العدالة في النظام االقتصادي في االسالم تأليف الدكتور :محمد عبد الغني الفصل الثالث :العدالة في النظام االقتصادي في اإلسالم تمهيد تعريف الملكية لغة وشرعا طبيعة الملكية في الشريعة اإلسالميةالمبحث األول : المطلب األول : العدالة في حق التملك الفردي األسباب المترتبة على الجهد الخاص -1األجرة على العمل المشروع -2إحياء األراضي الموات -3استخراج ما في باطن األرض 242 243 243 245 252 254 254 259 261 -4الصيد -5السّمسرة والداللة المطلب الثاني: الطرق المباحة باألسباب ال ّ شرعيّة -1الزكاة -2الميراث -3نظام الكفارات المطلب الثالث: األمور المترتبة على إرادة اآلخر -1الوصية -2الهبة -3اإلقطاع المبحث الثاني : العدالة في منع التملك من األعمال المحظورة المطلب األول : المطلب الثاني: التسعير المطلب الثالث: الرشوة ّ المطلب الرابع: الربـــــــــا ّ العقود المنهي عنها الموضوع المبحث الثالث : ضمانة الحاجات وتحقيق الرفاه في العيش المطلب األول : المطلب الثاني: التأمينات االجتماعية في الرأسماليّة المطلب الثالث: ضمانة اإلسالم للحاجات األساسية بالتشريع المطلب الرابع: تحقيق قاعدة الرفاه في المجتمع اإلسالمي عدالة توزيع الثروة -1تعزيز األموال في ك ّل والية -2تعزيز المرافق العامة -3توفير فرص العمل لكل مواطن -4ضمان للعاطلين عن العمل -5ضمان للمواليد الجدد -6ضمان لألرامل والعجزة 264 266 267 267 272 277 280 280 281 282 285 287 294 299 208 الصفحة 313 314 321 324 330 330 331 333 334 335 338 -7ضمان رواتب الجند وكفالة أسرهم -8ضمان ألهل الذ ّمة 340 341 ويشمل على تمهيد و ثالثة مباحث : -تمهيد: الم ْل ِكيَّـــــــة لغــــــة وشرعــــــــــــا. تعريـــــــــــف ِ الم ْل ِكيَّة في ال َّ ش ِري َعة اإلسْالميَّة . طبيعة ِ -1المبحث األول :العَدالَة في حق الت َّ َم ُّلك الفردي. ويشتمل على ثالثة مطالب: -1المطلب األول :األسباب المترتبة على الجهد الخاص: -1األجرة على العمل المشروع. -2إحياء األراضي الموات. -3استخراج ما في باطن األرض. -4الصيد. -5السمسرة والداللة. -2المطلب الثاني :الطرق المباحة باألسباب ال َّ ش ْرعية: -1الزكاة. -2الميراث. -3نظام الكفارات. -3المطلب الثالث :األمور المترتبة على إرادة اآلخر: -1الوصية. -2الهبة. -3اإلقطاع. تمهيد: الم ْل ِكيَّة لغــــــــــــة وشرعـــــا. أوال :تعريــــــــــــف ِ إ ّن الباحث يف معاجم اللغة ،جيد أن معىن امللك :احتواء الشيء والقدرة على االستبداد به والتصرف ابنفراد( ،)1وأما يف االصطالح الش َّْرعي فقد تباينت التعريفات له يف ثنااي الكتب الفقهية، والباعـث علـى هذا االختالف هو أن امللك قد أشكل ضبطه على كثري من الفقهاء(.)2 فقد عرفه شيخ اإلسالم ابن تَـْي ِميَّة بقوله « :امللك هو القدرة الش َّْرعية على التصرف يف الرقبة »(.)3 ()5 وعرفه ابن عابدين( )4بقوله « :امللك ما من شأنه أن يتصرف فيه بوجه االختصـاص » وعرفه القرايف( )6بقوله « :امللك حكم شرعي مق ّدر يف العني أو املنفعة يقتضي متكني من يضاف إليه من انتفاعه ابململوك والعوض عنه من حيث هو كذلك»(.)7 السبكي( )8بقوله « :واملختـار يف تعريفـه أنـه أمـر معنـوي ،وإن شئت قلت :حكم شرعي وعرفه ُّ يقدر يف عني أو منفعة يقتضي متكن من ينسب إليه من انتفاعه والعوض عنه من حيث هو كذلك »(.)9 الدهان أبنه « :اختصاص شرعي بعني منتفع هبا »(.)10 وعرفه ابن ّ ّ ( )1انظر -1 :ابن دريد ،مجهرة اللغة ( -3 .)170-169/3ابن منظور ،لسان العرب (.)492/10 -2الفريوزآابدي ،القاموس احمليط ( -4 .)320/3جممع اللغة ،املعجم الوسيط (.)893/2 ( )2القرايف ،أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن ( )684الفروق.)208/3( ، ( )3ابن تَـْي ِميَّة ،القواعد النورانية الفقهية ،وانظر ،الفتاوى (.)178/29 ( )4ابن عابدين ،حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي ،فقيه الداير الشامية وإمام احلَنَ ِفيَّة يف عصره ،ولد يف دمشق سـنة 1198هــ، وتــويف ســنة 1253هــ ،مــن كتبــه« :رد احملتــار علــى الــدر املختــار» ،و«العقــود الدريــة يف تنقــيا الفتــاوي احلامديــة» ،و «نســمات احســعار علــى شــرح املنار» و«الرحيق املختوم يف الفرائض وحواشي على تفسري البيضـاوي» وجمموعـة رسـائل وهـي 32رسـالة وريـري كلـك .تـويف يف دمشـق سـنة 1252هــ. انظر احعالم (.)42/6 ( )5ابن عابدين ،حممد أمني حاشية رد احملتار على الدر املختار (حاشية ابن عابدين).)502/4( ، ( )6هو شـهاب الـدين أمحـد بـن إدريـس البهفشـي ،القـرايف ،أحـد احعـالم املشـهورين يف الفقـه املـالكي .ولـد سـنة 626هجريـة ،وتـويف سـنة املذهب .)236/1( ،وهدية العارفني .)99/1( ، 684هجرية ،من كتبه :الفروق ،انظر :الديباج ّ ( )7القرايف ،الفروق.)209/3( ، السْب ِك ّي الشَّافِعِي املصري ،تويف سنة 756م. تقي ال ِّدين علي بن عبد الكايف ُّ ( )8السبكي ،هو شيخ االسالم ّ انظر :الدرر الكامنة ،)134/3(،احعالم.)302 /4( ، ِِ السبكي :احشباه والنظائر ،ص(.)57 ( )9السيوطي ،جالل الدين بن عبد الرمحن :احشباه والنظائر يف قواعد وفروع الشَّافعية ،ص( .)316و ّ الدهان ،أبو شجاع حممد بن علي :تقومي النّظر (خمطوط) ،ص(.)111 ( )10ابن ّ ِ ِ وانظر :املصلا ،د .عبد هللا بن عبد العزيز :قيود امللْكيَّة اخلاصة ،ص(.)30 الش ِر َيعة ،قد اختلفت أنظارهم يف املعىن االصطالحي للملك مما سبق ككره يتبني أن فقهاء َّ أقره الشَّا ِرع ورتب عليه آاثراً ونتائج مالزمة كما فمنهم من نظر إليه ابعتباره حقيقة شرعية أو حكماً ّ السبكي .ومنهم من نظر إليه على أساس ككر موضوعه ومثرته وآاثره كما هو عند ابن هو عند القرايف و ُّ ِ الدهان. تَـْيميَّة .ومنهم من نظر إليه ابعتباره عالقة بني املالك واململوك كما هو عند ابن ّ السْب ِك ّي والذي يظهر يل من هذه التعريفات رجعان ما كهب إليه القرايف الذي أتثر به ُّ العتبارات منها: .1أن امللك حكم شرعي مقدر ،حنه يتبع احسباب الش َّْرعية ،وكل ما يتبعها فهو حكم شرعي مقدر وكلك حنه يرجع إىل تعلق إكن الش َّْرع لإلنسان ابالنتفاع هبما استهالكاً ومنفع ًة ومبادلة « :وهذا اإلكن من أكل الررييف ،وسكن الدار كما يتمكن من بيعها .فبالنسبة للررييف ،احلكم الش َّْرعي مقدر ابلعني ،وهو اإلكن ابستهالكها وابلنسبة للدار ،احلكم الش َّْرعي مقدر ابملنفعة ،وهو اإلكن بسكناها »(.)1 أقر الشَّا ِرع وجوده ،وال يرتتب عليه من اآلاثر حينئذ إال ما رتبه .2إن امللك ال يكون له وجود إال إكا َّ الشَّا ِرع عليه ،وعلى كلك فإن امللك ليس صفة انشئة عن طبيعة احشياء وكواهتا وال عن اصطالح الناس وعرفهم ،وال تثبت إال إبثبات الشَّا ِرع هلا ،وتقريره حسبابـهـا « .وهلذا أكن يف متلك بعض احعيان ومنع من متلك بعضها ،وأكن يف بعض العقود ،ومنع بعضها ،فمنع متلك اخلمر واخلنـزير للمسلم كما منع متلك مال ِّ اإلسالميَّة وأكن يف البيع الرَاب ،ومال القمار حي واحد من رعية الد َّْولَة ْ فأحلّه ومنع ِّ الرَاب فعرمه »(.)2 ال السبكي :فقد أشكلت حقيقة امللك على طوائف من النّظار َّ ال منهـم « :إنه وزل من قَ َ .3قَ َ ّ التصـرف ،حن احملجـور عليـه ميلك وال يتصـرف ،كمـا أن الويل يتصرف وال ميلك»(.)3 وعلى ضوء هذا التعريف املختار ميكن أن يُفهم أ ّن هناك أسباابً مشروعة للتملك وأحواالً يدل على معينة للتصرف هبذه املِْل ِكيَّة وكيفية معينة لالنتفاع مبا ميلك ،وبعبارة أخرى فإنه ّ املعىن احلقيقي للملكية. ِ تقي ال ِّدين :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)72 ( )1النَّـبَـ َهاِنّّ ، ِ تقي ال ِّدين :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)73 ( )2النَّـبَـ َهاِنّّ ، ( )3السيوطي :احشباه والنظائر ،ص( .)316والسبكي :احشباه والنظائر ،ص(.)57 اإلسالميَّة (.)141/1 وانظر العبادي ،د .عبد السالم داود :املِلْ ِكيَّة اخلاصة يف َّ الش ِر َيعة ْ الم ْل ِكيَّة في ال َّ ش ِري َعة اإل ْسالميَّة . ثانيا :طبيعــــــة ِ يقرر اإلسالم حق املِْل ِكيَّة الفردية للمال تلبية لغريزة الت ََّملُّك املركوزة يف فطرة اإلنسان ،فمن فطرة اإلنسان أن يندفع إلشباع حاجاته ،ولذلك كان من فطرته أن حيوز املال إلشباع هذه احلاجات، ومن فطرته أن يسعى هلذه احليازة ،حن إشباع اإلنسان جلوعاته أمر حتمي ،ومن هنا كانت حيازة اإلنسان للثروة فوق كوهنا أمراً فطرايً هي أمر حتمي ال ب ّد منه .إال أن هذه احليازة ال جيوز أن ترتك لإلنسان يناهلا ويسعى هلا ويتصرف هبا كما شاء حن هذا يؤدي إىل الفوضى من ريلوائها ويهدئ من اندفاعها ،فمثل هذه الغريزة وأخواهتا مندفعة بطبعها ،ال تكاد تقف عند ح ّد ،لذلك كان ال ب ّد من أن َساسيَّة يكون متكني النّاس من حيازة الثروة ومن السعي هلا سائراً على وجه يضمن إشباع احلاجات اح َ جلميع الناس على تفاوت قواهم وحاجاهتم. ِِ العدالَة بني اجلهد واجلزاء ،فوق مسايرته للفطرة واتفاقه مع « وتقرير حق امل ْلكيَّة الفردية حيقق َ امليول احصيلة يف النفس البشرية ،تلك امليول اليت حيسب اإلسالم حساهبا يف إقامة نظام اجملتمع ،ويف الوقت كاته يتفق مع مصلعة اجلماعة إبريراء الفرد على بذل أقصى جهد يف طوقه لتنمية احلياة ،فوق ما حيقق من العزة والكرامة واالستقالل ومنو الشخصية لألفراد حبيث يصلعون أن يكونوا أمناء على هذا الدين ،يقفون يف وجه املنكر ،وحياسبون احلاكم وينصعونه ،دون خوف من انقطاع أرزاقهم لو كانت يف يديه »(.)1 فالعدالَة تقتضي تلبية أشواق الفرد وإرضاء ميوله يف احلدود املشروعة جزاء ما بذل من طاقته َ وجهده وعرق جبينه وكدح فكره وكد أعصابه لذلك كانت كل حماولة ملنع اإلنسان من إشباع حاجاته معني أمراً خمالفاً للفطرة خمالفة للفطرة وكانت كل حماولة ملنعه من حيازة الثروة أو لتعديد حيازته مبقدار ّ »(.)2 و لكن إقرار اإلسالم حبق املِْل ِكيَّة الفردية ال يعين احلق املطلق( )3بال قيود وال حدود ،بل يقره ويشرعه ،ويشرع له احلدود والقيود إك َّ ُّصوص الش َّْرعية قد أظهرت طبيعة متميزة للملكية تظهر أن الن ُ من خالل ما يلي: ( )1قطب ،سيِد :العدالَة االجتِم ِ اعيَّة يف اإلسالم ،ص(.)116 َّ َ َْ ِ ( )2انظر :النَّـبَـ َه ِاِنّ :النّظَام االقتصادي يف اإلسالم،ص( .)71بتصرف اإلسالميَّة أتخذ بفكرة املِلْ ِكيَّة املطلقة وابلنشـاط الفـردي احلـر ،فـاحفراد يف نظـر هـؤالء ( )3كهب بعض احملدثني إىل القول أبن َّ الش ِر َيعة ْ يعتربون أحراراً يف االستيالء على مجيع ما يرريبـون يف االسـتيالء عليـه مـن ثـروات معدنيـة وطبيعيـة ومـنهم الشـيخ حممـد ابقـر الصـدر يف كتابـه ال « :إن املمارس الذي يريد أن يتعـرف علـى طبيعـة االقتصـاد اإلسـالمي مـن خـالل التطبيـق قـد يـوحي إليـه التطبيـق أبن اقتصادان حيث قَ َ َّ .1 علَى س َم َوا ِ ال تعالـىَّّ ِ :لِلِ ُم ْلكُ ال َّ ت َو ْاأل َ ْر ِ إن هللا هو املالك احلقيقي ،فقد قَ َ ض َو َما فِي ِه َّن َو ُه َو َ ُك ِّل ش َْيءٍ قَدِير .)1( ال تعالـىَ :ء ِامنُـــــوا بِ َّ سو ِل ِه َوأ َ ْن ِفقُوا ِم َّما َجعَلَ ُك ْم اّلِلِ َو َر ُ .2استخالف هللا لإلنسان ،فقد قَ َ ال القرطيب « :إهنا دليل على أ ّن أصل امللك هلل سبعانه وأن العبد ليس له ُم ْست َْخلَفِينَ فِي ِه )2(قَ َ فيه إال التصرف الذي يُرضي هللا فيثيبه على كلك ابجلنة ممن أنفق منها يف حقوق هللا وهان عليه الر ُجل النفقة من مال وريريه إكا أكن فيه ،فإن له الثواب اجلزيل واحجر اإلنفاق منها كما يهون على َّ ال « :هذا يدل على أهنا ليست أبمواهلم يف احلقيقة وما أنتم فيها إال مبنـزلة النّواب العظيم ،مثّ قَ َ والوكالء فاريتنموا الفرصة فيها إبقامة احلق قبل أن تزال عنكم إىل بعدكم »(.)3 ال الزخمشري( « :)4يعين أن احموال اليت يف أيديكم إمنا هي أموال هللا خبلقه وإنشائه هلا وإمنا وقَ َ نولكم إايها وخولكم االستمتاع هبا وجعلكم خلفاء يف التصرف فيها ،فليست هي أموالكم يف احلقيقة وما أنتم فيها إال مبنـزلة الوكالء والنواب »(.)5 ص اآلية إىل أتويل ليؤدي املعىن الذي فهمناه منه وهو أن املال وقَ َ ال َسيِّد قطب « :وال حيتاج ن ّ الذي يف أيدي البشر هو مال هللا ،وهم فيه خلفاء ال أُصالء .ويف آية أخرى يف صدى املكاتبني من احرقاء يقول تعاىلَ :و َءاتُو ُه ْم ِم ْن َما ِل َّ اّلِلِ الَّذِي َءات َا ُك ْم ()6 فما يعطوهنم هذا املال من ملكهم ولكنهم يعطوهنم من مال هللا وهم فيه وسطاء(.)7 االقتصاد اإلسالمي رأمسايل يؤمن اب ِّ حلريَّة االقتصادية ويفسا اجملال أمام املِلْ ِكيَّة اخلاصة والنشاط الفردي احلـر كمـا كهـب إىل كلـك بكـل صـراحة بعــض امل َف ِّكـرين املســلمني حــني تـراءى هلــم أفـراد اجملتمــع الــذي عاشـوا ربــة االقتصــاد اإلســالمي وهــم أحـرار يف تصــرفاهتم ال حيســون ُ بضــغط أو يديــد ويتمتعــون حبـق ملكيــة أي ثــروة يتــاح هلــم االســتيالء عليهــا مــن ثــروات الطبيعــة .وحب ـق اســتثمارها والتصــرف فيهــا وليس ـت ْمساليَّة إال هذا االنطالق احلر الذي كان أفراد اجملتمع اإلسالمي ميارسونه يف حياهتم االقتصادية ( .اقتصادان ،ص(.)384-383 َّ الرأ ُ ( )1املائدة .120 / ( )2احلديد .7 / ( )3القرطيب ،أبو عبد هللا حممد بن أمحد احنصاري :اجلامع ححكام القرآن.)130/1( ، ( )4هو حممود بن عمر بن حممد اخلوارزمي الزخمشري جار هللا مـن املفسـرين ،لـه التفسـري املشـهور ابلكشـاف وهـو ملـيء ابالعتزاليّـات كمـا أنه من اللغويني له أساس البالرية ،معجم مطبوع تويف سنة 538هـ .انظر :سري احعالم النبالء ( ،)153/2احعالم (.)178/7 الكشاف عن حقائق ريوامض التنـزيل.)61/4( ، ( )5الزخمشري ،جار هللا حممود بن عمرّ : ( )6النور .33 / ِ ِ االجت َماعيَّة ،ص(.)119 العدالَة ْ ( )7قطبَ ،سيِّدَ : .3 تقييد استخالف هللا لإلنسان ،فاالستخالف اإلهلي ليس استخالفاً مطلقاً من دون قيد بل بقيود ووضعت طريقة االنتفاع والتمتع مبا سخره هللا تعاىل يف هذا الكون حددت مدى هذا االستخالف ّ ّ ()1 « تقدمة ملصاحلهم و أهبة لسد مفاقرهم » ولو أن هللا أابح هلم ما يف احرض مجيعاً من دون قيد وال حد وال نظام حدى احمر ابلغرائز اجلاحمة إىل التسلط والقهر والغلبة وإىل الفوضى واملنازعات وأكل القوي الضعيف ،هلذا فهم ليسوا أحراراً يف التّصرف فيما استخلفوا فيه يفعلون كما حيلو هلم، بل هم خملوق ون لغاية أساسية وهي عبادة هللا تعاىل ،وعبادته تقتضي إتباع أوامره ،واالبتعاد عن نواهيه ،فإن مل يفعلوا كلك فقد أخلّوا بشرط االستخالف هلذه احرض. ال َسيِّد قطب « :ليست ملكية أصلية يتصرف فيها على هواه إمنا هي ملكية معارة له قَ َ خاضعة لشروط الت ََّملُّك احصلي وتعليماته ،فإكا تصرف املستعري فيها تصرفاً خمالفاً لشروط املالك وقع هذا التصرف ابطالً ويتم على املؤمنني رده يف الدنيا ،أما يف اآلخرة فهو حماسب على ابطله وخمالفته لشرط اململك احصلي وابلقدر الذي يلتزم به الناس مبا وضع هللا سبعانه وتعاىل من القواعد الناظمة للملكية من حيث نشأهتا أو حصوهلا ،ومن حيث نقلها إىل يد أخرى يكون حساهبم يوم القيامة سهالً حيث يسألون يف كلك اليوم عن املال من أين اكتسبوه وفيما أنفقوه»(.)2 ال « :ال تزول قدما عبد يوم وقد ّبني صلى هللا عليه وسلّم هذا املعىن يف حديثه حيث قَ َ فيم أباله ،وعن ماله من أين اكتسبه فيم أفناه ،وعن شبابه َ القيامة حىت يُسأل عن أربع :عن عمره َ وفيم أنفقه ،وعن علمه ماذا عمل فيه»(.)3 َ وإكا كان ما يف الكون مملوك هلل تعاىل فهو التكييف الش َّْرعي الختصاص اإلنسان ابحشياء من أجل االنتفاع هبا؟ ( )1ابن العريب ،أبو بكر حممد عبد هللا :أحكام القرآن.)15-14/1( ، ( )2قطبَ ،سيِّد :يف ظالل القرآن )119/5( ،و ( .)886/6وانظر: اإلسالميَّة .)411/1( ، -1اخلفيف ،علي :املِلْ ِكيَّة يف َّ الش ِر َيعة ْ َّولَةيف تقييده ،ص(.)163 -2الدريين ،د .فتعي :احلق ومدى سلطان الد ْ ( )3رواه ِ ِ ِ ص ِـعْيا اجلـامع رقـم ( ، )7300واملعجـم احوسـط ( .)74/5شـرح ُسـنَن ابـن ماجـه ()171/1 ّْ الرتمذي وصععه احلباِن يف َ عن ايب الدرداء. يقول الدكتور أمحد شليب « :املال مال هللا وملكيته اخلاصة وظيفة اجتماعية :يقر اإلسالم حق املِْل ِكيَّة الفردية كما سبق القول ،ولكن املقصود من هذا التعبري هو ملكية الفرد ابلنسبة لألفراد اآلخرين أو قل :إنه ملكية الظاهر ،أو ملكية االنتفاع ،أما املالك احلقيقي لكل شي فهو هللا سبعانه تعاىل »(.)1 ويقول َسيِّد قطب « :وأول مبدأ يقرره اإلسالم جبوار حق املِْل ِكيَّة الفردية أن الفرد أشبه ابلوكيل يف هذا املال عن اجلماعة وأن حيازته له إمنا هي وظيفة أكثر منها امتالكاً ،وأن املال يف عمومه إمنا هو ،أصالً ،حق للجماعة ،واجلماعة مستخلفة فيه عن هللا الذي ال مالك لشيء سواه واملِْل ِكيَّة الفردية تنشأ من بذل الفرد جهداً خاصاً حليازة شيء معني من هذه املِْل ِكيَّة العامة اليت استخلف فيها هللا جنس اإلنسان»(.)2 ويقول رمحه هللا « :وهناك ما هو أصرح من هذا يف حقيقة ملكية املال الفردية بوصفها ملكية التصرف واالنتفاع وهذا هو الواقع ،فاملِْل ِكيَّة العينية ال قيمة هلا من دون حق التصرف واالنتفاع، فشرط بقاء هذه الوظيفة هو الصالحية للتصرف ،فإكا سفه التصرف كان للوايل أو للجماعة اسرتداد سفَ َها َء أ َ ْم َوالَ ُك ُم الَّتِي َجعَ َل َّ اّلِلُ لَ ُك ْم قِيَاما َو ْار ُزقُو ُه ْم فِي َها َوا ْك ُسو ُه ْم حق التصرف َ و َال تُؤْ تُوا ال ُّ فعق التصرف مرهون ابلرشد وإحسان القيام ابلوظيفة »(.)3 ويقول الشيخ علي اخلفيف « :إن املال مال هللا والناس مجيعاً عباد هللا ،منعهم هذا املال ليكون هلم مجيعاً فهو وإن ربط ابسم شخص معني لكن اجلميع عباد هللا ،فاختصاص اإلنسان بشيء منه ،إنـَّما هو نوع من اخلالفة والوالية تلقاها عن اجملتمع الذي يعترب صاحب الوالية احوىل على مجيع ما يف احرض ...وإكا كانت خالفة كانت وظيفة اجتماعية هلا مع كلك صفة االختصاص اليت أضفت عليها صفة احلق حني تكون خاصة »(.)4 تقي ال ِّدين النَّـبَـ َه ِاِنّ « :وملا كان املال هلل ،وهللا قد استخلف العبد فيه إبكن منه، وقَ َ ال الشيخ ّ كانت حيازة الفرد للمال أشبه بوظيفة ،يقوم هبا لالنتفاع ابملال وتنميته ،منها ابالمتالك .حن الفرد حني ميلك املال أمنا ميلكه لالنتفاع به وهو معتمد به حبدود الش َّْرع وليس مطلق التصرف فيه كما أنه ِ اإلسالميَّة رقم ،)4/ص(.)39 ( )1شليب ،د .أمحد :االقتصاد يف الفكْر اإلسالمي (موسوعة احلَ َ ض َارة ْ ( )2قطب ،سيِد :العدالَة االجتِم ِ اعيَّة يف اإلسالم ،ص(.)118 َّ َ َْ ( )3قطب ،سيِد :العدالَة االجتِم ِ اعيَّة يف اإلسالم ،ص(.)119 َّ َ َْ ِ ِ ِ اإلسالميَّة ( )33/1و ( )34/1وقـد وافقـه علـى هـذا ال َـرأْي د .مصـطفى السـباعي يف ( )4اخلفيف ،الشيخ علي :امللْكيَّة يف َّ الشر َيعة ْ كتاب اشرتاكية اإلسالم ،ص( .)135-134 ليس مطلق التصرف يف العني نفسه ،ولو ملكها ملكية عينية ،بدليل أنه تصرف ابالنتفاع هبذا املال تصرفاً ريري شرعي ،ابلسفه والتبذير كان على الد َّْولَة أن يجر عليه ومتنعه من هذا التصرف ،وأن تسلبه هذه الصالحية اليت منعته إايها .وعلى كلك يكون التصرف ابلعني واالنتفـاع بـها هـو املعنـى املراد من ملكيتها أو هو أثر هذه املِْل ِكيَّة »(.)1 ومن هذا يتبني أن اإلسالم ينظر إىل املِْل ِكيَّة وظيفة اجتماعية ،املالك فيها عامل وخازن وعليه أن يعمل يف هذا املال مبا يستطيعه يف نطاق إرادته ومواهبه وقوته وله حبكم كلك مثره عمله ابتداءً بقدر حاجته وما به طيب عيشه ،وأما ما فضل بعد كلك فهو من حق صاحب املال ،ومالكه احلقيقي جيب أن يوجه فيما أرشد إليه مالكه فال جيوز مينع عن كي احلاجة وعماً تتطلبه مصاحل اختزانه واكتنازه دون استثمار وعمل فيه ،كما ال جيوز أن َ بنظرتني :ابعتبارها حقاً لصاحبها ،وابعتبارها الد َّْولَة عند ظهور حاجتها إليه. ِ تقي ال ِّدين :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)125 ( )1النَّـبَـ َهاِنّّ ، المبحث األول ال َعدالَة فـــــي حـــــق الت َّ َملُّك الفــــــردي متهيــد: قبل البدء يف شرح تنظيم اإلسالم لقضااي الت ََّملُّك الفردي ،ال ب ّد من اإلشارة إىل: .1إن نظام اخللق يكمه سنّة التفاضل ال التساوي ،فشعار املساواة بصيغته التعميمية يتناىف مع نظام اخللق وهو مطلب مناقض للعدل إال يف بعض اححوال ،وهي اليت يقضي العدل فيها ابلتساوي. فاإلسالم ال يقر املساواة على اعتبارها مبدأ عاماً وقاعدة مطردة ،وإمنا يقرها حينما يقتضيها العدل. وعلى جادة املثال « إ ّن املذاهب اال ْشِرتاكِيَّة كلها مبا فيها الشيوعية تعمل لتعقيق املساواة الفعلية وإما املساواة املطلقة وكل واحد من وإما املساواة يف وسائل اإلنتاجّ ، بني احفراد ،إما املساواة ابملنافعّ ، أنواع هذه املساواة مستعيل الوقوع وهو فرض خيايل .وكلك أن املساواة من حيث هي ريري واقعية، فهي ريري عملية .أما كوهنا ريري واقعية فإن الناس بطبيعة فطرهتم اليت خلقوا عليها متفاوتون يف القوى اجلسمية والعقلية ومتفاوتون يف إشباع احلاجات ،وابلتايل فاملساواة بينهم ال ميكن أن يصل إك لو ساويت بينهم يف حيازة السلع واخلدمات جرباً ابلقوة يت سلطة احلديد والنار ،فإنه ال ميكن أن يتساووا يف استعمال هذا املال يف اإلنتاج وال يف االنتفاع به وال ميكن أن تساوي بينهم مبقدار ما يشبع حاجاهتم ،فاملساواة بينهم أمر نظري خيايل( .)1فاملساواة بني الناس مع تفاوهتم يف القوى العدالَة ،وكل حماولة للمساواة يف حيازة املنافع ويف وسائل اإلنتاج مكتوب هلا تعترب بعيدة عن َ اإلخفاق ،حهنا مناقضـة للفطـرة .وقد كان الناس وال يزالون متفاوتني يف إمكاانهتم متباينني يف أنشطتهم خمتلفني يف إبداعاهتم ،فإن وزعت مثرات جهودهم املتفاوتة عليهم مجيعاً ابلسواء ،فذلك هو الظلم كاته ،وإ ْن بدا يف الظاهر أهنا املساواة املطلوبة ،فمن هنا كان ال بد يف اجملال االقتصادي من العدالَة حىت ال تنطلق املساواة مدمرة للعوافز. تقييد املساواة مبيزان َ العدالَة ،نظام « ومن مناكج اححكام االقتصادية اليت روعيت فيها ضرورة ضبط مبدأ املساواة مبيزان َ العدالَة مساعدة على كلك، توزيع املرياث ،فقد روعي يف توزيعه أصل املساواة بني الوارثني ما دامت َ ِ تقي ال ِّدين :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)50-49 ( )1النَّـبَـ َهاِنّّ ، العدالَة عن املساواة احلرفية ،فاحفضلية عندئذ ملا تقتضيه فإكا لوحظ أن هناك حاالت تتخلف فيها َ العدالَة ،كلك حن الرصيد النهائي للعدالة هي املساواة دائماً ولكن ليس الرصيد النهائي للمساواة َ ()1 العدالَة ابلضرورة» .وعليـه ،فالتفاضل سنة هللا يف خلقه والدعوة إىل املساواة بني متفاضلني هو َ يث َو َّ ال تعاىل :قُ ْل َال يَ ْست َ ِوي ْال َخبِ ُ ب الط ِيّ ُ دعوة إىل احخذ أبمر ابطل وإىل إلغاء قانون العدل ،قَ َ الَ :ال يَ ْست َ ِوي ِم ْن ُك ْم َم ْن أ َ ْنفَقَ ِم ْن قَ ْب ِل ْالفَتْحِ َوقَات َ َل أُولَئِكَ أ َ ْع َ ظ ُم دَ َر َجة ِمنَ الَّذِينَ أ َ ْنفَقُوا )2(وقَ َ اّلِلُ ْال ُح ْسنَى َو َّ عدَ َّ اّلِلُ بِ َما ت َ ْع َملُونَ َخبِير .)3( ِم ْن بَ ْعدُ َوقَاتَلُوا َو ُك ًال َو َ فاإلسالم يقوم يف احلقوق على قاعدة العدل ال على فكرة املساواة ،ويف بيان الواقع يقوم على ما هو احلق يف واقع احلال ال على التسوية مطلقاً وإن كان الواقع متفاضالً ،فال ميكن أن يستوي من يبذل جهداً وإمكانيات مالية وجسمية وعقلية ونفسية مع آخرين تضاءلوا يف جهدهم وقدراهتم. .2ليس من املعقول أن ترتك قضااي الت ََّملُّك بال تنظيم وال تنسيق وال ضوابط إك معىن هذا جعل احمور تؤدي إىل الفوضى واالضطراب وتسبب الشر والفساد حيث يرتك الناس للغرائز اجلاحمة والتسلط والقهر والغلبة على اآلخرين حبيث أيكل القوي الضعيف ،ويؤكل املال ابحلق والباطل ويقوم ميزان اجلور ويلغى ميزان العدل .فال ب ّد من تنظيم عادل كامل مضبوط لقضااي الت ََّملُّك حيقق من انحية العدل الكامل ،ومن انحية أخرى ال يؤدي إىل أن تصبا احموال كلها بيد أو ٍ أبيد قليلة. فالنِّظَام الرأمسايل حني قرر حرية الت ََّملُّك والعمل مل يضع الضماانت احلقيقية أو الواقعية لضمان يقيق هذه احلرايت فعالً بل ترك احمر جلهود احفراد احمر الذي حرم الضعفاء من الت ََّملُّك والعمل وأدى إىل انطالق الناس بشكل مسعور للعصول على احرابح وزايدة الثروات بكل السبل مشروعة أو ريري مشروعة وكأن املهم هو يقيق الربا الفـردي دون اكتـراث ابملبـادئ الدينيـة واحفكـار احخالقية أو مبصلعة اآلخرين أو اجملتمع ككل .والنِّظَام االشرتاكي حني ألغى املِْل ِكيَّة الفردية تعارض والطبيعة اإلنسانية اليت فطر عليها اإلنسان يف ميله إىل متلك مثرة عمله فأدى إىل قتل احلافز الفردي للعمل ،كلك أن اإلنسان ال يبذل كـل عنايتـه واهتمامـه إال ملا ميلكه شخصياً وأن عنايته ختف أو تنعدم ملا ال ميلكه. ( )1البوطي ،د .حممد سعيد رمضان :هللا أم اإلنسان أيهما أقدر على رعاية حقوق اإلنسان .ص(.)33-32 ( )2املائدة .100 / ( )3احلديد .10 / .3إ ّن املال هو كل ما يتموله الناس مهما كانت عينه ،واملقصود من سبب متلكه هو السبب الذي أنشأ ملكية املال للشخص بعد أن مل يكن مملوكاً له .ولتملّك املال أسباب شرعية حصرها الشَّا ِرع يف أسباب معينة ال جيوز اوزها ،ويف هذا يديد للملكية الفردية على الوجه الذي يتفق مع الفطرة وهذا التنظيم حيمي اجملتمع من احخطار املرتتبة على إطالقها ،لذلك ال بد من يديد الكيفية اليت حيصل فيها اإلنسان على املال(.)1 ويف إطار هذا التعديد تباينت طرق العلماء يف تقسيمه على النعو التايل: أوالا :ابعتبار وجود اإلدارة وعدمها إىل: .1أسباب اختيارية ،وهي ما كان اإلنسان خمتاراً يف إجيادها كما االستيالء على املباح وسائر العقود. .2وأسباب جربية وهي ما ليس لإلنسان فيها اختيار كما يف املرياث واملتولد عن اململوك(.)2 اثنيا :ابعتبار الصفة احصلية إىل: الصيــد. .1أسباب منشئة كاإلحياء و ّ .2وأسباب انقلة كما يف العقود واملرياث. اثلثا :ابعتبار الصيغة إىل: .1أسباب فعليّة ،كاالستيالء على املباح. .2أسباب قوليّة ،كما يف العقود يف أكثر صور انت َقاهلا. .3أسباب اعتبارية ،كما يف املرياث ،فسببه ليس من ابب القول ولكنه حالة خاصة( )3اعتربها الشا ِرع سبباً لوراثة املال عن طريق امليت. َّ رابع ا :ابعتبار الشخص الذي تؤول إليه املِْل ِكيَّة إىل: ِ تقي ال ِّدين :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)77-76 ( )1انظر - :النَّـبَـ َهاِنّّ ، -حوى ،الشيخ سعيد :اإلسالم ،ص(.)417-416-415 الش ـ ِر َيعة ،أن ال ي ــدخل يف ملــك اإلنســان شــيء م ــا بغــري اختيــاره إال يف امل ـرياث ،ويف مجلــة مــن املســائل اجلزئيــة يف الوص ــية ( )2وكلــك حن احصــل يف َّ والشفعة ككرها الفقهاء على سبيل احلصر ،ومن هنا جاءت القاعدة الفقهية « ليس ححد متليك ريريه بال رضاه ». -1السيوطي ،احشباه والنظائر ،ص( -2 .)317الزرقا ،املدخل الفقهي العام.)1082/2( ، انظر القاعدة: اإلسالميَّة ص( .)205-204إك فصـل القول يف ( )3انظر :حبث الشيخ حممد علي السايس يف املؤمتر احول جملمع البعوث ْ هذه املسألة. .1ما كان بعمل شرعي ،كالتجارة والصناعة والزراعة والصيد. .2ما كان حبكم شرعي كالزكاة واإلرث. .3ما كان إبرادة ريريه كاهلبة والصدقة والوصية. وسوف أتناول أسباب الت ََّملُّك املشروع بشيء من التفصيل ،وقد قسمتها إىل ثالثة أقسام من خالهلا تتجلى الضوابط الش َّْرعية يف دخول املِْل ِكيَّة إىل صاحبها: األول :احسباب املرتتبة على اجلهد اخلاص. الثاين: احسباب املباحة ابحلكم الش َّْرعي(.)1 الثالث :احسباب املرتتبة على إرادة اآلخر. المطلب األول األسبــاب المترتبـــــة علـى الجهـد الخاص َّملُّك يف اإلسالم ،ص(.)26 ( )1انظر - :اجلنيدل ،د .محد العبد الرمحن ،نظرية الت َ .1األجرة على العمل املشروع الش ِر َيعة يف كثري اإلسالميَّة ،لذلك جند َّ العمل له مكان رئيسي يف أسباب الت ََّملُّك يف َّ الش ِر َيعة ْ ام ُ شوا فِي من املواضع يث على الكسب والعمل وتنهى عن اخلمول والكسل ،يقول هللا تعاىل :فَ ْ َمنَا ِكبِ َها َو ُكلُوا ِم ْن ِر ْزقِ ِه َوإِلَ ْي ِه النُّ ُ ور .)1( ش ُ فالقرآن الكرمي أورد العمل بتصريفاته املختلفة وأبعاده اجلزئية والشاملة ،املادية واحخالقية، الدنيوية واحخروية مبا يقدر بثالمثائة ومثانية وعشرين موضعاً( )2ويف السنّة الشريفة تتوارد اححاديث ترتى عن مكانة العمل فيسعى إىل أن يدرأ حبض أتباعه على العمل ،ظواهر التبطل والكسل والتواكل الفعال ،فعن واالستجداء اليت تتناقض أساساً مع متطلبات العدل وصورة اجملتمع الذي يسوده التوازن ّ ال « :ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا أنس بن مالك رضي هللا عنه عن رسول هللا أنه قَ َ فيأكل منه طريٌ أو إنسا ٌن أو هبيمة إال كان له به صدقة »( )3فكل قادر على العمل مطالب يف شريعة اإلسالم أن يسعى سعيه ريري مستنكف عن الصغري من احعمال أو ُحمقر له فذلك العمل على صغر شأنه خري من الفراغ والبطالة إنه عمل يشغل اجلوارح وحيفظ ماء الوجه من السؤال .فعن أيب هريرة ال « :والذي نفسي بيده ألن أيخذ أحدكم حبلة فيحتطب على ظهره خري له من أن رسول هللا قَ َ ال « : على كل مسلم صدقة » قَالوا :اي نيب هللا أن أييت رجالا فيسأله أعطاه أو منعه »( )4وقَ َ ال « :يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق» قَالوا :فإن مل جيد؟ قَال « :يعني ذا احلاجة فمن مل جيد؟ قَ َ شر فإهنا له صدقة امللهوف » قَالوا :فإن مل جيد؟ قَ َ ال « :فليعمل ابملعروف وليمسك عن ال ّ ( )1امللك .15 / ( )2عبد الباقي ،حممد فؤاد ،املعجم املفهرس حلفاظ القرآن الكرمي ،ص(.)488-483 ( )3رواه البخا ِري يف ِ ص ِـعْيعه ،كتـاب البيـوع، صعْيعه ،كتاب املزارعة ،ابب فضل الزرع والغـرس ،إكا أكـل منـه .)817/2( ،ومسـلم يف َ َُ ّ َ ِ ِ ِ ـععه ،كتــاب اححكــام ابب مــا جــاء يف فضــل الغــرس، ابب فضــل الغــرس والـ ّـزرع .)1189-1188/3( ،ورواه ّ ْ الرتمــذي يف ُســنَنه وصـ ّ ِ وم ْسـ ــنَد أمحـ ــد وسـ ــنَن البَـْيـ َهقـ ـ ّـي الكـ ــربىُ .)137/6( ، وسـ ــنَن الـ ــدارميُ .)347/2( ، ( .)666/3وانظـ ــر :فـ ــيض القـ ــديرُ .)496/5( ، ( .)243-228/3واملعجم الكبري.)101/25( ، ي يف كتاب الزكـاة ،ابب :االسـتعفاف عـن املسـألة .)535/2( ،ورواه ابـن ماجـة يف كتـاب الزكـاة ،ابب :كراهيّـة املسـألة، ( )4رواه البُ َخا ِر ّ ( .)588/1ورواه أمحد يف مسنده .)167/1( ،وانظر :املوطأ بشرح الزرقاِن .)445/4( ،و اللؤلؤ واملرجان ،فيما اتفـق عليـه الشـيخان .)219/1( ، »(.)1فاملهم هو أن يعمل املسلم وأن يكون إجيابياً ،فإكا عجز عن تفجري طاقاته يف بعض مساحات النشاط البشري فإن هناك مساحات أخرى ريريها. ال « :لئن ميشي اإلسالميَّة أمر ملزم ومفضل على سكون العبادة ،قَ َ فالعمل يف احلياة ْ أحدكم مع أخيه يف قضاء حاجته أفضل من أن يعتكف يف مسجدي هذا شهرين»( )2ويبلغ من ال « :إذا تقييمه للعمل وتقديره للعطاء وإدراكه العميق للدور الذي يلعبه على املستوى العام أن قَ َ قامت الساعة ويف يد أحدكم فسيلة فاستطاع أال تقوم حىت يغرسها فليغرسها ،فله بذلك أجر»(.)3 وإكا كانت النظم االقتصادية الوضعية كلها ،رد العمل واإلنتاج عن كل دافع نفسي وروحي و عله جمرد سلوك لتعصيل لقمة العيش وتكثري املال ،فإن القيمة احلقيقية للعمل واإلنتاج تربز على وجه كما هلا يف اإلسالم حيث يعترب العمل واإلنتاج ملصلعة الفرد واجلماعة نوعاً من أنواع الطاعة والعبادة يف اإلسالم ،له مكانه وحسابه يف ميزان السلوك واجلزاء يف الدنيا ويف اآلخرة يوم احلساب ،فقد ِ َّيب رجل فرأى أصعاب رسول روى الطَّرباِن( )4عن كعب بن عجرة رضي هللا عنه قَ َ ال ّ « : مر على الن ّ ال رسول هللا « :وإن هللا من جلده ونشاطه ،ف َقالوا :اي رسول هللا ،لو كان هذا يف سبيل هللا ،ف َق َ كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو يف سبيل هللا ،وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخني رايء كبريين فهو يف سبيل هللا وإن كان يسعى على نفسه يُعفها فهو يف سبيل هللا ،وإن كان خرج ا ومفاخرة فهو يف سبيل الشيطان »(.)5 صـ ِـعْيعه ،ابب صــدقة الكســب والتجــارة ،)524/2(،عــن أيب ســعيد بــن أيب بــردة عــن أبيــه عــن جـ ّده واللفــظ لــه. ي يف َ ( )1رواه البُ َخــا ِر ّ ِ وس ــنَن البَـْيـ َه ِقـ ـ ّـي الكـ ــربى ،)94/10( ،و(،)35/2 وسـ ــنَن ال ــدَّا ِرم ّي ابب علـ ــى كـ ــل مس ــلم صـ ــدقةُ ،)399/2( ، ومسـ ــلم (ُ ،)699/2 وم ْســنَد أيب اجلعــد ،)92/1( ،وج ــامع وم ْســنَد الطيالســيُ ،)67/1( ، وم ْســنَد أمح ــدُ ،)395/4( ، ومصــنف ابــن أيب شــيبة (ُ ،)336/5 العلوم واحلكم.)241/1( ، الص ِعْيعني .)300/4( ،والرترييب والرتهيب.)263/3( ، ( )2املستدرك على َ ( )3رواه أمحد يف مسنده ،)191/3( ،وجممع الزوائد ( ،)63/4واحدب املفرد ( ،)168/1وفيض القدير .)12/2( ، ( )4الطَّرباِن ،سليمان بن أمحد الشـامي ،مـن كبـار احملـدثني ،ولـد يف طـرباي يف الشـام ،سـنة ( 260هجريـة) وتـويف سـنة ( 360هجريـة). انظر :املنهج احمحد ،)46/2( ،واحعالن.)181/3( ، ( )5رواه الطَّـرباِن يف املعجــم الكبــري )129/19( ،واللفــظ لــه ،واملعجــم الصــغري ،)148/2( ،والبيــان والتعريــف ،)291/1( ،وفــيض القدير ،)31/3( ،واتريخ واسط .)163/1( ، ال رسول هللا « :خري الكسب كسب يد العامل إذا ال :قَ َ وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قَ َ ال رسول هللا « :من أمسى كاالا من عمل يده نصح »( )1وعن عائشة رضي هللا عنها قَالَت :قَ َ أمسى مغفورا له »(.)2 فهذه نصوص نبوية ،تربط كلها بني احلرفة والعمل بنصا وجهد وإخالص ،وبني هللا ومغفرته ورضوانه ،وهكذا حني يرتبط مفهوم العمل واإلنتاج يف اإلسالم هبذه املعاِن السامية ،فإن شأن العمل واإلنتاج ال يقتصر حينئذ يف مفهوم الناس على جمرد القيام بعمل مادي للعصول على أجر معني ،بل يصبا العمل واإلنتاج حينئذ قياماً ابلواجب ملصلعة الفرد واجلماعة كما يصبا حافز العمل واإلنتاج يف نفس الفرد طاقةً ال حدود هلا يبدو أثرها يف إقبال الفرد على عمله برريبة واندفاع و ويد عمله وإنتاجه بنصا وإخالص وهذه وحدها أمنية كربى لنجاح كل اقتصاد. وعلى أساس هذه النظرة للعمل حيرتم اإلسالم حق العامل يف احجر ،هذا احلق الصارم الذي جيب أن يعطاه حلظة توقفه عن العمل جزاءً وفاقاً على ما قدمت يداه فهو يدعو أوالً إىل الوفاء به وينذر َم ْن جيور عليه ويصب ريضبه الشديد ويعرب عن خصومته القاطعة لكل من يستأجر أجرياً وجل :ثالثة أان خصمهم يوم القيامة :رجل أعطى يب ال رسول هللا « :قَ َ فيأكل حقه ،قَ َ ال هللا ّ عز ّ حرا فأكل مثنه ،ورجل استأجر أجريا فاستوىف منه ومل يعطه أجره»(.)3 مث عذر ،ورجل ابع ّ « واجلمع بني هذه املعاصي الثالثة ،وتوحيد اجلزاء عليها كو داللة خاصة ،فاملعصية احوىل هي :خيانة وريدر لذمة هللا ،والثانية :هي جرمية إهدار إلنسانية حر وأكل مثنه ،والثالثة :هي أكل عرق احجري وهي كأكل مثن احلر ريدر ابإلنسانية ،وكخيانة العهد بعد احللف ابهلل ريدر بذمة اخلالـق وكل منهـا يستعـق احلـرب من هللا واخلصومة لشناعتها ووضوح معىن الغدر فيها»(.)4 ( )1رواه أمحــد يف مســنده ،)334/2( ،واللفــظ لــه ،ويف روايــة « يــدي عامــل » ، )357/2( ،والفــردوس مبــأثور اخلطــاب)180/2( ، وفيض القدير.)476/3( ، ( )2رواه أمح ــد يف مس ــنده )357-334/2( ،واللف ــظ ل ــه ،والف ــردوس مب ــأثور اخلط ــاب .)180/2( ،وانظ ــر ف ــتا الب ــاري،)306/4(، وفيض القدير.)476/3( ، ِ ( )3رواه البخا ِري يف ِ وصـعْيا ابـن حبّـان، صعْيعه ،ابب إمث من ابع ُحراً ،)776/2( ،وابب :إمث مـن منـع أج ّـر احجـريَ .)792/2( ، َُ ّ َ ِ وس ــنَن البَـْيـ َهق ـ ّـي الكـ ــربى.)816/2( ،)14/6( ، ابب :كك ــر وص ــف أقـ ـوام يك ــون خص ــمهم يف القيام ــة رس ــول هللا ُ .)333/16( ، وم ْســنَد أمحــد ( ،)358/2واملعجــم الصــغري ،)119/2( ،والرترييــب والرتهيــب ،)22-14/3( ،وفــيض ومعتصــر املختصــرُ .)366/1( ، القدير.)316/3( ، ِ ِ االجت َماعيَّة يف اإلسالم ،ص(.)126 العدالَة ْ ( )4قطبَ ،سيِّدَ : وهو يدعو اثنياً إىل التعجيل أبداء هذا احمر فال يكفي أداؤه كامالً بل ال ب ّد من أدائه عاجالً، ال رسول هللا « :أعطوا األجري أجره قبل أن جيف عرقه »( ،)1حلاجة نفسية تتمثل يف إشعاره أبن قَ َ َساسيَّة ،فيكون التواِن يف أداء احجر مقلالً جهده مقدر وحلاجة واقعية تتمثل يف توقه لسد حاجاته اح َ لنشاطه وحم ّداً من رريبته يف العمل. ويف مقابل هذه العناية القائمة على الرضى النفسي واالكتفاء الذايت على العامل أن يقوم بتجويد العمل وإتقانه « فلكل حق مقابل من الواجب يف اإلسالم ،وكلك طبيعي من انحية التعادل بني اجلهد واجلزاء ،وطبيعي كذلك من الناحية اخللقية اليت حيرص اإلسالم على أن تكون أساساً للعياة »( .)2هلذا رّكز اإلسالم جمموعة من املفاهيم يف أكهان املسلمني تدفعهم إىل اإلخالص وعدم الغش واخليانة ،وجعل الرقيب عليهم خوفهم من هللا ،ويف هذا زوال للغش وكهاب للخيانة وإكثار لإلنتاج وبباعث من إميان املسلم ابهلل ومن مواقع خوفه من هللا يعمل ويعطي بقدر جهده ويفي ابلتزامه وأىن له الذمة من شأنه أن يورث كلك وهو يعلم أن كل حلم نبت من سعت فالنار أوىل به ،لذلك فإن فساد ّ خراابً فضالً عما يصيب مصاحل اجلماعة من فساد واضطراب. وأما تقدير احجرة فال تكون إال على منفعة اجلهد املبذول من احجري وال يكون على اجلهد نفسه وإن كان يالحظ اجلهد ،وإال لكان أجر احلداد أكثر من أجر املهندس ،حن جهده أكثر مع أن العكس هو الواقع .عليه « فإن احجر هو بدل املنفعة وليس بدل اجلهد ...وإكا استأجر رجالً للبناء فال بد من تقدير االستئجار ابلزمن أو العمل ،فإن قدره ابلعمل فظاهر فيه املنفعة يف بيان موضعه وطوله وعرضه ومسكه ومادة البناء ،وإن قدره ابلزمن فاملنفعة فيه تزيد بكثرة املدة وتنقص بقلتها عادة، فكان وصف العمل وككر الزمن مقياساً ََ للمنفعة ،وإكا قدر الزمن فال يعمل أكثر من طاقته العادية، وال يُلزم ابملشقة ريري العادية »(.)3 كما أن اإلسالم مل يرتك مسألة العالقات اإلنسانية اليت جيب أن تسود بني الطرفني العامل وصاحب العمل يف أي جهد فيضعهما يف مرحلة احخوة الكاملة حيث أيمر الطرفني عماالً وأصعاب ماجــة ،)817/2( ،واملعجــم الصــغري ،)43/1( ،ون ـوادر (ُ )1ســنَن البَـْيـ َه ِقـ ّـي الكــربى ،)121-120/6( ،وقَـ َ وســنَن ابــن ّ ـال :ضــعيفُ ، احصــول يف أحاديــث الرســول ( ،)116/1وجممــع الزوائــد ( )98/4ومصــباح الزجاجــة ( ،)73/3والرترييــب والرتهيــب.)15-14/3( ، ال :وهذا املنت مع ريرابته يكتسب بكثرة اإلشارة ّقوة. وقَ َ ( )2قطب ،سيِد :العدالَة االجتِم ِ اعيَّة يف اإلسالم ،ص(.)127 َّ َ َْ ( )3النَّـبَـ َه ِاِنّ :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)93-92 عمل بقوله « :إخوانكم خولكم( )1جعلهم هللا حتت أيديكم ،فمن كان يتحقق حتت يده فليطعمه مما أيكل ،وليلبسه مما يلبس ،وال تكلفوهم ما يغلبهم ،فإن كلفتموهم فأعينوهم»(.)2 « وليس ثـمة نظام تعرض فيه مسألة العمل وفق هذا املثلث الصارم :منا حق العامل كامالً يف وقته املناسب ،وزايدة هذ ا احلق مبا يتناسب واتساع اجلهد الذي يبذله العامل ورفع العالقة بني العامل وصاحب العمـل إىل مستـوى احخـوة والتعامـل املشتـرك يف الطعام واللبـاس»(.)3 .2إحيــاء األراضــي املــوات املوات هو احرض اخلراب الدارسة وتُسمى ميتة وموااتً( ،)4فكل أرض ال ميلكها أحد من عرب القرآن عن احرض اليت مل تستغل أبهنا ميتـة، اآلدميني وال ينتفع هبا أحد فهي أرض موات ،وقد ّ ـال القســطالِن :بفــتا أولــه املعجــم والـواو ،أي خــدمكم أو عبيــدكم ،الّــذين يتخولـون احمــور :أي يصــلعونه .انظــر :يفــة اححــوكي، ( )1قَـ َ (.)64/6 ِ ِ ظ لـ ـ ــه ،)2248/5( ،)899/2( ،)20/1( ،ومسـ ـ ــلم صـ ـ ــعْيعه ،ابب :املعاصـ ـ ــي مـ ـ ــن أمـ ـ ــر اجلَاهليَّـ ـ ــة ،واللف ـ ـ ـ ّ ي يف َ ( )2رواه البُ َخـ ـ ــا ِر ّ وسنَن البَـيْـ َه ِق ّي ،ابب :ما جاء يف تسوية املالك ،بني وسنَن ّ الرتمذي ،ابب :ما جاء يف اإلحسان إىل اخلدمُ ،)334/4( ، (ُ ،)1283/3 وم ْس ــنَد أمح ــد ( ،)161/5(،)158/5احدب املف ــرد ( ،)76/1والرتريي ــب وس ــنَن أيب داود (ُ ،)340/4 طعام ــه وطع ــام رقيق ــهُ ،)7/8( ، والرتهيب.)149/3( ، ( )3خليل ،د .عماد :العدل االجتماعي ،ص(.)80 ( )4ابن قُدامة ،عبد هللا بن أمحد بن حممد (620هـ) امل ْغين على خمتصر أيب القاسم عمر بن حسني بن عبد هللا اخلرقي (.)420/5 ُ ال تعالـىَ :و َّ س ْقنَاهُ ِإلَى بَلَ ٍد َم ِيّ ٍ ض بَ ْعدَ س َحابا فَ ُ س َل ِ ّ الريَا َح فَتُثِ ُ ف َق َ ير َ اّلِلُ الَّذِي أ َ ْر َ ت فَأَحْ يَ ْينَا بِ ِه ْاأل َ ْر َ َم ْوتِ َها.)1( وعرف احلَنَ ِفيَّة احرض املوات بقوهلم « :ما ليس ميلك ححد وال هي من مرافق البلد وكانت ّ ()2 خارجة عن البلد سواء قربت عنه أو بعدت» وهذا قول حممد بن احلسن الشيباِنّ ،وبه الفتوى ،وأما أبو يوسف( ، )3فاحرض املوات عنده هي ما ال ينتفع به من احرض النقطاع املاء عنه أو ريلبته عليه أو ()4 وعرف املالكية املوات بقوهلم :هو احرض اليت ال مالك هلا كونه منقطعاً عن العمران وما أشبه كلك ّ . ()5 وعرفه الشَّافِعِية بقوهلم :هو ما مل يكن عامراً وال حرمياً لعامر قرب من العامر أو وال ينتفع هبا ّ . بعد(.)6 وإحياء احرض املوات هو زراعتها أو تشجريها أو البناء عليها أو استعمال أي نوع من أنواع االستعمال الذي يفيد اإلحياء فهو عملية مرحلية يراد هبا بعث النشاط واحلياة يف احراضي اجملدية املوات وإعدادها للقيام مبهمتها احصلية وهي اإلنتاج الزراعي أو املراحبة عن طريق البيع واالستثمار والبناء. وكهب مجاهري العلماء إىل أن احرض املوات أرض مباحة ،جيوز االستيالء عليها ومتلكها ابإلحياء على خالف بينهم يف شروط اإلحياء. وكهبت اإلمامية إىل « أن موات احرض ملك لإلمام ال ميلكه أحد ،وإن أحياه ما مل أيكن له اإلمام ،بل فقد رجا حممد ابقر الصدر أبن اإلحياء إبكن اإلمام ال جييز التمليك إمنا يكون للمعيي حق فيها وتظل ملكاً لإلمام »(.)7 ( )1فاطر .9 / وع ْمرو بن ( )2هو حممد بن احلسن ،بن فرقد ّ الشيباِنّ ،إمام ابلفقه واحصول ،وهو الذي نشر فقه أيب حنيفة ،وروى عن مالك والثـ َّْوريَ ، دينــار ،وآخ ـرينُ .ولــد ســنة ( 132هجريـّـة) ونشــأ ابلكوفــة ،مثّ ســكن بغــداد ،لــه كتــب كثــرية يف الفقــه واحصــول ،منهــا :املبســوط يف فــروع الفق ــه ،والـ ـزايدات ،واجل ــامع الكب ــري ،واجل ــامع الص ــغري ،واآلاثر ،وريريه ــا .ت ــويف س ــنة (187هجري ــة) .انظ ــر :احع ــالم ،)80/6( ،طبق ــات الفقهاء ،ص(.)16 ـويف سـنة ( 183هجريّـة) وهـو املقـ ّدم حنفيُ ،ولد سنة ( 113هجريّة) وت ّ ( )3هو أبو يُوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكويف ،فقيه ّ توىل القضاء ٍ لثالثة من اخللفاء :املهدي ،واهلادي ،والرشيد .له كتاب :اخلِراج ،وهو أول من وضع كتاابً يف أصول من أصعاب أيب حنيفةّ ، الفقه على مذهب اإلمام أيب حنيفة .انظر :طبقات الفقهاء ،ص(.)5 ( )4ابن عابدين ،حاشية ابن عابدين (.)431/6 ( )5الصاوي ،أمحد بن حممد ،بلغة السالك حقرب املسالك على الشرح الصغري حمحد بن حممد بن أمحد الدردير(.)293/2 ( )6اخلطيب ،حممد الشربيين :مغين احملتاج شرح املنهاج (.)361/2 ( )7الصدر ،حممد ابقر :اقتصادان ،ص(.)418-415 وكهب أبو حنيفة :إىل اشرتاط إكن اإلمام دفعاً ملا يتوقع من اخلصومة بني احمليني ،وقطعاً للنـزاع ويقيقاً للمصاحل ودفعاً للمفاسد ،والراجا ما كهب إليه اجلمهور ملا روي عن عائشة رضي هللا عنها أن ال « : من أحيا أرضا عمر أرضا ليست ألحد فهو أحق بـهـا »( ، )1وقَ َ رسول هللا قَ َ ال « :مـن َّ ال « : من أحاط حائطا على أرض فهي له »(.)3 ميتة فهي له »( )2وقَ َ ِ نصها على أن من وجد أرضاً موااتً ليست مبلك ححد ومل يتعلق فهذه اححاديث تدل بصريا ّ هبا شيء من مصاحل املسلمني العامة فإ ّن إحياءها مباح وتصبا بعد متامه ملكاً للمعيي. « وال فرق يف كلك بني املسلم وال ِّذمي إلطالق اححاديث ،وحن ما أيخذه ال ِّذمي من بطون احودية واآلجام ورؤوس اجلبال ملكه وال جيوز انتزاعه منه فاحرض املوات أوىل أن تكون ملكه »(.)4 إال أنه يشرتط يف الت ََّملُّك « أن يستثمر احملي احرض خالل م ّدة ثالث سنني من وضع يده عليها وأن يستثمر هذا اإلحياء ابستغالل » فإن قام إبحيائها أصبعت له وملكاً هبذا السبب ،وإال فإن عليه أن يرتكها لغريه من املسلمني ليستفيدوا. ـال رسول هللا « :من وجاء يف اخلراج حيب يوسف عن عمـر بن اخلطَّاب رضي هللا عنه ،قَ َ أحيا أرضا ميتة فهي له ،وليس حملتج ٍر حق بعد ثالث سنني »( ،)5وع ّقب أبو يوسف على حديث عمر أبنه يؤخذ منه أن من حيتجز حقاً بعـد ثالث سنني ومل يعمل به فال حق له ...وترك بعض ( )1رواه البخــا ِري يف ِ أعمـ َـر » ،يف احلــرث والزراعــة ،)18/5( ،وأمحــد يف مســنده،)120/16( ، َُ ّ َ صــعْيعه ،عــن عائشــة ،بلفــظ « :مــن َ واللفظ له. ي ع ــن ج ــابر معلق ـاً ،)18/5( ،واملوط ــأ بش ــرح الزرق ــاِن ،ابب :القض ــاء يف ِعم ــارة امل ـوات ،)29/4( ،وأمح ـد يف املس ــند، ()2رواه البُ َخ ــا ِر ّ ( ،)327/5وزاد أبو داود ،قَ َ أشهد أ ّن رسول هللا قضى أ ّن احرض ،أرض هللا تعـاىل ،والعبـاد عبـاد هللا تعـاىل ،ومـن أحيـا مـوااتً ال عروةُ : فهــو أحـ ّـق بــه ،)158/2( ،ورواه البَـْيـ َه ِقـ ّـي عــن عائشــة بلفــظ « :مــن أحيــا مــن مـوات احرض شــيئاً ،فهــي لــه-143-142-99/6( ، ـال حس ـ ّـن إس ــناد رواي ــة أيب داود ،احل ــافظ ب ــن حج ــر يف بل ــوغ املـ ـرام ،وق ــد قَـ َ ،)148وال ــدارقطين ،)217/4( ،)46/3( ،وري ــريهم ،وقـ ـ ّد ّ احلباِن عن سند أيب داود :هذا إسناد رجاله ثقات ،لـوال أ ّن ابـن إسـعاق مـدلّس ،وقـد عنعنـه ،وحكـم عليـه أبنـه حسـن لشـواهده ،اإلرواء، ال احلافظ :ويف أسانيدها م َقال ،لكن يتقوى بعضها ببعض. ( .)335/3وقَ َ ( )3رواه أمحــد يف مس ــنده ،)21-12/5( ،)381/3( ،وأب ــو داود ،)179/3( ،واللف ــظ ل ــه ،وه ــو مــن رواي ــة احلس ــن ع ــن مس ــرة ،وق ــد تص ِـعْيا ابـن اجلـارود لـه احلـافظ يف بلـوغ املـرام، ّ ضعفه احلباِن ،اعتباراً مبذهبه يف مساع احلسن بن مسرة ،وعنعنة احلسن تبعاً لـذلك ،وككـر َ ِ وم ْســنَد عبــد بــن )، 122 / 1 ـي(، ـ س الطيال د ـن ـ س م ويف )، 51 / 2 ( وايِن، ـر ـ ل ا د ـن ـ س م ويف ـه، ـ ن ع ـديث ـ حل ا ا ي ـع ـ تص ـرجيا ـ ت ـت ـ ب ث ي )، 866 ص( ُ َْ َ ْ ُ ُ ُ َْ ّ محيد ،)330/1( ،واملعجم الكبري.)209-208/7( ، ِ تقي ال ِّدين :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)80 ( )4النَّـبَـ َهاِنّّ ، ـري ع ــن س ــعيد ب ــن امل َس ــيِّب ع ــن عم ــر ب ــن اخلطَّــاب، ( )5رواه أب ــو يوس ــف يف كت ــاب اخلـ ـراج .قَـ َ ـال حـ ـ ّدثنا احلس ــن ب ــن عم ــارة ع ــن ُّ الزَه ـ ّ ُ الرأْي ة :واحلسن ابن عمارة ضعيف ،وسعيد عن عمر فيه كالم)290/4( ، ص( ،)102-101وقَ َ ال صاحب نصب َ الفقهاء هذه املدة لرأي اإلمام .ويف كلك يقول ابن قُدامة يف امل ْغين « :وإن سأل اإلمهال لعذر له أمهل ُ الشهر والشهرين وحنو كلك »( .)1وجاء يف حاشية الباجوري ما يفيد معىن الكالم اآلنف الذكر(.)2 « والقانون اإلسالمي هنا أحكم من القانون الوضعي املستمد من القانون الفرنسي .ففي هذا وضع اليد م ّدة مخس عشرة سنة ،لتصبا احرض ملكاً لواضع اليد ،سواء أحياها أم القانون يكفي ْ تركها موااتً يف هذه املدة وفيما بعدها كذلك ،فاحلكمة هنا منتفية يف تقرير حق امللكية ،ونظرية « احمر اإلسالميَّة ونظرة القانون الوضعي كبري»(.)3 الواقع » هي وحدها اليت تتعكم ،وفرق بني النظرة ْ وال خيفى من حكمة الش َّْرع برترييبه يف اإلحياء هو « حاجة الناس إىل موارد الزراعة وتعمري الكون مما حيقق هلم رفاهاً اقتصادايً ويوفر ثروة عامة كربى »(.)4 .3استخـراج مـا فـي ابطـن األرض الركاز. ومـن أنـواع العمـل استخراج ما يف ابطن احرض مما ليس حقاً لعامة املسلمني وهو ّ وإما جاهلي. وضابطه :ما دفن يف ابطن احرض من أموال بفعل اإلنسان ،وهو إما إسالمي ّ فاإلسالمي ما وجد عليه عالمة أو كتابة تدل على دفن بعد ظهور اإلسالم ،وأهل العلم يقرون ابلنسبة هلذه احلالة أهنا متلك واملوجود من مال املسلم داخل احرض كاملوجود خارجها وأيخذ حكم اللقطة وهلا تفاصيلها املدونة يف كتب الفقه. أما الكنـز اجلاهلي :فهو ما قام الدليل على أنه دفن قبل اإلسالم .فإكا وجده إنسان فال خيلو من أربع حاالت: ( )1ابن قُدامة :املغْين (.)420/5 ُ ( )2الباجوري ،إبراهيم :حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم على منت أيب شجاع (.)39/2 ( )3قطب :العدالَة االجتِم ِ اعيَّة يف اإلسالم ،ص(.)125 َ َْ ( )4الزحيلي ،د .وهبة :الفقه اإلسالمي (.)551/5 .1أن جيده يف موات أو يف أرض ال يعلم هلا مالك أو يف طريق ريري مسلوك فهو لواجده وفيه اخلمس بال خالف واحربعة أمخاس له. .2أن جيده يف ملك آدمي معصوم ،ففيه روايتان عند اإلمام أمحد: أ -ميلكه واجده حن الكنـز ليس من أجزاء احرض ،بل هو جزء منفصل عنها. ب -يكون لصاحب احرض عند اإلمام أيب حنيفة وحممد بن احلسن الشيباِن ورواية عند اإلمام أمحد. .3أ ن جيده يف أرض احلرب ويعثر عليه بنفسه ،فهو له حن مالك احرض ال حرمة له فأشبه املوادة ،فإن مل يقدر عليه إال حبماية املسلمني فهو رينيمة. .4أن جيده يف ملك انتقل إليه فهو له إن ظهر عليه ،وهذه احلالة ري فيها الروايتان السابقتان يف احلالة الثانية(.)1 ِ ال « :ويف الركاز َّيب قَ َ وملكية ّ الركاز اثبتة ابلسنّة ،فعن أيب هريرة رضي هللا عنه أن الن ّ ال: ال :سئل رسول هللا عن اللُّقطة ف َق َ اخلُمس »( )2وعن َع ْمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قَ َ عرفها سنة ،فإن جاء صاحبها وإال ملك وما مل « ما كان يف طريق مأيتّ ،أو يف قرية عامرة ف ّ الركاز اخلُمس»(.)3 يكن يف طريق مأيت وال يف قرية عامرة ففيه ويف ّ الركاز إىل الوقت الذي شرع فيه هذا وهنا ال بد من كلمة ت َقال « :فقد كان يستخرج من ّ احلكم هو من املعادن القليلة االستعمال ،كالذهب والفضة ،وهذه ليست من ضرورايت اجلماعة كلها كالبرتول والفعم واحلديد ،فهل يلعق البرتول والفعم واحلديد وما حكمها ابلضرورايت املشاعة كاملاء ابلركاز الذي كان معروفاً يف أوائل عهد اإلسالم؟ والكأل والنار ،أم ّ َّ إن الفقهاء قد اختلفوا يف حكم اجلواهر املستقرة يف احرض خبلق هللا كالذهب والفضة والنعاس واحلديد كما اختلفوا يف مدلوهلا ،وهل تدخل يت حكم الركاز من حيث وجوب إخراج اخلمس فيه أم أن هلا حكماً آخر. ( )1ابن قُدامة ،موفق الدين عبد هللا :الكايف (.)420/1 ي يف الزكاة ،ابب :ما يستخرج من البعر ،)545-544/2( ،ومسـلم يف احلـدود ،ابب :جـرح العجمـاء-1334/3( ، ( )2رواه البُ َخا ِر ّ ،)1335و ِ ِ ِ وس ــنَن البَـْيـ َه ِق ـ ّـي الك ــربى ،)190-187/6( ،وال ــدارقطين-96/1( ، ّْ الرتم ــذي( ،)661-34/3والـ ــدارميُ ،)661/3( ، وسنَن أيب داود ،)136/2( ،واملنتقى البن اجلارود.)201-168-101/1( ، ُ ،)236 الس ــنَن الك ــربى ،)23/2( ،ويف ابب :م ــا وج ــد م ــن اللقطّــة يف القري ــة اجلامع ــة )423/3( ،واللف ــظ ل ــه ،وكك ــره يف ـائي يف ُ ( )3رواه النس ـ ّ اجملتىب)44/5(، ويرتتب على هذا اخلالف إحلاق املعدن ابلركاز وعندئذ جيب فيه اخلمس أو التفريق بينهما يف احلكم وعندئذ يسري عليه حكم جديد. تقي ال ِّدين النَّـبَـ َه ِاِنّ « :إن ماكان مركوزاً يف احرض بفعل إنسان أو كان حمدود املقدار يقول ّ ال يبلغ أن يكون للجماعة فيه حاجة فهو ركاز وما كان أصلياً وللجماعة فيه حاجة مل يكن ركازاً وكان ملكاً عاماً وأما ما كان أصلياً ومل يكن للجماعة فيه حاجة ،كاحملاجر اليت تستخرج منها حجارة البناء وريريه ،فال يكون ركازاً وال ملكاً عاماً بل هو داخل يف املِْل ِكيَّة الفردية»(.)1 فالركاز هو ويقول الدكتور وهيب الزحيلي « :ويهمنا رأي املالكية الذي يفرق بني الكنـز واملعدن ّ الرأْي يتفق مع النظرة الكنـز وأما املعدن فهو ما خيرج من احرض من كهب وفضة بعمل وتصفية وهذا َ احلديثة للدول يف ملكية املعادن»(.)2 ويقول اإلمام أبو زهرة « :وهذا جيعل هذه املعادن ملكاً للدولة وابلتايل ملكاً للجماعة تعود فائدهتا إىل مجيع احفراد دون أن يكون كلك مقتصراً على فئة دون فئة »(.)3 ويقول َسيِّد قطب « :وحنن منيل إىل رأي املالكية يف اعتبار هذه احنواع ملكاً عاماً ،ال تنتقل ملكيته إىل مالك احرض اليت وجد فيها ،حن متلكه لألرض ال يعين متلك ما فيها ،إك ليس ملثلها متلك احرض وتطلب يف العادة »(.)4 وعليه « ،فال جيوز لألفراد أن ميتلكوها نظراً حمهيتها وعدم التوافق بني اجلهد املبذول فيها والناتج الذي حيصل منها الذي يوجب أن تكون ملكيتها للدولة وحيق للدولة أن تقطع هذه املعادن ملن د فيه القدرة على استثمارها على أن يكون للمقطع له حق االستغالل( )5وتبقى ملكية الرقبة للدولة، وحيق هلا أن تسرتد كلك احلق مىت انتهت فرتة اإلقطاع»(. )6 ( )1النَّـبَـ َه ِاِنّ :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)81 ( )2الزحيلي ،د .وهبة :الفقه اإلسالمي وأدلته.)583/5( ، اإلسالميَّة ،ص(.)123 وانظر :أبو زهرة ،الشيخ حممد :املِْل ِكيَّة ونظرية العقد يف َّ الش ِر َيعة ْ الش ـ ـ ِر َيعة ( )3أب ــو زه ــرة ،الش ــيخ حمم ــد :التكاف ــل االجتم ــاعي يف اإلس ــالم ،ص( .)38وانظ ــر :أب ــو زه ــرة :املِلْ ِكيَّ ــة ونظري ــة العق ــد يف َّ اإلسالميَّة .)360/1( ، اإل ْسالميَّة ،ص( .)123والعبادي ،عبد السالم داود :املِْل ِكيَّة يف َّ الش ِر َيعة ْ ( )4قطب :العدالَة االجتِم ِ اعيَّة يف اإلسالم ،ص(.)125 َ َْ ( )5وقد أورد املاوردي يف اححكام السلطانية أن إقطاع املعادن الباطنة فيه حكمان: احول :إقطاع متليك ،وميلك به املقطع له الرقبة واالستغالل. الثاِن :إقطاع إرفاق ،وال ميلك به املقطع له رقبة املعدن ،فإكا تركه عاد إىل حكم اإلابحة. املاوردي :اححكام السلطانية ،ص(.)188 ( )6ابن رشد ،أبو الوليد حممد بن أمحد بن راشد (520هـ) ،املقدمات املمهدات ،ص(.)225 ال « :هذا من مراد هللا أورد ابن عقيل يف حكمة ملكية الثروات اململوكة ملكية عامة ،ف َق َ الكرمي وفيض جوده الذي ال ريناء عنه ،فلو ملكه ححد ابالحتجار ملك منفعة ،فضاق على الناس فإن أخذ العوض أرياله ،فتخرج به عن املوضع الذي وضعه هللا ،من تعميم كوي احلوائج من ريري كلفة(.)1 ال الكاساِن( « :)2وأرض امللا والقار والنفط وحنوها مما ال يستغين عنه املسلمون ال جيوز وقَ َ لإلمـام أن يقطعهـا ححـد حهنـا حـق لعامة املسلمني ويف إقطاعها إبطال حلقهم وهذا ال جيوز »(.)3 الصي ــد ّ .4 الصيد ،وهو « :اقتناص احليوان احلالل املتوحش ابلطبع الذي يقدر ومن أنواع العمل ّ عليه»( .)4والصيد من الوسائل البدائية احوىل يف حياة البشرية وال يزال مورداً اقتصادايً مهماً كصيد السمك والآللئ واملرجـان واإلسفنـج وما إليهـا من صيـد البعر والرب ،فإهنا ملك ملن يصيدها. ص ْيدُ ْالبَحْ ِر َو َ ص ْيدُ ْال َب ِ ّر َما ط َعا ُمهُ َمت َاعا لَ ُك ْم َو ِلل َّ قَ َ َّارةِ َو ُح ِ ّر َم َ علَ ْي ُك ْم َ ال تعاىل :أ ُ ِح َّل لَ ُك ْم َ سي َ ()5 د ُْمت ُ ْم ُح ُرما ص َطادُوا )6(فالصيـد منشيء للملكية عند اكتمال الشروط وانتفاء املوانع. ال تعاىلَ :و ِإذَا َحلَ ْلت ُ ْم فَا ْ وقَ َ ويتم إما ابالستيالء الفعلي أو احلقيقي ،وإما ابالستيالء احلكمي. فاحلقيقي :هو إمساك الصائد ابليد ابقرتاب الصائد منه ،وهو يف مصيدته حبيث ميكنه القبض عليه وهذا النوع ال حيتاج متلكه إىل نيّة وقصد الصيد وحكمه :أنه يثبت به امللك مستقراً وال خيرج عن ملك صاحبه حىت ولو استطاع الفرار عند ريري مالك حنه ابستيالء الصائد عليه خرج عن إابحته احصلية ،أما املالكية فريون وجوب استئناس الصيد عن صائده احول ،أما إكا َّفر قبيل استئناسه فإنه يزول ملكه عنه ،فإكا صاده ريري ملكه. ( )1ابن قُدامة املقدسي :امل ْغين مع الشرح الكبري (.)522-520/5 ُ ( )2الكساِن ،هو اإلمام عالء الـدين ابـو بكـر بـن مسـعود الكسـاِن احلنفـي نسـبة إىل كسـان يف بـالد تركسـتان ،فقيـه أصـويل ،يُلقـب مبلـك العلماء ،تويف يف حلب سنة ( 587هجرية ) .انظر :هدية العارفني ،)235/1( ،معجم املؤلفني.)75/3( ، ( )3الكاساِن ،عالء الدين أبو بكر بن مسعود587( ،هـ) بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع (.)194-193/6 ِ السنة.)29/2( ، ( )4سابقَ ،سيّد :فقه ّ ( )5املائدة .96 / ( )6املائدة .2 / واحلكمي :هو ما يكون بوساطة اآللة وحدها وخيرج الصيد هبا عن مناعته وحالته الطبيعية وكلك كمن يضع الشبكة فيتعلق هبا صيد وحنو كلك. وحكمه :أن امللك يثبت به شرطني: احول :أن يكون قصد الصائد بعمله الصيد ،فإن مل يقصد الصيد كمن ينشر شبكته حجل فيفها فيقع هبا صيد فإنه ال ميلكها. الثاِن :أن يكون العمل معجزاً للصيد عن الفرار والعودة إىل حالته الطبيعية ،فإكا توافر الشرطان أصبا الصيد من حق الصائد. فالفرق بني االستيالء احلقيقي واحلكمي :أن احلقيقي ال حيتاج إىل نيّة مطلقاً ويثبت به امللك ويستقر وال خيرج عن ملك صاحبه حىت ولو استطاع الفرار على اخلالف املذكور آنفاً ،وأن احلكمي يشرتط منه نيّة الصيد وتثبت املِْل ِكيَّة فيه إكا مل يتمكن من الفرار وكان قد خرج عن طبيعته ،فإكا () 1 توافر كلك واستقر أصبا ملكه حقيقاً السمسـرة والداللــة ّ .5 السمسار اسم يعمل للغري ابحجر بيعاً وشراءً وهو يصدق أيضاً على الدالل ،فإنه يعمل للغري ّ ابحجر بيعاً وشراءً. والسمسرة نوع من أنواع احعمال اليت ميلك هبا املال شرعاً. ال « :كنَّا يف عهد رسول هللا نسمي السماسرة، فقد روى أبو داود عن قيس بن أيب ريرزة الكناِن قَ َ التجار إن البيع حيضره اللغو فمر بنا رسول هللا فسماان ابسم هو أحسن منه ،ف َق َ ال « :اي معشر ّ ّ واحللف فشوبوه ابلصدقة »(.)2 ( )1انظر: -1الكاساِن ،بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع ( )193/6وما بعدها. -2مدكور ،الفقه اإلسالمي ،ص(.)224-219 اإلسالميَّة ،ص(.)335-333 -3بدران ،د .بدران أبو العننيَّ : الش ِر َيعة ْ -4ابن اهلّّمام ،كمال الدين حممد :فتا القدير و شرح اهلدايّة.)191/5( ، ِ وســنَن البَـْيـ َهقـ ّـي الكــربى، ( )2رواه أبــو داود يف ُســنَنه ،كتــاب البيــوع ،ابب :يف التجــارة ُخيالطهــا احللــف واللغــو ،)242/3( ،واللفــظ لــهُ ، الس ــنَن الك ــربى ،)132-131/3( ،واملعج ــم احوس ــط،)379/4(،)212/4( ، ابب كراهيّ ــة اليم ــني يف البي ــع ،)266-265/5( ،و ُ ي يف اترخيه. وم ْسنَد أمحد ،)280-6/4(،واإلصابة .)493/5( ،وقَ َ ُ ال :أخرجه البُ َخا ِر ّ ومعناه :أنه يبالغ يف وصف سلعته حىت يتعدث مبا هو لغو ،وقد جيازف يف احللف لرتويا سلعته فيندب إىل الصدقة ليمعو أثر كلك وال بد من أن يكون العمل الذي استؤجر عليه للبيع والشراء معلوماً إما ابلسلعة ،وإما ابملدة ،فإكا استأجره ليبيع له ،أو ليشرتي له الدار الفالنية أو املتاع الفالِن صا ،وأما إكا استأجره لعمل جمهول فهو صا وكذلك إكا استأجره ليبيع له أو ليشرتي له يوماً إىل الليل ّ ّ فاسد. التاجر رسوالً عنه ليشرتي له بضاعة يرسل ُ وليس من السمسرة ما يفعله بعض احُجراء وهو أ ْن َ من آخر فيعطيه ماالً مقابل شرائه من عنده فال حيسبها من الثمن ،بل أيخذها له ابعتباره مسسرة من التاجر ،وهو ما يُسمى ( القومسيون ) فهذا ال يعترب مسسرة حن الشخص وكيل عن التاجر الذي يشرتي له ،فما ينقص من الثمن هو للمشرتي وليس للرسول ،ولذلك حيرم عليه أخذه بل هو للمرسل الذي أرسله إال أن يساما به ِ املرسل فيجوز ،وكذلك لو أرسل خادمة ،أو صديقه ليشرتي له شيئاً، وأعطاه البائع ماالً أي( :قومسيوانً) مقابل شرائه من عنده ،فإنه ال جيوز أخذه حنه ليس مسسرة وإمنا للمرسل وليس للرسول املشرتي عن ِ هو سرقه من مال الشخص املرسل ،إك هو ِ املرسل. المطلب الثاني الطـــــــرق المباحــــــة باألسبـــــاب ال َّ ش ْرعيــــــة -1الزكـاة الزكاة يف اللغة :النماء ،وأتيت مبعىن التطهري ،وكال املعنيني مقصودان يف تشريع الزكاة ،فهي طهرة لألموال ومناء هلا على معىن احصل ،أما كوهنا طهرة لألموال ،فألن احموال اليت بني أيدي الناس تشتمل على حقوق الفقراء ،ويف إخراج هذه احلقوق منها بزكاهتا طهارة هلا ،وأما كوهنا سبباً لنمائها، فذلك حن اكتناز احموال مع اإلنفاق منها يؤدي إىل نقصاهنا ونضوهبا ،مث تزيد الزكاة يف سرعة نضوهبا النتقاصها منها كل عام وكلك إن مل حيركها صاحبها يف عملية التنمية والتجارة وبذلك يث الزكاة صاحب املال على دفع أمواله يف عملية التنمية خشية نضوهبا ،وبذلك تكون احموال سبباً لنمائها مال ويل َ ال « :اجتروا يف أموال اليتامى ال أتكلها الزكاة »( ، )1وقَ َ وكلك كمـا قَ َ ال « :أالَ من َّ ٍ ال يتيم ،فليتجر له فيه ،وال يرتكه ،فتأكله الزكاة »( )2فإخراجها سبب لنماء املال وزايدته كما قَ َ تعاىلَ :ي ْم َح ُق َّ ال « : ما نقصت صدقة من مال»( .)4وقد صدَقَا ِ الر َبا َوي ُْر ِبي ال َّ اّلِلُ ِ ّ ت )3( وقَ َ ()5 َّ ويل مال اليتيم روى أبو عبيد القاسم بن سالم يف كتابه احموال أن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه ّ ال أبو عبيد :يعين إن مل يعطه يف التجـارة(.)6 ال « :إن تركنا هذا (املال) أتت عليه الزكاة » قَ َ ف َق َ وعلى هذا فنظام الزكاة جيعل رأس املال يف حالة حركة دائمة ،وممّا يُلفت النظر إليه ،أننا وجدان من علماء االقتصاد يف أورواب من يفكر يف طريقة عملية لتعريك النقود اجملمدة يف صناديق الذين يكتنـزوهنا وال ينفقوهنا ،وعلى سبيل املثال وجدان جفري مارك يف كتابه :الوثنية اجلديدة ،يقرتح أن تفرض الد َّْولَة ضريبة خاصة على كل أرصدة الودائع من النقد يف املصارف( .)7ووجدان لورد كينـز يقرتح يميل النقد تكاليف حيازته يف نسبة مئوية تفرض على أصوله لتعفزه دائماً إىل ميدانه احليوي يف اإلنتاج والتبادل( ،)8وحنن نرى أن ما انتهى إليه هذان املفكران ليس جديداً علينا ففي فرض الزكاة على النقود وتوظيفها يف توفري صنوف الرعاية االجتِم ِ اعيَّة ملن هم يف حاجة إليها يف اجملتمع تنشيط لعجلة َْ االقتصاد وحث لألصول النقدية إىل جماهلا احليوي يف ميادين االستثمار وحركة اإلنتاج والتبادل يف احسواق وهبذا حال اإلسالم بتشريعاته املالية من دون كنـز النقود وتعطيلها عن دورة اإلنتاج والتبادل، حن النقود يف حقيقتها ال تعدو أن تكون ممثلة لسائر الطيبات من سلع وخدمات ،وهي كما يقول ( )1رواه مالك يف املوطأ ،ابب :زكـاة أمـوال اليتـامى والتجـارة ،هلـم فيهـا عـن عمـر بـن اخلطَّـاب ،)251/1( ،والطَّـرباِن يف املعجـم احوسـط صـ ـ ِـعْيا، ع ــن ب ــن أن ــس ،)264/4( ،ويف ــة احح ــوكي ،)283/3( ،وجمم ــع الزوائ ــد ،ابب :زك ــاة أمـ ـوال احيت ــام ،وقَ ـ َ ـال :إ ّن إس ــناده َ ص ِعْيا . ال اهليثمي :قَ َ ( ،)67/3وفيض القدير ،)107/1( ،قَ َ ال العراقي :إ ّن إسناده َ ( )2شرح الزرقاِن ،)439/3( ،عن َع ْمرو بن ُشعيب عن أبيه ،عن جده. ( )3البقرة .276 / ( )4رواه مسـلم يف صـ ِـعيعه عــن أيب هريـرة ،ابب :اســتعباب العفــو والتواضــعِ ،)2001/4( ، وصـ ِـعْيا َ ْ وصـعْيا ابــن ُخَزْميـَـةَ ،)97/4( ، َ ِ ِ ِ وســنَن وســنَن ّ ْ وســنَن الــدارمي ،ابب :فضــل الصــدقةُ ،)486/1( ، الرتمــذي ابب :مــا جــاء يف التواضــع (ُ )376/4 ابــن حبّــانُ )40/8( ، ِ وم ْسنَد أمحد ( )286/2واملعجم الكبري (.)405/11 البَـْيـ َهق ّي الكربى ( ،)235/10()161/8وموطأ مالك (ُ ،)1000/2 ( )5هو أبو عبيد القاسم بن سالم اهلروي احزدي اخلزاعي ابلوالء بغدادي ،من كبار علماء احلديث واحدب والفقه ،ألّـف كتبـاًكثـرية منهـا الغريب وهو من أئمة أهل السنة واجلماعة تويف مبكة سنة 224هـ .انظر :سري أعالم النبالء ( .)490/10وهتذيب التهذيب ()315/8 واحعالم (.)176/5 ( )6ابن سالم ،أبو عبيد القاسم ،احموال ،ص(.)612 ( )7قرشي ،أنور إقبال ،اإلسالم و ِّ الرَاب ،ترمجة فاروق حلمي ،ص(.)188 ( )8قرشي ،أنور إقبال ،اإلسالم و ِّ الرَاب ،ترمجة فاروق حلمي ،ص(.)68 التمول وأمثان احشياء »( )1وما يزال االقتصاديون ال يؤمنون أبن املال يف كاته هو الزخمشري « :قانون ّ الثروة أو أنه انفع إال إكا كان خادماً مرريوابً منه لإلنتاج والتبادل ،فإكا تكدس فقد انقلب خمدوماً ومل يعد خادمـاً(.)2 ()3 سبِي ِل َّ َب َو ْال ِف َّ اّلِلِ ومن هنا نفهم معىن قول هللا تعاىلَ :والَّذِينَ يَ ْكنِ ُزونَ الذَّه َ ضةَ َو َال يُ ْن ِفقُونَ َها فِي َ فَبَ ّ ب أ َ ِل ٍيم )4(فال كنـز ما دام اإلنفاق يف سبيل هللا موجوداً وأقلّه الزكاة ،ويف احثر «ما أديت ش ِْر ُه ْم بِعَذَا ٍ زكاته فليس بكنـز »( )5إك ال تمع الكنـزية والزكاة كما أن رأس املال ليس من حقه الربا حنه رأمسال جمرد ،بل لآلخرين فيه حق جملرد أنه رأمسال ،وال يستعق رأس املال الربا بعد هذا إال يف مقابل استعداده لتعمل اخلسارة كما يف شركة املضاربة ،إمنا يستعق صاحب رأس املال الربا يف مقابل يمله اخلسارة كلها يف حالة اخلسران ،أما رأس املال اجملرد فإنه يستعق النقصان ابلزكاة وال يستعق الربا بدون مقابل. اإلسالميَّة إىل وهذا فارق دقيق كبري بني النظرة َّ الرأْ ُمساليَّة والشيوعية من جهة ،وبني النظرة ْ قضية رأس املال. الرأْ ُمساليَّة ترى أن رأس املال يستعق الربا دائماً وبال مقابل ،ومن هنا أجازوا ِّ الرَاب فالنظرية َّ وأمثاله مما يكون فيه رأس املال راحباً يف كل حالة ،ومل يفرضوا على رأس املال أي ضريبة وإمنا تكون الضرائب على أرابح رأس املال. والنظرية الشيوعية اليت تعترب رأس املال مستغالً وأنه ميتص أرابح العمال. الكشاف ،ص(.)187 ( )1الزخمشريّ : ( )2قرشي ،أنور إقبال :اإلسالم و ِّ الرَاب ،ص(.)188 خص الذهب والفضـة مـن بـني املعـادن هنـا حهنمـا ( )3كنـز املال يف احصل هو جعل بعضه فوق بعض وحفظه يف الصناديق واخلزن ،وقد ّ أمثان احشياء وقانون التمول ،وهو أداة التبادل العامة وحن كنـزه هو الذي يظهر فيه أثر النهي: -1احصفهاِن ،الراريب :املفردات يف ريريب القرآن ،ص(.)442 -2الزخمشري ،الكشاف عن حقائق التنزيل ،ص(.)187 -3النَّـبَـ َه ِاِنّ :النِّظَام االقتصادي ،ص(.)264 ( )4التوبة .34 / ( )5هذا احثر ليس حديثاً عن رسول هللا ،إّمنا روي عن عمر بن اخلطَّـاب رضـي هللا عنـه .انظـر مصـنف بـن أيب شـيبة( )411/2بلفـظ « :ليس بكنـز ما ّأدى زكاته» ومصنّف عبد الرزاق «:ليس بكنـز إكا ّأديت زكاته » ،ص(.)402 « فاإلسالم بواسطة أنظمته كلها وبواسطة الزكاة قد جعل املسألة يف وضع ال ميكن أن يكون هناك أعدل منه :املال يربا يف مقابل يمله اخلسارة .وصاحب رأس املال يربا يف مقابل إدارته ويمله اخلسارة »(. )1 وعلى صاحب رأس املال أن يدفع سنوايً ،ال من احرابح وحدها ،بل من احرابح ورأس املال نسبة مئوية اثبتة ،حصناف من البشر. فزكاة الثروة النقدية تكون بنسبة % 2,5اثنني ونصف يف املائة من الثروة النقدية اليت حيول احلول على حيازهتا ،وزكاة العروض التجارية أبنواعها من شىت السلع والبضائع تكون بنسبة % 2,5 اثنني ونصف يف املائة ،من جمموع قيمتها النقدية وزكاة الثروة الزراعية تكون بنسبة %10أي عشر احملاصيل الزراعية ومثارها إكا سقيت مباء املطر دون آلة ،وبنسبة % 5أي نصف عشر احملاصيل اليت تسقى ابآللة وتستلزم تكاليف السقي وجر املياه إليها وزكاة الثروة احليوانية من اإلبل والبقر والغنم واملاعز ،بنسب تتفاوت تبعاً حعدادها كما هو مبني يف مواضعه من كتب الفقه اإلسالمي وزكاة الثروة املعدنية من ركاز يف ابطن احرض ومعادن تستخرج عن طريق املناجم بنسبة اخلُمس مما خيرج من احرض من كنوز ومعادن ،وزكاة الثروة البعرية بنسبة اخلُمس مما خيرج من البعر ،وقد روى القاضي أبو يوسف ال جل ثناؤه من البعر اخلُمس» قَ َ يف كلك أن عمر بن اخلطَّاب رضي هللا عنه قَ َ ال « :فيما أخرج هللا ّ ابن َعبَّاس « وكلك رأيي »(.)2 ال « :كتب عمر بن ومن التطبيقات املهمة يف كلك ما رواه لنا أبو عبيد القاسم بن سالم قَ َ عبد العزيز إىل عاملة على عمان أن ال أيخذ من السمك شيئاً حىت يبلغ مائيت درهم ،فإكا بلغ مائيت درهم فخذ منه الزكاة(.)3 ويصيل زكاة الثروة وجبايتها وظيفة من الوظائف احَ َساسيَّة للدولة يف اإلسالم حيث تقوم احجهزة اإلدارية املختصة بذلك ابإلشراف على ميزانية هذه الفريضة املالية ،وتدقيق حساابهتا وضبط شؤونـها وتنظيم جبايتها وتوجيهها إىل مصارفها وأهدافها لتوفري صنوف الرعاية االجتِم ِ اعيَّة ملن هم َْ حباجة إليها ،ولذلك فقد خصص القرآن سهماً خاصاً من ميزانية الزكاة لـ « العاملني عليها » وهم املوظفون القائمون بتنظيم شؤوهنا وضبط أمورها مما يؤكد أن يصيل هذه الفريضة املالية هو وظيفة من صدَقَة ت ُ َ ط ِ ّه ُر ُه ْم وظائف اإلدارات الرمسية يف الد َّْولَة وكلك كما قَ َ ال هللا تعاىلُ :خ ْذ ِم ْن أ َ ْم َوا ِل ِه ْم َ ( )1حوى :سعيد ،اإلسالم ،ص(.)116 ( )2أبو يوسف ،القاضي ،اخلراج ،ص(.)70 ( )3ابن سالم ،أبو عبيد القاسم :احموال ،ص(.)482 َوتُزَ ِ ّكي ِه ْم بِ َها )1(فقولــه تعالـىُ :خ ْذ ِم ْن أ َ ْم َوا ِل ِه ْم خطاب للنيب ولكل ويل حيكم الد َّْولَة من أمته ليقوم بتعصيل هذه الفريضة املالية واإللزام هبا ،وعدم التفريط فيها .واحلكمة يف توجيه اخلطاب هنا للنيب أنه الداعي إىل هللا واملبني عنه ما أراده ... ،وليكون سلوك احمة يف تشريعها احلقوقي على حسب ما ينهجه ويبينه هلم(.)2 نصت السنّة النبوية على وظيفة الد َّْولَة يف يصيل هذه الفريضة املالية وتوجيهها يف وقد ّ مصارفها وكلك يف قوله ملعاك بن جبل حني بعثه إىل اليمن فأخربهم أن هللا افرتض عليهم صدقة ال ابن َح َج ٍر يف شرحه هلذا احلديث استدل بقوله: تؤخذ من أرينيائهم فرتد على فقرائهم( )3وقد قَ َ «تؤخذ من أرينيائهم فرتد على فقرائهم» على أن اإلمام-وهو احلاكم -هو الذي يتوىل قبض الزكاة وصرفهـا ،إما بنفسـه وإما بنائبـه ،فمن امتنع منها أخذت منه قهراً »(. )4 ولذلك أعلن أبو بكر الصديق رضي هللا عنه حرابً على الذين متردوا وامتنعوا عن أداء الزكاة للدولة ،حىت محلهم على أدائها. ومن التطبيقات العملية يف ما رواه لنا أبو عبيد القاسم بن سالم عن انفع رضي هللا عنه :أن ال « :ادفعوها إىل العمال»( ،)5كما روى أبو عبيد احنصار سألوا ابن عمر عن الصدقة (أي الزكاة ) ف َق َ أسيِّد ( عبيد هللا بن اثبت القاسم بن سالم عن أيب يُونُس موىل أيب هريرة أنه مسع أاب هريرة وأاب َ احنصاري) صاحيب رسول هللا يقوالن « :إن حقاً على الناس إكا قدم املصدق أن يرحبوا به وخيربوه أبمواهلم وال خيفوا عنه شيئاً »(.)6 وهذا كلّه قرآن وسنّة وتطبيق عملي ،يدل على أن يصيل زكاة الثروة وظيفة من الوظائف َساسيَّة للدولة يف اإلسالم وهذه الد َّْولَة هي املسؤولة عن وصول هذه احلقوق املالية إىل اجلهات اح َ ( )1التوبة .103 / السنَن ،شرح ُسنَن أيب داوود للخطايب البسيت.)7/2( ، ( )2معامل ُ ( )3رواه البخــا ِري يف ِ ِ ـيب ّ أمتــه إىل َُ ّ َ صــعْيعه ،كتــاب الزكــاة ابب وجــوب الزكــاة ،)505/2( ،وكتــاب التوحيــد ،ابب مــا جــاء يف دعــاء النَّـ ّ ِ ِ صـعْيا ابـن ُخَزْميَـة ،ابب وصـعْيا مسـلم ابب الـدعاء إىل الشـهادتني وشـرائع اإلسـالم ،)50/1( ،و َ توحيد هللا تعـاىل َ ،)2685/6( ، ِ ِ احم ــر ب َقس ــم الص ــدقة ،)54/5( ،وس ــنَن ِ ِ وس ــنَن ال ــدراقطين ، )135/2(، ُ ّْ وس ــنَن البَـْيـ َهق ـ ّـي الك ــربىُ ،)170/3( ، الرتم ــذيُ ،)21/3( ، وسنَن ابن ماجة (.)568/1 السنَن الكربىُ ،)30/2( ، ُ وسنَن أيب داوود ،)104/2( ،و ُ ِ ِ ٍ ي.)280/3( ، ر ا خ الب ا ي ع ص ح شر الباري فتا العسقالِن/، ر ج ح ابن ) 4 ( ََ َ ْ َُ ّ ( )5ابن سالم ،أبو عبيد القاسم :احموال ،ص(.)760 ()6ابن سالم ،أبو عبيد القاسم :احموال ،ص(.)558 املستفيدة من حصيلة زكاة الثروة يف اجملتمع ،ولكل من هذه اجلهات أو املصارف دائرة تتسع أو تضيق مبقدار ما يندرج فيها من حاالت وجيمع بينها تشابه ومشول. املِينَ ين َو ْالعَ ِ صدَقَاتُ ِل ْلفُ َق َر ِ وهذه اجلهات هي املذكورة يف قوله تعاىل :إِنَّ َما ال َّ اء َو ْال َم َ سا ِك ِ اّلِلِ َو َّ ضة ِمنَ َّ س ِبي ِل َّ اّلِلِ َواِب ِْن ال َّ اّلِلُ علَ ْي َها َو ْال ُم َؤلَّفَ ِة قُلُوبُ ُه ْم َوفِي ِ ّ الرقَا ِ سبِي ِل فَ ِري َ َ ب َو ْالغَا ِر ِمينَ َوفِي َ َع ِليم َح ِكيم .)1( وهذه اآلية تدل على حصر مصارف الزكاة يف هذه احصناف القتضاء احلصر الوارد يف قوله ال :أتيت رسول هللا فبايعته فذكر تعاىل :إِنَّ َما ال َّ صدَقَاتُ )2(وملا ثبت عن زايد بن احلارث قَ َ ال رسـول هللا « : إن هللا تعاىل مل يرض ال أعطين من الصدقة ،ف َق َ ال :فأاته رجل ف َق َ حديثاً طويالً قَ َ حبكم نيب وال غريه يف الصدقات حىت حكم هو فجزأها مثانية أجزاء فإن كنت من تلك األجزاء أعطيتك حقك » (.)3 فمدار االستعقاق هو احلاجة-حاجة الفرد إىل كفاية نفسه ومن يعوله -كلك أن العيش حق لكل إنسان ،فيجب أن ينال هذا العيش حقاً ال منعة وال عطفاً ،والسبب الذي يضمن للفرد من اإلسالميَّة احلصول على قوته هو العمل ،فإكا تعذر عليه العمل كان على الد َّْولَة أن ُهتيِّئه رعاية الد َّْولَة ْ له فإكا تعذر إجياد عمل له أو عجز عن القيام به ومل يوجد من ب عليه نفقته كانت نفقته على بيت املال وهو احلق املعلوم وهلذا كلّه كان من أسباب الت ََّملُّك احلاجة للمال حجل احلياة. -2نظــام النفق ــات والزكاة ليست وحدها حق املال ،وإمنا هي احلد احدىن املفروض يف احموال .ونظام النفقات يف التشريع اإلسالمي من أكرب عوامل التكافل العائلي ،وهو نظام فريد يؤدي إىل يقيق الوظيفة العائلية للملكية يف دائرة احسرة واحقرابء. ( )1التوبة .60 / الشــافِعِي ة ( )2و هــذا مــا كهــب إليــه مجهــور العلمــاء مــن احلَنَ ِفيَّــة واحلنابلــة واملالكيــة إىل جـواز دفــع الزكـاة ححــد احصــناف الثمانيــة ،أمــا َّ والظاهريـة فقــد كهبـوا إىل وجـوب تعمــيم صـرفها علــى احصـناف الثمانيــة ابلتســاوي حن القـرآن ككــرهم وحصــر الزكــاة فـيهم .واحلــق مــا كهــب إليه اجلمهور وخاصة إن بعض احصناف مل يبق له أثر اآلن. ِ ( )3رواه أب ــو داوود يف ُس ــنَنه واللف ــظ لـ ـه ،)117/2( ،و ُس ــنَن البَـْيـ َهق ـ ّـي الك ــربى ،)173/4( ،وش ــرح مع ــاِن اآلاثر ،)17/2( ،وف ــيض القدير ( ،)253/2والبيان والتعريف ()182/1 والفقهاء متفقون على وجوب نفقة املعسر املوسر ،وإن كانوا خمتلفني يف الدرجات اليت يشملها هذا الوجوب: .1فهم متفقون على وجوب نفقة الزوجة على زوجها ولو كان معسراً ،أما إكا كانت هي موسرة وهو معسر فابن َح ْزم يرى وجوب نفقته عليها واجلمهور على خالفه. .2وهم متفقون كذلك على وجوب نفقة أوالد الصلب على أبيهم والوالدين على أبنهما. واختلفوا فيما عدا كلك ،وسأعرض قواعدهم يف وجوب اإلنفاق: .1املالكية :ال ب إال للوالدين واحوالد فقط. ب لألصول والفروع. .2الشَّافِعِية: ب لكل كي رحم حمرم. .3احلَنَ ِفيَّة : ب بني شخصني جرى بينهما املرياث بفرض أو تعصيب من .4احلنابلة: الطرفني. .5واختار اإلمام ابن تَـْي ِميَّة رمحه هللا أن النفقة ب لكل قريب من ريري احصول والفروع إكا كان واراثً(.)1 ونفقة القريب املعسر على قريبه املوسر ليست من ابب الرب واإلحسان والتفضيل االختياري بل هي حق واجب وفريضة إلزامية فلو أتخر عن القيام هبا فإن لويل احمر حبسه على كلك حىت يقوم بدفعها. « ولو طبق-هذا النظام -يف جمتمعنا تطبيقاً دقيقاً مع مراعاة تطور احلياة االجتِم ِ اعيَّة ابلنسبة َْ للعصور املاضية لكان كا أثر كبري يف حمو كثري من مظاهر البؤس والتفكك يف جمتمعنا ...ويقيق التكافل االجتماعي»(.)2 ( )1انظر :مذاهب الفقهاء وأدلتهم وتفصيل اححكام يف نظام النفقات. -1ابن قُدامة ،املغىن .219 ،217 ،195/8 -2اخلطيب الشربيين :مغين احملتاج إىل معرفة ألفاظ املنهاج (.)425/2 -3الدسوقي :حاشية الدسوقي على الشرح الكبري (.)522/2 -4رد احملتار على الدر املختار :حاشية ابن عابدين (.)571/3 ( )2السباعي ،د .مصطفى :شرح قانون اححوال الشخصية السوري.)342/1( ، -3املي ــراث ان اقتضت حكمة هللا أ ّن ُ ك ُّل َم ْن َ علَ ْي َها فَ ٍ اإلنسان ينتقل مبوته إىل ريريه ،لكن إىل من ينتقل؟ اهليَّة اجلائر عن تشريع اإلسالم العادل ،ففي نظام اجل ِ هنا خيتلف نظام اجل ِ اهليَّة كان ينتقل مال َ َ امليت إىل الكبري من أبنائه ،فإن مل يكن فإىل أخيه أو عمه فال يورثون الصغار وال اإلانث حبجة أن هؤالء ال حيمون الذمار وال يقاتلون وال حيوزون املغامن ،يوضا كلك ما روى ابن َعبَّاس رضي هللا عنهما ()1 وأن هذه الدنيا دار ممر ال مقر وأن مال ال « :ملا نزلت الفرائض اليت فرض هللا فيها ما فرض للولد الذكر واحنثى واحبوين كرهها الناس أو قَ َ بعضهم قَالوا :تعطى املرأة الربع والثمن وتعطى االبنة النّصف ويُعطى الغالم الصغري ،وليس من هؤالء أحد يقاتل القوم وال حيوز الغنيمة .اسكتوا عن هذا احلديث لعل رسول هللا ينساه أو نقول له فيغريه، ال بعضهم :اي رسول هللا أنعطي اجلارية نصف ما ترك أبوها وليست تركب الفرس وال تقاتل القوم، ف َق َ ونعطي الصيب املرياث وليس يغين شيئاً وكانوا يفعلون كلك يف اجل ِ اهليَّة ،ال يعطون املرياث إال من قاتل َ يعطونه احكرب فاحكرب»(.)2 « فهذا كان منطق اجل ِ اهليَّة العربية الذي كان حييك يف بعض الصدور وهي تواجه فريضة هللا َ ِ وقسمته العادلة احلكمية ومنطق اجلَاهليَّة احلاضرة الذي حييك يف بعض الصدور اليوم وهي تواجه فريضة هللا وقسمتـه لعلـه خيتلـف قليـالً أو كثيـراً عـن منطق اجل ِ اهليَّة العربية »(.)3 َ ِ مث جييء تشريع اإلسالم احلكيم معلناً بطالن نظام اجلَاهليَّة يف التوريث إمجاالً بقوله تعاىل : ان َو ْاأل َ ْق َربُونَ ِم َّما َق َّل س ِ ِل ِ ّ اء ن ِ لر َجا ِل ن ِ ان َو ْاأل َ ْق َربُونَ َو ِلل ِنّ َ َصيب ِم َّما ت ََركَ ْال َوا ِلدَ ِ َصيب ِم َّما ت ََركَ ْال َوا ِلدَ ِ اّلِلُ فِي أ َ ْو َال ِد ُك ْم ِللذَّ َك ِر ِمثْ ُل َح ِ ّ ُوصي ُك ُم َّ ظ َصيبا َم ْف ُروضا )4(وتفصيالً بقوله :ي ِ ِم ْنهُ أ َ ْو َكث ُ َر ن ِ ساء فَ ْوقَ اثْنَتَي ِْن فَلَ ُه َّن ثُلُثَا َما ت ََركَ َوإِ ْن َكان ْ ف )5(وبقوله َت َو ِ احدَة فَلَ َها ال ِنّ ْ ص ُ ْاأل ُ ْنث َ َيي ِْن فَإ ِ ْن ُك َّن نِ َ الربُ ُع ِم َّما ت ََر ْكت ُ ْم ِإ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَ ُك ْم َولَد فَإ ِ ْن َكانَ لَ ُك ْم َولَد فَلَ ُه َّن الث ُّ ُم ُن تعالـى يف حـق الزوجـاتَ :ولَ ُه َّن ُّ ()6 ف َما ت ََركَ َو ُه َو ْس لَهُ َولَد َولَهُ أ ُ ْخت فَلَ َها نِ ْ ص ُ ِم َّما ت ََر ْكت ُ ْم وبقولـه سبعانـهِ :إ ِن ْام ُرؤ َهلَكَ لَي َ ( )1الرمحن .26 / ( )2رواه ابن جرير يف تفسريه ،)275/4( ،وككره ابن كثري يف تفسريه،)459/1( ، ( )3قطبَ ،سيِّد :يف ظالل القرآن.)590/1( ، ( )4النساء .7 / ( )5النساء .11 / ( )6النساء .12 / ساء ان ِم َّما ت ََركَ َو ِإ ْن َكانُوا ِإ ْخ َوة ِر َجاال َونِ َ يَ ِرث ُ َها ِإ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَ َها َولَد فَإ ِ ْن َكانَت َا اثْنَتَي ِْن فَلَ ُه َما الثُّلُث َ ِ فَ ِللذَّ َك ِر ِمثْ ُل َح ِ ّظ ْاأل ُ ْنثَيَي ِْن .)1( فإكا مجعت إىل هذه اآلايت قوله « : أحلقوا الفرائض أبهلها فما بقي فهو ألوىل رجل ذكر » ()2 وجدهتا قد استوعبت أكثر أحكام املواريث ومهماهتا ()3 حيث يؤخذ منه بيان مصرف ما تب قى بعد الفروض من الرتكة وأنه حقرب العصبة ابلنسب .وأييت بعدهم العصبة ابلوالء الذين ورد ككرهم يف قوله « : إمنا الوالء ملن اعتق »( .)4فهذه احدلة بيّنت اإلرث بنوعيه فرضاً وتعصيباً ويف ب َّ اّلِلِ )5(وقوله « :اخلال وارث من قوله تعاىلَ :وأُولُو ْاأل َ ْر َح ِام َب ْع ُ ض ُه ْم أ َ ْولَى ِب َب ْع ٍ ض ِفي ِكت َا ِ ال وارث له »( « )6بيان ملصرف الرتكة إكا مل يوجد أحد من كوي الفروض من احقارب وال من العصبة وأن مصرفها حينئذ يكون لبقية احقارب ممن ليس بذي فرض وال عصبة -على خالف يف كلك بني العلماء »(.)7 كل احنظمة والقوانني املعروفة على وجه هذا هو نظام املرياث يف اإلسالم الذي يتميز عن ّ احرض ،ويقف بينها كالطود احشم بعدله ورمحته وتوازنه, ،إكا كانت الشيوعية تلغي نظام املرياث وال يزه فإ ّن هذا إمهال حسرة املالك وحرمان هلا من جهد مورثها كما أنه قتل لروح العمل واجلد واملثابرة عند املالك. الرأْ ُمساليَّة أبقل سوءاً من الشيوعية ،فقد أعطت املالك احلق يف أن جيعل ماله من بعده وليست َّ للكالب والقطط والعاهرات وحيرم منه أبناءه وأقرابءه. ( )1النساء .176 / ص ِعْيعه كتاب الفرائض ،ابب :أحلقوا الفرائض أبهلها ،)2478-2477-2476/6( ،ومسـلم كتـاب الفـرائض، ي يف َ ( )2رواه البُ َخا ِر ّ (ِ )1234-1233/3 وســنَن الــدرامي ،ص(،)464 َ وم ْســنَد أمحــدُ ،)325 -292/1( ، وصــعْيا ابــن حبّــانُ ،)389-387/13( ، ُم ْسنَد الطيالسي.)340/1( ، ( )3انظر :ابن عثيمني :تسهيل الفرائض (املقدمة). ص ِـعْيا مسـلم،)144-141-140-139/10( ، وي علـى َ ( )4فتا البـاري ،)47-45-44-43-40-39/12( ،وشـرح النَّـ َو ّ ِ ِ وسنَن النسائي = وسنَن البَـ ْيـ َهق ّي الكربىُ ،)240/6( ،)337/5( ، َ صعْيا ابن حبّان ،ابب :الوالءُ ،)503/11( ،)167/10( ، وم ْسـ ــنَد أمح ـ ــد،)281/1( ، )، 167 / 4 ( ـط، ـ ـ س احو ـم ـ ـ ج املع و )، 782 781 780 / 2 ( ، ـك ـ ـ ل ما ـأ ـ ـ ط ومو )، 305 / 7 ( ، ـىب) ـ ـ ت =(اجمل ُ وم ْسنَد الطيالسي ،)197/1( ،واملعجم الكبري.)308/11( ، ( ،)135/6( ،)156/2واملعجم الصغريُ ،)291/1( ، ( )5احنفال .75 / ال احلافظ ابن َح َج ٍر يف فتا الباري )30/12( ،حديث حسن ،ويفة اححـوكي ( )6رواه أبو عوانه يف مسنده ،)447-446/3( ،وقَ َ ـال ـال أمح ــد م ــرتوك احل ــديث .وقَ ـ َ ـال :قَ ـ َ الرج ــال ،)269/4( ،وقَ ـ َ ( ،)236/6وف ــيض الق ــدير ،)502/3( ،وميـ ـزان االعت ــدال يف نق ــد ّ ابلقوي.)269/4( ، النسائي ليس ّ ( )7الفوزان ،صاحل بن فوزان بن عبد هللا :التعقيقات املرضيَّة يف املباحث ال َفرضية ،ص(.)8 وميّزة اإلسالم يف هذا النِّظَام ظاهرة لألبصار ظهور الشمس يف رابعة النهار ،فهو الذي أوصل ال «:إن هللا أعطى كل ذي حق حقه فال وصية لوارث»( )1وإكا كانت احلقوق إىل مستعقيها كما قَ َ اجل ِ ال « : اهليَّة راعت احقوايء وحرمت الضعفاء من املرياث فإن اإلسالم راعى هؤالء الضعفاء كما قَ َ َ إنك أن تذر ورثتك أغنياء خري من أن تدعهم عالة يتكففون الناس»(.)2 فهو سبب من أسباب الت ََّملُّك للمال اإلرث ،بتنظيم من الشَّا ِرع ال إبرادة املالك إال فيما جعل له من الوصية يف حدود ثلث ما ميلك. وهو نظام يراعي يف التوزيع درجة القرابة ،فكلما كانت القرابة أكثر التصاقاً ابمليت كان نصيبها أكثر ،كما يالحظ يف التوزيع مقدار احلاجة ،فنصيب الفروع أكرب من نصيب احصول حهنم أكثر احتياجاً ،إك هم مقبلون على احلياة بينما اآلابء واحمهات مدبرون عنها ،كما أنه يف توزيعه للرتكة يتجه إىل التفتيت دون التجميع ويندر يف مسائل املرياث أن ينفرد ابلرتكة واحد ،فاملِْل ِكيَّة يف اإلسالم تتوزع جيالً بعد جيل ابلتوريث « ،فهو وسيلة من وسائل تفتيت الثروة وليس تفتيت الثروة علّة له ،بل هي بيان لواقعه وكلك أن الثروة وقد أبيعت ملكيتها قد تتجمع يف يد أفراد حال حياهتم ولكي ال يستمر هذا التجمع بعد مماهتم ،كان ال ب ّد من وسيلة لتفتيتها بني الناس »(.)3 وهذا يعطينا داللة واضعة على احرتام اإلسالم للملكية الفردية إك أنه يسلم الثروة اليت خيلفها ال « : ومن ترك ماالا فلورثته »(.)4 امليت إىل يد وارثة موفورة حمرتمة كما قَ َ « وإنك لو أتملت حكمة اإلسالم يف احرتام املِْل ِكيَّة الفردية ووضع القواعد للمواريث لعرفت أن هذا من أكرب الدوافع اليت يفز املمولني إىل قوة االستثمار والنشاط يف اإلنتاج ويدعو إىل السهر على املصاحل وبذل اجلهود القوية يف تكثري احموال وهو يف الوقت نفسه حيمي هذه احموال من ِ ( )1رواه ِ ِ ِ وس ـ ــنَن اب ـ ــن ماجـ ــة ّْ وسـ ــنَن البَـْيـ َهقـ ـ ّـي الكـ ــربى ُ ،)244/6( ، الرتمـ ــذي يف ُسـ ــنَنه ابب م ـ ـا جـ ــاء ال وصـ ــيّة ل ـ ـوارثُ ،)433/4( ، ( ،)906/2( ،)905/2واملعجم احوسط ،)8/8( ،واملعجم الكبري.)33/17( ،)114/8( ، صـ ـ ِـعْيعه كتـ ــاب النفقـ ــات ،ابب فض ـ ــل النفقـ ــة علـ ــى احهـ ــل ،وريـ ــريه مـ ــن امل ـ ـواطن،)435/1( ،)2047/5( ، ي يف َ ( )2رواه البُ َخ ـ ــا ِر ّ ِ ( ،)1006/4( ،)1006/3وص ـ ِـعيا مس ــلم (ِ ،)1777/4( ،)1253/3( ،)1251/3 وس ــنَن َ ْ َ ص ــعْيا اب ــن حبِّ ــان (ُ ،)61/10 ِ الرتِم ِذي كتاب الوصااي (.)430/4 ّْ ( )3النَّـبَـ َه ِاِنّ :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)115 ِ وص ـ ـ ـ ـ ِـعْيا مس ـ ـ ـ ــلم (،1237/3( ، )592/2 يَ )2484 ،2476/6( ،)1795/4( ،)805،845/2( ، (َ )4 ص ـ ـ ـ ــعْيا البُ َخ ـ ـ ـ ــا ِر ّ صـ ـ ِـعْيا ابـ ــن ِحبِّـ ــان ( ،)334 ،333 ،331/7مـ ـوارد الظمـ ـ ن ،)1238املنتقـ ــى البـ ــن اجلـ ــارود (َ ،)280 ،242 ،240 ،83/1 ِ (ُ ،)558 ،330 ،282/1س ــنَن الرتمـ ــذيُ ،)341/2( ،)413/4( ،سـ ــنَن البَـْيـ َهقـ ـ ّـي الكـ ــربى ( ُ ،)214 ،)213 ،206/3سـ ــنَن الد َ ِ السنَن الكربىُ ،)75،76،77،90/4( ،سنَن ابن ماجة (،)17/1 ين (ُ ،)85/4سنَن أيب داودُ ،)247 ،137 ،123/3( ، َّارقُطْ ّ ( ،)914/2مصنف عبد الرازق .)291 ،289/8( ، فالر ُجل الذي يعرف أن احموال اليت بذل يف مجعها صعته وعقله أن تعيث هبا يد السرف والتبذيرَّ ، ستصري بعد كلك إىل الد َّْولَة ال ينتفع هبا بنوه بطريق مباشر ليس هناك ما حيفزه إىل ادخارها ويدفعه إىل احملافظة عليها »(.)1 واإلسالم هبذا يقوي أواصر القرابة بني الوارث واملوروث وحيكم الصلة بينهما بوشيعة الرحم ب َّ اّلِلِ .)2( ال َ :وأُولُو ْاأل َ ْر َح ِام بَ ْع ُ ض ُه ْم أ َ ْولَى بِبَ ْع ٍ ض فِي ِكت َا ِ كما قَ َ الر ُجل حيث تقع وهذا النِّظَام مل حيرم املرأة من حق امللك بسبب املرياث فلها نصف نصيب َّ عليه التكاليف واإلعالة املالية وأعباء املعيشة ،فالعطاء على قدر احلاجة هو العدل واملساواة مع تفاوت احلاجة ظلم. وهذا ما مل يستوعبه بعض املتعاملني على اإلسالم واملتعصبني عليه من علماء الغَْرب ومفكريه الذين ي ّدعون أن نظام املرياث اإلسالمي نظام قبلي ال يصا إال حلياة القبلية يف البادية حنه مل يسو بني الر ُجل واملرأة أمام التكاليف الش َّْرعية من صلت هذه املسألة يف موضوع َّ َّ الر ُجل واملرأة يف املرياث وقد فُ ّ حبثنا. -4نظـام الكفـارات من مقاصد اإلسالم يف تربية أبنائه أن يدفعهم إىل فعل اخلري ،وينأى هبم عن الشر إال أ ّن بعض أبنائه قد يرتكب شيئاً من املخالفات الش َّْرعية ،لذا أوجب اإلسالم عند ارتكاهبا عقوابت للتكفري عنها زجراً للمرتكب عن العودة إليها وجرباً لذنبه الذي وقع عليه. وتشتمل هذه الكفارات فيما تشتمل دفع صدقات مالية للفقراء ،والذي يهمنا هنا هو تقرير أن هذا النوع من الكسب جاء عن طريق حكم شرعي ،وأنه حق وجب على اإلنسان بسبب ارتكابه ملا هنى عنه الش َّْرع. وهذه الكفارات ستة أنواع وهي على سبيل اإلمجال: ال :بينما حنن ي وريريه عن أيب هريرة رضي هللا عنه قَ َ .1كفارة اإلفطار يف رمضان ،فقد روى البُ َخا ِر ّ ِ ال :وقعت على ال :مالك ،قَ َ ال :اي رسول هللا هلكت ،قَ َ َّيب إك جاء رجل( )3ف َق َ جلوس عند الن ّ ( )1طبارة ،عفيف :روح التشريع اإلسالمي ،ص(.)322 ( )2احنفال .75 / ( )3جاء ككر امسه يف بعض الرواايت (سلمة أو سليمان بن صخر البياضي). ال « :فهل تستطيع أن ال :ال .قَ َ ال رسول هللا « :هل جتد رقبة تعتقها » قَ َ امرأيت وأان صائم ،ف َق َ ال ال :ال .قَ َ ال « :فهل جتد إطعام ستني مسكينا » ،قَ َ ال :ال ،قَ َ تصوم شهرين متتابعني » قَ َ ِ ِ ال :أان، ال « :أين السائل» ،ف َق َ َّيب بعرق فيها متر قَ َ َّيب فبينما حنن على كلك أتى الن ّ فمكث الن ّ الر ُجل :أعلى أفقر مين اي رسول هللا؟ وهللا ما بني البتيها- ال « :خذ هذا فتصدق به » ف َق َ قَ َ ال َّ ٍ ِ ال « :أطعمه َّيب حىت بدت أنيابهُ مث قَ َ يريد احلَّر ْ ينُ - أهل بيت أفقر من أهل بييت ،فضعك الن ّ أهلك »(.)1 أوس بن الصامت فجئت .2كفارة الظهار :فعن خولة بنت مالك بن ثعلبة قَالَت :ظاهر مين زوجي ُ ِ عمك فما خرجت حىت أنزل رسول هللا أشكو إليه ُ ورسول هللا جيادلين فيه ويقول :اتَقيّاهلل فإنه ابن ّ س ِم َع َّ ال عليه السالم« : اّلِل )2(ف َق َ اّلِلُ قَ ْولَ الَّتِي ت ُ َجا ِدلُكَ فِي زَ ْو ِج َها َوت َ ْشت َ ِكي إِلَى َّ ِ هللا :قَ ْد َ ال :اي رسول هللا ،إنه شيخ كبري ما ال « :يصوم شهرين متتابعني » قَ َ يعتق رقبة » قَالَت :ال جيد قَ َ ال :فأتى ال « :فليطعم ستني مسكينا » قَالَت :ما عنده من شيء يتصدق به قَ َ به من صيام ،قَ َ بعرق من متر قَالَت :اي رسول هللا فإِن سأعينه ٍ ساعتئذ ٍ ال « :أحسنت اذهيب فأطعمي بعرق آخر قَ َ هبما عنه ستني مسكينا وارجعي إىل ابن عمك »(.)3 اخذُ ُك ُم َّ عقَّ ْدت ُ ُم اّلِلُ ِباللَّ ْغ ِو فِي أ َ ْي َمانِ ُك ْم َولَ ِك ْن ي َُؤ ِ ال تعاىلَ :ال ي َُؤ ِ .3كفارة احلنث يف اليمني :قَ َ اخذُ ُك ْم بِ َما َ س ِط َما ت ُ ْ ارتُهُ ِإ ْ ير ط ِع ُمونَ أ َ ْه ِلي ُك ْم أ َ ْو ِكس َْوت ُ ُه ْم أ َ ْو تَحْ ِر ُ طعَا ُم َ ساكِينَ ِم ْن أ َ ْو َ عش ََر ِة َم َ ْاأل َ ْي َمانَ فَ َكفَّ َ َرقَبَ ٍة فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج ْد فَ ِصيَا ُم ث َ َالث َ ِة أَي ٍَّام ذَلِكَ َكفَّ َارة ُ أ َ ْي َمانِ ُك ْم ِإذَا َحلَ ْفت ُ ْم .)4(فالواجـب علـى من حنـث يف ميني منعقدة أن يطعم عشرة مساكني أو يكسوهم أو يعتق رقبة على سبيل اخليار ،فإن مل يستطع أن يفعل واحدة منها انتقل إىل ما بعدها انت َقال املضطر فيصوم ثالثة أايم. ي يف الصــوم عــن أيب هريــرة ،ابب إكا جــامع يف رمضــان ،)682( ،ومســلم يف الصــوم ،ابب :تغلــيظ يــرمي اجلمــاع يف هنــار ( )1رواه البُ َخــا ِر ّ ِ الرتِمـ ِـذي ســفي الصــوم ابب :مــا جــاء يف كفــارة الفط ــر يف وســنَن ّ ْ رمضــان علــى الصــائم ،)781/2( ،واملنتقــى البــن اجلــارود(ُ ،)104/1 وم ْسنَد أمحد ( ، )241/2وأبو داود يف الصوم ( ،)314/2عن عائشة ،وابـن ماجـة يف الصـوم ( )534/2عـن أيب رمضان (ُ ،)102/3 هريرة. ( )2اجملادلة .1 / وم ْســنَد أمحــد ( ،)411/6وأخــرج احلــاكم يف املســتدرك ( )3رواه أبــو داود يف الطــالق ( ،)266/2وقَـ َ ـال وهــذا أخــو عبــادة بــن الصــامت ُ ِ ِ وســنَن البَـْيـ َهقـ ّـي الكــربى(،)391/7 الصـ ِـعْيعني حنــوه يف تفســري ســورة اجملادلــة ،وقَـ َ علــى َ ـال هــذا حــديث َ صــعْيا اإلســناد ومل خيرجــاهُ . ال :وأسانيد هذه اححاديث حسان ،وحكم كفارة الظهار منصوص ابلقرآن. وأشار إليه ابن َح َج ٍر يف فتا الباري ،وقَ َ ( )4املائدة .89 / الر ُجل زوجته يف الفرج أايم احليض أمث واستغفر هللا تعاىل ويف .4كفارة اجلماع يف احليض :إكا ابشر َّ وجوب الكفارة يف مذهب اإلمام أمحد روايتان أحدمها ب ومقدارها دينار أو نصفه ،والرواية الثانية ال كفارة عليه وهو مذهب اإلمام مالك وأيب حنيفة ،وعلى القول بوجوهبا فمقدارها دينار أو نصفه على التخيري(.)1 ال تعاىل يف كفارة اخلطأَ :و َم ْن قَت َ َل ُمؤْ ِمنا َخ َ ير َرقَبَ ٍة ُمؤْ ِمنَ ٍة َو ِد َية طأ فَتَحْ ِر ُ .5كفارة القتل :فقد قَ َ ال« : سلَّ َمة ِإلَى أ َ ْه ِل ِه ِإ َّال أ َ ْن َي َّ صدَّقُوا )2(وروي الب َخا ِري يف كفارة شبه العمد عن أيب هريرة قَ َ ُم َ ُ ّ ِ َّيب اقتتلت امرأاتن من هذيل فرمت أحدامها احخرى حبجر فقتلتها وما يف بطنها فاختصموا إىل الن ّ فقضى أن ديّة جنينها ريَُّرة عبد أو وليدة وقضى أن ديّة املرأة على عاقلتها( ، )3والعاقلة من حيمل ِ َّيب ودى العقل والعقل هنا هو الديّة ،وإكا مل يكن للديّة عاقلة أخذت الديّة من بيت املال حن الن ّ احنصاري الذي قُتل خبيرب من بيت املال .وروي أن رجالً قُتل يف زحام يف زمان عمر فلم يعرف قاتله ِ فأد ديته من بيت املال»(.)4 ف َق َ ال علي لعمر«:اي أمري املؤمنني ال يُطَ ُّل دم امرئ مسلم ّ ي َم ِحلَّهُ فَ َم ْن َكانَ ِم ْن ُك ْم .6إفساد اإلحرام :فقد قَ َ ال تعاىلَ :و َال تَحْ ِلقُوا ُر ُءو َ س ُك ْم َحتَّى يَ ْبلُ َغ ْال َه ْد ُ صدَقَ ٍة أ َ ْو نُ ُسكٍ .)5( َم ِريضا أ َ ْو بِ ِه أَذى ِم ْن َرأْ ِس ِه فَ ِف ْديَة ِم ْن ِ صيَ ٍام أ َ ْو َ ( )1ملزيد من التفصيل انظر :ابن قُدامة :امل ْغين )269/1( ،وما بعدها. ُ ( )2النساء .92 / ( )3رواه البخــا ِري يف ِ وصـ ِـعْيا ابــن صــعْيعه ،ابب جنــني امل ـرأة وأن العقــل علــى الوالــد ،وعصــبة الوالــد ال علــى الولــدَ ،)2532/6( ، َُ ّ َ ِ وم ْســنَد أمحــد، الســنَن الكــربى (ُ ،)237/4 وســنَن الــدارميُ ،)258/2( ، حبّــانُ ،)377/13( ، وســنَن البَـْيـ َهقـ ّـي الكــربى ( ،)105/8و ُ (.)274/2 ( )4ابن قُدامة :املغْين.)385/8( ،)310/8( ، ُ ( )5البقرة .196 / المطلب الثالث األمـــــــوال المترتبـــــة علـــى إرادة اآلخر نريد مبا يرتتب على إرادة اآلخر أن امللك ينتقل إبدارة طرف واحد هو املوجب من ريري توقف على قبول الطرف اآلخر. -1الوصيّـة: ض َر أ َ َحدَ ُك ُم ْال َم ْوتُ الوصية ابملال هي التربع به بعد املوت ،قَ َ علَ ْي ُك ْم ِإذَا َح َ ب َ ال تعاىلُ :كتِ َ ُوصينَ ِب َها أ َ ْو دَي ٍْن )2( وعن أيب هريرة ِإ ْن ت ََركَ َخيْرا ْال َو ِصيَّةُ )1(وقَ َ صيَّ ٍة ي ِ ال تعاىلِ :م ْن بَ ْع ِد َو ِ ال « :إ ّن هللا تبارك وتعاىل تصدق عليكم بثلث أموالكم يف آخر أعماركم زايد اة رضي هللا عنه ،قَ َ ال « :كان على أعمالكم فضعوه حيث شئتم»( )3وعن سعد بن أيب وقّاص( )1رضي هللا تعاىل عنه قَ َ ( )1البقرة .180 / ( )2النساء .12 / ( )3روي احلديث أبلفاظ متقاربة عن معاك بن جبل وأيب هريرة رضي هللا عنهما. ِ وســنَن الـد َ ِ وم ْســنَد وســنَن ابــن ماجـة يف الوصــااي (ُ ،)904/2 ينُ ،)150/4( ، انظـرُ :ســنَن البَـْيـ َهق ّـي الكــربىُ ،)369/6( ، َّارقُطْ ّ أمحد ،)440/6( ،واملعجم الكبري ،)54/20( ،والتمهيد البن عبد البَـِّر ،)305/14( ،وفيض القدير.)220/2( ، رسول هللا يعودِن عام حجة الوداع من وجع اشتد يب فقلت إِن قد بلغ يب من الوجع وأان كو مال ال :الثلث والثلث كثري ال :ال مث قَ َ ال :ال ،فقلت :ابلشطر ،قَ َ وال يرثين إال ابنه فأتصدق بثلثي مايل قَ َ إنك أن تذر ورثتك أرينياء خري من أن ترتكهم عالةً يتكففون الناس ،إنك لن تنفق نفقة تبتغي هبا وجه هللا إال أجرت هبا حىت ما عل يف امرأتك »( . )2وعليه فمن أسباب الت ََّملُّك أخذ احفراد بعضهم من بعض ماالً دون مقابل أو جهد مما يرتتب على إرادة اآلخرين والوصية تصرف من هذه التصرفات اليت تبيا للمسلم أن يتصرف يف ماله بعد موته ابلثلث فما دونه حن احصل يف امللك انت َقاله من صاحبه إىل الورثة بعد املوت فال جيوز له فيه أي تصرف إال ما أعطاه الش َّْرع من الثلث ليتدارك ما عسى أن قصر به من أعمال اخلري خاصة وأنه ه و الذي بذل جهده يف سبيل مجع هذا املال يكون قد فاته أو ّ وحفظه بشكل يضمن للورثة حقهم يف املرياث وللمورث احجر واملثوبة وبذلك يعلم أن الوصية لغري الوارث ابلثلث فما دونه طريق مشروع من طرق الكسب احلالل(.)3 -2اهلب ـة اهلبة متليك يف احلياة بال عوض ،فإكا شرط العوض كانت بيعاً ،وإكا مل يكن التمليك يف احلياة بل كان مضافاً إىل ما بعد الوفاة كان وصية وإكا أابح ماله لغريه لينتفع به ومل ميلكه إايه كان إعارة. ال احلنابل ــة « :وكلها واهلبة تشمل ابملعىن احعم :الصدقة واهلدية والنعلة وهـي العطيـة .قَ َ متليك يف احلياة بال عوض ،فإن قصد إبعطائه ثواب اآلخرة فقط فصدقة وإن قصد إبعطائه إكراماً أو ال ابن قُدامة «:الصدقة تودداً أو مكافأة فهدية وإن مل يقصد شيئاً مما ككر فهبة وعطية وحنلة»( )4وقَ َ ِ َّيب كـان أيكل اهلديـة وال أيكـل الصدقة »(.)5 واهلدية متغايران فإن الن ّ ٍ ـويف ســنة ( 55هجريــة). ( )1ســعد بــن أيب وقّــاص ،القرشــي ،أحــد املبش ـرين ابجلنّــة ،وأول مــن رمــى بســهم يف اإلســالم ،لــه مناقــب مجّــة ،تـ ّ انظر :سري أعالم النبالءَ ،)92/1( ،ش َذرات َّ الذ َهب .)61/1( ، ( )2رواه البخــا ِري يف ِ ِ صـ ِـعيْا ابــن ُخَزْميـَـة ـيب ســعد بــن خولــة ،)435/1( ،ومســلم يف الوصــيّة َ ،)1252/3( ، َُ ّ َ صــعيْعه ،ابب رثــى النَّـ ّ ِ ،)61/4( ، وسنَن الدرامي.)499/2( ، َ وسنَن الرتمذيُ ،)430/4( ، وصعْيا ابن حبّانُ ،)61/10( ، ( )3حكمها الندب عنـد مجـاهري أهـل العلـم سـلفاً وخلفـاً وكهـب أهـل الظـاهر وبعـض فقهـاء التـابعني أهنـا واجبـة وجـاء يف احمللـى فرض على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين ال يرثونه.)421/10( ، ( )4انظر :أ -البهويت ،منصور بن يُونُس بن إدريس :الروض املربع شرح زاد املستنقع.)501/2( ، ب -البهويت :كشاف القناع عن منت اإلقناع.)330/4( ، ( )5ابن قُدامة :امل ْغين (.)649/5 ُ ال املالكية « :إن قصد وجه املعطى-ابلفتا -فقط كان هبة وإن قصد ثواب اآلخرة فقط وقَ َ فصدقة اتفاقاً ،وإن قصد ثواب اآلخرة مع وجه املعطى فصدقة عند احكثر ،وهبة عند احقل»(.)1 ال الشَّافِعِية « :إن ملك شيئاً بال عوض حمتاجاً ولو مل يقصد ثواب اآلخرة أو رينياً لثواب وقَ َ اآلخرة فصدقة ،وإن نقل امللك بال عوض إىل مكان املوهوب له إكراماً فهدية فال دخل هلا فيما ال ينقل »(.)2 ال احلَنَ ِفيَّة « :الصدقة للفقري واهلبة للغىن ،ولكنهم قَالوا أ ّن الصدقة كاهلبة ال رجوع فيها وقَ َ ولو على ريىن حن املقصود فيها الثواب »(.)3 وعن َع ْمرو بن شعيب عن أبيه ع ن جده أن وفد هوازن ملا جاؤوا يطلبون من رسول هللا أن ال رسول هللا « :ما كـان يل ولبين عبد املطلب فهو لكم » أي فهو هبة يرد عليهم ما رينمه منهم قَ َ مين إليكم(.)4 وال تنعقد اهلبة بدون اإلجياب حن احصل يف ملك اإلنسان أال ينتقل إىل الغري بدون متليكه، أما القبول والقبض فقد اختلف العلماء فيهما وخالصة أقواهلم(.)5 .1إن بعض الفقهاء يرون أن امللك يف اهلبة ينتقل ابإلجياب وحده ،ومن هؤالء بعض احلَنَ ِفيَّة والظاهرية لقوله تعاىل :أ َ ْوفُوا بِ ْالعُقُو ِد )6(وقوله َ و َال تُب ِْطلُوا أ َ ْع َمالَ ُك ْم .)7( .2وأن بعضهم يرون أنه ينتقل ابإلجياب والقبول ومن هؤالء ...أكثر املالكية. ( )1الدسوقي :حاشية الدسوقي.)97/3( ، ( )2الرملي ،حممد بن أمحد بن محزة )1004( ،هناية احملتاج إىل شرح املنهاج (.)405/5 ( )3احلصكفي ،حممد عالء الدين ( : )1088الدر املختار شرح تنوير احبصار ( مع حاشية رد احملتار) .)709-698/5( ، (ُ )4سـ ــنَن أيب داود (ُ ، )63/3س ـ ــنَن النسـ ــائيُ )263/6( ،م ْس ـ ــنَد أمحـ ــد ،)409/5( ،)281/2( ،)184/2( ،الُعج ـ ــم الص ـ ــغري، (ُ ،)395/1سنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى.)336/6( ، ( )5انظر تفصيل أقواهلم: -1احلصكفي :الدر املختار (.)694-690-688/5 -2الدردير :الشرح الكبري. )101/4( ، -3الر ِ ملي:هناية احملتاج إىل شرح املنهاج (.)414/5 ّ كشاف القناع عن منت اإلقناع (.)330/4 البهويت: -4 ّ -5البهويت :الروض املربع شرح زاد املستنقع (.)490/2 -6احلطّاب ،حممد بن حممد :مواهب اجلليل (.)54/6 ( )6املائدة .1 / ( )7حممد .33 / .3ويرى آخرون أن اهلبة ال متلك إال ابلقبض. -3اإلقط ــاع يف البداية ال ب ّد من التنبيه إىل الفرق بني مفهوم اإلقطاع يف التشريع اإلسالمي ومفهوم اإلقطاع يف النظم الوضعية املتأخرة. فاإلقطاع يف املفهوم اإلسالمي هو جعل ويل احمر رقبة احرض لشخص من احشخاص ِ َّيب عندما وصل املدينة ،قام إبقطاع بعض الصعابة أماكن فيصبا مالكها ومستغلها ،فقد ورد أن الن ّ ط َلع ْمرو بن حريث داراً ابملدينة ٍ ال له « :أزيدك أزيدك بقوس وقَ َ لبناء دور لسكناهم( )1وأنه خ ّ »(.)2 الر ُجل من أما اإلقطاع مبفهومه احورويب فهو كما قَ َ ال ول ديورانت « :هو عبارة عن خضوع َّ الناحيتني االقتصادية والعسكرية إىل رجل أمسى منه منزلة مقابل تنظيم اقتصادي ومحاية عسكرية»(.)3 فإقطاع احرض هبذا املعىن حيث االحنراف يف الغرض واالسرتقاق للبشر ال عالقة له إبقطاع احرض واملعدن ابملعىن اإلسالمي فال جمال للمشاهبة أو املقارنة بينهما(.)4 وقد ّبني العلماء رمحهم هللا أ ّن أنواع اإلقطاع ثالثة(:)5 األول :إقطاع التمليك وينقسم إىل أربعة أضرب: .1إقطاع املوات اليت مل يدخلها إعمار ومل ميلكها أحد ومل تتعلق مصلعة اجلماعة هبا ،فلإلمام أن يقطع ِ َّيب من هذا املوات ملن حيييه ،فإكا أحياه اإلحياء الش َّْرعي صار ملكاً له .والدليل على كلك إقطاع الن ّ ( )1الشَّافِعِي :احم (.)272/3 وس ــنَن البَـْيـ َه ِق ـ ّـي ( ،)145/6وانظ ــر ( )2أب ــو داود يف اإلمـ ــارة ،ابب :إقط ــاع احرضـ ــني ( )173/3ع ــن عم ــر ب ــن جري ــث واللف ــظ ل ــهُ ، االستيعاب ( ،)1172/3وتلخيص احلبيري ( ،)63/3واآلحاد واملثاِن ( ،)37/2ونيل احوطار (.)57/6 ()3ديورانت ،ول :قصة حضارة (.)406/14 ()4انظر حول هذه املسألة: َّملُّك يف اإلسالم ،ص(.)40-36 اجلنيدل ،د .محد العبد الرمحن :نظرية الت َ املصري ،رفيق يونس :أصول االقتصاد اإلسالمي ،ص(.)176 اببللي ،حممود حممود :الكسب واالنفاق وعدالة التوزيع يف اجملتمع اإلسالمي ،ص(.)103-99( )5املاوردي :اححكام السلطانية ،ص(.)198-190 الزبـَ ْري بسوطه رريبة منه يف الزايدة، العوام ركض فرسه من موات النقع فأعطاه مث رمى ُّ للزبري بن ّ ف َق َ ِ َّيب « :أعطوه منتهى سوطه »(.)1 ال الن ّ .2ما كان عليه آاثره عمارة جاهلية وصار بطول خرابه وبُعد زمانه عاطالً موااتً فعكمه حكم املوات ()2 ال عليه السالمَ « :عادي األرض هلل ولرسوله مث هي لكم مين » جيوز لإلمام إقطاع متليك ،قَ َ وككر عاد للتمثيل واملراد كل أرض جاهلية تقادم ملكها. .3ما كان أصله من أمالك املسلمني مث حزب حىت صار موااتً فإن علم مالكه فهو له ولورثته من بعده، الص ِعْيا من أقوال أما إن تعذر كلك فهو من أموال بيت مال املسلمني ولإلمام أن يقطعه على َ أهل العلم إن مل يعرف مالكه. ِ َّيب .4احرض العامرة والواقعة يف بالد احلرب ولكن يتوقع منها من ميتلكها عن فتعها فقد روى أن الن ّ ()3 « :أقطَ َـع َمتيم ـا َّ شيب أرضا من الروم»(.)4 الدار َّ ي َح ْي ُـرو َن ،وأقْطَ َـع ثعلب َة اخلُ َ الثاين :إقطاع استغالل وهو على ضربني: احول :أن يقطع اإلمام جزءاً من احرض اليت حيوز إقطاعها لرجل يستغلها من ريري أتبيد وال متليك. الثاِن :وهو ما يتعلق مبا خيرج من احرض وكلك ما يقطعه اإلمام من اخلراج ويدفعه لألجناد بقدر كفايتهم وحاجتهم وكلك حن هلم أرزاقاً حمـددة ومقـدرة حلبسهم أنفسهم للجهاد يف سبيل هللا. الثالث :إقطاع اإلرفاق وهو على ضربني: احول :إقطاع املعادن الباطنة وهي اليت ال يتوصل إليها إال ابلعمل ،وأما املعــادن الظاهرة ،فال جيوز لإلمام إقطاعها بل هي مشرتكة بيـن عامـة املسلميـن كاحهنار اجلارية. وس ــنَن البَـْيـ َه ِق ـ ّـي الك ــربى ،)144/6( ،واملعج ــم الكب ــري،)363/12( ، ( )1رواه أب ــو داود يف اإلم ــارة ،ابب :إقط ــاع احرض ــني (ُ )17/3 وم ْسنَد أمحد.)156/2( ، واحوسطُ ،)405/4( ، الشــافِعِي ،)1349( ،مــن ( )2رواه البَـْيـ َه ِقـ ّـي ،)143/6( ،عــن طــاووس بــن كيســان اليمــاِن مرسـالً وعــن ابــن َعبَّــاس موقوفـاً عليــه ،ورواه َّ ال احلافظ يف التلخيص،)62/3( ،وهو مما أنكر عليه. الطريق احول ،وفيه ليث ابن أيب سليم ،وهو ضعيف ،وقَ َ ـعايب جليـل أسـلم سـنة 9هجريـة ،وكـان مـن علمـاء أهـل كتـاب، ( )3متيم الداري ،هو أبو رقيّة ،متيم بن أوس بن خارجة ،من بين خلـم ،ص ج وهو عابد عصره يف فلسطني ،حيث تويف فيها سنة 40هجرية. انظر :هتذيب التهذيب .)511/1( ،وصفوة الصفوة ،)310/1( ،واحعالم .)287( ، ( )4أبو يوسف اخلراج ص( )216وأبو عبيد :احموال ،ص(.)388 الثاِن :ويتعلق ابلشوارع واحسواق اليت ليست ملكاً ححد فيجوز لإلمام أن يقطـع منها مكاانً يكون صاحبه أحق به من ريريه وال جيوز له متلكه ،بـل يكـون ابجللوس فيه أحق لبيعه وشرائه. المبحث الثاني ال َعدالَة فــي منـــع الت َّ َملُّك مــن األعمـال المحظــورة ويشمل على أربعة مطالب : -1المطلب األول -2المطلب الثاني -3المطلب الثالث -4المطلب الرابع : : : : العقود المنهي عنها. التسعيــــــــــــــــــــــــــــــــر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــوة . الر ْش َّ َ الربَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا. ِّ المبحث الثاني ال َعدالَة فــي منـــع الت َّ َملُّك مــن األعمـال المحظــورة اإلسالميَّة ،تناثرت أصوهلا الفرعية إن الطرق احملرمة لكسب املِْل ِكيَّة متنوعة وكثرية يف َّ الش ِر َيعة ْ يف كتب الفقه ،إال أنه عند استقصاء هذه الطرق ميكن أن تصنف إىل أصول عامة ،منها: .1أن يكون التعرمي راجعاً إىل معىن أو وصف يف العني يقتضي حظر تداوهلا ومنع التعامل فيها درءاً للمفاسد وجلباً للمصاحل. .2أن يكون التعرمي راجعاً إىل استيالء ريري مشروع على الشيء. .3أن يكون التعرمي راجعاً إىل تصرف حمظور شرعاً وإن أخذ صورة العقد. وبناء على هذه احصول تتفرع صور كثرية وأمثلة متعددة ،يطول شرحها وسنعاول يف حبثنا أن الر ْش َوة نذكر أبرز الوسائل للكسب احملرم من خالل بعض العقود املنهي عنها ،واالحتكار-التسعريَّ - ِّالرَاب. المطلب األول العقــــــــــود المنهـــــــــــي عنهـــــــــــــا وإما بتعيني -1عقود منهي عنها لذاهتا :وهي عقود وقع النهي عنها إما ابلنّص على اسم الشيءّ ، وصف من أوصافه لعلة يف كات العقد ال تتصل ابلثمن وال ابملتعاقدين ومن أمثلتها: أ -احصناف احملرمة يف قوله تعاىلُ :ح ِ ّر َم ْ ير َو َما أ ُ ِه َّل ِلغَي ِْر َّ اّلِلِ بِ ِه ت َ علَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةُ َوالدَّ ُم َولَحْ ُم ْال ِخ ْن ِز ِ ب .)1( َو ْال ُم ْن َخنِقَةُ َو ْال َم ْوقُوذَة ُ َو ْال ُمت ََر ِدّيَةُ َوالنَّ ِطي َحةُ َو َما أ َ َك َل ال َّ علَى النُّ ُ ص ِ سبُ ُع إِ َّال َما ذَ َّك ْيت ُ ْم َو َما ذُبِ َح َ ال رسول هللا إن هللا ورسوله حرم بيع اخلمر وامليتة واخلنزير واحصنام فقيل اي رسول هللا وعن جابر قَ َ ال «:قاتل ال ،ال هو حرام ،مث قَ َ أرأيت :شعوم امليتة فإنه يطلى هبا السفن ويستصبا هبا الناس ف َق َ هللا اليهود إ ّن هللا ملا حرم شحومها مجلوه مث ابعوه فأكلوا مثنه»( )2فهذا النهي الشديد الوارد على يرمي هذه البيوع يدل على يرمي كل مورد منها مهما كان قليالً ،وال تصا احليلة والوسيلة إىل أخذ املال. ( )1املائدة .3 / صـ ـ ِـعْيعه ،ابب :بيـ ــع امليتـ ــة واحصـ ــنام ،)779/2( ،ومسـ ــلم ابب :يـ ـرمي بيـ ــع اخلمـ ــر وامليتـ ــة واخلنزيـ ــر واحصـ ــنام، ي يف َ ( )2رواه البُ َخـ ــا ِر ّ ِ السـ ــنَن الك ـ ــربى،)54/4(،)86/3( ، وسـ ــنَن الرتم ـ ــذيُ ،)388/3( ، (ُ ،)1207/3 وسـ ــنَن البَـْيـ َهق ـ ـ ّـي ،)354،355/9(،)12/6( ،و ُ وس ــنَن اب ــن ماج ــة ( .)732/2وانظ ــر :جمم ــع الزوائ ــد ( ،)90/4وج ــامع العل ــوم واحلك ــم ،)413/1( ،وف ــتا وم ْس ــنَد أمح ــد (ُ ،)213/2 ُ الباري(.)21/8 ومنها كل كي انب من السباع وكل كي خملب من الطيور :كاحسد والنمر والفهد والذئب والدب والقرد والنسر والصقر وحنوها ،على خالف بني الفقهاء يف بعض الفروع( )1ومما يدل على يرميها ما الَ « :هنى رسول هللا عن كل ذي ٍ انب من السباع رواه مسلم وأمحد وريريمها من أن ثعلبة اخلشىن قَ َ وكل ذي خملب من الطيور »(.)2 ومنها كل ما فقد شرطاً من الشروط اليت يعتربها الشَّا ِرع حلل الذبا كأن يكون الذابا وثنياً أو شيوعياً أو تكون آلة الذبا سناً أو ظفراً وحنوها مما ال جيوز الذبا به. فكل هذه احعيان السابقة وريريها مما ورد الش َّْرع بتعرميه ليست ماالً وال تقابل ابملال شرعاً ،فال تكون حمالً للملك وال جيوز متلكها. حرم بيع اخلمر وامليتة واخلنزير واألصنام »(.)3 قَ َ ال رسول هللا « : إ ّن هللا ّ ب -مهر البغي :وهو ما يعطى للزانية من أجل التمتع هبا وهو حرام من أي طرف ،فهو حرام من مضرة اجملتمع إك فيه فشو الزىن واحنطاط اجملتمعات وانتشار املعطي وحرام من اآلخذ وكلك ملا فيه من ّ الش ِر َيعة مث يف الفوضى واختالط احنساب ،فهو يفسد عليهم حفظ العرض ،وحفظه مقصد من مقاصد َّ جل شأنه بيوت البغااي مورداً للكسب ،فهو خبيث كلك تقليل الرريبة يف الزواج الش َّْرعي وما جعل هللا ّ حرام ،وقد جاء النهي بذلك ،فعن عون بن أيب جعيفة رضي هللا عنه أنه اشرتى حجاماً فأمر فكسرت حرم مثن الدم ومثن الكلب وكسب البغي ولعن الوامشة واملستومشة حمامجه وقَ َ ال « :إ ّن رسول هللا ّ الرَاب وموكله ولعن املصورين»(.)4 وآكل ّ ( )1ابن رشد ،حممد بن أمحـد بـن حممـد :بدايـة اجملتهـد وهنايـة املقتصـد .)464/1( ،ابـن قُدامـة ،عبـد هللا بـن أمحـد بـن حممـد :مغـين علـى خمتصر أيب القاسم عمر بن حسني بن عبد هللا اخلرقي.)583/8( ، ص ِعْيعه ،ابب ألبان احتن )2179/5( ،دون ككر الطري .ومسلم ابب يـرمي أكـل كـل كي انب ،وكـل كي خملـب ي يف َ ( )2رواه البُ َخا ِر ّ مـ ــن الطـ ــري ،)1534/3( ،املنتقـ ــى البـ ــن اجلـ ــارود ،)224/1( ،وصـ ـ ِـعيا ابـ ــن حبـ ــان ،)84/12( ،وس ــنن ِ ِ ِ وسـ ــنَن ُ َ ّْ َ ْ ّ الرتمـ ــذي(ُ ،)71/4 ِ السنَن الكربى (.)163/3 الدارميُ ،)106/12( ، وسنَن البَـْيـ َهق ّي الكربى (ُ ،)25/1سنَن أيب داوود ( ،)355/3و ُ ( )3رواه البخــا ِري يف ِ وس ــنَن أيب داود َُ ّ َ صــعْيعه كت ــاب البيــوع ،)424/4( ،ع ــن جــابر ب ــن عبــد هللا ،ومس ــلم يف املســاقاة (ُ ،)1207/3 ( .)279/3وانظر :جامع العلوم واحلكم (.)279/1 صـ ـ ِـعْيعه ،ابب مثـ ــن الكلـ ــب ،)780/2( ،وابب الوامشـ ــة ،)2219/2( ،وابب مـ ــن لعـ ــن املصـ ــور،)223/5( ، ي يف َ ( )4رواه البُ َخ ــا ِر ّ ِ ِ وم ْسـنَد أمحـد ،)309-308/4( ،واملعجـم الكبـري،)116/22( ، َ وصعْيا ابـن حبّـانُ ،)313/11( ،سـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى (ُ ،)6/6 ونسل احوطار.)238/5( ، ج -حلوان الكاهن :وهو الذي يدعي معرفة الغيب وما ال يطلع عليه وميوه على الناس أمورهم وحلوانه ما يدفع له أجره على ما قدمه من خدمه ملن جاء له إما ملعاجلة أو حنوها لقول الرسول « :من آتى عرافا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على محمد .)1( » كاهنا أو ّ -2عقد منهي عنه الشتمال العقد على الغرر واجلهالة: وهذا النوع من العقود هنى عنه الشَّا ِرع ملا فيه من الغرر واجلهالة املؤديني إىل الشقاق والنـزاع بني املتعاقدين ومن أمثلته: ص ِعْيا مسلم من حديث ابن َع ْمرو أن رسـول هللا َ « هنى عن بيع أ -بيع حبل احلبلة ،فقد جاء يف َ حبل احلبلة » (.)2وقد جاء هذا البيع موضعاً صفته يف الص ِعيعني :كان أهل اجل ِ اهليَّة يبتاعون حلوم َ ْ َ اجلزور إىل حبل احلبلة ،وحبل احلبلة أن تنتج الناقة ما يف بطنها مث يمل اليت نتجت ،فنهاهم عن كلك. ال :ال راب يف احليوان وإمنا هنى ب -بيع املضامني واملالقيا :روى مالك عن سعيد بن امل َسيِّب ( )3أنه قَ َ ُ من احليوان عن ثالثة :عن املضامني واملالقيا ،وحبل احلبلة ،واملضامني بيع ما يف بطون إانث اإلبل، واملالقيا بيع ما يف ظهور الفعول(.)4 ج -بيع املنابذة واملالمسة واحلصاة :فعن أيب هريرة « :أن رسول هللا هنى عن بيع املالمسة ()1 الر ُجل الثوب وال واملنابذة »( )3()2و قَ َ ال اإلمام مالك بعد روايته هلذا احلديث واملالمسة أن يلمس َّ ِ الرتِم ِذي( ،)243/1وابن ماجة( ،)639ابن جارود( ،)107والبَـْيـ َه ِق ّي ( ،)198/7والطعاوي يف شـرح ( )1رواه أبو داود( ،)3904و ّ ْ ِ ي يف التـ ـ ـ ــاريخ الكب ـ ـ ــري املعـ ـ ـ ــاِن ( ،)45-44/3وال ـ ـ ــدَّا ِرم ّي ( ،)259/1وأمحـ ـ ـ ــد ( )408،429،476/2واحلـ ـ ــاكم ( ،)8/1والبُ َخـ ـ ــا ِر ّ ( ،)17-16(،)1/2والعقيل ـ ـ ــي( ،)318/1وابـ ـ ـ ــن ع ـ ـ ــدي ( ،)24/10()220/2والنسـ ـ ــائي يف الكـ ـ ــربى ،كمـ ـ ــا يف يفـ ـ ــة احش ـ ـ ـراف ( )124/10وريــريهم مــن طــرق عــن أيب هريــرة بــه ،وصــععه احلــاكم وقَـ َ َّ ِ ـال العراقــي يف ـال يف الفــيض ،قَـ َ يب يل ــي شــرطهما .وقَـ َ ـال الــذ َه ّ ص ـ ـ ِـعْيا ،وقَ ـ ـ َ َّ ِ ص ـ ـ ِـعْيا اجل ـ ــامع ( ،)5939وآداب يب يف امل ـ ــذهب :إسـ ــناده ق ـ ــوي ،وص ـ ــععه احلبـ ــاِن يف َ أمالي ـ ــه :ح ـ ــديث َ ـال ال ـ ــذ َه ّ الزفاف،ص(.)31 وص ِـعْيا ابـن ي ،ابب :بيع الضرر وحبل احلبلى ،)753/2( ،ورواه مسلم ،ابب :يرمي بيع حبلـة احلبلـةَ ،)1153/3( ، ( )2رواه البُ َخا ِر ّ ِ وسـنَن البَـْيـ َه ِق ّـي الكـربىُ ،)341/340/5( ،سـنَن أيب وسـنَن الرتمـذي(ُ ،)531/3 حبِّـان ابب :النهـي عـن بيـع حبلـة احلبلـة(ُ ،)421/11 وم ْسنَد أمحد(.)108-80-76-63-10-5/2( ،)56/1 داود (ُ ،)255/3سنَن ابن ماجة( ،)740/2موطأ مالك (ُ ،)653/2 ( )3هــو ســعيد بــن امل َســيِّب بــن حــزن املخزومــي القرشــي مــن أعــالم التــابعني وســاداهتم ،أحــد الفقهــاء الســبعة يف املدينــة .كــان زاهــداً ورعـاً ُ يعيش على التجارة ،ال أيخذ عطاء وهو رواية عمر لألحكام تويف ابملدينة سنة 94هـ. انظر :سري أعالم النبالء ( .)217/4وهتذيب التهذيب ( )84/4واحعالم (.)102/3 ( )4شرح الزرقاوي ملوطأ مالك (.)312/3 انظر:سنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى ، )287/5( ،واحم ،)47/3( ،وامل ْغين.)146/4( ، و ُ ُ الر ُجل ثوبه وينبذ الر ُجل إىل َّ ينشره وال يتبني ما فيه أو يبتاعه ليالً وال يعلم ما فيه ،واملنابذة أن ينبذ َّ اآلخر إليه ثوبه على ريري أتمل منها ويقول كل منهما :هذا هبذا ،فهذا الذي هنى عنه املالمسة واملنابذة ،واما بيع احلصاة فهو أن تكون ثياب مبسوطة فيقول املبتاع للبائع أي ثوب من هذه وقعت عليه احلصاة اليت أرمي هبا فهو بكذا ،فيقول البائع :نعم ،فهذا وأمثاله ريرر وقمار وجهالة وأكل للمال ابلباطل(.)4 وهلذا النوع من العقود تطبيقات كثرية يف الفقه والقانون كالتأمني واليانصيب واملسابقة وله انتشار كبري يف عاملنا املعاصر ويقرتب يف مفهومه من القمار. -3عقد منهي عنه القرتانه بوصف يضر أبحد املتعاقدين: كبيع التدليس والغنب والنجش ،فهذه البيـوع هلا ضـرر إمـا ابلثمـن كالنجش أو ابلعاقد كالغنب. أ -بيع النجش :والنجش يف اللغة أصله االستتار ،حن الناجش يسرت قصده فيزيد يف سلعة أكثر من ()5 الر ُجل يف مثن مثنها وليس قصده أن يشرتيها بل ليغر ريريه فيوقعه .والنجش يف االصطالح أن يزيد َّ السلعة وهو ال يريد شراءها ليقتدي به ريريه فيظن أنه مل يزد فيها هذا القدر إال وهي تساويه فيغرت بذلك ويقدم على الشراء( )6وقد اتفق الفقهاء على أن الناجش عاص بفعله ملا رواه الشيخان عن ابن الَ « :هنى رسول هللا عن النجش»( « : )7والنهي يقتضي التعرمي وملا فيه عمر رضي هللا عنهما قَ َ من اخليانة واخلداع »(.)8 إيل فقــد اش ــرتيته .انظ ــر: ( )2()1املالمســة أن يبيع ــه شــيئاً وال يعاين ــه علــى أن ــه مــىت ملس ــه وقــع البي ــع واملنابــذة أن يق ــول أي ثــوب نبذت ــه ّ املقدسي ،هباء الدين :العدة شرح العمدة يف فقه إمام السنّة أمحد بن حنبل ،ص(.)217 ي ابب منــع بيــع املنابــذة )754/2( ،و( ،)2190/5ومســلم ،ابب إبطــال بيــع املالمســة واملنابــذة ،)1151/3(،ويف ( )3رواه البُ َخــا ِر ّ ـال :هنــى عــن بيعتــني :املالمســة واملنابــذة ِ ، الرتمــذي ،)601/3( ،وموطــأ مالــك مــع روايـة أنــه قَـ َ وســنَن ّ َ صـعْيا ابــن حبّــانُ ،)349/11( ، شرح الزرقاِن.)319/3( ، ( )4الزرقاِن :شرح موطأ مالك .)316/03 ، ( )5املقري ،أمحد بن حممد بن علي :املصباح املنري ،مادة ن ج ش . ( )6ابن قُدامة ،امل ْغين (.)234/4 ُ ِ وص ـ ـ ـ ِـعْيا ابـ ـ ـ ـ ــن ِحبِّـ ـ ـ ـ ــان ، ص ـ ـ ــعْيعه ،ابب الـ ـ ـ ــنجش ،)2554/6( ،)753/2( ،ومس ـ ـ ــلمَ ،)1156/3( ، ي يف َ ( )7رواه البُ َخ ـ ـ ــا ِر ّ ِ وسـنَن ابـن ماجـة ،ابب مــا جـاء يف النّهـي عـن الـنجش ،)734/2( ،وموطـأ مالــك، وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربىُ ،)343/5( ، (ُ ،)342/11 وم ْسنَد أمحد.)63-7/2( ، (ُ ،)684/2 الصْنـ َعاِن :سبل السالم ( )18/3وشرح املنهج (.)243/2 (َّ )8 ب -بيع الغنب( :)1والغنب يف اللغة اخلداع ،ي َقال ريبنه ريبناً يف البيع والشراء خدعه وريلبه ،والغنب هو بيع الشيء أبكثر مما يساوي أو أبقل مما يساوي ،والغنب الفاحش حرام شرعاً حنه ثبت يف احلديث ِ ي عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما :أن َ الصعْيا طلب ترك الغنب طلباً جازماً ،فقد روى البُ َخا ِر ّ رجالً ككر للنيب أنه خيدع يف البيوع ،ف َقال « :إذا ابيعت فقل ال خالبة »( )2وروى أمحد عن أنس ِ َّيب « أن رجالً على عهد رسول هللا كان يبتاع وكان يف عقدته يعين عقله ضعف فأتى أهله الن ّ ال ف َقالوا :اي نيب هللا احجر على فالن فإنه يبتاع ويف عقدته ضعف فدعاه نيب هللا فنهاه عن البيع ،ف َق َ ال « : إن كنت غري اترك للبيع فقل ها وها وال خالبة »(. )3 اي نيب هللا إِن ال أصرب عن البيع ف َق َ ال :أشهد على الصادق واخلالبة-بكسر اخلاء -اخلديعة ،وروى ابن ماجة عن عبد هللا بن مسعود أنه قَ َ ال « :بيع احمل ّفالت خالبة وال حتل اخلالبة ملسلم »(.)4 املصدوق أنه حدثنا قَ َ فهذه اححاديث قد طلب فيها ترك اخلالبة أي اخلديعة ،واخلديعة حرام ومن هنا كان الغنب جرماً ،إال أ ّن الغنب احلرام هو الغنب الفاحش ،حن علّة يرمي الغنب هو كونه خديعة يف الثمن ،وال يسمى خديعة إكا كان يسرياً حنه يكون مهارة يف املساومة ،وإمنا يكون الغنب خديعة إكا كان فاحشاً فإكا ثبت الغنب فإ ّن للمغبون اخليار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أمضاه .روى الدراقطين عن حممد بن ال عليه الصالة والسالم « :إذا بعت فقل ال خالبة ،مث أنت يف كل سلعة ال :قَ َ حيىي بن حبّان قَ َ تبتاعها ابخليار ثالث ليال فإن رضيت فأمسك ،وإن سخطت فارددها على صاحبها »(.)5 ( )1انظر حول املسألة: َّملُّك يف اإلسالم ،ص(.)58 -1اجلنديل ،د .محد العبد الرمحن :نظرية الت َ -2النَّـبَـ َه ِاِنّ :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)190 ص ِعْيعه ،ابب :ما يكره من اخلداع يف البيـع ،)2554/6( ،)851 ،850 ،848 ،745/2( ،مسـلم ابب :مـا ي يف َ ( )2رواه البُ َخا ِر ّ ِ ِ خيدع يف البيع(ِ ،)1165/3 ِ وسـنَن َ ين (ُ ،)55/3 وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى (ُ ،)273/5 وصـعْيا ابـن حبِّـان (ُ ،)432/11 وسـنَن ال َّـد َارقُطْ ّ وم ْسنَد أمحد (.)84 ،80 ،72 ،61 ،42/2 أيب داود (ُ ،)282/3 وصـ ـ ِـعْيا اب ـ ــن ِحبِّـ ــان ( )3رواه أمحـ ــد يف مس ـ ــنده ( ،)217/2واملنتق ـ ــى الب ـ ــن اجل ـ ــارود بلف ـ ــظ :فقـ ــل هـ ــا وهـ ــا وال خالبـ ــة (َ ،)147/1 ص ِـعْيا علـى الشـيخني لص ِـعْيعني( ،)113/4وقَ َ ( ،)431-430/11بلفظ :فقل هاء وهاء وال خالبة ،واملستدرك علـى ا َ ـال حـديث َ ِ وس ــنَن اب ــن ماج ــة وس ــنَن البَـْيـ َهق ـ ّـي الك ــربى ( ،)62/6بلف ــظ :فق ــل ه ــا وه ــا وال خالب ــة ومثل ــه يف ُس ــنَن أيب داود (ُ ،)282/3 ومل خيرج ــاه ُ ( ،)688/2بلفظ فقل ها وال خالبة. ِ وم ْسـنَد الطيالسـي وم ْسـنَد أمحـد (ُ ،)433/1 وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى ُ ،)317/5( ، ( )4رواه ابن ماجة يف ُسـنَنه ( ،)753/2واللفـظ لـه ُ ( .)38/1رواه الد َ ِ ين يف ُسنَنه ( .)55/3وانظر :التعقيق يف أحاديث اخلالف ( ،)167/2وتفسري القرطيب (.)387/3 َّارقُطْ ّ وسنَن ابن ماجة ،ابب احلجر من يُفسد ماله ،)789/2( ،ونيل احوطار.)288/5( ، ( )5رواه الدراقطينُ ،)55/3( ، ج -بيع التدليس :احصل يف عقد البيع اللزوم ،فمىت مت العقد ابإلجياب والقبول بني البائع واملشرتي وانتهى جملس البيع فقد لزم عقد البيع ووجب نفاكه على املتبايعني إال أنه ملا كان عقد املعاملة جيب أن ()1 حرم الش َّْرع على الناس التدليس يف البيع وجعله إمثاً يتم على وجه يرفع املنازعات بني الناس .فقد ّ سواء حصل التدليس من البائع أو املشرتي يف السلعة أو العملة ،فكله حرام ،حن التدليس قد حيصل من البائع وقد حيصل من املشرتي. ومعىن تدليس البائع السلعة هو أن يكتم العيب عن املشرتي مع علمه به أو يغطي العيب عنه مبا يوهم املشرتي عدمه ،أو يغطي السلعة مبا يظهرها كلة حسنة ،ومعىن تدليس املشرتي الثمن هو أن يزيف العملة أو يكتم ما فيها من زيف مع علمه به ،وقد خيتلف الثمن ابختالف املبيع حجل التدليس، وقد يرريب املشرتي ابلسلعة بسبب التدليس ،فهذا التدليس جبميع أنواعه حرام. ِ ص ّروا اإلبل والغنم ،فمن ابتاعها َّيب أنه قَ َ ال « :ال تُ َ ملا روى البُ َخا ِر ّ ي عن أيب هريرة عن الن ّ بع ُد فإنه خبيـر النظريـن بعد أن حيتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ر ّدها وصاع تـمر»( )2و ملا روى ابن ِ مصراه فهو ابخليار ثالثة أايم ،فإن ر ّدها ر ّد َّيب أنه قَ َ ال « :من ابتاع ّ ماجة عن أيب هريرة عن الن ّ معها صاعا من متر ،ال مسراء » ()3 واملراد رد مثن لبنها الذي حلبه .فهذا صريا يف النهي عن تصرية اإلبل والغنم ،ومثل كلك كل عمل يغطي العيب أو يكتم العيب ،فإن كلك كلّه تدليس حيرم فعله سواء أكان كلك يف السلعة أو العملة حنه رينب. -4عقد منهي عنه لوصف خارج عن العقد واملتعاقدين: ومن أمثلة كلك: دل الكتـاب ال اإلمام ابن تَـْي ِميَّة رمحه هللا تعاىل « :واحصل يف هذا أنه ال حيرم على الناس من املعامالت اليت حيتاجون إليهـا إال مـا ّ ( )1قَ َ دل الكتاب والسنة على شرعه. والسنة على يرميه ،كما ال يشرع هلم من العبادات إال ما ّ انظر :ابن تَـْي ِميَّة :الفتاوى (.)386 ،385/28 ( )2رواه البخا ِري يف ِ الرجـل علـى َُ ّ َ صـعْيعه ،ابب النهـي للبـائع أن ال حيفـل اإلبـل والبقـر والغـنم ( ،)755/2ومسـلم يف البيـوع ابب يـرمي ّ ِ ِ ِ ِ وسـنَن الـد َ ِ ين بيع أخيه ،وسومه على سومه (َ ،)1155/3 وسنَن البَـْيـ َهق ّي الكربى (ُ ،)318/5 وصعْيا ابن حبّان (ُ ،)343/11 َّارقُطْ ّ السنَن الكربى ( ،)11/4وموطأ مالك (.)683/2 (ُ ،)75/3 وسنَن أيب داود ( ،)270/3و ُ ( )3ورواه ابن ماجة يف ُسنَنه ( ،)753/2واللفظ له ،واملراد بقوله ،ال مسراء يعين احلنطة ،وعند مسلم ،بلفظ من اشرتى شاة مصراة فهـو رد معها صاعاً من طعام ال مسراء (.)1158/3 ردها ّ ابخليار ثالثة أايم ،فإن ّ ِي أ -البيع بعد نداء اجلمعة ،لعلة اإلهلاء عن ككر هللا لقوله تعاىل :يَاأَيُّ َها الَّذِينَ َءا َمنُوا إِذَا نُود َ ص َالةِ ِم ْن يَ ْو ِم ْال ُج ُمعَ ِة فَا ْسعَ ْوا إِلَى ِذ ْك ِر َّ اّلِلِ َوذَ ُروا ْالبَ ْي َع .)1( ِلل َّ ب -بيع السالح للعريب ،فالبيع يف احصل حالل إال أنه ملا بيعه للعريب سيكسبه قوة ومنعة ضد اإلسالم منع من بيعه هلذا الوصف. ج -بيع العصري ملن يتخذه مخراً ،فمعلوم أن بيع العنب جائز لكن ل َّـما جاوره بيع آخر وهو التعول إىل مخر ،ففي بيعه للعنب أو عصريه مساعدة على اإلمث. وبعد ،فإ ّن يف تشريع املعامالت املاليّة أبنواعها وأصنافها ،وما بنيت عليه تلك املعامالت والعقود من أُسس وضوابط خلري دليل على فضل هللا تعاىل على عباده يف تشريعه احلكيم. وال خيفى ما يف هذا التشريع من قطع للمنازعات واملخاصمات ،وكلك مبراعاة العدل أي نوع كل مسألة من مسائل املعامالت ،و ّ واإلنصاف يف تشريع العقود واملعامالت ،حيث يظهر يف ّ من أنواع العقود كما أشران على جادة اإلمجال . ٍ حرم هللا « فما من معاملة ماليّة أحلّها هللا تعاىل إالّ وفيها مصلعة خالصة أو راجعة وما ّ تعاىل من معاملة ٍ مالية إالّ وفيها مفسدة خالصة ،أو راجعة »(.)2 الش ِر َيعة اإل ْسالميَّة يف فإكا ظهر لنا كلك فما علينا إالّ أن ننشد املطالبة ابالحتكام إىل َّ ريش ،وال ريرر ،وال تدليس ،وال جنش ،وال ريُنب ،وال منابذة ،وال مالمسة. معامالتنا املالية حيث ال ّ ٍ روعي فيه فهل بعد هذا العدل واإلنصاف من عدل وإنصاف؟ وهل بعد هذا التشريع الذي ّ حال البائع واملشرتي من تشري ٍع يُراعي حال البائع واملشرتي؟ ال ريب أن التشريعات املالية يف ريري اإلسالم ال تقوم على العدل واإلنصاف وأي ٍ عدل و ّ ّ إنصاف يف أتسيس العقود على الغرر والغنب كعقود التأمني القائمة على املنافع اجملهولة ،ويكفي لإلسالم فخراً أنّه أسس عقوده على الصدق والبيان مع يرمي الظلم والعدوان وأكل أموال الناس بغري حق. ( )1اجلمعة .9 / ()2الكيب ،سعد الدين حممد املعامالت املالية املعاصرة يف ضوء اإلسالم ،ص(.)101 المطلب الثاني التــســعـــيــــــــــــــــــر جاء يف املصباح املنري سعرت الشيء تسعرياً جعلت له سعراً معلوماً ينتهي إليه ،والتسعري هو تقدير السعر(.)1 وعرف الفقهاء التسعري بتعريفات كثرية: ّ ()3 ()2 عرفه اجلويين إمام احلرمني بقوله « :التسعري ...إثبات أقدار أبدال احشياء » . ّوعرفه القاضي البيضاوي( )4أبنه« :القيمــة اليت يشي ــع البيع عليهـا فـي احس ـواق ،والتسعيـر تقديـرها ّ»(.)5 وعرفه احمحد فكري أبنه « :تقدير ما يباع به الشيء طعاماً أو ريريه ويكون ريالء ورخصاً»(.)6 ّ - ( )1الفيومي :أمحد بن حممد بن علي املقري (770هـ) املصباح املنري يف ريريب الشرح الكبري .ص (.)423 ( )2هو أبو املعايل عبد هللا بن عبد هللا بن يوسف بن حممد اجلويين مـن علمـاء القـرن اخلـامس اهلجـري البـارزين شـافعي ُولـد يف جـوين عـام 419ه ـ ورحــل إىل بغــداد فمكــة حيــث جــاور أربــع ســنني ،مثّ كهــب إىل املدينــة فــأفىت هبــا ودرس مث عــاد إىل نيســابور وتــويف عــام 478ه ـ. انظر :سري احعالم النبالء ( ،)235/15احعالم (.)160/4 ( )3اجلويين ،عبد امللك بن عبد هللا بن يوسف :اإلرشاد إىل قواطع احدلة يف أصول االعتقاد ،ص(.)367 ( )4البيضاوي ،هو عبد هللا بن عمر بن حممد بن علي ،انصر الـدين ،أبـو سـعيد البضـاوي ،الشـريازي ،الشَّـافِعِي ،فقيـه مفسـر ،أصـويل، ويل القضاء بشرياز ،وأخذ الفقه عن والده وأيب حامد الغََزايل وريريهم .تويف عام ( 691هجريـة) .مـن مصـنفاته :منهـاج الوصـول حم ّدثّ ، الشــافِعِي ة لألســنوي.)283/1( ، إىل علــم احصــول ،وأن ـوار التنزيــل وأس ـرار التأويــل .وهــو املشــهور بتفســري البيضــاوي .انظــر :طبقــات َّ وطبقات السبكي.)157/8( ، ( )5جمموع رسائل مفيت زادة ،ص(.)127 ( )6دستور العلماء .)169/2( ، ويل من أمور املسلمني أمراً أهل وعرفه الش َّْوَكاِن( )1ف َق َ ّال « :هو أن أيمر السلطان نوابه أو كل من ّ السوق أال يبيعوا إال بسعر كذا ،فيمنعون من الزايدة عليه أو النقصان ملصلعة»(.)2 وعرفه ابن عرفه( )3يف حدوده أبنه :ديـد حاكم السوق لبائع املأكوالت فيه قدراً للمبيع بدرهم ّمعلوم(.)4 وعرفه الدريين( )5أبنه « :إجبار أرابب السلع أو املنافع الفائضة عن حاجتهم على بيعها بثمن أوأجر معني مبوجب أمر يصدره موظف عام خمتص ابلوجه الش َّْرعي ،عند ش ّدة حاجة النّاس أو البالد إليها »(.)6 وخالصة ما ورد يف هذه التعريفات: إ ّن التسعري يف مجلته إجراء مؤقت من قبل احلاكم لعالج املشكالت االجتِم ِ اعيَّة واالقتصادية َْ لبعض السلع أو املنافع اليت يكون الناس يف حاجة إليها ،دفعاً لضرر االستغالل ولتنظيم التعامل وكلك أبن تتدخل الد َّْولَة يف احسعار وتضع للسلع أو لبعضها أسعاراً معينة ومتنع كل واحد من أن يبيع أبكثر من السعر الذي عينته أو أبقل منه ملا ترى يف كلك من مصلعة اجملموع. وقد اختلف الفقهاء يف حكم التسعري وشروطه وما جيوز فيه وما ال جيوز ...وميكن حصر هذا اخلالف يف ثالثة آراء: أوالا :مذهب اجلمهور ِم َن الفقهاء ،وهم يرون عدم جواز التسعري مطلقاً ،حن صعة البيع تتوقف على وجود الرتاضي ،وهو مفقود مع التسعري ،فيكون البيع ابطالً لعدم الرتاضي(.)7 ال : فسعر لنا؟ ف َق َ ال :قَ َ عن أنس بن مالك قَ َ ال الناس :اي رسول هللا ريال الناس ّ ( )1هــو حممــد بــن علــي بــن حممــد َّ وويل قضــاءها لــه 114مؤلفـاً الشـ ْـوَكاِن فقيــه جمتهــد مــن كبــار علمــاء الــيمن ولــد خبــوالن ،ونشــأ بصــنعاء ّ منها :نيل احوطار وإرشاد الفعول تويف عام 1250هـ .انظر :احعالم (.)298/6 ( )2الش َّْوَكاِن :نيل احوطار (.)248/5 ( )3ابن عرفه ،هو حممد بن عرفـه الـورريمي ،املـالكي إمـام تـونسُ ،ولـد فيهـا سـنة ( 716هجريـة) وتـويف فيهـا سـنة ( 803هجريـة) .انظـر: احعالم.)72/2( ، ( )4شرح حدود ابن عرفة ،ص(.)279-278 ( )5د .فتعي الدريين :هو القاضي الش َّْرعي املصري يف عهد امللك فؤاد (علي عبد الرازق). من مصنفاته :اإلسالم وأصول احلكم. ( )6الدريين ،د .فتعي :مذكرات يف التسعري واالحتكار ،ص(.)171 ( )7الشريازي ،أبو إسعاق إبراهيم بن علي بن يوسف ( )476املهذب ،)292/1( ،واملاوردي :احلاوي .)162/6( ، « َّ سعر القابض الباسط الرازق ،وإ ّين ألرجو أن ألقى هللا وليس أح ٌد منكم يطالبين إن هللا هو املُ ّ مبظلمة يف ٍ دم وال مال »(.)1 ال الش َّْوَكاِن :ووجهه أن الناس مسلطون على أمواهلم ،والتسعري حجر عليهم ،واإلمام مأمور قَ َ برعاية مصلعة املسلمني وليس نظره يف مصلعة املشرتي برخص الثمن أوىل من نظره يف مصلعة البائع بتوفري الثمن ،وإكا تقابل احمران وجب متكني الفريقني من االجتهاد حنفسهم وإلزام صاحب السلعة أن ()2 اض.)3( ع ْن ت ََر ٍ ارة َ يبيع مبال يرضى به مناف لقولـه تعالــىِ :إ َّال أ َ ْن ت َ ُكونَ تِ َج َ ال «:بل هللا خيفض ويرفع »(.)4 ال اي رسول هللا سعر ...ف َق َ ال :جاء رجل ف َق َ وعن أيب هريرة قَ َ َّ مر حباطب بن أيب بلتعة( )5بسوق املصلى وبني يديه وعن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه ،أنه ّ ال له عمر « :قد حدثت ال له :مدين لكل درهم -ف َق َ ريراراتن فيهما زبيب ،فسأله عن سعرمها؟ ف َق َ وإما أن تدخل زبيبك بعري جاءت من الطائف يمل زبيباً ،وهم يعتدون بسعرك فإما أن ترفع يف السعرّ ، ال « :إن الذي البيت فتبيعه كيف شئت» ،فلما رجع عمر حاسب نفسه مث أتى حاطباً يف داره ف َق َ قلت لك ليس ريرمة مين ،وال قضاء وإمنا هو شيء أردت به اخلري حهل البلد ،فعيث شئت فبع وكيف شئت فبع »(.)6 اثنيا :جواز التسعري والوجوب عند الضرورة(:)7 الرأْي قد استندوا على مراعاة املصلعة العامة ،ودفع الظلم عن الناس مع وأصعاب هذا َ مراعاة املصلعة اخلاصة وأساس هذا ومبناه التوفيق بني املصاحل اخلاصة والعامة ،ومراعاة ملبدأ التوازن بني صـ ِـعْيا ابــن حبّــان ،ابب :التســعري ( )1رواه أبــو داود يف ُســنَنه ،كتــاب البيــوع ،ابب :يف التســعري ،)272/3( ،واللفــظ لــه ،ومبعنــاه عــن َ ِ الرتِم ِـذي( ،)605/3و ُســنَن الـدارمي ،)324/2( ،و ُسـنَن البَـْيـ َه ِق ّـي الكــربى ،)29/6( ،و ُسـنَن ابـن ماجــة واالحتكـار( ،)307/11و ُسـنَن ّ ْ ( ،)741/2وُم ْسنَد أمحد ( ،)156/1وُم ْسنَد أيب يعلي (.)245/5 ()2الش َّْوَكاِن :نيل احوطار (.)248/5 ( )3النساء .29 / وم ْسنَد أمحد (.)337/2 ( )4رواه أبو داود يف سنته ،كتاب البيوع ،ابب يف التسعري(ُ )272/3 ( )5حاطب بن أيب بلتعة بن َع ْمرو بن ُعدي ،تويف سنة ( 30هـ) وصلى عليه عثمان بن ع ّفان .انظر :أُسد الغابة .)438/1( ، (ُ )6سنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى ( ،)29/6واملوطأ ملالك عن ابن امل َسيِّب ( ،)651/3رقم (.)57 ُ الشـافِعِية واحلنابلـة أجـازوا التسـعري مـع مالحظـة أن احصـل عنـدهم هـو عـدم التسـعري وأول مـن تكلـم يف ( )7بعض فقهاء املعتزلة واملالكيـة و َّ التسعري هو القاضي عبد اجلبار املعتزيل (425هـ) إكا تواطأ الناس على السعر لنفع هلم ما مل يؤد إىل مضرة عظيمة .انظر: -1عبد اجلبار ،القاضي :املغْين يف أبوب التوحيد (.)58-55/11 ُ -2املصري ،د .رفيق يونس :أصول االقتصاد اإلسالمي ،ص(.)141 حرية املالك يف التصرف يف أمواهلم مع منع احضرار ابآلخرين ،فريى شيخ اإلسالم ابن تَـْي ِميَّة وابن قَـيِّم اجلَْوِزيَّة رمحهما هللا أن التسعري جيوز عند احلاجة ،فإكا اقتضت الضرورة كلك كان التسعري جائزاً بل البني اللجوء إىل التسعري حن واجباً ،أما إكا كانت احلياة تسري سريها الطبيعي ،فيكون من الظلم ّ التسعري إكراه للناس على البيع بثمن ال يرضونه. وقد ّبني كلك ابن القيم بقوله « :التسعري قسمان :ظلم حمرم و عدل جائز ،فإكا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغري حق على البيع بثمن ال يرضونه أو منعهم مما أابح هللا هلم ،فهو حرام ،وإكا تضمن العدل بني الناس ،مثل إكراههم على ما جيب عليهم من املعاوضة ،بثمن املثل ،ومنعهم مما حيرم عليهم من أخذ الزايدة على عوض املثل ،فهو جائز ،بل واجب. وضرب ابن القيّم لكل منهما مثاالً فمثل للنوع احول مبا روى عن أنس من احلديث السابق، وإمنا كان هذا النوع من التسعري الظامل حن الناس كانوا يف زمنه يبيعون سلعهم على الوجه املعروف من ريري ظلم منهم وارتفاع السعر ،إما لقلة الشيء ،وإما لكثرة اخللق ،وهذا أمر هللا يف اخللق ،فإلزام الناس أن يبيعوا بقيمة بعينها :إكراه بغري حق ». ومثّ َل للنوع الثاِن « :أبن ميتنع أرابب السلع بيعها ،مع ضرورة الناس إليها إال بزايدة على القيمة املعروفة ،فهنا جيب عليهم بيعها بقيمة املثل وال معىن للتسعري إال بقيمة املثل ،والتسعري يف تلك احلالة إلزام ابلعدل الذي ألزمهم هللا به »(.)1 اثلثا :جواز التسعري زمن احضرار وإكا كان احصل عند احلَنَ ِفيَّة عدم جواز التسعري فإن املتأخرين منهم يرون جواز التسعري إكا يكم أرابب احموال زمن القعط وأمسكوا عن بيعها إالّ بزايدة فاحشة وهي أن يبلغوا هبا ضعف الرأْي رفعاً للضرر قيمتها ،واضطر الناس ملا يف أيديهم فعينئذ ال أبس أبن يسعر ويل احمر مبشورة أهل َ عن العامة(.)2 وبعد أن عرضنا آراء الفقهاء وأدلتهم يتبني لنا رجعان مذهب اجلمهور من الفقهاء القائلني حبرمة التسعري وكلك لألسباب اآلتية: الص ِعْيعة « تدل على يرمي التسعري وأنه مظلمة من املظامل اليت ُّصوص الش َّْرعية َ أوالا :إن الن ُ ترفع الشكوى على احلاكم إلزالتها وإكا فعلها احلاكم أمث عند هللا حنه فعل حراماً ،وكان لكل شخص ( )1ابن قَـيِّم اجلَْوِزيَّة ،الطرق احلكمية ،ص(.)244 ( )2ابن مودود املوصلي ،عبد هللا بن حممود :االختيار لتعليل املختار.)116/3( ، من رعيته أن يرفع الشكوى إىل حمكمة املظامل على هذا احلاكم الذي سعر س ـواء أكـان واليـاً أم خليفــة، يشكو هلـا هـذه املظلمة لتعكم عليه وتقوم إبزالة هذه املظلمة»(.)1 الش ِر َيعة وأصوهلا حن فيه حجراً على الناس يف تصرفاهتم اثنيا :إن التسعري ال يتفق مع قواعد َّ الش ِر َيعة منعت كل مكلف إابحة التصرف يف ماله ال فرق وهو خالف ما وردت به النصوص ،فإن َّ بني ابئع ومش ٍرت ،وإكا كانت مصلعة البائع يف زايدة الثمن ومصلعة املشرتي يف خفضه ،فيكون التسعري خبفض الثمن ترجيعاً ملصلعة املشرتي على مصلعة البائع بال مرجا»(.)2 اثلثا :إن التسعري يؤدي إىل اختفاء البضائع من السوق الظاهرة إىل السوق اخلفية ،وعندئذ يكون الت غايل يف احسعار فيستطيعها الغين وال يستطيعها الفقري ،ويؤدي بنا احمر إىل أن من يستعق املعاونة حيرم ،ومن هو قوي يف كاته جيد »(.)3 قَ َ ال ابن قُدامة « :التسعري سبب الغالء ،حن اجلالبني إكا بلغهم كلك مل يقدموا بسلعهم بلداً يُكرهون على بيعها فيه ما يريدون ومن عنده البضاعة ميتنع من بيعها ويكتمها ويطلبها أهل احلاجة إليها فال جيدوهنا إال قليالً ،فريفعون يف مثنها ليصلوا إليها فتغلو احسعار وحيصل اإلضرار ابجلانبني، جانب املالك يف منعهم من بيع أمالكهم ،وجانب املشرتي يف منعه من الوصول إىل ريرضه فيكون حراماً »(.)4 وهذا الذي ككره ابن قُدامة مشاهد يف واقعنا اليوم يف بعض البلدان اليت تسعر ،فالسلع خمبوءة (أسواق سوداء) وطوابري االنتظار طويلة وخمالفة التسعرية هي الغالبة ،واملخالفات بني الباعة والد َّْولَة الر ْش َوة للمراقبني واملفتشني منتشرة. كثرية و َّ احمة قي مجيع الظروف سواء أكان رابعا :إن واقع التسعري أنه ضرر من أشد احضرار على ّ كلك يف حالة احلرب أم يف حالة السلم ...حن يديد الثمن يؤثر يف االستهالك فيؤثر يف اإلنتاج ورمبا السي ِ ِ اسيَّة فإنه سبّب أزمة اقتصادية ...وأما ما حيصل من ريالء احسعار يف أايم احلروب ،أو احزمات ّ َ انتج إما عن عدم توفرها يف السوق بسبب احتكارها ،أو بسبب ندرهتا فإن كان عدم وجودها ان اً عن االحتكار فقد حرمه هللا وإن كان ان اً عن ندرهتا ،فإن اخلليفة مأمور برعاية مصاحل النّاس ،فعليه ِ تقي ال ِّدين :النِّظَام االقتصادي ،ص(.)197 ( )1النَّـبَـ َهاِنّّ ، ( )2املصلا ،د .عبد هللا بن عبد العزيز :قيود املِلْ ِكيَّة اخلاصة ،ص(.)427 ( )3أبو زهرة ،الشيخ حممد :التكافل االجتماعي يف اإلسالم ،ص(.)62 ( )4ابن قُدامة :امل ْغين مع الشرح الكبري .)164/4( ، ُ أن يسعى لتوفريها يف السوق يف جلبها من أمكنتها وهبذا يكون قد منع الغالء( .)1وعمر بن اخلطَّاب يف عام اجملاعة الذي مسي عام الرمادة ملا حصلت اجملاعة يف احلجاز فقط لندرة الطعام يف تلك السنة، وقد ريال من جراء ندرته فلم يضع أسعاراً معينة للطعام ،بل أرسل وجلب الطعام من مصر وبالد الشام إىل احلجاز فرخص دون حاجة إىل التسعري(.)2 المطلب الثالث ـــــــــــــــــــــــــــوة الر ْش َّ َ ()3 الر ْش َوة الوصلة إىل احلاجة ابملصانعة وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إىل قَ َ ال ابن احثري َّ «: الر ْش َوة لغة مأخوكة من رشا الفرخ إكا م ّد رأسه إىل أمه لتزقه »(.)5 املاء » )4(.وقَ َ ال ابن منظورَّ «: ()6 الر ْش َوة كل مال يدفع ليبتاع به من واصطالحاً اختلف الفقهاء فيها ف َق َ ال ابن العريب َّ « : ()7 ف به قول اجلرجاِن :ما يعطى إلبطال حق أو إلحقاق حيل وأحسن ما عُِّر َ كي جاه عوانً على ما ُّ ابطل ،وهذا التعريف أقرب ما يكون ملدلول القرآن له فإن صعة املعىن هو ما ميكن أخذه من عرض القرآن »(.)8 ِ تقي ال ِّدين :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)198-197 ( )1النَّـبَـ َهاِنّّ ، ِ تقي ال ِّدين :النِّظَام االقتصادي يف اإلسالم ،ص(.)198 ( )2النَّـبَـ َهاِنّّ ، ( )3ابن احثري هو :املبارك بـن حممـد بـن حممـد بـن حممـد اجلـزري أبـو السـعادات جمـد الـدين ،احملـدث اللغـوي احصـويل ،ولـد ونشـأ يف جزيـرة ابن عمر وانتقل إىل املوصل فاتصل بصاحبها فكان من أخصائه ومرض والزمه املرض إىل أن تويف عام (606هـ) وله آتليف انفعـة ،انظـر: سري أعالم النبالء ( )489/21واحعالم (.)272/5 ( )4ابن احثري ،النهاية يف ريريب احلديث :اجمللد الثاِن ،حرف الراء ،ابب الراء مع الشني. ( )5ابن منظور :اللسان ،مادة ر ش ى. ( )6هــو حممــد بــن عبــد هللا بــن حمم ـد املعــافري احندلســي احشــبيلي املعــروف أبيب بكــر ابــن العــريب .كــان مــن أئمــة املالكيــة ،حمــداثً فقيه ـاً، أصولياً ،مفسراً أديباً متكلماً ،مات بقرب فاس وهبا دفن عام 543هـ .من كتبه « أحكام القرآن » و « احنصاف يف مسـائل االخـتالف » «واملوصول يف علم احصول » و « العواصم من القواصم » وعارضة اححوكي . انظــر :وفيــات احعيــان ( )423/3الفــتا املبــني ( )82/2الــديباج املــذهب (َ )252/2ش ـ َذرات الـ َّـذ َهب ( )141/4ســري أعــالم النــبالء ( ، )197/20احعالم (.)230/6 ( )7العسقالِن ،ابن حجر :فتا الباري.)221/5( ، الر ْش َوة واهلدية ،ص(.)191 الر ْش َوة :النابلسي ،عبد الغين :يقيق القضية يف الفرق بني َّ ( )8انظر حول تعريف َّ والصلة بني املعىن اللغوي واملعىن االصطالحي صلة قوية ،فقد جاء يف التعريف اللغوي أن الر ْش َوة مأخوكة من رشا الفرخ إكا مد رأسه إىل أمه لتزقه وهذه صورة صارخة لعمل املرتشي وبيان َّ حقيقته وصفه يف منتهى الضعف النفسي كالفرخ مل ينبت له ريش العاجز عن كسب قوته بنفسه يرى أمه يفغر هلا فاهه لتخرج مما يف حوصلتها وتفرريه يف فمه يرد جوعته .ولو علمنا أن ما تلقاه بفيه إمنا هو الر ْش َوة ،فهـو هبـذا جيمـع بني مبثابة القيء تستخرجه أمه من حوصلتها لكان كافياً من التقزز من أكل َّ ضعـف الشخصيـة وكلّة النفس وحقارة الطبع. وإكا جئنا إىل احصل الثاِن وهو الرشاء الذي هو حبل الدلو ليستخرج به املاء من البئر العميق ،فإننا جند أيضاً صورة التديل من علياء العزة والكرامة إىل سعيق الذلّة واملهانة وينعدر من منعه الصدق إىل هاوية الكذب ومن ع ّفة احمانة إىل دنس اخليانة وينزلق عن جادة احلق إىل مزالق الباطل وكأن احلاجة املقصودة عند املرتشي مغيبة بعيداً عن الراشي بعد املاء يف عقر البئر ال وصول إليها إال ابلر ْش َوة كتديل الدلو برشاة. التديل َّ الر ْش َوة عند الناس أمساء أخرى كما هو شأن احملرمات دائماً كالربطيل وأصله وهذا وقد أتخذ َّ احلجر املستطيل يُلقمه الراشي للمرتشي كي ُخيرسه عن احلق وكاهلدية واإلكرامية واحتعاب والعمولة واحجرة واجلعالة والضيافة وريريها. الر ْش َوة والسعت فيجتمعان ويفرتقان ،جيتمعان حينما يكون العمل حمرماً من اجلانبني الراشي « وأما َّ واملرتشي ،وهو سعت يف املرتشي أيكله سعتاً وينفرد السعت حينما يكون العمل حمرماً من جانب واحد وهو جانب احخذ فقط فيأكله ،فيأكل ما أخذه سعتاً»(. )1 ِ السعت أهو رشوة ال :سألت ابن مسعود عن ويشهد هلذا ما رواه البَـْيـ َه ِق ّي( )2عن مسروق ،قَ َ ال :الَ ،و َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َما أ َ ْنزَ َل َّ اّلِلُ فَأُولَئِكَ ُه ُم ْال َكافِ ُرونَ )3(والظاملون والفاسقون ، يف احلكم قَ َ ولكن السعت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدى لك فتقبله فذلك السعت »(.)4 الر ْش َوة يف احدلة النقلية عند العلماء يف مواضع منها: ُّصوص على َّ ومأخذ الن ُ اإلسالميَّة ،عدد ( ،)58ص(.)128 الر ْش َوة ،م َق َ ( )1سامل ،عطية حممدَّ : ال يف جملة اجلامعة ْ ِ العالمــة أبــو بكــر أمحــد بــن احلســني ،اخلراســاِن ،البَـْيـ َه ِقـ ّي ،ولــد يف بيهــق ،ســنة (384هــ) وتــويف فيهــا ســنة ( )2البَـْيـ َهقـ ّـي ،هــو احلــافظ ّ (458هـ) .انظر طبقات الشَّافِعِي ة البن هداية هللا ،ص( .)159وسري أعالم النبالء (.)163/18 ( )3املائدة .44 / (ُ )4سنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى.)139/10( ، اط ِل َوت ُ ْدلُوا بِ َها إِلَى ْال ُح َّك ِام ِلت َأ ْ ُكلُوا فَ ِريقا ِم ْن أ َ ْم َوا ِل ال تعاىلَ :و َال ت َأ ْ ُكلُوا أ َ ْم َوالَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم بِ ْالبَ ِ .1قَ َ اإلثْ ِم َوأ َ ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ .)1( النَّ ِ اس بِ ْ ِ فالنص هنا على وضوحه عام يف النهي عن أكل احموال ابلباطل أبي صفة وهذا النص أقرب الر ْش َوة ابلرشاء يف معىن اإلدالء واإلدالء إرسال الدلو إىل ماء البئر وال الر ْش َوة الرتباط َّ موضوعية إىل َّ الر ْش َوة من مـادة واحـدة واملدلـي هو الراشـي يكون إال ابحلبل وحبل الدلو يُسمى رشاء ،فالرشاء و َّ الر ْش َوة. واملدىل إليه هو املرتشي وما يف الدلو هو َّ الر ْش َوة يف احلكام مع أهنا ليست قاصرة عليهم ولكنها منهم أعظم وأخطر وقد خصص هذا النّص َّ العدالَة ،فإكا فسد امليزان اختل االتزان ،وإكا خان الوازن ضاع التوازن ، وأشد فتكاً حهنم ميزان َ ال القرطيب يف اآلية « :قيل :املعىن ال تصانعوا أبموالكم احلكام وترشوهم، ومن مثّ ينتشر الفساد .قَ َ ال ابن عطية ،وهذا القول يرتجا ،حن احلكام فطنة الرشاء ريال من ليقضوا لكم على أكثر منها ،وقَ َ الر ْش َوة من الرشاء ،كأنه ي ُـمد هبا عصم ،وأيضاً فإن اللفظني متناسبان :تدلوا :من إرسال ال ّدلو ،و َّ ليقضي احلاجة. ()2 الر ْش َوة ب أ َ َّكالُونَ ِللسُّحْ ِ س َّماعُونَ ِل ْل َك ِذ ِ .2قَ َ كم اليهود َ : ت . والسعت :هو َّ ال تعاىل يف ّ ٍ الر ُجل حخيه حاجة ،فيهدي إليه كسب ال حيل( )3وعن ابن مسعود أنه قَ َ ال :السعت أن يقضي َّ ِ الر ُجل جباهه وكلك أن يكون له ال ابن ُخ َويْز َمْنذاك( « :)4من هدية فيقبلها .وقَ َ السعت أن أيكل َّ جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجـة ،فال يقضيها إال برشوة أيخذها »( . )5وقد ككر ابن أو كل خلدون أن اجلاه مفيد للمال(.)6 ال البغوي يف شرح السنة أي « :يرتشون يف ض َهذَا ْاأل َ ْدنَى )7( قَ َ .3قَ َ ال تعاىلَ :يأ ْ ُخذُونَ َ ع َر َ ي يف زاد املسري « :ويف وصفه ابحدىن قوالن أحدمها أنه من الدنو، اححكام »( )1وقَ َ ال ابن اجلَّْوِز ّ والثاِن أنه من الدانءة » (. )2 ( )1البقرة .188 / ( )2املائدة .42 / ي :زاد املسري يف علم التفسري (.)360/2 ( )3ابن اجلَّْوِز ّ ( )4هو ابن خويز منذاك ( ممعجمتني أو إمهال احول ) من علماء املالكية ،تلميذ احهبري ،تويف يف حدود سنة 400هـ. ( )5القرطيب :اجلامع ححكام القرآن (.)183/6 ( )6ابن خلدون :املقدمة ،ص(.)389 ( )7احعراف .169 / الرازي ( :)3يف تفسريه « :ويف قوله « احدىن» ختسيس ويقري ،واحدىن إما من الدنو مبعىن وقَ َ ال َّ القرب حنه عاجل قريب ،وإما من دنو احلال وسقوطها وقلتها .واملراد ما كانوا أيخذونه من الرشا يف اححكام على يريف الكالم ،مث حكى تعاىل عنهم أهنم يستعقرون كلك الذنب ويقولون: سيغفر لنا »(.)4 ِ ال :هذا لكم وهذا َّيب رجالً من احزد ي َقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قَ َ .4استعمل الن ّ الر ُجل منكم أُهدي إيل ،فقام رسول هللا فعمد هللا وأثىن عليه مث قَ َ ال «:أما بعد ،فإِن أستعمل َّ على العمل مما والِّن هللا فيأيت فيقول :هذا مالكم وهذا هدية أهديت يل ،أفال جلس يف بيت أبيه وأمه ،حىت أتتيه هديته ،إن كان صادقاً؟ وهللا ال أيخذ أحد منكم شيئاً بغري حقه إال لقي هللا حيمله فألعرفن أحداً منكم لقي هللا حيمل بعرياً له ُررياء ،أو بقرة هلا ُخوار أو شاة تَ َيعر مث رفع يوم القيامة، َّ يديه حىت ُرئي بياض إبطيـه يقول « :اللّهم هل بلغت ؟»(.)5 الر ْش َوة . وهذا احلديث من أبلغ الضوابط اليت حيفظها املسلمون يف التعبري عن حقيقة َّ ال رسول هللا « : من استعملناه منكم على عمل ،فكتمنا خميطا فما فوقه كان غلوالا أييت به .5قَ َ يوم القيامة »( )6أي يفتضا يوم القيامة على رؤوس احشهاد وهـو معنـى قولـه تعالـىَ :و َم ْن يَ ْغلُ ْل ال َيأ ْ ِ ت ِب َما َغ َّل َي ْو َم ْال ِق َيا َم ِة . )7( والغلول أصله اخليانة يف الغنيمة ،مث أطلق على كل خيانة .وقَ َ ( )1البغوي ،احلسني بن مسعود ،شرح السنّة.)87/10( ، ي :زاد املسري يف علم التفسري.)170/3( ، ()2ابن اجلَّْوِز ّ ( )3هــو حممــد بــن عمــر بــن احلســن بــن احلســني التيمــي فخــر الــدين الـ َّـرازي ،ولــد يف الــري ســنة (544هــ) .وهــو أحــد املفسـرين ،وعلمــاء الكالم واحصول وهو قرشي النسب مـن أشـهر مؤلفاتـه :مفـاتيا الغيـب يف تفسـري القـرآن ،واحملصـول يف علـم احصـول ومعـامل أصـول الـدين، واملسائل اخلمسون يف أصول الكالم ،واآلايت البيّنات .تويف سنة (606هـ). انظر :ابن خلكان :وفيات احعيان ( )381/3احعالم (.)313/6 الرازي :التفسري (.)44/15 (َّ )4 ص ـ ِـعْيعه ،ابب :احتي ــال العام ــل ليه ــدى ل ــه )2559/6( .واللف ــظ ل ــه ،ورواه مس ــلم ،ابب ي ــرمي ه ــدااي العم ــال ي يف َ ( )5رواه البُ َخ ــا ِر ّ ِ ِ ( ،)1463/3وصـ ِـعيا ابــن خزْميـَـة (ِ ،)53/4 وســنَن أيب َ ْ َُ َ وســنَن البَـْيـ َهقـ ّـي الكــربى (ُ ،)158/4 وصــعْيا ابــن حبِّــان (ُ ،)373/10 وم ْسنَد أمحد (.)423/5 داود (ُ ،)134/3 ِ ِ وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربى ( .)158/4وانظـر :جـامع احصـول ( )6رواه مسلم يف َ عدي بن عمـرية ( ُ ،)1465/3 صعْيعه واللفظ له ،عن ّ ( )667/4و( )716/2والرترييب والرتهيب (.)317/1 ( )7آل عمران .161 / « :من استعملناه على عمل ،فرزقناه رزقا ،فما أخذ بعد ذلك فهو غلول»( .)1وعن معاك بن تصينب شيئا بغري إذين ،فإنه غلول»(،)2 ال « :ال َّ ال :بعثين رسول هللا إىل اليمـن ،ف َق َ جبل :قَ َ ال رسول هللا « :فإن الغلول يكون على أهله عارا وشنارا يوم القيامة »(.)3 وقَ َ ال « :لعن هللا الراشي ال « :لعنة هللا علي الراشي واملرتشي»( )4وقَ َ .6وعن عبد هللا بن عمر قَ َ ال «:لعن هللا الراشي واملرتشي يف احلكم »(.)6 واملرتشي والرائش الذي ميشي بينهما»( )5وقَ َ وروي عن عمر بن عبد العزيز( )7أنه اشتهى يوماً التفاح فلم جيد ما يشرتي به ماله وبينما هو سائر مع بعض أصعابه أهديت إليه أطباق من التفاح فتناول واحدة فشمها مث رده إىل مهديه فقيل له يف ال ال « :ال حاجة يل فيه فقيل له أن رسول هللا كان يقبل اهلدية وأبو بكر وعمر :ف َق َ كلك ،ف َق َ إهنا حولئك هدية وهي للعمال بعدهم رشوة(.)8 روى مالك أن رسول هللا كان يبعث عبد هللا بن رواحة إىل خيرب فيخرص بينه وبني يهود خيرب ال عبد فجمعوا له حلياً من حلى نسائهم ف َقالوا له خذ هذا لك وخفف عنا و اوز يف القسم ،ف َق َ هللا بن رواحة « :اي معشر اليهود وهللا إنكم ملن أبغض خلق هللا إيل وما كاك حباملي على أن أحيف صـ ِـعْيا ابــن ُخَزْميـَـة ،ابب :فــرض اإلمــام للعامــل علــى الصــدقة رزق ـاً معلوم ـاً ( ،)70/4واللفــظ لــه ،عــن عبــد هللا بــن بريــدة عــن أبيــه (َ )1 ال هذا حديث ِ وسنَن أيب داود ابب أرزاق العمال، الص ِعْيعني ( )563/1وقَ َ واملستدرك على َ َ صعْيا على شرط الشيخني ومل خيرجاهُ ، (.)34/3 ( )2رواه ِ ِ ِ وم ْســنَد الب ـزار ( ،)118/7()9-4واملعجــم الكبــري ّْ الرتمــذي يف ُســنَنه ،ابب :مــا جــاء يف هــدااي احم ـراء ( )621/3واللفــظ لــهُ ، ( ،)128/2بلفظ « بغري علم». السنَن الكربى ،كتاب اهلبة ،هبـة املشـاع ( ،)120/4ومبعنـاه يف ُسـنَن البَـْيـ َه ِق ّـي الكـربى ( ،)17/7ومصـنف أيب شـيبة (،)412/7 (ُ )3 املعجم احوسط (ُ ،)237/7م ْسنَد أمحد ( ، )326 ،316/5والتمهيد البن عبد البَـِّر (.)41/20 وم ْســنَد أمحــد (،)190/2 (ُ )4ســنَن ابــن ماجــة ،ابب التغلــيظ يف احلــيض و َّ الر ْشـ َـوة ،)775/2( ،عــن عبــد هللا بــن عمــر ،واللفــظ لــهُ ، ( ،)212مصنف عبد الرزاق ،)148/8( ،ونيل احوطار (.)170/9 ِ وم ْس ــنَد أمح ــد ( )279/5ع ــن ث ــوابن وجمم ــع الزوائ ــد ( ،)198/4الرتريي ــب والرتهي ــب، ( )5املس ــتدرك عل ــى َ الصـ ـعْيعنيُ ،)115/4( ، ( ،)126/3نيل احوطار (.)170/9 ِ وسـ ــنَن صـ ـ ِـعْيا ابـ ــن حبّـ ــان ،ابب َّ الر ْشـ ـ َـوة ،)467/11( ،عـ ــن أيب هريـ ــرة واللفـ ــظ لـ ــه ،واملسـ ــتدرك علـ ــى َ (َ )6 الصـ ــعْيعني (ُ ،)115/4 ِ ِ ص ــعْيا ُ ،م ْس ــنَد أمح ــد ( ،)387/2واملعج ــم الكب ــري (،)398/23 الرتِم ـ ِـذي( )622/3بلف ــظ :لع ــن رس ــول هللا وقَـ َ ّْ ـال ح ــديث حس ــن َ الرترييب والرتهيب (.)126/3 ( )7هو اخلليفة عمر بن عبد العزيز بن مروان احموي القرشي ،اخلليفة الصاحل ،يلقب خامس اخللفاء الراشـدين ،ولـد ونشـأ ابملدينـة ووليهـا ـف فيــه خلــق كثــري مــنهم ابــن اجلــوزي ،تــويف عــام 101هــ .انظــرَ :ســيِّد أعــالم الوليـد مث اســتوزره ســليمان ابلشــام وويل اخلالفــة بعــده ،وقــد ألـ ّ النبالء ( ،)114/5وهتذيب التهذيب ( .)475/7واحعالم (.)50/5 ( )8ابن َح َج ٍر العسقالِن ،فتا الباري ( .)220/5وانظر :الطبقات الكربى ( ،)377/5وتغليق التعليق ( ،)359/3وصفوة الصفوة (.)120/2 الر ْش َوة فإهنا سعت وإ ّان ال أنكلها ف َقالوا هبذا قامت السموات واحرض عليكم فأما ما عرضتم من َّ »(.)1 وقد منع العلماء قبول الوايل ومن يف معناه هدية ممن مل يكن له عهد ابإلهداء إليه ولو مل تكن له حاجة ابلفعل عنده خشية أن أتيت له حاجة فيما بعد فيديل إليه مبا كان من هديته احوىل ،وقد وقع ال :اي أمري مثله لعمر رضي هللا عنه كان َر ُجل يهدي إليه ِر ْجل جزور كل عام فخاصمهم إليه يوماً ف َق َ املؤمنني اقض بيننا قضاء فصالً أي كما تفصل ِّ الر ْجل من سائر اجلزور فقضى عمر وكتب إىل عماله«:أال إن اهلدااي الرشا فال تقبلن من أحد هدية»(.)2 فاملال أو الشيء املدفوع يكون اترة هدية مقبولة واترة رشوة ممقوته ،مثلهما كمثل السجدة إكا وقعت هلل فهي عبادة وفريضة ،وإكا وقعت لغري هللا فهي شرك وممنوعة. الر ْش َوة تورث القطيعة وتوقع العداوة ،واهلدية تدفع فاهلدية تؤلف القلوب وتورث احملبة و َّ يدفعها الر ْش َوة بطيب نفس تقديراً للمهدي إليه أو تطيباً خلاطره أو أتليفاً له وكلها مقاصد حسنة و َّ الراشي مكرهاً وأيخذها املرتشي متسرتاً وقد جاء احلديث « :ال حيل مال امرئ مسلم إال عن طيب نفسه »( ، )3وهو موافق للهدية معاكس للرشوة ومن مث فإن احمور ابملقاصد بناء على حديث « إمنا ()4 الرب ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب واإلمث ما حاك يف األعمال ابلنّيات» ،وحديث « ّ النفس وتردد يف الصدر»( .)5وإن بقي شيء من اإلهبام والغموض يف نفس امرئ فاجلواب الكايف يف ( )1سبق خترجيه ،ص ( ). اإلسالميَّة يف املدينة املنورة ،ص(.)136 ( )2جملة اجلامعة ْ ـال رواه البَـْيـ َه ِق ّـي يف (ُ )3شعب اإلميان ( ،)387/4عون املعبـود ( ،)200/7يفـة اححـوكي ( ،)56/3كشـف اخلفـاء ( )498/2وقَ َ ـال اســناده حســن والتعقيــق يف أحاديــث اخلــالف ( )212/2ســبل الســالم ( ، )56/3املغْــين ( ، )301/4نيــل احوطــار خالفياتــه ،وقَـ َ ُ (.)182/4 ( )4أخرجــه أمحــد يف امل ْســنَد ( )228 ،227/4وأبــو يعلــى يف امل ْســنَد ( ،)162-160/3حــديث رقــم ( )1687 ،1586واللفــظ لــه ُ ُ والدَّا ِرِمي يف كتاب البيوع ،ابب :دع مـا يريبـك إىل مـا ال يريبـك ( )246-245/2والطَّ حسـنه ـديث حل ا و ) 403 ( ، 22 ( ـري ب الك يف اِن رب ـ ّ ّ ال حديث حسن رويناه يف مسندي اإلمامني أمحد والدرامي إبسناد حسن (حديث ( )27يف احربعني ()93/2 وي يف احربعني ،وقَ َ النـ ََّو ّ شرحه ،وأشار إىل حسنه لغريه ابن رجب يف جامع العلـوم واحلكـم ( ،)94-94/2وصـععه احلبـاِن يف يقيقـه صـفة الفتـوى البـن محـدان ال سليم عيد اهلاليل ِ ص ِعْيا كتاب احككار وضعيفه (.)988/1255 ،ص( )56وقَ َ فصل به القول يف َ َ صعْيا بطرقه وقد ّ ( )5أخرجه أمحد يف املسند ،)228 ،227/4( ،وأبو يعلى يف املسند )162-160/3( ،حديث رقم ( )1587 ،1586واللفظ له، والــدَّا ِرِم ّي يف كتــاب البيــوع ،ابب َد ْع مــا يريبــك إىل مــا ال يريبــك ،)146-245/2( ،والطَّـرباِن يف الكبــري ،)403(،)22( ،واحلــديث ال حديث حسـن ،روينـاه يف مسـندي اإلمـامني أمحـد والـدرامي إبسـناد حسـن (حـديث 27يف احربعـني)، وي يف احربعني ،وقَ َ حسنه النـ ََّو ّ ّ حديث « إ ّن احلالل ّبني و إ ّن احلرام ّبني وبينهما أمور مشتبهات ال يعلمهن كثري من الناس ،فمن اتقى الشبهات فقد استربأ لدينه وعرضه »(.)1 دل على يرميها الدليل النقلي وأخبار الر ْش َوة وسيلة من أسباب الت ََّملُّك احملرمّ ، وهبذا يُعلم أن َّ الصعابة والتابعني ويؤكدها العقل ملا فيها من الضرر على الفرد واجملتمع. حساً و ربة أن للرشوة آاثراً نفسية واجتماعية وخلقية واقتصادية ومن املعلوم عقالً ،واملشاهد ّ وسياسية وخيمة ال ب ّد وأن عل العقالء واملصلعني حرابً عليها ،مثلما نزلت الشرائع السماوية بتعرميها ،ولعن آكليها وطردهم من رمحة هللا وأنزل العقوابت هبم. الر ْش َوة وهو كاره ،للعصول على حقه يف استجالب منفعة ،أو فإكا كان الراشي يدفع َّ استدفاع مضرة ،فإنه بال شك يتأكى بدفعها ،فهي دنس للقلب وكلّة للنفس وصغار للمرتشي وشعور اهلمة ابلذل واإلهانة ،مما يولد يف نفس الراشي احلقد والضغينة على املرتشي الدِنء النفس الساقط ّ املريد الثروة من أقرب طريق وأخسه ،وعلى اجملتمع الذي يسما بوجود مثل هذه الطغمة الفاسدة. الر ْش َوة ابلرتاضي مع املرتشي ،لظلم الناس أو أكل حقوقهم وإحلاق احكى هبم، وإكا كان يدفع َّ فإن هؤالء الناس ال ب ّد أهنم سيتأثرون ،ورمبا أدى كلك ،والقضاء فاسد ،إىل أن أيخذ كل منهم حقه بنفسه ،ولو أدي إىل القتل واإليذاء انتقاماً. وهذا يؤدي إىل انعدام املودة واحلفة والتعاون ،واإلخالل بتماسك اجلماعة وتدهور احخالق يف اجملتمع وانغماس اجلميع يف اجلري وراء الدنيا ومتاعها الفاِن ،وعدم االكتفاء ابحلالل والدخول املشروعة ،واالستزادة من املكاسب ،ولو عن طريق اجلرائم وانتهاك النِّظَام العام واآلداب االجتِم ِ اعيَّة، َْ وهذا ما يفضي بدوره إىل اضطراب احمن يف اجملتمع ،وفقدان االستقرار والثقة املتبادلة بني احلاكم واحملكوم ،فال يعول أحد على منهج القضاء والتعاكم حخذ احلق ،فال يكون أمام املظلوم إال أن ينتقم لنفسه ويف هذا فساد وفوضى ووقوع يف الفرقة والشعناء والتقاطع يف اجملتمع ،ويف الوقت كاته يرتتب الر ْش َوة وتكديس احعمال وعدم على هذه اآلفة يف اجملتمع تعطيل احعمال من العمال بغية بذل َّ ( )93/2شرحه .واشار إىل حسنه لغريه ابن رجب يف جامع العلوم واحلِكم )95-94/2( ،وصععه احلباِن يف يقيقه لـ (صفة الفتوى) ال سليم عيد اهلاليلِ : ص ِعْيا كتاب احككار وضعيفه (.)988 البن محدان ( ،ص( ،)56وقَ َ صعْيا بطرقه وقد ّ فصل القول به يف َ َ ( )1رواه مسلم يف ِ وسـنَن الرتمـذي ،ابب َ صعْيعه ،ابب :أخذ احلـالل وتـرك الشـبهات ( ،)1219/3عـن النعمـان بـن بشـري واللفـظ لـهُ ، ِ ِ ِ وسـ ــنَن أيب داود وسـ ــنَن البَـْيـ َهقـ ـ ّـي الك ـ ــربى ( ُ )334-264/5 وسـ ــنَن الـ ــدَّارم ّي (ُ )319/2 م ـ ــا ج ـ ــاء يف ت ـ ــرك الش ـ ــبهات (ُ ،)511/3 وم ْسنَد أمحد (.)269/4 وسنَن ابن ماجة (ُ )1318/2 السنَن الكربى (ُ )468-239/3 ( )243/3و ُ الرب والتقوى ،وتؤدي إىل تفاحش التفاوت بني إجنازها وكساد العمل وقلّة اإلنتاج ،وانتفاء التعاون على ّ الدخول والثروات يف اجملتمع. فالر ْش َوة مبا هلا من أتثريات اقتصادية ،إكا دفعها التجار أضافوها إىل احسعار ،ومبا أهنا دفع مال َّ يقصد منه أحياانً التخلص من أعباء التكاليف املالية كلياً أو جزئياً ،فإهنا تقلل حصيلة املوارد املالية شك إىل إضعاف احلوافز للدولة ،ومبا أن َّ الر ْش َوة دفع مال ال يف مقابلة إنتاج فإهنا تؤدي بال ّ وإحداث التضخم أو اإلسهام يف زايدة حدَّته ،هذا يف الوقت الذي ترفع فيه جمتمعاتنا شعار ربط احجر الر ْش َوة من احلياة املعاصرة: ابإلنتاج ،وإ ّن من صور َّ ما يدفعه املتخاصم إىل القضاة أو احلكام ،ليكون احلكم له وهو على ابطل وما يدفعه أحدهم إىل احملامي من أتعاب وأجور ،لكي يكون وكيالً له يف قضية يعلم أنّه مبطل فيها ،فعليه أن ال يتعلق بفتاوى املفتني وقضاء القضاة إكا علم أنه ُمبطل فقد روى عن جماهد وعكرمة وقَـتَادة أهنم قَالوا: ال ختاصم وأنت تعلم أنك ظامل ،فاحلرام ال يصري حالالً بقضاء القاضي ،حنه إمنا يقضي ابلظاهر. وما يدفعه التاجر إىل جلان املناقصات وريريها ليفوز ابملناقصة ،برريم أن سلعته فاسدة أو أقل جوده. وما يدفعه التاجر إىل أحد املوظفني يف مصرف للعصول على تسهيالت أو قروض ليست من حقه ،أو للعصول على ما يزيد على حقه. وما يُدفع إىل موظفي اجلمارك ،لإلعفاء من الرسوم أو لتخفيفها. وما يدفعه خمالفو أنظمة السري إىل شرطة املرور ،لتفادي مبلغ املخالفة أو ختفيفها ،وما يدفعه طالب رخصة السري للعصول على شهادة يف السري وهو ال يستعقها .وإىل موظفي املالية ،لإلعفاء من الر ْش َوة على مستوى دويل فتعقد صفقات لالسترياد أو الزكاة أو التكاليف أو لتخفيفها .وقد تقع َّ التصدير على عقود توريد املعامل واآلالت والطائرات والسيارات واحسلعة. وقد تبذل لشراء أصوات الناخبني ،فيفوز مرشا ال أهلية له من دين أو علم أو خربة. وما يدفعه الباعة والتجار إىل أعضاء جلان املبايعات ،إلريرائهم بشراء سلعة رديئة أو ريالية نسبياً. وما يدفعه أحد احشخاص للعصول على عمل داخل بلده أو خارجه ،أو للعصول على أتشرية دخول أو خروج ،خارج نطاق الرسوم املقررة. وما يبذله أحد املوظفني لرئيسه أو مديره ،تقرابً إليه ،بغرض احلصول على إمتيازات ال يناهلا زمالؤه أو على ترقيات معنوية أو مادية أو إجازات أو للتغاضي عنه عند التقصري أو التعدي أو اهلرب من العمل أثناء الدوام الرمسي ،للقيام أبعمال أخرى لزايدة دخله وما شابه كلك .وما يقبضه أعوان احلكام واملتنفذين من ضباط وأفراد حاشيتهم من أموال أو ما يعود عليهم من خدمات أو هدااي أو منافع بدعوى إيصال مظاملهم وتبليغ شكاايهتم والقيام بدور الشفاعة ملن يغلب عليهم من الكذب واستغالل مراكزهم يت مسع وبصر أوليائهم ورمبا كان هؤالء املتنفذون وأعواهنم شركاء لكبار التجار يف البلد يف ارات مرحبة حمظورة كالتهريب والبغاء والقمار وحصتهم يف الشركة ال مال وال عمل ،بل جمرد استغالل النفوك لتسهيل معامالت شركائهم وأتمني الرتاخيص الالزمة هلم ،ومما ساعد على انتشار الفساق َّ الر ْش َوة يف هذا اجملال هو شدة احتجاب أوىل احمر عن أهل احلاجات واختاكهم احلُ َّج َ اب ّ واخلونة حىت صارت أبواهبم ال يفتعها بقدمه إال من هم أعلى منهم أما من هم أدىن فال يروهنا وال يـَُرُّد عليهم يف شكوى أو هاتف. المطلب الرابــع الــــربَــــــــــــــــــــــــــــا ِّ إن مــادة كلمــة الـ ِّـرَاب ال ـواردة يف القــرآن الكــرمي هــي « ر ب و » تــدل علــى معــىن ال ـزايدة والنمــو ت َو َر َبإ ْ علَ ْي َهإإا ْال َمإإا َء ا ْهتَإ َّإز ْ إت )1(ومــن هــذه الكلمــة واالرتفــاع والعلــو ومنــه قولــه تعــاىل :فَ إإِذَا أ َ ْنزَ ْلنَإإا َ نفسها كلمة ِّ الرَاب املراد هبا زايدة املال ومنـوه عـن رأس املـال الـذي أشـارت إليـه اآليـة صـراحة يف قولـه تعـاىل اس فَ َال َي ْربُو ِع ْندَ َّ اّلِلِ . )2( َ :و َما َءات َ ْيت ُ ْم ِم ْن ِربا ِل َي ْرب َُو فِي أ َ ْم َوا ِل النَّ ِ وهبـذا أصــبا الـ ِّـرَاب هبـذا االســم االصــطالحي يطلـق علــى نــوع خـاص مــن الـزايدة الـيت كــان العــرب يتعــاملون هبــا قبــل اإلســالم يف إطــار صــور متعــددة أساســها زايدة أيخــذها املقــرض مــن املســتقرض مقابــل احجل(.)3 الرج ـل يف اجل ِ الر ُجــل مــال إىل أجــل ،فــإكا قَـ َ اهليَّــة يكــون لــه علــى َّ َ ـال ابــن جريــر الطَّـ َـربي « إن َّ ُ ِ أخــر عــين دينــك وأزيــدك علــى مالــك فــيفعالن حـ ّـل احجــل طلبــه مــن صــاحبه فيقــول :الــذي عليــه الــدين ّ كلك ،فذلك هو ِّ وجل يف إسالمهم عنه(.)4 الرَاب أضعافاً مضاعفة فنهاهم هللا ّ عز ّ وهــذا الـ ِّـرَاب هــو املســتعمل اآلن يف البنــوك واملصــارف املاليــة حيــث أيخــذون نســبة معينــة يف املائــة كخمسة أو عشرة يف املائة ويدفعون احموال إىل الشركات واحفراد. وهذا النـوع مـن ال ِّـرَاب يصـطلا عليـه شـرعاً بـراب النسـيئة ،أي الـزايدة بسـبب النسـيئة وهـي التأجيـل ()5 ِ ـال« :إمنـا ال ّـرَاب يف النسـيئة»( )1ويف روايـة « : ـيب قَ َ كما ورد عـن أسـامة بـن زيـد رضـي هللا عنـه أن النَّ ّ ( )1احلج .5 / ( )2الروم .39 / ( )3انظر حول هذه املسألة - :املو ِ دودي ،أبو احعلىِّ : الرَاب ،ص(.)80 َْ ( )4الطََّربي ،جامع البيان (.)90/4 ٍ ـويف رسـول هللا عنـد أتهـب الكليب، ( )5أسامة بن زيد بن حارثة صعايب مشهور ،عيّنه رسول هللا وهو ابن سبع عشرة سنة علـى بعثـة حربيّـة .وت ّ ّ ّ اجليش للمسري ،فأمره أبو بك ٍر ابملسري ومضى أسامة وفتا هللا عليه وآب منصوراً ،وتويف سنة ( 54هـ). ال راب إال يف النسيئة »( ، )2ولكنه ملـا رأى احلاجـة تقتضـى فيمـا بعـد أحـاط محـى هللا هـذا بسـياج مـن ـال عليـه الصـالة والسـالم « :ال تبيعـوا الـدينار ابلــدينارين وال القيـود حـىت ال يقربـه النـاس فيـرتدوا فيـه ف َق َ الدرهم ابلـدرنيني وال الصـاع ابلصـاعني ،فـإين أخـاف علـيكم الرمـا والرمـا هـو ال ِّـرَاب »( ،)3فعـرم الـزايدة الر ُجل من صاحبه عند تبادل شيء مماثل يداً بيـد مبعـىن أن يبيـع الشـيء بنظـريه مـع زايدة أحـد اليت يناهلا َّ العوضــني علــى اآلخــر حنــو أن يبيــع كــيالً مــن القمــا بكيلــني مــن قمــا آخــر وهكــذا يف مجيــع املكــيالت واملوزوانت. وهــذا النــوع مــن الـ ِّـرَاب يصــطلا عليــه شــرعاً ََ بـراب الفضــل ،والقاعــدة الفقهيــة يف هــذا التعامــل هــي حل التفاضل دون النساء(.)4 أنه إكا ايد اجلنسان حـرم الزيـادة والنّسـاء وإكا اختلف اجلنسان ّ وتوضيعاً هلذه القاعدة الفقهية نقول :إكا أردان مبادلة عني بعني كزيت بزيت أو قمـا بقمـا أو متــر بتمــر ،حرمــت ال ـزايدة مطلق ـاً وال تعتــرب اجلــودة والــرداءة هنــا ،وإكا اختلفــت احجنــاس كقمــا وزيــت ـال رسـول هللا : ـال :قَ َ جازت الزايدة فيه بشرط القبض ملا ثبت عن أيب سعيد اخلدري رضـي هللا عنـه قَ َ « الــذهب ابلـذهب والفضــة ابلفضــة والــرب ابلــرب والشــعري ابلشــعري والتمــر ابلتمــر وامللــح ابمللــح مــثالا مبثــل يــدا بيــد ،فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أري ايخــذ واملعطــي فيــه ســواء » ( )5ويف حــديث عبــادة بــن الصامت « :فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم يد ا بيد »( )6أي مقبوضاً حاالً. وهبــذا أصــبا الـ ِّـرَاب وســيلة مــن وســائل الكســب ريــري املشــروع يف نظــر اإلســالم وملــا كــان احلــديث عن ِّ الرَاب ابابً واسعاً وال يتسع املقـام لـه هنـا إال مبقـدار ،فسـوف نقتصـر حبثنـا هنـا علـى أثـر ال ِّـرَاب يف كسـب امللك وما ورد من شبهات حول كلك. لقــد حـ ّـرم اإلســالم الـ ِّـرَاب يرمي ـاً قاطع ـاً وحامس ـاً وبغايــة التشــديد لدرجــة أن املســألة هــي يف موقــع الرد أو أن تطرح على بساط نظر استعالالً هلا ومساساً حبرمتهـا ولقـد احلسم شرعاً حىت ال تقبل احخذ و ّ ( )1رواه مسلم يف ِ ص ِعْيا مسلم (.)24/11 وي على َ َ صعْيعه ( )1218/3عن أسامة بن زيد واللفظ له .وانظر :شرح النـ ََّو ّ ِ صعْيعه ،ابب :بيع الدينار ابلدينارين ،نَساء )762/2( ،عن أسامة بن زيد. ي يف َ ( )2رواه البُ َخا ِر ّ وانظر فتا الباري (. )381/4 (ُ )3م ْسنَد أمحد ( )109/2واللفظ له عـن ابـن عمـر ،وعنـد مسـلم بـدون فـإِن أخـاف علـيكم الرمـا ( )1209/3ومثلـه ُم ْسـنَد أيب عوانـه وسنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى (.)278/5 (ُ )390/3 ( )4الصابوِن ،حممد علي :روائع البيان يف تفسري آايت اححكام .)392/1( ، ( )5رواه مسلم يف ِ وم ْسنَد أمحد (.)66/3 َ صعْيعه عن أيب سعيد ( )1211/3واللفظ له ُ ، ِ ِ ِ ِ ِ وسـنَن أيب داود وسنَن ّ ْ ( )6رواه مسلم يف َ الرتمذي(ُ ،)532/3 الرَاب (ُ )1211/3 صعْيعه عن عبادة بن الصامت ،يف املُساقاة ،اببّ : ِ (ِ ،)248/3 وسنَن الد َ ِ وم ْسنَد أمحد (.)320/5 َ ين (ُ ،)24/3 وصعْيا ابن حبِّان (ُ )393/11 َّارقُطْ ّ اإلسـالميَّة العثمانيـة وإزالتهـا وهيمنـة اإلسـالميَّة الغـابرة حـىت تفكـك اخلالفـة ْ كانت كـذلك طيلـة العهـود ْ االســتعمار علــى بــالد املســلمني ،فنشــأ جــدل فرضــه انت َقـ َ ِ يب إىل جمتمعنــا حيــث ـال النّظَــام الرأمســايل الغَـ ْـر ّ حاكى املتعاملون به ما هو معمول به يف الغَْرب ،اجلدل هذا دار حول الفوائد الربوية املصرفية. وبلغ احمر أبدعياء علم يكم فيهم مركب النقص وعامتهم أثرايء وهلم أرصدة يف املصـارف علـى االجـرتار علــى نفــي الوصــف عــن الفوائــد املصــرفية أن ينطبــق عليهــا حكــم الـ ِّـرَاب ،وآخـرين مــن دوهنــم أحلـوا ِّ الرَاب بدورهــم ولكـن للفقـراء ،خمالفيـن قولـه تعالـى :يَاأَيُّ َهإا الَّإذِينَ َءا َمنُإوا اتَّقُإوا َّ إي ِمإنَ اّلِلَ َوذَ ُروا َمإا بَ ِق َ ب ِمإإنَ َّ وس اّلِلِ َو َر ُ الربَإا إِ ْن ُك ْنإت ُ ْم ُمإإؤْ ِمنِينَ فَإإ ِ ْن لَإ ْم ت َ ْفعَلُإإوا فَإأْذَنُوا بِ َح ْإر ٍ ِّ سإو ِل ِه َوإِ ْن تُبْإت ُ ْم فَلَ ُكإ ْم ُر ُء ُ ()1 أ َ ْم َوا ِل ُك ْم َال ت َْظ ِل ُمونَ َو َال ت ُ ْظلَ ُمونَ . ومــا ورد يف س ـنّة رســول هللا مــن لعنــه يف الـ ِّـرَاب آكلهــا ومؤكليهــا وكتاهبــا وشــهودها .فعــن جــابر ـال « :هــم ســواء ـال « :لعــن رســول هللا آكــل الـ ّـرَاب ومؤكلــه وكاتبــه وشــاهديه » وقَـ َ رضـي هللا عنــه قَـ َ »(.)2 فـ ِّ ـالرَاب الــذي بــرع التجــار علــى تســميتها الفائــدة بــدالً مــن لفــظ الـ ِّـرَاب طمعـاً يف تزييــف احلـرام علــى الناس وإظهاره مبظهر احلالل املباح وطمعاً يف أكل أموال الناس ابلباطل. واحلق أن ِّ الرَاب والفائدة امسان ملسمى واحـد وصـنوان ال يفرتقـان وال وجـه هنـا أبـداً بـني قليـل ال ِّـرَاب الرَاب و ِّ الرَاب واعتباره راب حراماً ،فالفائدة هي ِّ واعتباره فائدة مباحة وبني كثري ِّ الرَاب هي الفائدة. وقد حاول بعض رجال القانون واالقتصاد يف عصران هذا وقبله أن خيرجوا الفائدة من دائرة ال ِّـرَاب ابلتالعـب يف احلفـاظ ،فــاعتربوا الفائـدة مقــابالً السـتعمال مـدخرات الفــرد ،اجملموعـة مــن حصـيلة ســنوات مــن االدخــار وإنكــار الــذات ،ولكــن هــذا التميــز بــني الفائــدة والـ ِّـرَاب واعتبــار الفائــدة مقــابالً الســتعمال مدخرات الفـرد هـو جمـرد وهـم وتالعـب يف عـامل االقتصـاد حن النقـود ال تـؤجر وحن ال ِّـرَاب احملـرم هـو الـزايدة على قيمة القرض يف مقابل احجل ،وسواء بعد كلك أكـان اسـتيفاء هـذه الـزايدة الفائـدة لتغطيـة املخـاطر الــيت يتضــمنها اإلق ـراض أو لتعــويض الشخ ــص ع ــن انصراف ــه ع ــن اســتعمال مال ــه يف فــرتة مــا ،أو مقــابالً الســتعمال مــدخرات الفــرد سـواء كانــت هــذه الفائــدة قليلــة أو كثــرية ،فهــي فائــدة ربويــة حمظــورة علــى كــل حال ،وال خترجهـا التسميـة ابلفائدة عن معىن ِّ الرَاب ،وابلتايل فإن هذه الزايدة ال تفيد نقل امللك. ( )1البقرة .278 / ِ ص ِعْيعه يف املساقاة ،ابب :لعن آكل ِّ ـال الرتِم ِذي( )512/3بـدون ،وقَ َ وسنَن ّ ْ ( )2رواه مسلم يف َ الرَاب و موكله )1219/3( ،واللفظ لهُ ، وم ْسنَد أمحد (.)87/1 السنَن الكربى (ُ ،)306/6 هم سواء ُ وسنَن أيب داود ( )244/3و ُ هــذا ويظــن كثــري مــن النــاس ممـّـن عاشـوا ربــة النِّظَــام الربــوي ،وألغـوا أشــكاله وألوانــه ،أن القضــاء على الفائدة وإلغاءها يعين القضاء على البنوك واملصـارف وهـي أداة مهمـة تسـري حركـة التجـارة والصـناعة ولكن هذا الظّن هو ظن من يتعجل احلكم على الشيء قبل تصـوره ،بـل هـو ظـن مـن هـو جاهـل ابلـدور احفضــل الــذي ميكــن أن تقــوم بــه املصــارف يف خدمــة التجــارة ابلصــناعة حــني تلغــي الـ ِّـرَاب والفائــدة مــن معامالهتا. الش ـ ِر َيعة يف وكل ــك أن املص ــارف ح ــني تلغ ــي ال ـ ِّـرَاب والفائ ــدة م ــن معامالهت ــا ،وتق ــوم عل ــى قواع ــد َّ معامالهتا وخترج عن سلطان أخطبوط صندوق النقد الدويل والبنـك الـدويل فإهنـا تسـتطيع أن تقـوم بكافـة اخلــدمات املصــرفية املشــروعة الــيت ال ريبــار عليهــا ممــا ال دخــل لل ـراب والفائــدة فيــه ،كمــا أهنــا تســتطيع حــني تلغي ِّ الرَاب والفائدة من معامالهتا أن يقق أرابحـاً مشـروعة لنفسـها ولكـل أصـعاب احمـوال لـديها وكلـك حــني تــدفع هــذه احم ـوال إبكن أصــعاهبا مشــاركة ومضــاربة يف متويــل الصــناعة والتجــارة ،مث تقــوم بتوزيــع الش ِر َيعة. صايف احرابح احلقيقة على أصعاب احموال املشاركة واملضاربة وفقاً لقواعد َّ الش ـ ِر َيعة وهــذا اال ــاه اجلديــد الــذي يقدمــه لنــا اإلســالم يف عــامل االقتصــاد واملــال وفق ـاً لقواعــد َّ ســوف حيــرر النِّظَــام املصــريف مــن كــل العوائــق الربويــة يف تقــدمي القــروض ،كمــا يشــجع أصــعاب الكفــاايت والقــدرات والطاقــات الصــناعية واإلنتاجيــة علــى التقــدم بطلبــات التمويــل للقيــام مبشــروعات متكاملــة دون خوف من خطر ِّ الرَاب والفائدة. وهـذا الــذي ككـرانه يف يــرمي الـ ِّـرَاب والفائــدة هـو احلــق ،وقــد جــاءت النظـرايت االقتصــادية احلديثــة تؤيده وتصدقه وعلى سبيل املثال: فه ــذا « الل ــورد كينـ ــز» وه ــو أح ــد علم ــاء االقتص ــاد الب ــارزين يف أورواب ي ــدعو إىل إتب ــاع سياس ــية دائم ــة تســتهدف خفــض أســعار الفائــدة إىل درجــة الصــفر ،أي إلغــاء الفائــدة إلغــاءً كــامالً ،ويف هــذا اجملــال جنــده يقول بكل صراحة ووضوح: مزوداً ابملوارد احلديثة ال يتزايد فيـه السـكان بسـرعة ،ينبغـي أن يكـون « إن جمتمعاً حسن اإلدارة ّ قــادراً علــى خفــض الكفــاءة اهلامشــية ل ـرأس املــال ( أي الفائــدة ) يف ت ـوازن مســتمر إىل مســتوى الصــفر خالل جيل واحد ،حىت ميكننا الوصول إىل جمتمع شبه مستقر حن قليالً من التفكـري سـوف يبـني لنـا أيـة تغي ـريات اجتماعيــة ضــخمة ميكــن أن تنــتج عــن االختفــاء التــدرجيي ملعــدل الفائــدة علــى الثــروة املكدســة »(.)1 ( )1قرشي ،أنور إقبال :اإلسالم و ِّ الرَاب ،ترمجة فاروق حلمي ،ص(.)65 مثّ يقول «كينـز»: « إ ّن املعــدل املــايل للفائــدة مينــع منــو رأس املــال احلقيقــي ،فلــو أزيلــت هــذه الكاحبــة (الفرملــة ) أي فائــدة فســوف يصــا رأس املــال احلقيقــي يف العــامل احلــديث مــن الســرعة ،حبيــث يصــبا احتمــال هبــوط املعــدل املايل للفائدة إىل الصفر حمققاً »(.)1 ِّ فالرَاب كما يرى علماء االقتصاد عقبة كؤود على طريق تنمية أفضل لالقتصـاد يف عاملنـا املعاصـر، وكلــك أن إلغــاء الـ ِّـرَاب والفائــدة علــى القــروض يشــجع املشــروعات اإلنتاجيــة علــى الســري يف طريقهــا دون خوف أو خطر من راب أو فائدة. وعليه ،فإن «بروفسور كاسل » و « اللورد كينــز » يـراين أن قائمـة طلبـات االسـتثمار والتمويـل تــنكمش مــع ارتفــاع ســعر الفائــدة ،وابلعكــس مــن كلــك فكلمــا هــبط ســعر الفائــدة وتيســر املــال لطالبــه، كلمــا زادت فــرص االســتثمار والتمويــل مبعــدل س ـريع وأنعشــت االقتصــاد ،فــإكا اختفــت الفائــدة كانــت الفرصة أوفر(.)2 وهبذا املنطق االقتصادي احلديث الذي يقدمـه لنـا اإلسـالم ،نـدرك القيمـة احلقيقيـة لقاعـدة يـرمي ِّ الرَاب والفائدة يف اإلسالم. المبحث الثالث ضمانـــــة الحاجــــات وتحقيـــق الرفـــاه فــي ( )1قرشي ،أنور إقبال :اإلسالم و ِّ الرَاب ، ،ص( .)63.)-68العيش ( )2قرشي ،أنور إقبال :اإلسالم و ِ الراب ، ،ص(62 َّ ويشتمل على أربعة مطالب : : عدالـــــــــــــــــــة توزيـــــــــــــــــع -1المطلب األول الثـــــــــــــروة في المجتمع. في االج ِت َما ِعيَّة التأمينات -2المطلب الثاني : ْ سماليَّـــــــــــــــــــــــــة. الرأْ ُ َّ ساسيَّة بالتشريع. -3المطلب الثالث :ضمانة اإلسالم للحاجات األ َ َ -4المطلب الرابع :تحقيق قاعدة الرفاه في المجتمع اإلسالمـــــــــــي. ويشتمل المطلب الرابع على المسائل التالية: -1 -2 -3 -4 -5 -6 -7 -8 تعزيـــــــــــــــز األمـوال في كل واليـــــــــة. تعزيـــــــــــــــز المرافــــــــق العامــــــــــــــــــــــــة. توفيـــــــــــر فرص العمل لكل مواطن. ضمـــــــــــــــــــان للعاطلين عن العمــــل. ضمــــــــــــــان للمواليد الجـــــــــــــــــــــــدد. ضمــــــــــــــان لألرامل والعجــــــــــــــــــــزة. ضمان رواتب الجند وكفالة أسرهم. ضمــــــــــــــــــــان ألهل الذ ّمــــــــــــــــــــــــــــــــة. المطلب األول عدالـــــة توزيـــــع الثــــروة فــــي المجتمــــــع إن الثــروة االقتصاديــة يف جمتمــع مــا ،هــي نتيجــة طبيعيــة لتفاعـل عمــل احفـراد مــع مـوارد الطبيعــة يف كلــك اجملتمــع ،وهــذه الثــروة ال ب ـ ّد أن تعــود ابلنتيجــة إىل أف ـراد هــذا اجملتمــع يف صــور متنوعــة وأشــكال خمتلف ــة ،فه ــي تع ــود عل ــيهم اترة يف صـ ــورة أجـ ــور عل ــى العم ــل ،كم ــا تع ــود عل ــيهم اترة أخ ــرى يف ص ــورة خدمات وضماانت علمية أو صعيّـة أو ريري كلك من احلاجات احخرى. وم ــن خ ــالل النظ ــر يف ِ الف ْك ــر االقتص ــادي ن ــرى أم ــر توزي ــع الث ــروة مس ــألة تتن ــازع فيه ــا نظريت ــان متقابلتان: احوىل تق ــوم عل ــى تق ــومي حاج ــة الف ــرد وكفايت ــه م ــن دون تق ــومي جله ــده وعمل ــه ،وكل ــك عم ـ ـالً ابلقاعدة الـيت تقـول « :مـن كـل حبسـب جهـده ولكـل حبسـب حاجتـه » حيـث يراعـى يف توزيـع احعمـال كـل فــرد ،ويراعــى يف توزيـع النــاتج حســب حاجـات كــل فــرد فمـا علــى الفــرد إال أن يبـذل ريايــة جهــده يف عمله ليكافأ حبسب حاجته وكفايته من دون تقومي جلهده وعمله. والثانيــة تقـوم علــى تقــومي جهــد الفــرد وعملــه دون تقيــيم حلاجتــه وكفايتــه ،وكلــك عمـالً ابلقاعــدة الــيت تقــول « :كــل حبســب جهــده ولكــل حبســب عملــه » حيــث إ ّن احشــياء ال تكفــي يف الواقــع لســد حاجـات كــل احفـراد فتكــون هــذه القاعــدة حمققــة للمســاواة إكا هتيــأ لكــل فــرد مــن وســائل اإلنتــاج مثــل مــا لآلخر ،فما على الفرد إالّ أن يبذل رياية جهـده يف عملـه ليكافـأ حبسـب عملـه وإتقانـه وكلـك دون تقـومي حلاجته وكفايته. ولكل نظر ٍية من هاتني النظريتني أنصارها الذين يؤيدوهنا وخصومها الذين ينتقدوهنا. ولكننــا عنــد التعقيــق العلمــي ،جنــد أ ّن ك ـالً مــن النظ ـريتني قــد اجت ـزأت جانب ـاً مــن العــدل دون أن يققــه كامالً فشاعت يف كل منهما مظامل: فالنظرية احوىل نظرت إىل حاجة الفرد وكفايته وأمهلت تقوميها جلهده وعمله. والنظرية الثانية نظرت إىل تقومي جهد الفرد وعمله وأمهلت كل تقومي حلاجته وكفايته. ول ــذلك مل تق ــو ه ــااتن النظريت ــان يف مس ــألة توزي ــع الث ــروة عل ــى الص ــمود مواجه ــة قواع ــد الع ــدل اإلسالمي ،فضالً عن أ ّن النظرية احوىل قـد حق ّقـت لنفسـها فشـالً يف التطبيـق حـني أضـعفت حـافز الفـرد لـزايدة إنتاجــه ويســينه نتيجــة لعــدم تقــديرها جلهـده وعملــه ،ولــذا جلــأ أنصــارها إىل تعديلهــا فــي التطبيــق، لتقتـرب قليـالً من معيـار النظريـة الثانية يف تقومي جهد الفرد وعمله. كمــا أ ّن النظريــة الثانيــة قــد حق ّقــت لنفســها فشـالً يف تــوفري حاجــة الفــرد وكفايتــه ،خصوصـاً وأن وعمــت املظــامل ،حــىت التــأرجا يف التطبيــق قــد أربــك كلتــا النظ ـريتني فاختــل هبــا مي ـزان العــدل بــني النــاسّ ، ابت القصــور واضــعاً يف كليهمــا وهــو قصــور الزم لكــل قــانون وضــعي حــني ينفــرد ابلتشـريع لنفســه بعيــداً عــن هــوى هللا وشــرعه .هــذا هــو التقــومي يف االقتصــاد الوضــعي ونظرايتــه ،فــإكا جئنــا إىل قواعــد االقتصــاد اإلسالميَّة وأصوهلا وجدان َّ أن القواعد العامـة هنـا ،تصـون حقـوق اإلسالمي اليت تقوم على قواعد َّ الش ِر َيعة ْ الفــرد يف تقــومي عملــه وحاجتــه معـاً ،فــال هــي تقـ ّـوم حاجــة الفــرد وهتمــل عملــه وال تقـ ّـوم عمــل الفــرد وهتمــل تقوم عمل الفرد وحاجته معاً يف آن واحد ،لتعقق العدل كامالً يف مجيع أطرافه. حاجته ،بل هي ّ وهــذا التقــومي الــذي نشــري إليــه ،لــيس وليــد اســتنباط وابتكــار ،بــل هــو ص ـريا يف قــول عمــر بــن اخلطَّاب رضـي هللا عنـه ،حـني كـان يقـدر أعطيـات النـاس واجلنـد مـن بيـت املـال ،وفقـاً جلهـدهم وبالئهـم، الر ُجــل وحاجتــه يف الر ُجــل وبــالؤه يف اإلســالم و َّ ووفقـاً حلاجــاهتم معـاً ،فقــد كــان رضــي هللا عنــه يقــولَّ « : الر ُج ــل وعمل ــه يف اإلس ــالم ،فق ــد ورد يف الر ُج ــل وب ــالؤه يف اإلس ــالم ،يع ــين َّ اإلس ــالم » ومع ــىن قول ــهَّ : ح ــديث س ــعد ي ــوم ب ــدر « :عس ــى أن يعط ــي ه ــذا م ــن ال يُبل ــى بالئ ــي » أي ال يعم ــل مث ــل عمل ــي يف احلرب ،كأنـه يريـد أفعـل فعـالً أختـرب فيـه ويظهـر بـه خـريي مـن شـري( )1واالبـتالء يف احصـل هـو االختبـار ـال واالمتعان( )2وسياق قول عمر رضي هللا عنه يوضا لنا كثرياً من جوانب هذا التقـومي ،العـادل ،فقـد قَ َ رضي هللا عنه: « وهللا الذي ال إله هو ،ما أحد إال وله حق يف املال ،أعطيه أو أمنعـه ،ومـا أحـد أحـق بـه مـن أحـد ،إال عبــد مملــوك ،ومــا أان فيــه إال كأحــدكم ،وكلنــا علــى منازلنــا مــن كتــاب هللا عـ ّـز وجـ ّـل وقســمنا مــن رســول هللا الر ُجــل وحاجتــه يف اإلســالم ،وهللا لــئن الر ُجــل ورينــاؤه يف اإلســالم ،و َّ فالر ُجــل وبــالؤه يف اإلســالم ،و َّ َّ ، بقيت ليأتني الراعي جببل صنعاء حظه من هذا املـال وهـو مكانـه ،قبـل أن حيمـر وجهـه ( يعـين يف طلبـه ) (.)3 وال يـُ َقال هنا خبصوصية القاعدة يف تقدير جهد الفرد وحاجته معاً يف هذا العطـاء ،وعـدم مشـول ع ــدالتها ،حن مف ــاهيم الع ــدل ال تتج ـزأ ،ول ــيس يف ه ــذا التق ــومي املب ــين عل ــى « تق ــدير العم ــل واحلاج ــة » انتقـاص مــن حــق أحــد ،بـل فيــه توفيــق حلــق كـل أحــد ،حبســب جهــده ،وإبالئـه يف عملــه ،وإخالصــه فيــه، وإتقانــه لــه ،وفيــه أيض ـاً توفيــة حلقــه يف حاجتــه وعليــه فيكــون التقــومي يف هــذا الشــأن « مــن كــل حبســب جهــده ،ولكــل حبســب عملــه وحاجتــه معـاً » ولــذا ،فــإن تقــومي عمــل الفــرد ،وتقــومي حاجتــه ،لــيس ابحمــر الــذي منــر بــه س ـريعاً يف هــذا اجملــال ،فلكــل تقــومي منهمــا يف هــذا اجملــال حبــث وتفصــيل .فأمــا تقــومي جهــد الفــرد حبســب عملــه :فهــو كمــا كك ـران -ص ـريا قــول اخلليفــة الراشــد عمــر بــن اخلطَّــاب رضــي هللا عنــه« : الر ُجـل وبــالؤه يف اإلســالم » وهـذا يقتضــي أنــه كلمـا أبلــى الفــرد بـالء حســناً يف عملــه ،كلمـا وجــد تقوميـاً َّ ( )1ابن احثري :النهاية يف ريريب احلديث.156/1 ، ( )2ابن احثري :النهاية يف ريريب احلديث ،ص(.)155 ( )3الطنطاوي ،علي :أخبار عمر ،ص( .)106-105وانظر أبو يوسف :اخلراج ،ص(.)55 أكثــر جلهــده ،وكلــك أيضـاً معــىن قــول اخلليفــة الراشــد علــى بــن أيب طالــب رضــي هللا عنــه يف خطبــة لــه« : واعلموا أن الناس أبناء ما حيسنون ،وقيمة كل امرئ ما حيسن »(. )1 ـال يُضاف إىل كلك أن « قاعدة اجلزاء حبسب العمل» هو ما تشهد له نصوص َّ الشـ ِر َيعة فقـد قَ َ هللا تعاىل َ و ِل ُك ٍّل دَ َر َجات ِم َّما َع ِملُوا َو ِلي َُإو ِفّيَ ُه ْم أ َ ْع َمإالَ ُه ْم َو ُهإ ْم َال ي ُْظلَ ُمإونَ ، )2(فهـذه قاعـدة عامـة يف القرآن ،عل منـزلة الفرد حبسب عمله ودرجته كما عـل أقـدار العـاملني أيضـاً ممـا عملـوا ،أي مـن جـنس مــا عملـوا ،وهــذا التقــدير العــادل يف مقــاييس اإلســالم ،لــه مــا بعــده مــن جـزاء و ٍ اف علــى عمــل كــل عامــل كمــا هــو واضــا يف قولــه تعــاىلَ :و ِليُإ َإو ِفّيَ ُه ْم أ َ ْع َمإإالَ ُه ْم فيكــون تقــدير الــدرجات جبــنس العمــل هنــا هــو لتوفيه العاملني أجر أعماهلم ،وهو تقدير لـيس فيـه مكـان حليـف أو جـور حنـه تقـدير مصـون أبمـر هللا عـز وجل هـذا العـدل تقـديراً بقولـه تعـاىلَ :و ُهإ ْم َال ي ُْظلَ ُمإونَ وهـو تقـدير بعيـد املـدى، وجل ،وقد زاد ّ عز ّ لنفي كل ظلم وأتكد كل عدل. وبذلك ندرك أن تقرير هذا املبدأ العام ،الذي يربط درجة التقدير حبسـب العمـل ،إمنـا هـو تقريـر قــرآِن ،ال شــيء فيــه مــن اخ ـرتاع القــول ،وال يكــم الفهــم ،فهــو بــذلك أصــل جليــل ومعيــار دقيــق ،لكــل تقومي. وأمــا التقــومي أيض ـاً حبســب حاجتــه :فهــو ص ـريا قــول عمــر رضــي هللا عنــه يف الشــطر الثــاِن مــن الر ُجــل وحاجتــه يف اإلســالم » وحاجــات الفــرد هنــا كثــرية ،وقــد يفــي هبــا عائــد عملــه ،وقــد كالمــه « و َّ َساسيَّة أربع ،حيث ال ب ّد له من: يقتصر عنها عائد علمه وهي بطبيعتها حاجات متنوعة ،فعاجاته اح َ طعــام يصــونه مــن اجلــوع ،وش ـراب يصــونه مــن الظمــأ ،وكســاء يصــونه مــن العــري ،ومســكن يصــونه مــن ضعى الشمس وبرد اجلو. وقــد كانــت هــذه احلاجــات مكفولــة آلدم يف حياتــه احوىل يف اجلنــة ولكنــه أنــذر أبنــه إكا رضــخ إلبلــيس يف إحياءاتــه وإريراءاتــه وعصــى ربــه ،فســوف خيــرج مــن اجلنــة ،وعليــه حينئــذ أن يشــقى ابلعمــل يف عإإإد َُو لَإإإكَ َو ِلزَ ْو ِجإإإكَ فَإ َ إإال يصــيل حاجاتــه كلهــا ،وكلــك كمــا قَـ َ ـال هللا تعــاىل :فَقُ ْلنَإإإا يَإإإاإدَ ُم إِ َّن َهإإإذَا َ ( )1احملمصاِن ،أمحد بن عمر :خمتصر جامع بيان العلم وفضله البن عبد البَـِّر ،ص(.)106-105 ( )2اححقاف .19 / ع فِي َهإإا َو َال ت َ ْعإ َإرىَ وأَنَّإإكَ َال ت َْظ َم إأ ُ فِي َهإإا َو َال ي ُْخ ِر َجنَّ ُك َمإإا ِمإإنَ ْال َجنَّ إ ِة فَت َ ْش إقَى()1إِ َّن لَإإكَ أ َ َّال ت َ ُجإإو َ ض َحى(.)3()2 تَ ْ َساسـيَّة لإلنسـان ،يديـداً منطقيـاً أبربـع حاجـات وقـد وعـد هللا وهكذا ّ حدد القرآن احلاجـات اح َ آدم أبنــه مــا بقــي يف اجلنّــة فمضــمونه لــه هــذه احلاجــات :لــه أال جيــوع فيهــا ،وال يعــرى وال يظمــأ فيهــا وال يضــعى ،مثّ أنــذره أبنــه إكا أخــرج مــن اجلن ـة فســوف يفقــد هــذه الضــماانت احربــع ويتعــرض حكى اجلــوع وحرها) وعليه حينئـذ أن يشـقى ابلعمـل ،ليعصـل تلـك والعري والظمأ والضَّعى ( وهو التعرض للشمس ّ الضماانت بنفسه ،وبتلك املسؤولية قرر القرآن أن العمل والسعي له هو السبيل الطبيعي لكسب املعـاش َساسـيَّة لإلنسـان مـن مأكـل يصــونه مـن اجلـوع ،وملـبس يصــونه أو مـا يُعـف ابلـدخل إلشـباع احلاجــات اح َ َساسـيَّة كمــا مــن العــري ،ومشــرب يصــونه مــن الظمــأ ومســكن يصــونه مــن احلـ ّـر والــربد وهــذه احلاجــات اح َ حــددها القــرآن ،هــي دوافــع الســلوك االقتصــادي لإلنســان ،مث ربــط هــذه احلاجــات-يف اآليــة الكرميــة- ابلشقاء يف العمل لتعصيلها يؤدي بنا إىل قاعدة أساسـية تـتلخص يف « اعتبـار العمـل ،السـبيل الطبيعـي للعصول على مورد حيفظ على الفرد حياته ،ويهيئ له ضماانت يف حاجاته »(.)4 و ّأايًكــان التــاريخ الــذي عــاش فيــه آدم عليــه الســالم ،فــإن هــذه احلاجــات لفــت إليهــا آدم عليــه الســالم ،هــي بعينهــا مــا يــدفع الفــرد منّــا « اليــوم وريــداً ويف كــل ريــد » إىل تــرك الف ـراش علــى كــره منــه، واالنطالق إىل احسواق لعـرض السـلعة أو اخلدمـة وللعصـول علـى النقـود أو إبـدال النقـود ،إلشـباع تلـك احلاجات أو التزيد منها والرريد فيها. مثّ أن ــه مل ــن امليس ــور لك ــل إنس ــان أن ينظ ــر إىل حيات ــه ،وإىل حي ــاة أسـ ـرته ،ل ــريى م ــا إكا كان ــت ـص عليهـا القـرآن وحـده، َساسيَّة اليت تشغله وترهقه هي بعينها تلك احلاجات الـدوافع الـيت ن ّ احلاجات اح َ أم أن حاجــات أخــرى ترقــى إىل هــذا املســتوى احساســي مــن حيــث درجــة اإلحلــاح علــى الــنفس البشـرية؟ َساسيَّة للفرد. كلك ما عدا تلك احلاجات مهما بلغت هي توابع هلذه الدوافع اح َ وقــد تفـ ّـرد القــرآن العظــيم بتفصــيل هــذه احلاجــات والــدوافع ،علــى حنــو نعتقــد أنــه لقــي دراســة يليليــة كافيــة حــىت اآلن ،ملــا انطــوت عليــه اآلايت يف هــذا اجملــال مــن اإلحاطــة والشــمول ،ومــا مــن موازنــة الكشاف عن حقائق التنزيل (.)556/2 ( )1املراد بقوله فَـتَ ْش َقى : التعب يف طلب الرزق ويصيله .انظر الزمخشري ّ : حلره ــا .انظ ــر: ـعى : التصــون م ــن ح ـ ّـر الش ــمس حن َّ ( )2امل ـراد بقول ـه َ وَال تَ ْ ضـ َ الضــعى ( بف ــتا الض ــاد وتش ــديدها ) هــو التع ــرض ّ احصفهاِن :الراريب ،ريريب القرآن ن ص(.)293 ( )3طه .117 / ( )4إبراهيم ،د .عيسى عبد :القرآن والدراسات االقتصادية ،جمموعة حماضرات املوسم الثقايف جلامعة احزهر1961 ،م. ُّص ــوص القرآني ــة وب ــني اجته ــاد علم ــاء االقتص ــاد يف ه ــذا اجمل ــال ،إال جيريه ــا الباح ــث املنص ــف ،ب ــني الن ُ وكشفت عن ض لة اجلهد البشري يف هذا اجملال اهلام واحساسي يف حياة اإلنسـان وهـذا كلّـه هـو ابلنسـبة َساسيَّة لإلنسان ،اليت هي يف الوقت نفسه دوافع السعي والعمل والكسب. للعاجات اح َ أمــا ابلنســبة للعمــل واإلنتــاج ،فــاحرض كلهــا وعلــى اتس ـاع أطرافهــا ميــدان رحــب ريــين بوســائل مسخر لإلنسان ومطوع ومذلل له وأما الثروات واملوارد الطبيعية فإن كـل إنتـاج مـن الكسب وكل ما فيها ّ طيباهتا ال يقوم وال يستمر إال على تزواج بـني العمـل وبـني هـذه الثـروات واملـوارد ،فعلـى تلـك املـوارد يقـوم كــل عمــل ومــن كنوزهــا يــتم كــل إنتــاج ومــا علــى اإلنســان واحلالــة هــذه إال أن حيَـ ْـزم أمــره فــارض هللا واســعة وخرياهتا كثـرية وثرواهتـا وفيـة ومواردهـا رينيّـة فمـا عليـه إال يعمـل عقلـه وفكـره وقلبـه ومداركـه وحيسـن جهـده وتدبريه الستخراج ثرواهتا وإنتاج طيباهتا واإلفادة منها. وعليــه فاملشــكلة االقتصــادية ليســت يف قلّــة امل ـوارد الطبيعيــة وثرواهت ــا ،وإمنــا املش ــكلة كم ــا يق ــرر ـال هللا تعـاىلَ :و َءاتَإا ُك ْم ِم ْ سإأ َ ْلت ُ ُموهُ القرآن ،هي مشكلة اإلنسان كاته يف عملـه وإنتاجـه ،قَ َ إن ُكإ ِّل َمإا َ َوإِ ْن تَعُدُّوا نِ ْع َمإةَ َّ اإل ْن َسإانَ لَ َظلُإوم َكفَّإار ، )1( فظلـم اإلنسـان لإلنسـان يف احليـاة اّلِلِ َال تُحْ ُ صإوهَا إِ َّن ْ ِ العمليّة ،وكفره بنعمة هللا إبمهاهلا وعدم تقدير أمهيتها وشكر املنعم عليها ،مها السببان الرئيسان للمشـكلة االقتصادية يف حياة اإلنسـان ،ويتجسـد ظلـم اإلنسـان لنفسـه وريـريه علـى الصـعيد االقتصـادي يف اقتنـاص املغامن ،ويف سوء توزيع الثروة يف اجملتمع ويف احلرمان املنتشر فيه ،ويف فقدان اخللق الكـرمي الـذي يعتـرب سـر النجــاح يف كــل تعامــل كمــا يتجســد كفرانــه للنعمــة يف إمهالــه خ ـريات احرض واســتثماره لكنوزهــا وثرواهتــا وموقفه السليب منها »(.)2 وعليه ،فإن توزيع الثروة يف اجملتمع كمـا أمجلنـا يف هـذا املبعـث وفصـلنا يف ثنـااي البعـث علـى ضـوء قواعـد اإلسالميَّة-حبسب عمل الفرد وحبسب حاجته يضمن توزيعاً عادالً ،وحيقق رفاهاً يغـين الفـرد عـن َّ الش ِر َيعة ْ كل ضرورة وحاجة ويغدو الفرد حينئذ أكثر إخالصا لعمله ،ووفاء جملتمعه. ويكفي يف هذا اجملال أن نـذكر ابلنقـد الـذي وجهـه اللـورد « مارينـارد كينــز » إىل نظـم االقتصـاد املعاصرة ،لندرك مدى اخللل الكبري يف ميزان توزيع الثروة يف عاملنـا املعاصـر ،ولنـدرك ابلتـايل قيمـة القواعـد اإلســالميَّة يف حــل املشــكالت االقتصــادية يف توزيــع الثــروة وريريهــا .فقــد قــرر اللــورد «ماينــارد كين ـز» عــام ْ 1938م يف كتابه املشهور « النظرية العامة » ما يلي: ( )1إبراهيم .34 / ( )2الصدر ،حممد ابقر :اقتصادان ص(.)309-307 « إن أهم احخطاء البارزة يف اقتصادان املعاصر اثنان ومها : أوالا :الفشل يف يقيق العمالة الكاملة ( أي ضمان العمل لكل قادر ). العدالَة»(.)1 اثنيا :التوزيع التعكمي لكل من الثروة والدخل على حنو ال حيقق َ و إكا نظران يف ما تقدم عن سلف احمة لوجدان أن يقيق العمالة الكاملة ( أي تـوفري العمـل لكـل قـادر) هو مسؤولية الد َّْولَة وهو ما يفيده قـول عمـر بـن اخلطَّـاب عـن مسـؤولية احلـاكم فــي هــذا اجملـال « :إن هللا اســتخلفنا علــى النــاس ،لنســد جــوعتهم ،ولنــوفر هلــم حــرفتهم »( )2كمــا أن توزيــع الثــروة يف اجملتمــع توزيعـاً عادالً ،وهو يف تطبيق املعيار الـدقيق « مـن كـل حبسـب جهـده ولكـل حبسـب عملـه وحاجتـه معـاً » وفقـاً الر ُجل وحاجته يف اإلسالم »(.)3 الر ُجل والؤه يف اإلسالم و َّ لقول عمر بن اخلطَّابَّ « : وبذلك يتجنب االقتصاد املعاصر تلـك احخطـاء الـيت أحـدثت خلـالً يف عاملنـا املعاصـر وشـردت ابإلنسان بعيداً عن هدي هللا وشرعه. المطلب الثاني سماليَّة التأمينـــــات ْ الرأْ ُ االج ِت َما ِعيَّة فــــي َّ إن فك ــرة زايدة ال ــدخل احهل ــي ه ــي أس ــاس النِّظَــام االقتص ــادي يف املب ــدأ الرأمس ــايل ابعتب ــار أن االقتصــاد عنــدهم يبعــث يف حاجــات اإلنســان ووســائل إشــباعها وال يبعــث إال يف الناحيــة املاديــة مــن َساسـيَّة حياة اإلنسان .فهو يقول إن الندرة النسبية للسلع واخلـدمات ابلنسـبة للعاجـات هـي املشـكلة اح َ ،أي عدم كفاية السلع واخلدمات للعاجـات املتجـددة واملتعـددة عنـد اإلنسـان هـي املشـكلة االقتصـادية ( )1إبراهيم ،د .عيسى عبد :القرآن والدراسات االقتصادية ،حماضرة ضمن جمموعة احملاضرات العامة للموسم الثقايف الثالث جبامعة احزهر لعام 1960م ،ص(.)249 ( )2إبراهيم .34 / ( )3ابن احثري :النهاية يف ريريب احلديث.)156/1( ، للمجتمع .وكلك أن لإلنسان حاجات تتطلب اإلشباع ،فال ب ّد من وسائل إلشباعها ،ووسـائل اإلشـباع هذه هي السلع واخلدمات ،فالسـلع وسـائل اإلشـباع ملـا يسـمى عنـدهم ابحلاجـات املاديـة وهـي احلاجـات احملسوســة امللموس ــة ،مث ــل أك ــل الرريي ــف ل ــبس الث ــوب وس ــكىن ال ــدار ،واخل ــدمات وس ــائل اإلش ــباع مل ــا يســمى عنــدهم ابحلاجــات املعنويــة وهــي احلاجــات احملسوســة ريــري امللموســة مثــل خدمــة الطبيــب واملعلــم واملهندس .لذلك كانت مهمة االقتصادي هي توفري السلع واخلدمات. وملــا كانــت الســلع واخلــدمات حمــدودة ،فإهنــا ال تكفــي حلاجــات اإلنســان ،حن هــذه احلاجــات ريــري حمــدودة .وهــذا ال يتــأتى مهمــا كثــرت الســلع واخلــدمات لــذلك نشــأ أســاس املشــكلة االقتصــادية وهــو كثرة احلاجات وقلّة إشباعها ،وهبذا تظل بعض احلاجات إما إشـباعاً جزئيـاً فقـط أو ريـري مشـبعة إطالقـاً، فاملشــكلة عنــدهم هــي احلاجــات ولــيس اإلنســان أي هــي تــوفري امل ـوارد إلشــباع احلاجــات ولــيس إشــباع حاجات كل فرد من احفراد. وملـا كــان احمــر كــذلك كــان ال بـ ّد مــن أن تكـون القواعــد الــيت تضــمن الوصــول إىل أرفــع مســتوى ممكن من اإلنتاج حىت يتأتى توفري املوارد ،ومن هنا كانت مشكلة توزيع السلع واخلدمات مرتبطـة ارتباطـاً وثيقـاً مبشــكلة إنتاجهــا ،وكــان اهلــدف احمســى للدراســات االقتصــادية هــو العمــل علــى زايدة مــا يســتهلكه جمموع الناس من السلع واخلدمات ،هلذا كان زايدة اإلنتاج احهلي عندهم أهم اححباث ملعاجلـة املشـكلة االقتصـادية إك يعتقــدون أنـه ال ميكــن معاجلــة الفقـر واحلرمــان يف بلـد مــا إال عــن طريـق زايدة اإلنتــاج .ومــن هنا يفهم سر انصباب اجلهود على زايدة اإلنتاج والتنمية االقتصادية ووضع التخطـيط االقتصـادي لـزايدة اإلنتاج. وعلــى هــذا « فــإن النِّظَــام االقتصــادي الرأمســايل يهــدف إىل ريايــة واحــدة هــي زايدة ثــروة الــبالد مجلــة ،ويعمــل للوصــول إىل أرفــع مســتوى ممكــن مــن اإلنتــاج ،وجيعــل يقيــق أقصــى مــا ميكــن مــن الرفاهيــة حف ـراد اجملتمــع نتيجــة ل ـزايدة الــدخل احهلــي ورفــع مســتوى اإلنتــاج يف الــبالد وكلــك بتمكيــنهم مــن أخــذ الثروة حني يرتك هلـم ِّ احلريَّـة يف العمـل إلنتاجهـا وحليازهتـا ...وهـذا خطـأ وظلـم حن احلاجـات الـيت تتطلـب اإلشباع هي حاجات فردية ،فهي حاجـات حملمـد وصـاحل وحسـن وليسـت حاجـات جملموعـة اإلنسـان أو جملموعة أمة أو جملموعة شعب »(.)1 وعلـى هـذا يكـون الرأمسـاليون قـد تصـوروا املشـكلة االقتصـادية تصـوراً مقلـوابً فجعلـوا إنتـاج الثــروة وتركوا أمر توزيعها ،يف حني أن املشكلة هي توزيع الثروة ،وترتـب علـى كلـك أن جعلـوا الـثمن هـو املـنظم السي ِ ِ اسيَّة االقتصادية املثلى ،ص(.)16 ( )1املالكي ،عبد الرمحنَ ّ : للتوزيع ،فمن ملك الثمن أخذ الثروة ،ومن ال ميك شيئاً ال أيخذ شيئاً ،فالقوي مباله وسـلطانه يسـتعق احلياة والضعيف ال يستعق احلياة ،وهذا هو واقع البالد الغَْربيّة كلها. وأيض ـاً ،فق ــد ه ــذا كل ــه إىل متل ــك امل ــال أبي س ــبيل سـ ـواء ابل ـ ِّـرَاب أو الغ ــش أو االحتك ــار وسـ ـواء أكانــت الســلع مخـراً أو أفيــوانً وبــذلك حصــر الثــروة أبيــدي احقــوايء وحــرم منهــا الضــعفاء ولــذلك ســيطرت الرأْ ُمساليَّة واستبد املنتجون ابملستهلكني ويكم أرابب املال علـى مجهـرة املسـتهلكني ممـا أدى االحتكارات َّ إىل ظه ــور م ــا يس ــمى ابلعدالَــة االجتِم ِ اعيَّــة لرتقي ــع النِّظَــام الرأمس ــايل لتخفي ــف م ــا أنزل ــه ابلن ــاس م ــن ظل ــم َ ُ َْ وإرهاق. « فالضــمانة فيــه ليســت أساسـاً يف النِّظَــام وال أمـراً جــوهرايً فيــه ،بــل هــي أحكــام طارئــة أدخلــت لرتقيعه »(.)1 فالرأْ ُمساليَّـ ــة حاولـ ــت إجيـ ــاد مـ ــا يسـ ــمى ابلضـ ــمان االجتمـ ــاعي والعدالَـ ــة االجتِم ِ اعيَّـ ــة وأوجـ ــدت َّ َ ُ َْ التأمينــات االجتِم ِ اعيَّــة وهــذه التأمينــات هــي أن هتــتم الد َّْولَــة بصــنفني مــن النــاس مــن الرعيــة الــيت يكمهــا َْ ومها: أوالا :العامــل عنــد ريــريه أبجــر ،ويشــمل هــذا مســتخدمي احلكومــة ،واملؤسســات العامــة والعمــال الدائمني يف املصانع واملعامل واملزارع ،إال أن التفاوت يف استخدام نوعيـة العمـال مـن مسـات هـذا النظـام، فبعض ــهم ي ــدخل عم ــال امل ـزارع دون عم ــال املق ــاوالت والش ــعن والتفري ــغ والعم ــال امل ــؤقتني ،وبعض ــهم ال يدخل عمال املزارع إال الذين يشـتغلون ابآلالت الزراعيـة ومـن يـدخل يف هـذه التأمينـات االجتِم ِ اعيَّـة مـن َْ هؤالء عموماً هو الذي يشتغل عند ريريه أبجر. فالعدالَــة االجتِم ِ اعيَّــة تقتضــي أن يُعطــى العامــل تعويضـاً ومعــاش شــيخوخة .فأمــا التعــويض ،فــإكا َ َْ حلق ضرر ابلعامل أثناء عمله منعه من العمل منعـاً كليـاً أو جزئيـاً فإنّـه حيظـى ابلرعايـة الصـعية والتعـويض عــن الضــرر .فــإن منعــه الضــرر مــن العمــل منع ـاً كلي ـاً تعطــى لــه معونــة ال تصــل إىل حــد أجــره اليــومي إك تـرتاوح مــا بــني %60إىل %80مــن أجــره( ،)2إىل أن يبلــغ ســن التقاعــد وهــو ســن الســتني أو اخلامســة واخلمسني أو اخلامسة والستني حسب القانون الذي يسن كلك .هـذا عنـد وقـوع الضـرر إبصـابة يف أثنـاء العمــل ،أمــا إ ْن أصــيب مبــرض طــارئ يف حياتــه فإنــه حيظــى ابحم ـرين الرعايــة الصــعية واحجــر التــام أثنــاء مرضــه دون انقطــاع شــيء مــن راتبــه .ولكــل فــرد احلــق يف الراحــة يف أوقــات الفـراغ ،وال ســيما يديــد وقــت السي ِ ِ اسيَّة االقتصادية املثلى ،ص(.)156 ( )1املالكي ،عبد الرمحنَ ّ : السي ِ ِ اسيَّة االقتصادية املثلى ،ص(.)158 ( )2انظر حول هذه املسألة :املالكي ،عبد الرمحنَ ّ : معقول لساعات العمل ،ويف عطالت دورية وأبجر وكلك أبن يعطـى العامـل يـوم راحـة يف احسـبوع وأايم راحة يف السـنة وأايم احعيـاد وأيخـذ أجـرة هـذه احايم .وإكا وافتـه املنيـة أثنـاء العمـل يُعطـى تعويضـاً معينـاً يسلم حهله يكون بنسبة السنوات اليت خدمها يف املصلعة أو املؤسسة أو املصنع. أما معاش الشيخوخة ،فيستعقه مـن بلـغ سـن التقاعـد وهـو يعمـل ،فيعطـى إكراميـة ماليـة بنسـبة سين خدمته أو معاشاً شهرايً بنسبة سين خدمته ال يصل إىل راتبه الذي تقاضاه أثناء عمله. هــذا جممــل التأمينــات االجتِم ِ اعيَّــة للمــوظفني والعمــال ،ولكــن مــن هــو املســؤول عــن تقــدمي هــذه َْ التأمينات ،هل هو الد َّْولَة أو املؤسسة؟ إن اهتم ــام الد َّْولَــة يتمث ــل يف َس ـ ِّـن الق ـوانني ال ــيت تض ــمن ه ــذه التأمين ــات ،وه ــذه التأمين ــات متعين ــة عل ــى املستخدم سواء أكانت الد َّْولَة أو املؤسسة ،فالد َّْولَة ال تعطي هـذه التأمينـات إال ملوظفيهـا وعماهلـا الـذين تســتخدمهم هــي وأمــا مــن أيــن يؤخــذ هــذا املــال ،فإنــه ينــال علــى اإلمجــال مــن حقــوق العمــال « فإنــه ابلنسبة للدولة ختصم على العامل بنسبة معينة %5أو %10من أجره وتـدفع منهـا مـا يقابلـه وتسـتثمر هــذا املبلــغ ابلـ ِّـرَاب وتــدفع منــه تعويضــات العمــال ومعــونتهم ومعاشــاهتم .أمــا املوظفــون فتــدفع مــن خزينتهــا تقاعــدهم .وأمــا ابلنســبة لبــاقي املؤسســات فإهنــا ختصــم مــن أجــرة العامــل نســبة معينــة % 3أو %10أو حـول هــذا املقـدار وتــدفع منهـا مــا يقابلـه وتســتثمر هـذا املــال ابل ِّـرَاب و مــع إعـاانت وتربعــات للعمـال وقــد تساهم الدَّولَة يف كلك مسامهة ومن هذا املال املتجمع تدفع تلك التأمينات االجتِم ِ اعيَّة»(.)1 ْ َْ ِ ِ االجت َماعيَّـة هـي مسـامهة العمـال جبـزء مـن أجـورهم ومسـامهة رب « فمصادر التمويـل للتأمينـات ْ العمــل مبقــدار يســاوي كلــك واســتثمار هــذه احمـوال ومســامهة احهــايل بشــيء مــن التربعــات ،وقــد تســاهم الد َّْولَة يف كلك جبزء ضئيل من املال »(. )2 اثني ـ ا :الفق ـراء واحملرومــون :إن االهتمــام أبصــعاب الفاقــة والبطالــة يف النِّظَــام الرأمســايل ال يكــون بتقــدمي املــال وال بتــوفري الغــداء وامللــبس واملســكن وإمنــا هــو أتمــني العنايــة الطبيــة واخلــدمات االجتِم ِ اعيَّــة َْ الالزمــة ،فيــؤمن لــه التعلــيم وتفــتا لــه املشــايف للعــالج اجملــاِن ويعتــىن ابحطفــال الفق ـراء واحمهــات العجــزة والفقـراء ،وهــذه العنايــة الــيت تشــمل حــاالت البطالــة واملــرض والعجــز والرتمــل والشــيخوخة وريــري كلــك مــن فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عـن إرادتـه احلـق يف الرعايـة اخلاصـة واحلمايـة االجتِم ِ اعيَّـة مـن َْ السي ِ ِ اسيَّة االقتصادية املثلى ،ص(.)160 ()1املالكي ،عبد الرمحنَ ّ : السي ِ ِ اسيَّة االقتصادية املثلى ،ص(.)160 ()2املالكي ،عبد الرمحنَ ّ : تعلــيم جمــاِن وطبابــة جمانيــة وتــوفري لشــيء مــن الغــذاء والكســاء مــن قبيــل الصــدقات مب ــا ال يصــل إىل ســد احلاجة ،وإمنا وجبات طعام ولباس يف أايم الشتاء. َساسـيَّة يف النِّظَـام الرأمسـايل ومثلـه نظـام اشـرتاكية الدولـة، هذه هي خالصة ضـمان احلاجـات اح َ الرأْ ُمساليَّــة مبــنا العمــال حهنــا نظــام رأمســايل قــد جــرت تغطيتــه بلفــظ اال ْشـِـرتاكِيَّة إال أهنــا تزيــد علــى أتمينــات َّ نصــيباً يف رأس املــال وتضــع حــداً أدىن حجــور العمــال وحــداً أقصــى للفائــدة واإلجــارة ،وتقيــد املِْل ِكيَّــة يف َساسـ ـيَّة ه ــي طريق ــة كث ــري م ــن املـ ـواطن وت ــؤمم بع ــض املص ــاحل العام ــة ،فطريقته ــا يف ض ــمان احلاج ــات اح َ رأمسالية مع تغطيتها بزايدة بعض اححكام. ِ ِ َساسـيَّة عنايـة خاصـة هبـا وإمنـا تعـىن وأما اال ْشرتاكيَّة احلقيقيـة ،فإهنـا ال تعـىن بضـمانة احلاجـات اح َ ابملساواة يف املِْل ِكيَّة مبنع ملكية كل ما ينتج وحصـر املِْل ِكيَّـة مبـا يسـتهلك فعسـب وتوجيـه عنايتهـا للعمـال بشــكل خــاص ،فــأدى هــذا إىل اخفــاض مســتوى املعيشــة يف البلــدان اال ْشـ ِـرتاكِيَّة حــىت لــوحظ يف أوج تطبيقهــا حبــث أفرادهــا عــن الطعــام واحلاجــات هلــف القــط الــذي حبســه صــاحبه ومل يطعمــه إال مســاء ومل جيعله يرى النور يف اآلفاق. المطلب الثالث ساسيَّة ضمانـــــة اإلســــالم للحاجــــات األ َ َ لقد رأينـا أن اإلسـالم أابح الت ََّملُّـك املشـروع هبـدف إشـباع احلاجـات عنـد اإلنسـان ،ولكـن هـذه َساسـيَّة اإلابحة للملكيـة وللعمـل يف مصـادر االقتصـاد جنـدها يقـق متكـني كـل فـرد مـن إشـباع حاجاتـه اح َ والكماليــة إال أهنــا ال يقــق ضــمان كــل فــرد فهــي تقــوم بتوزيــع الثــروة علــى النــاس إال أن هــذا التوزيــع ال َساسيَّة لكل فرد مـن أفـراد الرعيـة إشـباعاً كليـاً وال يضـمن متكـني كـل فـرد يضمن إشباع مجيع احلاجات اح َ م ــن إش ــباع حاجات ــه الكمالي ــة عل ــى أك ــرب ق ــدر مس ــتطاع حن إابح ــة املِْل ِكيَّــة وإابح ــة العم ــل يف مص ــادر السي ِ ِ اسيَّة االقتصادية القائمـة علـى أسـاس ضـمان احلاجـات لكـل فـرد االقتصاد ال تكفي وحدها لتعقيق ّ َ يف اجملتمــع ،حن هــذه اإلابحــة متكــن احقــوايء مــن املِْل ِكيَّــة والعمــل ،أمــا الضــعفاء أو الــذين مل يتمكنـوا مــن َساسيَّة. إجياد العمل فإهنم ال يتمكنون ابإلابحة وحدها من نوال حاجاهتم اح َ ومــن أجــل كلــك شــرع اإلســالم أحكام ـاً شــرعية عــالوة علــى أحكــام إابحــة املِْل ِكيَّــة وإابحــة العمل وتضمن اإلشباع لكل فرد ،وبذلك ضمن التوزيع والتمكني حفراد الرعية. إال أ ّن هذه اححكام الش َّْرعية ليست ترقيعاً للنظام وال معاجلة للثغرات وال هـي خمتصـة ابلعمـال واملـوظفني الرأْ ُمساليَّة واشرتاكية الد َّْولَة ،وإمنا هي أحكام اثبتة من أحكام النِّظَـام تسـري أو الفقراء احملرومني كما فعلت َّ مع إابحة املِْل ِكيَّة والعمل دون انفصال وهي تعاجل كـل حالـة ال ثغـرات معينـة وجلميـع الرعيـة وليسـت لفئـة خاصة كأحكام النفقة. اإلسالميَّة؟ فإن الش َّْرع قد جعلها قسمني: َساسيَّة يف َّ الش ِر َيعة ْ أما ما هي احلاجات اح َ َساسيَّة لكل فرد من أفراد الرعية بذاتـه ،فهـي املأكـل واملشـرب وامللـبس واملسـكن وقـد احول :احلاجات اح َ فصلنا يف بياهنا سابقاً. َساسيَّة للرعية كلها فهي احمن والتعليم والتطبيب. الثاِن :احلاجات اح َ اإلســالميَّة ،تضــمن وجــدير ابلــذكر أن هنــاك تعليمــات وتنظيمــات وحقــوق جــاءت هبــا َّ الشـ ِر َيعة ْ َساسيَّة لكل فرد تتمثل يف اآليت: ضماانً قطعياً احلاجات اح َ .1احصل أن اإلنسان يكفي نفسه بنفسه أبن يعمـل ويكـد ويكسـب وال يسـأل النـاس حاجـة ،حن اليـد العلي ــا خ ــري م ــن الي ــد الس ــفلى والعط ــاء خ ــري م ــن احخ ــذ وال عط ــاء إال بغ ــىن ،وال ري ــىن إال ابلعم ــل دل عليــه حــديث االحتطـاب .فسـؤال النــاس أو مــن ميــثلهم كالد َّْولَــة أمــر ريــري مرريــوب والكســب ،كمــا ّ فيه ما دام اإلنسان قادراً على العمل واالكتساب املباح. اإلســالميَّة أن تقــوم بتســهيل ســبل العم ــل .2وإكا كــان العمــل منــدوابً والس ـؤال حمظــوراً ،فــإن علــى الد َّْولَــة ْ والكسـب حفـراد الرعيـة ،أبن توجـد العمل للعاطلني واملشاريع االقتصادية لتشغيل احفراد. .3فــإكا مل يوجــد عمــل للفــرد ،أو وجــد وكــان الفــرد عــاجزاً عــن أدائــه بســبب طــارئ وجبــت لــه النفقــة ،أمــا َساسيَّة فقد عينه الش َّْرع تعييناً واضـعاً ،ككـران من يقوم ابإلنفاق الذي يقوم إبشباع هذه احلاجات اح َ تفصــيلها يف نظــام النفقــة مــن هــذا الفصــل ،وبضــمان النفقــة للزوجــة علــى الــزوج ولــألوالد علــى أبــيهم والقريب على قريبه كي الرحم احملرم ،واآلابء واحبناء قد ضمن إشباع احلاجات جلميع احفراد. .4وإكا مل يستطيع الفرد االكتساب ،أو مل جيد ما يكتسب به منـه ،وال يوجـد مـن ينفـق عليـه م ـن أقارب ـه، فإنه يف هـذه احلالـة جيب س ّد حاجته من أموال الزكاة اليت هي حق لكل فرد فقري. َساس ـيَّة لكــل فــرد بذاتــه ،أمــا مــن حيــث ضــمان احلاجــات هــذا مــن حيــث ضــمان احلاجــات اح َ َساسـيَّة حهنـا َساسيَّة للرعية كلها ،فإن الش َّْرع جعل على الد َّْولَـة مباشـرة ضـمان تـوفري هـذه احلاجـات اح َ اح َ مـن احلقـوق الطبيعيـة واخلـدمات العامـة واملصـاحل املهمــة لإلنسـان يف احليـاة ،فقـد روى الشـيخان عـن عبــد ـال « :أال كلك ــم ر ٍاع وكلك ــم مس ــؤول ع ــن رعيت ــه، هللا بــن عم ــر رض ــي هللا عنهمــا أن رس ــول هللا قَـ َ فاإلمــام الــذي علــى النــاس ر ٍاع وهــو مســؤول عــن رعيتــه ، )1(» ...ويف روايــة «:فــاألمري الــذي علــى ()2 َساسيَّة املتمثلة يف :احمـن الناس ر ٍاع وهو مسؤول عن رعيته» وجعل من املسئولية توفري احلاجات اح َ ـال «: مـن والتطبيب والتعليم ،ال فرق بني مسلم و ريري مسلم ،وال بني ريين وفقري ،فأمـا احمـن فقـد قَ َ أصبـح آمنـا يف سربـه ،معاىف يف بدنه ،عنده قـوت يومـه فكأمنا حيزت له الدنيا »( )3فقـد جعـل احمـن َساسيَّة ،وقد متثل هذا احمن بنوعيه يف حيـاة والصعة حاجة أساسية كالقوت ،فيكوانن من احلاجات اح َ الرســول والصــعابة مــن بعــده مــن خــالل تســيري الغــزوات ورفــع رايــة اجلهــاد وهــو مــا يطلــق عليــه ابحمــن اخل ــارجي ال ــذي ض ــمنته الد َّْولَــة ووفرت ــه حف ـراد الرعي ــة ،وم ــن احم ــن ال ــداخلي م ــن خ ــالل تطبي ــق أحك ــام العقوابت على املتعدين اجملاوزين للعدود. ِ ـال « :مثـل مـا بعثـين هللا بـه مـن َّيب قَ َ وأما التعليم فقد أخرج البُ َخا ِر ّ ي عن أيب موسى عن الن ّ اهلــدو و العمــل كمثــل الغيــث أصــاب أرضـ ا َ فكــان منهــا نقبــة قبلــت املــاء فأنبتـت الكــو والعشــب الكثري وكانت منها أجادب أمسكت املاء فنفع هللا هبـا النـاس فشـربوا وسـقوا وزرعـوا وأصـابت منهـا طائفة أخرو إمنا هي قيعان ال متسك ماء وال تنبـت كـو ،فلـذلك مثـل مـن فقـه يف ديـن هللا ونفعـه مـا ـال بعثين هللا به فعلم وعلم ،ومثل مل يرفع بذلك رأسا ومل يقبل هدو هللا الـذي أرسـلت بـه » ( . )4وقَ َ ( )1متفــق عليــه :انظــرِ : يعــوا َّ ـول َوأُويل األَ ْمــر مـ ْن ُك ْم رقــم الر ُسـ َ يعــوا َّ اََ َوأَط ُ ي ،كتــاب اححكــام ،ابب قولــه تعــاىل :أَط ُ َ صــعْيا البُ َخــا ِر ّ ِ وصــعْيا مســلم ،كتــاب اإلمــارة ،ابب فضــل اإلمــام العــادل ،رقــم (،)1459/3( ،)1829( )20 ( )111/13( ،)7137واللفــظ لــه َ وص ِعْيا ابن ِحبِّان (.)342/10 َ ِ ِ ي (.)901/2 (َ )2 صعْيا البُ َخار ّ صـ ِـعْيا ابــن ِحبِّــان ( )446/2عــن أيب الــدرداء واللفــظ ل ــه ،و ُســنَن ابــن ماجــة ( ،)1317/2م ـوارد الظم ـ ن ( ،)620/1وجمم ــع (َ )3 ِ ـال الرتِم ِـذي ،وقَ َ وشعب اإلميان ( ،)293/7واحدب املفرد ( ،)112/1والرترييب والرتهيب( ،)335/1وقَ َ الزوائد (ُ ،)289/10 ال رواه ّ ْ حديث حسن ريريب. ِ ( )4رواه البخـ ــا ِري يف ِ ِِ الس ـ ــنَن الك ـ ــربى صـ ــعْيعه ( ،)42/1واللف ـ ــظ لـ ــه ومس ـ ــلم (َ ،)1787/4 َُ ّ َ وصـ ــعْيا اب ـ ــن حبّـ ــان ( ،)177/1و ُ وم ْسنَد أمحد ( ،)399/4والرترييب والرتهيب (.)55/1 (ُ ،)427/3 ()1 َساس ـيَّة « : م ــن أشـ ـراط الس ــاعة أن يرف ــع العل ــم ويثب ــت اجله ــل » .فالغي ــث م ــن احلاج ــات اح َ وكذلك اهلدى والعلم إضافة إىل اعتبار العلم ضرورة ملا أشار من عالمة انتهاء عمارة هذه الدنيا بفقده. وعلــى كلــك « ،فينبغــي علــى دولــة اإلســالم أن هتيــئ ســبل التعلــيم والثَّقافَــة لألف ـراد حن اإلل ـزام القانوِن يف شريعة اإلسالم ال يتعقق مبعناه الص ِعيا إال بعـد تـوفري التوجيـه ِ الفكْـري والنفسـي عـن طريـق َ ْ الرتبية والتعليم والثَّقافَة »(.)2 وقــد اضــطلعت دولــة اإلســالم والقــائمون عليهــا منــذ وجــدت تبيــني اهلــدى للمســلمني وللنــاس أمجعــني ،ولقــد كــان يرســل إىل شــىت اجلهــات يف شــبه اجلزيــرة العربيــة مــن يعلــم النــاس ومــا أن بــدأت طالئ ــع اإلس ــالم يف يث ــرب ح ــىت أرس ــل إليه ــا علي ــه ص ــلوات هللا مص ــعب ب ــن عم ــري( )3وعب ــد هللا ب ــن أم مكتــوم( )4بعــد بيعــة العقبــة الثانيــة ،ويف خــرب بئــر معونــه أن الرســول أرســل ســبعني شــاابً يســمون الق ـراء إجابــة لــدعوة عــامر بــن مالــك ،وقــد تكلــف رســل اهلدايــة هــؤالء حيــاهتم يف الطريــق نتيجــة عــدوان وقــع علــيهم( .)5ويف ريــزوة بــدر مل يتــوفر حانس مــن احســرى فــداء « ،فجعــل الرســول فــداءهم أن يعلم ـوا الش ـ ْـعِيب ( :)7ك ــان فــداء احس ــرى م ــن أخ ــل ب ــدر أربع ــني أوالد احنصــار الكتاب ــة »( ، )6وروي ع ــن ع ــامر َّ أوقية ،فمن مل ميـن عنـده علّـم عشـرة مـن املسـلمني فكـان زيـد بـن حارثـة( )8م ّـم عُلّـم »( .)9ومـن املعلـوم أن صـ ِـعيْعه ( )43/1عـن أنــس بـن مالــك ويف روايــة يكثـر اجلهــل ( ،)2005/5ويف روايـة :ويظهــر اجلهــل ( ،)2497/6ورواه ي يف َ ( )1رواه البُ َخـا ِر ّ مسلم ( ،)2056/4وص ِعيا ابن ِحبِان ( ،)171/15وسنَن ِ ِ ِ السنَن الكربى (.)455/3 َ ْ ُ ّْ ّ الرتمذي(ُ ،)491/4 ( )2عثمان ،د .حممد فتعي :من أصول ِ الفكْر السياسي اإلسالمي ،ص(.)305 ( )3مصــعب بــن عمــري بــن هاشــم بــن عبــد منــاف العبــدري ،قَـ ِـدم املدينــة قبــل النــيب وشــهد بــدراً واستشــهد أبُحــد .حليــة احوليــاء ( ،)108/1وســري أعالم النبالء .)145/1( ، ( )4عبــد هللا بــن أم مكتــوم احعمــى ،مــؤكن رســول هللا ابملدينــة مــع بــالل ،وهــو ابــن خــال خدجيــة بنــت خويلــد ،قَــدم املدينــة مــع ُمصــعب بــن ُعمــري. االستيعاب.)1199/3( ، ( )5انظر احلديث الوارد يف ِ ِ ال أنس كنّـا نسـميهم الق ّـراء حيطبـون يف َّيب بسبعني من احنصار ،قَ َ َ صعيْا البُ َخا ِر ّ ي ( ،)1115/3وفيه « :أمرهم الن ّ النهار ويصلون ابلليل ». (ُ )6م ْسنَد أمحد ( )247/1من حديث عكرمة عن عبد هللا بن َعبَّاس. الشـ ْـعِيب ،ولــد ســنة ( 16هجريــة) رأى عليّـاً وريــريه مــن ك ـرباء ( )7هــو عــامر بــن ش ـراحيل بــن كي كبــار ،اإلمــام احلــافظ عالّمــة عصــره ،اهلمــذاِن ،مثّ َّ ـال عنـه مكعـول :مـا رأيـت الصعابة .كان يقول :ما كتبت سـوداء يف بيضـاء ،وال حـ ّدثين رجـل حبـديث إال حفظتـه .تـويف سـنة ( 401هجريـة ) قَ َ مزي .)643/2( ،وطبقات ابن سعد ( .)246/6وسري أعالم النبالء.)294/4( ، أفقه منه .انظر :هتذيب الكمال لل ّ ( )8زيـد بــن حارثـة بــن شـراحيل (أو شــرحبيل) ،احمـري الشــهيد ،املســمى يف سـورة اححـزاب ،سـيد املـوايل وأسـبقهم إىل اإلســالم .سـري أعــالم النــبالء ، ُ (.)230/1 ( )9عثمان ،د .حممد فتعي :املصدر السابق ،ص(.)306 بــدل الغــداء هــو ملــك لبيــت املــال كاملــال الــذي أخــذه مــن احســرى اآلخـرين يف املعركــة نفســها وضــمه إىل بيــت املــال ،فيكــون َســيِّدان حممــد جعــل التعلــيم مقابــل الغــداء ومعنــاه حقيقــة أنــه عليــه الصــالة والســالم دفــع للمعلمــني أجــرة مــن بيــت املــال .وهــذا ممــا يــدل علــى أن التعلــيم ممــا جيــب علــى الدولــة ،وقــد حـ ّدث ـال :كــان يف املدينــة ثالثــة معلمــني يعلمــون الصــبيان وكــان عمــر بــن اخلطـَّـاب الدمشــقي عــن ابــن عطــاء قَـ َ يرزق كل واحد منهم مخسة عشر يف كل شهر(.)1 هـذا فيمــا يلــزم املسـلم يف شــؤون حياتــه اخلاصـة أمــا ريــريه مـن املعلومــات ،فهــي فـرض كفايــة علــى املسلمني ال يسقط عنهم اإلمث إال إكا قام به البعض الذي يصل به الكفاية وكلك مثـل الطـب واهلندسـة والصــناعات والكه ـرابء وريــريه ســيما وأهنــا مــن املعــارف الــيت تنفــع عامــة املســلمني وممــا حيتــاجون إليهــا يف حياهتم. ـال « :ف ّـر مـن اوـذوم كمـا تف ّـر وأما التطبيب ،فإن رسول هللا أمر ابلوقاية بكل سبيل ،ف َق َ من األسد »( ، )2وعن سعد بن أيب وقّاص( )3عن أبيه أنه مسعه يسأل أسـامة بـن زيـد :مـاكا مسعـت مـن ـس أرســل علــى طائفــة مــن ال أســامة :قَـ َ رســول هللا؟ يف الطــاعون؟ ف َقـ َ ـال رســول هللا « :الطــاعون رجـ ٌ بين إسرائيل أو على من كان قبلكم ،فـإذا مسعـتم بـه أبرض فـال تقـدموا عليـه ،وإذا وقـع أبرض وأنـتم ـال : هبا ،فال خترجوا فرارا منه »( . )4كذلك أمر ابلتداوي عند املرض .فعـن أنـس رضـي هللا عنـه قَ َ ()6 ()5 ِ ـيب بلق ــاح وأن يشـ ـربوا م ــن أبواهل ــا « ق ــدم أانس م ــن عك ــل أو عرين ــة ف ــاجتووا املدين ــة ف ــأمرهم النَّ ـ ّ ِ َّيب .)7(» ... وألباهنا ،فانطلقوا ،فلما صعوا قتلوا راعي الن ّ َساسيَّة لكل فرد ويعمل لرفاهيته ،ص(.)31 ( )1البدري ،عبد العزيز :اإلسالم ضامن للعاجات اح َ ( )2رواه البخا ِري يف ِ وسـنَن البَـْيـ َه ِق ّـي الكـربى بلفـظ : َُ ّ َ الرمد ،عن ايب هريرة واللفـظ لـه (ُ ،)2158/5 صعْيعه ،ابب اإلمثد والكعل من ّ وم ْسنَد أمحد (.)443/2 فرارك من احسد ،أو قَ َ ال :من احسود ( ،)218 ،135/7ومصنف بن أيب شيبة (ُ ،)311/5 ومحـل علـى أعنـاق الرجـال ( )3سعد بن ايب وقاص بن مالك القرشي البدري ،شهد بدراً وأول من رمـى بسـه ٍم يف سـبيل هللا .مـات يف قصـره ابلعقيـق ُ ، ّ إىل املدينة سنة ( 55هـ) ،وصلّى عليه مروان بن احلكم .تذكرة احل ّفاظ .)22/1( ،مشاهري علماء احمصار .)8/1( ، ( )4رواه البخ ــا ِري يف ص ـ ِـعيعه ( ،)1281/3واللف ــظ ل ــه ،ومس ــلم (ِ ،)1737/4 وس ــنَن الرتم ــذي، َُ ّ َ ْ َ وص ــعْيا اب ــن ح ـ ّـنب (ُ ،)217/7 (.)378/3 لي. (ُ )5ع َكل :قبيلة فيهم ريباوة وقلّة فهم ،وهلذا يـُ َقال :لكل من فيه ريفلة ُ :ع َك ّ انظر :ابن منظور ،لسان العرب.)854/4( ، وعرينة لفظ ُمصغر .انظر :ابن منظور ،لسان العرب.)758/4( ، (ُ )6عرينة :حي من اليمنُ ، ص ِعْيعه ،ابب :أبوال اإلبل والدواب والغنم ومرابضها ( )92/1واللفظ له وراوه مسـلم وريـريه مبعنـاه (-1296/3 ي يف َ ( )7رواه البُ َخا ِر ّ ،)1298-1297وصعا ابن ِحبِان ( ،)321/10وسنن ِ ِ ِ وسنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى (.)127/8 ُ َ ّْ ّ الرتمذي(ُ ،)106/1 وقد فعل َسيِّدان عمر بن اخلطَّاب حينمـا م َّـر بطريقـه إىل الشـام علـى قـوم جمـذومني أن فـرض هلـم ش ــيئاً م ــن امل ــال ،وق ــد س ــار عل ــى ه ــذا اخللف ــاء وال ــوالة فخص ــص الولي ــد ب ــن عب ــد املل ــك( )1أعطي ــات للمجذومني وبىن ابن طوالن يف موضع مبسجده يف مصر ميضأة وخزانة شـراب هبـا احدويـة واحشـربة كمـا عني طبيباً يعاجل املرضى(.)2 « فالتطبيب واجب على الد َّْولَة مـن انحيـة كونـه شـأانً مـن الشـؤون الواجـب رعايتهـا ومـن انحيـة إ ّن عـدم توفري الطبيب ضرر على الناس ،فكان من هاتني الناحيتني فرضاً على الد َّْولَة»(.)3 وفوق هذا فإن الرسول أهدي إليـه طبيبـاً فجعلـه للمسـلمني ،فكـون الرسـول جـاءت اهلديـة لـه ومل يتصــرف هبــا ومل أيخــذها ،بــل جعلهــا للمســلمني دليــل علــى أن هــذه اهلديــة ممــا هــو لعامــة املســلمني وليست له. َساسيَّة جلميـع النـاس الواجـب علـى فهذه احمور الثالث :احمن والتعليم والتطبيب من احمور اح َ دل عليــه مــن الد َّْولَــة توفيهــا هلــم ،وهــي واجــب للفقــري والغــين س ـواء حهنــا حاجــة أساســية عامــة للنــاس ملــا ّ تعليم أوالد املسلمني يف بدر وأنه كان عام يشمل الفقري والغين. ريــري أنــه وإن كــان جيــب علــى الد َّْولَــة توفريهــا للنــاس ،فــال مينــع أحــد أن يوفرهــا لنفســه كــأن يقــيم ِ ـيب أن احجــرة حارسـاً لــه ولبيتـه أو يعلــم أوالده عنــد معلـم أو يتــداوى عنــد طبيـب أبجــرة ملــا روى عـن النَّـ ّ على التعليم من قول ــه « :إن أحق ما أخذمت عليه أجرا كتـاب هللا »( )4ومـن قولـه يف التطبيـب عـن أنـس ِ َّيب ريالماً فعجمه فأمر له بصـاع أو صـاعني»( )5وكانـت احلجامــة يف كلــك بن مالك قَ َ ال « :دعا الن ّ الوقـت من احدوية اليت يتطبب هبا مما يدل على جواز أن يوفر لنفسه التطبيب. السي ِ ِ اس ـيَّة االقتص ــادية يف َساس ـيَّة ،وهبــذا تك ــون ّ َ هــذا هــو الض ــمان إلشــباع مجي ــع احلاج ـات اح َ اإلســالم قــد يققــت هبــذه اححكــام يقق ـاً كليّ ـاً « ،فــإن إجيــاد أعمــال للقــادرين ،وضــمان نفقــة الفق ـراء ( )1الوليد بن عبد امللـك اخلليفـة احمـوي بُويـع لـه يـوم مـات والـده سـنة ( 86هــ) كثـرت يف ّأايمـه الفتوحـات يف إسـبانيا وخورسـان وبـالد الـرتك واهلنـد ، تُويف سنة ( 96هـ). َساسيَّة لكل فرد ويعمل لرفاهيته ،ص()31-30 ( )2البدري ،عبد العزيز :اإلسالم ضامن للعاجات اح َ السي ِ ِ اسيَّة االقتصادية املثلى ،ص(.)180 ( )3املالكي ،عبد الرمحنَ ّ : ( )4رواه ابن ماجة يف ُسنَنه.)156/1( ، ـاع أو صـ ِـعْيعه ،ابب :مــن كلّـ ّـم مـوايل العبــد أن خيففـوا عنــه مــن خراجــه )797/2( ،واللفــظ لــه ،ومســلم بلفــظ بصـ ٍ ي يف َ ( )5رواه البُ َخــا ِر ّ وسنَن البَـْيـ َه ِق ّي الكربى.)337/9( ، وم ْسنَد أيب عوانهُ ،)358/3( ، ُمدُ ،)1205/3( ، َساس ـيَّة لكــل فــرد مــن العــاجزين حقيقــة والعــاجزين حكم ـاً ،يتعقــق هبــا ضــمان إشــباع مجيــع احلاجــات اح َ السي ِ ِ اسيَّة االقتصادية املثلى يف اإلسالم(.)1 أفراد الرعية إشباعاً كليّاً ،وبه يتم يقق ّ َ المطلب الرابــع تحقيـــق قاعـــدة الرفـــاه فــي المجتمـــع اإلسالمــــي إ ّن اإلســالم بعقيدتــه وأفكــاره وأنظمتــه ومفاهيمــه ال بـ ّد وأن يتمثــل يف ســلوك أفـراده ،فهــو لــيس جمموعة إرشادات ومواعظ وال مثالً وأخيلة وإمنا عقيدة ونظـام ال بـد أن يتمثـل يف الشخصـيات والوقـائع، وهــذا مــا جعــل منــاكج إنســانية تعــيش ووقــائع عمليــة تتعقــق وســلوك وتصــرفات تشــهد ابلعــني ،وتســمع ابحكن وترتك آاثرها يف واقع احلياة ،ويف أطوار التـاريخ وكأمنـا كـان روحـاً يتلـبس هبـذه الشـخوص فيعوهلـا، ويص ــوريها ص ــيارية جدي ــدة وينش ــئها نش ــأة أخ ــرى .إن ــه اإلس ــالم ال ــذي ش ــهد العه ــود الس ــالفة يف أروع التطبيقات العملية يف شىت ميادين العدل االقتصادي بني الناس ويف سبيل توفري ويقيق وضمان مسـتوى العيش ووصوالً إىل يقيق الرفاة لكل الناس. العدالَـة االقتصــادية املثلــى وتلـك شــهادة مـن بطــون أوليــاء احمـور يقــدموهنا إىل العـامل ليــدلل علــى َ ٍ مطلب خاص دون وصـلها يف منابتهـا عـرب املباحـث خشـية أن تضـيع بـني السـطور ، آليت أن أقدمها يف فال تشكل تياراً حيّاً قوايً جياشاً. السي ِ ِ اسيَّة االقتصادية املثلى ،ص(.)181 ( )1املالكي ،عبد الرمحنَ ّ : -1تعزيز األموال يف كل والية: يف سـبيل جعـل حكـام الـوالايت أكثـر قـدرة علـى احلركـة والعطـاء أقـر عمـر بـن عبـد العزيـز نظامـاً ال مركـزايً يف بيــت املــال سـواء يف جبايــة احمـوال أو يف صــرفها فطبــق بــذلك نوعـاً مــن االكتفــاء الــذايت يف كل والية ،يف جباية احموال وصرفها على احتياجاهتا احمللية. وكــي يعــزز عمــر بــن عبــد العزيــز هــذا اإلج ـراء جعــل تبــادل املعــوانت املاليــة بــني الواليــة واملركــز احساســي يف العاصــمة أمـراً مفتوحـاً ،وكلــك لســد العجــز املــايل يف أي مــن الــوالايت يف حــال حدوثــه ويف السي ِ ِ اسـيَّة احلوار التايل بني عمر وعامله على إحدى الوالايت ْ اإلسالميَّة «أبو جملز » صورة واضعة هلذه ّ َ املالية املرنة. ـال أبــو جملــز لعمــر بــن عبــد العزيــز « :إنــك وضــعتنا مبنقطــع مــن فقــد نقــل الطـَّ َـربي يف اترخيــه :قَـ َ ـال أبـو جملــز « :أهـو لنـا أم ال عمـر « :اي أاب جملـز قبلـت احمـر» ،قَ َ الرتاب( ،)1فامحل إلينا احموال ،ف َق َ ـال أبــو جملــز « :فــال أنــت ـال عمــر « :هــو لكــم إكا أقصــر خ ـراجكم عــن أعطيــاتكم» .قَـ َ لــك؟ » ف َقـ َ ـال عمــر« :أمحلـه إلـيكم إن شـاء يمله إلينا ،وال حنن حنمله إليك ،وقد وضـعت بعضـه علـى بعـض » ف َق َ هللا»(.)2 ويف رسالة أخرى بعث هبا إىل عقبة بن زرعة الطائي( )3عامله على والية خراسـان كتـب لـه فيهـا يقــول :إن كــان اخلـراج-عنــدكم -كفافـاً حعطيــاتكم فــذاك ،وإال فاكتــب إيل ،حــىت أمحــل إليــك احمـوال، فتوفِّر هلم أعطياهتم ،فقام عقبـة إبحصـاء اخلـراج ،فوجـده يفضـل علـى أعطيـاهتم ،فكتـب إىل عمـر بـذلك، فأجابه عمر « :أن أقسم الفضل يف أهل احلاجة »(.)4 من خالل هذه التطبيقات العملية ندرك أن اإلسـالم قـد نظّـم وحـدة االقتصـاد يف الد َّْولَـة فجعـل بيوت احموال كلها بيتاً واحداً متضـامناً ،فلـو اسـتغنت واليـة وعجـزت واليـة أخـرى ،سـدت الواليـة الغنيـة عجــز احخــرى ،وقــد طبــق عمــر بــن عبــد العزيــز هــذه القاعــدة ،فــأمر أن تُسـ َّـد واليــة الشــام حاجــة واليــة ( )1مبنقطع الرتاب :أي منطقة جرداء قليلة الدخل واحملصول. ( )2خليل ،د .عماد الدين :مالما االنقالب اإلسالمي يف خالفة عمر بن عبد العزيز ،ص(.)125 (ُ )3عقبة بن زرعة الطائي ،روى عن علي و معاوية وروى عنه الوارث بن صخر .انظر :الثقات.)227/5( ، ()4خليل ،د .عماد الدين ،املرجع السابق ،ص(.)126 اإلســالميَّة وح ــدة الع ـراق يف رد املظــامل ،حــني مل يكــف مــال الع ـراق يف ّ ردهــا ،وهك ــذا ص ــارت الوالي ــات ْ اقتصادية متكاملة ومتساندة ،يسد بعضها حاجات بعض(.)1 -2تعزيز املرافق العامة: َساس ـيَّة للدول ــة يف اإلس ــالم أن َهت ـتم ابملراف ــق العام ــة ،وأن تعم ــل عل ــى تعزيزه ــا م ــن الوظ ــائف اح َ وتطويرها ،وإثرائها وكل مرفق عام يشرتك فيه العمـوم ،ويتعقـق بـه النفـع العـام مـن ريـري اختص ـاص أبح ـد، َساسيَّة للدول ،تقوم به وتشرف عليه. يعتبـر االهتمـام بـه وظيفـة من الوظائف اح َ ومــن التطبيقــات العمليــة مــا نقــل عــن عمــر بــن اخلطـَّـاب رضــي هللا عنــه يف التوســعة علــى العامــة واهتمامه بطرق املواصالت الربيّة والبعريّة والنهريّة ،تيسرياً للسبل على الناس ،وتنشـيطاً للتجـارة ،وتـوفرياً للطرق املتنوعة هلا. فقد كتب عمر بن اخلطَّاب إىل َع ْمرو بن العاص( )2عامله على واليـة مصـر ،أن يقـدم عليـه هـو ومجاعة من أهل مصر ليطلعهم على رأيه يف حفر خليج يصل النيـل ابلبعـر فتقصـر بـذلك املسـافات بـني ال عمر بن اخلطَّاب رضي هللا عنـه « :اي َع ْمـرو ،إن هللا فـتا علـى املسـلمني الوالايت ،فقدموا عليه ،ف َق َ أحببت من الرفق أبهل احلـرمني والتوسـيع علـيهم حـني مصر ،وهي كثرية اخلري والطعام وأُلقي يف روعي ملا ُ فتا هللا عليهم مصر وجعلها قوة هلم وجلميع املسلمني :أن أحفر خليجاً من نيلها حـىت يسـيل يف البعـر، فهو أسهل ملا نريد من محل الطعام إىل املدينة ومكة ،فإن محلـه علـى الظهـر ( أي علـى ظهـر اإلبـل ب ّـراً ) يبعد ،وال نبلغ منه ما نريد ،فانطلق أنت وأصعابك فتشاوروا على كلك حىت يعتدل فيه رأيكم ». فانطلق َع ْمرو بن العاص ،فأخرب بذلك من كان معه مـن أهـل مصـر ،فثقـل كلـك علـيهم وقَـالوا: نتخوف أن يدخل يف هـذا ضـرر علـى أهـل مصـر ،فنـرى أن تُعظّـم كلـك علـى أمـري املـؤمنني ونقـول لـه« : إن هذا احمر ال يعتدل وال يكون ،وال جند إليه سبيال ،فرجع َع ْمرو إىل عمـر بـن اخلطَّـاب فضـعك عمـر ـال « :والــذي نفســي بيــده لكــأِن أنظــر إليــك اي َع ْمــرو وإىل أصــعابك حــني أخــربهتم مبــا حــني رآه وقَـ َ أمـرتكم بــه مــن حفــر اخللـيج ،فثقــل كلــك علــيهم وقَــالوا :يــدخل يف كلــك ضــرر علــى أهــل مصــر ،فعجــب ـال :صــدقت وهللا اي أمــري املــؤمنني لقــد كــان احمــر علــى مــا ككــرت، َع ْمــرو بــن العــاص مــن قــول عمــر وقَـ َ ال عمر :انطلق اي َع ْمـرو بعزميـة مـين حـىت َّـد يف كلـك وال أييت عليـك احلـول حـىت تفـرغ منـه إن شـاء ف َق َ (َ )1سيِّد احهل ،عبد العزيز :حضارة اإلسالم ،ص(.)153 (َ )2ع ْمرو بن العاص ،القرشي ،السهمي ،صعايب جليل ،وداهية الدهاة .فاتا مصر ،كان يف اجلاهليّة من احشداء ،وأسلم يف صلا احلديبيّة .تويف سنة (43هجرية) .انظر :أسد الغابة.)115/4(، هللا » وانصــرف َع ْمــرو بــن العــاص ،ومجــع لــذلك مــن العمــال مــا بلــغ منــه مــا أراد ،وحفــر اخللــيج الــذي يف جانــب الفســطاط الــذي ي َقــال لــه خلــيج أمــري املــؤمنني ،فســاقه مــن النيــل إىل البعــر احمحــر ،فمــا أيت احلول حىت جرت فيـه السـفن ،فعمـل فيـه ونفـع هللا بـذلك أهـل احلـرمني ،ومس ّـي « خلـيج أمـري املـؤمنني » مث مل يزل ُحيمل فيه الطعام ،حىت محل فيه أيضاً بعد كلك عمـر بـن العزيـز مث ضـيعه الـوالة بعـد كلـك فـرتك الرمل فانقطع »(.)1 وريلب عليه ُ ومــن التطبيق ــات العمليــة م ــا ورد مــن اهتم ــام ابلــغ يف يس ــني وســائل ال ــري وحف ــر اآلابر وش ــق احهنــار لتعســني الزراعــة ،فقــد كتــب القاضــي أبــو يوســف يف « كتــاب اخل ـراج » الــذي رفعــه إىل هــارون الرشيد يقول له فيه « :ورأيت أن أتمر عمـال اخلـراج إكا أاتهـم قـوم مـن أهـل خـراجهم ،فـذكروا هلـم أن يف ـري بالدهم أهناراً عادية قدمية ،وأرضني كثرية ريامرة ،وإهنم إن استخدموا هلم تلـك احهنـار واحتفروهـا ،وأ ْ ُج َ احرضون الغامرة وزاد كلك يف خراجهم ،أن يكتبـوا بـذلك إليـك ،فتـأمر رجـالً مـن املاء فيهاَ ،ع ُمَر ْ ت هذه ُ أهــل اخلــربة والصــالح ويوثــق بدينــه وأمانتــه ،فتوجهــه يف كلــك حــىت ينظــر فيــه ويســأل عنــه أهــل اخلــربة بــه والبصــرية ،ومــن يوثــق بدينــه وأمانتــه مــن أهــل البلــد ...فــإكا اجتمع ـوا علــى أن يف كلــك صــالحاً وزايدة يف اخل ـراج ،أمــرت حبفــر تلــك احهنــار وجعلــت النفقــة مــن بيــت املــال وال يمــل نفقــة كلــك علــى أهــل البلــد، فــإهنم أن يـَ ْعمـ ُـروا خــري مــن أن َخيَْربـوا ،وأن يَفــروا ( أي الــوفرة والغــىن) خــري مــن أن يــذهب مــا هلــم ويعجــزوا كل ما فيـه مصـلعة حهـل اخلـراج يف أراضـيهم وأهنـارهم وطلبـوا إصـالح كلـك هلـم أجيبـوا إليـه إكا مل يكـن و ُّ فيه ضرر على ريريهم »(.)2 -3توفري فرص العمل لكل مواطن: ملا كان العمل يهيئ للفرد ضماانته يف حاجاته كان ال ب ّد من أجر على هذا العمـل وكـان ال بـ ّد أيضاً يف مسـتوى هـذا احجـر أن ال يقـل عـن حـ ِّد بـدوره إىل تقريـر قاعـدة أساسـية تـتلخص يف عـدم جـواز َساسـ ـيَّة للف ــرد م ــن مأك ــل ومل ــبس هب ــوط مس ــتوى احج ــور ع ــن احلـ ـ ّد ال ــذي يكف ــل إش ــباع احلاج ــات اح َ ومشرب ومسكن ،كعد أدىن يف كلك »(.)3 ( )1الطنطاوي ،علي :أخبار عمر ،ص(.)138-137 ( )2أبو يوسف :اخلراج ،ص(.)110-109 ( )3إبراهيم ،د .عيسى عبد :القرآن والدراسات االقتصادية ،ص( ،)291-269حماضرة مطبوعة مع جمموعة احملاضـرات العامـة للموسـم الثقايف الثالث جبامعة احزهر سنة 1961-1960م. ولــذلك كــان مــن وظيفــة الد َّْولَــةيف اإلســالم كمــا ورد عــن عمــر بــن اخلطـَّـاب رضــي هللا عنــه تــوفري احلرفــة لكــل النــاس ،وســد حاجـاهتم ،فقــد وقــف أمــري املــؤمنني عمــر يومـاً ليــودع أحــد والتــه قبــل ســفره إىل الوالية اليت سيعكمها وألقى عليه السؤال التايل: ـال عمـر « :وإكن فـإن جـاءِن مـنهم جـائع أو « ما كا تفعل إكا جـاءك سـارق؟ » فأجابـه :أقطـع يـده ،ف َق َ عاطـل فسـوف يقطــع عمـر يــدك ،إ ّن هللا اسـتخلفنا علــى عبـاده لنسـد جــوعتهم ونسـرت عــورهتم ونـوفر هلــم حرفتهم فإكا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها ،اي هذا إن هللا خلق احيـدي لتعمـل ،فـإكا مل ـد يف الطاعة عمالً التمست يف املعصية أعماالً ،فأشغلها ابلطاعة قبل أن تشغلك ابملعصية(.)1 -4ضمان للعاطلني عن العمل: ويف كتاب اخلليفة الراشد علي بن أيب طالب رضي هللا عنه إىل واليه علـى مصـر خـري دليـل علـى تقــومي حاجــة الفــرد وتوفريهــا لــه فهــو يقــول لــه « :مث هللا هللا يف الطبقــة الســفلى الــذين ال حيلــة هلــم :مــن املســاكني واحملتــاجني وأهــل البــؤس والــزمىن ،فــإن يف هــذه الطبقــة قانعـاً ومعـرتاً .واحفــظ هللا مــا اســتعفظك مــن حقــه فــيهم واجعــل هلــم قســماً مــن بيــت املــال وقســماً مــن ريــالت ص ـوايف اإلســالم يف كــل بلــد ،فــإن لألقصى مثل الذي لألدىن .وكل قد اسـرتعيت حقـه ،فـال يشـغلك عـنهم بطـر ،فإنـك ال تعـذر بتضـييعك التافه النشغالك ابلكثري املهم ،فال تشخص مهك عنهم ،وال تصعر خدك هلم .وتفقـد أمـور مـن ال يصـل إليــك مــنهم ،ممـّـن تقتعمــه العيــون ،ويقــره الرجــال ففــرغ حولئــك وقتــك مــن أهــل اخلشــية والتواضــع فلريفــع إليك أمورهم مث اعمـل فـيهم ابحعـذار إىل يـوم تلقـاه ،فـإن هـؤالء مـن بـني الرعيـة أحـوج إىل اإلنصـاف مـن الرقـة يف السـن فمـن ال ريريهم وكل معلق بك فاعذر إىل هللا يف أتدية حقه إليهم ،وتعهد أهل اليُـتم وكوي ّ حيلة له ،وال ينصب للمسألة نفسه ». َساس ـيَّة للدولــة يف نظ ــام اإلســالم تــوفري ف ــرص العمــل لك ــل م ـواطن ولك ــن إن مــن الوظــائف اح َ الناس يف جمال العمل أصناف أربعة: .1واجدون للعمل وكفايتهم منه وهؤالء ال حاجة لتوفري كفايتهم. .2واجدون للعمل دون يقيق كفايتهم منه. .3ريري واجدين للعمل أصالً مع قدرهتم عليه. .4عاجزون عن العمل. ( )1الغََزايل ،حممد :ظالم من الغَْرب ،ص(.)181 واحصــناف الثالثــة احخــرية تلتــزم الد َّْولَــة رعايتهــم علــى حنــو يوفــر هلــم حــاجتهم وكفــايتهم حــىت ينــتظم شأهنم. فالواجــدون للعمــل دون كفــايتهم أو الفاقــدون للعمــل مــع قــدرهتم عليــه ،فهــؤالء قــد ككــر اإلمــام ـال « :ويُعطــى منهــا-أي الزكـاة -الفقــري واملســكني مـا خيرجهمــا مــن احلاجــة النـووي( )1وســيلة رعــايتهم ف َق َ إىل الغىن ،وهـو ما يصـل به الكفايـة علـى الدوام وهذا هو نص الشَّافِعِي رمحه هللا. فـإن كانــت عادتــه االحـرتاف :أعطـي مــا يشــرتي بــه حرفتـه أو آالت حرفتــه ،قلّ ت قيمــة كلــك أم كثــرت ،ويكــون قــدره حبيــث حيصــل لــه مــن رحبــه مــا يفــي بكفايتــه عامـاً تقريبـاً ،وخيتلــف كلــك ابخــتالف احلرف ،والبالد ،واحزمان ،واحشخاص ،وتقريب كلك: تتأت له الكفاية أبقل منها. إ ّن من كانت حرفته بيع اجلوهر ،يعطى عشرة آالف درهم مثالً،إكا مل َصرافاً ،أعطي بنسبة كلك. من كان اتجراً ،أو خبّازاً أو عطّاراً ،أو ّقصــاابً أو ريـريهم مــن أهــل الصــنائع ،أعطــي مـا يشــرتي بــه ضــيعة أو حصــة ومـن كــان خيّاطـاً أو جنّــاراً أو ّيف ضيعة تكفي علتها على الدوام. فــإن مل يكــن حمرتف ـاً ،وال حيســن صــنعة أص ـالً ،وال ــارة ،وال شــيئاً مــن أن ـواع املكاســب :أعطــي كفايته العمر الغالب حمثاله يف بالده وال يتقدر كلك بكفاية سنة(.)2 فــذكر البغــوي( )3والغَـ َـزايل وريريمهــا مــن اخلراســانيني :أنــه يعطــى كفايــة ســنة وال يــزداد ،حن الزكــاة الصـ ِـعْيا احول وهــو كفايــة العمــر( )4وهــو املــذهب تتكــرر كــل ســنة ،فيعصــل كفايتــه منهــا ســنة فســنة ،و َ الص ِعْيا الذي قطع به العراقيون ،وكثري من اخلراسانيني ،ونص عليه الشَّافِعِي رمحه هللا(.)5 َ مري أبـو زكـراي النـووي ،الفقيـه احلـافظ الزاهـد الشَّـافِعِي ،ولـد سـنة 631ه ـ يف نـَوا مـن قـرى حـوران يف ( )1النووي :هو حيىي بن شرف بن ّ سوراي ،وتويف سنة 676هـ. الشافِعِي ة البن هداية هللا ،احعالم .)184/9( ، انظر :طبقات الشَّافِعِي ة البن شهبه .)194/2( ،طبقات َّ ()2وميكننا أن نعترب أن نطاق املستفيدين من هؤالء حمصـور فـيمن ال حيسـن صـنعة أصـالً ويعجـز عـن مباشـرة أي عمـل ،أمـا مـن كـان قـادراً ِ ـيب الحـظ فيهـا لغـين على كلك وريري واجد له ،فيعطى كفايته ريثما تـوفر لـه فرصـة العمـل فـيعلم ،أو ميتنـع فتتوقـف معونتـه وكلـك لقـول النَّ ّ وال لقوي مكتسب ،رواه أبو داود والنسائي ( اجملموع للنووي .)197/6 الشــافِعِي املفســر ،الفقيــه ،نســبة إىل (بغــا) مــن ( )3البغــوي ،هــو احلســني بــن مســعود البغــوي ،الشــيخ العالمــة القــدوة احلــافظ حميــي الســنةَّ ، قــرى خراســان .ولــد ســنة ( 436هجريــة) وتــويف مبــرو الصــغرى ،ســنة ( 516هجريــة) .انظــر :الطبقــات الكــربى ،)47/7( ،ســري أعــالم النبالء.)439/19( ، ِ ِ ةاالجت َماعيَّـة حنــو َّولَ ْ ( )4وأايًكـان اخلـالف يف تقـدير العطــاء هنـا بكفايـة العمــر أو بكفايـة السـنة فـإن جــوهر اخلـالف هنـا يؤكــد مسـؤولية الد ْ العاطلني عن الع مل أو العاجزين عنه ،أو الواجدين له دون كفاية وما جيب عليهم لكفايتهم وإرينائهم. ( )5النووي :اجملموع (.)203-202/6 -5ضمان للمواليد اجلدد: ض َـارة املعاصـرة يظن كثري من الناس أن فـرض راتـب شـهري لكـل مولـود جديـد هـو مـن نتـائج احلَ َ اإلســالميَّة منــذ والتنظيمــات املدينــة احلديثــة ،بينمــا كــان هــذا اإلج ـراء نظامـاً مقــرراً ومعمــوالً بــه يف الد َّْولَــة ْ َساسـيَّة ،ولكـن مـع فـارق جـوهري واحـد ،وهـو بزوريها يف القرن السابع للميالد كجزء من أنظمـة الد َّْولَةاح َ اإلسالميَّة ال تقتصر يف فـرض هـذا الراتـب حوالد مـوظفي الد َّْولَـة فقـط كمـا هـو بشـأن احنظمـة أن الد َّْولَة ْ احلديثة ،بل هي تفرض هذا الراتب الشهري لكـل مولـود جديـد موظفـاً كـان والـده أو ريـري موظـف حبيـث يشمل هذا الضمان أوالد املواطنني مجيعاً. وقــد كــان عمــر بــن اخلطَّــاب رضــي هللا عنــه يف أول احمــر ال يفــرض راتب ـاً إال للمولــود الــذي متّ فطامــه فأصــبا يتعجلــون فطــام أوالدهــم حــىت يصــرف هلــم عطــاؤهم وملــا علــم عمــر بــذلك أمــر مناديــه أن ـال :وكتـب ينادي يف الناس « :أن ال تعجلوا أوالدكم عن الفطام فـإان نفـرض لكـل مولـود يف اإلسـالم ،قَ َ بذلك عمر يف اآلفـاق ابلفـرض لكـل مولـود يف اإلسـالم »( .)1واحصـل يف كلـك ،مـا رواه لنـا عبـد الـرمحن ـال يل عمــر :هــل لــك أن ـال « :قــدمت رفقــة مــن التجــار إىل املدينــة ،فنزل ـوا املصــلى ،ف َقـ َ بــن عــوف( )2قَـ َ حنرسهم الليلة من السرق؟ فباات حيرساهنم ،ويصليان ما كتب هللا هلما. ـال حمـه« :اتَِق ّـي هللا وأحسـين إىل صـبيك» ،مث عـاد إىل فسمع عمر بكاء صيب ،فتوجـه حنـوه وقَ َ ال هلا « :اتَِق ّـي هللا وأحسـين إىل صـبيك» مث عـاد إىل مكانـه ،فلمـا مكانه فسمع بكاءه ،فعاد إىل أمه ف َق َ ـال هلـا « :وحيـك إِن حراك أم سـوء ،مـايل أرى ابنـك ال يقـر كان من آخر الليل مسع بكاءه فأتى أمه وقَ َ ( أي ال يســكت ) منــذ الليلــة؟ » قَالَــت :اي عبــد هللا قــد أبــرمتين (أضــجرتين) منــذ الليلــة ،إِن أريــده عــن ـال :وكـم لـه (أي مـن العمـر)؟ قَالَـت ـال :ومل؟ قَالَـت :حن عمـر ال يفـرض إال للفطـيم .قَ َ الفطام فيـأ ..قَ َ ال وحيك ال تعجيله .فصلى عمر صالة الفجـر ،ومـا يسـتبني النـاس قراءتـه مـن ريلبـة :كذا وكذا شهراً .قَ َ ال :اي بؤساً لعمر ،كم قتل من أوالد املسـلمني؟ مث أمـر مناديـه فنـادى :أن البكاء ،فلما سلّم من صالته قَ َ ال تعجلوا أوالدكم عن الفطام ،فإنـا نفـرض لكـل مولود يف اإلسالم ،وكتـب بـذلك عمـر إىل اآلفـاق ( أي إىل سائر البالد) (.)3 ( )1بن سالم ،أبو عبيد القاسم :احموال ،ص(.)338 ( )2عبــد الــرمحن بــن عــوف ،القرشــي ،ولــد بعــد الفيــل بعشــر ســنني ،كــان أحــد الســابقني إىل اإلســالم ،وهــو أحــد العشــرة املبشـرين ابجلنــة، شهد املشاهد كلّها مع رسول هللا . تويف سنة ( 31هجرية) ابملدينة .انظر :أُسد الغابة.)480/3( ، ( )3الطنطاوي ،علي :أخبار عمر ،ص(.)370 ولقد وصـف خالـد بـن عرفطـة عطـاءات الـدلو لألطفـال زمـن عمـر بـن اخلطَّـاب رضـي هللا عمـه، ال « :وما من مولود يولد إال أُحلق يف مائة وجربني كل شهر ،ككر كان أم أنثى ،وما يبلغ لنـا ككـر إال ف َق َ أحلق على مخسمائة أو ستمائة(.)1 وممــا يــدعو للتأمــل ،أن هــذا النِّظَــام مل يتوقــف بوفــاة عمــر رضــي هللا عنــه ،حنــه ســلوك فــرد يف ّأمــة َساسـيَّة لكـل مـواطن .ومـن كلـك يف وإمنا هو تعبري عن جوهر اإلسالم يف حرصه علـى تـوفري احلاجـات اح َ عهد عثمان بن عفان رضي هللا عنه ما رواه لنا أبو عبيد القاسم بـن سـالم (عـن) حممـد بـن هـالل املـديين ـال حهلـه :مـايل ال :حدثين أيب عن جديت « :أهنا كانت تدخل على عثمان بن عفان ففقدها يومـاً ف َق َ قَ َ ال أرى فالن ــة؟ ف َقالَـ ــت امرأت ـ ـه :اي أم ــري املـ ــؤمنني ولـ ــدت الليلـ ــة ريالم ـ ـاً ،قَالَـ ــت (أي جدتـ ــه) :فأرسـ ــل ـال هــذا عطــاء ابنــك وهــذه كسوتــه، خبمســني درمهـاً وشــقيقة ســنبالنية( ،أي مــن قمــاش وافــر الطــول) مث قَـ َ فـإكا م ّـرت به سنة رفعناه إىل مائة»(.)2 ومن كلك أيضـاً يف عهـد علـي رضـي هللا عنـه ،مـا رواه لنـا أبـو عبيـد القاسـم بـن سـالم (عـن) أيب اجلعـاف الُ « :ولـد لـي ولـد فأتيت علياً رضي هللا عنه فأثبته يف مائة »(.)3 (عن) رجل من خثعم قَ َ ومـن كلــك أيضـاً يف عهــد عمـر بــن عبــد العزيــز رضــي هللا عنـه مــا رواه لنــا أبــو عبيـد القاســم بــن ســالم عــن ال « :أثبتين عمر بن عبد العزيز وأان فطيم يف عشرة داننري»(.)4 مروان بن شجاع اجلزري ،قَ َ وقــد نظّــم عمــر بــن عبــد العزيــز رضــي هللا عنــه رواتــب املوالي ـد اجلــدد ،وجعــل كلــك نظام ـاً عام ـاً يف اإلسالميَّة « :ارفعـوا إلينـا كـل منفوس نفرض له»(.)5 الدولة ،فكتب إىل عامله يف الوالايت ْ اإلســالميَّة تفــرض هلــم عطــاءات إضــافية تعــوهلم، وأمــا احطفــال الــذين فقــدوا آابءهــمَّ ، فالش ـ ِر َيعة ْ ()6 ال رسول هللا « :مـن ترك ماالا فلورثته ومـن تـرك َكـالا فإلينـا » ال :قَ َ فعن أيب هريرة رضي هللا عنه قَ َ ( )1الطنطاوي ،علي :أخبار عمر ،ص(.)108 ( )2بن سالم أبو عبيد القاسم :احموال ،ص(.)339-338 ( )3بن سالم أبو عبيد القاسم :احموال ،ص(.)339 ( )4بن سالم أبو عبيد القاسم :احموال ،ص(.)339 ( )5ابن سعد :الطبقات الكربى ،ص(.)225 ص ـ ِـعْيعه ،ابب :الص ــالة عل ــى م ــن ت ــرك دين ـاً ،)845/2( ،ومس ــلم ابب :م ــن ت ــرك م ــاالً فلورثت ــه،)1238/3( ، ي يف َ ( )6رواه البُ َخ ــا ِر ّ ِ ِ وسنَن ابن ماجة .)914/2( ، َ وسنَن البَـْيـ َهق ّي الكربىُ .)201/6( ، وصعْيا ابن حبّانُ ،)397/3( ، ِ ِ ـيب للذريّـة يف املـال حقـاً ضـمنه قَ َ ال أبو عبيد بن سالم « :ال َك ُّل هو كل عيّل والذرية منهم ،فجعـل النَّ ّ هلم »(.)1 ِ ـيب قَـ َ ـال « :أان أوىل بكــل مــؤمن مــن نفســه مــن تــرك مــاالا ويف احلــديث النبــوي أيض ـاً أن النَّـ ّ ـإيل و علـ ّـي »( )2والضــياع هــم احوالد الضــعاف الــذين ال يقــدرون فلورثتــه ومــن تــرك دين ـا أو ضــياعا فـ ّ الش ـ ِر َيعة، علــى الكســب ولــيس هلــم مــا يقــوم مبعيشــتهم ،فمــن تــرك ضــياعاً فهــذا ضــمان هلــم جــاءت بــه َّ ِ َّيب كـان يعـول النـاس من بيـت املـال ،وكالمـه دستور وتشريع »(.)3 وبيـان الن ّ َساسـيَّة وهــذا الضــمان الرائــع الــذي جــاءت بــه َّ الشـ ِر َيعة ْ اإلســالميَّة ،هــو وظيفــة مــن الوظــائف اح َ للدولــة ،حن عليهــا واجــب الرعايــة ملواطنيهــا ،ولــذا كــان مــن حــق كــل وليــد يف احمــة أن جيــد مــن الكفايــة الغذائيــة ،والرعايــة الرتبويــة مــا جيــده كــل وليــد آخــر ،فــإكا كــان دخــل أبويــه ،أو ظروفهــا املعيشــية ال متكنهــا مــن تــوفري الفرصــة املناســبة لــه ،فــإ ّن علــى الد َّْولَــة أن توفرهــا لــه ولغــريه مــن املواليــد اجلــدد ،حــىت ال يصــبا تكافؤ الفرص خرافـة ابلنسـبة هلـذا الطفـل ،إكا نشـأ انقـص التغذيـة أو مهمـالً يف البيئـة بينمـا هنـاك أطفـال حمظوظــون تتــاح هل ــم هــذه الفرصــة مــن دونــه يف احليــاة ومــن حــق كــل طفــل بعــد أن جيــد العل ــم والرعايــة الصــعية ،وأن جيــد فرصــة العمــل يف شــبابه حبســب طاقاتــه ومواهبــه ،ويف هــذه املرحلــة التاليــة فقــط يصــبا للتفاوت الطبيعي حقه ،حنه حينئذ يكون تفاواتً انشئاً عن التفاوت يف القدرات واملواهب(.)4 الش ـ ِر َيعة تنطــوي علــى حلــول اجتماعيــة واســعة يف هــذا اجملــال ،ال جيــوز أن يتخلــف وبعــد ،فــإن َّ عنها جمتمع يف عاملنا املعاصر. فمن واجب الد َّْولَةرعاية شؤون الطفـل « والعنايـة أبيتـامهم مـن رعـايتهم وتعلـيمهم وإبعـادهم عـن التشرد والضيـاع بك ــل وسـيلة مشـروعة كإنشــاء دور لأليتــام واملـدارس واملالجـئ وريريهـا »( )5وينطبـق هـذا احلكم على اللقطاء الذين ال يعرف هلم أب وال أم فرعايتهم واجبة على الد َّْولَةوقد « قـرر فقهـاء اإلسـالم ( )1بن سالم أبو عبيد القاسم :احموال ،ص(.)337 ِ فأميـا مـؤم ٍن تـرك َّيب أوىل ابملؤمنني من أنفسهم عـن أيب هريـرة بلفـظ « :مـا مـن مـؤم ٍن إالّ وأانل أوىل النـاس بـهّ ، ( )2رواه البُ َخا ِر ّ ي ،ابب :الن ّ صـ ِـعْيعه واللفــظ لــه ،)592/2( .واملنتقــى البــن مــاالً ،فلريثــه عصــبته مــن كــانوا فــإن تــرك دين ـاً أو ضــياعاً فليــأتين وأان مــواله » ومســلم يف َ ِ اجلارود (ِ ،)83/1 وسـنَن الـد َ ِ وسـنَن أيب َ ين ُ ،)85/4( ، وسـنَن البَـْيـ َهق ّـي الكـربىُ ،)206/03 ، وصعْيا ابن حبّـانُ ،)186/1( ، َّارقُطْ ّ داوود.)137/3( ، ()3اخلويل ،البهي :نظام الثروة يف اإلسالم ،ص(.)328 ْمساليَّة ،ص(.)48 ( )4قطبَ ،سيِّد :معركة اإلسالم و َّ الرأ ُ ( )5اخلياط ،د .عبد العزيز :اجملتمع املتكامل يف اإلسالم ،ص(.)243 وجوب التقـاط الطفـل ملـن وجـده لـئال ميـوت وأوجبـوا لـه مـن احلقـوق مـا لغـريه إك ال جريـرة لـه وال كنـب بـه هو لبنة صاحلة ال بد من رعايتها والعناية هبا حىت تسد ثغرة يف اجملتمع اإلسالمي »(.)1 يقــول احســتاك عبــد هللا عل ـوان « :وقــد راعــى اإلســالم نفســية اللقــيط فأعطــاه احلقــوق املمنوحــة الش ْرعي دون أن يكـون بينهمـا متييـز أو تفريـق فيجـب تربيـة اللقـيط وتعليمـه القـراءة والكتابـة واحلرفـة للولد َّ وتسند إليه الوظائف وتقبل شـهادته ويعتـرب مسـؤوالً عـن مجيـع تصـرفاته وأعمالـه حـىت ال يشـعر بنفسـه أنـه مهــل مــن ســقط املتــاع وحــىت ال تتولــد يف تصــوراته مركبــات الــنقص والعقــد النفســية وهبــذه املعاملــة احلســنة نكــون قــد أعــددان مواطن ـاً صــاحلاً يــنهض بواجباتــه ويضــطلع مبســؤولياته فــال يشــعر بــنقص وال يســبا يف متاهات اهلواجس واحفكار(.)2 -6ضمان لورامل والعجزة والشيوخ: لقــد يــدث فقهــاء اإلســالم عــن مســؤولية الد َّْولَــة ــاه مواطنيهــا ،وبين ـوا أن جــزءاً مــن مص ـارف بيت املال يصرف إىل دواء الفقـراء واملرضـى وعالجهـم وإىل أكفـاف املـوتى الـذين ال مـال هلـم ،وإىل نفقـة اللقــيط وعقــل جنايتــه( )3كمــا جنــد اخللفــاء أيضـاً قــد اهتمـوا بتلــك الرعايــة أشــد االهتمــام ،وفصــلوا القــول فيها ،ومن كلك كتاب اإلمام علي رضـي هللا عنـه إىل واليـه علـى مصـر ،وفيـه يـذكره ابملسـاكني واحملتـاجني وأهل البؤس ،واملرضى واليتـامى ،وكوي الرقـة يف السـن ،وكوي احلاجـة ،ممّـن ال ينصـبون للمسـألة أنفسـهم فنجده يقول له يف كتاب له: « مث هللا هللا ،يف الطبقة السفلى ،من الـذين ال حيلـة هلـم مـن املسـاكني واحملتـاجني وأهـل البـؤس، والــزمين ،فــإن يف هــذه الطبقــة قانعـاً ومعـرتاً واحفــظ مــا اســتعفظك مــن حقــه فــيهم واجعــل هلــم قســماً مــن بيــت املــال ،وقســماً مــن ريــالت صـوايف اإلســالم يف كــل بلــد ،فــإن لألقصــى مثــل الــذي لــألدىن .وكــل قــد اسـرتعيت حقــه ،فــال يشــغلك عـنهم بطــر ،فإنــك ال تعــذر بتضــييعك التافـه النشــغالك ابلكثــري املهــم ،فــال تشخص مهك عنهم ،وال تصـعر خـدك هلـم .وتفقـد أمـور مـن ال يصـل إليـك مـنهم ،ممّـن تقتعمـه العيـون، ويق ــره الرج ــال فف ــرغ حولئ ــك وقت ــك م ــن أه ــل اخلش ــية والتواض ــع فلريف ــع إلي ــك أم ــورهم مث اعم ــل ف ــيهم ابحعذار إىل يوم تلقاه ،فإن هؤالء من بني الرعية أحوج إىل اإلنصاف مـن ريـريهم وكـل معلـق بـك فاعـذر ( )1الطيار ،عبد هللا بن حممد بن أمحد :التكافل االجتماعي يف الفقه اإلسالمي ،ص(.)67 ( )2علوان ،عبد هللا :التكافل االجتماعي يف اإلسالم ،ص(.)80 ( )3الكاساِن :بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع.)69/2( ، الرق ــة يف الس ــن فم ــن ال حيل ــة ل ــه ،وال ينص ــب إىل هللا يف أتدي ــة حق ــه إل ــيهم ،وتعه ــد أه ــل اليُ ــتم وكوي ّ للمسألة نفسه »(.)1 العبَّاس ــي أيم ــر إبج ـراء احرزاق عل ــى القواع ــد م ــن النس ــاء ال ــاليت ال وكــان اخلليف ــة « املنص ــور » َ هلن ،وعلى احيتام ،والعميان. أزواج ّ وكــان اخلليفــة «املهــدي» بعــده أيضـاً أيمــر إبجـراء أرزاق مســتدمية للمجــذومني ،وكــان طــاهر بــن احلسن يدعو ولده حني استعمله املأمون على والية «الرقة» إىل تعاهد أهل البيـواتت ممـن دخلـت علـيهم احلاجة فيتعمل مؤونتهم ،ويصلا حالتهم ويقول لولده: « تعاهـد كوي البأسـاء وأيتـامهم وأراملهـم واجعــل هلـم أرزاقـاً مـن بيــت املـال إقتـداء أبمـري املــؤمنني «املأمون» يف العطـف عليهـم ،والصلة هلم ،ليصلـا هللا بذلك عيشهم ويرزقك بركة وزايدة»(.)2 ـال « :كـم معـك مـن مر على عثمان رضي هللا عنه ف َق َ روى أبو عبيد أن اخليار بن أوىف النهدي َّ ال :قد فرضنا لك كـذا وكــذا ولعيالك مائة مائة» (.)3 ال إن معي كذا وكذا .ف َق َ عيالك اي شيخ؟ ف َق َ وجـاء يف كتــاب خالـد بــن الوليــد إىل أهـل احلــرية « وجعلــت هلـم أميــا شــيخ ضـعف عــن العمــل أو إصــابته آفــة مــن اآلفــات أو كــان رينيـاً فــافتقر وصــار أهــل دينــه يتصــدقون عليــه طرحــت جزيتــه وعيــل مــن بيت مال املسلمني وعياله ما قام بدار اهلجرة ودار اإلسالم »(. )4 ُّصوص وريريها من التطبيقات العملية كلها صرحية يف مسؤولية الد َّْولَة عن ضمان هـؤالء فهذه الن ُ كلهــم ،وتــوفري الكفايــة ،فمــن كــان قــادراً علــى العمــل كــان علــى الد َّْولَــة أن هتيــئ لــه فرصــة مناســبة للعمــل مــن ومل تــتا لــه فرصــة العمــل أو كــان عــاجزاً عنــه ،فعلــى الد َّْولَــة أن تضــمن لــه حقــه يف االســتقامة واهلــون بتوفري الكفاية له يف مستوى العيش الكرمي(.)5 -7ضمان رواتب اجلند وكفالة أسرهم: ( )1الصدر ،حممد ابقر :اقتصادان ،ص(.)620-619 ( )2النمر ،د .عبد املنعم النمر :اإلسالم واملبادئ املستورة ،ص(.)110-109 ( )3بن سالم ،أبو عبيد القاسم :كتاب احموال ،ص( .)351 ( )4أبو يوسف :كتاب اخلراج ،ص(.)144 ( )5الصدر ،حممد ابقر :اقتصادان ،ص(.)621-620 اجلــيش هــو الســياج احلقيقــي للدولــة ،وهــو الــذي يق ــوم عل ــى محاي ــة الــبالد وال ــدفاع عنهــا ،ي ــرد الطــامعني ،ويقاتــل يف ســبيل هللا واملستضــعفني ،وحيــرر النــاس ليخــرجهم مــن عبــادة العبــاد إىل عبــادة هللا وحـده ،وفقـاً ملبــادئ اإلسـالم ،ولــذا ينبغـي أن تتوجــه كـل اجلهـود لضــمان هـؤالء اجلنــود اجملاهـدين فتفــرض هلم الد َّْولَة الرواتب العالية وتكفل هلم أسرهم أثناء رييبتهم يف الثغور وساحات اجلهاد. وعلــى ســبيل املثــال ،يــروي لنــا الطَّـ َـربي وابــن احثــري أن عمــر بــن اخلطَّــاب رضــي هللا عنــه كــان قــد ف ــرض حه ــل القادس ــية وأه ــل الش ــام م ــن اجلن ــد ألف ــني ألف ــني ،وف ــرض حه ــل ال ــبالء الب ــارع م ــنهم ألف ــني ومخســمائة مث فــرض للــروادف بعــدهم ثالمثائــة ثالمثائــة وســوى كــل طبقــة يف العطــاء ،ق ــويهم وض ــعيفهم، ع ـرهبم وعجمهــم ،وفــرض ملــن بعــدهم مــن الــروادف علــى مــائتني ومخســني ،وفــرض ملــن بعــدهم وهــم أهــل هجر والعباد على مائتني »(.)1 وقــد وصــف خالــد بــن عرفطــة الرواتــب العاليــة للجنــد وأوضــاعهم املاليــة اجليــدة يف زمــن عمــر بــن ال « :ما وطئ أحد القادسيـة إال وعطاؤه ألفان أو مخس عشرة مائة»(.)2 اخلطَّاب رضي هللا عنه ،ف َق َ وكــان عمــر بــن اخلطَّــاب رضــي هللا عنــه يعمــل علــى زايدة عطــاءاهتم ،وال يغيــبهم يف الثغــور علــى احلـدود وجبهــات القتــال مــدداً طويلـة ،وكــان أاب عيــاهلم يف رييبــتهم حــىت يرجعـوا ،فمــن خطبــة لــه رضــي هللا عنه حني توىل اخلالفة قوله: « ولك ــن عل ـ ّـي أيه ــا الن ــاس أن أزي ــد عط ــاايكم وأرزاقك ــم إن ش ــاء هللا تع ــاىل ولك ــن عل ـ ّـي أال ألق ــيكم يف ()4 املهالك وال أمجركم( )3يف ثغوركم وإكا ريبتم يف البعوث فأان أبو العيال حىت ترجعوا » وكتــب اخلليفــة العــادل عمــر بــن عبــد العزيــز رضــي هللا عنــه إىل زيــد بــن عبــد الــرمحن بــن اخلطَّــاب وكان حاكماً على الكوفة ،أيمر أن يرد فضل بيـت املـال علـى اجلنـد فيقضـي ديـوهنم يف ريـري فسـاد ،ويزيـد إيل تــذكر أنــه قــد اجتمعــت عنــدك أمـوال نفقــة مــن تــزوج مــنهم فلــم يقــدر علــى نقــد ويقــول لــه « :كتبــت ّ بعــد أعطيــة اجلنــد فــأعط مــنهم مــن كــان عليــه ديــن يف ريــري فســاد ،أو تــزوج ومل يقــدر علــى نقــد ،والســالم »(.)5 ( )1الطنطاوي ،أخبار عمر ،ص(.)104-103 ()2الطنطاوي ،أخبار عمر ،ص(.)108 ( )3التجمري يف الثغور :هو إبقاء اجلنود يف اجلبهة م ّدة طويلة. ()4الطنطاوي ،أخبار عمر ،ص(.)64 ( )5ابن عبد احلكم :،سرية عمر بن عبد العزيز ،ص(.)67 وكل ــك ي ــدل عل ــى س ــبيل املث ــال ،ك ــم ينبغ ــي أن تتعم ــل الد َّْولَةمس ــؤوليتها املتش ــعبة ــاه ه ــؤالء وجل. اجملاهدين الذين جيودون أبرواحهم ودمائهم يف سبيل هللا ّ عز ّ -8ضمان ألهل ال ّذمة: لقــد بلــغ اإلســالم يف رعايتــه ملواطنيــه أن يــوفر حهــل العهــد وال ّذمــة كــل احلقــوق املشــروعة ومــن كلك الرفق هبم وتوفري رواتب العجز والشيخوخة ملن ضعف منهم وإجراء النفقة على عيـاهلم وعلـى سـبيل املثال فقد جاء يف عهد خالد بن الوليد إىل نصارى أهل احلرية: « بسم هللا الـرمحن الـرحيم :هـذا كتـاب مـن خالـد بـن الوليـد حهـل احلـرية ..وجعلـت هلـم أميـا شـيخ ضـعف عن العمل أو أصابته آفة من اآلفات أو كان رينياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه ،طرحت جزيتـه وعيل من بيت مال املسلمني وعياله ما أقام بدار اهلجرة ودار اإلسالم ،فإن خرجوا على ريـري دار اهلجــرة ودار اإلسـالم فليـس علـى املسلميـن النفقة على عياهلم (.)1 وكــذلك كتــب عمــر بــن عبــد العزيــز رضــي هللا عنــه إىل عاملــة علــى واليــة البصــرة يقــول لــه « :أن أنضـرا يف الر ُجل منهم وليس له مال ،فأنفق عليه»(.)2 أهل الذمة فأرفق هبم وإكا كرب َّ ومـن التطبيقـات العمليـة لـذلك العنايـة بتسـليف املـزارعني مـنهم وإعـانتهم مبـا ميكـنهم مـن تنشــيط أعمــاهلم الزراعيــة ،فقــد كتــب زيــد بــن عبــد الــرمحن بــن اخلطـَّـاب إىل اخلليفــة العــادل عمــر بــن عبــد العزيــز يقول: « أنه قد بقي عندان شيء يف بيت املال » ،فكتب إليه عمر بن عبد العزيـز يقـول لـه « :أن ق ِّـو أهل ال ّذمة ،فإان ال نريدهم لسنة وال لسنتني »(.)3 ( )1أبو يوسف :اخلراج ،ص(.)144 ( )2خليل ،د .عماد الدين :مالما االنقالب اإلسالمي ،ص(.)129 ( )3ابن عبد احلكم :سرية عمر بن عبد العزيز ،ص.)7
© Copyright 2025 Paperzz