصبا العمل واإلنتاج حينئذ قياماً ابلواجب ملصلعة الفرد واجلماعة كما يصبا حافز العمل واإلنتاج يف‬
‫نفس الفرد طاقةً ال حدود هلا يبدو أثرها يف إقبال الفرد على عمله برريبة واندفاع و ويد عمله وإنتاجه‬
‫بنصا وإخالص وهذه وحدها أمنية كربى لنجاح كل اقتصاد‪.‬‬
‫وعلى أساس هذه النظرة للعمل حيرتم اإلسالم حق العامل يف احجر‪ ،‬هذا احلق الصارم الذي‬
‫جيب أن يعطاه حلظة توقفه عن العمل جزاءً وفاقاً على ما قدمت يداه فهو يدعو أوالً إىل الوفاء به‬
‫وينذر َم ْن جيور عليه ويصب ريضبه الشديد ويعرب عن خصومته القاطعة لكل من يستأجر أجرياً‬
‫وجل‪ :‬ثالثة أان خصمهم يوم القيامة‪ :‬رجل أعطى يب‬
‫ال رسول هللا ‪ « :‬قَ َ‬
‫فيأكل حقه‪ ،‬قَ َ‬
‫ال هللا ّ‬
‫عز ّ‬
‫حرا فأكل مثنه‪ ،‬ورجل استأجر أجريا فاستوىف منه ومل يعطه أجره»(‪.)3‬‬
‫مث عذر‪ ،‬ورجل ابع ّ‬
‫« واجلمع بني هذه املعاصي الثالثة‪ ،‬وتوحيد اجلزاء عليها كو داللة خاصة‪ ،‬فاملعصية احوىل‬
‫هي‪ :‬خيانة وريدر لذمة هللا‪ ،‬والثانية‪ :‬هي جرمية إهدار إلنسانية حر وأكل مثنه‪ ،‬والثالثة‪ :‬هي أكل عرق‬
‫احجري وهي كأكل مثن احلر ريدر ابإلنسانية‪ ،‬وكخيانة العهد بعد احللف ابهلل ريدر بذمة اخلالـق وكل‬
‫منهـا يستعـق احلـرب من هللا واخلصومة لشناعتها ووضوح معىن الغدر فيها»(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬رواه أمحــد يف مســنده ‪ ،)334/2( ،‬واللفــظ لــه‪ ،‬ويف روايــة « يــدي عامــل » ‪ ، )357/2( ،‬والفــردوس مبــأثور اخلطــاب‪)180/2( ،‬‬
‫وفيض القدير‪.)476/3( ،‬‬
‫(‪ )2‬رواه أمح ــد يف مس ــنده ‪ )357-334/2( ،‬واللف ــظ ل ــه‪ ،‬والف ــردوس مب ــأثور اخلط ــاب‪ .)180/2( ،‬وانظ ــر ف ــتا الب ــاري‪،)306/4(،‬‬
‫وفيض القدير‪.)476/3( ،‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )3‬رواه البخا ِري يف ِ‬
‫وصـعْيا ابـن حبّـان‪،‬‬
‫صعْيعه‪ ،‬ابب إمث من ابع ُحراً‪ ،)776/2( ،‬وابب‪ :‬إمث مـن منـع أج ّـر احجـري‪َ .)792/2( ،‬‬
‫َُ ّ َ‬
‫ِ‬
‫وس ــنَن البَـْيـ َهق ـ ّـي الكـ ــربى‪.)816/2( ،)14/6( ،‬‬
‫ابب‪ :‬كك ــر وص ــف أقـ ـوام يك ــون خص ــمهم يف القيام ــة رس ــول هللا ‪ُ .)333/16( ، ‬‬
‫وم ْســنَد أمحــد (‪ ،)358/2‬واملعجــم الصــغري‪ ،)119/2( ،‬والرترييــب والرتهيــب‪ ،)22-14/3( ،‬وفــيض‬
‫ومعتصــر املختصــر‪ُ .)366/1( ،‬‬
‫القدير‪.)316/3( ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫االجت َماعيَّة يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)126‬‬
‫العدالَة ْ‬
‫(‪ )4‬قطب‪َ ،‬سيِّد‪َ :‬‬
‫وهو يدعو اثنياً إىل التعجيل أبداء هذا احمر فال يكفي أداؤه كامالً بل ال ب ّد من أدائه عاجالً‪،‬‬
‫ال رسول هللا ‪ « :‬أعطوا األجري أجره قبل أن جيف عرقه »(‪ ،)1‬حلاجة نفسية تتمثل يف إشعاره أبن‬
‫قَ َ‬
‫َساسيَّة‪ ،‬فيكون التواِن يف أداء احجر مقلالً‬
‫جهده مقدر وحلاجة واقعية تتمثل يف توقه لسد حاجاته اح َ‬
‫لنشاطه وحم ّداً من رريبته يف العمل‪.‬‬
‫ويف مقابل هذه العناية القائمة على الرضى النفسي واالكتفاء الذايت على العامل أن يقوم‬
‫بتجويد العمل وإتقانه « فلكل حق مقابل من الواجب يف اإلسالم‪ ،‬وكلك طبيعي من انحية التعادل‬
‫بني اجلهد واجلزاء‪ ،‬وطبيعي كذلك من الناحية اخللقية اليت حيرص اإلسالم على أن تكون أساساً للعياة‬
‫»(‪ .)2‬هلذا رّكز اإلسالم جمموعة من املفاهيم يف أكهان املسلمني تدفعهم إىل اإلخالص وعدم الغش‬
‫واخليانة‪ ،‬وجعل الرقيب عليهم خوفهم من هللا‪ ،‬ويف هذا زوال للغش وكهاب للخيانة وإكثار لإلنتاج‬
‫وبباعث من إميان املسلم ابهلل ومن مواقع خوفه من هللا يعمل ويعطي بقدر جهده ويفي ابلتزامه وأىن له‬
‫الذمة من شأنه أن يورث‬
‫كلك وهو يعلم أن كل حلم نبت من سعت فالنار أوىل به‪ ،‬لذلك فإن فساد ّ‬
‫خراابً فضالً عما يصيب مصاحل اجلماعة من فساد واضطراب‪.‬‬
‫وأما تقدير احجرة فال تكون إال على منفعة اجلهد املبذول من احجري وال يكون على اجلهد‬
‫نفسه وإن كان يالحظ اجلهد‪ ،‬وإال لكان أجر احلداد أكثر من أجر املهندس‪ ،‬حن جهده أكثر مع أن‬
‫العكس هو الواقع‪ .‬عليه « فإن احجر هو بدل املنفعة وليس بدل اجلهد‪ ...‬وإكا استأجر رجالً للبناء‬
‫فال بد من تقدير االستئجار ابلزمن أو العمل‪ ،‬فإن قدره ابلعمل فظاهر فيه املنفعة يف بيان موضعه‬
‫وطوله وعرضه ومسكه ومادة البناء‪ ،‬وإن قدره ابلزمن فاملنفعة فيه تزيد بكثرة املدة وتنقص بقلتها عادة‪،‬‬
‫فكان وصف العمل وككر الزمن مقياساً ََ للمنفعة‪ ،‬وإكا قدر الزمن فال يعمل أكثر من طاقته العادية‪،‬‬
‫وال يُلزم ابملشقة ريري العادية »(‪.)3‬‬
‫كما أن اإلسالم مل يرتك مسألة العالقات اإلنسانية اليت جيب أن تسود بني الطرفني العامل‬
‫وصاحب العمل يف أي جهد فيضعهما يف مرحلة احخوة الكاملة حيث أيمر الطرفني عماالً وأصعاب‬
‫ماجــة‪ ،)817/2( ،‬واملعجــم الصــغري‪ ،)43/1( ،‬ون ـوادر‬
‫(‪ُ )1‬ســنَن البَـْيـ َه ِقـ ّـي الكــربى‪ ،)121-120/6( ،‬وقَـ َ‬
‫وســنَن ابــن ّ‬
‫ـال ‪ :‬ضــعيف‪ُ ،‬‬
‫احصــول يف أحاديــث الرســول (‪ ،)116/1‬وجممــع الزوائــد (‪ )98/4‬ومصــباح الزجاجــة (‪ ،)73/3‬والرترييــب والرتهيــب‪.)15-14/3( ،‬‬
‫ال ‪ :‬وهذا املنت مع ريرابته يكتسب بكثرة اإلشارة ّقوة‪.‬‬
‫وقَ َ‬
‫(‪ )2‬قطب‪ ،‬سيِد‪ :‬العدالَة االجتِم ِ‬
‫اعيَّة يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)127‬‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َْ‬
‫(‪ )3‬النَّـبَـ َه ِاِنّ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)93-92‬‬
‫عمل بقوله ‪ « :‬إخوانكم خولكم(‪ )1‬جعلهم هللا حتت أيديكم‪ ،‬فمن كان يتحقق حتت يده فليطعمه‬
‫مما أيكل‪ ،‬وليلبسه مما يلبس‪ ،‬وال تكلفوهم ما يغلبهم‪ ،‬فإن كلفتموهم فأعينوهم»(‪.)2‬‬
‫« وليس ثـمة نظام تعرض فيه مسألة العمل وفق هذا املثلث الصارم‪ :‬منا حق العامل كامالً‬
‫يف وقته املناسب‪ ،‬وزايدة هذ ا احلق مبا يتناسب واتساع اجلهد الذي يبذله العامل ورفع العالقة بني‬
‫العامل وصاحب العمـل إىل مستـوى احخـوة والتعامـل املشتـرك يف الطعام واللبـاس»(‪.)3‬‬
‫‪ .2‬إحيــاء األراضــي املــوات‬
‫املوات هو احرض اخلراب الدارسة وتُسمى ميتة وموااتً(‪ ،)4‬فكل أرض ال ميلكها أحد من‬
‫عرب القرآن عن احرض اليت مل تستغل أبهنا ميتـة‪،‬‬
‫اآلدميني وال ينتفع هبا أحد فهي أرض موات‪ ،‬وقد ّ‬
‫ـال القســطالِن‪ :‬بفــتا أولــه املعجــم والـواو‪ ،‬أي خــدمكم أو عبيــدكم‪ ،‬الّــذين يتخولـون احمــور‪ :‬أي يصــلعونه‪ .‬انظــر‪ :‬يفــة اححــوكي‪،‬‬
‫(‪ )1‬قَـ َ‬
‫(‪.)64/6‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ظ لـ ـ ــه‪ ،)2248/5( ،)899/2( ،)20/1( ،‬ومسـ ـ ــلم‬
‫صـ ـ ــعْيعه‪ ،‬ابب‪ :‬املعاصـ ـ ــي مـ ـ ــن أمـ ـ ــر اجلَاهليَّـ ـ ــة‪ ،‬واللف ـ ـ ـ ّ‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخـ ـ ــا ِر ّ‬
‫وسنَن البَـيْـ َه ِق ّي ‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف تسوية املالك‪ ،‬بني‬
‫وسنَن ّ‬
‫الرتمذي‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف اإلحسان إىل اخلدم‪ُ ،)334/4( ،‬‬
‫(‪ُ ،)1283/3‬‬
‫وم ْس ــنَد أمح ــد (‪ ،)161/5(،)158/5‬احدب املف ــرد (‪ ،)76/1‬والرتريي ــب‬
‫وس ــنَن أيب داود (‪ُ ،)340/4‬‬
‫طعام ــه وطع ــام رقيق ــه‪ُ ،)7/8( ،‬‬
‫والرتهيب‪.)149/3( ،‬‬
‫(‪ )3‬خليل‪ ،‬د‪ .‬عماد‪ :‬العدل االجتماعي ‪ ،‬ص(‪.)80‬‬
‫(‪ )4‬ابن قُدامة‪ ،‬عبد هللا بن أمحد بن حممد (‪620‬هـ) امل ْغين على خمتصر أيب القاسم عمر بن حسني بن عبد هللا اخلرقي (‪.)420/5‬‬
‫ُ‬
‫ال تعالـى‪َ  :‬و َّ‬
‫س ْقنَاهُ ِإلَى بَلَ ٍد َم ِيّ ٍ‬
‫ض بَ ْعدَ‬
‫س َحابا فَ ُ‬
‫س َل ِ ّ‬
‫الريَا َح فَتُثِ ُ‬
‫ف َق َ‬
‫ير َ‬
‫اّلِلُ الَّذِي أ َ ْر َ‬
‫ت فَأَحْ يَ ْينَا بِ ِه ْاأل َ ْر َ‬
‫َم ْوتِ َها‪.)1(‬‬
‫وعرف احلَنَ ِفيَّة احرض املوات بقوهلم ‪ « :‬ما ليس ميلك ححد وال هي من مرافق البلد وكانت‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫خارجة عن البلد سواء قربت عنه أو بعدت» وهذا قول حممد بن احلسن الشيباِنّ ‪ ،‬وبه الفتوى‪ ،‬وأما‬
‫أبو يوسف(‪ ، )3‬فاحرض املوات عنده هي ما ال ينتفع به من احرض النقطاع املاء عنه أو ريلبته عليه أو‬
‫(‪)4‬‬
‫وعرف املالكية املوات بقوهلم‪ :‬هو احرض اليت ال مالك هلا‬
‫كونه منقطعاً عن العمران وما أشبه كلك ‪ّ .‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وعرفه الشَّافِعِية بقوهلم‪ :‬هو ما مل يكن عامراً وال حرمياً لعامر قرب من العامر أو‬
‫وال ينتفع هبا ‪ّ .‬‬
‫بعد(‪.)6‬‬
‫وإحياء احرض املوات هو زراعتها أو تشجريها أو البناء عليها أو استعمال أي نوع من أنواع‬
‫االستعمال الذي يفيد اإلحياء فهو عملية مرحلية يراد هبا بعث النشاط واحلياة يف احراضي اجملدية‬
‫املوات وإعدادها للقيام مبهمتها احصلية وهي اإلنتاج الزراعي أو املراحبة عن طريق البيع واالستثمار‬
‫والبناء‪.‬‬
‫وكهب مجاهري العلماء إىل أن احرض املوات أرض مباحة‪ ،‬جيوز االستيالء عليها ومتلكها‬
‫ابإلحياء على خالف بينهم يف شروط اإلحياء‪.‬‬
‫وكهبت اإلمامية إىل « أن موات احرض ملك لإلمام ال ميلكه أحد‪ ،‬وإن أحياه ما مل أيكن له‬
‫اإلمام‪ ،‬بل فقد رجا حممد ابقر الصدر أبن اإلحياء إبكن اإلمام ال جييز التمليك إمنا يكون للمعيي‬
‫حق فيها وتظل ملكاً لإلمام »(‪.)7‬‬
‫(‪ )1‬فاطر ‪.9 /‬‬
‫وع ْمرو بن‬
‫(‪ )2‬هو حممد بن احلسن‪ ،‬بن فرقد ّ‬
‫الشيباِنّ‪ ،‬إمام ابلفقه واحصول‪ ،‬وهو الذي نشر فقه أيب حنيفة‪ ،‬وروى عن مالك والثـ َّْوري‪َ ،‬‬
‫دينــار‪ ،‬وآخ ـرين‪ُ .‬ولــد ســنة (‪ 132‬هجريـّـة) ونشــأ ابلكوفــة ‪ ،‬مثّ ســكن بغــداد‪ ،‬لــه كتــب كثــرية يف الفقــه واحصــول‪ ،‬منهــا‪ :‬املبســوط يف فــروع‬
‫الفق ــه‪ ،‬والـ ـزايدات‪ ،‬واجل ــامع الكب ــري‪ ،‬واجل ــامع الص ــغري‪ ،‬واآلاثر‪ ،‬وريريه ــا‪ .‬ت ــويف س ــنة (‪187‬هجري ــة)‪ .‬انظ ــر‪ :‬احع ــالم‪ ،)80/6( ،‬طبق ــات‬
‫الفقهاء‪ ،‬ص(‪.)16‬‬
‫ـويف سـنة (‪ 183‬هجريّـة) وهـو املقـ ّدم‬
‫حنفي‪ُ ،‬ولد سنة (‪ 113‬هجريّة) وت ّ‬
‫(‪ )3‬هو أبو يُوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكويف‪ ،‬فقيه ّ‬
‫توىل القضاء ٍ‬
‫لثالثة من اخللفاء‪ :‬املهدي‪ ،‬واهلادي‪ ،‬والرشيد‪ .‬له كتاب‪ :‬اخلِراج‪ ،‬وهو أول من وضع كتاابً يف أصول‬
‫من أصعاب أيب حنيفة‪ّ ،‬‬
‫الفقه على مذهب اإلمام أيب حنيفة‪ .‬انظر‪ :‬طبقات الفقهاء‪ ،‬ص(‪.)5‬‬
‫(‪ )4‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية ابن عابدين (‪.)431/6‬‬
‫(‪ )5‬الصاوي‪ ،‬أمحد بن حممد‪ ،‬بلغة السالك حقرب املسالك على الشرح الصغري حمحد بن حممد بن أمحد الدردير(‪.)293/2‬‬
‫(‪ )6‬اخلطيب‪ ،‬حممد الشربيين‪ :‬مغين احملتاج شرح املنهاج (‪.)361/2‬‬
‫(‪ )7‬الصدر‪ ،‬حممد ابقر ‪ :‬اقتصادان‪ ،‬ص(‪.)418-415‬‬
‫وكهب أبو حنيفة‪ :‬إىل اشرتاط إكن اإلمام دفعاً ملا يتوقع من اخلصومة بني احمليني‪ ،‬وقطعاً للنـزاع‬
‫ويقيقاً للمصاحل ودفعاً للمفاسد‪ ،‬والراجا ما كهب إليه اجلمهور ملا روي عن عائشة رضي هللا عنها أن‬
‫ال ‪ « : ‬من أحيا أرضا‬
‫عمر أرضا ليست ألحد فهو أحق بـهـا »(‪ ، )1‬وقَ َ‬
‫رسول هللا ‪ ‬قَ َ‬
‫ال‪ « :‬مـن َّ‬
‫ال ‪ « : ‬من أحاط حائطا على أرض فهي له »(‪.)3‬‬
‫ميتة فهي له »(‪ )2‬وقَ َ‬
‫ِ‬
‫نصها على أن من وجد أرضاً موااتً ليست مبلك ححد ومل يتعلق‬
‫فهذه اححاديث تدل بصريا ّ‬
‫هبا شيء من مصاحل املسلمني العامة فإ ّن إحياءها مباح وتصبا بعد متامه ملكاً للمعيي‪.‬‬
‫« وال فرق يف كلك بني املسلم وال ِّذمي إلطالق اححاديث‪ ،‬وحن ما أيخذه ال ِّذمي من بطون‬
‫احودية واآلجام ورؤوس اجلبال ملكه وال جيوز انتزاعه منه فاحرض املوات أوىل أن تكون ملكه »(‪.)4‬‬
‫إال أنه يشرتط يف الت ََّملُّك « أن يستثمر احملي احرض خالل م ّدة ثالث سنني من وضع يده‬
‫عليها وأن يستثمر هذا اإلحياء ابستغالل » فإن قام إبحيائها أصبعت له وملكاً هبذا السبب‪ ،‬وإال‬
‫فإن عليه أن يرتكها لغريه من املسلمني ليستفيدوا‪.‬‬
‫ـال رسول هللا ‪ « :‬من‬
‫وجاء يف اخلراج حيب يوسف عن عمـر بن اخلطَّاب رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫أحيا أرضا ميتة فهي له‪ ،‬وليس حملتج ٍر حق بعد ثالث سنني »(‪ ،)5‬وع ّقب أبو يوسف على حديث‬
‫عمر أبنه يؤخذ منه أن من حيتجز حقاً بعـد ثالث سنني ومل يعمل به فال حق له‪ ...‬وترك بعض‬
‫(‪ )1‬رواه البخــا ِري يف ِ‬
‫أعمـ َـر »‪ ،‬يف احلــرث والزراعــة‪ ،)18/5( ،‬وأمحــد يف مســنده‪،)120/16( ،‬‬
‫َُ ّ َ‬
‫صــعْيعه‪ ،‬عــن عائشــة‪ ،‬بلفــظ ‪ « :‬مــن َ‬
‫واللفظ له‪.‬‬
‫ي ع ــن ج ــابر معلق ـاً‪ ،)18/5( ،‬واملوط ــأ بش ــرح الزرق ــاِن‪ ،‬ابب‪ :‬القض ــاء يف ِعم ــارة امل ـوات‪ ،)29/4( ،‬وأمح ـد يف املس ــند‪،‬‬
‫(‪)2‬رواه البُ َخ ــا ِر ّ‬
‫(‪ ،)327/5‬وزاد أبو داود‪ ،‬قَ َ‬
‫أشهد أ ّن رسول هللا ‪ ‬قضى أ ّن احرض‪ ،‬أرض هللا تعـاىل‪ ،‬والعبـاد عبـاد هللا تعـاىل‪ ،‬ومـن أحيـا مـوااتً‬
‫ال عروة‪ُ :‬‬
‫فهــو أحـ ّـق بــه‪ ،)158/2( ،‬ورواه البَـْيـ َه ِقـ ّـي عــن عائشــة بلفــظ‪ « :‬مــن أحيــا مــن مـوات احرض شــيئاً‪ ،‬فهــي لــه‪-143-142-99/6( ،‬‬
‫ـال‬
‫حس ـ ّـن إس ــناد رواي ــة أيب داود‪ ،‬احل ــافظ ب ــن حج ــر يف بل ــوغ املـ ـرام‪ ،‬وق ــد قَـ َ‬
‫‪ ،)148‬وال ــدارقطين‪ ،)217/4( ،)46/3( ،‬وري ــريهم‪ ،‬وقـ ـ ّد ّ‬
‫احلباِن عن سند أيب داود‪ :‬هذا إسناد رجاله ثقات‪ ،‬لـوال أ ّن ابـن إسـعاق مـدلّس‪ ،‬وقـد عنعنـه‪ ،‬وحكـم عليـه أبنـه حسـن لشـواهده‪ ،‬اإلرواء‪،‬‬
‫ال احلافظ‪ :‬ويف أسانيدها م َقال ‪ ،‬لكن يتقوى بعضها ببعض‪.‬‬
‫(‪ .)335/3‬وقَ َ‬
‫(‪ )3‬رواه أمحــد يف مس ــنده‪ ،)21-12/5( ،)381/3( ،‬وأب ــو داود ‪ ،)179/3( ،‬واللف ــظ ل ــه‪ ،‬وه ــو مــن رواي ــة احلس ــن ع ــن مس ــرة‪ ،‬وق ــد‬
‫تص ِـعْيا ابـن اجلـارود لـه احلـافظ يف بلـوغ املـرام‪،‬‬
‫ّ‬
‫ضعفه احلباِن‪ ،‬اعتباراً مبذهبه يف مساع احلسن بن مسرة‪ ،‬وعنعنة احلسن تبعاً لـذلك‪ ،‬وككـر َ‬
‫ِ‬
‫وم ْســنَد عبــد بــن‬
‫)‪،‬‬
‫‪122‬‬
‫‪/‬‬
‫‪1‬‬
‫ـي‪(،‬‬
‫ـ‬
‫س‬
‫الطيال‬
‫د‬
‫ـن‬
‫ـ‬
‫س‬
‫م‬
‫ويف‬
‫)‪،‬‬
‫‪51‬‬
‫‪/‬‬
‫‪2‬‬
‫(‬
‫وايِن‪،‬‬
‫ـر‬
‫ـ‬
‫ل‬
‫ا‬
‫د‬
‫ـن‬
‫ـ‬
‫س‬
‫م‬
‫ويف‬
‫ـه‪،‬‬
‫ـ‬
‫ن‬
‫ع‬
‫ـديث‬
‫ـ‬
‫حل‬
‫ا‬
‫ا‬
‫ي‬
‫ـع‬
‫ـ‬
‫تص‬
‫ـرجيا‬
‫ـ‬
‫ت‬
‫ـت‬
‫ـ‬
‫ب‬
‫ث‬
‫ي‬
‫)‪،‬‬
‫‪866‬‬
‫ص(‬
‫ُ َْ‬
‫َ ْ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ َْ ّ‬
‫محيد‪ ،)330/1( ،‬واملعجم الكبري‪.)209-208/7( ،‬‬
‫ِ‬
‫تقي ال ِّدين ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)80‬‬
‫(‪ )4‬النَّـبَـ َهاِنّ‪ّ ،‬‬
‫ـري ع ــن س ــعيد ب ــن امل َس ــيِّب ع ــن عم ــر ب ــن اخلطَّــاب‪،‬‬
‫(‪ )5‬رواه أب ــو يوس ــف يف كت ــاب اخلـ ـراج‪ .‬قَـ َ‬
‫ـال حـ ـ ّدثنا احلس ــن ب ــن عم ــارة ع ــن ُّ‬
‫الزَه ـ ّ‬
‫ُ‬
‫الرأْي ة‪ :‬واحلسن ابن عمارة ضعيف‪ ،‬وسعيد عن عمر فيه كالم‪)290/4( ،‬‬
‫ص(‪ ،)102-101‬وقَ َ‬
‫ال صاحب نصب َ‬
‫الفقهاء هذه املدة لرأي اإلمام‪ .‬ويف كلك يقول ابن قُدامة يف امل ْغين‪ « :‬وإن سأل اإلمهال لعذر له أمهل‬
‫ُ‬
‫الشهر والشهرين وحنو كلك »(‪ .)1‬وجاء يف حاشية الباجوري ما يفيد معىن الكالم اآلنف الذكر(‪.)2‬‬
‫« والقانون اإلسالمي هنا أحكم من القانون الوضعي املستمد من القانون الفرنسي‪ .‬ففي هذا‬
‫وضع اليد م ّدة مخس عشرة سنة‪ ،‬لتصبا احرض ملكاً لواضع اليد‪ ،‬سواء أحياها أم‬
‫القانون يكفي ْ‬
‫تركها موااتً يف هذه املدة وفيما بعدها كذلك‪ ،‬فاحلكمة هنا منتفية يف تقرير حق امللكية‪ ،‬ونظرية « احمر‬
‫اإلسالميَّة ونظرة القانون الوضعي كبري»(‪.)3‬‬
‫الواقع » هي وحدها اليت تتعكم‪ ،‬وفرق بني النظرة ْ‬
‫وال خيفى من حكمة الش َّْرع برترييبه يف اإلحياء هو « حاجة الناس إىل موارد الزراعة وتعمري‬
‫الكون مما حيقق هلم رفاهاً اقتصادايً ويوفر ثروة عامة كربى »(‪.)4‬‬
‫‪ .3‬استخـراج مـا فـي ابطـن األرض‬
‫الركاز‪.‬‬
‫ومـن أنـواع العمـل استخراج ما يف ابطن احرض مما ليس حقاً لعامة املسلمني وهو ّ‬
‫وإما جاهلي‪.‬‬
‫وضابطه‪ :‬ما دفن يف ابطن احرض من أموال بفعل اإلنسان‪ ،‬وهو إما إسالمي ّ‬
‫فاإلسالمي ما وجد عليه عالمة أو كتابة تدل على دفن بعد ظهور اإلسالم‪ ،‬وأهل العلم يقرون ابلنسبة‬
‫هلذه احلالة أهنا متلك واملوجود من مال املسلم داخل احرض كاملوجود خارجها وأيخذ حكم اللقطة وهلا‬
‫تفاصيلها املدونة يف كتب الفقه‪.‬‬
‫أما الكنـز اجلاهلي‪ :‬فهو ما قام الدليل على أنه دفن قبل اإلسالم‪ .‬فإكا وجده إنسان فال خيلو من أربع‬
‫حاالت‪:‬‬
‫(‪ )1‬ابن قُدامة‪ :‬املغْين (‪.)420/5‬‬
‫ُ‬
‫(‪ )2‬الباجوري‪ ،‬إبراهيم‪ :‬حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم على منت أيب شجاع (‪.)39/2‬‬
‫(‪ )3‬قطب‪ :‬العدالَة االجتِم ِ‬
‫اعيَّة يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)125‬‬
‫َ‬
‫َْ‬
‫(‪ )4‬الزحيلي‪ ،‬د‪ .‬وهبة‪ :‬الفقه اإلسالمي (‪.)551/5‬‬
‫‪ .1‬أن جيده يف موات أو يف أرض ال يعلم هلا مالك أو يف طريق ريري مسلوك فهو لواجده وفيه‬
‫اخلمس بال خالف واحربعة أمخاس له‪.‬‬
‫‪ .2‬أن جيده يف ملك آدمي معصوم‪ ،‬ففيه روايتان عند اإلمام أمحد‪:‬‬
‫أ‪ -‬ميلكه واجده حن الكنـز ليس من أجزاء احرض‪ ،‬بل هو جزء منفصل عنها‪.‬‬
‫ب‪ -‬يكون لصاحب احرض عند اإلمام أيب حنيفة وحممد بن احلسن الشيباِن ورواية عند‬
‫اإلمام أمحد‪.‬‬
‫‪ .3‬أ ن جيده يف أرض احلرب ويعثر عليه بنفسه‪ ،‬فهو له حن مالك احرض ال حرمة له فأشبه‬
‫املوادة‪ ،‬فإن مل يقدر عليه إال حبماية املسلمني فهو رينيمة‪.‬‬
‫‪ .4‬أن جيده يف ملك انتقل إليه فهو له إن ظهر عليه‪ ،‬وهذه احلالة ري فيها الروايتان السابقتان‬
‫يف احلالة الثانية(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫ال‪ « :‬ويف الركاز‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬
‫وملكية ّ‬
‫الركاز اثبتة ابلسنّة‪ ،‬فعن أيب هريرة رضي هللا عنه أن الن ّ‬
‫ال‪:‬‬
‫ال‪ :‬سئل رسول هللا ‪ ‬عن اللُّقطة ف َق َ‬
‫اخلُمس »(‪ )2‬وعن َع ْمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قَ َ‬
‫عرفها سنة‪ ،‬فإن جاء صاحبها وإال ملك وما مل‬
‫« ما كان يف طريق مأيتّ‪ ،‬أو يف قرية عامرة ف ّ‬
‫الركاز اخلُمس»(‪.)3‬‬
‫يكن يف طريق مأيت وال يف قرية عامرة ففيه ويف ّ‬
‫الركاز إىل الوقت الذي شرع فيه هذا‬
‫وهنا ال بد من كلمة ت َقال‪ « :‬فقد كان يستخرج من ّ‬
‫احلكم هو من املعادن القليلة االستعمال‪ ،‬كالذهب والفضة‪ ،‬وهذه ليست من ضرورايت اجلماعة كلها‬
‫كالبرتول والفعم واحلديد‪ ،‬فهل يلعق البرتول والفعم واحلديد وما حكمها ابلضرورايت املشاعة كاملاء‬
‫ابلركاز الذي كان معروفاً يف أوائل عهد اإلسالم؟‬
‫والكأل والنار‪ ،‬أم ّ‬
‫َّ‬
‫إن الفقهاء قد اختلفوا يف حكم اجلواهر املستقرة يف احرض خبلق هللا كالذهب والفضة‬
‫والنعاس واحلديد كما اختلفوا يف مدلوهلا‪ ،‬وهل تدخل يت حكم الركاز من حيث وجوب إخراج‬
‫اخلمس فيه أم أن هلا حكماً آخر‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن قُدامة‪ ،‬موفق الدين عبد هللا‪ :‬الكايف (‪.)420/1‬‬
‫ي يف الزكاة‪ ،‬ابب‪ :‬ما يستخرج من البعر‪ ،)545-544/2( ،‬ومسـلم يف احلـدود‪ ،‬ابب‪ :‬جـرح العجمـاء‪-1334/3( ،‬‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخا ِر ّ‬
‫‪ ،)1335‬و ِ ِ ِ‬
‫وس ــنَن البَـْيـ َه ِق ـ ّـي الك ــربى‪ ،)190-187/6( ،‬وال ــدارقطين‪-96/1( ،‬‬
‫ّْ‬
‫الرتم ــذي(‪ ،)661-34/3‬والـ ــدارمي‪ُ ،)661/3( ،‬‬
‫وسنَن أيب داود‪ ،)136/2( ،‬واملنتقى البن اجلارود‪.)201-168-101/1( ،‬‬
‫‪ُ ،)236‬‬
‫الس ــنَن الك ــربى‪ ،)23/2( ،‬ويف ابب‪ :‬م ــا وج ــد م ــن اللقطّــة يف القري ــة اجلامع ــة‪ )423/3( ،‬واللف ــظ ل ــه‪ ،‬وكك ــره يف‬
‫ـائي يف ُ‬
‫(‪ )3‬رواه النس ـ ّ‬
‫اجملتىب‪)44/5(،‬‬
‫ويرتتب على هذا اخلالف إحلاق املعدن ابلركاز وعندئذ جيب فيه اخلمس أو التفريق بينهما يف‬
‫احلكم وعندئذ يسري عليه حكم جديد‪.‬‬
‫تقي ال ِّدين النَّـبَـ َه ِاِنّ‪ « :‬إن ماكان مركوزاً يف احرض بفعل إنسان أو كان حمدود املقدار‬
‫يقول ّ‬
‫ال يبلغ أن يكون للجماعة فيه حاجة فهو ركاز وما كان أصلياً وللجماعة فيه حاجة مل يكن ركازاً وكان‬
‫ملكاً عاماً وأما ما كان أصلياً ومل يكن للجماعة فيه حاجة‪ ،‬كاحملاجر اليت تستخرج منها حجارة البناء‬
‫وريريه‪ ،‬فال يكون ركازاً وال ملكاً عاماً بل هو داخل يف املِْل ِكيَّة الفردية»(‪.)1‬‬
‫فالركاز هو‬
‫ويقول الدكتور وهيب الزحيلي‪ « :‬ويهمنا رأي املالكية الذي يفرق بني الكنـز واملعدن ّ‬
‫الرأْي يتفق مع النظرة‬
‫الكنـز وأما املعدن فهو ما خيرج من احرض من كهب وفضة بعمل وتصفية وهذا َ‬
‫احلديثة للدول يف ملكية املعادن»(‪.)2‬‬
‫ويقول اإلمام أبو زهرة‪ « :‬وهذا جيعل هذه املعادن ملكاً للدولة وابلتايل ملكاً للجماعة تعود‬
‫فائدهتا إىل مجيع احفراد دون أن يكون كلك مقتصراً على فئة دون فئة »(‪.)3‬‬
‫ويقول َسيِّد قطب‪ « :‬وحنن منيل إىل رأي املالكية يف اعتبار هذه احنواع ملكاً عاماً‪ ،‬ال تنتقل‬
‫ملكيته إىل مالك احرض اليت وجد فيها‪ ،‬حن متلكه لألرض ال يعين متلك ما فيها‪ ،‬إك ليس ملثلها متلك‬
‫احرض وتطلب يف العادة »(‪.)4‬‬
‫وعليه‪ « ،‬فال جيوز لألفراد أن ميتلكوها نظراً حمهيتها وعدم التوافق بني اجلهد املبذول فيها‬
‫والناتج الذي حيصل منها الذي يوجب أن تكون ملكيتها للدولة وحيق للدولة أن تقطع هذه املعادن ملن‬
‫د فيه القدرة على استثمارها على أن يكون للمقطع له حق االستغالل(‪ )5‬وتبقى ملكية الرقبة للدولة‪،‬‬
‫وحيق هلا أن تسرتد كلك احلق مىت انتهت فرتة اإلقطاع»(‪. )6‬‬
‫(‪ )1‬النَّـبَـ َه ِاِنّ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)81‬‬
‫(‪ )2‬الزحيلي‪ ،‬د‪ .‬وهبة‪ :‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪.)583/5( ،‬‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬ص(‪.)123‬‬
‫وانظر ‪ :‬أبو زهرة ‪ ،‬الشيخ حممد‪ :‬املِْل ِكيَّة ونظرية العقد يف َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫الش ـ ـ ِر َيعة‬
‫(‪ )3‬أب ــو زه ــرة ‪ ،‬الش ــيخ حمم ــد‪ :‬التكاف ــل االجتم ــاعي يف اإلس ــالم‪ ،‬ص(‪ .)38‬وانظ ــر‪ :‬أب ــو زه ــرة‪ :‬املِلْ ِكيَّ ــة ونظري ــة العق ــد يف َّ‬
‫اإلسالميَّة ‪.)360/1( ،‬‬
‫اإل ْسالميَّة ‪ ،‬ص(‪ .)123‬والعبادي‪ ،‬عبد السالم داود ‪ :‬املِْل ِكيَّة يف َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫(‪ )4‬قطب‪ :‬العدالَة االجتِم ِ‬
‫اعيَّة يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)125‬‬
‫َ‬
‫َْ‬
‫(‪ )5‬وقد أورد املاوردي يف اححكام السلطانية أن إقطاع املعادن الباطنة فيه حكمان‪:‬‬
‫احول‪ :‬إقطاع متليك‪ ،‬وميلك به املقطع له الرقبة واالستغالل‪.‬‬
‫الثاِن‪ :‬إقطاع إرفاق‪ ،‬وال ميلك به املقطع له رقبة املعدن‪ ،‬فإكا تركه عاد إىل حكم اإلابحة‪.‬‬
‫املاوردي‪ :‬اححكام السلطانية ‪ ،‬ص(‪.)188‬‬
‫(‪ )6‬ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن راشد (‪520‬هـ)‪ ،‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ص(‪.)225‬‬
‫ال‪ « :‬هذا من مراد هللا‬
‫أورد ابن عقيل يف حكمة ملكية الثروات اململوكة ملكية عامة‪ ،‬ف َق َ‬
‫الكرمي وفيض جوده الذي ال ريناء عنه‪ ،‬فلو ملكه ححد ابالحتجار ملك منفعة‪ ،‬فضاق على الناس‬
‫فإن أخذ العوض أرياله‪ ،‬فتخرج به عن املوضع الذي وضعه هللا‪ ،‬من تعميم كوي احلوائج من ريري‬
‫كلفة(‪.)1‬‬
‫ال الكاساِن(‪ « :)2‬وأرض امللا والقار والنفط وحنوها مما ال يستغين عنه املسلمون ال جيوز‬
‫وقَ َ‬
‫لإلمـام أن يقطعهـا ححـد حهنـا حـق لعامة املسلمني ويف إقطاعها إبطال حلقهم وهذا ال جيوز »(‪.)3‬‬
‫الصي ــد‬
‫‪ّ .4‬‬
‫الصيد‪ ،‬وهو‪ « :‬اقتناص احليوان احلالل املتوحش ابلطبع الذي يقدر‬
‫ومن أنواع العمل ّ‬
‫عليه»(‪ .)4‬والصيد من الوسائل البدائية احوىل يف حياة البشرية وال يزال مورداً اقتصادايً مهماً كصيد‬
‫السمك والآللئ واملرجـان واإلسفنـج وما إليهـا من صيـد البعر والرب‪ ،‬فإهنا ملك ملن يصيدها‪.‬‬
‫ص ْيدُ ْالبَحْ ِر َو َ‬
‫ص ْيدُ ْال َب ِ ّر َما‬
‫ط َعا ُمهُ َمت َاعا لَ ُك ْم َو ِلل َّ‬
‫قَ َ‬
‫َّارةِ َو ُح ِ ّر َم َ‬
‫علَ ْي ُك ْم َ‬
‫ال تعاىل‪ :‬أ ُ ِح َّل لَ ُك ْم َ‬
‫سي َ‬
‫(‪)5‬‬
‫د ُْمت ُ ْم ُح ُرما‪‬‬
‫ص َطادُوا‪ )6(‬فالصيـد منشيء للملكية عند اكتمال الشروط وانتفاء املوانع‪.‬‬
‫ال تعاىل‪َ  :‬و ِإذَا َحلَ ْلت ُ ْم فَا ْ‬
‫وقَ َ‬
‫ويتم إما ابالستيالء الفعلي أو احلقيقي‪ ،‬وإما ابالستيالء احلكمي‪.‬‬
‫فاحلقيقي‪ :‬هو إمساك الصائد ابليد ابقرتاب الصائد منه‪ ،‬وهو يف مصيدته حبيث ميكنه القبض‬
‫عليه وهذا النوع ال حيتاج متلكه إىل نيّة وقصد الصيد وحكمه‪ :‬أنه يثبت به امللك مستقراً وال خيرج عن‬
‫ملك صاحبه حىت ولو استطاع الفرار عند ريري مالك حنه ابستيالء الصائد عليه خرج عن إابحته‬
‫احصلية‪ ،‬أما املالكية فريون وجوب استئناس الصيد عن صائده احول‪ ،‬أما إكا َّفر قبيل استئناسه فإنه‬
‫يزول ملكه عنه‪ ،‬فإكا صاده ريري ملكه‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن قُدامة املقدسي‪ :‬امل ْغين مع الشرح الكبري (‪.)522-520/5‬‬
‫ُ‬
‫(‪ )2‬الكساِن‪ ،‬هو اإلمام عالء الـدين ابـو بكـر بـن مسـعود الكسـاِن احلنفـي نسـبة إىل كسـان يف بـالد تركسـتان‪ ،‬فقيـه أصـويل‪ ،‬يُلقـب مبلـك‬
‫العلماء‪ ،‬تويف يف حلب سنة (‪ 587‬هجرية )‪ .‬انظر‪ :‬هدية العارفني ‪ ،)235/1( ،‬معجم املؤلفني‪.)75/3( ،‬‬
‫(‪ )3‬الكاساِن‪ ،‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود‪587( ،‬هـ) بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع (‪.)194-193/6‬‬
‫ِ‬
‫السنة‪.)29/2( ،‬‬
‫(‪ )4‬سابق‪َ ،‬سيّد‪ :‬فقه ّ‬
‫(‪ )5‬املائدة ‪.96 /‬‬
‫(‪ )6‬املائدة ‪.2 /‬‬
‫واحلكمي ‪ :‬هو ما يكون بوساطة اآللة وحدها وخيرج الصيد هبا عن مناعته وحالته الطبيعية‬
‫وكلك كمن يضع الشبكة فيتعلق هبا صيد وحنو كلك‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أن امللك يثبت به شرطني‪:‬‬
‫احول‪ :‬أن يكون قصد الصائد بعمله الصيد‪ ،‬فإن مل يقصد الصيد كمن ينشر شبكته حجل‬
‫فيفها فيقع هبا صيد فإنه ال ميلكها‪.‬‬
‫الثاِن‪ :‬أن يكون العمل معجزاً للصيد عن الفرار والعودة إىل حالته الطبيعية‪ ،‬فإكا توافر‬
‫الشرطان أصبا الصيد من حق الصائد‪.‬‬
‫فالفرق بني االستيالء احلقيقي واحلكمي‪ :‬أن احلقيقي ال حيتاج إىل نيّة مطلقاً ويثبت به امللك‬
‫ويستقر وال خيرج عن ملك صاحبه حىت ولو استطاع الفرار على اخلالف املذكور آنفاً‪ ،‬وأن احلكمي‬
‫يشرتط منه نيّة الصيد وتثبت املِْل ِكيَّة فيه إكا مل يتمكن من الفرار وكان قد خرج عن طبيعته‪ ،‬فإكا‬
‫(‪) 1‬‬
‫توافر كلك واستقر أصبا ملكه حقيقاً‬
‫السمسـرة والداللــة‬
‫‪ّ .5‬‬
‫السمسار اسم يعمل للغري ابحجر بيعاً وشراءً وهو يصدق أيضاً على الدالل‪ ،‬فإنه يعمل للغري‬
‫ّ‬
‫ابحجر بيعاً وشراءً‪.‬‬
‫والسمسرة نوع من أنواع احعمال اليت ميلك هبا املال شرعاً‪.‬‬
‫ال‪ « :‬كنَّا يف عهد رسول هللا ‪ ‬نسمي السماسرة‪،‬‬
‫فقد روى أبو داود عن قيس بن أيب ريرزة الكناِن قَ َ‬
‫التجار إن البيع حيضره اللغو‬
‫فمر بنا رسول هللا ‪ ‬فسماان ابسم هو أحسن منه‪ ،‬ف َق َ‬
‫ال‪ « :‬اي معشر ّ‬
‫ّ‬
‫واحللف فشوبوه ابلصدقة »(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪ -1‬الكاساِن‪ ،‬بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع (‪ )193/6‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -2‬مدكور‪ ،‬الفقه اإلسالمي ‪ ،‬ص(‪.)224-219‬‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬ص(‪.)335-333‬‬
‫‪ -3‬بدران‪ ،‬د‪ .‬بدران أبو العنني‪َّ :‬‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫‪ -4‬ابن اهلّّمام‪ ،‬كمال الدين حممد‪ :‬فتا القدير و شرح اهلدايّة‪.)191/5( ،‬‬
‫ِ‬
‫وســنَن البَـْيـ َهقـ ّـي الكــربى‪،‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبــو داود يف ُســنَنه‪ ،‬كتــاب البيــوع‪ ،‬ابب‪ :‬يف التجــارة ُخيالطهــا احللــف واللغــو‪ ،)242/3( ،‬واللفــظ لــه‪ُ ،‬‬
‫الس ــنَن الك ــربى‪ ،)132-131/3( ،‬واملعج ــم احوس ــط‪،)379/4(،)212/4( ،‬‬
‫ابب كراهيّ ــة اليم ــني يف البي ــع‪ ،)266-265/5( ،‬و ُ‬
‫ي يف اترخيه‪.‬‬
‫وم ْسنَد أمحد ‪ ،)280-6/4(،‬واإلصابة‪ .)493/5( ،‬وقَ َ‬
‫ُ‬
‫ال ‪ :‬أخرجه البُ َخا ِر ّ‬
‫ومعناه‪ :‬أنه يبالغ يف وصف سلعته حىت يتعدث مبا هو لغو‪ ،‬وقد جيازف يف احللف لرتويا‬
‫سلعته فيندب إىل الصدقة ليمعو أثر كلك وال بد من أن يكون العمل الذي استؤجر عليه للبيع والشراء‬
‫معلوماً إما ابلسلعة‪ ،‬وإما ابملدة‪ ،‬فإكا استأجره ليبيع له‪ ،‬أو ليشرتي له الدار الفالنية أو املتاع الفالِن‬
‫صا‪ ،‬وأما إكا استأجره لعمل جمهول فهو‬
‫صا وكذلك إكا استأجره ليبيع له أو ليشرتي له يوماً إىل الليل ّ‬
‫ّ‬
‫فاسد‪.‬‬
‫التاجر رسوالً عنه ليشرتي له بضاعة‬
‫يرسل ُ‬
‫وليس من السمسرة ما يفعله بعض احُجراء وهو أ ْن َ‬
‫من آخر فيعطيه ماالً مقابل شرائه من عنده فال حيسبها من الثمن‪ ،‬بل أيخذها له ابعتباره مسسرة من‬
‫التاجر‪ ،‬وهو ما يُسمى ( القومسيون ) فهذا ال يعترب مسسرة حن الشخص وكيل عن التاجر الذي‬
‫يشرتي له‪ ،‬فما ينقص من الثمن هو للمشرتي وليس للرسول‪ ،‬ولذلك حيرم عليه أخذه بل هو للمرسل‬
‫الذي أرسله إال أن يساما به ِ‬
‫املرسل فيجوز‪ ،‬وكذلك لو أرسل خادمة‪ ،‬أو صديقه ليشرتي له شيئاً‪،‬‬
‫وأعطاه البائع ماالً أي‪( :‬قومسيوانً) مقابل شرائه من عنده‪ ،‬فإنه ال جيوز أخذه حنه ليس مسسرة وإمنا‬
‫للمرسل وليس للرسول املشرتي عن ِ‬
‫هو سرقه من مال الشخص املرسل‪ ،‬إك هو ِ‬
‫املرسل‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الطـــــــرق المباحــــــة باألسبـــــاب ال َّ‬
‫ش ْرعيــــــة‬
‫‪ -1‬الزكـاة‬
‫الزكاة يف اللغة‪ :‬النماء‪ ،‬وأتيت مبعىن التطهري‪ ،‬وكال املعنيني مقصودان يف تشريع الزكاة‪ ،‬فهي‬
‫طهرة لألموال ومناء هلا على معىن احصل‪ ،‬أما كوهنا طهرة لألموال‪ ،‬فألن احموال اليت بني أيدي الناس‬
‫تشتمل على حقوق الفقراء‪ ،‬ويف إخراج هذه احلقوق منها بزكاهتا طهارة هلا‪ ،‬وأما كوهنا سبباً لنمائها‪،‬‬
‫فذلك حن اكتناز احموال مع اإلنفاق منها يؤدي إىل نقصاهنا ونضوهبا‪ ،‬مث تزيد الزكاة يف سرعة نضوهبا‬
‫النتقاصها منها كل عام وكلك إن مل حيركها صاحبها يف عملية التنمية والتجارة وبذلك يث الزكاة‬
‫صاحب املال على دفع أمواله يف عملية التنمية خشية نضوهبا‪ ،‬وبذلك تكون احموال سبباً لنمائها‬
‫مال‬
‫ويل َ‬
‫ال ‪ « :‬اجتروا يف أموال اليتامى ال أتكلها الزكاة »(‪ ، )1‬وقَ َ‬
‫وكلك كمـا قَ َ‬
‫ال ‪ « :‬أالَ من َّ‬
‫ٍ‬
‫ال‬
‫يتيم‪ ،‬فليتجر له فيه‪ ،‬وال يرتكه‪ ،‬فتأكله الزكاة »(‪ )2‬فإخراجها سبب لنماء املال وزايدته كما قَ َ‬
‫تعاىل‪َ  :‬ي ْم َح ُق َّ‬
‫ال ‪« : ‬ما نقصت صدقة من مال»(‪ .)4‬وقد‬
‫صدَقَا ِ‬
‫الر َبا َوي ُْر ِبي ال َّ‬
‫اّلِلُ ِ ّ‬
‫ت ‪ )3( ‬وقَ َ‬
‫(‪)5‬‬
‫َّ‬
‫ويل مال اليتيم‬
‫روى أبو عبيد القاسم بن سالم يف كتابه احموال أن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه ّ‬
‫ال أبو عبيد‪ :‬يعين إن مل يعطه يف التجـارة(‪.)6‬‬
‫ال‪ « :‬إن تركنا هذا (املال) أتت عليه الزكاة » قَ َ‬
‫ف َق َ‬
‫وعلى هذا فنظام الزكاة جيعل رأس املال يف حالة حركة دائمة‪ ،‬وممّا يُلفت النظر إليه‪ ،‬أننا وجدان‬
‫من علماء االقتصاد يف أورواب من يفكر يف طريقة عملية لتعريك النقود اجملمدة يف صناديق الذين‬
‫يكتنـزوهنا وال ينفقوهنا‪ ،‬وعلى سبيل املثال وجدان جفري مارك يف كتابه‪ :‬الوثنية اجلديدة‪ ،‬يقرتح أن‬
‫تفرض الد َّْولَة ضريبة خاصة على كل أرصدة الودائع من النقد يف املصارف(‪ .)7‬ووجدان لورد كينـز يقرتح‬
‫يميل النقد تكاليف حيازته يف نسبة مئوية تفرض على أصوله لتعفزه دائماً إىل ميدانه احليوي يف‬
‫اإلنتاج والتبادل(‪ ،)8‬وحنن نرى أن ما انتهى إليه هذان املفكران ليس جديداً علينا ففي فرض الزكاة على‬
‫النقود وتوظيفها يف توفري صنوف الرعاية االجتِم ِ‬
‫اعيَّة ملن هم يف حاجة إليها يف اجملتمع تنشيط لعجلة‬
‫َْ‬
‫االقتصاد وحث لألصول النقدية إىل جماهلا احليوي يف ميادين االستثمار وحركة اإلنتاج والتبادل يف‬
‫احسواق وهبذا حال اإلسالم بتشريعاته املالية من دون كنـز النقود وتعطيلها عن دورة اإلنتاج والتبادل‪،‬‬
‫حن النقود يف حقيقتها ال تعدو أن تكون ممثلة لسائر الطيبات من سلع وخدمات‪ ،‬وهي كما يقول‬
‫(‪ )1‬رواه مالك يف املوطأ‪ ،‬ابب‪ :‬زكـاة أمـوال اليتـامى والتجـارة‪ ،‬هلـم فيهـا عـن عمـر بـن اخلطَّـاب‪ ،)251/1( ،‬والطَّـرباِن يف املعجـم احوسـط‬
‫صـ ـ ِـعْيا‪،‬‬
‫ع ــن ب ــن أن ــس‪ ،)264/4( ،‬ويف ــة احح ــوكي‪ ،)283/3( ،‬وجمم ــع الزوائ ــد ‪ ،‬ابب‪ :‬زك ــاة أمـ ـوال احيت ــام‪ ،‬وقَ ـ َ‬
‫ـال ‪ :‬إ ّن إس ــناده َ‬
‫ص ِعْيا ‪.‬‬
‫ال اهليثمي‪ :‬قَ َ‬
‫(‪ ،)67/3‬وفيض القدير‪ ،)107/1( ،‬قَ َ‬
‫ال العراقي‪ :‬إ ّن إسناده َ‬
‫(‪ )2‬شرح الزرقاِن‪ ،)439/3( ،‬عن َع ْمرو بن ُشعيب عن أبيه‪ ،‬عن جده‪.‬‬
‫(‪ )3‬البقرة ‪.276 /‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسـلم يف صـ ِـعيعه عــن أيب هريـرة‪ ،‬ابب‪ :‬اســتعباب العفــو والتواضــع‪ِ ،)2001/4( ،‬‬
‫وصـ ِـعْيا‬
‫َ ْ‬
‫وصـعْيا ابــن ُخَزْميـَـة‪َ ،)97/4( ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وســنَن‬
‫وســنَن ّ ْ‬
‫وســنَن الــدارمي‪ ،‬ابب‪ :‬فضــل الصــدقة‪ُ ،)486/1( ،‬‬
‫الرتمــذي ابب‪ :‬مــا جــاء يف التواضــع (‪ُ )376/4‬‬
‫ابــن حبّــان‪ُ )40/8( ،‬‬
‫ِ‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪ )286/2‬واملعجم الكبري (‪.)405/11‬‬
‫البَـْيـ َهق ّي الكربى (‪ ،)235/10()161/8‬وموطأ مالك (‪ُ ،)1000/2‬‬
‫(‪ )5‬هو أبو عبيد القاسم بن سالم اهلروي احزدي اخلزاعي ابلوالء بغدادي‪ ،‬من كبار علماء احلديث واحدب والفقه‪ ،‬ألّـف كتبـاًكثـرية منهـا‬
‫الغريب وهو من أئمة أهل السنة واجلماعة تويف مبكة سنة ‪224‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬سري أعالم النبالء (‪ .)490/10‬وهتذيب التهذيب (‪)315/8‬‬
‫واحعالم (‪.)176/5‬‬
‫(‪ )6‬ابن سالم‪ ،‬أبو عبيد القاسم‪ ،‬احموال‪ ،‬ص(‪.)612‬‬
‫(‪ )7‬قرشي‪ ،‬أنور إقبال‪ ،‬اإلسالم و ِّ‬
‫الرَاب ‪ ،‬ترمجة فاروق حلمي ‪ ،‬ص(‪.)188‬‬
‫(‪ )8‬قرشي‪ ،‬أنور إقبال‪ ،‬اإلسالم و ِّ‬
‫الرَاب ‪ ،‬ترمجة فاروق حلمي ‪ ،‬ص(‪.)68‬‬
‫التمول وأمثان احشياء »(‪ )1‬وما يزال االقتصاديون ال يؤمنون أبن املال يف كاته هو‬
‫الزخمشري‪ « :‬قانون ّ‬
‫الثروة أو أنه انفع إال إكا كان خادماً مرريوابً منه لإلنتاج والتبادل‪ ،‬فإكا تكدس فقد انقلب خمدوماً ومل‬
‫يعد خادمـاً(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سبِي ِل َّ‬
‫َب َو ْال ِف َّ‬
‫اّلِلِ‬
‫ومن هنا نفهم معىن قول هللا تعاىل‪َ  :‬والَّذِينَ يَ ْكنِ ُزونَ الذَّه َ‬
‫ضةَ َو َال يُ ْن ِفقُونَ َها فِي َ‬
‫فَبَ ّ‬
‫ب أ َ ِل ٍيم‪ )4(‬فال كنـز ما دام اإلنفاق يف سبيل هللا موجوداً وأقلّه الزكاة‪ ،‬ويف احثر «ما أديت‬
‫ش ِْر ُه ْم بِعَذَا ٍ‬
‫زكاته فليس بكنـز »(‪ )5‬إك ال تمع الكنـزية والزكاة كما أن رأس املال ليس من حقه الربا حنه رأمسال‬
‫جمرد‪ ،‬بل لآلخرين فيه حق جملرد أنه رأمسال‪ ،‬وال يستعق رأس املال الربا بعد هذا إال يف مقابل‬
‫استعداده لتعمل اخلسارة كما يف شركة املضاربة‪ ،‬إمنا يستعق صاحب رأس املال الربا يف مقابل يمله‬
‫اخلسارة كلها يف حالة اخلسران‪ ،‬أما رأس املال اجملرد فإنه يستعق النقصان ابلزكاة وال يستعق الربا‬
‫بدون مقابل‪.‬‬
‫اإلسالميَّة إىل‬
‫وهذا فارق دقيق كبري بني النظرة َّ‬
‫الرأْ ُمساليَّة والشيوعية من جهة‪ ،‬وبني النظرة ْ‬
‫قضية رأس املال‪.‬‬
‫الرأْ ُمساليَّة ترى أن رأس املال يستعق الربا دائماً وبال مقابل‪ ،‬ومن هنا أجازوا ِّ‬
‫الرَاب‬
‫فالنظرية َّ‬
‫وأمثاله مما يكون فيه رأس املال راحباً يف كل حالة‪ ،‬ومل يفرضوا على رأس املال أي ضريبة وإمنا تكون‬
‫الضرائب على أرابح رأس املال‪.‬‬
‫والنظرية الشيوعية اليت تعترب رأس املال مستغالً وأنه ميتص أرابح العمال‪.‬‬
‫الكشاف‪ ،‬ص(‪.)187‬‬
‫(‪ )1‬الزخمشري‪ّ :‬‬
‫(‪ )2‬قرشي‪ ،‬أنور إقبال‪ :‬اإلسالم و ِّ‬
‫الرَاب‪ ،‬ص(‪.)188‬‬
‫خص الذهب والفضـة مـن بـني املعـادن هنـا حهنمـا‬
‫(‪ )3‬كنـز املال يف احصل هو جعل بعضه فوق بعض وحفظه يف الصناديق واخلزن ‪ ،‬وقد ّ‬
‫أمثان احشياء وقانون التمول ‪ ،‬وهو أداة التبادل العامة وحن كنـزه هو الذي يظهر فيه أثر النهي‪:‬‬
‫‪ -1‬احصفهاِن‪ ،‬الراريب‪ :‬املفردات يف ريريب القرآن‪ ،‬ص(‪.)442‬‬
‫‪ -2‬الزخمشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق التنزيل ‪ ،‬ص(‪.)187‬‬
‫‪ -3‬النَّـبَـ َه ِاِنّ‪ :‬النِّظَام االقتصادي‪ ،‬ص(‪.)264‬‬
‫(‪ )4‬التوبة ‪.34 /‬‬
‫(‪ )5‬هذا احثر ليس حديثاً عن رسول هللا ‪ ،‬إّمنا روي عن عمر بن اخلطَّـاب رضـي هللا عنـه‪ .‬انظـر مصـنف بـن أيب شـيبة(‪ )411/2‬بلفـظ‬
‫‪« :‬ليس بكنـز ما ّأدى زكاته» ومصنّف عبد الرزاق ‪«:‬ليس بكنـز إكا ّأديت زكاته »‪ ،‬ص(‪.)402‬‬
‫« فاإلسالم بواسطة أنظمته كلها وبواسطة الزكاة قد جعل املسألة يف وضع ال ميكن أن يكون هناك‬
‫أعدل منه‪ :‬املال يربا يف مقابل يمله اخلسارة‪ .‬وصاحب رأس املال يربا يف مقابل إدارته ويمله‬
‫اخلسارة »(‪. )1‬‬
‫وعلى صاحب رأس املال أن يدفع سنوايً‪ ،‬ال من احرابح وحدها‪ ،‬بل من احرابح ورأس املال‬
‫نسبة مئوية اثبتة‪ ،‬حصناف من البشر‪.‬‬
‫فزكاة الثروة النقدية تكون بنسبة ‪ % 2,5‬اثنني ونصف يف املائة من الثروة النقدية اليت حيول‬
‫احلول على حيازهتا‪ ،‬وزكاة العروض التجارية أبنواعها من شىت السلع والبضائع تكون بنسبة ‪% 2,5‬‬
‫اثنني ونصف يف املائة‪ ،‬من جمموع قيمتها النقدية وزكاة الثروة الزراعية تكون بنسبة ‪ %10‬أي عشر‬
‫احملاصيل الزراعية ومثارها إكا سقيت مباء املطر دون آلة‪ ،‬وبنسبة ‪ % 5‬أي نصف عشر احملاصيل اليت‬
‫تسقى ابآللة وتستلزم تكاليف السقي وجر املياه إليها وزكاة الثروة احليوانية من اإلبل والبقر والغنم‬
‫واملاعز‪ ،‬بنسب تتفاوت تبعاً حعدادها كما هو مبني يف مواضعه من كتب الفقه اإلسالمي وزكاة الثروة‬
‫املعدنية من ركاز يف ابطن احرض ومعادن تستخرج عن طريق املناجم بنسبة اخلُمس مما خيرج من احرض‬
‫من كنوز ومعادن‪ ،‬وزكاة الثروة البعرية بنسبة اخلُمس مما خيرج من البعر‪ ،‬وقد روى القاضي أبو يوسف‬
‫ال‬
‫جل ثناؤه من البعر اخلُمس» قَ َ‬
‫يف كلك أن عمر بن اخلطَّاب رضي هللا عنه قَ َ‬
‫ال‪ « :‬فيما أخرج هللا ّ‬
‫ابن َعبَّاس « وكلك رأيي »(‪.)2‬‬
‫ال‪ « :‬كتب عمر بن‬
‫ومن التطبيقات املهمة يف كلك ما رواه لنا أبو عبيد القاسم بن سالم قَ َ‬
‫عبد العزيز إىل عاملة على عمان أن ال أيخذ من السمك شيئاً حىت يبلغ مائيت درهم‪ ،‬فإكا بلغ مائيت‬
‫درهم فخذ منه الزكاة(‪.)3‬‬
‫ويصيل زكاة الثروة وجبايتها وظيفة من الوظائف احَ َساسيَّة للدولة يف اإلسالم حيث تقوم‬
‫احجهزة اإلدارية املختصة بذلك ابإلشراف على ميزانية هذه الفريضة املالية‪ ،‬وتدقيق حساابهتا وضبط‬
‫شؤونـها وتنظيم جبايتها وتوجيهها إىل مصارفها وأهدافها لتوفري صنوف الرعاية االجتِم ِ‬
‫اعيَّة ملن هم‬
‫َْ‬
‫حباجة إليها‪ ،‬ولذلك فقد خصص القرآن سهماً خاصاً من ميزانية الزكاة لـ « العاملني عليها » وهم‬
‫املوظفون القائمون بتنظيم شؤوهنا وضبط أمورها مما يؤكد أن يصيل هذه الفريضة املالية هو وظيفة من‬
‫صدَقَة ت ُ َ‬
‫ط ِ ّه ُر ُه ْم‬
‫وظائف اإلدارات الرمسية يف الد َّْولَة وكلك كما قَ َ‬
‫ال هللا تعاىل‪ُ  :‬خ ْذ ِم ْن أ َ ْم َوا ِل ِه ْم َ‬
‫(‪ )1‬حوى‪ :‬سعيد‪ ،‬اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)116‬‬
‫(‪ )2‬أبو يوسف‪ ،‬القاضي‪ ،‬اخلراج ‪ ،‬ص(‪.)70‬‬
‫(‪ )3‬ابن سالم‪ ،‬أبو عبيد القاسم‪ :‬احموال ‪ ،‬ص(‪.)482‬‬
‫َوتُزَ ِ ّكي ِه ْم بِ َها‪ )1(‬فقولــه تعالـى‪ُ  :‬خ ْذ ِم ْن أ َ ْم َوا ِل ِه ْم ‪ ‬خطاب للنيب ‪ ‬ولكل ويل حيكم الد َّْولَة من أمته‬
‫ليقوم بتعصيل هذه الفريضة املالية واإللزام هبا‪ ،‬وعدم التفريط فيها‪ .‬واحلكمة يف توجيه اخلطاب هنا‬
‫للنيب ‪ ‬أنه الداعي إىل هللا واملبني عنه ما أراده‪ ... ،‬وليكون سلوك احمة يف تشريعها احلقوقي على‬
‫حسب ما ينهجه ويبينه هلم(‪.)2‬‬
‫نصت السنّة النبوية على وظيفة الد َّْولَة يف يصيل هذه الفريضة املالية وتوجيهها يف‬
‫وقد ّ‬
‫مصارفها وكلك يف قوله ‪ ‬ملعاك بن جبل حني بعثه إىل اليمن فأخربهم أن هللا افرتض عليهم صدقة‬
‫ال ابن َح َج ٍر يف شرحه هلذا احلديث استدل بقوله‪:‬‬
‫تؤخذ من أرينيائهم فرتد على فقرائهم(‪ )3‬وقد قَ َ‬
‫«تؤخذ من أرينيائهم فرتد على فقرائهم» على أن اإلمام‪-‬وهو احلاكم‪ -‬هو الذي يتوىل قبض الزكاة‬
‫وصرفهـا‪ ،‬إما بنفسـه وإما بنائبـه‪ ،‬فمن امتنع منها أخذت منه قهراً »(‪. )4‬‬
‫ولذلك أعلن أبو بكر الصديق رضي هللا عنه حرابً على الذين متردوا وامتنعوا عن أداء الزكاة‬
‫للدولة‪ ،‬حىت محلهم على أدائها‪.‬‬
‫ومن التطبيقات العملية يف ما رواه لنا أبو عبيد القاسم بن سالم عن انفع رضي هللا عنه‪ :‬أن‬
‫ال‪ « :‬ادفعوها إىل العمال»(‪ ،)5‬كما روى أبو عبيد‬
‫احنصار سألوا ابن عمر عن الصدقة (أي الزكاة ) ف َق َ‬
‫أسيِّد ( عبيد هللا بن اثبت‬
‫القاسم بن سالم عن أيب يُونُس موىل أيب هريرة أنه مسع أاب هريرة وأاب َ‬
‫احنصاري) صاحيب رسول هللا ‪ ‬يقوالن‪ « :‬إن حقاً على الناس إكا قدم املصدق أن يرحبوا به وخيربوه‬
‫أبمواهلم وال خيفوا عنه شيئاً »(‪.)6‬‬
‫وهذا كلّه قرآن وسنّة وتطبيق عملي‪ ،‬يدل على أن يصيل زكاة الثروة وظيفة من الوظائف‬
‫َساسيَّة للدولة يف اإلسالم وهذه الد َّْولَة هي املسؤولة عن وصول هذه احلقوق املالية إىل اجلهات‬
‫اح َ‬
‫(‪ )1‬التوبة ‪.103 /‬‬
‫السنَن‪ ،‬شرح ُسنَن أيب داوود للخطايب البسيت‪.)7/2( ،‬‬
‫(‪ )2‬معامل ُ‬
‫(‪ )3‬رواه البخــا ِري يف ِ‬
‫ِ‬
‫ـيب ‪ّ ‬أمتــه إىل‬
‫َُ ّ َ‬
‫صــعْيعه‪ ،‬كتــاب الزكــاة ابب وجــوب الزكــاة‪ ،)505/2( ،‬وكتــاب التوحيــد‪ ،‬ابب مــا جــاء يف دعــاء النَّـ ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫صـعْيا ابـن ُخَزْميَـة ‪ ،‬ابب‬
‫وصـعْيا مسـلم ابب الـدعاء إىل الشـهادتني وشـرائع اإلسـالم‪ ،)50/1( ،‬و َ‬
‫توحيد هللا تعـاىل ‪َ ،)2685/6( ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫احم ــر ب َقس ــم الص ــدقة ‪ ،)54/5( ،‬وس ــنَن ِ ِ‬
‫وس ــنَن ال ــدراقطين ‪، )135/2(،‬‬
‫ُ ّْ‬
‫وس ــنَن البَـْيـ َهق ـ ّـي الك ــربى‪ُ ،)170/3( ،‬‬
‫الرتم ــذي‪ُ ،)21/3( ،‬‬
‫وسنَن ابن ماجة (‪.)568/1‬‬
‫السنَن الكربى‪ُ ،)30/2( ،‬‬
‫ُ‬
‫وسنَن أيب داوود‪ ،)104/2( ،‬و ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ي‪.)280/3( ،‬‬
‫ر‬
‫ا‬
‫خ‬
‫الب‬
‫ا‬
‫ي‬
‫ع‬
‫ص‬
‫ح‬
‫شر‬
‫الباري‬
‫فتا‬
‫العسقالِن‪/،‬‬
‫ر‬
‫ج‬
‫ح‬
‫ابن‬
‫)‬
‫‪4‬‬
‫(‬
‫ََ‬
‫َ ْ َُ ّ‬
‫(‪ )5‬ابن سالم‪ ،‬أبو عبيد القاسم‪ :‬احموال‪ ،‬ص(‪.)760‬‬
‫(‪)6‬ابن سالم‪ ،‬أبو عبيد القاسم‪ :‬احموال‪ ،‬ص(‪.)558‬‬
‫املستفيدة من حصيلة زكاة الثروة يف اجملتمع‪ ،‬ولكل من هذه اجلهات أو املصارف دائرة تتسع أو تضيق‬
‫مبقدار ما يندرج فيها من حاالت وجيمع بينها تشابه ومشول‪.‬‬
‫املِينَ‬
‫ين َو ْالعَ ِ‬
‫صدَقَاتُ ِل ْلفُ َق َر ِ‬
‫وهذه اجلهات هي املذكورة يف قوله تعاىل‪  :‬إِنَّ َما ال َّ‬
‫اء َو ْال َم َ‬
‫سا ِك ِ‬
‫اّلِلِ َو َّ‬
‫ضة ِمنَ َّ‬
‫س ِبي ِل َّ‬
‫اّلِلِ َواِب ِْن ال َّ‬
‫اّلِلُ‬
‫علَ ْي َها َو ْال ُم َؤلَّفَ ِة قُلُوبُ ُه ْم َوفِي ِ ّ‬
‫الرقَا ِ‬
‫سبِي ِل فَ ِري َ‬
‫َ‬
‫ب َو ْالغَا ِر ِمينَ َوفِي َ‬
‫َع ِليم َح ِكيم ‪.)1(‬‬
‫وهذه اآلية تدل على حصر مصارف الزكاة يف هذه احصناف القتضاء احلصر الوارد يف قوله‬
‫ال‪ :‬أتيت رسول هللا ‪ ‬فبايعته فذكر‬
‫تعاىل‪  :‬إِنَّ َما ال َّ‬
‫صدَقَاتُ ‪ )2(‬وملا ثبت عن زايد بن احلارث قَ َ‬
‫ال رسـول هللا ‪ « : ‬إن هللا تعاىل مل يرض‬
‫ال أعطين من الصدقة‪ ،‬ف َق َ‬
‫ال‪ :‬فأاته رجل ف َق َ‬
‫حديثاً طويالً قَ َ‬
‫حبكم نيب وال غريه يف الصدقات حىت حكم هو فجزأها مثانية أجزاء فإن كنت من تلك األجزاء‬
‫أعطيتك حقك » (‪.)3‬‬
‫فمدار االستعقاق هو احلاجة‪-‬حاجة الفرد إىل كفاية نفسه ومن يعوله‪ -‬كلك أن العيش حق‬
‫لكل إنسان‪ ،‬فيجب أن ينال هذا العيش حقاً ال منعة وال عطفاً‪ ،‬والسبب الذي يضمن للفرد من‬
‫اإلسالميَّة احلصول على قوته هو العمل‪ ،‬فإكا تعذر عليه العمل كان على الد َّْولَة أن ُهتيِّئه‬
‫رعاية الد َّْولَة ْ‬
‫له فإكا تعذر إجياد عمل له أو عجز عن القيام به ومل يوجد من ب عليه نفقته كانت نفقته على بيت‬
‫املال وهو احلق املعلوم وهلذا كلّه كان من أسباب الت ََّملُّك احلاجة للمال حجل احلياة‪.‬‬
‫‪ -2‬نظــام النفق ــات‬
‫والزكاة ليست وحدها حق املال‪ ،‬وإمنا هي احلد احدىن املفروض يف احموال‪ .‬ونظام النفقات يف‬
‫التشريع اإلسالمي من أكرب عوامل التكافل العائلي‪ ،‬وهو نظام فريد يؤدي إىل يقيق الوظيفة العائلية‬
‫للملكية يف دائرة احسرة واحقرابء‪.‬‬
‫(‪ )1‬التوبة ‪.60 /‬‬
‫الشــافِعِي ة‬
‫(‪ )2‬و هــذا مــا كهــب إليــه مجهــور العلمــاء مــن احلَنَ ِفيَّــة واحلنابلــة واملالكيــة إىل جـواز دفــع الزكـاة ححــد احصــناف الثمانيــة‪ ،‬أمــا َّ‬
‫والظاهريـة فقــد كهبـوا إىل وجـوب تعمــيم صـرفها علــى احصـناف الثمانيــة ابلتســاوي حن القـرآن ككــرهم وحصــر الزكــاة فـيهم‪ .‬واحلــق مــا كهــب‬
‫إليه اجلمهور وخاصة إن بعض احصناف مل يبق له أثر اآلن‪.‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )3‬رواه أب ــو داوود يف ُس ــنَنه واللف ــظ لـ ـه‪ ،)117/2( ،‬و ُس ــنَن البَـْيـ َهق ـ ّـي الك ــربى‪ ،)173/4( ،‬وش ــرح مع ــاِن اآلاثر‪ ،)17/2( ،‬وف ــيض‬
‫القدير (‪ ،)253/2‬والبيان والتعريف (‪)182/1‬‬
‫والفقهاء متفقون على وجوب نفقة املعسر املوسر‪ ،‬وإن كانوا خمتلفني يف الدرجات اليت يشملها‬
‫هذا الوجوب‪:‬‬
‫‪ .1‬فهم متفقون على وجوب نفقة الزوجة على زوجها ولو كان معسراً‪ ،‬أما إكا كانت هي موسرة‬
‫وهو معسر فابن َح ْزم يرى وجوب نفقته عليها واجلمهور على خالفه‪.‬‬
‫‪ .2‬وهم متفقون كذلك على وجوب نفقة أوالد الصلب على أبيهم والوالدين على أبنهما‪.‬‬
‫واختلفوا فيما عدا كلك‪ ،‬وسأعرض قواعدهم يف وجوب اإلنفاق‪:‬‬
‫‪ .1‬املالكية‪ :‬ال ب إال للوالدين واحوالد فقط‪.‬‬
‫ب لألصول والفروع‪.‬‬
‫‪ .2‬الشَّافِعِية‪:‬‬
‫ب لكل كي رحم حمرم‪.‬‬
‫‪ .3‬احلَنَ ِفيَّة ‪:‬‬
‫ب بني شخصني جرى بينهما املرياث بفرض أو تعصيب من‬
‫‪ .4‬احلنابلة‪:‬‬
‫الطرفني‪.‬‬
‫‪ .5‬واختار اإلمام ابن تَـْي ِميَّة رمحه هللا أن النفقة ب لكل قريب من ريري احصول‬
‫والفروع إكا كان واراثً(‪.)1‬‬
‫ونفقة القريب املعسر على قريبه املوسر ليست من ابب الرب واإلحسان والتفضيل االختياري بل‬
‫هي حق واجب وفريضة إلزامية فلو أتخر عن القيام هبا فإن لويل احمر حبسه على كلك حىت يقوم‬
‫بدفعها‪.‬‬
‫« ولو طبق‪-‬هذا النظام‪ -‬يف جمتمعنا تطبيقاً دقيقاً مع مراعاة تطور احلياة االجتِم ِ‬
‫اعيَّة ابلنسبة‬
‫َْ‬
‫للعصور املاضية لكان كا أثر كبري يف حمو كثري من مظاهر البؤس والتفكك يف جمتمعنا‪ ...‬ويقيق‬
‫التكافل االجتماعي»(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مذاهب الفقهاء وأدلتهم وتفصيل اححكام يف نظام النفقات‪.‬‬
‫‪ -1‬ابن قُدامة‪ ،‬املغىن ‪.219 ،217 ،195/8‬‬
‫‪ -2‬اخلطيب الشربيين‪ :‬مغين احملتاج إىل معرفة ألفاظ املنهاج (‪.)425/2‬‬
‫‪ -3‬الدسوقي‪ :‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبري (‪.)522/2‬‬
‫‪ -4‬رد احملتار على الدر املختار ‪ :‬حاشية ابن عابدين (‪.)571/3‬‬
‫(‪ )2‬السباعي‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‪ :‬شرح قانون اححوال الشخصية السوري‪.)342/1( ،‬‬
‫‪ -3‬املي ــراث‬
‫ان ‪‬‬
‫اقتضت حكمة هللا أ ّن ‪ُ ‬ك ُّل َم ْن َ‬
‫علَ ْي َها فَ ٍ‬
‫اإلنسان ينتقل مبوته إىل ريريه‪ ،‬لكن إىل من ينتقل؟‬
‫اهليَّة اجلائر عن تشريع اإلسالم العادل‪ ،‬ففي نظام اجل ِ‬
‫هنا خيتلف نظام اجل ِ‬
‫اهليَّة كان ينتقل مال‬
‫َ‬
‫َ‬
‫امليت إىل الكبري من أبنائه‪ ،‬فإن مل يكن فإىل أخيه أو عمه فال يورثون الصغار وال اإلانث حبجة أن‬
‫هؤالء ال حيمون الذمار وال يقاتلون وال حيوزون املغامن‪ ،‬يوضا كلك ما روى ابن َعبَّاس رضي هللا عنهما‬
‫(‪)1‬‬
‫وأن هذه الدنيا دار ممر ال مقر وأن مال‬
‫ال‪ « :‬ملا نزلت الفرائض اليت فرض هللا فيها ما فرض للولد الذكر واحنثى واحبوين كرهها الناس أو‬
‫قَ َ‬
‫بعضهم قَالوا‪ :‬تعطى املرأة الربع والثمن وتعطى االبنة النّصف ويُعطى الغالم الصغري‪ ،‬وليس من هؤالء‬
‫أحد يقاتل القوم وال حيوز الغنيمة‪ .‬اسكتوا عن هذا احلديث لعل رسول هللا ‪ ‬ينساه أو نقول له فيغريه‪،‬‬
‫ال بعضهم‪ :‬اي رسول هللا أنعطي اجلارية نصف ما ترك أبوها وليست تركب الفرس وال تقاتل القوم‪،‬‬
‫ف َق َ‬
‫ونعطي الصيب املرياث وليس يغين شيئاً وكانوا يفعلون كلك يف اجل ِ‬
‫اهليَّة‪ ،‬ال يعطون املرياث إال من قاتل‬
‫َ‬
‫يعطونه احكرب فاحكرب»(‪.)2‬‬
‫« فهذا كان منطق اجل ِ‬
‫اهليَّة العربية الذي كان حييك يف بعض الصدور وهي تواجه فريضة هللا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وقسمته العادلة احلكمية ومنطق اجلَاهليَّة احلاضرة الذي حييك يف بعض الصدور اليوم وهي تواجه فريضة‬
‫هللا وقسمتـه لعلـه خيتلـف قليـالً أو كثيـراً عـن منطق اجل ِ‬
‫اهليَّة العربية »(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مث جييء تشريع اإلسالم احلكيم معلناً بطالن نظام اجلَاهليَّة يف التوريث إمجاالً بقوله تعاىل‪ :‬‬
‫ان َو ْاأل َ ْق َربُونَ ِم َّما َق َّل‬
‫س ِ‬
‫ِل ِ ّ‬
‫اء ن ِ‬
‫لر َجا ِل ن ِ‬
‫ان َو ْاأل َ ْق َربُونَ َو ِلل ِنّ َ‬
‫َصيب ِم َّما ت ََركَ ْال َوا ِلدَ ِ‬
‫َصيب ِم َّما ت ََركَ ْال َوا ِلدَ ِ‬
‫اّلِلُ فِي أ َ ْو َال ِد ُك ْم ِللذَّ َك ِر ِمثْ ُل َح ِ ّ‬
‫ُوصي ُك ُم َّ‬
‫ظ‬
‫َصيبا َم ْف ُروضا ‪ )4(‬وتفصيالً بقوله‪  :‬ي ِ‬
‫ِم ْنهُ أ َ ْو َكث ُ َر ن ِ‬
‫ساء فَ ْوقَ اثْنَتَي ِْن فَلَ ُه َّن ثُلُثَا َما ت ََركَ َوإِ ْن َكان ْ‬
‫ف ‪ )5(‬وبقوله‬
‫َت َو ِ‬
‫احدَة فَلَ َها ال ِنّ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ْاأل ُ ْنث َ َيي ِْن فَإ ِ ْن ُك َّن نِ َ‬
‫الربُ ُع ِم َّما ت ََر ْكت ُ ْم ِإ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَ ُك ْم َولَد فَإ ِ ْن َكانَ لَ ُك ْم َولَد فَلَ ُه َّن الث ُّ ُم ُن‬
‫تعالـى يف حـق الزوجـات‪َ  :‬ولَ ُه َّن ُّ‬
‫(‪)6‬‬
‫ف َما ت ََركَ َو ُه َو‬
‫ْس لَهُ َولَد َولَهُ أ ُ ْخت فَلَ َها نِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ِم َّما ت ََر ْكت ُ ْم‪ ‬وبقولـه سبعانـه‪ِ  :‬إ ِن ْام ُرؤ َهلَكَ لَي َ‬
‫(‪ )1‬الرمحن ‪.26 /‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن جرير يف تفسريه‪ ،)275/4( ،‬وككره ابن كثري يف تفسريه‪،)459/1( ،‬‬
‫(‪ )3‬قطب‪َ ،‬سيِّد‪ :‬يف ظالل القرآن‪.)590/1( ،‬‬
‫(‪ )4‬النساء ‪.7 /‬‬
‫(‪ )5‬النساء ‪.11 /‬‬
‫(‪ )6‬النساء ‪.12 /‬‬
‫ساء‬
‫ان ِم َّما ت ََركَ َو ِإ ْن َكانُوا ِإ ْخ َوة ِر َجاال َونِ َ‬
‫يَ ِرث ُ َها ِإ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَ َها َولَد فَإ ِ ْن َكانَت َا اثْنَتَي ِْن فَلَ ُه َما الثُّلُث َ ِ‬
‫فَ ِللذَّ َك ِر ِمثْ ُل َح ِ ّظ ْاأل ُ ْنثَيَي ِْن ‪.)1(‬‬
‫فإكا مجعت إىل هذه اآلايت قوله ‪ « : ‬أحلقوا الفرائض أبهلها فما بقي فهو ألوىل رجل‬
‫ذكر »‬
‫(‪)2‬‬
‫وجدهتا قد استوعبت أكثر أحكام املواريث ومهماهتا‬
‫(‪)3‬‬
‫حيث يؤخذ منه بيان مصرف ما‬
‫تب قى بعد الفروض من الرتكة وأنه حقرب العصبة ابلنسب‪ .‬وأييت بعدهم العصبة ابلوالء الذين ورد‬
‫ككرهم يف قوله ‪ « : ‬إمنا الوالء ملن اعتق »(‪ .)4‬فهذه احدلة بيّنت اإلرث بنوعيه فرضاً وتعصيباً ويف‬
‫ب َّ‬
‫اّلِلِ ‪ )5(‬وقوله ‪ « :‬اخلال وارث من‬
‫قوله تعاىل‪َ  :‬وأُولُو ْاأل َ ْر َح ِام َب ْع ُ‬
‫ض ُه ْم أ َ ْولَى ِب َب ْع ٍ‬
‫ض ِفي ِكت َا ِ‬
‫ال وارث له »(‪ « )6‬بيان ملصرف الرتكة إكا مل يوجد أحد من كوي الفروض من احقارب وال من العصبة‬
‫وأن مصرفها حينئذ يكون لبقية احقارب ممن ليس بذي فرض وال عصبة‪ -‬على خالف يف كلك بني‬
‫العلماء »(‪.)7‬‬
‫كل احنظمة والقوانني املعروفة على وجه‬
‫هذا هو نظام املرياث يف اإلسالم الذي يتميز عن ّ‬
‫احرض‪ ،‬ويقف بينها كالطود احشم بعدله ورمحته وتوازنه‪, ،‬إكا كانت الشيوعية تلغي نظام املرياث وال‬
‫يزه فإ ّن هذا إمهال حسرة املالك وحرمان هلا من جهد مورثها كما أنه قتل لروح العمل واجلد واملثابرة‬
‫عند املالك‪.‬‬
‫الرأْ ُمساليَّة أبقل سوءاً من الشيوعية‪ ،‬فقد أعطت املالك احلق يف أن جيعل ماله من بعده‬
‫وليست َّ‬
‫للكالب والقطط والعاهرات وحيرم منه أبناءه وأقرابءه‪.‬‬
‫(‪ )1‬النساء ‪.176 /‬‬
‫ص ِعْيعه كتاب الفرائض‪ ،‬ابب‪ :‬أحلقوا الفرائض أبهلها‪ ،)2478-2477-2476/6( ،‬ومسـلم كتـاب الفـرائض‪،‬‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخا ِر ّ‬
‫(‪ِ )1234-1233/3‬‬
‫وســنَن الــدرامي‪ ،‬ص(‪،)464‬‬
‫َ‬
‫وم ْســنَد أمحــد‪ُ ،)325 -292/1( ،‬‬
‫وصــعْيا ابــن حبّــان‪ُ ،)389-387/13( ،‬‬
‫ُم ْسنَد الطيالسي‪.)340/1( ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن عثيمني‪ :‬تسهيل الفرائض (املقدمة)‪.‬‬
‫ص ِـعْيا مسـلم‪،)144-141-140-139/10( ،‬‬
‫وي علـى َ‬
‫(‪ )4‬فتا البـاري‪ ،)47-45-44-43-40-39/12( ،‬وشـرح النَّـ َو ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وسنَن النسائي =‬
‫وسنَن البَـ ْيـ َهق ّي الكربى‪ُ ،)240/6( ،)337/5( ،‬‬
‫َ‬
‫صعْيا ابن حبّان‪ ،‬ابب‪ :‬الوالء‪ُ ،)503/11( ،)167/10( ،‬‬
‫وم ْسـ ــنَد أمح ـ ــد‪،)281/1( ،‬‬
‫)‪،‬‬
‫‪167‬‬
‫‪/‬‬
‫‪4‬‬
‫(‬
‫ـط‪،‬‬
‫ـ‬
‫ـ‬
‫س‬
‫احو‬
‫ـم‬
‫ـ‬
‫ـ‬
‫ج‬
‫املع‬
‫و‬
‫)‪،‬‬
‫‪782‬‬
‫‬‫‪781‬‬
‫‬‫‪780‬‬
‫‪/‬‬
‫‪2‬‬
‫(‬
‫‪،‬‬
‫ـك‬
‫ـ‬
‫ـ‬
‫ل‬
‫ما‬
‫ـأ‬
‫ـ‬
‫ـ‬
‫ط‬
‫ومو‬
‫)‪،‬‬
‫‪305‬‬
‫‪/‬‬
‫‪7‬‬
‫(‬
‫‪،‬‬
‫ـىب)‬
‫ـ‬
‫ـ‬
‫ت‬
‫=(اجمل‬
‫ُ‬
‫وم ْسنَد الطيالسي‪ ،)197/1( ،‬واملعجم الكبري‪.)308/11( ،‬‬
‫(‪ ،)135/6( ،)156/2‬واملعجم الصغري‪ُ ،)291/1( ،‬‬
‫(‪ )5‬احنفال ‪.75 /‬‬
‫ال احلافظ ابن َح َج ٍر يف فتا الباري‪ )30/12( ،‬حديث حسن‪ ،‬ويفة اححـوكي‬
‫(‪ )6‬رواه أبو عوانه يف مسنده‪ ،)447-446/3( ،‬وقَ َ‬
‫ـال‬
‫ـال أمح ــد م ــرتوك احل ــديث‪ .‬وقَ ـ َ‬
‫ـال ‪ :‬قَ ـ َ‬
‫الرج ــال‪ ،)269/4( ،‬وقَ ـ َ‬
‫(‪ ،)236/6‬وف ــيض الق ــدير‪ ،)502/3( ،‬وميـ ـزان االعت ــدال يف نق ــد ّ‬
‫ابلقوي‪.)269/4( ،‬‬
‫النسائي ليس‬
‫ّ‬
‫(‪ )7‬الفوزان‪ ،‬صاحل بن فوزان بن عبد هللا‪ :‬التعقيقات املرضيَّة يف املباحث ال َفرضية‪ ،‬ص(‪.)8‬‬
‫وميّزة اإلسالم يف هذا النِّظَام ظاهرة لألبصار ظهور الشمس يف رابعة النهار‪ ،‬فهو الذي أوصل‬
‫ال ‪«:‬إن هللا أعطى كل ذي حق حقه فال وصية لوارث»(‪ )1‬وإكا كانت‬
‫احلقوق إىل مستعقيها كما قَ َ‬
‫اجل ِ‬
‫ال ‪« :‬‬
‫اهليَّة راعت احقوايء وحرمت الضعفاء من املرياث فإن اإلسالم راعى هؤالء الضعفاء كما قَ َ‬
‫َ‬
‫إنك أن تذر ورثتك أغنياء خري من أن تدعهم عالة يتكففون الناس»(‪.)2‬‬
‫فهو سبب من أسباب الت ََّملُّك للمال اإلرث‪ ،‬بتنظيم من الشَّا ِرع ال إبرادة املالك إال فيما جعل‬
‫له من الوصية يف حدود ثلث ما ميلك‪.‬‬
‫وهو نظام يراعي يف التوزيع درجة القرابة‪ ،‬فكلما كانت القرابة أكثر التصاقاً ابمليت كان نصيبها‬
‫أكثر‪ ،‬كما يالحظ يف التوزيع مقدار احلاجة‪ ،‬فنصيب الفروع أكرب من نصيب احصول حهنم أكثر‬
‫احتياجاً‪ ،‬إك هم مقبلون على احلياة بينما اآلابء واحمهات مدبرون عنها‪ ،‬كما أنه يف توزيعه للرتكة يتجه‬
‫إىل التفتيت دون التجميع ويندر يف مسائل املرياث أن ينفرد ابلرتكة واحد‪ ،‬فاملِْل ِكيَّة يف اإلسالم تتوزع‬
‫جيالً بعد جيل ابلتوريث‪ « ،‬فهو وسيلة من وسائل تفتيت الثروة وليس تفتيت الثروة علّة له‪ ،‬بل هي‬
‫بيان لواقعه وكلك أن الثروة وقد أبيعت ملكيتها قد تتجمع يف يد أفراد حال حياهتم ولكي ال يستمر‬
‫هذا التجمع بعد مماهتم‪ ،‬كان ال ب ّد من وسيلة لتفتيتها بني الناس »(‪.)3‬‬
‫وهذا يعطينا داللة واضعة على احرتام اإلسالم للملكية الفردية إك أنه يسلم الثروة اليت خيلفها‬
‫ال ‪ « : ‬ومن ترك ماالا فلورثته »(‪.)4‬‬
‫امليت إىل يد وارثة موفورة حمرتمة كما قَ َ‬
‫« وإنك لو أتملت حكمة اإلسالم يف احرتام املِْل ِكيَّة الفردية ووضع القواعد للمواريث‬
‫لعرفت أن هذا من أكرب الدوافع اليت يفز املمولني إىل قوة االستثمار والنشاط يف اإلنتاج ويدعو إىل‬
‫السهر على املصاحل وبذل اجلهود القوية يف تكثري احموال وهو يف الوقت نفسه حيمي هذه احموال من‬
‫ِ‬
‫(‪ )1‬رواه ِ ِ ِ‬
‫وس ـ ــنَن اب ـ ــن ماجـ ــة‬
‫ّْ‬
‫وسـ ــنَن البَـْيـ َهقـ ـ ّـي الكـ ــربى ‪ُ ،)244/6( ،‬‬
‫الرتمـ ــذي يف ُسـ ــنَنه ابب م ـ ـا جـ ــاء ال وصـ ــيّة ل ـ ـوارث‪ُ ،)433/4( ،‬‬
‫(‪ ،)906/2( ،)905/2‬واملعجم احوسط ‪ ،)8/8( ،‬واملعجم الكبري‪.)33/17( ،)114/8( ،‬‬
‫صـ ـ ِـعْيعه كتـ ــاب النفقـ ــات‪ ،‬ابب فض ـ ــل النفقـ ــة علـ ــى احهـ ــل‪ ،‬وريـ ــريه مـ ــن امل ـ ـواطن‪،)435/1( ،)2047/5( ،‬‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخ ـ ــا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫(‪ ،)1006/4( ،)1006/3‬وص ـ ِـعيا مس ــلم (‪ِ ،)1777/4( ،)1253/3( ،)1251/3‬‬
‫وس ــنَن‬
‫َ ْ‬
‫َ‬
‫ص ــعْيا اب ــن حبِّ ــان (‪ُ ،)61/10‬‬
‫ِ‬
‫الرتِم ِذي كتاب الوصااي (‪.)430/4‬‬
‫ّْ‬
‫(‪ )3‬النَّـبَـ َه ِاِنّ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)115‬‬
‫ِ‬
‫وص ـ ـ ـ ـ ِـعْيا مس ـ ـ ـ ــلم (‪،1237/3( ، )592/2‬‬
‫ي‪َ )2484 ،2476/6( ،)1795/4( ،)805،845/2( ،‬‬
‫(‪َ )4‬‬
‫ص ـ ـ ـ ــعْيا البُ َخ ـ ـ ـ ــا ِر ّ‬
‫صـ ـ ِـعْيا ابـ ــن ِحبِّـ ــان (‪ ،)334 ،333 ،331/7‬مـ ـوارد الظمـ ـ ن‬
‫‪ ،)1238‬املنتقـ ــى البـ ــن اجلـ ــارود (‪َ ،)280 ،242 ،240 ،83/1‬‬
‫ِ‬
‫(‪ُ ،)558 ،330 ،282/1‬س ــنَن الرتمـ ــذي‪ُ ،)341/2( ،)413/4( ،‬سـ ــنَن البَـْيـ َهقـ ـ ّـي الكـ ــربى ( ‪ُ ،)214 ،)213 ،206/3‬سـ ــنَن‬
‫الد َ ِ‬
‫السنَن الكربى‪ُ ،)75،76،77،90/4( ،‬سنَن ابن ماجة (‪،)17/1‬‬
‫ين (‪ُ ،)85/4‬سنَن أيب داود‪ُ ،)247 ،137 ،123/3( ،‬‬
‫َّارقُطْ ّ‬
‫(‪ ،)914/2‬مصنف عبد الرازق ‪.)291 ،289/8( ،‬‬
‫فالر ُجل الذي يعرف أن احموال اليت بذل يف مجعها صعته وعقله‬
‫أن تعيث هبا يد السرف والتبذير‪َّ ،‬‬
‫ستصري بعد كلك إىل الد َّْولَة ال ينتفع هبا بنوه بطريق مباشر ليس هناك ما حيفزه إىل ادخارها ويدفعه إىل‬
‫احملافظة عليها »(‪.)1‬‬
‫واإلسالم هبذا يقوي أواصر القرابة بني الوارث واملوروث وحيكم الصلة بينهما بوشيعة الرحم‬
‫ب َّ‬
‫اّلِلِ ‪.)2(‬‬
‫ال ‪َ  :‬وأُولُو ْاأل َ ْر َح ِام بَ ْع ُ‬
‫ض ُه ْم أ َ ْولَى بِبَ ْع ٍ‬
‫ض فِي ِكت َا ِ‬
‫كما قَ َ‬
‫الر ُجل حيث تقع‬
‫وهذا النِّظَام مل حيرم املرأة من حق امللك بسبب املرياث فلها نصف نصيب َّ‬
‫عليه التكاليف واإلعالة املالية وأعباء املعيشة‪ ،‬فالعطاء على قدر احلاجة هو العدل واملساواة مع تفاوت‬
‫احلاجة ظلم‪.‬‬
‫وهذا ما مل يستوعبه بعض املتعاملني على اإلسالم واملتعصبني عليه من علماء الغَْرب ومفكريه‬
‫الذين ي ّدعون أن نظام املرياث اإلسالمي نظام قبلي ال يصا إال حلياة القبلية يف البادية حنه مل يسو بني‬
‫الر ُجل واملرأة أمام التكاليف الش َّْرعية من‬
‫صلت هذه املسألة يف موضوع َّ‬
‫َّ‬
‫الر ُجل واملرأة يف املرياث وقد فُ ّ‬
‫حبثنا‪.‬‬
‫‪ -4‬نظـام الكفـارات‬
‫من مقاصد اإلسالم يف تربية أبنائه أن يدفعهم إىل فعل اخلري‪ ،‬وينأى هبم عن الشر إال أ ّن‬
‫بعض أبنائه قد يرتكب شيئاً من املخالفات الش َّْرعية‪ ،‬لذا أوجب اإلسالم عند ارتكاهبا عقوابت للتكفري‬
‫عنها زجراً للمرتكب عن العودة إليها وجرباً لذنبه الذي وقع عليه‪.‬‬
‫وتشتمل هذه الكفارات فيما تشتمل دفع صدقات مالية للفقراء‪ ،‬والذي يهمنا هنا هو تقرير‬
‫أن هذا النوع من الكسب جاء عن طريق حكم شرعي‪ ،‬وأنه حق وجب على اإلنسان بسبب ارتكابه‬
‫ملا هنى عنه الش َّْرع‪.‬‬
‫وهذه الكفارات ستة أنواع وهي على سبيل اإلمجال‪:‬‬
‫ال ‪ :‬بينما حنن‬
‫ي وريريه عن أيب هريرة رضي هللا عنه قَ َ‬
‫‪ .1‬كفارة اإلفطار يف رمضان‪ ،‬فقد روى البُ َخا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫ال‪ :‬وقعت على‬
‫ال‪ :‬مالك‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬اي رسول هللا هلكت‪ ،‬قَ َ‬
‫َّيب ‪ ‬إك جاء رجل(‪ )3‬ف َق َ‬
‫جلوس عند الن ّ‬
‫(‪ )1‬طبارة‪ ،‬عفيف‪ :‬روح التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص(‪.)322‬‬
‫(‪ )2‬احنفال ‪.75 /‬‬
‫(‪ )3‬جاء ككر امسه يف بعض الرواايت (سلمة أو سليمان بن صخر البياضي)‪.‬‬
‫ال‪ « :‬فهل تستطيع أن‬
‫ال‪ :‬ال‪ .‬قَ َ‬
‫ال رسول هللا ‪ « :‬هل جتد رقبة تعتقها » قَ َ‬
‫امرأيت وأان صائم‪ ،‬ف َق َ‬
‫ال‬
‫ال‪ :‬ال‪ .‬قَ َ‬
‫ال‪ « :‬فهل جتد إطعام ستني مسكينا »‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬ال‪ ،‬قَ َ‬
‫تصوم شهرين متتابعني » قَ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ال‪ :‬أان‪،‬‬
‫ال‪ « :‬أين السائل»‪ ،‬ف َق َ‬
‫َّيب ‪ ‬بعرق فيها متر قَ َ‬
‫َّيب ‪ ‬فبينما حنن على كلك أتى الن ّ‬
‫فمكث الن ّ‬
‫الر ُجل‪ :‬أعلى أفقر مين اي رسول هللا؟ وهللا ما بني البتيها‪-‬‬
‫ال‪ « :‬خذ هذا فتصدق به » ف َق َ‬
‫قَ َ‬
‫ال َّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ال‪ « :‬أطعمه‬
‫َّيب ‪ ‬حىت بدت أنيابهُ مث قَ َ‬
‫يريد احلَّر ْ‬
‫ين‪ُ -‬‬
‫أهل بيت أفقر من أهل بييت‪ ،‬فضعك الن ّ‬
‫أهلك »(‪.)1‬‬
‫أوس بن الصامت فجئت‬
‫‪ .2‬كفارة الظهار‪ :‬فعن خولة بنت مالك بن ثعلبة قَالَت‪ :‬ظاهر مين زوجي ُ‬
‫ِ‬
‫عمك فما خرجت حىت أنزل‬
‫رسول هللا ‪ ‬أشكو إليه‬
‫ُ‬
‫ورسول هللا جيادلين فيه ويقول‪ :‬اتَقيّاهلل فإنه ابن ّ‬
‫س ِم َع َّ‬
‫ال عليه السالم‪« :‬‬
‫اّلِل‪ )2(‬ف َق َ‬
‫اّلِلُ قَ ْولَ الَّتِي ت ُ َجا ِدلُكَ فِي زَ ْو ِج َها َوت َ ْشت َ ِكي إِلَى َّ ِ‬
‫هللا‪  :‬قَ ْد َ‬
‫ال ‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬إنه شيخ كبري ما‬
‫ال‪ « :‬يصوم شهرين متتابعني » قَ َ‬
‫يعتق رقبة » قَالَت‪ :‬ال جيد قَ َ‬
‫ال‪ :‬فأتى‬
‫ال‪ « :‬فليطعم ستني مسكينا » قَالَت ‪ :‬ما عنده من شيء يتصدق به قَ َ‬
‫به من صيام‪ ،‬قَ َ‬
‫بعرق من متر قَالَت ‪ :‬اي رسول هللا فإِن سأعينه ٍ‬
‫ساعتئذ ٍ‬
‫ال‪ « :‬أحسنت اذهيب فأطعمي‬
‫بعرق آخر قَ َ‬
‫هبما عنه ستني مسكينا وارجعي إىل ابن عمك »(‪.)3‬‬
‫اخذُ ُك ُم َّ‬
‫عقَّ ْدت ُ ُم‬
‫اّلِلُ ِباللَّ ْغ ِو فِي أ َ ْي َمانِ ُك ْم َولَ ِك ْن ي َُؤ ِ‬
‫ال تعاىل‪َ  :‬ال ي َُؤ ِ‬
‫‪ .3‬كفارة احلنث يف اليمني‪ :‬قَ َ‬
‫اخذُ ُك ْم بِ َما َ‬
‫س ِط َما ت ُ ْ‬
‫ارتُهُ ِإ ْ‬
‫ير‬
‫ط ِع ُمونَ أ َ ْه ِلي ُك ْم أ َ ْو ِكس َْوت ُ ُه ْم أ َ ْو تَحْ ِر ُ‬
‫طعَا ُم َ‬
‫ساكِينَ ِم ْن أ َ ْو َ‬
‫عش ََر ِة َم َ‬
‫ْاأل َ ْي َمانَ فَ َكفَّ َ‬
‫َرقَبَ ٍة فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج ْد فَ ِصيَا ُم ث َ َالث َ ِة أَي ٍَّام ذَلِكَ َكفَّ َارة ُ أ َ ْي َمانِ ُك ْم ِإذَا َحلَ ْفت ُ ْم‪ .)4(‬فالواجـب علـى من حنـث‬
‫يف ميني منعقدة أن يطعم عشرة مساكني أو يكسوهم أو يعتق رقبة على سبيل اخليار‪ ،‬فإن مل يستطع‬
‫أن يفعل واحدة منها انتقل إىل ما بعدها انت َقال املضطر فيصوم ثالثة أايم‪.‬‬
‫ي يف الصــوم عــن أيب هريــرة‪ ،‬ابب إكا جــامع يف رمضــان‪ ،)682( ،‬ومســلم يف الصــوم‪ ،‬ابب‪ :‬تغلــيظ يــرمي اجلمــاع يف هنــار‬
‫(‪ )1‬رواه البُ َخــا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫الرتِمـ ِـذي ســفي الصــوم ابب‪ :‬مــا جــاء يف كفــارة الفط ــر يف‬
‫وســنَن ّ ْ‬
‫رمضــان علــى الصــائم‪ ،)781/2( ،‬واملنتقــى البــن اجلــارود(‪ُ ،)104/1‬‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪ ، )241/2‬وأبو داود يف الصوم (‪ ،)314/2‬عن عائشة‪ ،‬وابـن ماجـة يف الصـوم (‪ )534/2‬عـن أيب‬
‫رمضان (‪ُ ،)102/3‬‬
‫هريرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬اجملادلة ‪.1 /‬‬
‫وم ْســنَد أمحــد (‪ ،)411/6‬وأخــرج احلــاكم يف املســتدرك‬
‫(‪ )3‬رواه أبــو داود يف الطــالق (‪ ،)266/2‬وقَـ َ‬
‫ـال وهــذا أخــو عبــادة بــن الصــامت ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وســنَن البَـْيـ َهقـ ّـي الكــربى(‪،)391/7‬‬
‫الصـ ِـعْيعني حنــوه يف تفســري ســورة اجملادلــة‪ ،‬وقَـ َ‬
‫علــى َ‬
‫ـال هــذا حــديث َ‬
‫صــعْيا اإلســناد ومل خيرجــاه‪ُ .‬‬
‫ال‪ :‬وأسانيد هذه اححاديث حسان‪ ،‬وحكم كفارة الظهار منصوص ابلقرآن‪.‬‬
‫وأشار إليه ابن َح َج ٍر يف فتا الباري‪ ،‬وقَ َ‬
‫(‪ )4‬املائدة ‪.89 /‬‬
‫الر ُجل زوجته يف الفرج أايم احليض أمث واستغفر هللا تعاىل ويف‬
‫‪ .4‬كفارة اجلماع يف احليض‪ :‬إكا ابشر َّ‬
‫وجوب الكفارة يف مذهب اإلمام أمحد روايتان أحدمها ب ومقدارها دينار أو نصفه‪ ،‬والرواية الثانية‬
‫ال كفارة عليه وهو مذهب اإلمام مالك وأيب حنيفة‪ ،‬وعلى القول بوجوهبا فمقدارها دينار أو نصفه‬
‫على التخيري(‪.)1‬‬
‫ال تعاىل يف كفارة اخلطأ‪َ  :‬و َم ْن قَت َ َل ُمؤْ ِمنا َخ َ‬
‫ير َرقَبَ ٍة ُمؤْ ِمنَ ٍة َو ِد َية‬
‫طأ فَتَحْ ِر ُ‬
‫‪ .5‬كفارة القتل‪ :‬فقد قَ َ‬
‫ال‪« :‬‬
‫سلَّ َمة ِإلَى أ َ ْه ِل ِه ِإ َّال أ َ ْن َي َّ‬
‫صدَّقُوا ‪ )2(‬وروي الب َخا ِري يف كفارة شبه العمد عن أيب هريرة قَ َ‬
‫ُم َ‬
‫ُ ّ‬
‫ِ‬
‫َّيب ‪‬‬
‫اقتتلت امرأاتن من هذيل فرمت أحدامها احخرى حبجر فقتلتها وما يف بطنها فاختصموا إىل الن ّ‬
‫فقضى أن ديّة جنينها ريَُّرة عبد أو وليدة وقضى أن ديّة املرأة على عاقلتها(‪ ، )3‬والعاقلة من حيمل‬
‫ِ‬
‫َّيب ‪ ‬ودى‬
‫العقل والعقل هنا هو الديّة‪ ،‬وإكا مل يكن للديّة عاقلة أخذت الديّة من بيت املال حن الن ّ‬
‫احنصاري الذي قُتل خبيرب من بيت املال‪ .‬وروي أن رجالً قُتل يف زحام يف زمان عمر فلم يعرف قاتله‬
‫ِ‬
‫فأد ديته من بيت املال»(‪.)4‬‬
‫ف َق َ‬
‫ال علي لعمر‪«:‬اي أمري املؤمنني ال يُطَ ُّل دم امرئ مسلم ّ‬
‫ي َم ِحلَّهُ فَ َم ْن َكانَ ِم ْن ُك ْم‬
‫‪ .6‬إفساد اإلحرام‪ :‬فقد قَ َ‬
‫ال تعاىل‪َ  :‬و َال تَحْ ِلقُوا ُر ُءو َ‬
‫س ُك ْم َحتَّى يَ ْبلُ َغ ْال َه ْد ُ‬
‫صدَقَ ٍة أ َ ْو نُ ُسكٍ ‪.)5( ‬‬
‫َم ِريضا أ َ ْو بِ ِه أَذى ِم ْن َرأْ ِس ِه فَ ِف ْديَة ِم ْن ِ‬
‫صيَ ٍام أ َ ْو َ‬
‫(‪ )1‬ملزيد من التفصيل انظر ‪ :‬ابن قُدامة‪ :‬امل ْغين‪ )269/1( ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫ُ‬
‫(‪ )2‬النساء ‪.92 /‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخــا ِري يف ِ‬
‫وصـ ِـعْيا ابــن‬
‫صــعْيعه‪ ،‬ابب جنــني امل ـرأة وأن العقــل علــى الوالــد ‪ ،‬وعصــبة الوالــد ال علــى الولــد‪َ ،)2532/6( ،‬‬
‫َُ ّ َ‬
‫ِ‬
‫وم ْســنَد أمحــد‪،‬‬
‫الســنَن الكــربى (‪ُ ،)237/4‬‬
‫وســنَن الــدارمي‪ُ ،)258/2( ،‬‬
‫حبّــان‪ُ ،)377/13( ،‬‬
‫وســنَن البَـْيـ َهقـ ّـي الكــربى (‪ ،)105/8‬و ُ‬
‫(‪.)274/2‬‬
‫(‪ )4‬ابن قُدامة ‪ :‬املغْين‪.)385/8( ،)310/8( ،‬‬
‫ُ‬
‫(‪ )5‬البقرة ‪.196 /‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫األمـــــــوال المترتبـــــة علـــى إرادة اآلخر‬
‫نريد مبا يرتتب على إرادة اآلخر أن امللك ينتقل إبدارة طرف واحد هو املوجب من ريري توقف‬
‫على قبول الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ -1‬الوصيّـة‪:‬‬
‫ض َر أ َ َحدَ ُك ُم ْال َم ْوتُ‬
‫الوصية ابملال هي التربع به بعد املوت‪ ،‬قَ َ‬
‫علَ ْي ُك ْم ِإذَا َح َ‬
‫ب َ‬
‫ال تعاىل‪ُ  :‬كتِ َ‬
‫ُوصينَ ِب َها أ َ ْو دَي ٍْن ‪ )2( ‬وعن أيب هريرة‬
‫ِإ ْن ت ََركَ َخيْرا ْال َو ِصيَّةُ ‪ )1(‬وقَ َ‬
‫صيَّ ٍة ي ِ‬
‫ال تعاىل‪ِ  :‬م ْن بَ ْع ِد َو ِ‬
‫ال‪ « :‬إ ّن هللا تبارك وتعاىل تصدق عليكم بثلث أموالكم يف آخر أعماركم زايد اة‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ « :‬كان‬
‫على أعمالكم فضعوه حيث شئتم»(‪ )3‬وعن سعد بن أيب وقّاص(‪ )1‬رضي هللا تعاىل عنه قَ َ‬
‫(‪ )1‬البقرة ‪.180 /‬‬
‫(‪ )2‬النساء ‪.12 /‬‬
‫(‪ )3‬روي احلديث أبلفاظ متقاربة عن معاك بن جبل وأيب هريرة رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫ِ‬
‫وســنَن الـد َ ِ‬
‫وم ْســنَد‬
‫وســنَن ابــن ماجـة يف الوصــااي (‪ُ ،)904/2‬‬
‫ين‪ُ ،)150/4( ،‬‬
‫انظـر‪ُ :‬ســنَن البَـْيـ َهق ّـي الكــربى‪ُ ،)369/6( ،‬‬
‫َّارقُطْ ّ‬
‫أمحد ‪ ،)440/6( ،‬واملعجم الكبري‪ ،)54/20( ،‬والتمهيد البن عبد البَـِّر ‪ ،)305/14( ،‬وفيض القدير‪.)220/2( ،‬‬
‫رسول هللا ‪ ‬يعودِن عام حجة الوداع من وجع اشتد يب فقلت إِن قد بلغ يب من الوجع وأان كو مال‬
‫ال‪ :‬الثلث والثلث كثري‬
‫ال‪ :‬ال مث قَ َ‬
‫ال‪ :‬ال‪ ،‬فقلت‪ :‬ابلشطر‪ ،‬قَ َ‬
‫وال يرثين إال ابنه فأتصدق بثلثي مايل قَ َ‬
‫إنك أن تذر ورثتك أرينياء خري من أن ترتكهم عالةً يتكففون الناس‪ ،‬إنك لن تنفق نفقة تبتغي هبا وجه‬
‫هللا إال أجرت هبا حىت ما عل يف امرأتك »(‪ . )2‬وعليه فمن أسباب الت ََّملُّك أخذ احفراد بعضهم من‬
‫بعض ماالً دون مقابل أو جهد مما يرتتب على إرادة اآلخرين والوصية تصرف من هذه التصرفات اليت‬
‫تبيا للمسلم أن يتصرف يف ماله بعد موته ابلثلث فما دونه حن احصل يف امللك انت َقاله من صاحبه‬
‫إىل الورثة بعد املوت فال جيوز له فيه أي تصرف إال ما أعطاه الش َّْرع من الثلث ليتدارك ما عسى أن‬
‫قصر به من أعمال اخلري خاصة وأنه ه و الذي بذل جهده يف سبيل مجع هذا املال‬
‫يكون قد فاته أو ّ‬
‫وحفظه بشكل يضمن للورثة حقهم يف املرياث وللمورث احجر واملثوبة وبذلك يعلم أن الوصية لغري‬
‫الوارث ابلثلث فما دونه طريق مشروع من طرق الكسب احلالل(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬اهلب ـة‬
‫اهلبة متليك يف احلياة بال عوض‪ ،‬فإكا شرط العوض كانت بيعاً‪ ،‬وإكا مل يكن التمليك يف احلياة‬
‫بل كان مضافاً إىل ما بعد الوفاة كان وصية وإكا أابح ماله لغريه لينتفع به ومل ميلكه إايه كان إعارة‪.‬‬
‫ال احلنابل ــة‪ « :‬وكلها‬
‫واهلبة تشمل ابملعىن احعم‪ :‬الصدقة واهلدية والنعلة وهـي العطيـة‪ .‬قَ َ‬
‫متليك يف احلياة بال عوض‪ ،‬فإن قصد إبعطائه ثواب اآلخرة فقط فصدقة وإن قصد إبعطائه إكراماً أو‬
‫ال ابن قُدامة‪ «:‬الصدقة‬
‫تودداً أو مكافأة فهدية وإن مل يقصد شيئاً مما ككر فهبة وعطية وحنلة»(‪ )4‬وقَ َ‬
‫ِ‬
‫َّيب ‪ ‬كـان أيكل اهلديـة وال أيكـل الصدقة »(‪.)5‬‬
‫واهلدية متغايران فإن الن ّ‬
‫ٍ‬
‫ـويف ســنة (‪ 55‬هجريــة)‪.‬‬
‫(‪ )1‬ســعد بــن أيب وقّــاص‪ ،‬القرشــي‪ ،‬أحــد املبش ـرين ابجلنّــة‪ ،‬وأول مــن رمــى بســهم يف اإلســالم‪ ،‬لــه مناقــب مجّــة‪ ،‬تـ ّ‬
‫انظر‪ :‬سري أعالم النبالء‪َ ،)92/1( ،‬ش َذرات َّ‬
‫الذ َهب ‪.)61/1( ،‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخــا ِري يف ِ‬
‫ِ‬
‫صـ ِـعيْا ابــن ُخَزْميـَـة‬
‫ـيب ‪ ‬ســعد بــن خولــة‪ ،)435/1( ،‬ومســلم يف الوصــيّة ‪َ ،)1252/3( ،‬‬
‫َُ ّ َ‬
‫صــعيْعه‪ ،‬ابب رثــى النَّـ ّ‬
‫‪ِ ،)61/4( ،‬‬
‫وسنَن الدرامي‪.)499/2( ،‬‬
‫َ‬
‫وسنَن الرتمذي‪ُ ،)430/4( ،‬‬
‫وصعْيا ابن حبّان‪ُ ،)61/10( ،‬‬
‫(‪ )3‬حكمها الندب عنـد مجـاهري أهـل العلـم سـلفاً وخلفـاً وكهـب أهـل الظـاهر وبعـض فقهـاء التـابعني أهنـا واجبـة وجـاء يف احمللـى‬
‫فرض على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين ال يرثونه‪.)421/10( ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬أ‪ -‬البهويت‪ ،‬منصور بن يُونُس بن إدريس‪ :‬الروض املربع شرح زاد املستنقع‪.)501/2( ،‬‬
‫ب‪ -‬البهويت‪ :‬كشاف القناع عن منت اإلقناع‪.)330/4( ،‬‬
‫(‪ )5‬ابن قُدامة ‪ :‬امل ْغين (‪.)649/5‬‬
‫ُ‬
‫ال املالكية‪ « :‬إن قصد وجه املعطى‪-‬ابلفتا‪ -‬فقط كان هبة وإن قصد ثواب اآلخرة فقط‬
‫وقَ َ‬
‫فصدقة اتفاقاً‪ ،‬وإن قصد ثواب اآلخرة مع وجه املعطى فصدقة عند احكثر‪ ،‬وهبة عند احقل»(‪.)1‬‬
‫ال الشَّافِعِية‪ « :‬إن ملك شيئاً بال عوض حمتاجاً ولو مل يقصد ثواب اآلخرة أو رينياً لثواب‬
‫وقَ َ‬
‫اآلخرة فصدقة‪ ،‬وإن نقل امللك بال عوض إىل مكان املوهوب له إكراماً فهدية فال دخل هلا فيما ال‬
‫ينقل »(‪.)2‬‬
‫ال احلَنَ ِفيَّة ‪ « :‬الصدقة للفقري واهلبة للغىن‪ ،‬ولكنهم قَالوا أ ّن الصدقة كاهلبة ال رجوع فيها‬
‫وقَ َ‬
‫ولو على ريىن حن املقصود فيها الثواب »(‪.)3‬‬
‫وعن َع ْمرو بن شعيب عن أبيه ع ن جده أن وفد هوازن ملا جاؤوا يطلبون من رسول هللا ‪ ‬أن‬
‫ال رسول هللا ‪« :‬ما كـان يل ولبين عبد املطلب فهو لكم » أي فهو هبة‬
‫يرد عليهم ما رينمه منهم قَ َ‬
‫مين إليكم(‪.)4‬‬
‫وال تنعقد اهلبة بدون اإلجياب حن احصل يف ملك اإلنسان أال ينتقل إىل الغري بدون متليكه‪،‬‬
‫أما القبول والقبض فقد اختلف العلماء فيهما وخالصة أقواهلم(‪.)5‬‬
‫‪ .1‬إن بعض الفقهاء يرون أن امللك يف اهلبة ينتقل ابإلجياب وحده‪ ،‬ومن هؤالء بعض احلَنَ ِفيَّة‬
‫والظاهرية لقوله تعاىل‪  :‬أ َ ْوفُوا بِ ْالعُقُو ِد ‪ )6(‬وقوله ‪َ ‬و َال تُب ِْطلُوا أ َ ْع َمالَ ُك ْم ‪.)7(‬‬
‫‪ .2‬وأن بعضهم يرون أنه ينتقل ابإلجياب والقبول ومن هؤالء ‪ ...‬أكثر املالكية‪.‬‬
‫(‪ )1‬الدسوقي‪ :‬حاشية الدسوقي‪.)97/3( ،‬‬
‫(‪ )2‬الرملي‪ ،‬حممد بن أمحد بن محزة‪ )1004( ،‬هناية احملتاج إىل شرح املنهاج (‪.)405/5‬‬
‫(‪ )3‬احلصكفي‪ ،‬حممد عالء الدين (‪ : )1088‬الدر املختار شرح تنوير احبصار ( مع حاشية رد احملتار) ‪.)709-698/5( ،‬‬
‫(‪ُ )4‬سـ ــنَن أيب داود (‪ُ ، )63/3‬س ـ ــنَن النسـ ــائي‪ُ )263/6( ،‬م ْس ـ ــنَد أمحـ ــد ‪ ،)409/5( ،)281/2( ،)184/2( ،‬الُعج ـ ــم الص ـ ــغري‪،‬‬
‫(‪ُ ،)395/1‬سنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى‪.)336/6( ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر تفصيل أقواهلم‪:‬‬
‫‪ -1‬احلصكفي‪ :‬الدر املختار (‪.)694-690-688/5‬‬
‫‪ -2‬الدردير‪ :‬الشرح الكبري‪. )101/4( ،‬‬
‫‪ -3‬الر ِ‬
‫ملي‪:‬هناية احملتاج إىل شرح املنهاج (‪.)414/5‬‬
‫ّ‬
‫كشاف القناع عن منت اإلقناع (‪.)330/4‬‬
‫البهويت‪:‬‬
‫‪-4‬‬
‫ّ‬
‫‪ -5‬البهويت ‪ :‬الروض املربع شرح زاد املستنقع (‪.)490/2‬‬
‫‪ -6‬احلطّاب‪ ،‬حممد بن حممد ‪ :‬مواهب اجلليل (‪.)54/6‬‬
‫(‪ )6‬املائدة ‪.1 /‬‬
‫(‪ )7‬حممد ‪.33 /‬‬
‫‪ .3‬ويرى آخرون أن اهلبة ال متلك إال ابلقبض‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلقط ــاع‬
‫يف البداية ال ب ّد من التنبيه إىل الفرق بني مفهوم اإلقطاع يف التشريع اإلسالمي ومفهوم اإلقطاع‬
‫يف النظم الوضعية املتأخرة‪.‬‬
‫فاإلقطاع يف املفهوم اإلسالمي هو جعل ويل احمر رقبة احرض لشخص من احشخاص‬
‫ِ‬
‫َّيب ‪ ‬عندما وصل املدينة‪ ،‬قام إبقطاع بعض الصعابة أماكن‬
‫فيصبا مالكها ومستغلها‪ ،‬فقد ورد أن الن ّ‬
‫ط َلع ْمرو بن حريث داراً ابملدينة ٍ‬
‫ال له ‪ « :‬أزيدك أزيدك‬
‫بقوس وقَ َ‬
‫لبناء دور لسكناهم(‪ )1‬وأنه ‪ ‬خ ّ‬
‫»(‪.)2‬‬
‫الر ُجل من‬
‫أما اإلقطاع مبفهومه احورويب فهو كما قَ َ‬
‫ال ول ديورانت‪ « :‬هو عبارة عن خضوع َّ‬
‫الناحيتني االقتصادية والعسكرية إىل رجل أمسى منه منزلة مقابل تنظيم اقتصادي ومحاية عسكرية»(‪.)3‬‬
‫فإقطاع احرض هبذا املعىن حيث االحنراف يف الغرض واالسرتقاق للبشر ال عالقة له إبقطاع‬
‫احرض واملعدن ابملعىن اإلسالمي فال جمال للمشاهبة أو املقارنة بينهما(‪.)4‬‬
‫وقد ّبني العلماء رمحهم هللا أ ّن أنواع اإلقطاع ثالثة(‪:)5‬‬
‫األول‪ :‬إقطاع التمليك وينقسم إىل أربعة أضرب‪:‬‬
‫‪ .1‬إقطاع املوات اليت مل يدخلها إعمار ومل ميلكها أحد ومل تتعلق مصلعة اجلماعة هبا‪ ،‬فلإلمام أن يقطع‬
‫ِ‬
‫َّيب‬
‫من هذا املوات ملن حيييه‪ ،‬فإكا أحياه اإلحياء الش َّْرعي صار ملكاً له‪ .‬والدليل على كلك إقطاع الن ّ‬
‫(‪ )1‬الشَّافِعِي ‪ :‬احم (‪.)272/3‬‬
‫وس ــنَن البَـْيـ َه ِق ـ ّـي (‪ ،)145/6‬وانظ ــر‬
‫(‪ )2‬أب ــو داود يف اإلمـ ــارة‪ ،‬ابب‪ :‬إقط ــاع احرضـ ــني (‪ )173/3‬ع ــن عم ــر ب ــن جري ــث واللف ــظ ل ــه‪ُ ،‬‬
‫االستيعاب (‪ ،)1172/3‬وتلخيص احلبيري (‪ ،)63/3‬واآلحاد واملثاِن (‪ ،)37/2‬ونيل احوطار (‪.)57/6‬‬
‫(‪)3‬ديورانت‪ ،‬ول‪ :‬قصة حضارة (‪.)406/14‬‬
‫(‪)4‬انظر حول هذه املسألة‪:‬‬
‫َّملُّك يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)40-36‬‬
‫ اجلنيدل‪ ،‬د‪ .‬محد العبد الرمحن‪ :‬نظرية الت َ‬‫ املصري‪ ،‬رفيق يونس‪ :‬أصول االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ص(‪.)176‬‬‫ اببللي‪ ،‬حممود حممود‪ :‬الكسب واالنفاق وعدالة التوزيع يف اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬ص(‪.)103-99‬‬‫(‪ )5‬املاوردي‪ :‬اححكام السلطانية ‪ ،‬ص(‪.)198-190‬‬
‫الزبـَ ْري بسوطه رريبة منه يف الزايدة‪،‬‬
‫العوام ركض فرسه من موات النقع فأعطاه مث رمى ُّ‬
‫‪ ‬للزبري بن ّ‬
‫ف َق َ ِ‬
‫َّيب ‪ « :‬أعطوه منتهى سوطه »(‪.)1‬‬
‫ال الن ّ‬
‫‪ .2‬ما كان عليه آاثره عمارة جاهلية وصار بطول خرابه وبُعد زمانه عاطالً موااتً فعكمه حكم املوات‬
‫(‪)2‬‬
‫ال عليه السالم‪َ « :‬عادي األرض هلل ولرسوله مث هي لكم مين »‬
‫جيوز لإلمام إقطاع متليك‪ ،‬قَ َ‬
‫وككر عاد للتمثيل واملراد كل أرض جاهلية تقادم ملكها‪.‬‬
‫‪ .3‬ما كان أصله من أمالك املسلمني مث حزب حىت صار موااتً فإن علم مالكه فهو له ولورثته من بعده‪،‬‬
‫الص ِعْيا من أقوال‬
‫أما إن تعذر كلك فهو من أموال بيت مال املسلمني ولإلمام أن يقطعه على َ‬
‫أهل العلم إن مل يعرف مالكه‪.‬‬
‫ِ‬
‫َّيب‬
‫‪ .4‬احرض العامرة والواقعة يف بالد احلرب ولكن يتوقع منها من ميتلكها عن فتعها فقد روى أن الن ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ « :‬أقطَ َـع َمتيم ـا َّ‬
‫شيب أرضا من الروم»(‪.)4‬‬
‫الدار َّ‬
‫ي َح ْي ُـرو َن‪ ،‬وأقْطَ َـع ثعلب َة اخلُ َ‬
‫الثاين‪ :‬إقطاع استغالل وهو على ضربني‪:‬‬
‫احول‪ :‬أن يقطع اإلمام جزءاً من احرض اليت حيوز إقطاعها لرجل يستغلها من ريري‬
‫أتبيد وال متليك‪.‬‬
‫الثاِن‪ :‬وهو ما يتعلق مبا خيرج من احرض وكلك ما يقطعه اإلمام من اخلراج ويدفعه‬
‫لألجناد بقدر كفايتهم وحاجتهم وكلك حن هلم أرزاقاً حمـددة ومقـدرة‬
‫حلبسهم أنفسهم للجهاد يف سبيل هللا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إقطاع اإلرفاق وهو على ضربني‪:‬‬
‫احول‪ :‬إقطاع املعادن الباطنة وهي اليت ال يتوصل إليها إال ابلعمل‪ ،‬وأما املعــادن‬
‫الظاهرة‪ ،‬فال جيوز لإلمام إقطاعها بل هي مشرتكة بيـن عامـة املسلميـن‬
‫كاحهنار اجلارية‪.‬‬
‫وس ــنَن البَـْيـ َه ِق ـ ّـي الك ــربى‪ ،)144/6( ،‬واملعج ــم الكب ــري‪،)363/12( ،‬‬
‫(‪ )1‬رواه أب ــو داود يف اإلم ــارة‪ ،‬ابب‪ :‬إقط ــاع احرض ــني (‪ُ )17/3‬‬
‫وم ْسنَد أمحد‪.)156/2( ،‬‬
‫واحوسط‪ُ ،)405/4( ،‬‬
‫الشــافِعِي ‪ ،)1349( ،‬مــن‬
‫(‪ )2‬رواه البَـْيـ َه ِقـ ّـي‪ ،)143/6( ،‬عــن طــاووس بــن كيســان اليمــاِن مرسـالً وعــن ابــن َعبَّــاس موقوفـاً عليــه‪ ،‬ورواه َّ‬
‫ال احلافظ يف التلخيص‪،)62/3( ،‬وهو مما أنكر عليه‪.‬‬
‫الطريق احول‪ ،‬وفيه ليث ابن أيب سليم‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬وقَ َ‬
‫ـعايب جليـل أسـلم سـنة ‪ 9‬هجريـة‪ ،‬وكـان مـن علمـاء أهـل كتـاب‪،‬‬
‫(‪ )3‬متيم الداري‪ ،‬هو أبو رقيّة‪ ،‬متيم بن أوس بن خارجة‪ ،‬من بين خلـم‪ ،‬ص ج‬
‫وهو عابد عصره يف فلسطني‪ ،‬حيث تويف فيها سنة ‪ 40‬هجرية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬هتذيب التهذيب‪ .)511/1( ،‬وصفوة الصفوة ‪ ،)310/1( ،‬واحعالم ‪.)287( ،‬‬
‫(‪ )4‬أبو يوسف اخلراج ص(‪ )216‬وأبو عبيد‪ :‬احموال‪ ،‬ص(‪.)388‬‬
‫الثاِن‪ :‬ويتعلق ابلشوارع واحسواق اليت ليست ملكاً ححد فيجوز لإلمام أن يقطـع‬
‫منها مكاانً يكون صاحبه أحق به من ريريه وال جيوز له متلكه‪ ،‬بـل يكـون‬
‫ابجللوس فيه أحق لبيعه وشرائه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫ال َعدالَة فــي منـــع الت َّ َملُّك مــن األعمـال‬
‫المحظــورة‬
‫ويشمل على أربعة مطالب ‪:‬‬
‫‪ -1‬المطلب األول‬
‫‪ -2‬المطلب الثاني‬
‫‪ -3‬المطلب الثالث‬
‫‪ -4‬المطلب الرابع‬
‫‪:‬‬
‫‪:‬‬
‫‪:‬‬
‫‪:‬‬
‫العقود المنهي عنها‪.‬‬
‫التسعيــــــــــــــــــــــــــــــــر‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــوة ‪.‬‬
‫الر ْش‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫الربَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المبحث الثاني‬
‫ال َعدالَة فــي منـــع الت َّ َملُّك مــن األعمـال‬
‫المحظــورة‬
‫اإلسالميَّة‪ ،‬تناثرت أصوهلا الفرعية‬
‫إن الطرق احملرمة لكسب املِْل ِكيَّة متنوعة وكثرية يف َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫يف كتب الفقه‪ ،‬إال أنه عند استقصاء هذه الطرق ميكن أن تصنف إىل أصول عامة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون التعرمي راجعاً إىل معىن أو وصف يف العني يقتضي حظر تداوهلا ومنع التعامل فيها‬
‫درءاً للمفاسد وجلباً للمصاحل‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون التعرمي راجعاً إىل استيالء ريري مشروع على الشيء‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون التعرمي راجعاً إىل تصرف حمظور شرعاً وإن أخذ صورة العقد‪.‬‬
‫وبناء على هذه احصول تتفرع صور كثرية وأمثلة متعددة‪ ،‬يطول شرحها وسنعاول يف حبثنا أن‬
‫الر ْش َوة‬
‫نذكر أبرز الوسائل للكسب احملرم من خالل بعض العقود املنهي عنها‪ ،‬واالحتكار‪-‬التسعري‪َّ -‬‬
‫ ِّ‬‫الرَاب‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫العقــــــــــود المنهـــــــــــي عنهـــــــــــــا‬
‫وإما بتعيني‬
‫‪ -1‬عقود منهي عنها لذاهتا‪ :‬وهي عقود وقع النهي عنها إما ابلنّص على اسم الشيء‪ّ ،‬‬
‫وصف من أوصافه لعلة يف كات العقد ال تتصل ابلثمن وال ابملتعاقدين ومن أمثلتها‪:‬‬
‫أ‪ -‬احصناف احملرمة يف قوله تعاىل‪ُ  :‬ح ِ ّر َم ْ‬
‫ير َو َما أ ُ ِه َّل ِلغَي ِْر َّ‬
‫اّلِلِ بِ ِه‬
‫ت َ‬
‫علَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةُ َوالدَّ ُم َولَحْ ُم ْال ِخ ْن ِز ِ‬
‫ب ‪.)1(‬‬
‫َو ْال ُم ْن َخنِقَةُ َو ْال َم ْوقُوذَة ُ َو ْال ُمت ََر ِدّيَةُ َوالنَّ ِطي َحةُ َو َما أ َ َك َل ال َّ‬
‫علَى النُّ ُ‬
‫ص ِ‬
‫سبُ ُع إِ َّال َما ذَ َّك ْيت ُ ْم َو َما ذُبِ َح َ‬
‫ال رسول هللا ‪ ‬إن هللا ورسوله حرم بيع اخلمر وامليتة واخلنزير واحصنام فقيل اي رسول هللا‬
‫وعن جابر قَ َ‬
‫ال ‪ «:‬قاتل‬
‫ال‪ ،‬ال هو حرام‪ ،‬مث قَ َ‬
‫أرأيت‪ :‬شعوم امليتة فإنه يطلى هبا السفن ويستصبا هبا الناس ف َق َ‬
‫هللا اليهود إ ّن هللا ملا حرم شحومها مجلوه مث ابعوه فأكلوا مثنه»(‪ )2‬فهذا النهي الشديد الوارد على‬
‫يرمي هذه البيوع يدل على يرمي كل مورد منها مهما كان قليالً‪ ،‬وال تصا احليلة والوسيلة إىل أخذ‬
‫املال‪.‬‬
‫(‪ )1‬املائدة ‪.3 /‬‬
‫صـ ـ ِـعْيعه‪ ،‬ابب‪ :‬بيـ ــع امليتـ ــة واحصـ ــنام‪ ،)779/2( ،‬ومسـ ــلم ابب‪ :‬يـ ـرمي بيـ ــع اخلمـ ــر وامليتـ ــة واخلنزيـ ــر واحصـ ــنام‪،‬‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخـ ــا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫السـ ــنَن الك ـ ــربى‪،)54/4(،)86/3( ،‬‬
‫وسـ ــنَن الرتم ـ ــذي‪ُ ،)388/3( ،‬‬
‫(‪ُ ،)1207/3‬‬
‫وسـ ــنَن البَـْيـ َهق ـ ـ ّـي‪ ،)354،355/9(،)12/6( ،‬و ُ‬
‫وس ــنَن اب ــن ماج ــة (‪ .)732/2‬وانظ ــر‪ :‬جمم ــع الزوائ ــد (‪ ،)90/4‬وج ــامع العل ــوم واحلك ــم‪ ،)413/1( ،‬وف ــتا‬
‫وم ْس ــنَد أمح ــد (‪ُ ،)213/2‬‬
‫ُ‬
‫الباري(‪.)21/8‬‬
‫ومنها كل كي انب من السباع وكل كي خملب من الطيور‪ :‬كاحسد والنمر والفهد والذئب والدب‬
‫والقرد والنسر والصقر وحنوها‪ ،‬على خالف بني الفقهاء يف بعض الفروع(‪ )1‬ومما يدل على يرميها ما‬
‫ال‪َ « :‬هنى رسول هللا ‪ ‬عن كل ذي ٍ‬
‫انب من السباع‬
‫رواه مسلم وأمحد وريريمها من أن ثعلبة اخلشىن قَ َ‬
‫وكل ذي خملب من الطيور »(‪.)2‬‬
‫ومنها كل ما فقد شرطاً من الشروط اليت يعتربها الشَّا ِرع حلل الذبا كأن يكون الذابا وثنياً أو شيوعياً‬
‫أو تكون آلة الذبا سناً أو ظفراً وحنوها مما ال جيوز الذبا به‪.‬‬
‫فكل هذه احعيان السابقة وريريها مما ورد الش َّْرع بتعرميه ليست ماالً وال تقابل ابملال شرعاً‪ ،‬فال تكون‬
‫حمالً للملك وال جيوز متلكها‪.‬‬
‫حرم بيع اخلمر وامليتة واخلنزير واألصنام »(‪.)3‬‬
‫قَ َ‬
‫ال رسول هللا ‪ « : ‬إ ّن هللا ّ‬
‫ب‪ -‬مهر البغي‪ :‬وهو ما يعطى للزانية من أجل التمتع هبا وهو حرام من أي طرف‪ ،‬فهو حرام من‬
‫مضرة اجملتمع إك فيه فشو الزىن واحنطاط اجملتمعات وانتشار‬
‫املعطي وحرام من اآلخذ وكلك ملا فيه من ّ‬
‫الش ِر َيعة مث يف‬
‫الفوضى واختالط احنساب‪ ،‬فهو يفسد عليهم حفظ العرض‪ ،‬وحفظه مقصد من مقاصد َّ‬
‫جل شأنه بيوت البغااي مورداً للكسب‪ ،‬فهو خبيث‬
‫كلك تقليل الرريبة يف الزواج الش َّْرعي وما جعل هللا ّ‬
‫حرام‪ ،‬وقد جاء النهي بذلك‪ ،‬فعن عون بن أيب جعيفة رضي هللا عنه أنه اشرتى حجاماً فأمر فكسرت‬
‫حرم مثن الدم ومثن الكلب وكسب البغي ولعن الوامشة واملستومشة‬
‫حمامجه وقَ َ‬
‫ال‪ « :‬إ ّن رسول هللا ‪ّ ‬‬
‫الرَاب وموكله ولعن املصورين»(‪.)4‬‬
‫وآكل ّ‬
‫(‪ )1‬ابن رشد‪ ،‬حممد بن أمحـد بـن حممـد‪ :‬بدايـة اجملتهـد وهنايـة املقتصـد ‪ .)464/1( ،‬ابـن قُدامـة‪ ،‬عبـد هللا بـن أمحـد بـن حممـد‪ :‬مغـين علـى‬
‫خمتصر أيب القاسم عمر بن حسني بن عبد هللا اخلرقي‪.)583/8( ،‬‬
‫ص ِعْيعه‪ ،‬ابب ألبان احتن‪ )2179/5( ،‬دون ككر الطري‪ .‬ومسلم ابب يـرمي أكـل كـل كي انب ‪ ،‬وكـل كي خملـب‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخا ِر ّ‬
‫مـ ــن الطـ ــري‪ ،)1534/3( ،‬املنتقـ ــى البـ ــن اجلـ ــارود‪ ،)224/1( ،‬وصـ ـ ِـعيا ابـ ــن حبـ ــان‪ ،)84/12( ،‬وس ــنن ِ ِ ِ‬
‫وسـ ــنَن‬
‫ُ َ ّْ‬
‫َ ْ‬
‫ّ‬
‫الرتمـ ــذي(‪ُ ،)71/4‬‬
‫ِ‬
‫السنَن الكربى (‪.)163/3‬‬
‫الدارمي‪ُ ،)106/12( ،‬‬
‫وسنَن البَـْيـ َهق ّي الكربى (‪ُ ،)25/1‬سنَن أيب داوود (‪ ،)355/3‬و ُ‬
‫(‪ )3‬رواه البخــا ِري يف ِ‬
‫وس ــنَن أيب داود‬
‫َُ ّ َ‬
‫صــعْيعه كت ــاب البيــوع‪ ،)424/4( ،‬ع ــن جــابر ب ــن عبــد هللا‪ ،‬ومس ــلم يف املســاقاة (‪ُ ،)1207/3‬‬
‫(‪ .)279/3‬وانظر‪ :‬جامع العلوم واحلكم (‪.)279/1‬‬
‫صـ ـ ِـعْيعه‪ ،‬ابب مثـ ــن الكلـ ــب‪ ،)780/2( ،‬وابب الوامشـ ــة‪ ،)2219/2( ،‬وابب مـ ــن لعـ ــن املصـ ــور‪،)223/5( ،‬‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )4‬رواه البُ َخ ــا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وم ْسـنَد أمحـد‪ ،)309-308/4( ،‬واملعجـم الكبـري‪،)116/22( ،‬‬
‫َ‬
‫وصعْيا ابـن حبّـان‪ُ ،)313/11( ،‬سـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى (‪ُ ،)6/6‬‬
‫ونسل احوطار‪.)238/5( ،‬‬
‫ج‪ -‬حلوان الكاهن‪ :‬وهو الذي يدعي معرفة الغيب وما ال يطلع عليه وميوه على الناس أمورهم وحلوانه‬
‫ما يدفع له أجره على ما قدمه من خدمه ملن جاء له إما ملعاجلة أو حنوها لقول الرسول ‪ « :‬من آتى‬
‫عرافا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على محمد ‪.)1( » ‬‬
‫كاهنا أو ّ‬
‫‪ -2‬عقد منهي عنه الشتمال العقد على الغرر واجلهالة‪:‬‬
‫وهذا النوع من العقود هنى عنه الشَّا ِرع ملا فيه من الغرر واجلهالة املؤديني إىل الشقاق والنـزاع‬
‫بني املتعاقدين ومن أمثلته‪:‬‬
‫ص ِعْيا مسلم من حديث ابن َع ْمرو أن رسـول هللا ‪َ « ‬هنى عن بيع‬
‫أ‪ -‬بيع حبل احلبلة‪ ،‬فقد جاء يف َ‬
‫حبل احلبلة » (‪.)2‬وقد جاء هذا البيع موضعاً صفته يف الص ِعيعني‪ :‬كان أهل اجل ِ‬
‫اهليَّة يبتاعون حلوم‬
‫َ ْ‬
‫َ‬
‫اجلزور إىل حبل احلبلة‪ ،‬وحبل احلبلة أن تنتج الناقة ما يف بطنها مث يمل اليت نتجت‪ ،‬فنهاهم عن كلك‪.‬‬
‫ال‪ :‬ال راب يف احليوان وإمنا هنى‬
‫ب‪ -‬بيع املضامني واملالقيا‪ :‬روى مالك عن سعيد بن امل َسيِّب (‪ )3‬أنه قَ َ‬
‫ُ‬
‫من احليوان عن ثالثة‪ :‬عن املضامني واملالقيا‪ ،‬وحبل احلبلة‪ ،‬واملضامني بيع ما يف بطون إانث اإلبل‪،‬‬
‫واملالقيا بيع ما يف ظهور الفعول(‪.)4‬‬
‫ج‪ -‬بيع املنابذة واملالمسة واحلصاة‪ :‬فعن أيب هريرة‪ « :‬أن رسول هللا هنى عن بيع املالمسة‬
‫(‪)1‬‬
‫الر ُجل الثوب وال‬
‫واملنابذة »(‪ )3()2‬و قَ َ‬
‫ال اإلمام مالك بعد روايته هلذا احلديث واملالمسة أن يلمس َّ‬
‫ِ‬
‫الرتِم ِذي(‪ ،)243/1‬وابن ماجة(‪ ،)639‬ابن جارود(‪ ،)107‬والبَـْيـ َه ِق ّي (‪ ،)198/7‬والطعاوي يف شـرح‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود(‪ ،)3904‬و ّ ْ‬
‫ِ‬
‫ي يف التـ ـ ـ ــاريخ الكب ـ ـ ــري‬
‫املعـ ـ ـ ــاِن (‪ ،)45-44/3‬وال ـ ـ ــدَّا ِرم ّي (‪ ،)259/1‬وأمحـ ـ ـ ــد (‪ )408،429،476/2‬واحلـ ـ ــاكم (‪ ،)8/1‬والبُ َخـ ـ ــا ِر ّ‬
‫(‪ ،)17-16(،)1/2‬والعقيل ـ ـ ــي(‪ ،)318/1‬وابـ ـ ـ ــن ع ـ ـ ــدي (‪ ،)24/10()220/2‬والنسـ ـ ــائي يف الكـ ـ ــربى‪ ،‬كمـ ـ ــا يف يفـ ـ ــة احش ـ ـ ـراف‬
‫(‪ )124/10‬وريــريهم مــن طــرق عــن أيب هريــرة بــه‪ ،‬وصــععه احلــاكم وقَـ َ َّ ِ‬
‫ـال العراقــي يف‬
‫ـال يف الفــيض‪ ،‬قَـ َ‬
‫يب يل ــي شــرطهما‪ .‬وقَـ َ‬
‫ـال الــذ َه ّ‬
‫ص ـ ـ ِـعْيا‪ ،‬وقَ ـ ـ َ َّ ِ‬
‫ص ـ ـ ِـعْيا اجل ـ ــامع (‪ ،)5939‬وآداب‬
‫يب يف امل ـ ــذهب‪ :‬إسـ ــناده ق ـ ــوي‪ ،‬وص ـ ــععه احلبـ ــاِن يف َ‬
‫أمالي ـ ــه‪ :‬ح ـ ــديث َ‬
‫ـال ال ـ ــذ َه ّ‬
‫الزفاف‪،‬ص(‪.)31‬‬
‫وص ِـعْيا ابـن‬
‫ي‪ ،‬ابب‪ :‬بيع الضرر وحبل احلبلى‪ ،)753/2( ،‬ورواه مسلم‪ ،‬ابب‪ :‬يرمي بيع حبلـة احلبلـة‪َ ،)1153/3( ،‬‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫وسـنَن البَـْيـ َه ِق ّـي الكـربى‪ُ ،)341/340/5( ،‬سـنَن أيب‬
‫وسـنَن الرتمـذي(‪ُ ،)531/3‬‬
‫حبِّـان ابب‪ :‬النهـي عـن بيـع حبلـة احلبلـة(‪ُ ،)421/11‬‬
‫وم ْسنَد أمحد(‪.)108-80-76-63-10-5/2( ،)56/1‬‬
‫داود (‪ُ ،)255/3‬سنَن ابن ماجة(‪ ،)740/2‬موطأ مالك (‪ُ ،)653/2‬‬
‫(‪ )3‬هــو ســعيد بــن امل َســيِّب بــن حــزن املخزومــي القرشــي مــن أعــالم التــابعني وســاداهتم‪ ،‬أحــد الفقهــاء الســبعة يف املدينــة‪ .‬كــان زاهــداً ورعـاً‬
‫ُ‬
‫يعيش على التجارة‪ ،‬ال أيخذ عطاء وهو رواية عمر لألحكام تويف ابملدينة سنة ‪94‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سري أعالم النبالء (‪ .)217/4‬وهتذيب التهذيب (‪ )84/4‬واحعالم (‪.)102/3‬‬
‫(‪ )4‬شرح الزرقاوي ملوطأ مالك (‪.)312/3‬‬
‫انظر‪:‬سنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى‪ ، )287/5( ،‬واحم ‪ ،)47/3( ،‬وامل ْغين‪.)146/4( ،‬‬
‫و‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الر ُجل ثوبه وينبذ‬
‫الر ُجل إىل َّ‬
‫ينشره وال يتبني ما فيه أو يبتاعه ليالً وال يعلم ما فيه ‪ ،‬واملنابذة أن ينبذ َّ‬
‫اآلخر إليه ثوبه على ريري أتمل منها ويقول كل منهما‪ :‬هذا هبذا‪ ،‬فهذا الذي هنى عنه املالمسة واملنابذة‬
‫‪ ،‬واما بيع احلصاة فهو أن تكون ثياب مبسوطة فيقول املبتاع للبائع أي ثوب من هذه وقعت عليه‬
‫احلصاة اليت أرمي هبا فهو بكذا‪ ،‬فيقول البائع‪ :‬نعم‪ ،‬فهذا وأمثاله ريرر وقمار وجهالة وأكل للمال‬
‫ابلباطل(‪.)4‬‬
‫وهلذا النوع من العقود تطبيقات كثرية يف الفقه والقانون كالتأمني واليانصيب واملسابقة وله‬
‫انتشار كبري يف عاملنا املعاصر ويقرتب يف مفهومه من القمار‪.‬‬
‫‪ -3‬عقد منهي عنه القرتانه بوصف يضر أبحد املتعاقدين‪:‬‬
‫كبيع التدليس والغنب والنجش‪ ،‬فهذه البيـوع هلا ضـرر إمـا ابلثمـن كالنجش أو ابلعاقد كالغنب‪.‬‬
‫أ‪ -‬بيع النجش‪ :‬والنجش يف اللغة أصله االستتار‪ ،‬حن الناجش يسرت قصده فيزيد يف سلعة أكثر من‬
‫(‪)5‬‬
‫الر ُجل يف مثن‬
‫مثنها وليس قصده أن يشرتيها بل ليغر ريريه فيوقعه ‪ .‬والنجش يف االصطالح أن يزيد َّ‬
‫السلعة وهو ال يريد شراءها ليقتدي به ريريه فيظن أنه مل يزد فيها هذا القدر إال وهي تساويه فيغرت‬
‫بذلك ويقدم على الشراء(‪ )6‬وقد اتفق الفقهاء على أن الناجش عاص بفعله ملا رواه الشيخان عن ابن‬
‫ال‪َ « :‬هنى رسول هللا ‪ ‬عن النجش»(‪ « : )7‬والنهي يقتضي التعرمي وملا فيه‬
‫عمر رضي هللا عنهما قَ َ‬
‫من اخليانة واخلداع »(‪.)8‬‬
‫إيل فقــد اش ــرتيته‪ .‬انظ ــر‪:‬‬
‫(‪ )2()1‬املالمســة أن يبيع ــه شــيئاً وال يعاين ــه علــى أن ــه مــىت ملس ــه وقــع البي ــع واملنابــذة أن يق ــول أي ثــوب نبذت ــه ّ‬
‫املقدسي‪ ،‬هباء الدين‪ :‬العدة شرح العمدة يف فقه إمام السنّة أمحد بن حنبل ‪ ،‬ص(‪.)217‬‬
‫ي ابب منــع بيــع املنابــذة‪ )754/2( ،‬و(‪ ،)2190/5‬ومســلم ‪ ،‬ابب إبطــال بيــع املالمســة واملنابــذة‪ ،)1151/3(،‬ويف‬
‫(‪ )3‬رواه البُ َخــا ِر ّ‬
‫ـال‪ :‬هنــى عــن بيعتــني‪ :‬املالمســة واملنابــذة ‪ِ ،‬‬
‫الرتمــذي‪ ،)601/3( ،‬وموطــأ مالــك مــع‬
‫روايـة أنــه قَـ َ‬
‫وســنَن ّ‬
‫َ‬
‫صـعْيا ابــن حبّــان‪ُ ،)349/11( ،‬‬
‫شرح الزرقاِن‪.)319/3( ،‬‬
‫(‪ )4‬الزرقاِن‪ :‬شرح موطأ مالك ‪.)316/03 ،‬‬
‫(‪ )5‬املقري‪ ،‬أمحد بن حممد بن علي‪ :‬املصباح املنري ‪ ،‬مادة ن ج ش ‪.‬‬
‫(‪ )6‬ابن قُدامة‪ ،‬امل ْغين (‪.)234/4‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وص ـ ـ ـ ِـعْيا ابـ ـ ـ ـ ــن ِحبِّـ ـ ـ ـ ــان ‪،‬‬
‫ص ـ ـ ــعْيعه ‪ ،‬ابب الـ ـ ـ ــنجش‪ ،)2554/6( ،)753/2( ،‬ومس ـ ـ ــلم‪َ ،)1156/3( ،‬‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )7‬رواه البُ َخ ـ ـ ــا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫وسـنَن ابـن ماجـة‪ ،‬ابب مــا جـاء يف النّهـي عـن الـنجش‪ ،)734/2( ،‬وموطـأ مالــك‪،‬‬
‫وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى‪ُ ،)343/5( ،‬‬
‫(‪ُ ،)342/11‬‬
‫وم ْسنَد أمحد‪.)63-7/2( ،‬‬
‫(‪ُ ،)684/2‬‬
‫الصْنـ َعاِن‪ :‬سبل السالم (‪ )18/3‬وشرح املنهج (‪.)243/2‬‬
‫(‪َّ )8‬‬
‫ب‪ -‬بيع الغنب(‪ :)1‬والغنب يف اللغة اخلداع‪ ،‬ي َقال ريبنه ريبناً يف البيع والشراء خدعه وريلبه‪ ،‬والغنب هو‬
‫بيع الشيء أبكثر مما يساوي أو أبقل مما يساوي ‪ ،‬والغنب الفاحش حرام شرعاً حنه ثبت يف احلديث‬
‫ِ‬
‫ي عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما‪ :‬أن‬
‫َ‬
‫الصعْيا طلب ترك الغنب طلباً جازماً‪ ،‬فقد روى البُ َخا ِر ّ‬
‫رجالً ككر للنيب ‪ ‬أنه خيدع يف البيوع‪ ،‬ف َقال‪ « :‬إذا ابيعت فقل ال خالبة »(‪ )2‬وروى أمحد عن أنس‬
‫ِ‬
‫َّيب ‪‬‬
‫« أن رجالً على عهد رسول هللا ‪ ‬كان يبتاع وكان يف عقدته يعين عقله ضعف فأتى أهله الن ّ‬
‫ال‬
‫ف َقالوا‪ :‬اي نيب هللا احجر على فالن فإنه يبتاع ويف عقدته ضعف فدعاه نيب هللا ‪ ‬فنهاه عن البيع‪ ،‬ف َق َ‬
‫ال ‪ « : ‬إن كنت غري اترك للبيع فقل ها وها وال خالبة »(‪. )3‬‬
‫اي نيب هللا إِن ال أصرب عن البيع ف َق َ‬
‫ال‪ :‬أشهد على الصادق‬
‫واخلالبة‪-‬بكسر اخلاء‪ -‬اخلديعة‪ ،‬وروى ابن ماجة عن عبد هللا بن مسعود أنه قَ َ‬
‫ال‪ « :‬بيع احمل ّفالت خالبة وال حتل اخلالبة ملسلم »(‪.)4‬‬
‫املصدوق أنه حدثنا قَ َ‬
‫فهذه اححاديث قد طلب فيها ترك اخلالبة أي اخلديعة‪ ،‬واخلديعة حرام ومن هنا كان الغنب‬
‫جرماً‪ ،‬إال أ ّن الغنب احلرام هو الغنب الفاحش‪ ،‬حن علّة يرمي الغنب هو كونه خديعة يف الثمن‪ ،‬وال‬
‫يسمى خديعة إكا كان يسرياً حنه يكون مهارة يف املساومة‪ ،‬وإمنا يكون الغنب خديعة إكا كان فاحشاً‬
‫فإكا ثبت الغنب فإ ّن للمغبون اخليار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أمضاه‪ .‬روى الدراقطين عن حممد بن‬
‫ال عليه الصالة والسالم ‪ « :‬إذا بعت فقل ال خالبة‪ ،‬مث أنت يف كل سلعة‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫حيىي بن حبّان قَ َ‬
‫تبتاعها ابخليار ثالث ليال فإن رضيت فأمسك‪ ،‬وإن سخطت فارددها على صاحبها »(‪.)5‬‬
‫(‪ )1‬انظر حول املسألة‪:‬‬
‫َّملُّك يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)58‬‬
‫‪ -1‬اجلنديل‪ ،‬د‪ .‬محد العبد الرمحن‪ :‬نظرية الت َ‬
‫‪ -2‬النَّـبَـ َه ِاِنّ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)190‬‬
‫ص ِعْيعه‪ ،‬ابب‪ :‬ما يكره من اخلداع يف البيـع‪ ،)2554/6( ،)851 ،850 ،848 ،745/2( ،‬مسـلم ابب‪ :‬مـا‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫خيدع يف البيع(‪ِ ،)1165/3‬‬
‫ِ‬
‫وسـنَن‬
‫َ‬
‫ين (‪ُ ،)55/3‬‬
‫وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى (‪ُ ،)273/5‬‬
‫وصـعْيا ابـن حبِّـان (‪ُ ،)432/11‬‬
‫وسـنَن ال َّـد َارقُطْ ّ‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪.)84 ،80 ،72 ،61 ،42/2‬‬
‫أيب داود (‪ُ ،)282/3‬‬
‫وصـ ـ ِـعْيا اب ـ ــن ِحبِّـ ــان‬
‫(‪ )3‬رواه أمحـ ــد يف مس ـ ــنده (‪ ،)217/2‬واملنتق ـ ــى الب ـ ــن اجل ـ ــارود بلف ـ ــظ‪ :‬فقـ ــل هـ ــا وهـ ــا وال خالبـ ــة (‪َ ،)147/1‬‬
‫ص ِـعْيا علـى الشـيخني‬
‫لص ِـعْيعني(‪ ،)113/4‬وقَ َ‬
‫(‪ ،)431-430/11‬بلفظ‪ :‬فقل هاء وهاء وال خالبة‪ ،‬واملستدرك علـى ا َ‬
‫ـال حـديث َ‬
‫ِ‬
‫وس ــنَن اب ــن ماج ــة‬
‫وس ــنَن البَـْيـ َهق ـ ّـي الك ــربى (‪ ،)62/6‬بلف ــظ‪ :‬فق ــل ه ــا وه ــا وال خالب ــة ومثل ــه يف ُس ــنَن أيب داود (‪ُ ،)282/3‬‬
‫ومل خيرج ــاه ُ‬
‫(‪ ،)688/2‬بلفظ فقل ها وال خالبة‪.‬‬
‫ِ‬
‫وم ْسـنَد الطيالسـي‬
‫وم ْسـنَد أمحـد (‪ُ ،)433/1‬‬
‫وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى ‪ُ ،)317/5( ،‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجة يف ُسـنَنه (‪ ،)753/2‬واللفـظ لـه ُ‬
‫(‪ .)38/1‬رواه الد َ ِ‬
‫ين يف ُسنَنه (‪ .)55/3‬وانظر‪ :‬التعقيق يف أحاديث اخلالف (‪ ،)167/2‬وتفسري القرطيب (‪.)387/3‬‬
‫َّارقُطْ ّ‬
‫وسنَن ابن ماجة‪ ،‬ابب احلجر من يُفسد ماله‪ ،)789/2( ،‬ونيل احوطار‪.)288/5( ،‬‬
‫(‪ )5‬رواه الدراقطين‪ُ ،)55/3( ،‬‬
‫ج‪ -‬بيع التدليس‪ :‬احصل يف عقد البيع اللزوم‪ ،‬فمىت مت العقد ابإلجياب والقبول بني البائع واملشرتي‬
‫وانتهى جملس البيع فقد لزم عقد البيع ووجب نفاكه على املتبايعني إال أنه ملا كان عقد املعاملة جيب أن‬
‫(‪)1‬‬
‫حرم الش َّْرع على الناس التدليس يف البيع وجعله إمثاً‬
‫يتم على وجه يرفع املنازعات بني الناس ‪ .‬فقد ّ‬
‫سواء حصل التدليس من البائع أو املشرتي يف السلعة أو العملة‪ ،‬فكله حرام‪ ،‬حن التدليس قد حيصل‬
‫من البائع وقد حيصل من املشرتي‪.‬‬
‫ومعىن تدليس البائع السلعة هو أن يكتم العيب عن املشرتي مع علمه به أو يغطي العيب عنه‬
‫مبا يوهم املشرتي عدمه‪ ،‬أو يغطي السلعة مبا يظهرها كلة حسنة‪ ،‬ومعىن تدليس املشرتي الثمن هو أن‬
‫يزيف العملة أو يكتم ما فيها من زيف مع علمه به‪ ،‬وقد خيتلف الثمن ابختالف املبيع حجل التدليس‪،‬‬
‫وقد يرريب املشرتي ابلسلعة بسبب التدليس‪ ،‬فهذا التدليس جبميع أنواعه حرام‪.‬‬
‫ِ‬
‫ص ّروا اإلبل والغنم‪ ،‬فمن ابتاعها‬
‫َّيب ‪ ‬أنه قَ َ‬
‫ال‪ « :‬ال تُ َ‬
‫ملا روى البُ َخا ِر ّ‬
‫ي عن أيب هريرة عن الن ّ‬
‫بع ُد فإنه خبيـر النظريـن بعد أن حيتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ر ّدها وصاع تـمر»(‪ )2‬و ملا روى ابن‬
‫ِ‬
‫مصراه فهو ابخليار ثالثة أايم‪ ،‬فإن ر ّدها ر ّد‬
‫َّيب ‪ ‬أنه قَ َ‬
‫ال‪ « :‬من ابتاع ّ‬
‫ماجة عن أيب هريرة عن الن ّ‬
‫معها صاعا من متر‪ ،‬ال مسراء »‬
‫(‪)3‬‬
‫واملراد رد مثن لبنها الذي حلبه‪ .‬فهذا صريا يف النهي عن تصرية‬
‫اإلبل والغنم‪ ،‬ومثل كلك كل عمل يغطي العيب أو يكتم العيب‪ ،‬فإن كلك كلّه تدليس حيرم فعله سواء‬
‫أكان كلك يف السلعة أو العملة حنه رينب‪.‬‬
‫‪ -4‬عقد منهي عنه لوصف خارج عن العقد واملتعاقدين‪:‬‬
‫ومن أمثلة كلك‪:‬‬
‫دل الكتـاب‬
‫ال اإلمام ابن تَـْي ِميَّة رمحه هللا تعاىل‪ « :‬واحصل يف هذا أنه ال حيرم على الناس من املعامالت اليت حيتاجون إليهـا إال مـا ّ‬
‫(‪ )1‬قَ َ‬
‫دل الكتاب والسنة على شرعه‪.‬‬
‫والسنة على يرميه‪ ،‬كما ال يشرع هلم من العبادات إال ما ّ‬
‫انظر ‪ :‬ابن تَـْي ِميَّة ‪ :‬الفتاوى (‪.)386 ،385/28‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخا ِري يف ِ‬
‫الرجـل علـى‬
‫َُ ّ َ‬
‫صـعْيعه‪ ،‬ابب النهـي للبـائع أن ال حيفـل اإلبـل والبقـر والغـنم (‪ ،)755/2‬ومسـلم يف البيـوع ابب يـرمي ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وسـنَن الـد َ ِ‬
‫ين‬
‫بيع أخيه‪ ،‬وسومه على سومه (‪َ ،)1155/3‬‬
‫وسنَن البَـْيـ َهق ّي الكربى (‪ُ ،)318/5‬‬
‫وصعْيا ابن حبّان (‪ُ ،)343/11‬‬
‫َّارقُطْ ّ‬
‫السنَن الكربى (‪ ،)11/4‬وموطأ مالك (‪.)683/2‬‬
‫(‪ُ ،)75/3‬‬
‫وسنَن أيب داود (‪ ،)270/3‬و ُ‬
‫(‪ )3‬ورواه ابن ماجة يف ُسنَنه (‪ ،)753/2‬واللفظ له‪ ،‬واملراد بقوله‪ ،‬ال مسراء يعين احلنطة‪ ،‬وعند مسلم ‪ ،‬بلفظ من اشرتى شاة مصراة فهـو‬
‫رد معها صاعاً من طعام ال مسراء (‪.)1158/3‬‬
‫ردها ّ‬
‫ابخليار ثالثة أايم‪ ،‬فإن ّ‬
‫ِي‬
‫أ‪ -‬البيع بعد نداء اجلمعة‪ ،‬لعلة اإلهلاء عن ككر هللا لقوله تعاىل‪  :‬يَاأَيُّ َها الَّذِينَ َءا َمنُوا إِذَا نُود َ‬
‫ص َالةِ ِم ْن يَ ْو ِم ْال ُج ُمعَ ِة فَا ْسعَ ْوا إِلَى ِذ ْك ِر َّ‬
‫اّلِلِ َوذَ ُروا ْالبَ ْي َع ‪.)1(‬‬
‫ِلل َّ‬
‫ب‪ -‬بيع السالح للعريب‪ ،‬فالبيع يف احصل حالل إال أنه ملا بيعه للعريب سيكسبه قوة ومنعة ضد‬
‫اإلسالم منع من بيعه هلذا الوصف‪.‬‬
‫ج‪ -‬بيع العصري ملن يتخذه مخراً‪ ،‬فمعلوم أن بيع العنب جائز لكن ل َّـما جاوره بيع آخر وهو التعول إىل‬
‫مخر‪ ،‬ففي بيعه للعنب أو عصريه مساعدة على اإلمث‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬فإ ّن يف تشريع املعامالت املاليّة أبنواعها وأصنافها‪ ،‬وما بنيت عليه تلك املعامالت‬
‫والعقود من أُسس وضوابط خلري دليل على فضل هللا تعاىل على عباده يف تشريعه احلكيم‪.‬‬
‫وال خيفى ما يف هذا التشريع من قطع للمنازعات واملخاصمات‪ ،‬وكلك مبراعاة العدل‬
‫أي نوع‬
‫كل مسألة من مسائل املعامالت ‪ ،‬و ّ‬
‫واإلنصاف يف تشريع العقود واملعامالت‪ ،‬حيث يظهر يف ّ‬
‫من أنواع العقود كما أشران على جادة اإلمجال ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حرم هللا‬
‫« فما من معاملة ماليّة أحلّها هللا تعاىل إالّ وفيها مصلعة خالصة أو راجعة وما ّ‬
‫تعاىل من معاملة ٍ‬
‫مالية إالّ وفيها مفسدة خالصة‪ ،‬أو راجعة »(‪.)2‬‬
‫الش ِر َيعة اإل ْسالميَّة يف‬
‫فإكا ظهر لنا كلك فما علينا إالّ أن ننشد املطالبة ابالحتكام إىل َّ‬
‫ريش‪ ،‬وال ريرر‪ ،‬وال تدليس‪ ،‬وال جنش‪ ،‬وال ريُنب‪ ،‬وال منابذة‪ ،‬وال مالمسة‪.‬‬
‫معامالتنا املالية حيث ال ّ‬
‫ٍ‬
‫روعي فيه‬
‫فهل بعد هذا العدل واإلنصاف من عدل وإنصاف؟ وهل بعد هذا التشريع الذي ّ‬
‫حال البائع واملشرتي من تشري ٍع يُراعي حال البائع واملشرتي؟‬
‫ال ريب أن التشريعات املالية يف ريري اإلسالم ال تقوم على العدل واإلنصاف وأي ٍ‬
‫عدل و‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إنصاف يف أتسيس العقود على الغرر والغنب كعقود التأمني القائمة على املنافع اجملهولة‪ ،‬ويكفي‬
‫لإلسالم فخراً أنّه أسس عقوده على الصدق والبيان مع يرمي الظلم والعدوان وأكل أموال الناس بغري‬
‫حق‪.‬‬
‫(‪ )1‬اجلمعة ‪.9 /‬‬
‫(‪)2‬الكيب‪ ،‬سعد الدين حممد املعامالت املالية املعاصرة يف ضوء اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)101‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫التــســعـــيــــــــــــــــــر‬
‫جاء يف املصباح املنري سعرت الشيء تسعرياً جعلت له سعراً معلوماً ينتهي إليه‪ ،‬والتسعري هو‬
‫تقدير السعر(‪.)1‬‬
‫وعرف الفقهاء التسعري بتعريفات كثرية‪:‬‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عرفه اجلويين إمام احلرمني بقوله‪ « :‬التسعري ‪ ...‬إثبات أقدار أبدال احشياء » ‪.‬‬
‫ ّ‬‫وعرفه القاضي البيضاوي(‪ )4‬أبنه‪« :‬القيمــة اليت يشي ــع البيع عليهـا فـي احس ـواق‪ ،‬والتسعيـر تقديـرها‬
‫ ّ‬‫»(‪.)5‬‬
‫وعرفه احمحد فكري أبنه‪ « :‬تقدير ما يباع به الشيء طعاماً أو ريريه ويكون ريالء ورخصاً»(‪.)6‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫(‪ )1‬الفيومي ‪ :‬أمحد بن حممد بن علي املقري (‪770‬هـ) املصباح املنري يف ريريب الشرح الكبري‪ .‬ص (‪.)423‬‬
‫(‪ )2‬هو أبو املعايل عبد هللا بن عبد هللا بن يوسف بن حممد اجلويين مـن علمـاء القـرن اخلـامس اهلجـري البـارزين شـافعي ُولـد يف جـوين عـام‬
‫‪419‬ه ـ ورحــل إىل بغــداد فمكــة حيــث جــاور أربــع ســنني‪ ،‬مثّ كهــب إىل املدينــة فــأفىت هبــا ودرس مث عــاد إىل نيســابور وتــويف عــام ‪478‬ه ـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سري احعالم النبالء (‪ ،)235/15‬احعالم (‪.)160/4‬‬
‫(‪ )3‬اجلويين‪ ،‬عبد امللك بن عبد هللا بن يوسف‪ :‬اإلرشاد إىل قواطع احدلة يف أصول االعتقاد‪ ،‬ص(‪.)367‬‬
‫(‪ )4‬البيضاوي ‪ ،‬هو عبد هللا بن عمر بن حممد بن علي‪ ،‬انصر الـدين‪ ،‬أبـو سـعيد البضـاوي‪ ،‬الشـريازي ‪ ،‬الشَّـافِعِي ‪ ،‬فقيـه مفسـر‪ ،‬أصـويل‪،‬‬
‫ويل القضاء بشرياز‪ ،‬وأخذ الفقه عن والده وأيب حامد الغََزايل وريريهم‪ .‬تويف عام (‪ 691‬هجريـة) ‪ .‬مـن مصـنفاته‪ :‬منهـاج الوصـول‬
‫حم ّدث‪ّ ،‬‬
‫الشــافِعِي ة لألســنوي‪.)283/1( ،‬‬
‫إىل علــم احصــول ‪ ،‬وأن ـوار التنزيــل وأس ـرار التأويــل‪ .‬وهــو املشــهور بتفســري البيضــاوي‪ .‬انظــر‪ :‬طبقــات َّ‬
‫وطبقات السبكي‪.)157/8( ،‬‬
‫(‪ )5‬جمموع رسائل مفيت زادة ‪ ،‬ص(‪.)127‬‬
‫(‪ )6‬دستور العلماء ‪.)169/2( ،‬‬
‫ويل من أمور املسلمني أمراً أهل‬
‫وعرفه الش َّْوَكاِن(‪ )1‬ف َق َ‬
‫ ّ‬‫ال‪ « :‬هو أن أيمر السلطان نوابه أو كل من ّ‬
‫السوق أال يبيعوا إال بسعر كذا‪ ،‬فيمنعون من الزايدة عليه أو النقصان ملصلعة»(‪.)2‬‬
‫وعرفه ابن عرفه(‪ )3‬يف حدوده أبنه‪ :‬ديـد حاكم السوق لبائع املأكوالت فيه قدراً للمبيع بدرهم‬
‫ ّ‬‫معلوم(‪.)4‬‬
‫ وعرفه الدريين(‪ )5‬أبنه‪ « :‬إجبار أرابب السلع أو املنافع الفائضة عن حاجتهم على بيعها بثمن أو‬‫أجر معني مبوجب أمر يصدره موظف عام خمتص ابلوجه الش َّْرعي‪ ،‬عند ش ّدة حاجة النّاس أو البالد‬
‫إليها »(‪.)6‬‬
‫وخالصة ما ورد يف هذه التعريفات‪:‬‬
‫إ ّن التسعري يف مجلته إجراء مؤقت من قبل احلاكم لعالج املشكالت االجتِم ِ‬
‫اعيَّة واالقتصادية‬
‫َْ‬
‫لبعض السلع أو املنافع اليت يكون الناس يف حاجة إليها‪ ،‬دفعاً لضرر االستغالل ولتنظيم التعامل وكلك‬
‫أبن تتدخل الد َّْولَة يف احسعار وتضع للسلع أو لبعضها أسعاراً معينة ومتنع كل واحد من أن يبيع أبكثر‬
‫من السعر الذي عينته أو أبقل منه ملا ترى يف كلك من مصلعة اجملموع‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء يف حكم التسعري وشروطه وما جيوز فيه وما ال جيوز‪ ...‬وميكن حصر هذا‬
‫اخلالف يف ثالثة آراء‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬مذهب اجلمهور ِم َن الفقهاء‪ ،‬وهم يرون عدم جواز التسعري مطلقاً‪ ،‬حن صعة البيع تتوقف على‬
‫وجود الرتاضي‪ ،‬وهو مفقود مع التسعري‪ ،‬فيكون البيع ابطالً لعدم الرتاضي(‪.)7‬‬
‫ال ‪:‬‬
‫فسعر لنا؟ ف َق َ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫عن أنس بن مالك قَ َ‬
‫ال الناس‪ :‬اي رسول هللا ريال الناس ّ‬
‫(‪ )1‬هــو حممــد بــن علــي بــن حممــد َّ‬
‫وويل قضــاءها لــه ‪ 114‬مؤلفـاً‬
‫الشـ ْـوَكاِن فقيــه جمتهــد مــن كبــار علمــاء الــيمن ولــد خبــوالن‪ ،‬ونشــأ بصــنعاء ّ‬
‫منها‪ :‬نيل احوطار وإرشاد الفعول تويف عام ‪1250‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬احعالم (‪.)298/6‬‬
‫(‪ )2‬الش َّْوَكاِن‪ :‬نيل احوطار (‪.)248/5‬‬
‫(‪ )3‬ابن عرفه‪ ،‬هو حممد بن عرفـه الـورريمي‪ ،‬املـالكي إمـام تـونس‪ُ ،‬ولـد فيهـا سـنة (‪ 716‬هجريـة) وتـويف فيهـا سـنة (‪ 803‬هجريـة)‪ .‬انظـر‪:‬‬
‫احعالم‪.)72/2( ،‬‬
‫(‪ )4‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬ص(‪.)279-278‬‬
‫(‪ )5‬د‪ .‬فتعي الدريين ‪ :‬هو القاضي الش َّْرعي املصري يف عهد امللك فؤاد (علي عبد الرازق)‪.‬‬
‫من مصنفاته‪ :‬اإلسالم وأصول احلكم‪.‬‬
‫(‪ )6‬الدريين‪ ،‬د‪ .‬فتعي‪ :‬مذكرات يف التسعري واالحتكار ‪ ،‬ص(‪.)171‬‬
‫(‪ )7‬الشريازي‪ ،‬أبو إسعاق إبراهيم بن علي بن يوسف (‪ )476‬املهذب‪ ،)292/1( ،‬واملاوردي‪ :‬احلاوي ‪.)162/6( ،‬‬
‫« َّ‬
‫سعر القابض الباسط الرازق‪ ،‬وإ ّين ألرجو أن ألقى هللا وليس أح ٌد منكم يطالبين‬
‫إن هللا هو املُ ّ‬
‫مبظلمة يف ٍ‬
‫دم وال مال »(‪.)1‬‬
‫ال الش َّْوَكاِن‪ :‬ووجهه أن الناس مسلطون على أمواهلم‪ ،‬والتسعري حجر عليهم‪ ،‬واإلمام مأمور‬
‫قَ َ‬
‫برعاية مصلعة املسلمني وليس نظره يف مصلعة املشرتي برخص الثمن أوىل من نظره يف مصلعة البائع‬
‫بتوفري الثمن‪ ،‬وإكا تقابل احمران وجب متكني الفريقني من االجتهاد حنفسهم وإلزام صاحب السلعة أن‬
‫(‪)2‬‬
‫اض‪.)3(‬‬
‫ع ْن ت ََر ٍ‬
‫ارة َ‬
‫يبيع مبال يرضى به مناف لقولـه تعالــى‪ِ  :‬إ َّال أ َ ْن ت َ ُكونَ تِ َج َ‬
‫ال ‪ «:‬بل هللا خيفض ويرفع »(‪.)4‬‬
‫ال اي رسول هللا سعر‪ ...‬ف َق َ‬
‫ال ‪ :‬جاء رجل ف َق َ‬
‫وعن أيب هريرة قَ َ‬
‫َّ‬
‫مر حباطب بن أيب بلتعة(‪ )5‬بسوق املصلى وبني يديه‬
‫وعن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‪ ،‬أنه ّ‬
‫ال له عمر‪ « :‬قد حدثت‬
‫ال له‪ :‬مدين لكل درهم‪ -‬ف َق َ‬
‫ريراراتن فيهما زبيب‪ ،‬فسأله عن سعرمها؟ ف َق َ‬
‫وإما أن تدخل زبيبك‬
‫بعري جاءت من الطائف يمل زبيباً‪ ،‬وهم يعتدون بسعرك فإما أن ترفع يف السعر‪ّ ،‬‬
‫ال‪ « :‬إن الذي‬
‫البيت فتبيعه كيف شئت» ‪ ،‬فلما رجع عمر حاسب نفسه مث أتى حاطباً يف داره ف َق َ‬
‫قلت لك ليس ريرمة مين‪ ،‬وال قضاء وإمنا هو شيء أردت به اخلري حهل البلد‪ ،‬فعيث شئت فبع وكيف‬
‫شئت فبع »(‪.)6‬‬
‫اثنيا‪ :‬جواز التسعري والوجوب عند الضرورة(‪:)7‬‬
‫الرأْي قد استندوا على مراعاة املصلعة العامة‪ ،‬ودفع الظلم عن الناس مع‬
‫وأصعاب هذا َ‬
‫مراعاة املصلعة اخلاصة وأساس هذا ومبناه التوفيق بني املصاحل اخلاصة والعامة‪ ،‬ومراعاة ملبدأ التوازن بني‬
‫صـ ِـعْيا ابــن حبّــان‪ ،‬ابب‪ :‬التســعري‬
‫(‪ )1‬رواه أبــو داود يف ُســنَنه‪ ،‬كتــاب البيــوع‪ ،‬ابب‪ :‬يف التســعري‪ ،)272/3( ،‬واللفــظ لــه‪ ،‬ومبعنــاه عــن َ‬
‫ِ‬
‫الرتِم ِـذي(‪ ،)605/3‬و ُســنَن الـدارمي‪ ،)324/2( ،‬و ُسـنَن البَـْيـ َه ِق ّـي الكــربى‪ ،)29/6( ،‬و ُسـنَن ابـن ماجــة‬
‫واالحتكـار(‪ ،)307/11‬و ُسـنَن ّ ْ‬
‫(‪ ،)741/2‬وُم ْسنَد أمحد (‪ ،)156/1‬وُم ْسنَد أيب يعلي (‪.)245/5‬‬
‫(‪)2‬الش َّْوَكاِن‪ :‬نيل احوطار (‪.)248/5‬‬
‫(‪ )3‬النساء ‪.29 /‬‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪.)337/2‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود يف سنته‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬ابب يف التسعري(‪ُ )272/3‬‬
‫( ‪ )5‬حاطب بن أيب بلتعة بن َع ْمرو بن ُعدي ‪ ،‬تويف سنة (‪ 30‬هـ) وصلى عليه عثمان بن ع ّفان‪ .‬انظر‪ :‬أُسد الغابة ‪.)438/1( ،‬‬
‫(‪ُ )6‬سنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى (‪ ،)29/6‬واملوطأ ملالك عن ابن امل َسيِّب (‪ ،)651/3‬رقم (‪.)57‬‬
‫ُ‬
‫الشـافِعِية واحلنابلـة أجـازوا التسـعري مـع مالحظـة أن احصـل عنـدهم هـو عـدم التسـعري وأول مـن تكلـم يف‬
‫(‪ )7‬بعض فقهاء املعتزلة واملالكيـة و َّ‬
‫التسعري هو القاضي عبد اجلبار املعتزيل (‪425‬هـ) إكا تواطأ الناس على السعر لنفع هلم ما مل يؤد إىل مضرة عظيمة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -1‬عبد اجلبار‪ ،‬القاضي‪ :‬املغْين يف أبوب التوحيد (‪.)58-55/11‬‬
‫ُ‬
‫‪ -2‬املصري‪ ،‬د‪ .‬رفيق يونس‪ :‬أصول االقتصاد اإلسالمي ‪ ،‬ص(‪.)141‬‬
‫حرية املالك يف التصرف يف أمواهلم مع منع احضرار ابآلخرين‪ ،‬فريى شيخ اإلسالم ابن تَـْي ِميَّة وابن قَـيِّم‬
‫اجلَْوِزيَّة رمحهما هللا أن التسعري جيوز عند احلاجة‪ ،‬فإكا اقتضت الضرورة كلك كان التسعري جائزاً بل‬
‫البني اللجوء إىل التسعري حن‬
‫واجباً‪ ،‬أما إكا كانت احلياة تسري سريها الطبيعي‪ ،‬فيكون من الظلم ّ‬
‫التسعري إكراه للناس على البيع بثمن ال يرضونه‪.‬‬
‫وقد ّبني كلك ابن القيم بقوله‪ « :‬التسعري قسمان‪ :‬ظلم حمرم و عدل جائز‪ ،‬فإكا تضمن ظلم‬
‫الناس وإكراههم بغري حق على البيع بثمن ال يرضونه أو منعهم مما أابح هللا هلم‪ ،‬فهو حرام‪ ،‬وإكا تضمن‬
‫العدل بني الناس‪ ،‬مثل إكراههم على ما جيب عليهم من املعاوضة‪ ،‬بثمن املثل‪ ،‬ومنعهم مما حيرم عليهم‬
‫من أخذ الزايدة على عوض املثل‪ ،‬فهو جائز‪ ،‬بل واجب‪.‬‬
‫وضرب ابن القيّم لكل منهما مثاالً فمثل للنوع احول مبا روى عن أنس من احلديث السابق‪،‬‬
‫وإمنا كان هذا النوع من التسعري الظامل حن الناس كانوا يف زمنه ‪ ‬يبيعون سلعهم على الوجه املعروف‬
‫من ريري ظلم منهم وارتفاع السعر‪ ،‬إما لقلة الشيء‪ ،‬وإما لكثرة اخللق‪ ،‬وهذا أمر هللا يف اخللق‪ ،‬فإلزام‬
‫الناس أن يبيعوا بقيمة بعينها‪ :‬إكراه بغري حق »‪.‬‬
‫ومثّ َل للنوع الثاِن‪ « :‬أبن ميتنع أرابب السلع بيعها‪ ،‬مع ضرورة الناس إليها إال بزايدة على‬
‫القيمة املعروفة‪ ،‬فهنا جيب عليهم بيعها بقيمة املثل وال معىن للتسعري إال بقيمة املثل‪ ،‬والتسعري يف تلك‬
‫احلالة إلزام ابلعدل الذي ألزمهم هللا به »(‪.)1‬‬
‫اثلثا‪ :‬جواز التسعري زمن احضرار‬
‫وإكا كان احصل عند احلَنَ ِفيَّة عدم جواز التسعري فإن املتأخرين منهم يرون جواز التسعري إكا‬
‫يكم أرابب احموال زمن القعط وأمسكوا عن بيعها إالّ بزايدة فاحشة وهي أن يبلغوا هبا ضعف‬
‫الرأْي رفعاً للضرر‬
‫قيمتها‪ ،‬واضطر الناس ملا يف أيديهم فعينئذ ال أبس أبن يسعر ويل احمر مبشورة أهل َ‬
‫عن العامة(‪.)2‬‬
‫وبعد أن عرضنا آراء الفقهاء وأدلتهم يتبني لنا رجعان مذهب اجلمهور من الفقهاء القائلني‬
‫حبرمة التسعري وكلك لألسباب اآلتية‪:‬‬
‫الص ِعْيعة « تدل على يرمي التسعري وأنه مظلمة من املظامل اليت‬
‫ُّصوص الش َّْرعية َ‬
‫أوالا‪ :‬إن الن ُ‬
‫ترفع الشكوى على احلاكم إلزالتها وإكا فعلها احلاكم أمث عند هللا حنه فعل حراماً‪ ،‬وكان لكل شخص‬
‫(‪ )1‬ابن قَـيِّم اجلَْوِزيَّة ‪ ،‬الطرق احلكمية‪ ،‬ص(‪.)244‬‬
‫(‪ )2‬ابن مودود املوصلي‪ ،‬عبد هللا بن حممود‪ :‬االختيار لتعليل املختار‪.)116/3( ،‬‬
‫من رعيته أن يرفع الشكوى إىل حمكمة املظامل على هذا احلاكم الذي سعر س ـواء أكـان واليـاً أم خليفــة‪،‬‬
‫يشكو هلـا هـذه املظلمة لتعكم عليه وتقوم إبزالة هذه املظلمة»(‪.)1‬‬
‫الش ِر َيعة وأصوهلا حن فيه حجراً على الناس يف تصرفاهتم‬
‫اثنيا‪ :‬إن التسعري ال يتفق مع قواعد َّ‬
‫الش ِر َيعة منعت كل مكلف إابحة التصرف يف ماله ال فرق‬
‫وهو خالف ما وردت به النصوص‪ ،‬فإن َّ‬
‫بني ابئع ومش ٍرت‪ ،‬وإكا كانت مصلعة البائع يف زايدة الثمن ومصلعة املشرتي يف خفضه‪ ،‬فيكون‬
‫التسعري خبفض الثمن ترجيعاً ملصلعة املشرتي على مصلعة البائع بال مرجا»(‪.)2‬‬
‫اثلثا ‪ :‬إن التسعري يؤدي إىل اختفاء البضائع من السوق الظاهرة إىل السوق اخلفية‪ ،‬وعندئذ‬
‫يكون الت غايل يف احسعار فيستطيعها الغين وال يستطيعها الفقري‪ ،‬ويؤدي بنا احمر إىل أن من يستعق‬
‫املعاونة حيرم‪ ،‬ومن هو قوي يف كاته جيد »(‪.)3‬‬
‫قَ َ‬
‫ال ابن قُدامة‪ « :‬التسعري سبب الغالء‪ ،‬حن اجلالبني إكا بلغهم كلك مل يقدموا بسلعهم بلداً‬
‫يُكرهون على بيعها فيه ما يريدون ومن عنده البضاعة ميتنع من بيعها ويكتمها ويطلبها أهل احلاجة‬
‫إليها فال جيدوهنا إال قليالً‪ ،‬فريفعون يف مثنها ليصلوا إليها فتغلو احسعار وحيصل اإلضرار ابجلانبني‪،‬‬
‫جانب املالك يف منعهم من بيع أمالكهم‪ ،‬وجانب املشرتي يف منعه من الوصول إىل ريرضه فيكون‬
‫حراماً »(‪.)4‬‬
‫وهذا الذي ككره ابن قُدامة مشاهد يف واقعنا اليوم يف بعض البلدان اليت تسعر‪ ،‬فالسلع خمبوءة‬
‫(أسواق سوداء) وطوابري االنتظار طويلة وخمالفة التسعرية هي الغالبة‪ ،‬واملخالفات بني الباعة والد َّْولَة‬
‫الر ْش َوة للمراقبني واملفتشني منتشرة‪.‬‬
‫كثرية و َّ‬
‫احمة قي مجيع الظروف سواء أكان‬
‫رابعا‪ :‬إن واقع التسعري أنه ضرر من أشد احضرار على ّ‬
‫كلك يف حالة احلرب أم يف حالة السلم‪ ...‬حن يديد الثمن يؤثر يف االستهالك فيؤثر يف اإلنتاج ورمبا‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة فإنه‬
‫سبّب أزمة اقتصادية‪ ...‬وأما ما حيصل من ريالء احسعار يف أايم احلروب‪ ،‬أو احزمات ّ َ‬
‫انتج إما عن عدم توفرها يف السوق بسبب احتكارها‪ ،‬أو بسبب ندرهتا فإن كان عدم وجودها ان اً‬
‫عن االحتكار فقد حرمه هللا وإن كان ان اً عن ندرهتا‪ ،‬فإن اخلليفة مأمور برعاية مصاحل النّاس‪ ،‬فعليه‬
‫ِ‬
‫تقي ال ِّدين ‪ :‬النِّظَام االقتصادي‪ ،‬ص(‪.)197‬‬
‫(‪ )1‬النَّـبَـ َهاِنّ‪ّ ،‬‬
‫(‪ )2‬املصلا‪ ،‬د‪ .‬عبد هللا بن عبد العزيز‪ :‬قيود املِلْ ِكيَّة اخلاصة ‪ ،‬ص(‪.)427‬‬
‫(‪ )3‬أبو زهرة‪ ،‬الشيخ حممد‪ :‬التكافل االجتماعي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)62‬‬
‫(‪ )4‬ابن قُدامة‪ :‬امل ْغين مع الشرح الكبري ‪.)164/4( ،‬‬
‫ُ‬
‫أن يسعى لتوفريها يف السوق يف جلبها من أمكنتها وهبذا يكون قد منع الغالء(‪ .)1‬وعمر بن اخلطَّاب‬
‫يف عام اجملاعة الذي مسي عام الرمادة ملا حصلت اجملاعة يف احلجاز فقط لندرة الطعام يف تلك السنة‪،‬‬
‫وقد ريال من جراء ندرته فلم يضع أسعاراً معينة للطعام‪ ،‬بل أرسل وجلب الطعام من مصر وبالد الشام‬
‫إىل احلجاز فرخص دون حاجة إىل التسعري(‪.)2‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــوة‬
‫الر ْش‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫الر ْش َوة الوصلة إىل احلاجة ابملصانعة وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إىل‬
‫قَ َ‬
‫ال ابن احثري ‪َّ «:‬‬
‫الر ْش َوة لغة مأخوكة من رشا الفرخ إكا م ّد رأسه إىل أمه لتزقه »(‪.)5‬‬
‫املاء »‪ )4(.‬وقَ َ‬
‫ال ابن منظور‪َّ «:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫الر ْش َوة كل مال يدفع ليبتاع به من‬
‫واصطالحاً اختلف الفقهاء فيها ف َق َ‬
‫ال ابن العريب ‪َّ « :‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ف به قول اجلرجاِن‪ :‬ما يعطى إلبطال حق أو إلحقاق‬
‫حيل وأحسن ما عُِّر َ‬
‫كي جاه عوانً على ما ُّ‬
‫ابطل‪ ،‬وهذا التعريف أقرب ما يكون ملدلول القرآن له فإن صعة املعىن هو ما ميكن أخذه من عرض‬
‫القرآن »(‪.)8‬‬
‫ِ‬
‫تقي ال ِّدين ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)198-197‬‬
‫(‪ )1‬النَّـبَـ َهاِنّ‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫تقي ال ِّدين ‪ :‬النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)198‬‬
‫(‪ )2‬النَّـبَـ َهاِنّ‪ّ ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن احثري هو‪ :‬املبارك بـن حممـد بـن حممـد بـن حممـد اجلـزري أبـو السـعادات جمـد الـدين‪ ،‬احملـدث اللغـوي احصـويل‪ ،‬ولـد ونشـأ يف جزيـرة‬
‫ابن عمر وانتقل إىل املوصل فاتصل بصاحبها فكان من أخصائه ومرض والزمه املرض إىل أن تويف عام (‪606‬هـ) وله آتليف انفعـة‪ ،‬انظـر‪:‬‬
‫سري أعالم النبالء (‪ )489/21‬واحعالم (‪.)272/5‬‬
‫(‪ )4‬ابن احثري‪ ،‬النهاية يف ريريب احلديث‪ :‬اجمللد الثاِن‪ ،‬حرف الراء‪ ،‬ابب الراء مع الشني‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ :‬اللسان ‪ ،‬مادة ر ش ى‪.‬‬
‫(‪ )6‬هــو حممــد بــن عبــد هللا بــن حمم ـد املعــافري احندلســي احشــبيلي املعــروف أبيب بكــر ابــن العــريب‪ .‬كــان مــن أئمــة املالكيــة‪ ،‬حمــداثً فقيه ـاً‪،‬‬
‫أصولياً‪ ،‬مفسراً أديباً متكلماً‪ ،‬مات بقرب فاس وهبا دفن عام ‪543‬هـ ‪ .‬من كتبه « أحكام القرآن » و « احنصاف يف مسـائل االخـتالف‬
‫» «واملوصول يف علم احصول » و « العواصم من القواصم » وعارضة اححوكي ‪.‬‬
‫انظــر‪ :‬وفيــات احعيــان (‪ )423/3‬الفــتا املبــني (‪ )82/2‬الــديباج املــذهب (‪َ )252/2‬ش ـ َذرات الـ َّـذ َهب (‪ )141/4‬ســري أعــالم النــبالء‬
‫(‪ ، )197/20‬احعالم (‪.)230/6‬‬
‫(‪ )7‬العسقالِن‪ ،‬ابن حجر‪ :‬فتا الباري‪.)221/5( ،‬‬
‫الر ْش َوة واهلدية‪ ،‬ص(‪.)191‬‬
‫الر ْش َوة ‪ :‬النابلسي‪ ،‬عبد الغين‪ :‬يقيق القضية يف الفرق بني َّ‬
‫(‪ )8‬انظر حول تعريف َّ‬
‫والصلة بني املعىن اللغوي واملعىن االصطالحي صلة قوية‪ ،‬فقد جاء يف التعريف اللغوي أن‬
‫الر ْش َوة مأخوكة من رشا الفرخ إكا مد رأسه إىل أمه لتزقه وهذه صورة صارخة لعمل املرتشي وبيان‬
‫َّ‬
‫حقيقته وصفه يف منتهى الضعف النفسي كالفرخ مل ينبت له ريش العاجز عن كسب قوته بنفسه يرى‬
‫أمه يفغر هلا فاهه لتخرج مما يف حوصلتها وتفرريه يف فمه يرد جوعته‪ .‬ولو علمنا أن ما تلقاه بفيه إمنا هو‬
‫الر ْش َوة ‪ ،‬فهـو هبـذا جيمـع بني‬
‫مبثابة القيء تستخرجه أمه من حوصلتها لكان كافياً من التقزز من أكل َّ‬
‫ضعـف الشخصيـة وكلّة النفس وحقارة الطبع‪.‬‬
‫وإكا جئنا إىل احصل الثاِن وهو الرشاء الذي هو حبل الدلو ليستخرج به املاء من البئر‬
‫العميق‪ ،‬فإننا جند أيضاً صورة التديل من علياء العزة والكرامة إىل سعيق الذلّة واملهانة وينعدر من منعه‬
‫الصدق إىل هاوية الكذب ومن ع ّفة احمانة إىل دنس اخليانة وينزلق عن جادة احلق إىل مزالق الباطل‬
‫وكأن احلاجة املقصودة عند املرتشي مغيبة بعيداً عن الراشي بعد املاء يف عقر البئر ال وصول إليها إال‬
‫ابلر ْش َوة كتديل الدلو برشاة‪.‬‬
‫التديل َّ‬
‫الر ْش َوة عند الناس أمساء أخرى كما هو شأن احملرمات دائماً كالربطيل وأصله‬
‫وهذا وقد أتخذ َّ‬
‫احلجر املستطيل يُلقمه الراشي للمرتشي كي ُخيرسه عن احلق وكاهلدية واإلكرامية واحتعاب والعمولة‬
‫واحجرة واجلعالة والضيافة وريريها‪.‬‬
‫الر ْش َوة والسعت فيجتمعان ويفرتقان‪ ،‬جيتمعان حينما يكون العمل حمرماً من اجلانبني الراشي‬
‫« وأما َّ‬
‫واملرتشي‪ ،‬وهو سعت يف املرتشي أيكله سعتاً وينفرد السعت حينما يكون العمل حمرماً من جانب‬
‫واحد وهو جانب احخذ فقط فيأكله‪ ،‬فيأكل ما أخذه سعتاً»(‪. )1‬‬
‫ِ‬
‫السعت أهو رشوة‬
‫ال‪ :‬سألت ابن مسعود عن‬
‫ويشهد هلذا ما رواه البَـْيـ َه ِق ّي(‪ )2‬عن مسروق‪ ،‬قَ َ‬
‫ال ‪ :‬ال‪َ  ،‬و َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َما أ َ ْنزَ َل َّ‬
‫اّلِلُ فَأُولَئِكَ ُه ُم ْال َكافِ ُرونَ ‪ )3(‬والظاملون والفاسقون ‪،‬‬
‫يف احلكم قَ َ‬
‫ولكن السعت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدى لك فتقبله فذلك السعت »(‪.)4‬‬
‫الر ْش َوة يف احدلة النقلية عند العلماء يف مواضع منها‪:‬‬
‫ُّصوص على َّ‬
‫ومأخذ الن ُ‬
‫اإلسالميَّة ‪ ،‬عدد (‪ ،)58‬ص(‪.)128‬‬
‫الر ْش َوة ‪ ،‬م َق َ‬
‫(‪ )1‬سامل‪ ،‬عطية حممد‪َّ :‬‬
‫ال يف جملة اجلامعة ْ‬
‫ِ‬
‫العالمــة أبــو بكــر أمحــد بــن احلســني‪ ،‬اخلراســاِن‪ ،‬البَـْيـ َه ِقـ ّي ‪ ،‬ولــد يف بيهــق‪ ،‬ســنة (‪384‬هــ) وتــويف فيهــا ســنة‬
‫(‪ )2‬البَـْيـ َهقـ ّـي ‪ ،‬هــو احلــافظ ّ‬
‫(‪458‬هـ)‪ .‬انظر طبقات الشَّافِعِي ة البن هداية هللا ‪ ،‬ص(‪ .)159‬وسري أعالم النبالء (‪.)163/18‬‬
‫(‪ )3‬املائدة ‪.44 /‬‬
‫(‪ُ )4‬سنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى‪.)139/10( ،‬‬
‫اط ِل َوت ُ ْدلُوا بِ َها إِلَى ْال ُح َّك ِام ِلت َأ ْ ُكلُوا فَ ِريقا ِم ْن أ َ ْم َوا ِل‬
‫ال تعاىل‪َ  :‬و َال ت َأ ْ ُكلُوا أ َ ْم َوالَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم بِ ْالبَ ِ‬
‫‪ .1‬قَ َ‬
‫اإلثْ ِم َوأ َ ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ ‪.)1(‬‬
‫النَّ ِ‬
‫اس بِ ْ ِ‬
‫فالنص هنا على وضوحه عام يف النهي عن أكل احموال ابلباطل أبي صفة وهذا النص أقرب‬
‫الر ْش َوة ابلرشاء يف معىن اإلدالء واإلدالء إرسال الدلو إىل ماء البئر وال‬
‫الر ْش َوة الرتباط َّ‬
‫موضوعية إىل َّ‬
‫الر ْش َوة من مـادة واحـدة واملدلـي هو الراشـي‬
‫يكون إال ابحلبل وحبل الدلو يُسمى رشاء ‪ ،‬فالرشاء و َّ‬
‫الر ْش َوة‪.‬‬
‫واملدىل إليه هو املرتشي وما يف الدلو هو َّ‬
‫الر ْش َوة يف احلكام مع أهنا ليست قاصرة عليهم ولكنها منهم أعظم وأخطر‬
‫وقد خصص هذا النّص َّ‬
‫العدالَة ‪ ،‬فإكا فسد امليزان اختل االتزان‪ ،‬وإكا خان الوازن ضاع التوازن ‪،‬‬
‫وأشد فتكاً حهنم ميزان َ‬
‫ال القرطيب يف اآلية‪ « :‬قيل ‪ :‬املعىن ال تصانعوا أبموالكم احلكام وترشوهم‪،‬‬
‫ومن مثّ ينتشر الفساد‪ .‬قَ َ‬
‫ال ابن عطية‪ ،‬وهذا القول يرتجا‪ ،‬حن احلكام فطنة الرشاء ريال من‬
‫ليقضوا لكم على أكثر منها‪ ،‬وقَ َ‬
‫الر ْش َوة من الرشاء‪ ،‬كأنه ي ُـمد هبا‬
‫عصم‪ ،‬وأيضاً فإن اللفظني متناسبان‪ :‬تدلوا‪ :‬من إرسال ال ّدلو‪ ،‬و َّ‬
‫ليقضي احلاجة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الر ْش َوة‬
‫ب أ َ َّكالُونَ ِللسُّحْ ِ‬
‫س َّماعُونَ ِل ْل َك ِذ ِ‬
‫‪ .2‬قَ َ‬
‫كم اليهود ‪َ  :‬‬
‫ت‪ . ‬والسعت‪ :‬هو َّ‬
‫ال تعاىل يف ّ‬
‫ٍ‬
‫الر ُجل حخيه حاجة‪ ،‬فيهدي إليه‬
‫كسب ال حيل(‪ )3‬وعن ابن مسعود أنه قَ َ‬
‫ال‪ :‬السعت أن يقضي َّ‬
‫ِ‬
‫الر ُجل جباهه وكلك أن يكون له‬
‫ال ابن ُخ َويْز َمْنذاك(‪ « :)4‬من‬
‫هدية فيقبلها ‪ .‬وقَ َ‬
‫السعت أن أيكل َّ‬
‫جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجـة‪ ،‬فال يقضيها إال برشوة أيخذها »(‪ . )5‬وقد ككر ابن‬
‫أو كل‬
‫خلدون أن اجلاه مفيد للمال(‪.)6‬‬
‫ال البغوي يف شرح السنة أي‪ « :‬يرتشون يف‬
‫ض َهذَا ْاأل َ ْدنَى ‪ )7( ‬قَ َ‬
‫‪ .3‬قَ َ‬
‫ال تعاىل‪َ  :‬يأ ْ ُخذُونَ َ‬
‫ع َر َ‬
‫ي يف زاد املسري ‪ « :‬ويف وصفه ابحدىن قوالن أحدمها أنه من الدنو‪،‬‬
‫اححكام »(‪ )1‬وقَ َ‬
‫ال ابن اجلَّْوِز ّ‬
‫والثاِن أنه من الدانءة » (‪. )2‬‬
‫(‪ )1‬البقرة ‪.188 /‬‬
‫(‪ )2‬املائدة ‪.42 /‬‬
‫ي ‪ :‬زاد املسري يف علم التفسري (‪.)360/2‬‬
‫(‪ )3‬ابن اجلَّْوِز ّ‬
‫(‪ )4‬هو ابن خويز منذاك ( ممعجمتني أو إمهال احول ) من علماء املالكية ‪ ،‬تلميذ احهبري ‪ ،‬تويف يف حدود سنة ‪400‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )5‬القرطيب‪ :‬اجلامع ححكام القرآن (‪.)183/6‬‬
‫(‪ )6‬ابن خلدون‪ :‬املقدمة ‪ ،‬ص(‪.)389‬‬
‫(‪ )7‬احعراف ‪.169 /‬‬
‫الرازي (‪ :)3‬يف تفسريه‪ « :‬ويف قوله « احدىن» ختسيس ويقري‪ ،‬واحدىن إما من الدنو مبعىن‬
‫وقَ َ‬
‫ال َّ‬
‫القرب حنه عاجل قريب‪ ،‬وإما من دنو احلال وسقوطها وقلتها‪ .‬واملراد ما كانوا أيخذونه من الرشا‬
‫يف اححكام على يريف الكالم‪ ،‬مث حكى تعاىل عنهم أهنم يستعقرون كلك الذنب ويقولون‪:‬‬
‫سيغفر لنا »(‪.)4‬‬
‫ِ‬
‫ال‪ :‬هذا لكم وهذا‬
‫َّيب ‪ ‬رجالً من احزد ي َقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قَ َ‬
‫‪ .4‬استعمل الن ّ‬
‫الر ُجل منكم‬
‫أُهدي إيل‪ ،‬فقام رسول هللا ‪ ‬فعمد هللا وأثىن عليه مث قَ َ‬
‫ال‪ «:‬أما بعد‪ ،‬فإِن أستعمل َّ‬
‫على العمل مما والِّن هللا فيأيت فيقول‪ :‬هذا مالكم وهذا هدية أهديت يل‪ ،‬أفال جلس يف بيت أبيه‬
‫وأمه‪ ،‬حىت أتتيه هديته‪ ،‬إن كان صادقاً؟ وهللا ال أيخذ أحد منكم شيئاً بغري حقه إال لقي هللا حيمله‬
‫فألعرفن أحداً منكم لقي هللا حيمل بعرياً له ُررياء‪ ،‬أو بقرة هلا ُخوار أو شاة تَ َيعر مث رفع‬
‫يوم القيامة‪،‬‬
‫َّ‬
‫يديه حىت ُرئي بياض إبطيـه يقول‪ « :‬اللّهم هل بلغت ؟»(‪.)5‬‬
‫الر ْش َوة ‪.‬‬
‫وهذا احلديث من أبلغ الضوابط اليت حيفظها املسلمون يف التعبري عن حقيقة َّ‬
‫ال رسول هللا ‪ « : ‬من استعملناه منكم على عمل‪ ،‬فكتمنا خميطا فما فوقه كان غلوالا أييت به‬
‫‪ .5‬قَ َ‬
‫يوم القيامة »(‪ )6‬أي يفتضا يوم القيامة على رؤوس احشهاد وهـو معنـى قولـه تعالـى‪َ  :‬و َم ْن يَ ْغلُ ْل‬
‫ال‬
‫َيأ ْ ِ‬
‫ت ِب َما َغ َّل َي ْو َم ْال ِق َيا َم ِة ‪ . )7( ‬والغلول أصله اخليانة يف الغنيمة‪ ،‬مث أطلق على كل خيانة‪ .‬وقَ َ‬
‫(‪ )1‬البغوي‪ ،‬احلسني بن مسعود ‪ ،‬شرح السنّة‪.)87/10( ،‬‬
‫ي ‪ :‬زاد املسري يف علم التفسري‪.)170/3( ،‬‬
‫(‪)2‬ابن اجلَّْوِز ّ‬
‫(‪ )3‬هــو حممــد بــن عمــر بــن احلســن بــن احلســني التيمــي فخــر الــدين الـ َّـرازي ‪ ،‬ولــد يف الــري ســنة (‪544‬هــ)‪ .‬وهــو أحــد املفسـرين‪ ،‬وعلمــاء‬
‫الكالم واحصول وهو قرشي النسب مـن أشـهر مؤلفاتـه‪ :‬مفـاتيا الغيـب يف تفسـري القـرآن‪ ،‬واحملصـول يف علـم احصـول ومعـامل أصـول الـدين‪،‬‬
‫واملسائل اخلمسون يف أصول الكالم‪ ،‬واآلايت البيّنات‪ .‬تويف سنة (‪606‬هـ)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ابن خلكان ‪ :‬وفيات احعيان (‪ )381/3‬احعالم (‪.)313/6‬‬
‫الرازي ‪ :‬التفسري (‪.)44/15‬‬
‫(‪َّ )4‬‬
‫ص ـ ِـعْيعه‪ ،‬ابب‪ :‬احتي ــال العام ــل ليه ــدى ل ــه‪ )2559/6( .‬واللف ــظ ل ــه‪ ،‬ورواه مس ــلم‪ ،‬ابب ي ــرمي ه ــدااي العم ــال‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )5‬رواه البُ َخ ــا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫(‪ ،)1463/3‬وصـ ِـعيا ابــن خزْميـَـة (‪ِ ،)53/4‬‬
‫وســنَن أيب‬
‫َ ْ‬
‫َُ‬
‫َ‬
‫وســنَن البَـْيـ َهقـ ّـي الكــربى (‪ُ ،)158/4‬‬
‫وصــعْيا ابــن حبِّــان (‪ُ ،)373/10‬‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪.)423/5‬‬
‫داود (‪ُ ،)134/3‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى (‪ .)158/4‬وانظـر‪ :‬جـامع احصـول‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم يف َ‬
‫عدي بن عمـرية ( ‪ُ ،)1465/3‬‬
‫صعْيعه واللفظ له‪ ،‬عن ّ‬
‫(‪ )667/4‬و(‪ )716/2‬والرترييب والرتهيب (‪.)317/1‬‬
‫(‪ )7‬آل عمران ‪.161 /‬‬
‫‪ « :‬من استعملناه على عمل‪ ،‬فرزقناه رزقا‪ ،‬فما أخذ بعد ذلك فهو غلول»(‪ .)1‬وعن معاك بن‬
‫تصينب شيئا بغري إذين‪ ،‬فإنه غلول»(‪،)2‬‬
‫ال‪ « :‬ال‬
‫َّ‬
‫ال‪ :‬بعثين رسول هللا ‪ ‬إىل اليمـن‪ ،‬ف َق َ‬
‫جبل‪ :‬قَ َ‬
‫ال رسول هللا ‪ « :‬فإن الغلول يكون على أهله عارا وشنارا يوم القيامة »(‪.)3‬‬
‫وقَ َ‬
‫ال ‪ « :‬لعن هللا الراشي‬
‫ال ‪« :‬لعنة هللا علي الراشي واملرتشي»(‪ )4‬وقَ َ‬
‫‪ .6‬وعن عبد هللا بن عمر قَ َ‬
‫ال ‪ «:‬لعن هللا الراشي واملرتشي يف احلكم »(‪.)6‬‬
‫واملرتشي والرائش الذي ميشي بينهما»(‪ )5‬وقَ َ‬
‫وروي عن عمر بن عبد العزيز(‪ )7‬أنه اشتهى يوماً التفاح فلم جيد ما يشرتي به ماله وبينما هو سائر‬
‫مع بعض أصعابه أهديت إليه أطباق من التفاح فتناول واحدة فشمها مث رده إىل مهديه فقيل له يف‬
‫ال‬
‫ال‪ « :‬ال حاجة يل فيه فقيل له أن رسول هللا ‪ ‬كان يقبل اهلدية وأبو بكر وعمر ‪ :‬ف َق َ‬
‫كلك‪ ،‬ف َق َ‬
‫إهنا حولئك هدية وهي للعمال بعدهم رشوة(‪.)8‬‬
‫روى مالك أن رسول هللا كان يبعث عبد هللا بن رواحة إىل خيرب فيخرص بينه وبني يهود خيرب‬
‫ال عبد‬
‫فجمعوا له حلياً من حلى نسائهم ف َقالوا له خذ هذا لك وخفف عنا و اوز يف القسم ‪ ،‬ف َق َ‬
‫هللا بن رواحة‪ « :‬اي معشر اليهود وهللا إنكم ملن أبغض خلق هللا إيل وما كاك حباملي على أن أحيف‬
‫صـ ِـعْيا ابــن ُخَزْميـَـة‪ ،‬ابب‪ :‬فــرض اإلمــام للعامــل علــى الصــدقة رزق ـاً معلوم ـاً (‪ ،)70/4‬واللفــظ لــه‪ ،‬عــن عبــد هللا بــن بريــدة عــن أبيــه‬
‫(‪َ )1‬‬
‫ال هذا حديث ِ‬
‫وسنَن أيب داود ابب أرزاق العمال‪،‬‬
‫الص ِعْيعني (‪ )563/1‬وقَ َ‬
‫واملستدرك على َ‬
‫َ‬
‫صعْيا على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪ُ ،‬‬
‫(‪.)34/3‬‬
‫(‪ )2‬رواه ِ ِ ِ‬
‫وم ْســنَد الب ـزار (‪ ،)118/7()9-4‬واملعجــم الكبــري‬
‫ّْ‬
‫الرتمــذي يف ُســنَنه‪ ،‬ابب‪ :‬مــا جــاء يف هــدااي احم ـراء (‪ )621/3‬واللفــظ لــه‪ُ ،‬‬
‫(‪ ،)128/2‬بلفظ « بغري علم»‪.‬‬
‫السنَن الكربى‪ ،‬كتاب اهلبة‪ ،‬هبـة املشـاع (‪ ،)120/4‬ومبعنـاه يف ُسـنَن البَـْيـ َه ِق ّـي الكـربى (‪ ،)17/7‬ومصـنف أيب شـيبة (‪،)412/7‬‬
‫(‪ُ )3‬‬
‫املعجم احوسط (‪ُ ،)237/7‬م ْسنَد أمحد (‪ ، )326 ،316/5‬والتمهيد البن عبد البَـِّر (‪.)41/20‬‬
‫وم ْســنَد أمحــد (‪،)190/2‬‬
‫(‪ُ )4‬ســنَن ابــن ماجــة ‪ ،‬ابب التغلــيظ يف احلــيض و َّ‬
‫الر ْشـ َـوة ‪ ،)775/2( ،‬عــن عبــد هللا بــن عمــر‪ ،‬واللفــظ لــه‪ُ ،‬‬
‫(‪ ،)212‬مصنف عبد الرزاق‪ ،)148/8( ،‬ونيل احوطار (‪.)170/9‬‬
‫ِ‬
‫وم ْس ــنَد أمح ــد (‪ )279/5‬ع ــن ث ــوابن وجمم ــع الزوائ ــد (‪ ،)198/4‬الرتريي ــب والرتهي ــب‪،‬‬
‫(‪ )5‬املس ــتدرك عل ــى َ‬
‫الصـ ـعْيعني‪ُ ،)115/4( ،‬‬
‫(‪ ،)126/3‬نيل احوطار (‪.)170/9‬‬
‫ِ‬
‫وسـ ــنَن‬
‫صـ ـ ِـعْيا ابـ ــن حبّـ ــان‪ ،‬ابب َّ‬
‫الر ْشـ ـ َـوة‪ ،)467/11( ،‬عـ ــن أيب هريـ ــرة واللفـ ــظ لـ ــه‪ ،‬واملسـ ــتدرك علـ ــى َ‬
‫(‪َ )6‬‬
‫الصـ ــعْيعني (‪ُ ،)115/4‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ص ــعْيا ‪ُ ،‬م ْس ــنَد أمح ــد (‪ ،)387/2‬واملعج ــم الكب ــري (‪،)398/23‬‬
‫الرتِم ـ ِـذي(‪ )622/3‬بلف ــظ ‪ :‬لع ــن رس ــول هللا وقَـ َ‬
‫ّْ‬
‫ـال ح ــديث حس ــن َ‬
‫الرترييب والرتهيب (‪.)126/3‬‬
‫(‪ )7‬هو اخلليفة عمر بن عبد العزيز بن مروان احموي القرشي‪ ،‬اخلليفة الصاحل‪ ،‬يلقب خامس اخللفاء الراشـدين‪ ،‬ولـد ونشـأ ابملدينـة ووليهـا‬
‫ـف فيــه خلــق كثــري مــنهم ابــن اجلــوزي‪ ،‬تــويف عــام ‪101‬هــ‪ .‬انظــر‪َ :‬ســيِّد أعــالم‬
‫الوليـد مث اســتوزره ســليمان ابلشــام وويل اخلالفــة بعــده‪ ،‬وقــد ألـ ّ‬
‫النبالء (‪ ،)114/5‬وهتذيب التهذيب (‪ .)475/7‬واحعالم (‪.)50/5‬‬
‫(‪ )8‬ابن َح َج ٍر العسقالِن‪ ،‬فتا الباري (‪ .)220/5‬وانظر‪ :‬الطبقات الكربى (‪ ،)377/5‬وتغليق التعليق (‪ ،)359/3‬وصفوة الصفوة (‪.)120/2‬‬
‫الر ْش َوة فإهنا سعت وإ ّان ال أنكلها ف َقالوا هبذا قامت السموات واحرض‬
‫عليكم فأما ما عرضتم من َّ‬
‫»(‪.)1‬‬
‫وقد منع العلماء قبول الوايل ومن يف معناه هدية ممن مل يكن له عهد ابإلهداء إليه ولو مل تكن‬
‫له حاجة ابلفعل عنده خشية أن أتيت له حاجة فيما بعد فيديل إليه مبا كان من هديته احوىل‪ ،‬وقد وقع‬
‫ال‪ :‬اي أمري‬
‫مثله لعمر رضي هللا عنه كان َر ُجل يهدي إليه ِر ْجل جزور كل عام فخاصمهم إليه يوماً ف َق َ‬
‫املؤمنني اقض بيننا قضاء فصالً أي كما تفصل ِّ‬
‫الر ْجل من سائر اجلزور فقضى عمر وكتب إىل‬
‫عماله‪«:‬أال إن اهلدااي الرشا فال تقبلن من أحد هدية»(‪.)2‬‬
‫فاملال أو الشيء املدفوع يكون اترة هدية مقبولة واترة رشوة ممقوته‪ ،‬مثلهما كمثل السجدة إكا‬
‫وقعت هلل فهي عبادة وفريضة‪ ،‬وإكا وقعت لغري هللا فهي شرك وممنوعة‪.‬‬
‫الر ْش َوة تورث القطيعة وتوقع العداوة‪ ،‬واهلدية تدفع‬
‫فاهلدية تؤلف القلوب وتورث احملبة و َّ‬
‫يدفعها‬
‫الر ْش َوة‬
‫بطيب نفس تقديراً للمهدي إليه أو تطيباً خلاطره أو أتليفاً له وكلها مقاصد حسنة و َّ‬
‫الراشي مكرهاً وأيخذها املرتشي متسرتاً وقد جاء احلديث‪ « :‬ال حيل مال امرئ مسلم إال عن طيب‬
‫نفسه »(‪ ، )3‬وهو موافق للهدية معاكس للرشوة ومن مث فإن احمور ابملقاصد بناء على حديث « إمنا‬
‫(‪)4‬‬
‫الرب ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب واإلمث ما حاك يف‬
‫األعمال ابلنّيات» ‪ ،‬وحديث « ّ‬
‫النفس وتردد يف الصدر»(‪ .)5‬وإن بقي شيء من اإلهبام والغموض يف نفس امرئ فاجلواب الكايف يف‬
‫(‪ )1‬سبق خترجيه ‪ ،‬ص ( )‪.‬‬
‫اإلسالميَّة يف املدينة املنورة‪ ،‬ص(‪.)136‬‬
‫(‪ )2‬جملة اجلامعة ْ‬
‫ـال رواه البَـْيـ َه ِق ّـي يف‬
‫(‪ُ )3‬شعب اإلميان (‪ ،)387/4‬عون املعبـود (‪ ،)200/7‬يفـة اححـوكي (‪ ،)56/3‬كشـف اخلفـاء (‪ )498/2‬وقَ َ‬
‫ـال اســناده حســن والتعقيــق يف أحاديــث اخلــالف (‪ )212/2‬ســبل الســالم (‪ ، )56/3‬املغْــين (‪ ، )301/4‬نيــل احوطــار‬
‫خالفياتــه ‪ ،‬وقَـ َ‬
‫ُ‬
‫(‪.)182/4‬‬
‫(‪ )4‬أخرجــه أمحــد يف امل ْســنَد (‪ )228 ،227/4‬وأبــو يعلــى يف امل ْســنَد (‪ ،)162-160/3‬حــديث رقــم (‪ )1687 ،1586‬واللفــظ لــه‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫والدَّا ِرِمي يف كتاب البيوع‪ ،‬ابب‪ :‬دع مـا يريبـك إىل مـا ال يريبـك (‪ )246-245/2‬والطَّ‬
‫حسـنه‬
‫ـديث‬
‫حل‬
‫ا‬
‫و‬
‫)‬
‫‪403‬‬
‫(‬
‫‪،‬‬
‫‪22‬‬
‫(‬
‫ـري‬
‫ب‬
‫الك‬
‫يف‬
‫اِن‬
‫رب‬
‫ـ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ال حديث حسن رويناه يف مسندي اإلمامني أمحد والدرامي إبسناد حسن (حديث (‪ )27‬يف احربعني (‪)93/2‬‬
‫وي يف احربعني‪ ،‬وقَ َ‬
‫النـ ََّو ّ‬
‫شرحه‪ ،‬وأشار إىل حسنه لغريه ابن رجب يف جامع العلـوم واحلكـم (‪ ،)94-94/2‬وصـععه احلبـاِن يف يقيقـه صـفة الفتـوى البـن محـدان‬
‫ال سليم عيد اهلاليل ِ‬
‫ص ِعْيا كتاب احككار وضعيفه (‪.)988/1255‬‬
‫‪ ،‬ص(‪ )56‬وقَ َ‬
‫فصل به القول يف َ‬
‫َ‬
‫صعْيا بطرقه وقد ّ‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد يف املسند‪ ،)228 ،227/4( ،‬وأبو يعلى يف املسند‪ )162-160/3( ،‬حديث رقم (‪ )1587 ،1586‬واللفظ له‪،‬‬
‫والــدَّا ِرِم ّي يف كتــاب البيــوع‪ ،‬ابب َد ْع مــا يريبــك إىل مــا ال يريبــك ‪ ،)146-245/2( ،‬والطَّـرباِن يف الكبــري‪ ،)403(،)22( ،‬واحلــديث‬
‫ال حديث حسـن‪ ،‬روينـاه يف مسـندي اإلمـامني أمحـد والـدرامي إبسـناد حسـن (حـديث ‪ 27‬يف احربعـني)‪،‬‬
‫وي يف احربعني‪ ،‬وقَ َ‬
‫حسنه النـ ََّو ّ‬
‫ّ‬
‫حديث « إ ّن احلالل ّبني و إ ّن احلرام ّبني وبينهما أمور مشتبهات ال يعلمهن كثري من الناس‪ ،‬فمن‬
‫اتقى الشبهات فقد استربأ لدينه وعرضه »(‪.)1‬‬
‫دل على يرميها الدليل النقلي وأخبار‬
‫الر ْش َوة وسيلة من أسباب الت ََّملُّك احملرم‪ّ ،‬‬
‫وهبذا يُعلم أن َّ‬
‫الصعابة والتابعني ويؤكدها العقل ملا فيها من الضرر على الفرد واجملتمع‪.‬‬
‫حساً و ربة أن للرشوة آاثراً نفسية واجتماعية وخلقية واقتصادية‬
‫ومن املعلوم عقالً‪ ،‬واملشاهد ّ‬
‫وسياسية وخيمة ال ب ّد وأن عل العقالء واملصلعني حرابً عليها‪ ،‬مثلما نزلت الشرائع السماوية‬
‫بتعرميها‪ ،‬ولعن آكليها وطردهم من رمحة هللا وأنزل العقوابت هبم‪.‬‬
‫الر ْش َوة وهو كاره‪ ،‬للعصول على حقه يف استجالب منفعة‪ ،‬أو‬
‫فإكا كان الراشي يدفع َّ‬
‫استدفاع مضرة‪ ،‬فإنه بال شك يتأكى بدفعها‪ ،‬فهي دنس للقلب وكلّة للنفس وصغار للمرتشي وشعور‬
‫اهلمة‬
‫ابلذل واإلهانة‪ ،‬مما يولد يف نفس الراشي احلقد والضغينة على املرتشي الدِنء النفس الساقط ّ‬
‫املريد الثروة من أقرب طريق وأخسه‪ ،‬وعلى اجملتمع الذي يسما بوجود مثل هذه الطغمة الفاسدة‪.‬‬
‫الر ْش َوة ابلرتاضي مع املرتشي‪ ،‬لظلم الناس أو أكل حقوقهم وإحلاق احكى هبم‪،‬‬
‫وإكا كان يدفع َّ‬
‫فإن هؤالء الناس ال ب ّد أهنم سيتأثرون‪ ،‬ورمبا أدى كلك‪ ،‬والقضاء فاسد ‪ ،‬إىل أن أيخذ كل منهم حقه‬
‫بنفسه‪ ،‬ولو أدي إىل القتل واإليذاء انتقاماً‪.‬‬
‫وهذا يؤدي إىل انعدام املودة واحلفة والتعاون‪ ،‬واإلخالل بتماسك اجلماعة وتدهور احخالق‬
‫يف اجملتمع وانغماس اجلميع يف اجلري وراء الدنيا ومتاعها الفاِن‪ ،‬وعدم االكتفاء ابحلالل والدخول‬
‫املشروعة‪ ،‬واالستزادة من املكاسب‪ ،‬ولو عن طريق اجلرائم وانتهاك النِّظَام العام واآلداب االجتِم ِ‬
‫اعيَّة‪،‬‬
‫َْ‬
‫وهذا ما يفضي بدوره إىل اضطراب احمن يف اجملتمع‪ ،‬وفقدان االستقرار والثقة املتبادلة بني احلاكم‬
‫واحملكوم‪ ،‬فال يعول أحد على منهج القضاء والتعاكم حخذ احلق‪ ،‬فال يكون أمام املظلوم إال أن ينتقم‬
‫لنفسه ويف هذا فساد وفوضى ووقوع يف الفرقة والشعناء والتقاطع يف اجملتمع‪ ،‬ويف الوقت كاته يرتتب‬
‫الر ْش َوة وتكديس احعمال وعدم‬
‫على هذه اآلفة يف اجملتمع تعطيل احعمال من العمال بغية بذل َّ‬
‫(‪ )93/2‬شرحه‪ .‬واشار إىل حسنه لغريه ابن رجب يف جامع العلوم واحلِكم‪ )95-94/2( ،‬وصععه احلباِن يف يقيقه لـ (صفة الفتوى)‬
‫ال سليم عيد اهلاليل‪ِ :‬‬
‫ص ِعْيا كتاب احككار وضعيفه (‪.)988‬‬
‫البن محدان ‪( ،‬ص(‪ ،)56‬وقَ َ‬
‫صعْيا بطرقه وقد ّ‬
‫فصل القول به يف َ‬
‫َ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم يف ِ‬
‫وسـنَن الرتمـذي‪ ،‬ابب‬
‫َ‬
‫صعْيعه‪ ،‬ابب‪ :‬أخذ احلـالل وتـرك الشـبهات (‪ ،)1219/3‬عـن النعمـان بـن بشـري واللفـظ لـه‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وسـ ــنَن أيب داود‬
‫وسـ ــنَن البَـْيـ َهقـ ـ ّـي الك ـ ــربى ( ‪ُ )334-264/5‬‬
‫وسـ ــنَن الـ ــدَّارم ّي (‪ُ )319/2‬‬
‫م ـ ــا ج ـ ــاء يف ت ـ ــرك الش ـ ــبهات (‪ُ ،)511/3‬‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪.)269/4‬‬
‫وسنَن ابن ماجة (‪ُ )1318/2‬‬
‫السنَن الكربى (‪ُ )468-239/3‬‬
‫(‪ )243/3‬و ُ‬
‫الرب والتقوى‪ ،‬وتؤدي إىل تفاحش التفاوت بني‬
‫إجنازها وكساد العمل وقلّة اإلنتاج‪ ،‬وانتفاء التعاون على ّ‬
‫الدخول والثروات يف اجملتمع‪.‬‬
‫فالر ْش َوة مبا هلا من أتثريات اقتصادية‪ ،‬إكا دفعها التجار أضافوها إىل احسعار‪ ،‬ومبا أهنا دفع مال‬
‫َّ‬
‫يقصد منه أحياانً التخلص من أعباء التكاليف املالية كلياً أو جزئياً‪ ،‬فإهنا تقلل حصيلة املوارد املالية‬
‫شك إىل إضعاف احلوافز‬
‫للدولة‪ ،‬ومبا أن َّ‬
‫الر ْش َوة دفع مال ال يف مقابلة إنتاج فإهنا تؤدي بال ّ‬
‫وإحداث التضخم أو اإلسهام يف زايدة حدَّته‪ ،‬هذا يف الوقت الذي ترفع فيه جمتمعاتنا شعار ربط احجر‬
‫الر ْش َوة من احلياة املعاصرة‪:‬‬
‫ابإلنتاج‪ ،‬وإ ّن من صور َّ‬
‫ما يدفعه املتخاصم إىل القضاة أو احلكام‪ ،‬ليكون احلكم له وهو على ابطل وما يدفعه‬
‫أحدهم إىل احملامي من أتعاب وأجور‪ ،‬لكي يكون وكيالً له يف قضية يعلم أنّه مبطل فيها‪ ،‬فعليه أن ال‬
‫يتعلق بفتاوى املفتني وقضاء القضاة إكا علم أنه ُمبطل فقد روى عن جماهد وعكرمة وقَـتَادة أهنم قَالوا‪:‬‬
‫ال ختاصم وأنت تعلم أنك ظامل‪ ،‬فاحلرام ال يصري حالالً بقضاء القاضي‪ ،‬حنه إمنا يقضي ابلظاهر‪.‬‬
‫وما يدفعه التاجر إىل جلان املناقصات وريريها ليفوز ابملناقصة‪ ،‬برريم أن سلعته فاسدة أو أقل جوده‪.‬‬
‫وما يدفعه التاجر إىل أحد املوظفني يف مصرف للعصول على تسهيالت أو قروض ليست من‬
‫حقه‪ ،‬أو للعصول على ما يزيد على حقه‪.‬‬
‫وما يُدفع إىل موظفي اجلمارك‪ ،‬لإلعفاء من الرسوم أو لتخفيفها‪.‬‬
‫وما يدفعه خمالفو أنظمة السري إىل شرطة املرور‪ ،‬لتفادي مبلغ املخالفة أو ختفيفها‪ ،‬وما يدفعه‬
‫طالب رخصة السري للعصول على شهادة يف السري وهو ال يستعقها‪ .‬وإىل موظفي املالية‪ ،‬لإلعفاء من‬
‫الر ْش َوة على مستوى دويل فتعقد صفقات لالسترياد أو‬
‫الزكاة أو التكاليف أو لتخفيفها‪ .‬وقد تقع َّ‬
‫التصدير على عقود توريد املعامل واآلالت والطائرات والسيارات واحسلعة‪.‬‬
‫وقد تبذل لشراء أصوات الناخبني‪ ،‬فيفوز مرشا ال أهلية له من دين أو علم أو خربة‪.‬‬
‫وما يدفعه الباعة والتجار إىل أعضاء جلان املبايعات‪ ،‬إلريرائهم بشراء سلعة رديئة أو ريالية نسبياً‪.‬‬
‫وما يدفعه أحد احشخاص للعصول على عمل داخل بلده أو خارجه‪ ،‬أو للعصول على‬
‫أتشرية دخول أو خروج‪ ،‬خارج نطاق الرسوم املقررة‪.‬‬
‫وما يبذله أحد املوظفني لرئيسه أو مديره‪ ،‬تقرابً إليه‪ ،‬بغرض احلصول على إمتيازات ال يناهلا‬
‫زمالؤه أو على ترقيات معنوية أو مادية أو إجازات أو للتغاضي عنه عند التقصري أو التعدي أو اهلرب‬
‫من العمل أثناء الدوام الرمسي‪ ،‬للقيام أبعمال أخرى لزايدة دخله وما شابه كلك‪ .‬وما يقبضه أعوان‬
‫احلكام واملتنفذين من ضباط وأفراد حاشيتهم من أموال أو ما يعود عليهم من خدمات أو هدااي أو‬
‫منافع بدعوى إيصال مظاملهم وتبليغ شكاايهتم والقيام بدور الشفاعة ملن يغلب عليهم من الكذب‬
‫واستغالل مراكزهم يت مسع وبصر أوليائهم ورمبا كان هؤالء املتنفذون وأعواهنم شركاء لكبار التجار يف‬
‫البلد يف ارات مرحبة حمظورة كالتهريب والبغاء والقمار وحصتهم يف الشركة ال مال وال عمل‪ ،‬بل جمرد‬
‫استغالل النفوك لتسهيل معامالت شركائهم وأتمني الرتاخيص الالزمة هلم‪ ،‬ومما ساعد على انتشار‬
‫الفساق‬
‫َّ‬
‫الر ْش َوة يف هذا اجملال هو شدة احتجاب أوىل احمر عن أهل احلاجات واختاكهم احلُ َّج َ‬
‫اب ّ‬
‫واخلونة حىت صارت أبواهبم ال يفتعها بقدمه إال من هم أعلى منهم أما من هم أدىن فال يروهنا وال يـَُرُّد‬
‫عليهم يف شكوى أو هاتف‪.‬‬
‫المطلب الرابــع‬
‫الــــربَــــــــــــــــــــــــــــا‬
‫ِّ‬
‫إن مــادة كلمــة الـ ِّـرَاب ال ـواردة يف القــرآن الكــرمي هــي « ر ب و » تــدل علــى معــىن ال ـزايدة والنمــو‬
‫ت َو َر َبإ ْ‬
‫علَ ْي َهإإا ْال َمإإا َء ا ْهتَإ َّإز ْ‬
‫إت ‪ )1(‬ومــن هــذه الكلمــة‬
‫واالرتفــاع والعلــو ومنــه قولــه تعــاىل‪  :‬فَ إإِذَا أ َ ْنزَ ْلنَإإا َ‬
‫نفسها كلمة ِّ‬
‫الرَاب املراد هبا زايدة املال ومنـوه عـن رأس املـال الـذي أشـارت إليـه اآليـة صـراحة يف قولـه تعـاىل‬
‫اس فَ َال َي ْربُو ِع ْندَ َّ‬
‫اّلِلِ ‪. )2(‬‬
‫‪َ  :‬و َما َءات َ ْيت ُ ْم ِم ْن ِربا ِل َي ْرب َُو فِي أ َ ْم َوا ِل النَّ ِ‬
‫وهبـذا أصــبا الـ ِّـرَاب هبـذا االســم االصــطالحي يطلـق علــى نــوع خـاص مــن الـزايدة الـيت كــان العــرب‬
‫يتعــاملون هبــا قبــل اإلســالم يف إطــار صــور متعــددة أساســها زايدة أيخــذها املقــرض مــن املســتقرض مقابــل‬
‫احجل(‪.)3‬‬
‫الرج ـل يف اجل ِ‬
‫الر ُجــل مــال إىل أجــل‪ ،‬فــإكا‬
‫قَـ َ‬
‫اهليَّــة يكــون لــه علــى َّ‬
‫َ‬
‫ـال ابــن جريــر الطَّـ َـربي « إن َّ ُ‬
‫ِ‬
‫أخــر عــين دينــك وأزيــدك علــى مالــك فــيفعالن‬
‫حـ ّـل احجــل طلبــه مــن صــاحبه فيقــول‪ :‬الــذي عليــه الــدين ّ‬
‫كلك‪ ،‬فذلك هو ِّ‬
‫وجل يف إسالمهم عنه(‪.)4‬‬
‫الرَاب أضعافاً مضاعفة فنهاهم هللا ّ‬
‫عز ّ‬
‫وهــذا الـ ِّـرَاب هــو املســتعمل اآلن يف البنــوك واملصــارف املاليــة حيــث أيخــذون نســبة معينــة يف املائــة‬
‫كخمسة أو عشرة يف املائة ويدفعون احموال إىل الشركات واحفراد‪.‬‬
‫وهذا النـوع مـن ال ِّـرَاب يصـطلا عليـه شـرعاً بـراب النسـيئة‪ ،‬أي الـزايدة بسـبب النسـيئة وهـي التأجيـل‬
‫(‪)5‬‬
‫ِ‬
‫ـال‪« :‬إمنـا ال ّـرَاب يف النسـيئة»(‪ )1‬ويف روايـة ‪« :‬‬
‫ـيب ‪ ‬قَ َ‬
‫كما ورد عـن أسـامة بـن زيـد رضـي هللا عنـه أن النَّ ّ‬
‫(‪ )1‬احلج ‪.5 /‬‬
‫(‪ )2‬الروم ‪.39 /‬‬
‫(‪ )3‬انظر حول هذه املسألة ‪ - :‬املو ِ‬
‫دودي‪ ،‬أبو احعلى‪ِّ :‬‬
‫الرَاب ‪ ،‬ص(‪.)80‬‬
‫َْ‬
‫(‪ )4‬الطََّربي‪ ،‬جامع البيان (‪.)90/4‬‬
‫ٍ‬
‫ـويف رسـول هللا ‪ ‬عنـد أتهـب‬
‫الكليب‪،‬‬
‫(‪ )5‬أسامة بن زيد بن حارثة‬
‫صعايب مشهور ‪ ،‬عيّنه رسول هللا ‪ ‬وهو ابن سبع عشرة سنة علـى بعثـة حربيّـة‪ .‬وت ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اجليش للمسري‪ ،‬فأمره أبو بك ٍر ابملسري ومضى أسامة وفتا هللا عليه وآب منصوراً‪ ،‬وتويف سنة (‪ 54‬هـ)‪.‬‬
‫ال راب إال يف النسيئة »(‪ ، )2‬ولكنه ‪ ‬ملـا رأى احلاجـة تقتضـى فيمـا بعـد أحـاط محـى هللا هـذا بسـياج مـن‬
‫ـال عليـه الصـالة والسـالم‪ « :‬ال تبيعـوا الـدينار ابلــدينارين وال‬
‫القيـود حـىت ال يقربـه النـاس فيـرتدوا فيـه ف َق َ‬
‫الدرهم ابلـدرنيني وال الصـاع ابلصـاعني‪ ،‬فـإين أخـاف علـيكم الرمـا والرمـا هـو ال ِّـرَاب »(‪ ،)3‬فعـرم الـزايدة‬
‫الر ُجل من صاحبه عند تبادل شيء مماثل يداً بيـد مبعـىن أن يبيـع الشـيء بنظـريه مـع زايدة أحـد‬
‫اليت يناهلا َّ‬
‫العوضــني علــى اآلخــر حنــو أن يبيــع كــيالً مــن القمــا بكيلــني مــن قمــا آخــر وهكــذا يف مجيــع املكــيالت‬
‫واملوزوانت‪.‬‬
‫وهــذا النــوع مــن الـ ِّـرَاب يصــطلا عليــه شــرعاً ََ بـراب الفضــل‪ ،‬والقاعــدة الفقهيــة يف هــذا التعامــل هــي‬
‫حل التفاضل دون النساء(‪.)4‬‬
‫أنه إكا ايد اجلنسان حـرم الزيـادة والنّسـاء وإكا اختلف اجلنسان ّ‬
‫وتوضيعاً هلذه القاعدة الفقهية نقول‪ :‬إكا أردان مبادلة عني بعني كزيت بزيت أو قمـا بقمـا أو‬
‫متــر بتمــر ‪ ،‬حرمــت ال ـزايدة مطلق ـاً وال تعتــرب اجلــودة والــرداءة هنــا‪ ،‬وإكا اختلفــت احجنــاس كقمــا وزيــت‬
‫ـال رسـول هللا ‪:‬‬
‫ـال ‪ :‬قَ َ‬
‫جازت الزايدة فيه بشرط القبض ملا ثبت عن أيب سعيد اخلدري رضـي هللا عنـه قَ َ‬
‫« الــذهب ابلـذهب والفضــة ابلفضــة والــرب ابلــرب والشــعري ابلشــعري والتمــر ابلتمــر وامللــح ابمللــح مــثالا‬
‫مبثــل يــدا بيــد ‪ ،‬فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أري ايخــذ واملعطــي فيــه ســواء » (‪ )5‬ويف حــديث عبــادة بــن‬
‫الصامت ‪ « :‬فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم يد ا بيد »(‪ )6‬أي مقبوضاً حاالً‪.‬‬
‫وهبــذا أصــبا الـ ِّـرَاب وســيلة مــن وســائل الكســب ريــري املشــروع يف نظــر اإلســالم وملــا كــان احلــديث‬
‫عن ِّ‬
‫الرَاب ابابً واسعاً وال يتسع املقـام لـه هنـا إال مبقـدار‪ ،‬فسـوف نقتصـر حبثنـا هنـا علـى أثـر ال ِّـرَاب يف كسـب‬
‫امللك وما ورد من شبهات حول كلك‪.‬‬
‫لقــد حـ ّـرم اإلســالم الـ ِّـرَاب يرمي ـاً قاطع ـاً وحامس ـاً وبغايــة التشــديد لدرجــة أن املســألة هــي يف موقــع‬
‫الرد أو أن تطرح على بساط نظر استعالالً هلا ومساساً حبرمتهـا ولقـد‬
‫احلسم شرعاً حىت ال تقبل احخذ و ّ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم يف ِ‬
‫ص ِعْيا مسلم (‪.)24/11‬‬
‫وي على َ‬
‫َ‬
‫صعْيعه (‪ )1218/3‬عن أسامة بن زيد واللفظ له‪ .‬وانظر‪ :‬شرح النـ ََّو ّ‬
‫ِ‬
‫صعْيعه‪ ،‬ابب‪ :‬بيع الدينار ابلدينارين ‪ ،‬نَساء ‪ )762/2( ،‬عن أسامة بن زيد‪.‬‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخا ِر ّ‬
‫وانظر فتا الباري (‪. )381/4‬‬
‫(‪ُ )3‬م ْسنَد أمحد (‪ )109/2‬واللفظ له عـن ابـن عمـر ‪ ،‬وعنـد مسـلم بـدون فـإِن أخـاف علـيكم الرمـا (‪ )1209/3‬ومثلـه ُم ْسـنَد أيب عوانـه‬
‫وسنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى (‪.)278/5‬‬
‫(‪ُ )390/3‬‬
‫(‪ )4‬الصابوِن‪ ،‬حممد علي‪ :‬روائع البيان يف تفسري آايت اححكام ‪.)392/1( ،‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم يف ِ‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪.)66/3‬‬
‫َ‬
‫صعْيعه عن أيب سعيد (‪ )1211/3‬واللفظ له ‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وسـنَن أيب داود‬
‫وسنَن ّ ْ‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم يف َ‬
‫الرتمذي(‪ُ ،)532/3‬‬
‫الرَاب (‪ُ )1211/3‬‬
‫صعْيعه عن عبادة بن الصامت‪ ،‬يف املُساقاة ‪ ،‬ابب‪ّ :‬‬
‫ِ‬
‫(‪ِ ،)248/3‬‬
‫وسنَن الد َ ِ‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪.)320/5‬‬
‫َ‬
‫ين (‪ُ ،)24/3‬‬
‫وصعْيا ابن حبِّان (‪ُ )393/11‬‬
‫َّارقُطْ ّ‬
‫اإلسـالميَّة العثمانيـة وإزالتهـا وهيمنـة‬
‫اإلسـالميَّة الغـابرة حـىت تفكـك اخلالفـة ْ‬
‫كانت كـذلك طيلـة العهـود ْ‬
‫االســتعمار علــى بــالد املســلمني‪ ،‬فنشــأ جــدل فرضــه انت َقـ َ ِ‬
‫يب إىل جمتمعنــا حيــث‬
‫ـال النّظَــام الرأمســايل الغَـ ْـر ّ‬
‫حاكى املتعاملون به ما هو معمول به يف الغَْرب‪ ،‬اجلدل هذا دار حول الفوائد الربوية املصرفية‪.‬‬
‫وبلغ احمر أبدعياء علم يكم فيهم مركب النقص وعامتهم أثرايء وهلم أرصدة يف املصـارف علـى‬
‫االجـرتار علــى نفــي الوصــف عــن الفوائــد املصــرفية أن ينطبــق عليهــا حكــم الـ ِّـرَاب‪ ،‬وآخـرين مــن دوهنــم أحلـوا‬
‫ِّ‬
‫الرَاب بدورهــم ولكـن للفقـراء‪ ،‬خمالفيـن قولـه تعالـى‪  :‬يَاأَيُّ َهإا الَّإذِينَ َءا َمنُإوا اتَّقُإوا َّ‬
‫إي ِمإنَ‬
‫اّلِلَ َوذَ ُروا َمإا بَ ِق َ‬
‫ب ِمإإنَ َّ‬
‫وس‬
‫اّلِلِ َو َر ُ‬
‫الربَإا إِ ْن ُك ْنإت ُ ْم ُمإإؤْ ِمنِينَ ‪ ‬فَإإ ِ ْن لَإ ْم ت َ ْفعَلُإإوا فَإأْذَنُوا بِ َح ْإر ٍ‬
‫ِّ‬
‫سإو ِل ِه َوإِ ْن تُبْإت ُ ْم فَلَ ُكإ ْم ُر ُء ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫أ َ ْم َوا ِل ُك ْم َال ت َْظ ِل ُمونَ َو َال ت ُ ْظلَ ُمونَ ‪. ‬‬
‫ومــا ورد يف س ـنّة رســول هللا مــن لعنــه ‪ ‬يف الـ ِّـرَاب آكلهــا ومؤكليهــا وكتاهبــا وشــهودها‪ .‬فعــن جــابر‬
‫ـال ‪ « :‬هــم ســواء‬
‫ـال‪ « :‬لعــن رســول هللا ‪ ‬آكــل الـ ّـرَاب ومؤكلــه وكاتبــه وشــاهديه » وقَـ َ‬
‫رضـي هللا عنــه قَـ َ‬
‫»(‪.)2‬‬
‫فـ ِّ‬
‫ـالرَاب الــذي بــرع التجــار علــى تســميتها الفائــدة بــدالً مــن لفــظ الـ ِّـرَاب طمعـاً يف تزييــف احلـرام علــى‬
‫الناس وإظهاره مبظهر احلالل املباح وطمعاً يف أكل أموال الناس ابلباطل‪.‬‬
‫واحلق أن ِّ‬
‫الرَاب والفائدة امسان ملسمى واحـد وصـنوان ال يفرتقـان وال وجـه هنـا أبـداً بـني قليـل ال ِّـرَاب‬
‫الرَاب و ِّ‬
‫الرَاب واعتباره راب حراماً‪ ،‬فالفائدة هي ِّ‬
‫واعتباره فائدة مباحة وبني كثري ِّ‬
‫الرَاب هي الفائدة‪.‬‬
‫وقد حاول بعض رجال القانون واالقتصاد يف عصران هذا وقبله أن خيرجوا الفائدة من دائرة ال ِّـرَاب‬
‫ابلتالعـب يف احلفـاظ‪ ،‬فــاعتربوا الفائـدة مقــابالً السـتعمال مـدخرات الفــرد‪ ،‬اجملموعـة مــن حصـيلة ســنوات‬
‫مــن االدخــار وإنكــار الــذات‪ ،‬ولكــن هــذا التميــز بــني الفائــدة والـ ِّـرَاب واعتبــار الفائــدة مقــابالً الســتعمال‬
‫مدخرات الفـرد هـو جمـرد وهـم وتالعـب يف عـامل االقتصـاد حن النقـود ال تـؤجر وحن ال ِّـرَاب احملـرم هـو الـزايدة‬
‫على قيمة القرض يف مقابل احجل‪ ،‬وسواء بعد كلك أكـان اسـتيفاء هـذه الـزايدة الفائـدة لتغطيـة املخـاطر‬
‫الــيت يتضــمنها اإلق ـراض أو لتعــويض الشخ ــص ع ــن انصراف ــه ع ــن اســتعمال مال ــه يف فــرتة مــا‪ ،‬أو مقــابالً‬
‫الســتعمال مــدخرات الفــرد سـواء كانــت هــذه الفائــدة قليلــة أو كثــرية‪ ،‬فهــي فائــدة ربويــة حمظــورة علــى كــل‬
‫حال‪ ،‬وال خترجهـا التسميـة ابلفائدة عن معىن ِّ‬
‫الرَاب‪ ،‬وابلتايل فإن هذه الزايدة ال تفيد نقل امللك‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة ‪.278 /‬‬
‫ِ‬
‫ص ِعْيعه يف املساقاة‪ ،‬ابب‪ :‬لعن آكل ِّ‬
‫ـال‬
‫الرتِم ِذي(‪ )512/3‬بـدون‪ ،‬وقَ َ‬
‫وسنَن ّ ْ‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم يف َ‬
‫الرَاب و موكله‪ )1219/3( ،‬واللفظ له‪ُ ،‬‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪.)87/1‬‬
‫السنَن الكربى (‪ُ ،)306/6‬‬
‫هم سواء ُ‬
‫وسنَن أيب داود (‪ )244/3‬و ُ‬
‫هــذا ويظــن كثــري مــن النــاس ممـّـن عاشـوا ربــة النِّظَــام الربــوي‪ ،‬وألغـوا أشــكاله وألوانــه‪ ،‬أن القضــاء‬
‫على الفائدة وإلغاءها يعين القضاء على البنوك واملصـارف وهـي أداة مهمـة تسـري حركـة التجـارة والصـناعة‬
‫ولكن هذا الظّن هو ظن من يتعجل احلكم على الشيء قبل تصـوره‪ ،‬بـل هـو ظـن مـن هـو جاهـل ابلـدور‬
‫احفضــل الــذي ميكــن أن تقــوم بــه املصــارف يف خدمــة التجــارة ابلصــناعة حــني تلغــي الـ ِّـرَاب والفائــدة مــن‬
‫معامالهتا‪.‬‬
‫الش ـ ِر َيعة يف‬
‫وكل ــك أن املص ــارف ح ــني تلغ ــي ال ـ ِّـرَاب والفائ ــدة م ــن معامالهت ــا‪ ،‬وتق ــوم عل ــى قواع ــد َّ‬
‫معامالهتا وخترج عن سلطان أخطبوط صندوق النقد الدويل والبنـك الـدويل فإهنـا تسـتطيع أن تقـوم بكافـة‬
‫اخلــدمات املصــرفية املشــروعة الــيت ال ريبــار عليهــا ممــا ال دخــل لل ـراب والفائــدة فيــه‪ ،‬كمــا أهنــا تســتطيع حــني‬
‫تلغي ِّ‬
‫الرَاب والفائدة من معامالهتا أن يقق أرابحـاً مشـروعة لنفسـها ولكـل أصـعاب احمـوال لـديها وكلـك‬
‫حــني تــدفع هــذه احم ـوال إبكن أصــعاهبا مشــاركة ومضــاربة يف متويــل الصــناعة والتجــارة‪ ،‬مث تقــوم بتوزيــع‬
‫الش ِر َيعة‪.‬‬
‫صايف احرابح احلقيقة على أصعاب احموال املشاركة واملضاربة وفقاً لقواعد َّ‬
‫الش ـ ِر َيعة‬
‫وهــذا اال ــاه اجلديــد الــذي يقدمــه لنــا اإلســالم يف عــامل االقتصــاد واملــال وفق ـاً لقواعــد َّ‬
‫ســوف حيــرر النِّظَــام املصــريف مــن كــل العوائــق الربويــة يف تقــدمي القــروض‪ ،‬كمــا يشــجع أصــعاب الكفــاايت‬
‫والقــدرات والطاقــات الصــناعية واإلنتاجيــة علــى التقــدم بطلبــات التمويــل للقيــام مبشــروعات متكاملــة دون‬
‫خوف من خطر ِّ‬
‫الرَاب والفائدة‪.‬‬
‫وهـذا الــذي ككـرانه يف يــرمي الـ ِّـرَاب والفائــدة هـو احلــق‪ ،‬وقــد جــاءت النظـرايت االقتصــادية احلديثــة‬
‫تؤيده وتصدقه وعلى سبيل املثال‪:‬‬
‫فه ــذا « الل ــورد كينـ ــز» وه ــو أح ــد علم ــاء االقتص ــاد الب ــارزين يف أورواب ي ــدعو إىل إتب ــاع سياس ــية دائم ــة‬
‫تســتهدف خفــض أســعار الفائــدة إىل درجــة الصــفر‪ ،‬أي إلغــاء الفائــدة إلغــاءً كــامالً‪ ،‬ويف هــذا اجملــال جنــده‬
‫يقول بكل صراحة ووضوح‪:‬‬
‫مزوداً ابملوارد احلديثة ال يتزايد فيـه السـكان بسـرعة‪ ،‬ينبغـي أن يكـون‬
‫« إن جمتمعاً حسن اإلدارة ّ‬
‫قــادراً علــى خفــض الكفــاءة اهلامشــية ل ـرأس املــال ( أي الفائــدة ) يف ت ـوازن مســتمر إىل مســتوى الصــفر‬
‫خالل جيل واحد‪ ،‬حىت ميكننا الوصول إىل جمتمع شبه مستقر حن قليالً من التفكـري سـوف يبـني لنـا أيـة‬
‫تغي ـريات اجتماعيــة ضــخمة ميكــن أن تنــتج عــن االختفــاء التــدرجيي ملعــدل الفائــدة علــى الثــروة املكدســة‬
‫»(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬قرشي‪ ،‬أنور إقبال‪ :‬اإلسالم و ِّ‬
‫الرَاب‪ ،‬ترمجة فاروق حلمي ‪ ،‬ص(‪.)65‬‬
‫مثّ يقول «كينـز»‪:‬‬
‫« إ ّن املعــدل املــايل للفائــدة مينــع منــو رأس املــال احلقيقــي‪ ،‬فلــو أزيلــت هــذه الكاحبــة (الفرملــة ) أي فائــدة‬
‫فســوف يصــا رأس املــال احلقيقــي يف العــامل احلــديث مــن الســرعة‪ ،‬حبيــث يصــبا احتمــال هبــوط املعــدل‬
‫املايل للفائدة إىل الصفر حمققاً »(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫فالرَاب كما يرى علماء االقتصاد عقبة كؤود على طريق تنمية أفضل لالقتصـاد يف عاملنـا املعاصـر‪،‬‬
‫وكلــك أن إلغــاء الـ ِّـرَاب والفائــدة علــى القــروض يشــجع املشــروعات اإلنتاجيــة علــى الســري يف طريقهــا دون‬
‫خوف أو خطر من راب أو فائدة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن «بروفسور كاسل » و « اللورد كينــز » يـراين أن قائمـة طلبـات االسـتثمار والتمويـل‬
‫تــنكمش مــع ارتفــاع ســعر الفائــدة‪ ،‬وابلعكــس مــن كلــك فكلمــا هــبط ســعر الفائــدة وتيســر املــال لطالبــه‪،‬‬
‫كلمــا زادت فــرص االســتثمار والتمويــل مبعــدل س ـريع وأنعشــت االقتصــاد‪ ،‬فــإكا اختفــت الفائــدة كانــت‬
‫الفرصة أوفر(‪.)2‬‬
‫وهبذا املنطق االقتصادي احلديث الذي يقدمـه لنـا اإلسـالم‪ ،‬نـدرك القيمـة احلقيقيـة لقاعـدة يـرمي‬
‫ِّ‬
‫الرَاب والفائدة يف اإلسالم‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫ضمانـــــة الحاجــــات وتحقيـــق الرفـــاه فــي‬
‫(‪ )1‬قرشي‪ ،‬أنور إقبال‪ :‬اإلسالم و ِّ‬
‫الرَاب‪ ، ،‬ص(‬
‫‪ .)63.)-68‬العيش‬
‫(‪ )2‬قرشي‪ ،‬أنور إقبال‪ :‬اإلسالم و ِ‬
‫الراب‪ ، ،‬ص(‪62‬‬
‫َّ‬
‫ويشتمل على أربعة مطالب ‪:‬‬
‫‪:‬‬
‫عدالـــــــــــــــــــة‬
‫توزيـــــــــــــــــع‬
‫‪ -1‬المطلب األول‬
‫الثـــــــــــــروة في المجتمع‪.‬‬
‫في‬
‫االج ِت َما ِعيَّة‬
‫التأمينات‬
‫‪ -2‬المطلب الثاني ‪:‬‬
‫ْ‬
‫سماليَّـــــــــــــــــــــــــة‪.‬‬
‫الرأْ ُ‬
‫َّ‬
‫ساسيَّة بالتشريع‪.‬‬
‫‪ -3‬المطلب الثالث ‪ :‬ضمانة اإلسالم للحاجات األ َ َ‬
‫‪ -4‬المطلب الرابع ‪ :‬تحقيق قاعدة الرفاه في المجتمع اإلسالمـــــــــــي‪.‬‬
‫ويشتمل المطلب الرابع على المسائل التالية‪:‬‬
‫‪-1‬‬
‫‪-2‬‬
‫‪-3‬‬
‫‪-4‬‬
‫‪-5‬‬
‫‪-6‬‬
‫‪-7‬‬
‫‪-8‬‬
‫تعزيـــــــــــــــز األمـوال في كل واليـــــــــة‪.‬‬
‫تعزيـــــــــــــــز المرافــــــــق العامــــــــــــــــــــــــة‪.‬‬
‫توفيـــــــــــر فرص العمل لكل مواطن‪.‬‬
‫ضمـــــــــــــــــــان للعاطلين عن العمــــل‪.‬‬
‫ضمــــــــــــــان للمواليد الجـــــــــــــــــــــــدد‪.‬‬
‫ضمــــــــــــــان لألرامل والعجــــــــــــــــــــزة‪.‬‬
‫ضمان رواتب الجند وكفالة أسرهم‪.‬‬
‫ضمــــــــــــــــــــان ألهل الذ ّمــــــــــــــــــــــــــــــــة‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫عدالـــــة توزيـــــع الثــــروة فــــي المجتمــــــع‬
‫إن الثــروة االقتصاديــة يف جمتمــع مــا ‪ ،‬هــي نتيجــة طبيعيــة لتفاعـل عمــل احفـراد مــع مـوارد الطبيعــة‬
‫يف كلــك اجملتمــع‪ ،‬وهــذه الثــروة ال ب ـ ّد أن تعــود ابلنتيجــة إىل أف ـراد هــذا اجملتمــع يف صــور متنوعــة وأشــكال‬
‫خمتلف ــة‪ ،‬فه ــي تع ــود عل ــيهم اترة يف صـ ــورة أجـ ــور عل ــى العم ــل‪ ،‬كم ــا تع ــود عل ــيهم اترة أخ ــرى يف ص ــورة‬
‫خدمات وضماانت علمية أو صعيّـة أو ريري كلك من احلاجات احخرى‪.‬‬
‫وم ــن خ ــالل النظ ــر يف ِ‬
‫الف ْك ــر االقتص ــادي ن ــرى أم ــر توزي ــع الث ــروة مس ــألة تتن ــازع فيه ــا نظريت ــان‬
‫متقابلتان‪:‬‬
‫احوىل تق ــوم عل ــى تق ــومي حاج ــة الف ــرد وكفايت ــه م ــن دون تق ــومي جله ــده وعمل ــه‪ ،‬وكل ــك عم ـ ـالً‬
‫ابلقاعدة الـيت تقـول‪ « :‬مـن كـل حبسـب جهـده ولكـل حبسـب حاجتـه » حيـث يراعـى يف توزيـع احعمـال‬
‫كـل فــرد‪ ،‬ويراعــى يف توزيـع النــاتج حســب حاجـات كــل فــرد فمـا علــى الفــرد إال أن يبـذل ريايــة جهــده يف‬
‫عمله ليكافأ حبسب حاجته وكفايته من دون تقومي جلهده وعمله‪.‬‬
‫والثانيــة تقـوم علــى تقــومي جهــد الفــرد وعملــه دون تقيــيم حلاجتــه وكفايتــه‪ ،‬وكلــك عمـالً ابلقاعــدة‬
‫الــيت تقــول‪ « :‬كــل حبســب جهــده ولكــل حبســب عملــه » حيــث إ ّن احشــياء ال تكفــي يف الواقــع لســد‬
‫حاجـات كــل احفـراد فتكــون هــذه القاعــدة حمققــة للمســاواة إكا هتيــأ لكــل فــرد مــن وســائل اإلنتــاج مثــل مــا‬
‫لآلخر‪ ،‬فما على الفرد إالّ أن يبذل رياية جهـده يف عملـه ليكافـأ حبسـب عملـه وإتقانـه وكلـك دون تقـومي‬
‫حلاجته وكفايته‪.‬‬
‫ولكل نظر ٍية من هاتني النظريتني أنصارها الذين يؤيدوهنا وخصومها الذين ينتقدوهنا‪.‬‬
‫ولكننــا عنــد التعقيــق العلمــي‪ ،‬جنــد أ ّن ك ـالً مــن النظ ـريتني قــد اجت ـزأت جانب ـاً مــن العــدل دون أن يققــه‬
‫كامالً فشاعت يف كل منهما مظامل‪:‬‬
‫فالنظرية احوىل نظرت إىل حاجة الفرد وكفايته وأمهلت تقوميها جلهده وعمله‪.‬‬
‫والنظرية الثانية نظرت إىل تقومي جهد الفرد وعمله وأمهلت كل تقومي حلاجته وكفايته‪.‬‬
‫ول ــذلك مل تق ــو ه ــااتن النظريت ــان يف مس ــألة توزي ــع الث ــروة عل ــى الص ــمود مواجه ــة قواع ــد الع ــدل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فضالً عن أ ّن النظرية احوىل قـد حق ّقـت لنفسـها فشـالً يف التطبيـق حـني أضـعفت حـافز الفـرد‬
‫لـزايدة إنتاجــه ويســينه نتيجــة لعــدم تقــديرها جلهـده وعملــه‪ ،‬ولــذا جلــأ أنصــارها إىل تعديلهــا فــي التطبيــق‪،‬‬
‫لتقتـرب قليـالً من معيـار النظريـة الثانية يف تقومي جهد الفرد وعمله‪.‬‬
‫كمــا أ ّن النظريــة الثانيــة قــد حق ّقــت لنفســها فشـالً يف تــوفري حاجــة الفــرد وكفايتــه‪ ،‬خصوصـاً وأن‬
‫وعمــت املظــامل‪ ،‬حــىت‬
‫التــأرجا يف التطبيــق قــد أربــك كلتــا النظ ـريتني فاختــل هبــا مي ـزان العــدل بــني النــاس‪ّ ،‬‬
‫ابت القصــور واضــعاً يف كليهمــا وهــو قصــور الزم لكــل قــانون وضــعي حــني ينفــرد ابلتشـريع لنفســه بعيــداً‬
‫عــن هــوى هللا وشــرعه‪ .‬هــذا هــو التقــومي يف االقتصــاد الوضــعي ونظرايتــه‪ ،‬فــإكا جئنــا إىل قواعــد االقتصــاد‬
‫اإلسالميَّة وأصوهلا وجدان َّ‬
‫أن القواعد العامـة هنـا‪ ،‬تصـون حقـوق‬
‫اإلسالمي اليت تقوم على قواعد َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫الفــرد يف تقــومي عملــه وحاجتــه معـاً‪ ،‬فــال هــي تقـ ّـوم حاجــة الفــرد وهتمــل عملــه وال تقـ ّـوم عمــل الفــرد وهتمــل‬
‫تقوم عمل الفرد وحاجته معاً يف آن واحد‪ ،‬لتعقق العدل كامالً يف مجيع أطرافه‪.‬‬
‫حاجته‪ ،‬بل هي ّ‬
‫وهــذا التقــومي الــذي نشــري إليــه‪ ،‬لــيس وليــد اســتنباط وابتكــار‪ ،‬بــل هــو ص ـريا يف قــول عمــر بــن‬
‫اخلطَّاب رضـي هللا عنـه‪ ،‬حـني كـان يقـدر أعطيـات النـاس واجلنـد مـن بيـت املـال‪ ،‬وفقـاً جلهـدهم وبالئهـم‪،‬‬
‫الر ُجــل وحاجتــه يف‬
‫الر ُجــل وبــالؤه يف اإلســالم و َّ‬
‫ووفقـاً حلاجــاهتم معـاً‪ ،‬فقــد كــان رضــي هللا عنــه يقــول‪َّ « :‬‬
‫الر ُج ــل وعمل ــه يف اإلس ــالم‪ ،‬فق ــد ورد يف‬
‫الر ُج ــل وب ــالؤه يف اإلس ــالم‪ ،‬يع ــين َّ‬
‫اإلس ــالم » ومع ــىن قول ــه‪َّ :‬‬
‫ح ــديث س ــعد ي ــوم ب ــدر ‪ « :‬عس ــى أن يعط ــي ه ــذا م ــن ال يُبل ــى بالئ ــي » أي ال يعم ــل مث ــل عمل ــي يف‬
‫احلرب‪ ،‬كأنـه يريـد أفعـل فعـالً أختـرب فيـه ويظهـر بـه خـريي مـن شـري(‪ )1‬واالبـتالء يف احصـل هـو االختبـار‬
‫ـال‬
‫واالمتعان(‪ )2‬وسياق قول عمر رضي هللا عنه يوضا لنا كثرياً من جوانب هذا التقـومي‪ ،‬العـادل‪ ،‬فقـد قَ َ‬
‫رضي هللا عنه‪:‬‬
‫« وهللا الذي ال إله هو‪ ،‬ما أحد إال وله حق يف املال‪ ،‬أعطيه أو أمنعـه‪ ،‬ومـا أحـد أحـق بـه مـن أحـد‪ ،‬إال‬
‫عبــد مملــوك‪ ،‬ومــا أان فيــه إال كأحــدكم‪ ،‬وكلنــا علــى منازلنــا مــن كتــاب هللا عـ ّـز وجـ ّـل وقســمنا مــن رســول هللا‬
‫الر ُجــل وحاجتــه يف اإلســالم‪ ،‬وهللا لــئن‬
‫الر ُجــل ورينــاؤه يف اإلســالم‪ ،‬و َّ‬
‫فالر ُجــل وبــالؤه يف اإلســالم‪ ،‬و َّ‬
‫‪َّ ،‬‬
‫بقيت ليأتني الراعي جببل صنعاء حظه من هذا املـال وهـو مكانـه‪ ،‬قبـل أن حيمـر وجهـه ( يعـين يف طلبـه )‬
‫(‪.)3‬‬
‫وال يـُ َقال هنا خبصوصية القاعدة يف تقدير جهد الفرد وحاجته معاً يف هذا العطـاء‪ ،‬وعـدم مشـول‬
‫ع ــدالتها‪ ،‬حن مف ــاهيم الع ــدل ال تتج ـزأ‪ ،‬ول ــيس يف ه ــذا التق ــومي املب ــين عل ــى « تق ــدير العم ــل واحلاج ــة »‬
‫انتقـاص مــن حــق أحــد‪ ،‬بـل فيــه توفيــق حلــق كـل أحــد‪ ،‬حبســب جهــده‪ ،‬وإبالئـه يف عملــه‪ ،‬وإخالصــه فيــه‪،‬‬
‫وإتقانــه لــه‪ ،‬وفيــه أيض ـاً توفيــة حلقــه يف حاجتــه وعليــه فيكــون التقــومي يف هــذا الشــأن « مــن كــل حبســب‬
‫جهــده‪ ،‬ولكــل حبســب عملــه وحاجتــه معـاً » ولــذا‪ ،‬فــإن تقــومي عمــل الفــرد‪ ،‬وتقــومي حاجتــه‪ ،‬لــيس ابحمــر‬
‫الــذي منــر بــه س ـريعاً يف هــذا اجملــال‪ ،‬فلكــل تقــومي منهمــا يف هــذا اجملــال حبــث وتفصــيل‪ .‬فأمــا تقــومي جهــد‬
‫الفــرد حبســب عملــه‪ :‬فهــو كمــا كك ـران‪ -‬ص ـريا قــول اخلليفــة الراشــد عمــر بــن اخلطَّــاب رضــي هللا عنــه‪« :‬‬
‫الر ُجـل وبــالؤه يف اإلســالم » وهـذا يقتضــي أنــه كلمـا أبلــى الفــرد بـالء حســناً يف عملــه‪ ،‬كلمـا وجــد تقوميـاً‬
‫َّ‬
‫(‪ )1‬ابن احثري‪ :‬النهاية يف ريريب احلديث‪.156/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬ابن احثري‪ :‬النهاية يف ريريب احلديث‪ ،‬ص(‪.)155‬‬
‫(‪ )3‬الطنطاوي‪ ،‬علي‪ :‬أخبار عمر‪ ،‬ص(‪ .)106-105‬وانظر أبو يوسف‪ :‬اخلراج ‪ ،‬ص(‪.)55‬‬
‫أكثــر جلهــده‪ ،‬وكلــك أيضـاً معــىن قــول اخلليفــة الراشــد علــى بــن أيب طالــب رضــي هللا عنــه يف خطبــة لــه‪« :‬‬
‫واعلموا أن الناس أبناء ما حيسنون‪ ،‬وقيمة كل امرئ ما حيسن »(‪. )1‬‬
‫ـال‬
‫يُضاف إىل كلك أن « قاعدة اجلزاء حبسب العمل» هو ما تشهد له نصوص َّ‬
‫الشـ ِر َيعة فقـد قَ َ‬
‫هللا تعاىل ‪َ ‬و ِل ُك ٍّل دَ َر َجات ِم َّما َع ِملُوا َو ِلي َُإو ِفّيَ ُه ْم أ َ ْع َمإالَ ُه ْم َو ُهإ ْم َال ي ُْظلَ ُمإونَ ‪ ، )2(‬فهـذه قاعـدة عامـة يف‬
‫القرآن‪ ،‬عل منـزلة الفرد حبسب عمله ودرجته كما عـل أقـدار العـاملني أيضـاً ممـا عملـوا‪ ،‬أي مـن جـنس‬
‫مــا عملـوا‪ ،‬وهــذا التقــدير العــادل يف مقــاييس اإلســالم‪ ،‬لــه مــا بعــده مــن جـزاء و ٍ‬
‫اف علــى عمــل كــل عامــل‬
‫كمــا هــو واضــا يف قولــه تعــاىل‪َ  :‬و ِليُإ َإو ِفّيَ ُه ْم أ َ ْع َمإإالَ ُه ْم ‪ ‬فيكــون تقــدير الــدرجات جبــنس العمــل هنــا هــو‬
‫لتوفيه العاملني أجر أعماهلم‪ ،‬وهو تقدير لـيس فيـه مكـان حليـف أو جـور حنـه تقـدير مصـون أبمـر هللا عـز‬
‫وجل هـذا العـدل تقـديراً بقولـه تعـاىل‪َ  :‬و ُهإ ْم َال ي ُْظلَ ُمإونَ ‪ ‬وهـو تقـدير بعيـد املـدى‪،‬‬
‫وجل‪ ،‬وقد زاد ّ‬
‫عز ّ‬
‫لنفي كل ظلم وأتكد كل عدل‪.‬‬
‫وبذلك ندرك أن تقرير هذا املبدأ العام‪ ،‬الذي يربط درجة التقدير حبسـب العمـل‪ ،‬إمنـا هـو تقريـر‬
‫قــرآِن‪ ،‬ال شــيء فيــه مــن اخ ـرتاع القــول‪ ،‬وال يكــم الفهــم‪ ،‬فهــو بــذلك أصــل جليــل ومعيــار دقيــق‪ ،‬لكــل‬
‫تقومي‪.‬‬
‫وأمــا التقــومي أيض ـاً حبســب حاجتــه‪ :‬فهــو ص ـريا قــول عمــر رضــي هللا عنــه يف الشــطر الثــاِن مــن‬
‫الر ُجــل وحاجتــه يف اإلســالم » وحاجــات الفــرد هنــا كثــرية‪ ،‬وقــد يفــي هبــا عائــد عملــه‪ ،‬وقــد‬
‫كالمــه « و َّ‬
‫َساسيَّة أربع‪ ،‬حيث ال ب ّد له من‪:‬‬
‫يقتصر عنها عائد علمه وهي بطبيعتها حاجات متنوعة‪ ،‬فعاجاته اح َ‬
‫طعــام يصــونه مــن اجلــوع‪ ،‬وش ـراب يصــونه مــن الظمــأ‪ ،‬وكســاء يصــونه مــن العــري‪ ،‬ومســكن يصــونه مــن‬
‫ضعى الشمس وبرد اجلو‪.‬‬
‫وقــد كانــت هــذه احلاجــات مكفولــة آلدم يف حياتــه احوىل يف اجلنــة ولكنــه أنــذر أبنــه إكا رضــخ‬
‫إلبلــيس يف إحياءاتــه وإريراءاتــه وعصــى ربــه‪ ،‬فســوف خيــرج مــن اجلنــة‪ ،‬وعليــه حينئــذ أن يشــقى ابلعمــل يف‬
‫عإإإد َُو لَإإإكَ َو ِلزَ ْو ِجإإإكَ فَإ َ‬
‫إإال‬
‫يصــيل حاجاتــه كلهــا‪ ،‬وكلــك كمــا قَـ َ‬
‫ـال هللا تعــاىل‪  :‬فَقُ ْلنَإإإا يَإإإاإدَ ُم إِ َّن َهإإإذَا َ‬
‫(‪ )1‬احملمصاِن‪ ،‬أمحد بن عمر‪ :‬خمتصر جامع بيان العلم وفضله البن عبد البَـِّر ‪ ،‬ص(‪.)106-105‬‬
‫(‪ )2‬اححقاف ‪.19 /‬‬
‫ع فِي َهإإا َو َال ت َ ْعإ َإرى‪َ ‬وأَنَّإإكَ َال ت َْظ َم إأ ُ فِي َهإإا َو َال‬
‫ي ُْخ ِر َجنَّ ُك َمإإا ِمإإنَ ْال َجنَّ إ ِة فَت َ ْش إقَى(‪)1‬إِ َّن لَإإكَ أ َ َّال ت َ ُجإإو َ‬
‫ض َحى(‪.)3()2‬‬
‫تَ ْ‬
‫َساسـيَّة لإلنسـان‪ ،‬يديـداً منطقيـاً أبربـع حاجـات وقـد وعـد هللا‬
‫وهكذا ّ‬
‫حدد القرآن احلاجـات اح َ‬
‫آدم أبنــه مــا بقــي يف اجلنّــة فمضــمونه لــه هــذه احلاجــات‪ :‬لــه أال جيــوع فيهــا‪ ،‬وال يعــرى وال يظمــأ فيهــا وال‬
‫يضــعى‪ ،‬مثّ أنــذره أبنــه إكا أخــرج مــن اجلن ـة فســوف يفقــد هــذه الضــماانت احربــع ويتعــرض حكى اجلــوع‬
‫وحرها) وعليه حينئـذ أن يشـقى ابلعمـل‪ ،‬ليعصـل تلـك‬
‫والعري والظمأ والضَّعى ( وهو التعرض للشمس ّ‬
‫الضماانت بنفسه‪ ،‬وبتلك املسؤولية قرر القرآن أن العمل والسعي له هو السبيل الطبيعي لكسب املعـاش‬
‫َساسـيَّة لإلنسـان مـن مأكـل يصــونه مـن اجلـوع‪ ،‬وملـبس يصــونه‬
‫أو مـا يُعـف ابلـدخل إلشـباع احلاجــات اح َ‬
‫َساسـيَّة كمــا‬
‫مــن العــري‪ ،‬ومشــرب يصــونه مــن الظمــأ ومســكن يصــونه مــن احلـ ّـر والــربد وهــذه احلاجــات اح َ‬
‫حــددها القــرآن‪ ،‬هــي دوافــع الســلوك االقتصــادي لإلنســان‪ ،‬مث ربــط هــذه احلاجــات‪-‬يف اآليــة الكرميــة‪-‬‬
‫ابلشقاء يف العمل لتعصيلها يؤدي بنا إىل قاعدة أساسـية تـتلخص يف « اعتبـار العمـل‪ ،‬السـبيل الطبيعـي‬
‫للعصول على مورد حيفظ على الفرد حياته‪ ،‬ويهيئ له ضماانت يف حاجاته »(‪.)4‬‬
‫و ّأايًكــان التــاريخ الــذي عــاش فيــه آدم عليــه الســالم‪ ،‬فــإن هــذه احلاجــات لفــت إليهــا آدم عليــه‬
‫الســالم‪ ،‬هــي بعينهــا مــا يــدفع الفــرد منّــا « اليــوم وريــداً ويف كــل ريــد » إىل تــرك الف ـراش علــى كــره منــه‪،‬‬
‫واالنطالق إىل احسواق لعـرض السـلعة أو اخلدمـة وللعصـول علـى النقـود أو إبـدال النقـود‪ ،‬إلشـباع تلـك‬
‫احلاجات أو التزيد منها والرريد فيها‪.‬‬
‫مثّ أن ــه مل ــن امليس ــور لك ــل إنس ــان أن ينظ ــر إىل حيات ــه‪ ،‬وإىل حي ــاة أسـ ـرته‪ ،‬ل ــريى م ــا إكا كان ــت‬
‫ـص عليهـا القـرآن وحـده‪،‬‬
‫َساسيَّة اليت تشغله وترهقه هي بعينها تلك احلاجات الـدوافع الـيت ن ّ‬
‫احلاجات اح َ‬
‫أم أن حاجــات أخــرى ترقــى إىل هــذا املســتوى احساســي مــن حيــث درجــة اإلحلــاح علــى الــنفس البشـرية؟‬
‫َساسيَّة للفرد‪.‬‬
‫كلك ما عدا تلك احلاجات مهما بلغت هي توابع هلذه الدوافع اح َ‬
‫وقــد تفـ ّـرد القــرآن العظــيم بتفصــيل هــذه احلاجــات والــدوافع‪ ،‬علــى حنــو نعتقــد أنــه لقــي دراســة‬
‫يليليــة كافيــة حــىت اآلن‪ ،‬ملــا انطــوت عليــه اآلايت يف هــذا اجملــال مــن اإلحاطــة والشــمول‪ ،‬ومــا مــن موازنــة‬
‫الكشاف عن حقائق التنزيل (‪.)556/2‬‬
‫(‪ )1‬املراد بقوله ‪ ‬فَـتَ ْش َقى‪ : ‬التعب يف طلب الرزق ويصيله ‪ .‬انظر الزمخشري ‪ّ :‬‬
‫حلره ــا ‪ .‬انظ ــر‪:‬‬
‫ـعى‪ : ‬التصــون م ــن ح ـ ّـر الش ــمس حن َّ‬
‫(‪ )2‬امل ـراد بقول ـه ‪َ ‬وَال تَ ْ‬
‫ضـ َ‬
‫الضــعى ( بف ــتا الض ــاد وتش ــديدها ) هــو التع ــرض ّ‬
‫احصفهاِن‪ :‬الراريب‪ ،‬ريريب القرآن ن ص(‪.)293‬‬
‫(‪ )3‬طه ‪.117 /‬‬
‫(‪ )4‬إبراهيم‪ ،‬د‪ .‬عيسى عبد‪ :‬القرآن والدراسات االقتصادية‪ ،‬جمموعة حماضرات املوسم الثقايف جلامعة احزهر‪1961 ،‬م‪.‬‬
‫ُّص ــوص القرآني ــة وب ــني اجته ــاد علم ــاء االقتص ــاد يف ه ــذا اجمل ــال‪ ،‬إال‬
‫جيريه ــا الباح ــث املنص ــف‪ ،‬ب ــني الن ُ‬
‫وكشفت عن ض لة اجلهد البشري يف هذا اجملال اهلام واحساسي يف حياة اإلنسـان وهـذا كلّـه هـو ابلنسـبة‬
‫َساسيَّة لإلنسان‪ ،‬اليت هي يف الوقت نفسه دوافع السعي والعمل والكسب‪.‬‬
‫للعاجات اح َ‬
‫أمــا ابلنســبة للعمــل واإلنتــاج‪ ،‬فــاحرض كلهــا وعلــى اتس ـاع أطرافهــا ميــدان رحــب ريــين بوســائل‬
‫مسخر لإلنسان ومطوع ومذلل له وأما الثروات واملوارد الطبيعية فإن كـل إنتـاج مـن‬
‫الكسب وكل ما فيها ّ‬
‫طيباهتا ال يقوم وال يستمر إال على تزواج بـني العمـل وبـني هـذه الثـروات واملـوارد‪ ،‬فعلـى تلـك املـوارد يقـوم‬
‫كــل عمــل ومــن كنوزهــا يــتم كــل إنتــاج ومــا علــى اإلنســان واحلالــة هــذه إال أن حيَـ ْـزم أمــره فــارض هللا واســعة‬
‫وخرياهتا كثـرية وثرواهتـا وفيـة ومواردهـا رينيّـة فمـا عليـه إال يعمـل عقلـه وفكـره وقلبـه ومداركـه وحيسـن جهـده‬
‫وتدبريه الستخراج ثرواهتا وإنتاج طيباهتا واإلفادة منها‪.‬‬
‫وعليــه فاملشــكلة االقتصــادية ليســت يف قلّــة امل ـوارد الطبيعيــة وثرواهت ــا‪ ،‬وإمنــا املش ــكلة كم ــا يق ــرر‬
‫ـال هللا تعـاىل‪َ  :‬و َءاتَإا ُك ْم ِم ْ‬
‫سإأ َ ْلت ُ ُموهُ‬
‫القرآن ‪ ،‬هي مشكلة اإلنسان كاته يف عملـه وإنتاجـه‪ ،‬قَ َ‬
‫إن ُكإ ِّل َمإا َ‬
‫َوإِ ْن تَعُدُّوا نِ ْع َمإةَ َّ‬
‫اإل ْن َسإانَ لَ َظلُإوم َكفَّإار ‪ ، )1( ‬فظلـم اإلنسـان لإلنسـان يف احليـاة‬
‫اّلِلِ َال تُحْ ُ‬
‫صإوهَا إِ َّن ْ ِ‬
‫العمليّة‪ ،‬وكفره بنعمة هللا إبمهاهلا وعدم تقدير أمهيتها وشكر املنعم عليها‪ ،‬مها السببان الرئيسان للمشـكلة‬
‫االقتصادية يف حياة اإلنسـان‪ ،‬ويتجسـد ظلـم اإلنسـان لنفسـه وريـريه علـى الصـعيد االقتصـادي يف اقتنـاص‬
‫املغامن‪ ،‬ويف سوء توزيع الثروة يف اجملتمع ويف احلرمان املنتشر فيه‪ ،‬ويف فقدان اخللق الكـرمي الـذي يعتـرب سـر‬
‫النجــاح يف كــل تعامــل كمــا يتجســد كفرانــه للنعمــة يف إمهالــه خ ـريات احرض واســتثماره لكنوزهــا وثرواهتــا‬
‫وموقفه السليب منها »(‪.)2‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن توزيع الثروة يف اجملتمع كمـا أمجلنـا يف هـذا املبعـث وفصـلنا يف ثنـااي البعـث علـى ضـوء قواعـد‬
‫اإلسالميَّة‪-‬حبسب عمل الفرد وحبسب حاجته يضمن توزيعاً عادالً‪ ،‬وحيقق رفاهاً يغـين الفـرد عـن‬
‫َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫كل ضرورة وحاجة ويغدو الفرد حينئذ أكثر إخالصا لعمله‪ ،‬ووفاء جملتمعه‪.‬‬
‫ويكفي يف هذا اجملال أن نـذكر ابلنقـد الـذي وجهـه اللـورد « مارينـارد كينــز » إىل نظـم االقتصـاد‬
‫املعاصرة‪ ،‬لندرك مدى اخللل الكبري يف ميزان توزيع الثروة يف عاملنـا املعاصـر‪ ،‬ولنـدرك ابلتـايل قيمـة القواعـد‬
‫اإلســالميَّة يف حــل املشــكالت االقتصــادية يف توزيــع الثــروة وريريهــا‪ .‬فقــد قــرر اللــورد «ماينــارد كين ـز» عــام‬
‫ْ‬
‫‪1938‬م يف كتابه املشهور « النظرية العامة » ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬إبراهيم ‪.34 /‬‬
‫(‪ )2‬الصدر‪ ،‬حممد ابقر‪ :‬اقتصادان ص(‪.)309-307‬‬
‫« إن أهم احخطاء البارزة يف اقتصادان املعاصر اثنان ومها ‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬الفشل يف يقيق العمالة الكاملة ( أي ضمان العمل لكل قادر )‪.‬‬
‫العدالَة»(‪.)1‬‬
‫اثنيا‪ :‬التوزيع التعكمي لكل من الثروة والدخل على حنو ال حيقق َ‬
‫و إكا نظران يف ما تقدم عن سلف احمة لوجدان أن يقيق العمالة الكاملة ( أي تـوفري العمـل لكـل قـادر)‬
‫هو مسؤولية الد َّْولَة وهو ما يفيده قـول عمـر بـن اخلطَّـاب عـن مسـؤولية احلـاكم فــي هــذا اجملـال‪ « :‬إن هللا‬
‫اســتخلفنا علــى النــاس ‪ ،‬لنســد جــوعتهم‪ ،‬ولنــوفر هلــم حــرفتهم »(‪ )2‬كمــا أن توزيــع الثــروة يف اجملتمــع توزيعـاً‬
‫عادالً‪ ،‬وهو يف تطبيق املعيار الـدقيق « مـن كـل حبسـب جهـده ولكـل حبسـب عملـه وحاجتـه معـاً » وفقـاً‬
‫الر ُجل وحاجته يف اإلسالم »(‪.)3‬‬
‫الر ُجل والؤه يف اإلسالم و َّ‬
‫لقول عمر بن اخلطَّاب‪َّ « :‬‬
‫وبذلك يتجنب االقتصاد املعاصر تلـك احخطـاء الـيت أحـدثت خلـالً يف عاملنـا املعاصـر وشـردت‬
‫ابإلنسان بعيداً عن هدي هللا وشرعه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫سماليَّة‬
‫التأمينـــــات ْ‬
‫الرأْ ُ‬
‫االج ِت َما ِعيَّة فــــي َّ‬
‫إن فك ــرة زايدة ال ــدخل احهل ــي ه ــي أس ــاس النِّظَــام االقتص ــادي يف املب ــدأ الرأمس ــايل ابعتب ــار أن‬
‫االقتصــاد عنــدهم يبعــث يف حاجــات اإلنســان ووســائل إشــباعها وال يبعــث إال يف الناحيــة املاديــة مــن‬
‫َساسـيَّة‬
‫حياة اإلنسان‪ .‬فهو يقول إن الندرة النسبية للسلع واخلـدمات ابلنسـبة للعاجـات هـي املشـكلة اح َ‬
‫‪ ،‬أي عدم كفاية السلع واخلدمات للعاجـات املتجـددة واملتعـددة عنـد اإلنسـان هـي املشـكلة االقتصـادية‬
‫(‪ )1‬إبراهيم‪ ،‬د‪ .‬عيسى عبد‪ :‬القرآن والدراسات االقتصادية‪ ،‬حماضرة ضمن جمموعة احملاضرات العامة للموسم الثقايف الثالث جبامعة احزهر‬
‫لعام ‪1960‬م ‪ ،‬ص(‪.)249‬‬
‫(‪ )2‬إبراهيم ‪.34 /‬‬
‫(‪ )3‬ابن احثري‪ :‬النهاية يف ريريب احلديث‪.)156/1( ،‬‬
‫للمجتمع‪ .‬وكلك أن لإلنسان حاجات تتطلب اإلشباع‪ ،‬فال ب ّد من وسائل إلشباعها‪ ،‬ووسـائل اإلشـباع‬
‫هذه هي السلع واخلدمات‪ ،‬فالسـلع وسـائل اإلشـباع ملـا يسـمى عنـدهم ابحلاجـات املاديـة وهـي احلاجـات‬
‫احملسوســة امللموس ــة ‪ ،‬مث ــل أك ــل الرريي ــف ل ــبس الث ــوب وس ــكىن ال ــدار‪ ،‬واخل ــدمات وس ــائل اإلش ــباع مل ــا‬
‫يســمى عنــدهم ابحلاجــات املعنويــة وهــي احلاجــات احملسوســة ريــري امللموســة مثــل خدمــة الطبيــب واملعلــم‬
‫واملهندس‪ .‬لذلك كانت مهمة االقتصادي هي توفري السلع واخلدمات‪.‬‬
‫وملــا كانــت الســلع واخلــدمات حمــدودة‪ ،‬فإهنــا ال تكفــي حلاجــات اإلنســان‪ ،‬حن هــذه احلاجــات‬
‫ريــري حمــدودة‪ .‬وهــذا ال يتــأتى مهمــا كثــرت الســلع واخلــدمات لــذلك نشــأ أســاس املشــكلة االقتصــادية وهــو‬
‫كثرة احلاجات وقلّة إشباعها‪ ،‬وهبذا تظل بعض احلاجات إما إشـباعاً جزئيـاً فقـط أو ريـري مشـبعة إطالقـاً‪،‬‬
‫فاملشــكلة عنــدهم هــي احلاجــات ولــيس اإلنســان أي هــي تــوفري امل ـوارد إلشــباع احلاجــات ولــيس إشــباع‬
‫حاجات كل فرد من احفراد‪.‬‬
‫وملـا كــان احمــر كــذلك كــان ال بـ ّد مــن أن تكـون القواعــد الــيت تضــمن الوصــول إىل أرفــع مســتوى‬
‫ممكن من اإلنتاج حىت يتأتى توفري املوارد‪ ،‬ومن هنا كانت مشكلة توزيع السلع واخلدمات مرتبطـة ارتباطـاً‬
‫وثيقـاً مبشــكلة إنتاجهــا‪ ،‬وكــان اهلــدف احمســى للدراســات االقتصــادية هــو العمــل علــى زايدة مــا يســتهلكه‬
‫جمموع الناس من السلع واخلدمات ‪ ،‬هلذا كان زايدة اإلنتاج احهلي عندهم أهم اححباث ملعاجلـة املشـكلة‬
‫االقتصـادية إك يعتقــدون أنـه ال ميكــن معاجلــة الفقـر واحلرمــان يف بلـد مــا إال عــن طريـق زايدة اإلنتــاج‪ .‬ومــن‬
‫هنا يفهم سر انصباب اجلهود على زايدة اإلنتاج والتنمية االقتصادية ووضع التخطـيط االقتصـادي لـزايدة‬
‫اإلنتاج‪.‬‬
‫وعلــى هــذا « فــإن النِّظَــام االقتصــادي الرأمســايل يهــدف إىل ريايــة واحــدة هــي زايدة ثــروة الــبالد‬
‫مجلــة‪ ،‬ويعمــل للوصــول إىل أرفــع مســتوى ممكــن مــن اإلنتــاج‪ ،‬وجيعــل يقيــق أقصــى مــا ميكــن مــن الرفاهيــة‬
‫حف ـراد اجملتمــع نتيجــة ل ـزايدة الــدخل احهلــي ورفــع مســتوى اإلنتــاج يف الــبالد وكلــك بتمكيــنهم مــن أخــذ‬
‫الثروة حني يرتك هلـم ِّ‬
‫احلريَّـة يف العمـل إلنتاجهـا وحليازهتـا‪ ...‬وهـذا خطـأ وظلـم حن احلاجـات الـيت تتطلـب‬
‫اإلشباع هي حاجات فردية‪ ،‬فهي حاجـات حملمـد وصـاحل وحسـن وليسـت حاجـات جملموعـة اإلنسـان أو‬
‫جملموعة أمة أو جملموعة شعب »(‪.)1‬‬
‫وعلـى هـذا يكـون الرأمسـاليون قـد تصـوروا املشـكلة االقتصـادية تصـوراً مقلـوابً فجعلـوا إنتـاج الثــروة‬
‫وتركوا أمر توزيعها ‪ ،‬يف حني أن املشكلة هي توزيع الثروة‪ ،‬وترتـب علـى كلـك أن جعلـوا الـثمن هـو املـنظم‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة االقتصادية املثلى ‪ ،‬ص(‪.)16‬‬
‫(‪ )1‬املالكي‪ ،‬عبد الرمحن‪َ ّ :‬‬
‫للتوزيع ‪ ،‬فمن ملك الثمن أخذ الثروة ‪ ،‬ومن ال ميك شيئاً ال أيخذ شيئاً‪ ،‬فالقوي مباله وسـلطانه يسـتعق‬
‫احلياة والضعيف ال يستعق احلياة‪ ،‬وهذا هو واقع البالد الغَْربيّة كلها‪.‬‬
‫وأيض ـاً‪ ،‬فق ــد ه ــذا كل ــه إىل متل ــك امل ــال أبي س ــبيل سـ ـواء ابل ـ ِّـرَاب أو الغ ــش أو االحتك ــار وسـ ـواء‬
‫أكانــت الســلع مخـراً أو أفيــوانً وبــذلك حصــر الثــروة أبيــدي احقــوايء وحــرم منهــا الضــعفاء ولــذلك ســيطرت‬
‫الرأْ ُمساليَّة واستبد املنتجون ابملستهلكني ويكم أرابب املال علـى مجهـرة املسـتهلكني ممـا أدى‬
‫االحتكارات َّ‬
‫إىل ظه ــور م ــا يس ــمى ابلعدالَــة االجتِم ِ‬
‫اعيَّــة لرتقي ــع النِّظَــام الرأمس ــايل لتخفي ــف م ــا أنزل ــه ابلن ــاس م ــن ظل ــم‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َْ‬
‫وإرهاق‪.‬‬
‫« فالضــمانة فيــه ليســت أساسـاً يف النِّظَــام وال أمـراً جــوهرايً فيــه‪ ،‬بــل هــي أحكــام طارئــة أدخلــت‬
‫لرتقيعه »(‪.)1‬‬
‫فالرأْ ُمساليَّـ ــة حاولـ ــت إجيـ ــاد مـ ــا يسـ ــمى ابلضـ ــمان االجتمـ ــاعي والعدالَـ ــة االجتِم ِ‬
‫اعيَّـ ــة وأوجـ ــدت‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫َْ‬
‫التأمينــات االجتِم ِ‬
‫اعيَّــة وهــذه التأمينــات هــي أن هتــتم الد َّْولَــة بصــنفني مــن النــاس مــن الرعيــة الــيت يكمهــا‬
‫َْ‬
‫ومها‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬العامــل عنــد ريــريه أبجــر‪ ،‬ويشــمل هــذا مســتخدمي احلكومــة‪ ،‬واملؤسســات العامــة والعمــال‬
‫الدائمني يف املصانع واملعامل واملزارع‪ ،‬إال أن التفاوت يف استخدام نوعيـة العمـال مـن مسـات هـذا النظـام‪،‬‬
‫فبعض ــهم ي ــدخل عم ــال امل ـزارع دون عم ــال املق ــاوالت والش ــعن والتفري ــغ والعم ــال امل ــؤقتني‪ ،‬وبعض ــهم ال‬
‫يدخل عمال املزارع إال الذين يشـتغلون ابآلالت الزراعيـة ومـن يـدخل يف هـذه التأمينـات االجتِم ِ‬
‫اعيَّـة مـن‬
‫َْ‬
‫هؤالء عموماً هو الذي يشتغل عند ريريه أبجر‪.‬‬
‫فالعدالَــة االجتِم ِ‬
‫اعيَّــة تقتضــي أن يُعطــى العامــل تعويضـاً ومعــاش شــيخوخة‪ .‬فأمــا التعــويض‪ ،‬فــإكا‬
‫َ‬
‫َْ‬
‫حلق ضرر ابلعامل أثناء عمله منعه من العمل منعـاً كليـاً أو جزئيـاً فإنّـه حيظـى ابلرعايـة الصـعية والتعـويض‬
‫عــن الضــرر‪ .‬فــإن منعــه الضــرر مــن العمــل منع ـاً كلي ـاً تعطــى لــه معونــة ال تصــل إىل حــد أجــره اليــومي إك‬
‫تـرتاوح مــا بــني ‪ %60‬إىل ‪ %80‬مــن أجــره(‪ ،)2‬إىل أن يبلــغ ســن التقاعــد وهــو ســن الســتني أو اخلامســة‬
‫واخلمسني أو اخلامسة والستني حسب القانون الذي يسن كلك‪ .‬هـذا عنـد وقـوع الضـرر إبصـابة يف أثنـاء‬
‫العمــل‪ ،‬أمــا إ ْن أصــيب مبــرض طــارئ يف حياتــه فإنــه حيظــى ابحم ـرين الرعايــة الصــعية واحجــر التــام أثنــاء‬
‫مرضــه دون انقطــاع شــيء مــن راتبــه‪ .‬ولكــل فــرد احلــق يف الراحــة يف أوقــات الفـراغ‪ ،‬وال ســيما يديــد وقــت‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة االقتصادية املثلى ‪ ،‬ص(‪.)156‬‬
‫(‪ )1‬املالكي‪ ،‬عبد الرمحن‪َ ّ :‬‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة االقتصادية املثلى ‪ ،‬ص(‪.)158‬‬
‫(‪ )2‬انظر حول هذه املسألة‪ :‬املالكي‪ ،‬عبد الرمحن‪َ ّ :‬‬
‫معقول لساعات العمل‪ ،‬ويف عطالت دورية وأبجر وكلك أبن يعطـى العامـل يـوم راحـة يف احسـبوع وأايم‬
‫راحة يف السـنة وأايم احعيـاد وأيخـذ أجـرة هـذه احايم ‪ .‬وإكا وافتـه املنيـة أثنـاء العمـل يُعطـى تعويضـاً معينـاً‬
‫يسلم حهله يكون بنسبة السنوات اليت خدمها يف املصلعة أو املؤسسة أو املصنع‪.‬‬
‫أما معاش الشيخوخة‪ ،‬فيستعقه مـن بلـغ سـن التقاعـد وهـو يعمـل‪ ،‬فيعطـى إكراميـة ماليـة بنسـبة‬
‫سين خدمته أو معاشاً شهرايً بنسبة سين خدمته ال يصل إىل راتبه الذي تقاضاه أثناء عمله‪.‬‬
‫هــذا جممــل التأمينــات االجتِم ِ‬
‫اعيَّــة للمــوظفني والعمــال‪ ،‬ولكــن مــن هــو املســؤول عــن تقــدمي هــذه‬
‫َْ‬
‫التأمينات ‪ ،‬هل هو الد َّْولَة أو املؤسسة؟‬
‫إن اهتم ــام الد َّْولَــة يتمث ــل يف َس ـ ِّـن الق ـوانني ال ــيت تض ــمن ه ــذه التأمين ــات‪ ،‬وه ــذه التأمين ــات متعين ــة عل ــى‬
‫املستخدم سواء أكانت الد َّْولَة أو املؤسسة‪ ،‬فالد َّْولَة ال تعطي هـذه التأمينـات إال ملوظفيهـا وعماهلـا الـذين‬
‫تســتخدمهم هــي وأمــا مــن أيــن يؤخــذ هــذا املــال‪ ،‬فإنــه ينــال علــى اإلمجــال مــن حقــوق العمــال « فإنــه‬
‫ابلنسبة للدولة ختصم على العامل بنسبة معينة ‪ %5‬أو ‪ %10‬من أجره وتـدفع منهـا مـا يقابلـه وتسـتثمر‬
‫هــذا املبلــغ ابلـ ِّـرَاب وتــدفع منــه تعويضــات العمــال ومعــونتهم ومعاشــاهتم‪ .‬أمــا املوظفــون فتــدفع مــن خزينتهــا‬
‫تقاعــدهم‪ .‬وأمــا ابلنســبة لبــاقي املؤسســات فإهنــا ختصــم مــن أجــرة العامــل نســبة معينــة ‪ % 3‬أو ‪ %10‬أو‬
‫حـول هــذا املقـدار وتــدفع منهـا مــا يقابلـه وتســتثمر هـذا املــال ابل ِّـرَاب و مــع إعـاانت وتربعــات للعمـال وقــد‬
‫تساهم الدَّولَة يف كلك مسامهة ومن هذا املال املتجمع تدفع تلك التأمينات االجتِم ِ‬
‫اعيَّة»(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫َْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫االجت َماعيَّـة هـي مسـامهة العمـال جبـزء مـن أجـورهم ومسـامهة رب‬
‫« فمصادر التمويـل للتأمينـات ْ‬
‫العمــل مبقــدار يســاوي كلــك واســتثمار هــذه احمـوال ومســامهة احهــايل بشــيء مــن التربعــات‪ ،‬وقــد تســاهم‬
‫الد َّْولَة يف كلك جبزء ضئيل من املال »(‪. )2‬‬
‫اثني ـ ا‪ :‬الفق ـراء واحملرومــون‪ :‬إن االهتمــام أبصــعاب الفاقــة والبطالــة يف النِّظَــام الرأمســايل ال يكــون‬
‫بتقــدمي املــال وال بتــوفري الغــداء وامللــبس واملســكن وإمنــا هــو أتمــني العنايــة الطبيــة واخلــدمات االجتِم ِ‬
‫اعيَّــة‬
‫َْ‬
‫الالزمــة‪ ،‬فيــؤمن لــه التعلــيم وتفــتا لــه املشــايف للعــالج اجملــاِن ويعتــىن ابحطفــال الفق ـراء واحمهــات العجــزة‬
‫والفقـراء‪ ،‬وهــذه العنايــة الــيت تشــمل حــاالت البطالــة واملــرض والعجــز والرتمــل والشــيخوخة وريــري كلــك مــن‬
‫فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عـن إرادتـه احلـق يف الرعايـة اخلاصـة واحلمايـة االجتِم ِ‬
‫اعيَّـة مـن‬
‫َْ‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة االقتصادية املثلى ‪ ،‬ص(‪.)160‬‬
‫(‪)1‬املالكي‪ ،‬عبد الرمحن‪َ ّ :‬‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة االقتصادية املثلى ‪ ،‬ص(‪.)160‬‬
‫(‪)2‬املالكي‪ ،‬عبد الرمحن‪َ ّ :‬‬
‫تعلــيم جمــاِن وطبابــة جمانيــة وتــوفري لشــيء مــن الغــذاء والكســاء مــن قبيــل الصــدقات مب ــا ال يصــل إىل ســد‬
‫احلاجة‪ ،‬وإمنا وجبات طعام ولباس يف أايم الشتاء‪.‬‬
‫َساسـيَّة يف النِّظَـام الرأمسـايل ومثلـه نظـام اشـرتاكية الدولـة‪،‬‬
‫هذه هي خالصة ضـمان احلاجـات اح َ‬
‫الرأْ ُمساليَّــة مبــنا العمــال‬
‫حهنــا نظــام رأمســايل قــد جــرت تغطيتــه بلفــظ اال ْشـِـرتاكِيَّة إال أهنــا تزيــد علــى أتمينــات َّ‬
‫نصــيباً يف رأس املــال وتضــع حــداً أدىن حجــور العمــال وحــداً أقصــى للفائــدة واإلجــارة‪ ،‬وتقيــد املِْل ِكيَّــة يف‬
‫َساسـ ـيَّة ه ــي طريق ــة‬
‫كث ــري م ــن املـ ـواطن وت ــؤمم بع ــض املص ــاحل العام ــة‪ ،‬فطريقته ــا يف ض ــمان احلاج ــات اح َ‬
‫رأمسالية مع تغطيتها بزايدة بعض اححكام‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫َساسـيَّة عنايـة خاصـة هبـا وإمنـا تعـىن‬
‫وأما اال ْشرتاكيَّة احلقيقيـة‪ ،‬فإهنـا ال تعـىن بضـمانة احلاجـات اح َ‬
‫ابملساواة يف املِْل ِكيَّة مبنع ملكية كل ما ينتج وحصـر املِْل ِكيَّـة مبـا يسـتهلك فعسـب وتوجيـه عنايتهـا للعمـال‬
‫بشــكل خــاص‪ ،‬فــأدى هــذا إىل اخفــاض مســتوى املعيشــة يف البلــدان اال ْشـ ِـرتاكِيَّة حــىت لــوحظ يف أوج‬
‫تطبيقهــا حبــث أفرادهــا عــن الطعــام واحلاجــات هلــف القــط الــذي حبســه صــاحبه ومل يطعمــه إال مســاء ومل‬
‫جيعله يرى النور يف اآلفاق‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫ساسيَّة‬
‫ضمانـــــة اإلســــالم للحاجــــات األ َ َ‬
‫لقد رأينـا أن اإلسـالم أابح الت ََّملُّـك املشـروع هبـدف إشـباع احلاجـات عنـد اإلنسـان‪ ،‬ولكـن هـذه‬
‫َساسـيَّة‬
‫اإلابحة للملكيـة وللعمـل يف مصـادر االقتصـاد جنـدها يقـق متكـني كـل فـرد مـن إشـباع حاجاتـه اح َ‬
‫والكماليــة إال أهنــا ال يقــق ضــمان كــل فــرد فهــي تقــوم بتوزيــع الثــروة علــى النــاس إال أن هــذا التوزيــع ال‬
‫َساسيَّة لكل فرد مـن أفـراد الرعيـة إشـباعاً كليـاً وال يضـمن متكـني كـل فـرد‬
‫يضمن إشباع مجيع احلاجات اح َ‬
‫م ــن إش ــباع حاجات ــه الكمالي ــة عل ــى أك ــرب ق ــدر مس ــتطاع حن إابح ــة املِْل ِكيَّــة وإابح ــة العم ــل يف مص ــادر‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة االقتصادية القائمـة علـى أسـاس ضـمان احلاجـات لكـل فـرد‬
‫االقتصاد ال تكفي وحدها لتعقيق ّ َ‬
‫يف اجملتمــع‪ ،‬حن هــذه اإلابحــة متكــن احقــوايء مــن املِْل ِكيَّــة والعمــل‪ ،‬أمــا الضــعفاء أو الــذين مل يتمكنـوا مــن‬
‫َساسيَّة‪.‬‬
‫إجياد العمل فإهنم ال يتمكنون ابإلابحة وحدها من نوال حاجاهتم اح َ‬
‫ومــن أجــل كلــك شــرع اإلســالم أحكام ـاً شــرعية عــالوة علــى أحكــام إابحــة املِْل ِكيَّــة وإابحــة‬
‫العمل وتضمن اإلشباع لكل فرد ‪ ،‬وبذلك ضمن التوزيع والتمكني حفراد الرعية‪.‬‬
‫إال أ ّن هذه اححكام الش َّْرعية ليست ترقيعاً للنظام وال معاجلة للثغرات وال هـي خمتصـة ابلعمـال واملـوظفني‬
‫الرأْ ُمساليَّة واشرتاكية الد َّْولَة‪ ،‬وإمنا هي أحكام اثبتة من أحكام النِّظَـام تسـري‬
‫أو الفقراء احملرومني كما فعلت َّ‬
‫مع إابحة املِْل ِكيَّة والعمل دون انفصال وهي تعاجل كـل حالـة ال ثغـرات معينـة وجلميـع الرعيـة وليسـت لفئـة‬
‫خاصة كأحكام النفقة‪.‬‬
‫اإلسالميَّة؟ فإن الش َّْرع قد جعلها قسمني‪:‬‬
‫َساسيَّة يف َّ‬
‫الش ِر َيعة ْ‬
‫أما ما هي احلاجات اح َ‬
‫َساسيَّة لكل فرد من أفراد الرعية بذاتـه‪ ،‬فهـي املأكـل واملشـرب وامللـبس واملسـكن وقـد‬
‫احول‪ :‬احلاجات اح َ‬
‫فصلنا يف بياهنا سابقاً‪.‬‬
‫َساسيَّة للرعية كلها فهي احمن والتعليم والتطبيب‪.‬‬
‫الثاِن‪ :‬احلاجات اح َ‬
‫اإلســالميَّة‪ ،‬تضــمن‬
‫وجــدير ابلــذكر أن هنــاك تعليمــات وتنظيمــات وحقــوق جــاءت هبــا َّ‬
‫الشـ ِر َيعة ْ‬
‫َساسيَّة لكل فرد تتمثل يف اآليت‪:‬‬
‫ضماانً قطعياً احلاجات اح َ‬
‫‪ .1‬احصل أن اإلنسان يكفي نفسه بنفسه أبن يعمـل ويكـد ويكسـب وال يسـأل النـاس حاجـة‪ ،‬حن اليـد‬
‫العلي ــا خ ــري م ــن الي ــد الس ــفلى والعط ــاء خ ــري م ــن احخ ــذ وال عط ــاء إال بغ ــىن ‪ ،‬وال ري ــىن إال ابلعم ــل‬
‫دل عليــه حــديث االحتطـاب‪ .‬فسـؤال النــاس أو مــن ميــثلهم كالد َّْولَــة أمــر ريــري مرريــوب‬
‫والكســب‪ ،‬كمــا ّ‬
‫فيه ما دام اإلنسان قادراً على العمل واالكتساب املباح‪.‬‬
‫اإلســالميَّة أن تقــوم بتســهيل ســبل العم ــل‬
‫‪ .2‬وإكا كــان العمــل منــدوابً والس ـؤال حمظــوراً‪ ،‬فــإن علــى الد َّْولَــة ْ‬
‫والكسـب حفـراد الرعيـة‪ ،‬أبن توجـد العمل للعاطلني واملشاريع االقتصادية لتشغيل احفراد‪.‬‬
‫‪ .3‬فــإكا مل يوجــد عمــل للفــرد‪ ،‬أو وجــد وكــان الفــرد عــاجزاً عــن أدائــه بســبب طــارئ وجبــت لــه النفقــة‪ ،‬أمــا‬
‫َساسيَّة فقد عينه الش َّْرع تعييناً واضـعاً‪ ،‬ككـران‬
‫من يقوم ابإلنفاق الذي يقوم إبشباع هذه احلاجات اح َ‬
‫تفصــيلها يف نظــام النفقــة مــن هــذا الفصــل‪ ،‬وبضــمان النفقــة للزوجــة علــى الــزوج ولــألوالد علــى أبــيهم‬
‫والقريب على قريبه كي الرحم احملرم‪ ،‬واآلابء واحبناء قد ضمن إشباع احلاجات جلميع احفراد‪.‬‬
‫‪ .4‬وإكا مل يستطيع الفرد االكتساب‪ ،‬أو مل جيد ما يكتسب به منـه‪ ،‬وال يوجـد مـن ينفـق عليـه م ـن أقارب ـه‪،‬‬
‫فإنه يف هـذه احلالـة جيب س ّد حاجته من أموال الزكاة اليت هي حق لكل فرد فقري‪.‬‬
‫َساس ـيَّة لكــل فــرد بذاتــه‪ ،‬أمــا مــن حيــث ضــمان احلاجــات‬
‫هــذا مــن حيــث ضــمان احلاجــات اح َ‬
‫َساسـيَّة حهنـا‬
‫َساسيَّة للرعية كلها‪ ،‬فإن الش َّْرع جعل على الد َّْولَـة مباشـرة ضـمان تـوفري هـذه احلاجـات اح َ‬
‫اح َ‬
‫مـن احلقـوق الطبيعيـة واخلـدمات العامـة واملصـاحل املهمــة لإلنسـان يف احليـاة‪ ،‬فقـد روى الشـيخان عـن عبــد‬
‫ـال ‪ « :‬أال كلك ــم ر ٍاع وكلك ــم مس ــؤول ع ــن رعيت ــه‪،‬‬
‫هللا بــن عم ــر رض ــي هللا عنهمــا أن رس ــول هللا ‪ ‬قَـ َ‬
‫فاإلمــام الــذي علــى النــاس ر ٍاع وهــو مســؤول عــن رعيتــه‪ ، )1(» ...‬ويف روايــة ‪«:‬فــاألمري الــذي علــى‬
‫(‪)2‬‬
‫َساسيَّة املتمثلة يف‪ :‬احمـن‬
‫الناس ر ٍاع وهو مسؤول عن رعيته» وجعل من املسئولية توفري احلاجات اح َ‬
‫ـال ‪ «: ‬مـن‬
‫والتطبيب والتعليم‪ ،‬ال فرق بني مسلم و ريري مسلم‪ ،‬وال بني ريين وفقري‪ ،‬فأمـا احمـن فقـد قَ َ‬
‫أصبـح آمنـا يف سربـه‪ ،‬معاىف يف بدنه‪ ،‬عنده قـوت يومـه فكأمنا حيزت له الدنيا »(‪ )3‬فقـد جعـل احمـن‬
‫َساسيَّة‪ ،‬وقد متثل هذا احمن بنوعيه يف حيـاة‬
‫والصعة حاجة أساسية كالقوت‪ ،‬فيكوانن من احلاجات اح َ‬
‫الرســول ‪ ‬والصــعابة مــن بعــده مــن خــالل تســيري الغــزوات ورفــع رايــة اجلهــاد وهــو مــا يطلــق عليــه ابحمــن‬
‫اخل ــارجي ال ــذي ض ــمنته الد َّْولَــة ووفرت ــه حف ـراد الرعي ــة‪ ،‬وم ــن احم ــن ال ــداخلي م ــن خ ــالل تطبي ــق أحك ــام‬
‫العقوابت على املتعدين اجملاوزين للعدود‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـال ‪ « :‬مثـل مـا بعثـين هللا بـه مـن‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬
‫وأما التعليم فقد أخرج البُ َخا ِر ّ‬
‫ي عن أيب موسى عن الن ّ‬
‫اهلــدو و العمــل كمثــل الغيــث أصــاب أرضـ ا َ فكــان منهــا نقبــة قبلــت املــاء فأنبتـت الكــو والعشــب‬
‫الكثري وكانت منها أجادب أمسكت املاء فنفع هللا هبـا النـاس فشـربوا وسـقوا وزرعـوا وأصـابت منهـا‬
‫طائفة أخرو إمنا هي قيعان ال متسك ماء وال تنبـت كـو‪ ،‬فلـذلك مثـل مـن فقـه يف ديـن هللا ونفعـه مـا‬
‫ـال‬
‫بعثين هللا به فعلم وعلم‪ ،‬ومثل مل يرفع بذلك رأسا ومل يقبل هدو هللا الـذي أرسـلت بـه » (‪ . )4‬وقَ َ‬
‫(‪ )1‬متفــق عليــه‪ :‬انظــر‪ِ :‬‬
‫يعــوا َّ‬
‫ـول َوأُويل األَ ْمــر مـ ْن ُك ْم ‪ ‬رقــم‬
‫الر ُسـ َ‬
‫يعــوا َّ‬
‫اََ َوأَط ُ‬
‫ي‪ ،‬كتــاب اححكــام‪ ،‬ابب قولــه تعــاىل‪  :‬أَط ُ‬
‫َ‬
‫صــعْيا البُ َخــا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫وصــعْيا مســلم‪ ،‬كتــاب اإلمــارة‪ ،‬ابب فضــل اإلمــام العــادل‪ ،‬رقــم (‪،)1459/3( ،)1829( )20‬‬
‫(‪ )111/13( ،)7137‬واللفــظ لــه َ‬
‫وص ِعْيا ابن ِحبِّان (‪.)342/10‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ي (‪.)901/2‬‬
‫(‪َ )2‬‬
‫صعْيا البُ َخار ّ‬
‫صـ ِـعْيا ابــن ِحبِّــان (‪ )446/2‬عــن أيب الــدرداء واللفــظ ل ــه‪ ،‬و ُســنَن ابــن ماجــة (‪ ،)1317/2‬م ـوارد الظم ـ ن (‪ ،)620/1‬وجمم ــع‬
‫(‪َ )3‬‬
‫ِ‬
‫ـال‬
‫الرتِم ِـذي‪ ،‬وقَ َ‬
‫وشعب اإلميان (‪ ،)293/7‬واحدب املفرد (‪ ،)112/1‬والرترييب والرتهيب(‪ ،)335/1‬وقَ َ‬
‫الزوائد (‪ُ ،)289/10‬‬
‫ال رواه ّ ْ‬
‫حديث حسن ريريب‪.‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )4‬رواه البخـ ــا ِري يف ِ‬
‫ِِ‬
‫الس ـ ــنَن الك ـ ــربى‬
‫صـ ــعْيعه (‪ ،)42/1‬واللف ـ ــظ لـ ــه ومس ـ ــلم (‪َ ،)1787/4‬‬
‫َُ ّ َ‬
‫وصـ ــعْيا اب ـ ــن حبّـ ــان (‪ ،)177/1‬و ُ‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪ ،)399/4‬والرترييب والرتهيب (‪.)55/1‬‬
‫(‪ُ ،)427/3‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َساس ـيَّة‬
‫‪ « : ‬م ــن أشـ ـراط الس ــاعة أن يرف ــع العل ــم ويثب ــت اجله ــل » ‪ .‬فالغي ــث م ــن احلاج ــات اح َ‬
‫وكذلك اهلدى والعلم إضافة إىل اعتبار العلم ضرورة ملا أشار من عالمة انتهاء عمارة هذه الدنيا بفقده‪.‬‬
‫وعلــى كلــك‪ « ،‬فينبغــي علــى دولــة اإلســالم أن هتيــئ ســبل التعلــيم والثَّقافَــة لألف ـراد حن اإلل ـزام‬
‫القانوِن يف شريعة اإلسالم ال يتعقق مبعناه الص ِعيا إال بعـد تـوفري التوجيـه ِ‬
‫الفكْـري والنفسـي عـن طريـق‬
‫َ ْ‬
‫الرتبية والتعليم والثَّقافَة »(‪.)2‬‬
‫وقــد اضــطلعت دولــة اإلســالم والقــائمون عليهــا منــذ وجــدت تبيــني اهلــدى للمســلمني وللنــاس‬
‫أمجعــني ‪ ،‬ولقــد كــان ‪ ‬يرســل إىل شــىت اجلهــات يف شــبه اجلزيــرة العربيــة مــن يعلــم النــاس ومــا أن بــدأت‬
‫طالئ ــع اإلس ــالم يف يث ــرب ح ــىت أرس ــل إليه ــا علي ــه ص ــلوات هللا مص ــعب ب ــن عم ــري(‪ )3‬وعب ــد هللا ب ــن أم‬
‫مكتــوم(‪ )4‬بعــد بيعــة العقبــة الثانيــة‪ ،‬ويف خــرب بئــر معونــه أن الرســول ‪ ‬أرســل ســبعني شــاابً يســمون الق ـراء‬
‫إجابــة لــدعوة عــامر بــن مالــك‪ ،‬وقــد تكلــف رســل اهلدايــة هــؤالء حيــاهتم يف الطريــق نتيجــة عــدوان وقــع‬
‫علــيهم(‪ .)5‬ويف ريــزوة بــدر مل يتــوفر حانس مــن احســرى فــداء ‪ « ،‬فجعــل الرســول ‪ ‬فــداءهم أن يعلم ـوا‬
‫الش ـ ْـعِيب (‪ :)7‬ك ــان فــداء احس ــرى م ــن أخ ــل ب ــدر أربع ــني‬
‫أوالد احنصــار الكتاب ــة »(‪ ، )6‬وروي ع ــن ع ــامر َّ‬
‫أوقية‪ ،‬فمن مل ميـن عنـده علّـم عشـرة مـن املسـلمني فكـان زيـد بـن حارثـة(‪ )8‬م ّـم عُلّـم »(‪ .)9‬ومـن املعلـوم أن‬
‫صـ ِـعيْعه (‪ )43/1‬عـن أنــس بـن مالــك ويف روايــة يكثـر اجلهــل (‪ ،)2005/5‬ويف روايـة ‪ :‬ويظهــر اجلهــل (‪ ،)2497/6‬ورواه‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )1‬رواه البُ َخـا ِر ّ‬
‫مسلم (‪ ،)2056/4‬وص ِعيا ابن ِحبِان (‪ ،)171/15‬وسنَن ِ ِ ِ‬
‫السنَن الكربى (‪.)455/3‬‬
‫َ ْ‬
‫ُ ّْ‬
‫ّ‬
‫الرتمذي(‪ُ ،)491/4‬‬
‫(‪ )2‬عثمان ‪ ،‬د‪ .‬حممد فتعي‪ :‬من أصول ِ‬
‫الفكْر السياسي اإلسالمي‪ ،‬ص(‪.)305‬‬
‫(‪ )3‬مصــعب بــن عمــري بــن هاشــم بــن عبــد منــاف العبــدري ‪ ،‬قَـ ِـدم املدينــة قبــل النــيب ‪ ‬وشــهد بــدراً واستشــهد أبُحــد‪ .‬حليــة احوليــاء (‪ ،)108/1‬وســري‬
‫أعالم النبالء ‪.)145/1( ،‬‬
‫(‪ )4‬عبــد هللا بــن أم مكتــوم احعمــى ‪ ،‬مــؤكن رســول هللا ابملدينــة مــع بــالل ‪ ،‬وهــو ابــن خــال خدجيــة بنــت خويلــد ‪ ،‬قَــدم املدينــة مــع ُمصــعب بــن ُعمــري‪.‬‬
‫االستيعاب‪.)1199/3( ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر احلديث الوارد يف ِ‬
‫ِ‬
‫ال أنس كنّـا نسـميهم الق ّـراء حيطبـون يف‬
‫َّيب ‪ ‬بسبعني من احنصار ‪ ،‬قَ َ‬
‫َ‬
‫صعيْا البُ َخا ِر ّ‬
‫ي (‪ ،)1115/3‬وفيه ‪ « :‬أمرهم الن ّ‬
‫النهار ويصلون ابلليل »‪.‬‬
‫(‪ُ )6‬م ْسنَد أمحد (‪ )247/1‬من حديث عكرمة عن عبد هللا بن َعبَّاس‪.‬‬
‫الشـ ْـعِيب ‪ ،‬ولــد ســنة (‪ 16‬هجريــة) رأى عليّـاً وريــريه مــن ك ـرباء‬
‫(‪ )7‬هــو عــامر بــن ش ـراحيل بــن كي كبــار ‪ ،‬اإلمــام احلــافظ عالّمــة عصــره‪ ،‬اهلمــذاِن‪ ،‬مثّ َّ‬
‫ـال عنـه مكعـول ‪ :‬مـا رأيـت‬
‫الصعابة‪ .‬كان يقول ‪ :‬ما كتبت سـوداء يف بيضـاء ‪ ،‬وال حـ ّدثين رجـل حبـديث إال حفظتـه ‪ .‬تـويف سـنة (‪ 401‬هجريـة ) قَ َ‬
‫مزي ‪ .)643/2( ،‬وطبقات ابن سعد (‪ .)246/6‬وسري أعالم النبالء‪.)294/4( ،‬‬
‫أفقه منه ‪ .‬انظر‪ :‬هتذيب الكمال لل ّ‬
‫(‪ )8‬زيـد بــن حارثـة بــن شـراحيل (أو شــرحبيل)‪ ،‬احمـري الشــهيد ‪ ،‬املســمى يف سـورة اححـزاب‪ ،‬سـيد املـوايل وأسـبقهم إىل اإلســالم‪ .‬سـري أعــالم النــبالء ‪،‬‬
‫ُ‬
‫(‪.)230/1‬‬
‫(‪ )9‬عثمان‪ ،‬د‪ .‬حممد فتعي‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص(‪.)306‬‬
‫بــدل الغــداء هــو ملــك لبيــت املــال كاملــال الــذي أخــذه مــن احســرى اآلخـرين يف املعركــة نفســها وضــمه إىل‬
‫بيــت املــال‪ ،‬فيكــون َســيِّدان حممــد ‪ ‬جعــل التعلــيم مقابــل الغــداء ومعنــاه حقيقــة أنــه عليــه الصــالة والســالم‬
‫دفــع للمعلمــني أجــرة مــن بيــت املــال‪ .‬وهــذا ممــا يــدل علــى أن التعلــيم ممــا جيــب علــى الدولــة‪ ،‬وقــد حـ ّدث‬
‫ـال ‪ :‬كــان يف املدينــة ثالثــة معلمــني يعلمــون الصــبيان وكــان عمــر بــن اخلطـَّـاب‬
‫الدمشــقي عــن ابــن عطــاء قَـ َ‬
‫يرزق كل واحد منهم مخسة عشر يف كل شهر(‪.)1‬‬
‫هـذا فيمــا يلــزم املسـلم يف شــؤون حياتــه اخلاصـة أمــا ريــريه مـن املعلومــات‪ ،‬فهــي فـرض كفايــة علــى‬
‫املسلمني ال يسقط عنهم اإلمث إال إكا قام به البعض الذي يصل به الكفاية وكلك مثـل الطـب واهلندسـة‬
‫والصــناعات والكه ـرابء وريــريه ســيما وأهنــا مــن املعــارف الــيت تنفــع عامــة املســلمني وممــا حيتــاجون إليهــا يف‬
‫حياهتم‪.‬‬
‫ـال ‪ « :‬ف ّـر مـن اوـذوم كمـا تف ّـر‬
‫وأما التطبيب ‪ ،‬فإن رسول هللا ‪ ‬أمر ابلوقاية بكل سبيل ‪ ،‬ف َق َ‬
‫من األسد »(‪ ، )2‬وعن سعد بن أيب وقّاص(‪ )3‬عن أبيه أنه مسعه يسأل أسـامة بـن زيـد ‪ :‬مـاكا مسعـت مـن‬
‫ـس أرســل علــى طائفــة مــن‬
‫ال أســامة‪ :‬قَـ َ‬
‫رســول هللا؟ ‪ ‬يف الطــاعون؟ ف َقـ َ‬
‫ـال رســول هللا‪ « :‬الطــاعون رجـ ٌ‬
‫بين إسرائيل أو على من كان قبلكم‪ ،‬فـإذا مسعـتم بـه أبرض فـال تقـدموا عليـه‪ ،‬وإذا وقـع أبرض وأنـتم‬
‫ـال ‪:‬‬
‫هبا‪ ،‬فال خترجوا فرارا منه »(‪ . )4‬كذلك أمر ‪ ‬ابلتداوي عند املرض‪ .‬فعـن أنـس رضـي هللا عنـه قَ َ‬
‫(‪)6‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ِ‬
‫ـيب ‪ ‬بلق ــاح وأن يشـ ـربوا م ــن أبواهل ــا‬
‫« ق ــدم أانس م ــن عك ــل أو عرين ــة ف ــاجتووا املدين ــة ف ــأمرهم النَّ ـ ّ‬
‫ِ‬
‫َّيب ‪.)7(» ... ‬‬
‫وألباهنا‪ ،‬فانطلقوا ‪ ،‬فلما صعوا قتلوا راعي الن ّ‬
‫َساسيَّة لكل فرد ويعمل لرفاهيته‪ ،‬ص(‪.)31‬‬
‫(‪ )1‬البدري‪ ،‬عبد العزيز‪ :‬اإلسالم ضامن للعاجات اح َ‬
‫(‪ )2‬رواه البخا ِري يف ِ‬
‫وسـنَن البَـْيـ َه ِق ّـي الكـربى بلفـظ ‪:‬‬
‫َُ ّ َ‬
‫الرمد‪ ،‬عن ايب هريرة واللفـظ لـه (‪ُ ،)2158/5‬‬
‫صعْيعه‪ ،‬ابب اإلمثد والكعل من ّ‬
‫وم ْسنَد أمحد (‪.)443/2‬‬
‫فرارك من احسد‪ ،‬أو قَ َ‬
‫ال ‪ :‬من احسود (‪ ،)218 ،135/7‬ومصنف بن أيب شيبة (‪ُ ،)311/5‬‬
‫ومحـل علـى أعنـاق الرجـال‬
‫(‪ )3‬سعد بن ايب وقاص بن مالك القرشي‬
‫البدري‪ ،‬شهد بدراً وأول من رمـى بسـه ٍم يف سـبيل هللا‪ .‬مـات يف قصـره ابلعقيـق ‪ُ ،‬‬
‫ّ‬
‫إىل املدينة سنة (‪ 55‬هـ) ‪ ،‬وصلّى عليه مروان بن احلكم‪ .‬تذكرة احل ّفاظ ‪ .)22/1( ،‬مشاهري علماء احمصار ‪.)8/1( ،‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخ ــا ِري يف ص ـ ِـعيعه (‪ ،)1281/3‬واللف ــظ ل ــه‪ ،‬ومس ــلم (‪ِ ،)1737/4‬‬
‫وس ــنَن الرتم ــذي‪،‬‬
‫َُ ّ َ ْ‬
‫َ‬
‫وص ــعْيا اب ــن ح ـ ّـنب (‪ُ ،)217/7‬‬
‫(‪.)378/3‬‬
‫لي‪.‬‬
‫(‪ُ )5‬ع َكل‪ :‬قبيلة فيهم ريباوة وقلّة فهم ‪ ،‬وهلذا يـُ َقال‪ :‬لكل من فيه ريفلة ‪ُ :‬ع َك ّ‬
‫انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)854/4( ،‬‬
‫وعرينة لفظ ُمصغر‪ .‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)758/4( ،‬‬
‫(‪ُ )6‬عرينة‪ :‬حي من اليمن‪ُ ،‬‬
‫ص ِعْيعه‪ ،‬ابب‪ :‬أبوال اإلبل والدواب والغنم ومرابضها (‪ )92/1‬واللفظ له وراوه مسـلم وريـريه مبعنـاه (‪-1296/3‬‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )7‬رواه البُ َخا ِر ّ‬
‫‪ ،)1298-1297‬وصعا ابن ِحبِان (‪ ،)321/10‬وسنن ِ ِ ِ‬
‫وسنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى (‪.)127/8‬‬
‫ُ َ ّْ‬
‫ّ‬
‫الرتمذي(‪ُ ،)106/1‬‬
‫وقد فعل َسيِّدان عمر بن اخلطَّاب حينمـا م َّـر بطريقـه إىل الشـام علـى قـوم جمـذومني أن فـرض هلـم‬
‫ش ــيئاً م ــن امل ــال‪ ،‬وق ــد س ــار عل ــى ه ــذا اخللف ــاء وال ــوالة فخص ــص الولي ــد ب ــن عب ــد املل ــك(‪ )1‬أعطي ــات‬
‫للمجذومني وبىن ابن طوالن يف موضع مبسجده يف مصر ميضأة وخزانة شـراب هبـا احدويـة واحشـربة كمـا‬
‫عني طبيباً يعاجل املرضى(‪.)2‬‬
‫« فالتطبيب واجب على الد َّْولَة مـن انحيـة كونـه شـأانً مـن الشـؤون الواجـب رعايتهـا ومـن انحيـة إ ّن عـدم‬
‫توفري الطبيب ضرر على الناس‪ ،‬فكان من هاتني الناحيتني فرضاً على الد َّْولَة»(‪.)3‬‬
‫وفوق هذا فإن الرسول ‪ ‬أهدي إليـه طبيبـاً فجعلـه للمسـلمني‪ ،‬فكـون الرسـول جـاءت اهلديـة لـه‬
‫ومل يتصــرف هبــا ومل أيخــذها‪ ،‬بــل جعلهــا للمســلمني دليــل علــى أن هــذه اهلديــة ممــا هــو لعامــة املســلمني‬
‫وليست له‪.‬‬
‫َساسيَّة جلميـع النـاس الواجـب علـى‬
‫فهذه احمور الثالث‪ :‬احمن والتعليم والتطبيب من احمور اح َ‬
‫دل عليــه مــن‬
‫الد َّْولَــة توفيهــا هلــم‪ ،‬وهــي واجــب للفقــري والغــين س ـواء حهنــا حاجــة أساســية عامــة للنــاس ملــا ّ‬
‫تعليم أوالد املسلمني يف بدر وأنه كان عام يشمل الفقري والغين‪.‬‬
‫ريــري أنــه وإن كــان جيــب علــى الد َّْولَــة توفريهــا للنــاس‪ ،‬فــال مينــع أحــد أن يوفرهــا لنفســه كــأن يقــيم‬
‫ِ‬
‫ـيب ‪ ‬أن احجــرة‬
‫حارسـاً لــه ولبيتـه أو يعلــم أوالده عنــد معلـم أو يتــداوى عنــد طبيـب أبجــرة ملــا روى عـن النَّـ ّ‬
‫على التعليم من قول ــه‪ « :‬إن أحق ما أخذمت عليه أجرا كتـاب هللا »(‪ )4‬ومـن قولـه يف التطبيـب عـن أنـس‬
‫ِ‬
‫َّيب ‪ ‬ريالماً فعجمه فأمر له بصـاع أو صـاعني»(‪ )5‬وكانـت احلجامــة يف كلــك‬
‫بن مالك قَ َ‬
‫ال ‪ « :‬دعا الن ّ‬
‫الوقـت من احدوية اليت يتطبب هبا مما يدل على جواز أن يوفر لنفسه التطبيب‪.‬‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اس ـيَّة االقتص ــادية يف‬
‫َساس ـيَّة ‪ ،‬وهبــذا تك ــون ّ َ‬
‫هــذا هــو الض ــمان إلشــباع مجي ــع احلاج ـات اح َ‬
‫اإلســالم قــد يققــت هبــذه اححكــام يقق ـاً كليّ ـاً‪ « ،‬فــإن إجيــاد أعمــال للقــادرين‪ ،‬وضــمان نفقــة الفق ـراء‬
‫(‪ )1‬الوليد بن عبد امللـك اخلليفـة احمـوي بُويـع لـه يـوم مـات والـده سـنة (‪ 86‬هــ) كثـرت يف ّأايمـه الفتوحـات يف إسـبانيا وخورسـان وبـالد الـرتك واهلنـد ‪،‬‬
‫تُويف سنة (‪ 96‬هـ)‪.‬‬
‫َساسيَّة لكل فرد ويعمل لرفاهيته‪ ،‬ص(‪)31-30‬‬
‫(‪ )2‬البدري‪ ،‬عبد العزيز‪ :‬اإلسالم ضامن للعاجات اح َ‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة االقتصادية املثلى ‪ ،‬ص(‪.)180‬‬
‫(‪ )3‬املالكي‪ ،‬عبد الرمحن‪َ ّ :‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجة يف ُسنَنه‪.)156/1( ،‬‬
‫ـاع أو‬
‫صـ ِـعْيعه‪ ،‬ابب ‪ :‬مــن كلّـ ّـم مـوايل العبــد أن خيففـوا عنــه مــن خراجــه‪ )797/2( ،‬واللفــظ لــه‪ ،‬ومســلم بلفــظ بصـ ٍ‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )5‬رواه البُ َخــا ِر ّ‬
‫وسنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى‪.)337/9( ،‬‬
‫وم ْسنَد أيب عوانه‪ُ ،)358/3( ،‬‬
‫ُمد‪ُ ،)1205/3( ،‬‬
‫َساس ـيَّة لكــل فــرد مــن‬
‫العــاجزين حقيقــة والعــاجزين حكم ـاً‪ ،‬يتعقــق هبــا ضــمان إشــباع مجيــع احلاجــات اح َ‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة االقتصادية املثلى يف اإلسالم(‪.)1‬‬
‫أفراد الرعية إشباعاً كليّاً‪ ،‬وبه يتم يقق ّ َ‬
‫المطلب الرابــع‬
‫تحقيـــق قاعـــدة الرفـــاه فــي المجتمـــع‬
‫اإلسالمــــي‬
‫إ ّن اإلســالم بعقيدتــه وأفكــاره وأنظمتــه ومفاهيمــه ال بـ ّد وأن يتمثــل يف ســلوك أفـراده ‪ ،‬فهــو لــيس‬
‫جمموعة إرشادات ومواعظ وال مثالً وأخيلة وإمنا عقيدة ونظـام ال بـد أن يتمثـل يف الشخصـيات والوقـائع‪،‬‬
‫وهــذا مــا جعــل منــاكج إنســانية تعــيش ووقــائع عمليــة تتعقــق وســلوك وتصــرفات تشــهد ابلعــني‪ ،‬وتســمع‬
‫ابحكن وترتك آاثرها يف واقع احلياة‪ ،‬ويف أطوار التـاريخ وكأمنـا كـان روحـاً يتلـبس هبـذه الشـخوص فيعوهلـا‪،‬‬
‫ويص ــوريها ص ــيارية جدي ــدة وينش ــئها نش ــأة أخ ــرى‪ .‬إن ــه اإلس ــالم ال ــذي ش ــهد العه ــود الس ــالفة يف أروع‬
‫التطبيقات العملية يف شىت ميادين العدل االقتصادي بني الناس ويف سبيل توفري ويقيق وضمان مسـتوى‬
‫العيش ووصوالً إىل يقيق الرفاة لكل الناس‪.‬‬
‫العدالَـة االقتصــادية املثلــى‬
‫وتلـك شــهادة مـن بطــون أوليــاء احمـور يقــدموهنا إىل العـامل ليــدلل علــى َ‬
‫ٍ‬
‫مطلب خاص دون وصـلها يف منابتهـا عـرب املباحـث خشـية أن تضـيع بـني السـطور ‪،‬‬
‫آليت أن أقدمها يف‬
‫فال تشكل تياراً حيّاً قوايً جياشاً‪.‬‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسيَّة االقتصادية املثلى ‪ ،‬ص(‪.)181‬‬
‫(‪ )1‬املالكي‪ ،‬عبد الرمحن‪َ ّ :‬‬
‫‪ -1‬تعزيز األموال يف كل والية‪:‬‬
‫يف سـبيل جعـل حكـام الـوالايت أكثـر قـدرة علـى احلركـة والعطـاء أقـر عمـر بـن عبـد العزيـز نظامـاً‬
‫ال مركـزايً يف بيــت املــال سـواء يف جبايــة احمـوال أو يف صــرفها فطبــق بــذلك نوعـاً مــن االكتفــاء الــذايت يف‬
‫كل والية‪ ،‬يف جباية احموال وصرفها على احتياجاهتا احمللية‪.‬‬
‫وكــي يعــزز عمــر بــن عبــد العزيــز هــذا اإلج ـراء جعــل تبــادل املعــوانت املاليــة بــني الواليــة واملركــز‬
‫احساســي يف العاصــمة أمـراً مفتوحـاً‪ ،‬وكلــك لســد العجــز املــايل يف أي مــن الــوالايت يف حــال حدوثــه ويف‬
‫السي ِ‬
‫ِ‬
‫اسـيَّة‬
‫احلوار التايل بني عمر وعامله على إحدى الوالايت ْ‬
‫اإلسالميَّة «أبو جملز » صورة واضعة هلذه ّ َ‬
‫املالية املرنة‪.‬‬
‫ـال أبــو جملــز لعمــر بــن عبــد العزيــز‪ « :‬إنــك وضــعتنا مبنقطــع مــن‬
‫فقــد نقــل الطـَّ َـربي يف اترخيــه‪ :‬قَـ َ‬
‫ـال أبـو جملــز‪ « :‬أهـو لنـا أم‬
‫ال عمـر‪ « :‬اي أاب جملـز قبلـت احمـر» ‪ ،‬قَ َ‬
‫الرتاب(‪ ،)1‬فامحل إلينا احموال‪ ،‬ف َق َ‬
‫ـال أبــو جملــز‪ « :‬فــال أنــت‬
‫ـال عمــر ‪ « :‬هــو لكــم إكا أقصــر خ ـراجكم عــن أعطيــاتكم»‪ .‬قَـ َ‬
‫لــك؟ » ف َقـ َ‬
‫ـال عمــر‪« :‬أمحلـه إلـيكم إن شـاء‬
‫يمله إلينا‪ ،‬وال حنن حنمله إليك‪ ،‬وقد وضـعت بعضـه علـى بعـض » ف َق َ‬
‫هللا»(‪.)2‬‬
‫ويف رسالة أخرى بعث هبا إىل عقبة بن زرعة الطائي(‪ )3‬عامله على والية خراسـان كتـب لـه فيهـا‬
‫يقــول‪ :‬إن كــان اخلـراج‪-‬عنــدكم‪ -‬كفافـاً حعطيــاتكم فــذاك‪ ،‬وإال فاكتــب إيل‪ ،‬حــىت أمحــل إليــك احمـوال‪،‬‬
‫فتوفِّر هلم أعطياهتم‪ ،‬فقام عقبـة إبحصـاء اخلـراج‪ ،‬فوجـده يفضـل علـى أعطيـاهتم‪ ،‬فكتـب إىل عمـر بـذلك‪،‬‬
‫فأجابه عمر ‪ « :‬أن أقسم الفضل يف أهل احلاجة »(‪.)4‬‬
‫من خالل هذه التطبيقات العملية ندرك أن اإلسـالم قـد نظّـم وحـدة االقتصـاد يف الد َّْولَـة فجعـل‬
‫بيوت احموال كلها بيتاً واحداً متضـامناً‪ ،‬فلـو اسـتغنت واليـة وعجـزت واليـة أخـرى‪ ،‬سـدت الواليـة الغنيـة‬
‫عجــز احخــرى‪ ،‬وقــد طبــق عمــر بــن عبــد العزيــز هــذه القاعــدة‪ ،‬فــأمر أن تُسـ َّـد واليــة الشــام حاجــة واليــة‬
‫(‪ )1‬مبنقطع الرتاب‪ :‬أي منطقة جرداء قليلة الدخل واحملصول‪.‬‬
‫(‪ )2‬خليل‪ ،‬د‪ .‬عماد الدين‪ :‬مالما االنقالب اإلسالمي يف خالفة عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬ص(‪.)125‬‬
‫(‪ُ )3‬عقبة بن زرعة الطائي‪ ،‬روى عن علي و معاوية وروى عنه الوارث بن صخر‪ .‬انظر ‪ :‬الثقات‪.)227/5( ،‬‬
‫(‪)4‬خليل‪ ،‬د‪ .‬عماد الدين ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص(‪.)126‬‬
‫اإلســالميَّة وح ــدة‬
‫الع ـراق يف رد املظــامل‪ ،‬حــني مل يكــف مــال الع ـراق يف ّ‬
‫ردهــا‪ ،‬وهك ــذا ص ــارت الوالي ــات ْ‬
‫اقتصادية متكاملة ومتساندة‪ ،‬يسد بعضها حاجات بعض(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬تعزيز املرافق العامة‪:‬‬
‫َساس ـيَّة للدول ــة يف اإلس ــالم أن َهت ـتم ابملراف ــق العام ــة‪ ،‬وأن تعم ــل عل ــى تعزيزه ــا‬
‫م ــن الوظ ــائف اح َ‬
‫وتطويرها‪ ،‬وإثرائها وكل مرفق عام يشرتك فيه العمـوم‪ ،‬ويتعقـق بـه النفـع العـام مـن ريـري اختص ـاص أبح ـد‪،‬‬
‫َساسيَّة للدول‪ ،‬تقوم به وتشرف عليه‪.‬‬
‫يعتبـر االهتمـام بـه وظيفـة من الوظائف اح َ‬
‫ومــن التطبيقــات العمليــة مــا نقــل عــن عمــر بــن اخلطـَّـاب رضــي هللا عنــه يف التوســعة علــى العامــة‬
‫واهتمامه بطرق املواصالت الربيّة والبعريّة والنهريّة‪ ،‬تيسرياً للسبل على الناس‪ ،‬وتنشـيطاً للتجـارة ‪ ،‬وتـوفرياً‬
‫للطرق املتنوعة هلا‪.‬‬
‫فقد كتب عمر بن اخلطَّاب إىل َع ْمرو بن العاص(‪ )2‬عامله على واليـة مصـر‪ ،‬أن يقـدم عليـه هـو‬
‫ومجاعة من أهل مصر ليطلعهم على رأيه يف حفر خليج يصل النيـل ابلبعـر فتقصـر بـذلك املسـافات بـني‬
‫ال عمر بن اخلطَّاب رضي هللا عنـه ‪ « :‬اي َع ْمـرو‪ ،‬إن هللا فـتا علـى املسـلمني‬
‫الوالايت‪ ،‬فقدموا عليه‪ ،‬ف َق َ‬
‫أحببت من الرفق أبهل احلـرمني والتوسـيع علـيهم حـني‬
‫مصر‪ ،‬وهي كثرية اخلري والطعام وأُلقي يف روعي ملا‬
‫ُ‬
‫فتا هللا عليهم مصر وجعلها قوة هلم وجلميع املسلمني‪ :‬أن أحفر خليجاً من نيلها حـىت يسـيل يف البعـر‪،‬‬
‫فهو أسهل ملا نريد من محل الطعام إىل املدينة ومكة‪ ،‬فإن محلـه علـى الظهـر ( أي علـى ظهـر اإلبـل ب ّـراً )‬
‫يبعد‪ ،‬وال نبلغ منه ما نريد‪ ،‬فانطلق أنت وأصعابك فتشاوروا على كلك حىت يعتدل فيه رأيكم »‪.‬‬
‫فانطلق َع ْمرو بن العاص‪ ،‬فأخرب بذلك من كان معه مـن أهـل مصـر‪ ،‬فثقـل كلـك علـيهم وقَـالوا‪:‬‬
‫نتخوف أن يدخل يف هـذا ضـرر علـى أهـل مصـر‪ ،‬فنـرى أن تُعظّـم كلـك علـى أمـري املـؤمنني ونقـول لـه‪« :‬‬
‫إن هذا احمر ال يعتدل وال يكون‪ ،‬وال جند إليه سبيال‪ ،‬فرجع َع ْمرو إىل عمـر بـن اخلطَّـاب فضـعك عمـر‬
‫ـال ‪ « :‬والــذي نفســي بيــده لكــأِن أنظــر إليــك اي َع ْمــرو وإىل أصــعابك حــني أخــربهتم مبــا‬
‫حــني رآه وقَـ َ‬
‫أمـرتكم بــه مــن حفــر اخللـيج‪ ،‬فثقــل كلــك علــيهم وقَــالوا‪ :‬يــدخل يف كلــك ضــرر علــى أهــل مصــر‪ ،‬فعجــب‬
‫ـال ‪ :‬صــدقت وهللا اي أمــري املــؤمنني لقــد كــان احمــر علــى مــا ككــرت‪،‬‬
‫َع ْمــرو بــن العــاص مــن قــول عمــر وقَـ َ‬
‫ال عمر‪ :‬انطلق اي َع ْمـرو بعزميـة مـين حـىت َّـد يف كلـك وال أييت عليـك احلـول حـىت تفـرغ منـه إن شـاء‬
‫ف َق َ‬
‫(‪َ )1‬سيِّد احهل‪ ،‬عبد العزيز‪ :‬حضارة اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)153‬‬
‫(‪َ )2‬ع ْمرو بن العاص‪ ،‬القرشي‪ ،‬السهمي‪ ،‬صعايب جليل ‪ ،‬وداهية الدهاة‪ .‬فاتا مصر ‪ ،‬كان يف اجلاهليّة من احشداء ‪ ،‬وأسلم يف صلا‬
‫احلديبيّة ‪ .‬تويف سنة (‪43‬هجرية)‪ .‬انظر‪ :‬أسد الغابة‪.)115/4(،‬‬
‫هللا » وانصــرف َع ْمــرو بــن العــاص‪ ،‬ومجــع لــذلك مــن العمــال مــا بلــغ منــه مــا أراد‪ ،‬وحفــر اخللــيج الــذي يف‬
‫جانــب الفســطاط الــذي ي َقــال لــه خلــيج أمــري املــؤمنني‪ ،‬فســاقه مــن النيــل إىل البعــر احمحــر‪ ،‬فمــا أيت‬
‫احلول حىت جرت فيـه السـفن‪ ،‬فعمـل فيـه ونفـع هللا بـذلك أهـل احلـرمني‪ ،‬ومس ّـي « خلـيج أمـري املـؤمنني »‬
‫مث مل يزل ُحيمل فيه الطعام‪ ،‬حىت محل فيه أيضاً بعد كلك عمـر بـن العزيـز مث ضـيعه الـوالة بعـد كلـك فـرتك‬
‫الرمل فانقطع »(‪.)1‬‬
‫وريلب عليه ُ‬
‫ومــن التطبيق ــات العمليــة م ــا ورد مــن اهتم ــام ابلــغ يف يس ــني وســائل ال ــري وحف ــر اآلابر وش ــق‬
‫احهنــار لتعســني الزراعــة‪ ،‬فقــد كتــب القاضــي أبــو يوســف يف « كتــاب اخل ـراج » الــذي رفعــه إىل هــارون‬
‫الرشيد يقول له فيه‪ « :‬ورأيت أن أتمر عمـال اخلـراج إكا أاتهـم قـوم مـن أهـل خـراجهم‪ ،‬فـذكروا هلـم أن يف‬
‫ـري‬
‫بالدهم أهناراً عادية قدمية‪ ،‬وأرضني كثرية ريامرة‪ ،‬وإهنم إن استخدموا هلم تلـك احهنـار واحتفروهـا‪ ،‬وأ ْ‬
‫ُج َ‬
‫احرضون الغامرة وزاد كلك يف خراجهم‪ ،‬أن يكتبـوا بـذلك إليـك‪ ،‬فتـأمر رجـالً مـن‬
‫املاء فيها‪َ ،‬ع ُمَر ْ‬
‫ت هذه ُ‬
‫أهــل اخلــربة والصــالح ويوثــق بدينــه وأمانتــه‪ ،‬فتوجهــه يف كلــك حــىت ينظــر فيــه ويســأل عنــه أهــل اخلــربة بــه‬
‫والبصــرية‪ ،‬ومــن يوثــق بدينــه وأمانتــه مــن أهــل البلــد‪ ...‬فــإكا اجتمع ـوا علــى أن يف كلــك صــالحاً وزايدة يف‬
‫اخل ـراج‪ ،‬أمــرت حبفــر تلــك احهنــار وجعلــت النفقــة مــن بيــت املــال وال يمــل نفقــة كلــك علــى أهــل البلــد‪،‬‬
‫فــإهنم أن يـَ ْعمـ ُـروا خــري مــن أن َخيَْربـوا‪ ،‬وأن يَفــروا ( أي الــوفرة والغــىن) خــري مــن أن يــذهب مــا هلــم ويعجــزوا‬
‫كل ما فيـه مصـلعة حهـل اخلـراج يف أراضـيهم وأهنـارهم وطلبـوا إصـالح كلـك هلـم أجيبـوا إليـه إكا مل يكـن‬
‫و ُّ‬
‫فيه ضرر على ريريهم »(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬توفري فرص العمل لكل مواطن‪:‬‬
‫ملا كان العمل يهيئ للفرد ضماانته يف حاجاته كان ال ب ّد من أجر على هذا العمـل وكـان ال بـ ّد‬
‫أيضاً يف مسـتوى هـذا احجـر أن ال يقـل عـن حـ ِّد بـدوره إىل تقريـر قاعـدة أساسـية تـتلخص يف عـدم جـواز‬
‫َساسـ ـيَّة للف ــرد م ــن مأك ــل ومل ــبس‬
‫هب ــوط مس ــتوى احج ــور ع ــن احلـ ـ ّد ال ــذي يكف ــل إش ــباع احلاج ــات اح َ‬
‫ومشرب ومسكن‪ ،‬كعد أدىن يف كلك »(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬الطنطاوي‪ ،‬علي‪ :‬أخبار عمر‪ ،‬ص(‪.)138-137‬‬
‫(‪ )2‬أبو يوسف ‪ :‬اخلراج ‪ ،‬ص(‪.)110-109‬‬
‫(‪ )3‬إبراهيم‪ ،‬د‪ .‬عيسى عبد‪ :‬القرآن والدراسات االقتصادية ‪ ،‬ص(‪ ،)291-269‬حماضرة مطبوعة مع جمموعة احملاضـرات العامـة للموسـم‬
‫الثقايف الثالث جبامعة احزهر سنة ‪1961-1960‬م‪.‬‬
‫ولــذلك كــان مــن وظيفــة الد َّْولَــةيف اإلســالم كمــا ورد عــن عمــر بــن اخلطـَّـاب رضــي هللا عنــه تــوفري‬
‫احلرفــة لكــل النــاس‪ ،‬وســد حاجـاهتم‪ ،‬فقــد وقــف أمــري املــؤمنني عمــر يومـاً ليــودع أحــد والتــه قبــل ســفره إىل‬
‫الوالية اليت سيعكمها وألقى عليه السؤال التايل‪:‬‬
‫ـال عمـر‪ « :‬وإكن فـإن جـاءِن مـنهم جـائع أو‬
‫« ما كا تفعل إكا جـاءك سـارق؟ » فأجابـه‪ :‬أقطـع يـده‪ ،‬ف َق َ‬
‫عاطـل فسـوف يقطــع عمـر يــدك‪ ،‬إ ّن هللا اسـتخلفنا علــى عبـاده لنسـد جــوعتهم ونسـرت عــورهتم ونـوفر هلــم‬
‫حرفتهم فإكا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها‪ ،‬اي هذا إن هللا خلق احيـدي لتعمـل‪ ،‬فـإكا مل ـد يف‬
‫الطاعة عمالً التمست يف املعصية أعماالً‪ ،‬فأشغلها ابلطاعة قبل أن تشغلك ابملعصية(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬ضمان للعاطلني عن العمل‪:‬‬
‫ويف كتاب اخلليفة الراشد علي بن أيب طالب رضي هللا عنه إىل واليه علـى مصـر خـري دليـل علـى‬
‫تقــومي حاجــة الفــرد وتوفريهــا لــه فهــو يقــول لــه‪ « :‬مث هللا هللا يف الطبقــة الســفلى الــذين ال حيلــة هلــم‪ :‬مــن‬
‫املســاكني واحملتــاجني وأهــل البــؤس والــزمىن‪ ،‬فــإن يف هــذه الطبقــة قانعـاً ومعـرتاً‪ .‬واحفــظ هللا مــا اســتعفظك‬
‫مــن حقــه فــيهم واجعــل هلــم قســماً مــن بيــت املــال وقســماً مــن ريــالت ص ـوايف اإلســالم يف كــل بلــد‪ ،‬فــإن‬
‫لألقصى مثل الذي لألدىن‪ .‬وكل قد اسـرتعيت حقـه‪ ،‬فـال يشـغلك عـنهم بطـر‪ ،‬فإنـك ال تعـذر بتضـييعك‬
‫التافه النشغالك ابلكثري املهم‪ ،‬فال تشخص مهك عنهم‪ ،‬وال تصعر خدك هلم‪ .‬وتفقـد أمـور مـن ال يصـل‬
‫إليــك مــنهم‪ ،‬ممـّـن تقتعمــه العيــون‪ ،‬ويقــره الرجــال ففــرغ حولئــك وقتــك مــن أهــل اخلشــية والتواضــع فلريفــع‬
‫إليك أمورهم مث اعمـل فـيهم ابحعـذار إىل يـوم تلقـاه‪ ،‬فـإن هـؤالء مـن بـني الرعيـة أحـوج إىل اإلنصـاف مـن‬
‫الرقـة يف السـن فمـن ال‬
‫ريريهم وكل معلق بك فاعذر إىل هللا يف أتدية حقه إليهم‪ ،‬وتعهد أهل اليُـتم وكوي ّ‬
‫حيلة له‪ ،‬وال ينصب للمسألة نفسه »‪.‬‬
‫َساس ـيَّة للدولــة يف نظ ــام اإلســالم تــوفري ف ــرص العمــل لك ــل م ـواطن ولك ــن‬
‫إن مــن الوظــائف اح َ‬
‫الناس يف جمال العمل أصناف أربعة‪:‬‬
‫‪ .1‬واجدون للعمل وكفايتهم منه وهؤالء ال حاجة لتوفري كفايتهم‪.‬‬
‫‪ .2‬واجدون للعمل دون يقيق كفايتهم منه‪.‬‬
‫‪ .3‬ريري واجدين للعمل أصالً مع قدرهتم عليه‪.‬‬
‫‪ .4‬عاجزون عن العمل‪.‬‬
‫(‪ )1‬الغََزايل‪ ،‬حممد‪ :‬ظالم من الغَْرب‪ ،‬ص(‪.)181‬‬
‫واحصــناف الثالثــة احخــرية تلتــزم الد َّْولَــة رعايتهــم علــى حنــو يوفــر هلــم حــاجتهم وكفــايتهم حــىت ينــتظم‬
‫شأهنم‪.‬‬
‫فالواجــدون للعمــل دون كفــايتهم أو الفاقــدون للعمــل مــع قــدرهتم عليــه‪ ،‬فهــؤالء قــد ككــر اإلمــام‬
‫ـال ‪ « :‬ويُعطــى منهــا‪-‬أي الزكـاة‪ -‬الفقــري واملســكني مـا خيرجهمــا مــن احلاجــة‬
‫النـووي(‪ )1‬وســيلة رعــايتهم ف َق َ‬
‫إىل الغىن‪ ،‬وهـو ما يصـل به الكفايـة علـى الدوام وهذا هو نص الشَّافِعِي رمحه هللا‪.‬‬
‫فـإن كانــت عادتــه االحـرتاف‪ :‬أعطـي مــا يشــرتي بــه حرفتـه أو آالت حرفتــه‪ ،‬قلّ ت قيمــة كلــك أم‬
‫كثــرت‪ ،‬ويكــون قــدره حبيــث حيصــل لــه مــن رحبــه مــا يفــي بكفايتــه عامـاً تقريبـاً‪ ،‬وخيتلــف كلــك ابخــتالف‬
‫احلرف‪ ،‬والبالد‪ ،‬واحزمان‪ ،‬واحشخاص‪ ،‬وتقريب كلك‪:‬‬
‫تتأت له الكفاية أبقل منها‪.‬‬
‫ إ ّن من كانت حرفته بيع اجلوهر‪ ،‬يعطى عشرة آالف درهم مثالً‪،‬إكا مل َ‬‫صرافاً‪ ،‬أعطي بنسبة كلك‪.‬‬
‫ من كان اتجراً‪ ،‬أو خبّازاً أو عطّاراً‪ ،‬أو ّ‬‫قصــاابً أو ريـريهم مــن أهــل الصــنائع‪ ،‬أعطــي مـا يشــرتي بــه ضــيعة أو حصــة‬
‫ ومـن كــان خيّاطـاً أو جنّــاراً أو ّ‬‫يف ضيعة تكفي علتها على الدوام‪.‬‬
‫فــإن مل يكــن حمرتف ـاً‪ ،‬وال حيســن صــنعة أص ـالً‪ ،‬وال ــارة‪ ،‬وال شــيئاً مــن أن ـواع املكاســب‪ :‬أعطــي‬
‫كفايته العمر الغالب حمثاله يف بالده وال يتقدر كلك بكفاية سنة(‪.)2‬‬
‫فــذكر البغــوي(‪ )3‬والغَـ َـزايل وريريمهــا مــن اخلراســانيني‪ :‬أنــه يعطــى كفايــة ســنة وال يــزداد‪ ،‬حن الزكــاة‬
‫الصـ ِـعْيا احول وهــو كفايــة العمــر(‪ )4‬وهــو املــذهب‬
‫تتكــرر كــل ســنة‪ ،‬فيعصــل كفايتــه منهــا ســنة فســنة‪ ،‬و َ‬
‫الص ِعْيا الذي قطع به العراقيون‪ ،‬وكثري من اخلراسانيني‪ ،‬ونص عليه الشَّافِعِي رمحه هللا(‪.)5‬‬
‫َ‬
‫مري أبـو زكـراي النـووي‪ ،‬الفقيـه احلـافظ الزاهـد الشَّـافِعِي ‪ ،‬ولـد سـنة ‪631‬ه ـ يف نـَوا مـن قـرى حـوران يف‬
‫(‪ )1‬النووي‪ :‬هو حيىي بن شرف بن ّ‬
‫سوراي ‪ ،‬وتويف سنة ‪676‬هـ‪.‬‬
‫الشافِعِي ة البن هداية هللا‪ ،‬احعالم ‪.)184/9( ،‬‬
‫انظر‪ :‬طبقات الشَّافِعِي ة البن شهبه‪ .)194/2( ،‬طبقات َّ‬
‫(‪)2‬وميكننا أن نعترب أن نطاق املستفيدين من هؤالء حمصـور فـيمن ال حيسـن صـنعة أصـالً ويعجـز عـن مباشـرة أي عمـل‪ ،‬أمـا مـن كـان قـادراً‬
‫ِ‬
‫ـيب ‪ ‬الحـظ فيهـا لغـين‬
‫على كلك وريري واجد له‪ ،‬فيعطى كفايته ريثما تـوفر لـه فرصـة العمـل فـيعلم‪ ،‬أو ميتنـع فتتوقـف معونتـه وكلـك لقـول النَّ ّ‬
‫وال لقوي مكتسب‪ ،‬رواه أبو داود والنسائي ( اجملموع للنووي ‪.)197/6‬‬
‫الشــافِعِي املفســر‪ ،‬الفقيــه‪ ،‬نســبة إىل (بغــا) مــن‬
‫(‪ )3‬البغــوي‪ ،‬هــو احلســني بــن مســعود البغــوي‪ ،‬الشــيخ العالمــة القــدوة احلــافظ حميــي الســنة‪َّ ،‬‬
‫قــرى خراســان‪ .‬ولــد ســنة (‪ 436‬هجريــة) وتــويف مبــرو الصــغرى‪ ،‬ســنة (‪ 516‬هجريــة)‪ .‬انظــر‪ :‬الطبقــات الكــربى‪ ،)47/7( ،‬ســري أعــالم‬
‫النبالء‪.)439/19( ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ةاالجت َماعيَّـة حنــو‬
‫َّولَ ْ‬
‫(‪ )4‬وأايًكـان اخلـالف يف تقـدير العطــاء هنـا بكفايـة العمــر أو بكفايـة السـنة فـإن جــوهر اخلـالف هنـا يؤكــد مسـؤولية الد ْ‬
‫العاطلني عن الع مل أو العاجزين عنه‪ ،‬أو الواجدين له دون كفاية وما جيب عليهم لكفايتهم وإرينائهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬النووي‪ :‬اجملموع (‪.)203-202/6‬‬
‫‪ -5‬ضمان للمواليد اجلدد‪:‬‬
‫ض َـارة املعاصـرة‬
‫يظن كثري من الناس أن فـرض راتـب شـهري لكـل مولـود جديـد هـو مـن نتـائج احلَ َ‬
‫اإلســالميَّة منــذ‬
‫والتنظيمــات املدينــة احلديثــة‪ ،‬بينمــا كــان هــذا اإلج ـراء نظامـاً مقــرراً ومعمــوالً بــه يف الد َّْولَــة ْ‬
‫َساسـيَّة‪ ،‬ولكـن مـع فـارق جـوهري واحـد‪ ،‬وهـو‬
‫بزوريها يف القرن السابع للميالد كجزء من أنظمـة الد َّْولَةاح َ‬
‫اإلسالميَّة ال تقتصر يف فـرض هـذا الراتـب حوالد مـوظفي الد َّْولَـة فقـط كمـا هـو بشـأن احنظمـة‬
‫أن الد َّْولَة ْ‬
‫احلديثة‪ ،‬بل هي تفرض هذا الراتب الشهري لكـل مولـود جديـد موظفـاً كـان والـده أو ريـري موظـف حبيـث‬
‫يشمل هذا الضمان أوالد املواطنني مجيعاً‪.‬‬
‫وقــد كــان عمــر بــن اخلطَّــاب رضــي هللا عنــه يف أول احمــر ال يفــرض راتب ـاً إال للمولــود الــذي متّ‬
‫فطامــه فأصــبا يتعجلــون فطــام أوالدهــم حــىت يصــرف هلــم عطــاؤهم وملــا علــم عمــر بــذلك أمــر مناديــه أن‬
‫ـال ‪ :‬وكتـب‬
‫ينادي يف الناس‪ « :‬أن ال تعجلوا أوالدكم عن الفطام فـإان نفـرض لكـل مولـود يف اإلسـالم‪ ،‬قَ َ‬
‫بذلك عمر يف اآلفـاق ابلفـرض لكـل مولـود يف اإلسـالم »(‪ .)1‬واحصـل يف كلـك‪ ،‬مـا رواه لنـا عبـد الـرمحن‬
‫ـال يل عمــر‪ :‬هــل لــك أن‬
‫ـال‪ « :‬قــدمت رفقــة مــن التجــار إىل املدينــة‪ ،‬فنزل ـوا املصــلى‪ ،‬ف َقـ َ‬
‫بــن عــوف(‪ )2‬قَـ َ‬
‫حنرسهم الليلة من السرق؟ فباات حيرساهنم‪ ،‬ويصليان ما كتب هللا هلما‪.‬‬
‫ـال حمـه‪« :‬اتَِق ّـي هللا وأحسـين إىل صـبيك» ‪ ،‬مث عـاد إىل‬
‫فسمع عمر بكاء صيب‪ ،‬فتوجـه حنـوه وقَ َ‬
‫ال هلا‪ « :‬اتَِق ّـي هللا وأحسـين إىل صـبيك» مث عـاد إىل مكانـه ‪ ،‬فلمـا‬
‫مكانه فسمع بكاءه‪ ،‬فعاد إىل أمه ف َق َ‬
‫ـال هلـا‪ « :‬وحيـك إِن حراك أم سـوء‪ ،‬مـايل أرى ابنـك ال يقـر‬
‫كان من آخر الليل مسع بكاءه فأتى أمه وقَ َ‬
‫( أي ال يســكت ) منــذ الليلــة؟ » قَالَــت ‪ :‬اي عبــد هللا قــد أبــرمتين (أضــجرتين) منــذ الليلــة‪ ،‬إِن أريــده عــن‬
‫ـال ‪ :‬وكـم لـه (أي مـن العمـر)؟ قَالَـت‬
‫ـال‪ :‬ومل؟ قَالَـت ‪ :‬حن عمـر ال يفـرض إال للفطـيم‪ .‬قَ َ‬
‫الفطام فيـأ‪ ..‬قَ َ‬
‫ال وحيك ال تعجيله‪ .‬فصلى عمر صالة الفجـر‪ ،‬ومـا يسـتبني النـاس قراءتـه مـن ريلبـة‬
‫‪ :‬كذا وكذا شهراً‪ .‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬اي بؤساً لعمر‪ ،‬كم قتل من أوالد املسـلمني؟ مث أمـر مناديـه فنـادى‪ :‬أن‬
‫البكاء‪ ،‬فلما سلّم من صالته قَ َ‬
‫ال تعجلوا أوالدكم عن الفطام‪ ،‬فإنـا نفـرض لكـل مولود يف اإلسالم‪ ،‬وكتـب بـذلك عمـر إىل اآلفـاق ( أي‬
‫إىل سائر البالد) (‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬بن سالم‪ ،‬أبو عبيد القاسم‪ :‬احموال‪ ،‬ص(‪.)338‬‬
‫(‪ )2‬عبــد الــرمحن بــن عــوف‪ ،‬القرشــي‪ ،‬ولــد بعــد الفيــل بعشــر ســنني‪ ،‬كــان أحــد الســابقني إىل اإلســالم‪ ،‬وهــو أحــد العشــرة املبشـرين ابجلنــة‪،‬‬
‫شهد املشاهد كلّها مع رسول هللا ‪ . ‬تويف سنة (‪ 31‬هجرية) ابملدينة‪ .‬انظر‪ :‬أُسد الغابة‪.)480/3( ،‬‬
‫(‪ )3‬الطنطاوي‪ ،‬علي‪ :‬أخبار عمر‪ ،‬ص(‪.)370‬‬
‫ولقد وصـف خالـد بـن عرفطـة عطـاءات الـدلو لألطفـال زمـن عمـر بـن اخلطَّـاب رضـي هللا عمـه‪،‬‬
‫ال‪ « :‬وما من مولود يولد إال أُحلق يف مائة وجربني كل شهر‪ ،‬ككر كان أم أنثى‪ ،‬وما يبلغ لنـا ككـر إال‬
‫ف َق َ‬
‫أحلق على مخسمائة أو ستمائة(‪.)1‬‬
‫وممــا يــدعو للتأمــل‪ ،‬أن هــذا النِّظَــام مل يتوقــف بوفــاة عمــر رضــي هللا عنــه‪ ،‬حنــه ســلوك فــرد يف ّأمــة‬
‫َساسـيَّة لكـل مـواطن‪ .‬ومـن كلـك يف‬
‫وإمنا هو تعبري عن جوهر اإلسالم يف حرصه علـى تـوفري احلاجـات اح َ‬
‫عهد عثمان بن عفان رضي هللا عنه ما رواه لنا أبو عبيد القاسم بـن سـالم (عـن) حممـد بـن هـالل املـديين‬
‫ـال حهلـه‪ :‬مـايل‬
‫ال‪ :‬حدثين أيب عن جديت‪ « :‬أهنا كانت تدخل على عثمان بن عفان ففقدها يومـاً ف َق َ‬
‫قَ َ‬
‫ال أرى فالن ــة؟ ف َقالَـ ــت امرأت ـ ـه‪ :‬اي أم ــري املـ ــؤمنني ولـ ــدت الليلـ ــة ريالم ـ ـاً‪ ،‬قَالَـ ــت (أي جدتـ ــه) ‪ :‬فأرسـ ــل‬
‫ـال هــذا عطــاء ابنــك وهــذه كسوتــه‪،‬‬
‫خبمســني درمهـاً وشــقيقة ســنبالنية‪( ،‬أي مــن قمــاش وافــر الطــول) مث قَـ َ‬
‫فـإكا م ّـرت به سنة رفعناه إىل مائة»(‪.)2‬‬
‫ومن كلك أيضـاً يف عهـد علـي رضـي هللا عنـه‪ ،‬مـا رواه لنـا أبـو عبيـد القاسـم بـن سـالم (عـن) أيب اجلعـاف‬
‫ال‪ُ « :‬ولـد لـي ولـد فأتيت علياً رضي هللا عنه فأثبته يف مائة »(‪.)3‬‬
‫(عن) رجل من خثعم قَ َ‬
‫ومـن كلــك أيضـاً يف عهــد عمـر بــن عبــد العزيــز رضــي هللا عنـه مــا رواه لنــا أبــو عبيـد القاســم بــن ســالم عــن‬
‫ال‪ « :‬أثبتين عمر بن عبد العزيز وأان فطيم يف عشرة داننري»(‪.)4‬‬
‫مروان بن شجاع اجلزري‪ ،‬قَ َ‬
‫وقــد نظّــم عمــر بــن عبــد العزيــز رضــي هللا عنــه رواتــب املوالي ـد اجلــدد‪ ،‬وجعــل كلــك نظام ـاً عام ـاً يف‬
‫اإلسالميَّة‪ « :‬ارفعـوا إلينـا كـل منفوس نفرض له»(‪.)5‬‬
‫الدولة‪ ،‬فكتب إىل عامله يف الوالايت ْ‬
‫اإلســالميَّة تفــرض هلــم عطــاءات إضــافية تعــوهلم‪،‬‬
‫وأمــا احطفــال الــذين فقــدوا آابءهــم‪َّ ،‬‬
‫فالش ـ ِر َيعة ْ‬
‫(‪)6‬‬
‫ال رسول هللا ‪ « :‬مـن ترك ماالا فلورثته ومـن تـرك َكـالا فإلينـا »‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫فعن أيب هريرة رضي هللا عنه قَ َ‬
‫(‪ )1‬الطنطاوي‪ ،‬علي‪ :‬أخبار عمر‪ ،‬ص(‪.)108‬‬
‫(‪ )2‬بن سالم أبو عبيد القاسم‪ :‬احموال ‪ ،‬ص(‪.)339-338‬‬
‫(‪ )3‬بن سالم أبو عبيد القاسم‪ :‬احموال ‪ ،‬ص(‪.)339‬‬
‫(‪ )4‬بن سالم أبو عبيد القاسم‪ :‬احموال ‪ ،‬ص(‪.)339‬‬
‫(‪ )5‬ابن سعد‪ :‬الطبقات الكربى‪ ،‬ص(‪.)225‬‬
‫ص ـ ِـعْيعه‪ ،‬ابب‪ :‬الص ــالة عل ــى م ــن ت ــرك دين ـاً‪ ،)845/2( ،‬ومس ــلم ابب‪ :‬م ــن ت ــرك م ــاالً فلورثت ــه‪،)1238/3( ،‬‬
‫ي يف َ‬
‫(‪ )6‬رواه البُ َخ ــا ِر ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وسنَن ابن ماجة ‪.)914/2( ،‬‬
‫َ‬
‫وسنَن البَـْيـ َهق ّي الكربى‪ُ .)201/6( ،‬‬
‫وصعْيا ابن حبّان‪ُ ،)397/3( ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ـيب ‪ ‬للذريّـة يف املـال حقـاً ضـمنه‬
‫قَ َ‬
‫ال أبو عبيد بن سالم‪ « :‬ال َك ُّل هو كل عيّل والذرية منهم‪ ،‬فجعـل النَّ ّ‬
‫هلم »(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫ـيب ‪ ‬قَـ َ‬
‫ـال‪ « :‬أان أوىل بكــل مــؤمن مــن نفســه مــن تــرك مــاالا‬
‫ويف احلــديث النبــوي أيض ـاً أن النَّـ ّ‬
‫ـإيل و علـ ّـي »(‪ )2‬والضــياع هــم احوالد الضــعاف الــذين ال يقــدرون‬
‫فلورثتــه ومــن تــرك دين ـا أو ضــياعا فـ ّ‬
‫الش ـ ِر َيعة‪،‬‬
‫علــى الكســب ولــيس هلــم مــا يقــوم مبعيشــتهم ‪ ،‬فمــن تــرك ضــياعاً فهــذا ضــمان هلــم جــاءت بــه َّ‬
‫ِ‬
‫َّيب ‪ ‬كـان يعـول النـاس من بيـت املـال‪ ،‬وكالمـه ‪ ‬دستور وتشريع »(‪.)3‬‬
‫وبيـان الن ّ‬
‫َساسـيَّة‬
‫وهــذا الضــمان الرائــع الــذي جــاءت بــه َّ‬
‫الشـ ِر َيعة ْ‬
‫اإلســالميَّة‪ ،‬هــو وظيفــة مــن الوظــائف اح َ‬
‫للدولــة‪ ،‬حن عليهــا واجــب الرعايــة ملواطنيهــا‪ ،‬ولــذا كــان مــن حــق كــل وليــد يف احمــة أن جيــد مــن الكفايــة‬
‫الغذائيــة‪ ،‬والرعايــة الرتبويــة مــا جيــده كــل وليــد آخــر‪ ،‬فــإكا كــان دخــل أبويــه‪ ،‬أو ظروفهــا املعيشــية ال متكنهــا‬
‫مــن تــوفري الفرصــة املناســبة لــه‪ ،‬فــإ ّن علــى الد َّْولَــة أن توفرهــا لــه ولغــريه مــن املواليــد اجلــدد‪ ،‬حــىت ال يصــبا‬
‫تكافؤ الفرص خرافـة ابلنسـبة هلـذا الطفـل‪ ،‬إكا نشـأ انقـص التغذيـة أو مهمـالً يف البيئـة بينمـا هنـاك أطفـال‬
‫حمظوظــون تتــاح هل ــم هــذه الفرصــة مــن دونــه يف احليــاة ومــن حــق كــل طفــل بعــد أن جيــد العل ــم والرعايــة‬
‫الصــعية‪ ،‬وأن جيــد فرصــة العمــل يف شــبابه حبســب طاقاتــه ومواهبــه‪ ،‬ويف هــذه املرحلــة التاليــة فقــط يصــبا‬
‫للتفاوت الطبيعي حقه‪ ،‬حنه حينئذ يكون تفاواتً انشئاً عن التفاوت يف القدرات واملواهب(‪.)4‬‬
‫الش ـ ِر َيعة تنطــوي علــى حلــول اجتماعيــة واســعة يف هــذا اجملــال‪ ،‬ال جيــوز أن يتخلــف‬
‫وبعــد‪ ،‬فــإن َّ‬
‫عنها جمتمع يف عاملنا املعاصر‪.‬‬
‫فمن واجب الد َّْولَةرعاية شؤون الطفـل « والعنايـة أبيتـامهم مـن رعـايتهم وتعلـيمهم وإبعـادهم عـن‬
‫التشرد والضيـاع بك ــل وسـيلة مشـروعة كإنشــاء دور لأليتــام واملـدارس واملالجـئ وريريهـا »(‪ )5‬وينطبـق هـذا‬
‫احلكم على اللقطاء الذين ال يعرف هلم أب وال أم فرعايتهم واجبة على الد َّْولَةوقد « قـرر فقهـاء اإلسـالم‬
‫(‪ )1‬بن سالم أبو عبيد القاسم‪ :‬احموال ‪ ،‬ص(‪.)337‬‬
‫ِ‬
‫فأميـا مـؤم ٍن تـرك‬
‫َّيب أوىل ابملؤمنني من أنفسهم عـن أيب هريـرة بلفـظ ‪ « :‬مـا مـن مـؤم ٍن إالّ وأانل أوىل النـاس بـه‪ّ ،‬‬
‫(‪ )2‬رواه البُ َخا ِر ّ‬
‫ي‪ ،‬ابب‪ :‬الن ّ‬
‫صـ ِـعْيعه واللفــظ لــه‪ ،)592/2( .‬واملنتقــى البــن‬
‫مــاالً‪ ،‬فلريثــه عصــبته مــن كــانوا فــإن تــرك دين ـاً أو ضــياعاً فليــأتين وأان مــواله » ومســلم يف َ‬
‫ِ‬
‫اجلارود (‪ِ ،)83/1‬‬
‫وسـنَن الـد َ ِ‬
‫وسـنَن أيب‬
‫َ‬
‫ين ‪ُ ،)85/4( ،‬‬
‫وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى‪ُ ،)206/03 ،‬‬
‫وصعْيا ابن حبّـان‪ُ ،)186/1( ،‬‬
‫َّارقُطْ ّ‬
‫داوود‪.)137/3( ،‬‬
‫(‪)3‬اخلويل‪ ،‬البهي‪ :‬نظام الثروة يف اإلسالم ‪ ،‬ص(‪.)328‬‬
‫ْمساليَّة‪ ،‬ص(‪.)48‬‬
‫(‪ )4‬قطب‪َ ،‬سيِّد‪ :‬معركة اإلسالم و َّ‬
‫الرأ ُ‬
‫(‪ )5‬اخلياط‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز ‪ :‬اجملتمع املتكامل يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)243‬‬
‫وجوب التقـاط الطفـل ملـن وجـده لـئال ميـوت وأوجبـوا لـه مـن احلقـوق مـا لغـريه إك ال جريـرة لـه وال كنـب بـه‬
‫هو لبنة صاحلة ال بد من رعايتها والعناية هبا حىت تسد ثغرة يف اجملتمع اإلسالمي »(‪.)1‬‬
‫يقــول احســتاك عبــد هللا عل ـوان‪ « :‬وقــد راعــى اإلســالم نفســية اللقــيط فأعطــاه احلقــوق املمنوحــة‬
‫الش ْرعي دون أن يكـون بينهمـا متييـز أو تفريـق فيجـب تربيـة اللقـيط وتعليمـه القـراءة والكتابـة واحلرفـة‬
‫للولد َّ‬
‫وتسند إليه الوظائف وتقبل شـهادته ويعتـرب مسـؤوالً عـن مجيـع تصـرفاته وأعمالـه حـىت ال يشـعر بنفسـه أنـه‬
‫مهــل مــن ســقط املتــاع وحــىت ال تتولــد يف تصــوراته مركبــات الــنقص والعقــد النفســية وهبــذه املعاملــة احلســنة‬
‫نكــون قــد أعــددان مواطن ـاً صــاحلاً يــنهض بواجباتــه ويضــطلع مبســؤولياته فــال يشــعر بــنقص وال يســبا يف‬
‫متاهات اهلواجس واحفكار(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬ضمان لورامل والعجزة والشيوخ‪:‬‬
‫لقــد يــدث فقهــاء اإلســالم عــن مســؤولية الد َّْولَــة ــاه مواطنيهــا‪ ،‬وبين ـوا أن جــزءاً مــن مص ـارف‬
‫بيت املال يصرف إىل دواء الفقـراء واملرضـى وعالجهـم وإىل أكفـاف املـوتى الـذين ال مـال هلـم‪ ،‬وإىل نفقـة‬
‫اللقــيط وعقــل جنايتــه(‪ )3‬كمــا جنــد اخللفــاء أيضـاً قــد اهتمـوا بتلــك الرعايــة أشــد االهتمــام‪ ،‬وفصــلوا القــول‬
‫فيها‪ ،‬ومن كلك كتاب اإلمام علي رضـي هللا عنـه إىل واليـه علـى مصـر‪ ،‬وفيـه يـذكره ابملسـاكني واحملتـاجني‬
‫وأهل البؤس‪ ،‬واملرضى واليتـامى‪ ،‬وكوي الرقـة يف السـن‪ ،‬وكوي احلاجـة‪ ،‬ممّـن ال ينصـبون للمسـألة أنفسـهم‬
‫فنجده يقول له يف كتاب له‪:‬‬
‫« مث هللا هللا‪ ،‬يف الطبقة السفلى‪ ،‬من الـذين ال حيلـة هلـم مـن املسـاكني واحملتـاجني وأهـل البـؤس‪،‬‬
‫والــزمين‪ ،‬فــإن يف هــذه الطبقــة قانعـاً ومعـرتاً واحفــظ مــا اســتعفظك مــن حقــه فــيهم واجعــل هلــم قســماً مــن‬
‫بيــت املــال‪ ،‬وقســماً مــن ريــالت صـوايف اإلســالم يف كــل بلــد‪ ،‬فــإن لألقصــى مثــل الــذي لــألدىن‪ .‬وكــل قــد‬
‫اسـرتعيت حقــه‪ ،‬فــال يشــغلك عـنهم بطــر‪ ،‬فإنــك ال تعــذر بتضــييعك التافـه النشــغالك ابلكثــري املهــم‪ ،‬فــال‬
‫تشخص مهك عنهم‪ ،‬وال تصـعر خـدك هلـم‪ .‬وتفقـد أمـور مـن ال يصـل إليـك مـنهم‪ ،‬ممّـن تقتعمـه العيـون‪،‬‬
‫ويق ــره الرج ــال فف ــرغ حولئ ــك وقت ــك م ــن أه ــل اخلش ــية والتواض ــع فلريف ــع إلي ــك أم ــورهم مث اعم ــل ف ــيهم‬
‫ابحعذار إىل يوم تلقاه‪ ،‬فإن هؤالء من بني الرعية أحوج إىل اإلنصاف مـن ريـريهم وكـل معلـق بـك فاعـذر‬
‫(‪ )1‬الطيار‪ ،‬عبد هللا بن حممد بن أمحد‪ :‬التكافل االجتماعي يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص(‪.)67‬‬
‫(‪ )2‬علوان‪ ،‬عبد هللا‪ :‬التكافل االجتماعي يف اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)80‬‬
‫(‪ )3‬الكاساِن‪ :‬بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع‪.)69/2( ،‬‬
‫الرق ــة يف الس ــن فم ــن ال حيل ــة ل ــه‪ ،‬وال ينص ــب‬
‫إىل هللا يف أتدي ــة حق ــه إل ــيهم‪ ،‬وتعه ــد أه ــل اليُ ــتم وكوي ّ‬
‫للمسألة نفسه »(‪.)1‬‬
‫العبَّاس ــي أيم ــر إبج ـراء احرزاق عل ــى القواع ــد م ــن النس ــاء ال ــاليت ال‬
‫وكــان اخلليف ــة « املنص ــور » َ‬
‫هلن‪ ،‬وعلى احيتام‪ ،‬والعميان‪.‬‬
‫أزواج ّ‬
‫وكــان اخلليفــة «املهــدي» بعــده أيضـاً أيمــر إبجـراء أرزاق مســتدمية للمجــذومني‪ ،‬وكــان طــاهر بــن‬
‫احلسن يدعو ولده حني استعمله املأمون على والية «الرقة» إىل تعاهد أهل البيـواتت ممـن دخلـت علـيهم‬
‫احلاجة فيتعمل مؤونتهم‪ ،‬ويصلا حالتهم ويقول لولده‪:‬‬
‫« تعاهـد كوي البأسـاء وأيتـامهم وأراملهـم واجعــل هلـم أرزاقـاً مـن بيــت املـال إقتـداء أبمـري املــؤمنني‬
‫«املأمون» يف العطـف عليهـم‪ ،‬والصلة هلم‪ ،‬ليصلـا هللا بذلك عيشهم ويرزقك بركة وزايدة»(‪.)2‬‬
‫ـال‪ « :‬كـم معـك مـن‬
‫مر على عثمان رضي هللا عنه ف َق َ‬
‫روى أبو عبيد أن اخليار بن أوىف النهدي َّ‬
‫ال ‪ :‬قد فرضنا لك كـذا وكــذا ولعيالك مائة مائة» (‪.)3‬‬
‫ال إن معي كذا وكذا‪ .‬ف َق َ‬
‫عيالك اي شيخ؟ ف َق َ‬
‫وجـاء يف كتــاب خالـد بــن الوليــد إىل أهـل احلــرية « وجعلــت هلـم أميــا شــيخ ضـعف عــن العمــل أو‬
‫إصــابته آفــة مــن اآلفــات أو كــان رينيـاً فــافتقر وصــار أهــل دينــه يتصــدقون عليــه طرحــت جزيتــه وعيــل مــن‬
‫بيت مال املسلمني وعياله ما قام بدار اهلجرة ودار اإلسالم »(‪. )4‬‬
‫ُّصوص وريريها من التطبيقات العملية كلها صرحية يف مسؤولية الد َّْولَة عن ضمان هـؤالء‬
‫فهذه الن ُ‬
‫كلهــم‪ ،‬وتــوفري الكفايــة ‪ ،‬فمــن كــان قــادراً علــى العمــل كــان علــى الد َّْولَــة أن هتيــئ لــه فرصــة مناســبة للعمــل‬
‫مــن ومل تــتا لــه فرصــة العمــل أو كــان عــاجزاً عنــه‪ ،‬فعلــى الد َّْولَــة أن تضــمن لــه حقــه يف االســتقامة واهلــون‬
‫بتوفري الكفاية له يف مستوى العيش الكرمي(‪.)5‬‬
‫‪ -7‬ضمان رواتب اجلند وكفالة أسرهم‪:‬‬
‫(‪ )1‬الصدر‪ ،‬حممد ابقر‪ :‬اقتصادان‪ ،‬ص(‪.)620-619‬‬
‫(‪ )2‬النمر‪ ،‬د‪ .‬عبد املنعم النمر‪ :‬اإلسالم واملبادئ املستورة‪ ،‬ص(‪.)110-109‬‬
‫(‪ )3‬بن سالم‪ ،‬أبو عبيد القاسم ‪ :‬كتاب احموال‪ ،‬ص( ‪.)351‬‬
‫(‪ )4‬أبو يوسف‪ :‬كتاب اخلراج‪ ،‬ص(‪.)144‬‬
‫(‪ )5‬الصدر‪ ،‬حممد ابقر‪ :‬اقتصادان‪ ،‬ص(‪.)621-620‬‬
‫اجلــيش هــو الســياج احلقيقــي للدولــة‪ ،‬وهــو الــذي يق ــوم عل ــى محاي ــة الــبالد وال ــدفاع عنهــا‪ ،‬ي ــرد‬
‫الطــامعني‪ ،‬ويقاتــل يف ســبيل هللا واملستضــعفني‪ ،‬وحيــرر النــاس ليخــرجهم مــن عبــادة العبــاد إىل عبــادة هللا‬
‫وحـده‪ ،‬وفقـاً ملبــادئ اإلسـالم‪ ،‬ولــذا ينبغـي أن تتوجــه كـل اجلهـود لضــمان هـؤالء اجلنــود اجملاهـدين فتفــرض‬
‫هلم الد َّْولَة الرواتب العالية وتكفل هلم أسرهم أثناء رييبتهم يف الثغور وساحات اجلهاد‪.‬‬
‫وعلــى ســبيل املثــال‪ ،‬يــروي لنــا الطَّـ َـربي وابــن احثــري أن عمــر بــن اخلطَّــاب رضــي هللا عنــه كــان قــد‬
‫ف ــرض حه ــل القادس ــية وأه ــل الش ــام م ــن اجلن ــد ألف ــني ألف ــني‪ ،‬وف ــرض حه ــل ال ــبالء الب ــارع م ــنهم ألف ــني‬
‫ومخســمائة مث فــرض للــروادف بعــدهم ثالمثائــة ثالمثائــة وســوى كــل طبقــة يف العطــاء‪ ،‬ق ــويهم وض ــعيفهم‪،‬‬
‫ع ـرهبم وعجمهــم‪ ،‬وفــرض ملــن بعــدهم مــن الــروادف علــى مــائتني ومخســني‪ ،‬وفــرض ملــن بعــدهم وهــم أهــل‬
‫هجر والعباد على مائتني »(‪.)1‬‬
‫وقــد وصــف خالــد بــن عرفطــة الرواتــب العاليــة للجنــد وأوضــاعهم املاليــة اجليــدة يف زمــن عمــر بــن‬
‫ال ‪ « :‬ما وطئ أحد القادسيـة إال وعطاؤه ألفان أو مخس عشرة مائة»(‪.)2‬‬
‫اخلطَّاب رضي هللا عنه‪ ،‬ف َق َ‬
‫وكــان عمــر بــن اخلطَّــاب رضــي هللا عنــه يعمــل علــى زايدة عطــاءاهتم‪ ،‬وال يغيــبهم يف الثغــور علــى‬
‫احلـدود وجبهــات القتــال مــدداً طويلـة‪ ،‬وكــان أاب عيــاهلم يف رييبــتهم حــىت يرجعـوا‪ ،‬فمــن خطبــة لــه رضــي هللا‬
‫عنه حني توىل اخلالفة قوله‪:‬‬
‫« ولك ــن عل ـ ّـي أيه ــا الن ــاس أن أزي ــد عط ــاايكم وأرزاقك ــم إن ش ــاء هللا تع ــاىل ولك ــن عل ـ ّـي أال ألق ــيكم يف‬
‫(‪)4‬‬
‫املهالك وال أمجركم(‪ )3‬يف ثغوركم وإكا ريبتم يف البعوث فأان أبو العيال حىت ترجعوا »‬
‫وكتــب اخلليفــة العــادل عمــر بــن عبــد العزيــز رضــي هللا عنــه إىل زيــد بــن عبــد الــرمحن بــن اخلطَّــاب‬
‫وكان حاكماً على الكوفة‪ ،‬أيمر أن يرد فضل بيـت املـال علـى اجلنـد فيقضـي ديـوهنم يف ريـري فسـاد‪ ،‬ويزيـد‬
‫إيل تــذكر أنــه قــد اجتمعــت عنــدك أمـوال‬
‫نفقــة مــن تــزوج مــنهم فلــم يقــدر علــى نقــد ويقــول لــه‪ « :‬كتبــت ّ‬
‫بعــد أعطيــة اجلنــد فــأعط مــنهم مــن كــان عليــه ديــن يف ريــري فســاد‪ ،‬أو تــزوج ومل يقــدر علــى نقــد‪ ،‬والســالم‬
‫»(‪.)5‬‬
‫(‪ )1‬الطنطاوي‪ ،‬أخبار عمر‪ ،‬ص(‪.)104-103‬‬
‫(‪)2‬الطنطاوي‪ ،‬أخبار عمر‪ ،‬ص(‪.)108‬‬
‫(‪ )3‬التجمري يف الثغور‪ :‬هو إبقاء اجلنود يف اجلبهة م ّدة طويلة‪.‬‬
‫(‪)4‬الطنطاوي‪ ،‬أخبار عمر‪ ،‬ص(‪.)64‬‬
‫(‪ )5‬ابن عبد احلكم‪ :،‬سرية عمر بن عبد العزيز ‪،‬ص(‪.)67‬‬
‫وكل ــك ي ــدل عل ــى س ــبيل املث ــال‪ ،‬ك ــم ينبغ ــي أن تتعم ــل الد َّْولَةمس ــؤوليتها املتش ــعبة ــاه ه ــؤالء‬
‫وجل‪.‬‬
‫اجملاهدين الذين جيودون أبرواحهم ودمائهم يف سبيل هللا ّ‬
‫عز ّ‬
‫‪ -8‬ضمان ألهل ال ّذمة‪:‬‬
‫لقــد بلــغ اإلســالم يف رعايتــه ملواطنيــه أن يــوفر حهــل العهــد وال ّذمــة كــل احلقــوق املشــروعة ومــن‬
‫كلك الرفق هبم وتوفري رواتب العجز والشيخوخة ملن ضعف منهم وإجراء النفقة على عيـاهلم وعلـى سـبيل‬
‫املثال فقد جاء يف عهد خالد بن الوليد إىل نصارى أهل احلرية‪:‬‬
‫« بسم هللا الـرمحن الـرحيم‪ :‬هـذا كتـاب مـن خالـد بـن الوليـد حهـل احلـرية‪ ..‬وجعلـت هلـم أميـا شـيخ ضـعف‬
‫عن العمل أو أصابته آفة من اآلفات أو كان رينياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه‪ ،‬طرحت جزيتـه‬
‫وعيل من بيت مال املسلمني وعياله ما أقام بدار اهلجرة ودار اإلسالم‪ ،‬فإن خرجوا على ريـري دار اهلجــرة‬
‫ودار اإلسـالم فليـس علـى املسلميـن النفقة على عياهلم (‪.)1‬‬
‫وكــذلك كتــب عمــر بــن عبــد العزيــز رضــي هللا عنــه إىل عاملــة علــى واليــة البصــرة يقــول لــه‪ « :‬أن أنضـرا يف‬
‫الر ُجل منهم وليس له مال ‪ ،‬فأنفق عليه»(‪.)2‬‬
‫أهل الذمة فأرفق هبم وإكا كرب َّ‬
‫ومـن التطبيقـات العمليـة لـذلك العنايـة بتسـليف املـزارعني مـنهم وإعـانتهم مبـا ميكـنهم مـن تنشــيط‬
‫أعمــاهلم الزراعيــة‪ ،‬فقــد كتــب زيــد بــن عبــد الــرمحن بــن اخلطـَّـاب إىل اخلليفــة العــادل عمــر بــن عبــد العزيــز‬
‫يقول‪:‬‬
‫« أنه قد بقي عندان شيء يف بيت املال »‪ ،‬فكتب إليه عمر بن عبد العزيـز يقـول لـه‪ « :‬أن ق ِّـو‬
‫أهل ال ّذمة‪ ،‬فإان ال نريدهم لسنة وال لسنتني »(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬أبو يوسف ‪ :‬اخلراج‪ ،‬ص(‪.)144‬‬
‫(‪ )2‬خليل‪ ،‬د‪ .‬عماد الدين‪ :‬مالما االنقالب اإلسالمي‪ ،‬ص(‪.)129‬‬
‫(‪ )3‬ابن عبد احلكم‪ :‬سرية عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬ص‪.)7‬‬